Skip to main content

Full text of "وجوه وأسرار من الحرب اللبنانية - نبيل المقدم"

See other formats




العسكريون 


ل 
نبيل قريطم 
فهيم الحاج 


أحمد المخطيب 
شيريف فيلا 
2-0050 
حك كه 
هشيام جاير 


' 


الحزبيون 
أسعد شفتري 
فؤادأبوناضر 
رياض رعد 
شارل غسطين 





0000 
جوزف الهاشم 
عصام نعمان 


0-00 








"وجوه وأسرار" كتابي الأول» أضعه اليوم بين يدي 
ا ا 2 ا لالم 6ك ملي 
شخصيات عسكرية وسياسية وحزبية» لعبت دوراً هاماً 
وأساسياً في محطات من تاريخ لبنان الحديث. ولا سيما في 
ل ا ا ا ا ل نل 
الظل منذ زمن بعيد مؤثراً الصمت على الكلام عن مراحل 
ا ا ا 7 
عشرة شخصية دخلنا إلى خزائن أسرارها واستخرجنا منها الكثير 
من المعلومات والأسرار التي لم تكن معروفة لدى الرأي العام 
0 ا ا ا 1220 ان 
ل ا ا ل 0 لاك 
ل ا 0 2 كا 
ان لان ضرا أن الات 07 1 5 لت 
والإسهاب. 


> الكت 5 2 0 007 لأس بسر الكل 
0 ان لت [زك ل ال للك 
وخاصة أنها تروى على لسان من عاش المرحلة بكل دقائقها. 











نبل (فُقرم 


وعوه ولأسلار 
سّ 7ه (للبنانيم 


59 


٠‏ © بميع مقوق التأثيف والنشر والتوزيع حفوظة 
للمؤلف 

٠‏ تصميم و(إخراج الكتاب: كارينا ويزاين- السوير 

٠‏ (للإشراف راللإخرام الفني وار نلسن لبنان 

٠‏ ذرمة الغللان: سناء برعى 

2016 طبعث بيروت - الطبعة الأول‎ ٠ 


0 البرير الاقتررنى: رووء.انقمغهط© دوواعم2‎ ٠ 
01 -739169 هاتف:‎ « 


المؤسس يوسف سلامة (2000-1925) 
"لسن 


وار 


إهداء 
إلى روح والدي نجيب وسامية:» اللذان شلا نموذجاً في الاستقامة 
والصدق والعيش بكرامة. 


إلى رانية زوجتيء الوردة التي تفوح حبأ وحناناً في محيط عائلتناء 
والصخرة التي لا تتكسر أمام التحديات في الأيام الوعرة. 


إلى طفلتنا الرائعة ديمة؛ الأمل الذي يكبر كل يوم ويتسع. 
إلى كل من يؤمن بأن الحقيقة يجب أن تعرف وأن تقال وان تمارس. 


(نبيل) 


تمهيد 


'وجوه وأسرار" كتابي الأول» أضعه اليوم بين يدي القارئ 
الكريم» بعد عمل وجهد استغرقا حوالى العامين. شخصيات عسكرية 
وسياسية وحزبية؛ لعبت دوراً هامأ وأساسيأ في محطات من تاريخ 
لبنان الحديث. ولا سيما في مرحلة الحرب الأهلية. ومعظم هذه 
الشدخصيات اختار حياة الظل منذ زمن بعيد مؤثراً الصمت على الكلام 
عن مراحل أساسية في تاريخ لبنان الحديث كان فيها في قلب 
الحدث. ست عشرة شخصية دخلنا إلى خزائن أسرارها واستخرجنا 
منها الكثير من المعلومات التي لم تكن معروفة لدى الرأي العام 
ومعظم هذه الشخصيات يتحدث للمرة الأولى عبر هذا الكتاب. ورغم 
ذلك فمن المؤكد أن هذه الشخصيات لم تقل كل ما لديها وهي أصلاً 
لم تخفب الأمر مبررة بأن الوقت لم يحن بعد للتوسع والإسهاب. 

هذا الكتاب بما يتضمنه من معلومات تنشر للمرة الأولى يسدّ 
حاجة كل باحث عن المعلومة الدقيقة والموثقة وخاصة أنها تروى 
عن لسان من عاش المرحلة بكل دقائقها وتفاصليها. 


لا أود التحدث عن الصعويات التي واجهتني أثناء مراحل العمل وهي 

كثيرة وشاقة ولكن العزيمة والإصرار على انجاز هذا الكتاب كانت 

أقوى من كل التحديات. ساعدني في ذلك أصدقاء ومحبون كثر 

أحاطوني بالتشجيع الدائم على الاستمرار في هذا الماراتون الطويل 

حتى الوصول إلى خط النهاية. فلهم كل الحب والتقدير والاحترام. 

واخص منهم معالي الوزير جوزف الهاشم الذي كان لنصائحه دورآ 
7 


في صدور الكتاب بالشكل الذي صدر فيه. والصديقة العزيزة حنان 
فوزي حمدان التي تطوعت للمساعدة في التدقيق اللغوي للكتاب, 
والصديقة المحبة الرسامة سناء مرعي التي تطوعت لرسم صورة 
الغلاف. والإعلامي الصديق الأستاذ علي صفا لدوره الهام في إخراج 
هذا الكتاب إلى حيز الوجود. كما أشكر أيضاً الصديق الدكتور حسن 
جوني لتشجيعه الدائم لي على انجاز هذا العمل. كما أتوجه بالشكر 
أيضاً لجريدة "السفير' لتقديمها صور بعض شخصيات هذا الكتاب. 

وأخيراً لا بد أن أسجل عرفان لامحدود بالجميل إلى زوجتي 
'رانية" لوقوفها معي بإصرار وثبات طيلة فترة عملي في هذا الكتاب 
آخذة عني الكثير من المسؤوليات الملقاة على عاتقي كرب عائلة. 
كما لا بد أيضاً من الإشارة إلى أن هذا الكتاب يصدر وفي القلب حزن 
على غياب ثلاث شخصيات من شخصياته قبل انجاز هذا العمل وهم 
القائد السابق للجيش اللبناني العماد ابراهيم طنوسء ومؤسّس 'حركة 
جيش لبنان العربي" الملازم أول احمد الخطيبء والعميد فهيم الحاج 
واللذين استقبلوني على مدى عدة أسابيع بكل مودة وترحاب؛ وقدموا 
لي الكثير من الحقائق والمعلومات عن الفترة التي كانوا فيها في عين 
العاصفة» تغمدهم الله بواسع رحمته والهم أهلهم الصبر والسلوان. 
وفي الختام يجدر القول إنني في حومة العمل لأجل إصدار الجزء 
الثاني من هذا الكتاب لأن المجال ضاق لنشر كل الحوارات المتعلقة 
بموضوع الكتاب. 


إن جميع المعلومات الواردة في هذا الكتاب هي على 
مسؤولية أصحابها وهي موثقة. كما يمنع نسخ أو استعمال أي جزء 
من هذا الكتاب بأي وسيلة تصويرية أو إلكترونية أو ميكانيكية بما 
فيه التسجيل الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة أو أقراص مقروءة 
أو أي وسيلة أخرى بما فيها حفظ المعلومات أو استرجاعها دون إذن 
خطي من المؤلف. 


5 


مقدمة 
بقلم: ادمون رزق 


ولا مرّة وجدئني في حيرةء كما عندما 
عزمتُ على كتابة هذه المقتمة» استجابة 
لعزيين: الأديب سليمان بختي والصحافي 
نبيل المقدم... 

ذاك أنّنيء في المعتادء عند كتابة مقدمة أو مداخلة» اعتمد 
عنصرين: معرفتي الشخص المعنيّ» وقراءةٌ مختزلة للنصوص» اعتقاداً 
مني أن ليس المطلوبء, في هكذا حالاتء» وضع دراسة عن الكتاب أو 

لكنّ "المهمّة": هذه المرّةء كادت دُعجِرُنيء فأنا لا أعرفُ نبيل 
المقدم كما يُفترضء ولم ألقَهُ إلا عندما زارني لاستيضاح أمور أوردّها 
العماد ابراهيم طنّوسء القائد الشهم والصديق الصادقء الذي عرفئه في 
أدقَ المراحل؛ وحَبرئُه على امتداد العمرء فما بدلتُ نظرةٌ إليه ولا رأيأ 


فيه. 


7 





اذأ... لم تكن معرفتي نبيل المقدّم كافية» ولا معلوماتي عنه 
وافية» تُتِيحُ لي اتَباحَ طريقتي المألوفة... فانصرفتُ إلى الكتاب» ويا 
لساعاتٍ أمضيئها مع صفحاتّه... 

قرأئه من الدقةٍ إلى الدقة» فوجدثني في سَيْلٍ عَرِم' من 
الإخباريات" التي خَفِيِت تفاصيلها عقوداً من الزمن» على "العارفين' 

أقرُ بأن "الاعترافاتِ" التي أدلت بها نخبةٌ مختارة إلى نبيل 


11 


المقدّمء أذهلتني... 

لم يأتِ بشيءٍ من عنديّاته» بل العلّه لم يطرح أسئلة» لم 
يستفرّهم؛ جاءهم مستمعاً» تكلّموا من تلقائهم» كما أفادنيء أطلقوا العنان 
لمخزونهمء أمامّه» وهو صامت,. بيده المسجّلة» لا يقاطع» لا يستوقف, 
يتفرّسُهم» كمّن يقول: نعم؛ خَبّروني بعد... عن أنفسكم؛ عن الآخرين» 
الأدوار التي لعبوهاء الأحلام التي راودتهم» الاتّهامات التي كالوهاء 
والحالات النفسيّة التي مرّوا بها... 
نبيل المقدّم صاحبُ همّة وحاملُ هَمّ... أراد أن يستجمعٌ عناصز 
الحقيقة» من مظائّها المُنتقاة» الأشخاص الذين شاركوا في صُنع الحتث 
أو تحمّلوا وزرّهء مّن عاينوا ويشهدون. رصّذهمء» قصّذهم, أنصت إليهم» 
سجّل كلامّهم؛ على مسؤوليتهم المباشرة» لأن الإعلام يعني "إبلاغ 
الحقيقة": وللمستمع» أو القارئ» أن يستشف. أن يُقِيّمَ الأحاديث العَفْويَةء 
المتقاطعة» التي يحرصٌ أصحابها على تذكّر الجزئيّات لإغناء 
العموميّات. 

'الاعلامئّ المحترف" يتقصّى المعلومة» عند مَن يعتبرهم 
"عالمين". لينقلها إلى مَن يريد أن يعرف. يعتبر نفسه 'محايداً"؛ مجرّدٍ 
'ناقل". يحتفظ برأيه» لا يُبدي وجهة نظره؛ ولا يأخذ موقفأً شخصياً. تلك 
أهميُّه» ومنها قيمةٌ عمله. 

'شغله" إيصال الرسالة إلى المعنيين والمقصودين؛ كالراغبين» 
في كل اتجاه. مهما تكن المعلومة مكيّفة» مُوَضَّبةء مزادة أو مُنْتقصةء 
مُغْرضة أو مُجِرَّدة هي على مسؤوليّة مصدرها. ثمة من يريد التباهي» 
التشقي» الاستباق» الاستلحاق» زحزحة كابوسء تفريج كَرَب... الاتهام» 
التنصّلء هذه كلّهاء وغيرُهاء حوافز للبَوْح والقصّء من طبيعة البشرء ولا 
ملامة! 

أهميّة العمل اكرّرء هو أن نبيل المقدم استجمع اقوال نخبة» 


12 


شاركت في رسم المشهدء أو راقبَئه» فمن حقّهاء بل واجبهاء أن تُخبر. 
الكتمانُ عِلَةَّ قاتلة» كذلك الإنكار: نعرف». نعترف. تروي» نقوم 
بمراجعة» نتّعظ ونعتبرء فنكتسب المناعة» ومنها الخصانة» والراحة 
الوجدانية! 

"الاعتراف سيّد الأدلّة"» تقول القاعدة القانونية. 

القارئ يميل إلى التصديق أكثر منه إلى التشكيك والتكذيب. 
يأخذ أقوال المتحدثين» يُقارنُ» يوازن» يستخلص. 

عندما يكون الشاهدُ "من الأهل", يُقنع. وإذا تعدّد الشهودء 
توافقء يَحسمون. للقارئ أن يُحلّلء ويعيد تركيت المشهدء باستلالٍ 
مكوّناته من مجموع 'الإفادات", على حدّ تعبير قضاة التحقيق» في 
القرارات الظنيّة» التي تتحوّل اتّهامية فأحكاماً... مع الفارق أنه عندناء 
طبعاء لا مساغلة» لا محاكمة ولا عقوبة: الأظِنَاءء المتّهمون» جميعُهم 
'أبرياء"... والفاعل؟ "مجهول"! 

الحقء أبدأء على "الآخَر", هوء هم... انتء انتم... أما أناء 
نحن؟.. فكلّنا ملائكة!.. في معزل عمن "'هم' مَن 'أنتم" ومّن 'نحن"!؟ 

أنا معجب بنبيل المقدّم؛ قلتُ له ذلك واكرّرهء كيف توصّل إلى 
جمع هذا الكمّ من "الاعترافات" بين دَقْتَي كتاب؟ 

ثمّة دلالة» في رأيي» هي أن الحاجة الماسّة إلى الكلام؛ لدى 
الذين عايشواء شاركواء عاينواء توازي الحاجة إلى السّماع والقراءة» لأن 
الأسئلة كثيرة» ولا أحد يبادرُ إلى التوضيح المباشرء حتى يظهر من 
'يشي"!.. فهل هي 'وشايات"؛ في صيغة 'اعترافات؟ لاء انها مجرّدٍ 
"استعادات" من الذاكرة. 

في المحفوظاتء والتداول» حكايات كثيرة» على صفحات 
الجرائد والمجلآت؛ بين دقَاتِ الكتب, لكنّها موضّبة؛ تعتمدُ مراجع تُراحُ 
بين الفئويّة والغرضيّة؛ تحتاج إلى غربلة ونخل. 


13 


لم يأتِ بشيء نبيل المقدّم» من عنده؛ لم يتطقل على أحاديثٍ 
المجموعة العارفة» الشاهدة» المشاركة» روى ما سمع» ويحتفظ بالدليل 
القاطع الساطع. سألتئه: هل عندك التسجيلات؟ قال: مئة وسبعون 
"كاسيت"! 

أناء مَن يظنٌ أنه "عارف". اكتشفتُ كم لا أزال في حاجة إلى 
استكمال المعطيات. لم أيأس قطء ولن اقنظ أبداً... لكن أظئّني» 
شخصيأء مارستُ "لسياسة" بكثير من الطوباوية» تخصّصتُ في 
'الوطنية"؛ استهوتني "المبادئ"... حصرتُ همّي بالخدمة والمساعدة» 
بالوفاق» "الكتلة البرلمانية المستقلّة". العابرة للطوائف» 'لقاء الوثيقة 
والدستور" الجامع للمذاهب... بهاجس واحد: 'بناء الدولة'» في معزل 
عن 'الحصّص"". يقينأ أن تحقيق المصلحة العامة هو الضمان الوحيد؛ 
الأكيد» لجميع المصالح الخاصة. ولا مرّة خُيَل إلى أن شخصاً ما يمكنه 
أن يرتاح ومّن حوله متعبون... مُنْحَمٌ وَسْط جياع... مُكْتَفِ بين 
محتاجين: إمّا أن تعمٌّ البركة الجميع؛ أو تُلاحقهم اللعنةٌ؛ كلّهم معأ . 

لم أهتمٌ كثيراً بتفاصيل المناورات؛ بالرغم مِمَا توليتُ وخَيرْتُ» 
فإذا بنبيل المقدتم» من خلال '"استجواباته"؛ واستماعه إلى "الإفادات" 
العفويّة» التي باح بها ذووهاء ربّما بنيّة 'التَخَفْف" من عبءٍ الكتمان... 
يقدّم للذاكرة الجماعيّة» 'وثائقياً" شائقاً. في حَلَقَاتِء متعدّدة "الأبطال'... 
تبحثُ عن 'بطولة"! 

ليس كتابأ أدبي ولا 'ديوانيً"» لا علميّأ ولا فكريّء لا فلسفةٌ ولا 
تأريخاً... إنه مَزوِيَات تجعلك تضرب كقأ بكف: كم هَزُلت السياسة 
وتدنّت المستويات... كم هبط المنسوب... كم هانت الكرامات 
واستبيحت المصلحة العامة... كم تقلّصت المبادئ وضاعت القِيّم... 
في مهب التبعيّة والاستسلام الجبان» لأمرٍ واقع ما كان ليستمرٌ لولا 
التواطؤ والإذعان! 


14 


شكرأ للذين تحدّثوا بصراحة» أخبروا نبيل ليُخبر الناسء رَوَوا 
وكشفواء كيّفوا وتكيّفوا... أعطوا المادّة الأوليّة التي منها شتخرحٌ 
الحقيقة. 

... تحية لمن لم "يشخصن" شهادته» باح بمكنوناته» قرع 
صدرهء وضع يده على جبينه؛ تذكّرء عَبَره أجرى نقداً ذاتيأء فجعلنا 
مدينين له بالإشادةٍ والتنويه. لأنْ القارئ اللبناني» بذكائه وخبرته» 
سيعرف كيف يكوَّنٌ اقتناعه ويبني حُكمّه. 

طبعاً. ليست هذه نهاية المطافء فثمة أشِياءًٌ باهظة» لدى 
كثيرين آخرين: لا بد أن يُدلوا باعترافاتهم. لم لا؟ فنبيل مترتصء 
ومسجَّلئُّه مُدَجّجَةَ! 

و آنا و 

أهمٌّ ممارسة عقلانيّة هي المراجعة» النقد الذاتي» فحصٌ 
الضمير» تؤهّل الشخص للمضيّ قُدماً. 

... أكبر هاجس لمسؤول؛ يجب أن يكون كيفيّة "الخروج' من 
السلطة» لا الوصول إليها والاستيلاء عليها... وأتعسٌ الفاشلين في 
التاريخ هم الذين يصرّون على الاستمرار بالشخص لا بالمشروع! 

إِنّ المقابيس القيميّة تبينُ عُقمَ التبجّح بالانجازات» التستّر 
بالشعارات والزّهْوِ بالماضيء لأنّ كل جيل مدعرٌ إلى استحقاق مكانته 
وصُنع قترِهء لا الاقتصارٍ على التماسٍ الحُظوة واقتناص المنافع» 
لتوريثها... متذكرين المبدأ القانوني الراهن: "لا إرث قبل وفاءٍ الدين"... 
وإن خير موروث هو الأخلاق! 

9 9 لو 

فيا عزيزي نبيل» إن في خُلاصاتٍ أحاديثٍ مختاريك الأعلام» 
الأكرمين» جدولاً بالهفوات» لائحة اتهاماتء بيان ارتكابات» تبيّنُ تعاسة 
المقاماتِ؛ وتشكّل عِبْرَةٌ للباحثين... 


«٠‏ 9 ب 


15 


... ويا أيّها الجيل الطالع» أنت مَحَطُ الأمل» فحذارٍ أن ترث 

الحَيْبَةَه أو تلتقط عدوى الفشلء إيّاك أن تؤخذ' بالمظاهر» تستمرئ 

الكراسي والألقاب الجوفاءء فكلّها هباء... اقرأ هذا الكتابء إنّه 'كتابُ 

المرحلة"» على ما قد يبقى عالقاً من عِلَل الشكل... اقرأهء تعرفْ مَن؟.. 

كيف؟.. لماذا؟.. لا تسقط في تجربة "السلطة"؛ أصِرٌ على رسالة 

"الخدمة"؛ لأنّ 'كبيركم خادمُكم'؛ وإيّاك أنْ تُكَرَّرَ المأساة» فتستمرٌ 
فجيعةٌ الوطن بأبنائه! 

عفوّك أيّها الجيل الحبيب» يا محطّ الأمل الآتي... عَفْوَ لبنان! 

جزين» أول ايلول 2015 ادمون رزق 


16 


ابراهيم طنوس الجنرال الذي 
هزمته معارك السياسيين 





في المدرسة الحربية . 

في قرية القطلبة الواقعة» في و00 (رشيف السفير) 
عكارء والتي تبعد خمسة كيلومترات عن بلدة القبيات اكبر البلدات 
المارونية في شمال لبنان» ولد ابراهيم طنوس عام 1929. في العاشرة 
من عمره انتقل مع عائلته للسكن في طرابلس حيث ادخله والده إلى 
مدرسة 'الفرير”؛ التي تابع تعليمه فيها حتى تخرج منها عام 1949 
حاملا الشهادة الثانوية» وبالرغم من ان علاماته المتفوقة كانت تؤهله 
للتخصص في مجالات علمية شتى كالطب والهندسة؛ إلا انه فضل 
الدخول إلى المدرسة الحربية بصفة تلميذ ضابط» وكان دافعه إلى ذلك 
إعجابه بخطوة قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب تسليم مقاليد السلطة إلى 
كميل شمعون الذي انتخب رئيساً للجمهورية عام 1952 خلفا لبشارة 
الخوريء إثر استقالته بعد ثورة شعبية بيضاء نظعتها المعارضة بقيادة 
كميل شمعون وكمال جنبلاط وغسان تويني احتجاجاً على الفساد في 
عهده؛ وتلافيأ لحدوث فراغ في السلطة بعد تقديم الرئيس بشارة الخوري 
لاستقالته جرى تعيين قائد الجيش فؤاد شهاب رئيساً لحكومة مؤقتة عُهد 
إليها الاشراف على الانتخابات الرئاسية فقامت بمهمتها خير قيام. 

عام 1955 تخرج ابراهيم طنوس من المدرسة الحربية برتبة 
ملازم» سافر بعدها إلى فرنسا في بعثة عسكرية لمتابعة دورة تطبيقية 
على سلاح المدفعية» حاز خلالها على عدة شهادات تقديرء وبعد 

17 


عودته إلى لبنان شكل إلى فوج المضاد بقيادة العميد "هنري شهاب”؛ لم 
يطمئن الملازم طنوس لوجوده في هذا الموقع» فسعى إلى الإنتقال إلى 
سلاح المشاة إلا ان العميد شهاب كان يرفض طلبه باستمرارء وظل 
الوضع كذلك إلى ان سنحت له الفرصة لتحقيق غرضه؛ عندما سافر 
العميد شهاب في مهمة إلى الخارج» فاستغل الملازم طنوس الأمر وقام 
بإقناع نائب قائد الفوج بالموافقة على طلبه بالإنتقال إلى سلاح المشاة. 
سافر بعدها إلى فرنسا في دورة عسكرية وأمضى تسعة اشهرء وخلال 
وجوده في فرنسا وقع الاعتداء الثلاثي على مصر عام 1956 
وشاركت فيه فرنسا إلى جانب بريطانيا وإسرائيل» واحتجاجاً على هذه 
الاعتداءات قام الضباط العرب المشاركين في الدورة ولا سيما 
الجزائريين منهم بتنظيم مظاهرات في باحة الكلية العسكرية دعمأ 
لجمال عبد الناصر. كانت ردة فعل إدارة الكلية العسكرية على هذه 
التظاهرات انها اتخذت قراراًء باختصار مدة الدورة من إحدى عشرأ إلى 
تسعة شهر. اثارت مواقف الرئيس عبد الناصر في الدفاع عن بلاده 
إعجاب الملازم طنوس فأحبه واحترمه» وأصبح يعتبره قدوة له» ولكن 
من دون ان يلتزم بالافكار الناصرية. 

في اوائل عام 1957 شكل الملازم ابراهيم طنوس إلى قيادة 
منطقة الجنوب» حيث تسلم إمرة موقع الغندورية غير البعيد عن الحدود 
مع فلسطين المحتلة سوى مئات الامتار. كانت الليلة الأولى لتسلمه 
مهامه حافلة بالاحداث؛ التي يندر ان تقع مع الشخص نفسه في آن. 
فبعد ساعات قليلة على تسلمه لمهامه وقع اشتباك مسلح بين دورية 
للجيش اللبناني كانت بقيادة الملازم طنوس ومجموعة فاسطينية مسلحة 
كانت تحاول التسلل إلى فلسطين المحتلة للقيام بعملية ضد الجيش 
الإسرائيلي. وكان هذا الاصطدام هو الأول الذي يقع على الحدود 
الجنوبية بين المقاومة الفلسطينية والجيش اللبناني» والذي انتهى بأبعاد 


18 


الجيش اللبناني للمجموعة الفلسطينية عن المنطقة. ولم تكد تمضي 
دقائق قليلة على انتهاء الاشتباك» حتى وقع اشتباك اخر بين نفس 
دورية الجيش التي كان يقودها ابراهيم طنوس ومجموعة للمكتب الثاني' 
كانت في مهمة على الحدود الجنوبية لم تخبر بها قيادة الجنوب 
العسكرية مسبقاً . استمر الاشتباك مدة نصف ساعة:» ولم يتوقف الا 
بعد ان قام عناصر المكتب الثاني بالتعريف عن انفسهم. في نفس 
الليلة أيضاً كاد الملازم ابراهيم طنوس ان يفقد حياته» عندما دخل عن 
طريق الخطأ إلى حقل ألغام في قرية 'مارون الراس"؛ كان قد زرعه 
الجيش اللبناني تحسبأ لتسلل الإسرائيليين إلى القرى الحدودية» وقبل ان 
يدوس على أحد الألغام انتبه أحد حراس الموقع فصرخ بهء طالباً منه 
عدم الاقتراب أكثر فبقي متسمرأ في مكانه إلى ان حضرت دورية من 
سلاح الهندسة عند الصباح وقامت بإنقاذه. 


أحداث عام 1958 والحادثة المؤلمة 

في اعقاب اندلاع ثورة عام 1958 ضد حكم الرئيس كميل 
شمعون؛ قامت الحكومة اللبنانية بتعبين لجنة لمراقبة وسائل الاعلام 
برئاسة النقيب غابي لحودء كان من بين اعضائها الملازم أول ابراهيم 
طنوس وكان مقرها في السراي الكبير. في تلك الفترة حصل مع ابراهيم 
طنوس حادثان كبيران كان لهما عميق الاثر في حياته؛ الحادث الأول 
عندما وقع اشتباك بين حراس السراياء ومجموعة من قوات المعارضة 
شارك فيه الملازم أول ابراهيم طنوسء» وخلال تبادل إطلاق النار لاحظ 
الملازم طنوسء» وجود شخص يتحرك في داخل حفرة بجانب السرايا 
فظنه أحد المهاجمينء فراح يطلق عليه النار بغزارة» ولكن من دون ان 
يتمكن من اصابته. استمر الاشتباك حوالي الساعة؛ وانتهى بتراجع 


' الاسم الذي كان يطلق على جهاز المخايرات في الجيش اللبناني. 
19 


الثوار إلى مواقعهم السابقة» وبعد ان توقف إطلاق النار تبين للملازم 
أول طنوس أن الشخص المختبئ في الحفرة هو رجل عجوز كان يمر 
بالصدفة بالقرب من السرايا فوجد نفسه عالقا بين نيرك الثوار وحراس 
السراياء فلم يجد مكاناً يحتم فيه سوى هذه الحفرة. شعر الملازم أول 
طنوس بانفعال كبيرء بعد أن اتضحت له هوية الرجل الذي كان يمكن 
له أن يموت برصاصة من بندقيته بلا أي ذنب» فلم يشعر بنفسه إلا 
وهو ينهال عليه بصفعة على وجهه توجع منها الرجل وبكى؛ وبعد أن 
أفاق ابراهيم طنوس من صدمته شعر بالذنب» فراح يبكي بدوره طالباً 
السماح من الرجل العجوز. أما الحادثة الثانية فكانت عندما قام الثوار» 
بهجوم على السراي الكبيرء محاولين احتلالها فتصدت لهم حاميتها. 
دفعت ضخامة الهجوم بالملازم أول ابراهيم طنوسء» إلى طلب الدعم 
من قيادة الدرك التي أرسلت عدد من المصفحات لمساندة المدافعين 
عن السراياء والتي ما ان وصلت بالقرب من السرايا حتى أمطرها 
مسلحو المعارضة بالقذائف الصاروخية» فأصابت أحد شظاياها ابراهيم 
طنوس في عينه اليمنى فانطفأ فيها النور نهائياء ونتيجة لهذه الإصابة 
أصبح ابراهيم طنوس غير صالح للخدمة الميدانية» فجرى نقله إلى 
قيادة الاركان وأسندت إليه رئاسة شعبة التجهيز. 

في العام 1960 عُين ابراهيم طنوس ضابط ارتباط بين قيادة 
الجيش والعشائر في مناطق بعلبك والهرمل» وكانت مهمته متابعة 
مطالب العشائر الخدماتية والإنمائية لدى إدارات الدولة. سمحت له 
مهمته هذه بالإطلاع عن كثب على منظومة الفساد» التي كانت ولا 
تزال تعشعش في إدارات الدولة حتى اليوم. 

حاول رئيس الجمهورية آنذاك فؤاد شهابء محاربة الفساد وقام 
لهذه الغاية بالإستعانة بكبار الخبراء في الإصلاح الاداري من بينهم 
العقيد 'ليه"» وهو ضابط متقاعد من الجيش الفرنسي» تعرف الملازم 


20 


أول ابراهيم طنوس إلى العقيد 'ليه", وأصبحا صديقين؛ هذه الصداقة 
المعلومات عن الأشخاص المرشحين لتولي الوظائف عامة؛ ولكن بعد 
فترة وجد ابراهيم طنوس بأن الأشخاص الذي كان يشير إليهم في 
تقاريره بأنهم من أصحاب السمعة السيئة» كانوا هم لا غيرهم يجري 
تعيينهم في مناصب إدارية في الدولة اللبنانية» مما جعله يعتقد بأن 
المستشار الفرنسي هو المسؤول عن هذه التعيينات فقرر مقاطعته وعدم 
التعامل معه. وبعد قطيعة استمرت عدة أشهر فوجئء الملازم أول 
طنوس بالعقيد 'ليه" يدخل عليه في مكتبه ويقول له: "اعرف انك 
غاضب منيء وانك تعتقد بأنني المسؤول عن هذه التعيينات» ولكن 
الحقيقة ان الرئيس فؤاد شهاب هو من يتحمل مسؤولية هذه التعيينات 
وقد زرته في القصر الجمهوري وسألته عن السبب الذي يدعوه إلى 
تعيين أشخاص فاسدين في إدارات الدولة فسكت ولم يجبء. وكان 
موجوداً عنده رئيس المكتب الثاني العقيد "انطوان سعدء " الذي أجاب 
نيابة عنه قائلاً: 'الآدمي ما بيسمع الكلمة» الآدمي ينفذ القانون فقط 
ونحن نريد أشخاصاً يسمعون الكلمة". 


الحرب اللبنانية - ألغام تحت اشجار الدلب 

عام 1972 سافر المقدم ابراهيم طنوس في دورة عسكرية إلى 
ايطاليا استمرت مدة عامين» وبعد عودته عام ١1974‏ جرى تعيينه 
معاوناً لقائد منطقة البقاع العسكرية كما كُلف في نفس الوقت بقيادة 
القطاع الشرقي؛ على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة وخلال هذه 
الفترة كانت نيران الحرب الأهلية» قد بدأت بالتمدد في كل المناطق 
اللبنانية ومنها منطقة البقاع. 


21 


حاولت قيادة منطقة البقاع» والتي كان على رأسها العقيد 
انطوان لحد ابعاد شبح الاقتتال الطائفي عن المنطقة» فتحول مقر 
منطقة البقاع العسكرية في ثكنة ابلح إلى مقر لإجتماعات فعاليات 
البقاع الشعبية والسياسية» والتي كان الهدف منها البحث في سبل ابعاد 
نيران الحرب عن المنطقة» وبنتيجة المداولات تم الاتفاق على تشكيل 
قوة عسكرية من الجيش اللبناني مهمتها حفظ الأمن في مختلف 
المناطق البقاعية» والاهتمام بمشاكل الخدمات في المنطقة على ان 
يكون عناصر هذه القوة من مختلف الطوائف اللبنانية» وكان من بين 
ضباط هذه القوة الملازم أول احمد الخطيب؛ الذي كلف بالإشراف على 
منطقة سعدنايل. نجحت القوة في مهمتهاء وساد الهدوء في منطقة 
البقاع وبقي م مستمراً لفترة من الزمن إلى أن خرقه قرار منظمة التحرير 
الفلسطينية شق صفوف الجيش اللبناني» والسيطرة على ثكناته. كان 
أول المستجيبين للمخطط الفلسطيني هو الملازم أول احمد الخطيب 
الذي قام مع عدد من عناصره بالاستيلاء على بعض آليات ثكنة 
مرجعيونء واتجهوا بها إلى منطقة البقاع» حيث أعلنوا قيام جيش لبنان 
العربي. فور تبلغه خبر تمرد احمد الخطيب حاول المقدم طنوس 
بصفته قائد القطاع الشرقي الاتصال به لمعرفة أسباب تمردهء ولكن 
احمد الخطيب كان قد قطع كل اتصال مع قيادة الجيش. 

بعد تمركزه في البقاع حاول احمد الخطيبء الاستيلاء على 
ثكنة أبلح بتحريض من حركة فتح. بدأت العملية عندما قام الرائد فايز 
حلاني بتجميع عدد من عناصر الثكنة المنتمين إلى الطوائشف 
الإسلامية؛ وراح يحرضهم على عصيان أوامر العقيد انطوان لحدء 
وكان الرائد حلاني قبل اعلانه العصيان قد اجتمع بعدد من مسؤولي 
حركة فتح في مكان قريب من ثكنة ابلح واتفق معهم على خطة 


' انشق فيما بعد عن الجيش وأسس جيش لبنان العربي. 
22 


لأسقاط الثكنة وتسليمها إلى جيش لبنان العربيء ونتيجة لهذا المشهد 
وجد الضباط المسيحيون في ثكنة أبلح نفسهم في وضع صعبء وانه لم 
يعد بإمكانهم الاستمرار في أداء مهامهم فقرروا مغادرتهاء ولكنهم تريثوا 
في تنفيذ قرارهم؛ ريثما يقفون على رأي رئيس فريق الضباط السوريين 
في لجنة الارتباط السورية اللبنانية المشتركة العقيد مفتخر الشرع الذي 
أجابهم بأن التعليمات المعطاة له من قيادته هي بالوقوف على الحياد 
في كل ما يجري من أحداث بين أبناء الجيش اللبناني". في هذا الوقت 
كان اليساريون والفلسطينيون» قد حشدوا قوات لهم حول ثكنة أبلح 
استعداداً لاقتحامها في حال لم تنجح عملية اسقاطها من الداخل؛ الأمر 
الذي جعل الضباط المسيحيون يحسمون قرارهم بمغادرة الثكنة» وكان 
ذلك في 1976/3/12. كان أول المغادرين الملازم أول يوسف 
الطحانء الذي اتجه مع عناصره صوب مدينة زحلة» وفي اليوم التالي 
لحق به المقدم ابراهيم طنوسء الذي توجه إلى منطقة الكرك حيث 
كانت توجد ثلاث سرايا تابعة لأمرته» وكان المقدم طنوس قبل مغادرته 
للثكنة قد تلقى برقية من رئيس الجمهورية سليمان فرنجية» يناشد فيها 
الرئيس حافظ الأسد التدخل لحماية زغرتا من هجوم يعده عليها 
الفلسطينيون وحلفائهم في الحركة الوطنية» وفور تلقيه البرقية قام المقدم 
طنوس بإبلاغها إلى العقيد مفتخر الشرع. استجاب الرئيس الأسد لنداء 
الرئيس سليمان فرنجية» وأمر بإرسال مجموعات من منظمة الصاعقة 
الفلسطينية الموالية لدمشق إلى زغربًا لمساعدة أبنائها في الدفاع عن 
أنفسهم» وبعد ان أصبحت ثكنة ابلح خالية من العناصر المسيحية» 
أعلن العناصر والضباط المسلمون الموجودون فيها انضمامهم إلى 
جيش لبنان العربي بقيادة احمد الخطيب. شجع سقوط ثكنة ابلح 
عناصر المنظمات الفلسطينية وجيش لبنان العربي على محاولة التمدد 
نحو مراكز عسكرية أخرى في منطقة البقاع بينها قاعدة رياق الجوية» 


23 


الا ان مسارعة قائد القاعدة المقدم فهيم الحاج؛ إلى طلب النجدة من 
السوريين فوت عليهم هذه اللزمنة 'وكان هذا التصرف تصرفاً حكيماً 
من فهيم الحاج". وبعد ان استقر في زحلة اعلن المقدم ابراهيم طنوس 
قيام 'تجمع عسكريي رحلة" الذي التحق به عدد كبير من الضباط 
المسيحيين في البقاع كان في طليعتهم النقيب طارق نجيم والملازم أول 
يوسف الطحان. كانت المشكلة الأولى التي واجهت المقدم طنوس بعد 
تمركزه في زحلة هي تأمين الرواتب للعناصر التي التحقت به؛ والتي 
كان قد تعذر تأميئها بالطرق العادية بسبب انقطاع الطرقات بين زحلة 
وبيروت نتيجة الظروف الامنية. وبغية حل هذه المشكلة توجه المقدم 
ابراهيم طنوس إلى فرع المصرف المركزي في زحلة؛ وطلب من مديره 
صرف رواتب العسكريين الملتحقين به» لكن المدير رفض معللا رفضه 
كدي وم و الوه اك 
القبض نيابة عن غيره» واقترح على ابراهيم طنوس الدخول إلى خزنة 
المصرفء واخذ ما ب من أموال دون حسيب أو رقيب. توجس 
ابراهيم طنوس من هذا الاقتراح وأحس انه يخفي وراءه امرأً مريب وقد 
تأكد له ذلك عندما اخبره صديق له كان مسؤولاً سابقاً في الحزب 
السوري القومي الإجتماعي بأن المدير المذكور استغل ظروف الحرب» 
وقام باختلاس مبالغ كبيرة من المصرف المركزيء وانه يريد التغطية 
على سرقاته من خلال توريطه بالدخول إلى خزنة المصرفء بعد ان 
اتضحت له الصورة قام المقدم طنوسء بإرسال مجموعة من عناصره 
إلى المصرفء قامت بأقفال أبوابه بالشمع الأحمر ومنعت الدخول إليه. 
اما مسألة رواتب العسكريين فقد جرى حلها بالاتفاق مع المصارف 
الخاصة في المدينة» والتي التزمت بدفع رواتب العسكريين مقابل تعهد 
من قيادة الجيشء بإعادة الأموال المدفوعة. 

بتاريخ 2 حزيران 1976 شهدت الحرب الأهلية تطوراً مفصلياً 


24 


تمثل بدخول الجيش السوري إلى لبنان وانتشاره في منطقة البقاع» وفي 
هذا الاطار ابلغ السوريون المقدم ابراهيم طنوس نيتهم بالدخول إلى 
زحلة» وطلبوا منه عدم محاولة عرقلة انتشارهم والا فإن المدينة ستدفع 
الثمن غالياً . اثار طلب السوريين هذا انقساماً بين فعاليات المدينة» 
فاجتمعوا في "مدرسة الكلية الشرقية" لتدارس الموقف. استمر الإجتماع 
حتى ساعات الفجر الأولى لم يتمكن خلاله المجتمعون من التوصل 
إلى موقف موحد ففي حين اعلن الدكتور نقولا فتوش معارضته لهذا 
الدخول؛ جاء موقف النائب الياس الهراوي مؤيداً لهء مما اوقع جدلاً 
عنيفاً بين الطرفين كاد يتحول إلى شجار. استمرت المناقشات حتى 
الساعة الخامسة فجرا وهو الموعد الذي حدده السوريون للدخول إلى 
المدينة دون التوصل إلى ل موحدء عندها قرر المقدم طنوس حسم 
الجدل» فوقف واعلن باسم تجمّع عسكريي زحله رفضه دخول القوات 
السورية إلى المدينة. وبعد 0 انفض الإجتماع شرع طنوس في 
الاعداد» لسلسلة من التحركات السلمية التي تعبر عن رفض الاهالي 
دخول القوات السورية إلى مدينتهم» ومع وصول القوات السورية إلى 
مدخل زحلة بدأ تنفيذ الخطة؛ فقرعت الاجراسء وقام عدد كبير من 
نساء المدينة بافتراش الارض امام الدبابات السورية» وفي نفس الوقت 
كان هناك وفد من فعاليات المدينة بقيادة المقدم طنوسء, يجتمع مع قائد 
القوات السورية التي ستدخل إلى زحلة ويدعى الرائد حسن؛ حيث جرى 
إبلاغه بأن الدخول إلى المدينة سيكون ثمنه مكلف للطرفين. كان موقف 
الضابط السوري هو التجاوب مع رغبة اهل المدينة؛ فأمر قواته بالتوقف 
في مكانها بانتظار إجراء مشاورات مع قيادته في دمشقء وبعد أن 
غاب لمدة ثلاث ساعات عاد 'الرائد حسن" ليبلغ المقدم طنوس قراراً من 
الرئيس حافظ الأسدء بوضع القوات السورية المكلفة بالدخول إلى زحلة 
تحت تصرفهء والتي كانت تابعة للواء 81 بقيادة العقيد "توفيق جلول". 


25 


مبادرة الرئيس الأسد استغلها المقدم طنوس لتوثيق علاقته بالعقيد جلول 
فأصبحا صديقين» وبنتيجة هذه الصداقة أصبح العقيد جلول يثق 
بالمقدم طنوس ويطلب منه المساعدة في بعض الأمور المتعلقة بمهمته 
في لبنان. 

بعد ان استتب الأمر للقوات السورية في البقاع» انتقلت إلى 
تنفيذ المرحلة الثانية من خطتهاء وهي الوصول إلى بيروت. قبل 
تحركها نحو العاصمة اللبنائية طلب العقيد جلول من المقدم طنوس 
ابلاغ الرئيس سليمان فرنجية المساعدة في ازالة العوائق من امام 
القوات السورية في الكحالة. كما اطلعه أيضأ على خطة تحرك القوات 
السورية نحو بيروتء وبعد ان اطلع المقدم طنوس على الخطة سأل 
العقيد جلول» عما اذ كان دخوله إلى بيروت سيتم بالتنسيق مع كمال 
جنبلاط وياسر عرفات فاجابه العقيد جلول بالنفي؛ عندها قال له المقدم 
طنوس: "اذا انتظروا الأسوأ فحالما ستصلون إلى صوفر ستجدون اوراقاً 
كثيفة من شجر الدلب المتساقطة على جانبي الطريقء وتحتها عدد 
كبير من الألغام المضادة للدبابات» والتي ستتفجر حالما تدوس عليها 
آلياتكم» وبعدها سيخرج مقاتلون من وراء الصخور للإجهاز على ما 
تبقى من قواتكم بقذائف 'الار بي جي"؛: وعندها ستجدون انفسكم 
عالقون في الوسط لا قدرة لكم على التقدم ولا على التراجع'. وبعد 
خروجه من مكتب العقيد جلول توجه المقدم طنوس إلى مقر اقامته في 
زحلة. عند الفجر فوجئ المقدم طنوس بجندي سوري يطرق بابه ويبلغه 
ان العقيد جلول ينتظره في الخارج. طلب العقيد جلول من ابراهيم 
طنوس مرافقته في سيارته ولم يفصح له عن وجهة سيرهء ولما أصبحا 
خارج المدينة اخبره بأن قواته قد مُنيت بخسائر كبيرة في صوفر. 
وعندما وصلوا إلى ضهر البيدر صعدا إلى تلة تشرف على بلدة 
صوفرء حيث امكن لهما من هناك مشاهدة سحب الدخان وهي 


26 


تتصاعد من الدبابات السورية المحترقة على طريق المديرج صوفر. 
كان هذا المشهد كافياً لأبراهيم طنوس حتى يفهم ان تحذيراته للعقيد 
جلول كانت في مكانهاء وان عليه مساعدته للخروج من هذا المأزق» 
فكان أول ما طلبه منه هو إعادة نشر قواته بطريقة دفاعية وكان الخطأ 
الكبير الذي ارتكبته القوات السورية والذي ادى إلى اصابتها بهذه 
الخسارة القاسيةء هو أنها قامت بحشد قواتها بطريقة استعراضية؛ 
اعتقاداً منها ان الاهالي لن يقدموا على التصدي لها. 

استمرت عملية إعادة نشر القوات السورية طوال فترة قبل 
الظهرء وبعد الانتهاء من هذه العملية جلس العقيد جلول والمقدم 
طنوس في خيمة القيادة لإعادة تقييم الموقف من جديدء وفي اثناء ذلك 
وصل وفد درزي يضم محامياً من آل أبو زكي ورجلي دينء وطلبوا 
مقابلة العقيد جلول. كان الوفد يحمل عرضاً من كمال جنبلاط بالافراج 
عن الجنود السوريين الذين اعتقلهم الاشتراكيون في معركة صوفر 
وتسليم جثث الجنود القتلى في مقابل الافراج عن شبان دروز اعتقلتهم 
القوات السورية اثناء محاولتها التقدم إلى صوفر. 

بدأ الحديث بين الوفد الدرزي والعقيد جلول هادئاً ولكن الاجواء 
ما لبثت ان توترتء وعلت نبرة العقيد جلول عندما وصله خبر يقول 
بأن الاشتراكيين قد قاموا بالتمثيل بجثث الجنود السوريين الذين قتلوا في 
صوفر فغضب وتوتر وقال للوفد الدرزي: "خلي الجنود عندكون 
واسراكم يلي عندي بدي اعملهم قورما". شعر الوفد الدرزي من جراء 
هذا التهديد بالاهانة» وكان رده حادأ مما اشعل جدلاً بين الطرفين تفوه 
خلاله العقيد جلول بكلام ناب بحق ضيوفه» فخرجوا من عنده وهم 
يشعرون بإلاهانة. وبعد ان أصبح المقدم طنوس والعقيد جلول وحيدين 
دار بينهما الحوار التالي: 

المقدم طنوس: ؟لا يوجد عندكم دروز في سوريا؟ 


27 


العقيد جلول: نعم يوجد. 

المقدم طنوس: 'إذا انت تعرف ان الدرزي يفضل الموت على 
الاهانة وان هذه الغلطة ستدفع ثمنها وحدك ومن كيسك أيضاً. 

العقيد جلول: التعليمات التي عندي تقول ان الأولوية هي 
لإنقاذ ارواح الجنود. 

بعد هزيمته في صوفر قام العقيد جلول بإعادة تنظيم قواته من 
جديد مستفيداً من النصائح التي قدمها له المقدم طنوسء الأمر الذي 
مكنه من القيام بهجوم جديد على صوفر نجح خلاله في السيطرة 


عليها. 
السوريون يسقطون مخيم تل الزعتر والقصف يأتي من 
نيران صديقة 


بعد ان استتب الأمر للسوريين في صوفرء جاء العقيد توفيق 
جلول إلى ابراهيم طنوسء واخبره بأن هناك كتيبة سورية تابعة للواء 81 
كان قد جرى ادخالها في وقت سابق إلى مخيم تل الزعتر تحت اسم 
منظمة الصاعقة الفلسطينية» من اجل تعزيز صموده بوجه مليشيات 
الجبهة اللبنانية» وانه من دون عودة هذه العناصر إلى قطعاتها 
الاساسية» فأنه سيكون متعذراً عليه اكمال تقدمه نحو بيروت. على اثر 
ذلك قام المقدم ابراهيم طنوس بإرسال مجموعة استطلاع مؤلفة من 
ثلاثين عنصراً بقيادة الملازم أول يوسف الطحان إلى محيط مخيم تل 
الزعترء وذلك في محاولة لاستكشاف ثغرة ما يمكن من خلالها 
للعناصر السورية الخروج من المخيم» وكان المقدم طنوس يأمل في ان 
يؤدي خروج العناصر السورية من مخيم تل الزعتر إلى ضعضعة 
المدافعين عنهء وبالتالي سقوطه سريعاً نظراً للثقل الذي كان يشكله 
هولاءء في عملية الدفاع عن المخيم. وفي ليلة ظلماء شنت قوات 


28 


الجبهة اللبنانية هجوماً محدوداً على مخيم تل الزعتر تمكنت خلاله من 
فتح ثغرة صغيرة في خطوط المدافعين عنه؛ مما سمح للجنود السوريين 
بالخروج من المخيم والعودة إلى مراكزهم الأساسية في منطقة البقاع 
بحماية عناصر من الجيش اللبناني وحزب الكتائب. 

كان ابراهيم طنوس يشعر طوال فترة وجوده في زحلة بأن 
السوريين لا يستسيغون بقائه في المدينة» بالرغم كل المساعدات التي 
قدمها لهم» وانهم يرغبون بخروجه منها في اسرع وقت. وكان انزعاج 
السوريين من ابراهيم طنوس مرده إلى عدم رغبتهم بوجود قوات نظامية 
في بقعة انتشارهم الا تلك التابعة لهم لذا راح العقيد توفيق جلول يحث 
المقدم طنوس على مغادرة زحلة» والإنتقال إلى منطقة الجبل والمشاركة 
في المعارك مع الجبهة اللبنانية. وافق المقدم طنوس على طلب العقيد 
جلول؛ وقام بالإنتقال مع قواته إلى بلدة 'بقعتوته' في منطقة المتن 
الشمالي التي اتخذها مركزاً لقيادته» بعد 7 استقر في 'بقعتوته" زارة 
الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل بقصد التعرف عليه وتقديم 
الدعم له كما زاره أيضاً أمين وبشير الجميل حيث جرى الاتفاق على 
ان يقوم اقليم المتن الشمالي الكتائبي بتقديم التموين لعناصر 'تجمع 
عسكريي زحلة". بدوره أبدى قائد الجيش العماد حنا سعيد استعداده 
لتزويد المقدم طنوس بالذخيرة وقطع الغيار من مخازن الجيش اللبناني» 
وكان المقدم طنوس قبل مغادرته زحلة قد تلقى وعدا من العقيد توفيق 
جلول بتقديم الدعم المدفعي له في حال احتاج إلى ذلك: ومع بدء 
الهجوم السوري على المواقع اليسارية والفلسطينية في منطقة المتن 
التقدم باتجاه بعض تلال منطقة صنينء لكنها جوبهت بمقاومة عنيفة 
على جزء واسع من هذه التلال. فطلب المقدم طنوس المساندة المدفعية 


29 


من القوات السورية» ولكن المفاجأة كانت في ان السوريين قاموا بتوجيه 
قذائفهم باتجاه القوات التابعة لأبراهيم طنوس على مدى اكثر من 
ساعتين لم تفلح خلالها الاتصالات التي اجراها المقدم طنوس مع 
القيادة السورية في البقاع في وقف القصف. وكان لافتأ غياب العقيد 
توفيق جلول عن السمع طوال مدة القصفء ونتيجة للقصف الذي 
تعرضت له قواته» وجد المقدم طنوس نفسه مضطرأ للانسحاب من 
المواقع التي كان قد سيطر عليها خلال الساعات الأولى للمعركة» وبعد 
مرور حوالي الاسبوع على هذه الحادثة» التقى المسؤول الكتائبي 
'مارون لويس أبو شرف" بالعقيد توفيق جلول وعاتبه على فعلته هذهء 
لكن العقيد جلول نفى ان يكون له يد في ما حدثء وقال لمارون أبو 
شرف: "لا أحب ان اتذكر هذه الحادثة مطلقاً". بعد فشل الهجوم وجد 
المقدم طنوس نفسه مضطراً لنشر قوات اضافية في اماكن سيطرته؛ 
وذلك تحسبأ لهجوم معاكس قد تقوم به القوات اليسارية والفلسطينية 
على مواقعه؛ فطلب من حزبي الكتائب والاحرارء إرسال عدداً من 
عناصرهم من اجل المساعدة في تأمين خطوط الجبهة؛ ولكن سرعان 
ما تبين له ان هذه العناصر هي عديمة الفائدة» فما أن يحل الظلام 
حتى كانت تترك مواقعها وتهرب خوفاً من هجوم قد تتعرض له من قبل 
القوات المعادية. 

كان المقدم طنوس يتابع سير المعارك من بلدة 'مشيخا" 
القريبة من "المتين"؛ عندما اتصل به النقيب فواز المصريء والذي كان 
يقاتل في صفوف جيش "الطلائع العربي اللبناني" بقيادة المقدم فهيم 
الحاج.: وابلغه بأن عناصر من حزب الكتائب قد استغلت تقدم القوات 
السورية في منطقة المتن الشماليء وقامت بالدخول إلى بلدة 'صليما"» 
وارتكبت مجزرة بحق سكانها الدروزء وانه قد تناهى إلى سمعه ان ذويه 
قد يكونون من بين ضحايا المجزرةء» وفور تلقيه الخبر قام المقدم 


30 


طنوس بالتوجه إلى بلدة صليما برفقة أحد الضباط السوريين. كانت 
البلدة تغرق في صمت ثقيل ولا اثر للحركة فيهاء وفي اثناء تجواله في 
البلدة التقى المقدم طنوس برجل كان يجلس على الحافة بالقرب من 
الكنيسة» وعندما حاول التحدث اليه هرب ودخل إلى منزله واقفل الباب 
خلفه. في هذه الاثناء تلقى الضابط السوري الذي كان برفقة المقدم 
طنوس اتصالاً على جهازه اللاسلكيء أفاده فيه المتصل بوقوع مجزرة 
أخرى في بلدة ارصون القريبة من صليماء وان المسؤول عن المجزرة 
هو حزب الكتائب» وفور تلقيه النبأ توجه الضابط السوري إلى بلدة 
ارصونء؛ فيما عاد المقدم طنوس إلى بلدة مشيخاء حيث وجد الشيخ 
أمين الجميل بانتظارهء الذي اكد له وقوع مجزرة في صليماء وان 
المسؤول عنها هما شقيقه الشيخ بشير والرائد في الجيش اللبناني فرنسوا 
زين' وهو من ابناء بلدة صليما. 


أحداث الفياضية والحق مع العماد فيكتور خوري 

على الرغم من تحول القوات السورية التي دخلت لبنان» إلى 
قوات شرعية عاملة في اطار قوات الردع العربية» بأمرة رئيس 
الجمهورية اللبنانية الياس سركيسء فأن حال من الجفاء ظلت تسود 
بين الجيشين السوري واللبناني في نقاط تواجدهما المشتركة» وكان هذا 
الجفاء مرده إلى القاعدة التي تقول بأنه "لا يمكن تواجد جيشان على 
ارض واحدة فحيث لا يكون جيشك يكون جيش الاخرين"؛ وبنتيجة هذا 
المشهد أصبح عدد كبير من ضباط الجيش اللبناني يشعرون بأن 
الجيش السوري قد أتى لبنان للهيمنة عليه وليس لمساعدته للتخلص من 
آثار الحرب الاهلية؛ ونسي عدد كبير من اللبنانيين الدور السوري في 


' قضى بقذيفة على المدرسة الحربية عام 1990 خلال الحرب بين قوات العماد ميشال 
عون وقوات سمير جعجع. 
31 


انهاء حرب السنتين» وأصبحوا ينظرون إلى الجيش السوري على انه 
جيش احتلال؛ وكان لغياب التفاهم السياسي بين الرئيسين اللبناني 
الياس سركيس والسوري حافظ الأسد اثر كبير في تفاقم الامور على 
الأرض بين الجنود السوريين واللبنانيين. وبالرغم من الاجواء المشحونة 
على الأرض فأن قائد اللواء 81 توفيق جلول ظل ينسق مع الجيش 
اللبناني في بقعة انتشار قواته وخاصة في محيط الحازمية واليرزة» وهو 
نزل عند رغبة المقدم طنوس بعدم التمركز بالقرب من وزارة الدفاع» 
نظراً لما سيخلقه هذا التمركز من: حساسية بين الجيشين؛: ولكن مع 
مغادرة العقيد جلول إلى سوريا بعد انتهاء مهمته في لبنان وحلول العقيد 
'شحود"؛ مكانه بدأ المشهد على الارض يتغير» وكان السبب الرئيسي 
لهذا التغير هو الاطباع الخشنة للعقيد '"شحود": والتي كانت أحد اسباب 
تدهور العلاقات بين الجيشين اللبناني والسوري في محيط وزارة الدفاع. 

في الثامن شباط عام 1978» اندلع خلاف بين عناصر من 
الجيشين واللبناني والسوري بالقرب من ثكنة الفياضية؛ والذي كان سببه 
قيام السوريين بوضع حاجز لهم على باب الثكنة» الأمر الذي اثار 
غضب قائد المغاوير النقيب سمير الاشقرء فخرج مع عدد من عناصره 
وقاموا بمهاجمة مخيم للقوات السورية في منطقة الفياضية: مما اسفر 
عن مقتل 26 جنديا من الجيش السوري. 

بعد هذا الحادث الدامي ساد شعور عند قائد ثكنة الفياضية 
العقيد انطوان بركات بأن السوريين لن يسكتوا عن المجزرة التي حلت 
بهم» وانهم قد يعمدون إلى مهاجمة ثكنة الفياضية انطلاقاً من نقاط 
تمركزهم قرب بيوت الضباطء وتحسّباً لحدوث مثل هذا الأمرء طلب 
العقيد بركات من قائد الجيش العماد فيكتور خوريء» تزويد الثكنة بالمزيد 
من السلاح والعتاد لكي تتمكن من الدفاع عن نفسها في مواجهة أي 
هجوم سوري محتملء لكن قائد الجيش رفض هذا الطلب» مما دفع 


32 


العقيد بركات إلى طلب المساعدة من المقدم ابراهيم طنوسء والذي كان 
قد أصبح قائداً لكتيبة الجيش اللبناني في بلدة رومية. استجاب المقدم 
طنوس لطلب العقيد بركات» وزوّده بالعتاد من مخازن ثكنة رومية» من 
دون الرجوع إلى قيادة الجيشء وكان المقدم طنوس مع عدد من ضباط 
الجيش في ذلك الوقت ينظرون إلى العماد فيكتور خوري على انه أداة 
من ادوات سوريا في لبنان. وبالرغم من تزويد المقدم طنوس لثكنة 
الفياضية بالسلاح؛ فأنه ظل يشعر بأن ما يقوم به غير كاف من اجل 
الدفاع عن الثكنة» وان الحل يكمن في قيام قيادة الجيش بواجباتها في 
حماية الثكنة» فقرر مواجهة قائد الجيش ووضعه امام مسؤولياته. رفض 
قائد الجيش طلب المقدم طنوس امداد ثكنة الفياضية بالمزيد من 
السلاح؛ والمح له خلال الحديث معه انه على علم بما يقوم به من 
عمليات نقل للأسلحة إلى ثكنة الفياضية» وانه لا يمانع في هذا الأمر 
شرط ان يبقى سرأًء وبعد انتهاء مقابلته مع قائد الجيش توجه المقدم 
ابراهيم طنوس إلى مكتب مدير المخابرات العقيد جوني عبده للغاية 
نفسهاء والذي كان رأيه مطابقاً لرأي قائد الجيش. 

لم ييأس ابراهيم طنوس من إمكانية اقناع قيادة الجيش بوجهة 
نظرهء وهو لهذه الغاية استعان بالنائب أمين الجميل» الذي ربطته 
علاقة صداقة بالعماد فيكتور خوري. حاول أمين الجميل اقناع قائد 
الجيش بتعزيز دفاعات الثكنة» ولكن قائد الجيش أجابه قائلاً: "حماية 
الثكنة تكون بالسياسة وليس بالبارودة وانا اقوم بواجبي في حمايتها 
وخلينا هيك اسلم'"» وبعد اكثر من خمسة وثلاثين عاما على حادثة 
الفياضية يقول قائد الجيش السابق العماد ابراهيم طنوس: "اثبتت 
تطورات الاحداث ان العماد فيكتور خوري كان على حق وانه كان 
مدركاً لابعاد اللعبة اكثر منا". 

في هذه الاثناء استمرت الاتصالات بين الجانبين اللبناني 


33 


والسوري من اجل حصر تداعيات حادثة الفياضية» والتي اسفرت إلى 
التوصل إلى اتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لبنانية سورية» مهمتها 
تحديد المسؤولين عن الحادث؛ واحالتهم على المحاكمة امام محكمة 
سورية لبنانية مشتركة» وفي نهاية عملها اعلنت اللجنة عدة قرارات كان 
من ابرزها احالة المقدم ابراهيم طنوس والنقيب سمير الاشقر على 
المحاكمة بتهمة التسبب في حادثة الفياضية. 

شكل هذا الاتهام مفاجأة كبيرة لأبراهيم طنوس؛ خاصة انه لم 
يكن موجوداً في ثكنة الفياضية ساعة وقوع الاشتباك بين الجيشين 
اللبناني والسوري؛ وان دوره في هذا الملف اقتصر على نقل الاسلحة 
إلى ثكنة الفياضية بعد وقوع الحادثء وهذا وقد تبين للمقدم طنوس فيما 
بعد ان عملية إقحام اسمه في الحادث؛ كان يقف خلفها بعض ضباط 
المخابرات في الجيش اللبناني. 

بعد إعلان اسماء المتهمين في حادثة الفياضية طالب الرئيس 
حافظ الأسد بإعدامهم» وظل متمسكأ بموقفه إلى ان تمكن وزير 
الخارجية اللبناني فواد بطرس من اقناعه؛ بأن اعدام ضباط في الجيش 
اللبناني سيكون له تداعيات خطيرة على العلاقات بين الجيشين اللبناني 
والسوري» عندئذ جرى البحث في صيغة أخرى لتسوية الملف. فتم 
الاتفاق على وضع المقدم ابراهيم طنوس مع عدد من الضباط 
بالتصرف. الا ان النقيب سمير الاشقر رفض هذا القرار واعلن تمرده 
على قيادة الجيش مع مجموعة من المغاوير وقاموا باستحداث مركز 
لهم في بلدة "المطيلب". حاولت قيادة الجيش اعتقال النقيب الاشقر الا 
انه رفض الاستسلام وقام بإطلاق النار على القوة التي حاولت اعتقاله 
والتي بادلته إطلاق النار مما أدى إلى اصابته بجراحء وفي اثناء نقله 
إلى سيارة الاسعاف جرت تصفيته. 

بعد ان أصبح بالتصرفء راح المقدم ابراهيم طنوس يفتش عن 


34 


مورد آخر للرزق. فاستأجر قطعة ارض في منطقة نهر ابراهيم» شيد 
عليها معملاً لحجارة الباطون. 


حرب المئة يوم 

في 2 تموز 1978 كان المقدم ابراهيم طنوس في منزله» في 
الاشرفية عندما راحت القذائف تتساقط على الشارع الذي يسكن فيه 
فأعتقد للوهلة الأولى ان القصف يستهدف منزل الرئيس كميل شمعون؛ 
والذي كان يسكن قريباً من منزله. فقرر ان يذهب بنفسه للاطمئنان 
عليه. كان الرئيس شمعون يحتمي تحت الدرج ويمسك رشاشاً بيدهء 
تأثر المقدم طنوس لهذا المشهدء فدعا الرئيس شمعون للإنتقال إلى 
منزله» حيث المكان اكثر امانأًء لكن الرئيس شمعون رفض وقال للمقدم 
طنوس:" "ابراهيم شو قصتك بعدني شاب خليك هون؛ واذا صار شي 
منقوص سوا"؛ ونادى على مرافقه عبدو جابرء وطلب منه تسليم المقدم 
ابراهيم طنوس رشاشأ . ومع تطور عمليات القصف السوري على 
الاشرفية» اعتبر المقدم ابراهيم طنوس ان من واجبه المشاركة في 
المعركة إلى جانب ابناء منطقته فتوجه إلى المجلس الحربي الكتائبي» 
ووضع نفسه بتصرف الشيخ بشير الجميل؛ الذي كلفه بتدريب بعضص 
كوادر القوات اللبنانية» على ادارةٍ المعركة التي اطلق عليها اسم 'حرب 
المئة يوم'. 

وجد بشير الجميل في حرب المئة يوم فرصة مناسبة له لإبراز 
نفسه الزعيم المسيحي الأول في لبنان» وهو عبر عن طموحه هذا 
بالطلب من المقدم طنوس مساعدتهء» في الوصول إلى رئاسة 
الجمهورية" فاقترح عليه المقدم طنوس ايجاد قضية له يمكن ان يربحهاء 
ويمكن له من خلالها تأمين التفاف المسيحيين حوله. اعجب بشير بهذا 
الاقتراح» وقرر ان تكون قضيته هي اخراج القوات السورية من المنطقة 
الشرقية. 

35 


ساعدت الظروف السياسية التي رافقت معركة المئة يوم بشير 
الجميل في كسب رهانه على خروج القوات السورية من الاشرفية كما 
نجح أيضأ في استمالة عدد كبير من المسيحيين في المنطقة الشرقية 
إلى جانبه بفضل اهتمامه الدائم بشؤونهم الحياتية طيلة فترة حرب المئة 
اليوم؛ فكان يجول عليهم ليلاً في الملاجئ» للوقوف على معاناتهم. بعد 
اعلان القوات السورية موافقتها على الخروج من المنطقة الشرقية» بدأ 
اعلام الجبهة اللبنانية حملة لإقناع المسيحيين» بأن خروج هذه القوات 
من المنطقة الشرقية» كان نتيجة هزيمة لحقت بها على يد القوات 
اللبنانية» في حين انه جاء استجابة للضغوط التي مارستها عليها عدد 
من الدول الغربية والعربية. ويقول ابراهيم طنوس عن معركة المئة يوم: 
"كان أحد اهم اسباب تدهور العلاقات بين الجبهة اللبنانية والسوريين» 
هو ان الجبهة اللبنانية كانت تعتقد انها تستطيع ان تأتي بالدول إلى 
لبنان لخدمة لمصالحها ساعة تريد» وان تطلب منها مغادرته ساعة 
تشاء دون ان تأخذ بالحسبان ان لهذه الدول مصالح وحسابات أيضاً". 

بعد انتهاء حرب المئة اليوم استمر المقدم طنوس مواظباأً على 
اعطاء الدروس العسكرية لمجموعة من كوادر القوات اللبنانية ومن 
بينهم ايلي حبيقة» لكنه ما لبث ان اوقف هذا العمل وذلك في اعقاب 
محاولة القوات اللبنانية اغتيال وزير الخارجية فؤاد بطرس في الاشرفية 
في 1978/11/3 في كمين قرب منزله في الاشرفية نجا منه الوزير 
بطرس بأعجوبة فيما قتل عدد من مرافقيه» كما فقد مسؤول المواكبة 
الملازم قزحيا شمعون. بعد انتشار نبأ الكمين حضرت خطيبة الملازم 
شمعون إلى منزل المقدم طنوسء» وطلبت منه المساعدة في كشف 
مصير خطيبهاء الذي تبين انه خطف على ايدي عناصر القوات 
اللبنانية وجرت تصفيته بطريقة وحشية» وعندما علم الشيخ بشير بخبر 
تصفية الملازم شمعون ثارت ثائرته» واتصل بإيلي حبيقة وقال له: "من 


36 


المؤكد ان فعلتكم هذه ستجعلنا نخسر جهود ابراهيم طنوس الذي ستقوم 
قيامته علينا بعد ان يعلم بمقتل الملازم شمعون". صحت توقعات 
بشيرء فأتصل به المقدم طنوس عند المساء وحمله مسؤولية مقتل 
الملازم شمعونء ولكن بشير رفض هذا الاتهام؛ مما اوقع جدلاً عنيفاً 
بينه وبين المقدم طنوسء انتهى إلى اعلان المقدم طنوس توقفه عن 
اعطاء الدروس لكوادر القوات اللبنانية. 

استمرت القطيعة بين الشيخ بشير الجميل والمقدم طنوسء إلى 
حين ولادة مايا بشير الجميل فذهب المقدم طنوس برفقة زوجته إلى 
المستشفى لتقديم التهنئة بالمولودة» لكن بشير لم يكن هناك. 

وعند المساء تلقى المقدّم طنوس اتصالاً من بشير والذي بعد 
ان شكره على تهنئته قال له: "عليك ان تختار بيني وبين شقيقي أمين» 
وفي حال اخترت أمين فانك تعرف جيداً ماذا يمكن ان يحل بك"؛ وكان 
أمين وبشير في ذلك الوقت على خلاف شديد بسبب الصراع على 
النفوذ والسلطة» رد المقدم طنوس على تهديدات بشير بالتأكيد له؛ بأن 
لا شيء سيثنيه عن متابعة مساعيه للتوفيق بينه وبين شقيقه» وذلك 
اكراماً لصداقته لوالده بيار الجميل. وفي اليوم التالي اتصل المقدم 
طنوس بايلي حبيقة واطلعه على تهديدات بشير له فطمئنه حبيقة إلى 
أن هذه التهديدات هي كلامية فقط وقال له: "اطمئن فهو عندما يقرر 
قتلك فانه لن يكلف سواي بهذه المهمة؛ وانا بالطبع سأخبرك مسبقأء 
وعلى كل حال يسترجي يعملها". 

وكان المقدم طنوس قد حاول عدة مرات التوفيق بين بشير 
وأمين» واللذان كانا على خلاف دائم؛ ويذكر ابراهيم طنوس انه في أحد 
المرات حضر بشير إلى منزله» واخبره بأن والده قد طرده من إجتماع 
المكتب السياسي الكتائبي» بعد ان تجادل مع شقيقه أمين» وانه قرر 
الالتحاق بسعد حداد في الشريط الحدوديء والقيام من هناك بعملية 


37 


عسكرية للعودة إلى المنطقة الشرقية؛ واقترح عليه مرافقته. تظاهر 
المقدم طنوس بالموافقة» وطلب من بشير امهاله بعض الوقت من اجل 
تحضير نفسه؛ وبعد مغادرة بشير لمنزله قام ابراهيم طنوس بالتوجه إلى 
مقر جريدة '"الريفياي دو ليبان" في سن الفيل؛ التي كان يملكها أمين 
الجميل» ويتواجد في مكاتبها كل ليلة وعمل على اقناعه بمصالحة اخيه 
بشيرء الا ان هذه المصالحة لم تستمر طويلاً فسرعان ما عادت 
الخلافات بين الشقيقين لتشتعل من جديد. 

وكام من تطمين ايلي حبيقة له؛ فأن المقدم طنوس بقي 
حذراً من نوايا ب* بشير الجميل؛ وهو لذلك قام بنقل سكنه مع عائلته إلى 
منطقة نهر أبراهيم حيث بقي هناك لمدة ثلاث سنواتء لم يزر خلالها 
الاشرفية مطلقاً. جاءت عودته إلى الاشرفية بعدما قرر بشير 
بمصالحته. كان ابراهيم طنوس في معمله في نهر ابراهيم؛ عندما 
حضر اليه سمير جعجع؛ وابلغه بأنه مُكلف بمرافقته إلى المجلس 
الحربي للإجتماع ببشير. توجس المقدم طنوس من هذه الدعوة» وقرر 
ان يصطحب معه إلى الإجتماع صديقه الرائد يوسف طحان الذي 
صودف وجوده عنده. استقبل 'بشير”" المقدم طنوس بحفاوة» وطلب 
الإجتماع اليه على انفراد. كان هدف بشير من دعوة ابراهيم طنوس 
الطلب اليه مساعدته في القيام بانقلاب عسكري على الياس سركيس 
واخبره انه سبق له وعرض الأمر على المقدم ميشال عون الذي أبدى 
استعداده لقيادة هذا الانقلاب الا انه شخصياً لا يثق بأهلية ميشال عون 
للقيام بمثل هذه المهمة. رفض ابراهيم طنوس مجاراة بشير في رغبته؛ 
واوضح له بأن لبنان لا يمكن ان يُحكم إلا من خلال الوفاق بين جميع 
ابنائه. شكل هذا اللقاء بين المقدم طنوس وبشير الجميل مناسبة لطي 
صفحة الخلافات بينهما عاد بعدها المقدم طنوس لتقديم خدماته إلى 
القوات اللبنانية بناء على طلب بشير. 


38 


فكرة وصوله إلى رئاسة الجمهورية» عاد بشير ليطرحها 
مجدداً خلال خلوة سيدة البير» التي عقدت عام 1981»: بدعوة من 
الجبهة اللبنانية» وحضرها حشد كبير من الفعاليات المسيحية بينهم 
المقدم طنوسء يومها دعا بشير المجتمعين إلى الاختيار بين وصوله 
إلى رئاسة الجمهورية عن طريق الانتخاب» أو بواسطة انقلاب 
عسكريء فاجمع معظم الحاضرينء على اختيار طريق الديمواقراطية. 


اجتياح 1982... أمين الجميل رئيساً للجمهورية 

مع بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في الخامس حزيران عام 
2؛ غقدت ندوة في مركز “بيت المستقبل", الذي كان يشرف عليه 
النائب أمين الجميل لمناقشة ابعاد هذا الاجتياح والاهداف الإسرائيلية 
منه. كانت معظم اراء الحاضرين مجمعة على ان القوات الإسرائيلية لن 
تتخطى حدود الليطاني» وان الهدف من هذه العملية هو إقامة منطقة 
امنية عازلة بحدود اربعين كيلومترء هذا الرأي خالفه العقيد ابراهيم 
طنوس الذي توقع امام الحاضرين وصول الجيش الإسرائيلي إلى 
بيروت؛ مستنداً في تحليله إلى حجم القوة المشاركة في الهجوم التي 
كانت تقدر بمئة الف جندي واكثر من الف دبابة. 

بعد انتخابه رئيسأ للجمهورية طرح بشير موضوع تعيين قائد 
جديد للجيش امام كبار معاونيه فكان هناك اجماع على اسم العقيد 
ابراهيم طنوسء ولكن بشير وقف ضد هذا الرأي» وقال للحاضرين:': 
مما لاشك فيه ان ابراهيم طنوس ضابط ممتاز ولكن مشكلته هي انه لا 
يخضع'» وقبل ذلك كان الرئيس المنتخب قد فكر بإلغاء منصب قائد 
الجيشء» والاكتفاء بمنصب رئيس الاركان» واسناده إلى ضابط من 
الطائفة السنية هو العميد سعيد قعقورء لكن والده الشيخ بيار الجميل 
اعترض على هذا الأمر واقنع ابنه بأن الامتيازات التي اعطيت للموارنة 
عام 1943 يجب ان تبقى كما هي. 

39 


جاء تاريخ 14 ايلول 1982 ليرسم مسار جديدأ للأحداث؛ في 
لبنان» ففي ذلك النهار اغتيل بشير الجميل. وفي اليوم التالي جرى 
تشييعه بمأتم شعبي ورسمي حاشد في بلدته بكفيا. بعد انتهاء مراسم 
التشييع وصل إلى دارة آل الجميل في بكفيا وزير الدفاع الإسرائيلي 
ارييل شارون على رأس وفد من الضباط الإسرائيليين لتقديم التعازي . 
جلس الوفد مع المعزين لبعض الوقت» طلب بعدها شارون" التحدث مع 
الشيخ بيار الجميل ونجله أمين على انفرادء وبعد مغادرة الوفد 
الإسرائيلي لبكفيا رشحت معلومات " بأن شارون طلب من بيار الجميل 
تأييد انتخاب الرئيس كميل شمعون؛ رئيساً للجمهورية خلفاً للشيخ بشير 
الجميل؛ وذلك بعد ان قدم الرئيس شمعون تعهداً للإسرائيليين بالإلتزام 
بكل ما تم الاتفاق عليه بين الرئيس الراحل والحكومة الإسرائيلية» وان 
الإسرائيليين ابلغوا الشيخ بيار بأن لا مصلحة لهم في دعم انتخاب 
أمين الجميل رئيساً للجمهورية فهم لم يسبق لهم التعامل معه. لكن 
الشيخ بيار الجميل استطاع اقناع شارون» بأن نجله أمين مستعد 
للاتلتزام بكل ما تم الاتفاق عليه بين بشير والحكومة الإسرائيلية في حال 
انتخابه رئيس للجمهورية» عندئذ اعلن الإسرائيليون انه لا مانع لديهم 
من انتخاب أمين. 

وسرعان ما بدأت نتائج إجتماع بكفيا بالظهور؛ ففي خلال 
مناسبة إجتماعية في برمانا التقى العقيد ابراهيم طنوس بالشيخ أمين 
الجميل» الذي طلب منه ابلاغ الرئيس كميل شمعون» بضرورة سحب 
ترشيحه لرئاسة الجمهورية؛ لأنه هو قد قرر الترشحء وفي اليوم التالي 
توجه العقيد طنوس برفقة الرائد يوسف طحان إلى منزل الرئيس كميل 
شمعونء؛ وسألاه عما اذا كان قد اتفق مع الإسرائيليين على ترشحه 
لرئاسة الجمهورية. كان الرئيس شمعون من الذكاءء بأن فهم الغاية من 
هذه الزيارة فاكتفى باعطاء ضيفيه اجوبة مقتضبة؛ وبعد عدة ايام قام 


40 


أمين الجميل؛ بزيارة إلى منزل الرئيس شمعون اعلن بعدها شمعون 
سحب ترشحه لرئاسة الجمهورية. 


في الطريق إلى قيادة الجيش 

بعد ان أصبح أمين الجميل رئيساً للجمهورية» راح يرسل وراء 
العقيد ابراهيم طنوسء ويسأله رأيه في اسماء بعض الضباط الذي ينوي 
تعيينهم كمساعدين له في القصر الجمهوري» وخلال إجتماع بينهما 
اخبر الرئيس الجميل العقيد طنوسء بأن مجلس الوزراء سيعين اللواء 
'حبيب فارس" قائداً للجيش كما فاتحه أيضأ برغبته في تعيينه مديراً 
للمخابرات» لكن العقيد طنوس اعتذر عن قبول هذا المنصب وفضل ان 
يكون قائداً لوحدة مقاتلة. بعد هذا الإجتماع راح العقيد طنوس يترقب 
صدور قرار مجلس الوزراء بتعيين اللواء حبيب فارس قائداً للجيشء الا 
ان القرار لم يصدر ليتبين فيما بعد بأن الأميركيين» قد تدخلوا لمنع 
وصول اللواء حبيب فارس إلى قيادة الجيش. 

كان الرئيس أمين الجميل قد دأب منذ توليه السلطة على 
إطلاق تصريحات تدعو إلى بناء جيش لبناني يكون قادراً على الحلول 
مكان الجيوشٍ الغربية الموجودة على الاراضي اللبنانية. هذه 
التصريحات تلقفها المبعوث الأميركي للبنان فيليب حبيب الذي قام 
بإرسال تقرير إلى حكومته؛ اقترح فيه تبني الادارة الأميركية لمشروع 
بناء جيش لبناني قويء يكون قادرأ على حفظ الامن على كامل 
الارضي اللبنانية. وافقت الادارة الأميركية على هذا الاقتراح» وقامت 
بإرسال لجنة عسكرية إلى لبنان برئاسة الجنرال 'بارتلد" لدراسة حاجات 
الجيش اللبناني من العتاد والاسلحة» وبعد ان انهت اللجنة عملها قامت 
بوضع تقريرء اوصت فيه ببناء جيش لبناني مؤلف من خمسين الف 
عنصر موزعين على تسعة ألوية على الاقل» على ان تكون ثلاثة من 
هذه الألوية جاهزة في اقل من عام» لتولي مهمة الفصل بين القوات 

41 


السورية والإسرائيلية على الاراضي اللبنانية. 

قبل مغادرته لبيروت اتصل الجنرال 'بارتلد" بالعقيد ابراهيم 
طنوسء» وطلب منه موعداً لزيارته في منزله. احتار العقيد ابراهيم 
طنوس في تفسير سبب هذه الزيارة خاصة انه كان لا يزال موضوعاً 
بالتصرفء ولا مسؤوليات لديه في قيادة الجيشء وفي اليوم التالي 
حضر الجنرال بارتلد إلى منزل العقيد ابراهيم طنوس وبرفقته العقيد في 
الجيش اللبناني ادونيس نعمه. كان واضحا من خلال اسئلة الجنرال 
بارتلد' للعقيد طنوس بأنه مكلف بالتعرف عن كثب على شخصيته 
العسكرية» وفي نهاية الزيارة سأل الجنرال الأميركي العقيد طنوسء؛ عما 
اذا كان مازال يعتبر ان وجوده في الجيش اللبناني يشكل أولوية بالنسبة 
اليه فأجابه طنوس: 0 بقيت فيه حتى الآن". 

انقضت عدة اسابيع على هذه الزيارة»ء دون ان تظهر لها أي 
مفاعيل على الارضء حتى ان العقيد طنوس كاد ان ينسى امرها 
تماماً. ولكن شيا جديداً ظهر عندما تلقى العقيد طنوس اتصالاً من 
المدعو "عادل أبو حبيب"؛ وهو شقيق سفير لبنان في واشنطن عبد الله 
أبو حبيبء الذي دعاه إلى تناول الغداء على مائدته في فندق "البستان" 
في بيت مري بعد ان ابلغه أن ضابطأ أميركياً يود التعرف عليه 
وسيكون حاضراً معهم على الغداء. وكان ذلك يوم 10/27 /1982. 

لبى العقيد طنوس دعوة عادل أبو حبيب؛: وعندما وصل وجد 
ان اكثر المرحبين به كان الضابط الأميركي الذي جلس إلى جانبه 
وراح يمطره بسيل من الاسئلة حول حياته العسكرية والشخصية فسأله 
اولاً عن سبب الإصابات في عينه ويده وعندما علم انها نتيجة مشاركته 
في اعمال حربية ظهر الارتياح على وجهه؛ وبعد ذلك انتقل الضابط 
الأميركي لسؤال العقيد طنوس عن رأيه بكل من سوريا وإسرائيل فأجابه 
العقيد طنوس بأنه يعتبر ان إسرائيل هي عدوء وهي تسعى لتقسيم لبنان 
اما سوريا فهي بلد شقيقء ولكن المشكلة انها لا تعترف باستقلال لبنان» 


42 


وهي تسعى للهيمنة عليه"؛ واخيراً سأل الضابط الأميركي العقيد 
طنوسء عما اذا كان مهتمأ بأن يصبح قائداً للجيش» فأوضح له العقيد 
طنوس بأن رتبته ما زالت صغيرة على تبوأ هذه المسؤولية» كما ان 
هناك ضابط كفوء يدعى 'حبيب فارس" وهو من ابرز المرشحين في 
الوقت الحاضر لتولي هذا المنصبء وانه على استعداد للتعاون معه'. 
لكن الضابط الأميركي؛ كان له رأي اخر فأوضح للعقيد طنوس ان 
موضوع الرتبة يمكن تجاوزه بسهولة؛ اما بالنسبة للواء حبيب فارس فإنه 
لا يصلح لهذه المرحلة التي تحتاج إلى ضابط ميداني مثل ابراهيم 
طنوس» يكون قادرأ على بناء جيش لبناني مقاتل يستطيع خلال فترة 
وجيزة انجاز عملية الفصل بين الجيشين الإسرائيلي والسوري على 
الاراضي اللبنانية. بعد انتهاء الغداء شعر العقيد طنوسء بأن مسألة 
وصوله إلى قيادة الجيشء. لم تعد الا مسألة وقتء ويناء عليه قام 
باجراء عملية تقييم للمخاطرء التي يمكن ان يواجهها الجيش اللبناني 
في المرحلة المقبلة» فتبين له ان ابرزها هي خطر التقسيم؛ والذي وضع 
أسسه المفكر الأميركي 'برنارد لويس" وصادق عليه الكونغرس 
الأميركي في جلسة سرية» وان هناك قوى عديدة في لبنان مستعدة 
للتجاوب مع هذه المشروع2» وفي طليعتها بعض اطراف الجبهة 
اللبنانية» وان قائد الجيش المقبل عليه» ان لا يجاري هذه القوى في 
مسعاهاء وان إعادة الوحدة بين اللبنانيين» تبدأ من إعادة العمل بقانون 
خدمة العلم» الذي يؤمن الانصهار بين الشباب اللبناني من مختلف 


المناطق. 
ابراهيم طنوس قائداً للجيش كان افضل لك ان لا تتعرف إلى 
أمين الجميل 


في 1982/12/8 كان العقيد طنوس في منزله يتابع نشرة 
الاخبار من تلفزيون لبنان» الذي قطع برامجه العادية» ليذيع قرار 


43 


مجلس الوزراء بتعيين العقيد ابراهيم طنوس قائداً للجيش بعد ترقيته 
لرتبة عمادء وكان الرئيس أمين الجميل قد اتصل قبل انعقاد جلسة 
مجلس الوزراءء بالعماد طنوس؛ وطلب منه الحضور إلى قصر بعبدا 
في صباح الغد دون ان يفصح له عن السبب الذي يريده من اجله. في 
اليوم التالي توجه العماد ابراهيم طنوس إلى القصر الجمهوري لشكر 
الرئيس الجميل على ثقته به» وبعد ذلك انتقل إلى السرايا الحكومي 
لتقديم الشكر أيضاً إلى رئيس الحكومة شفيق الوزان الذي قال له: 'لقد 
كان قرار تعيينك قائدأ للجيش من اصعب القرارات التي اتخذتها في 
حياتي» فأنت شخصية غير محبوبة من المسلمين» نظراً لدورك في 
الحرب الاهلية» وان ابني الذي يدرس الطب في الجامعة الأميركية في 
بيروت تلقى انتقادات لاذعة من زملاء له في الجامعة» بسبب موافقتي 
على تعيينك في هذا المنصب". 

كان المشهد الأول الذي واجهه قائد الجيش العماد ابراهيم 
طنوسء عند وصوله إلى اليرزة» لتسلم مهامه من سلفه العماد فيكتور 
خوري» هو وجود صورة العماد فيكتور خوري مرمية ومحطمة على 
الارضء بالقرب من مخفر الحرسء؛ فأمر على الفور برفعها من 
الارض ومعاقبة الفاعل وهو الرائد 'م. م"؛ كما امر بعدم رفع أي صورة 
له على المراكز العسكرية» أو خلال المناسبات التي يحتفل بها الجيش 
اللبناني. بعد ذلك توجه العماد طنوس إلى مكتب سلفه العماد فيكتور 
خوري لإجراء عملية التسلم والتسليم» والتي شكلت مناسبة لكسر 
القطيعة بين الرجلين التي استمرت عدة سنوات» وذلك على خلفية 
موقف العماد فيكتور خوري من احداث الفياضية عام 1978. 

كان العماد ابراهيم طنوسء؛ قد اشترط على رئيس الجمهورية 
قبل تعيينه قائدأً للجيش» بأن لا يبقى في منصبه اكثر من عام يصار 
بعدها إلى تعيين قائد جديد للجيش خلفاً له. أكد العماد طنوس موقفه 


44 


هذا خلال استقباله العقيد ميشال عون الذي جاء إلى مكتبه لتهنئته 
بتوليه قيادة الجيشء كان واضحاً خلال الزيارة انزعاج ميشال عون من 
عدم اختياره هو قائداً للجيش. وخاصة انه كان المرشح الاوفر حظأً 
فيما لو بقي بشير الجميل على قيد الحياة» لكن العماد طنوس قام 
بتطييب خاطره وأكد له بأن فرصته بالوصول إلى قيادة الجيش ما زالت 
كبيرة وقائمة» وخاصة انه عازم على عدم البقاء في منصبه اكثر من 
سنة واحدة» بدوره قرر اللواء حبيب إرسال استقالة من صفوف المؤسسة 
العسكرية؛ بعد ان أصبح ابراهيم طنوس قائداً للجيشء ولكن الاخير 
استطاع اقناعه بالعدول عن قراره مبينأ له ان حظوظه ما زالت كبيرة 
في الوصول إلى قيادة الجيش ودعاه إلى الاختيار بين تعبينه ملحقأ 
عسكريأ في الخارج أو مستشارأ عسكرياً في القصر الجمهوري. فطلب 
اللواء فارس مهلة للتفكير وفي اليوم التالي عاد إلى مكتب قائد الجيش» 
ليعلمه انه اختار ان يُعين في القصر الجمهوري؛ وبعد صدور قرار 
التعيين سأل اللواء فارس العماد طنوسء رأيه في القرار الذي اتخذه 
فأجابه العماد طنوس: '"انت لا تعرف أمين الجميل جيداًء وكان من 
الافضل لك ان تظل بعيداً عنه» فمن يقترب من أمين الجميل كثيراً 
يحترقء وان خيارك هذا قد اضعف من فرصك في الوصول إلى 
منصب قائد الجيش في المستقبل". 

بدأ العماد ابراهيم طنوس ممارسة مهامه كقائد للجيشء؛ بسلسلة 
من التدابير التي كان من شأنها تعزيز شعار "الجيش المقاتل". والذي 
اتخذه عنواناً لمرحلته» فأمر بإقفال نوادي التسلية الخاصة بالضباطء 
وبتحويل نادي الخيل؛ والذي كان الدخول اليه حكرأ على الضباط فقط 
إلى مساحة خضراء مخصصة للألعاب الجماعية» يشترك فيها الضباط 
والجنود على السواءء كما منع الضباط من استعمال سياراتهم الخاصة 
اثناء تأديتهم لمهامهم؛ء وفرض عليهم استعمال السيارات العسكرية بادئا 


45 


بنفسه اولأ. كما امر بحذف عبارة إلى "الأمام سر" من قاموس 
المصطلحات العسكرية للجيش اللبناني» وابدالها بعبارة "اتبعني' لما لهذه 
العبارة من اثر في تعزيز اواصر العلاقة بين الضباط والجنود. بعد ذلك 
انتقل العماد طنوس للبحث في تعيين الضباط الذين سيتولون المناصب 
القيادية في عهده؛ وفي طليعتها رئاسة الاركان. 

كان الاسم المفضل لأبراهيم طنوس لتولي قيادة الاركان هو 
العميد محمود طي أبو ضرغمء لكن الرئيس أمين الجميل نصحه 
بالتفاهم مع وليد جنبلاط اولأء كون هذا المنصب مخصص للطائفة 
الدرزية؛ حسب التوزيع الطائفي السائد في البلاد. 

نزل العماد طنوس عند رغبة الرئيس أمين الجميل» وطلب من 
العميد جورج حروق الذي كانت تربطه صداقة بوليد جنبلاط تأمين لقاء 
له مع الزعيم الدرزي. في مساء اليوم التالي استقبل وليد جنبلاط قائد 
الجيش يرافقه العميد جورج حروق على مأدبة العشاء التي اعدها 
لضيفيه سأل جنبلاط العماد طنوس ,أيه بالعميد 'نديم الحكيم”, فأوضح 
له قائد الجيش بأن "العميد الحكيم" هو رفيق دورته» وانه من افضل 
ضباط الجيش اللبناني» فرد جنبلاط قائلاً: "انا هيك شايفه كمان'”, 
الأمر الذي فهم منه العماد طنوس بأن مرحلة محمود أبو ضرغم في 
رئاسة الاركان؛ لم تأت بعدء وان عليه القبول بنديم الحكيم رئيساً 
للأركان. 

بعد تعيين للواء نديم الحكيم رئيساً للأركان؛ انتقل البحث إلى 
تعيين مدير جديد للمخابرات» فحاول العماد طنوس اقناع العقيد جوني 
عبده بالبقاء في منصبه لكنه رفض وتمسك باستقالته من الجيش تمهيداً 
لتعيينه سفيرأ في الخارجء وهو وقال للعماد طنوس: "لا تحاول ان 
تبقيني هنا فالمرحلة القادمة ستكون حافلة بالاحداث": عندها اقترح قائد 
الجيش على الرئيس أمين الجميل اسماء كل من العمداء 'ايلي حايك» 


46 


اميل لحود وعامر شهاب"؛ على ان يقوم رئيس الجمهورية بتزكية 
احدهم» وعندما سأله الرئيس الجميل» عن اسباب اختياره لهذه الاسماء 
تحديداً اجابه العماد طنوس: "هؤلاء ضباط اوادم» وليس لهم في تركيب 
الافخاخ للناس وهم قادرون على بناء جهاز مخابرات نظيف"» ورغم 
ذلك فأن الرئيس الجميل اختار اسم العميد 'سيمون قسيس",. متجاوزاً 
اعتراض قائد الجيش عليه والذي قال لرئيس الجمهورية: لتر ضابط 
0 وهو لا يرى الامور على الارض بشكل جيد وستثبت لك الايام 
في اليوم التالي ارسل العماد طنوس وراء العميد سيمون قسيس» 
و د 1 "لست انا من 
اختارك لهذا المنصب". 
تكبيل قائد الجيش في موضوع تعيين معاونيه جعله يشعر 
اتام من اسلوب الرئيس أمين الجميل في التعاطي معه؛ مما 
ادى إلى توتر العلاقات بينهماء وقد ظهر هذا التوتر واضحاًء عندما 
وصل البحث إلى تعيين قادة الألوية في الجيشء؛ ففي حين اصر قائد 
الجيش على ان يكون تعيينهم بقرار صادر عنهء» تمسك رئيس 
الجمهورية بأن يستمر تعيينهم بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراءء وهذا 
ما دفع قائد الجيش إلى التهديد بتقديم استقالته في حال لم تتم تلبية 
طلبه؛ هذا التهديد أخاف الرئيس الجميل من انعكاساته السلبية على 
عهده وخاصة انه كان لا يزال في بدايته فطلب مهلة للتشاور مع رئيس 
الحكومة» وبعد يومين عاد ليتصل بقائد الجيشء» ويبلغه بأن رئيس 
الحكومة يصر على موقفه بأن يكون تعيين قادة الألوية» بقرار يصدر 
عن مجلس الوزراء» واقترح عليه التشاور مع السوريين في هذا الأمر' 
وقال له: "اذا وافق السوريين على اقتراحك فسنمشي به فورا"» وافق قائد 
الجيش على زيارة دمشقء وفي اليوم المحدد للزيارة» وقبل انطلاقه إلى 
دمشق برفقة جان عبيدء زاره في الصباح الباكر في منزله ضابط 


47 


أميركي وسأله عن اسماء المسؤولين السوريين الذي ينوي مقابلتهم في 
دمشق» وعندما عرف بأنه سيجتمع إلى كل من نائب الرئيس السوري 
عبد الحليم خدام ورئيس الاركان العماد حكمت الشهابي؛ ظهر الارتياح 
على وجهه؛ وأوصاه بعدم التكلم مع الاثنين في وقت واحد. 

في دمشق سمع العماد طنوس كلامأ ايجابياً من كل من عبد 
الحليم خدام والعماد حكمت الشهابيء الذين نقلوا اليه استعداد سوريا 
لتسهيل مهمته» وخلال مأدبة الغداء التي اقامها العماد حكمت الشهابي 
تكريماً للعماد طنوس في نادي الشرق في دمشقء وحضرها كل من 
جان عبيد ونائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام؛ ابلغ العماد شهابي 
نظيره اللبناني بأن الامور قد سويتء وانه بإمكانه بعد عودته إلى 
بيروت ان يعين من يششناءء وفي المقابل أبدى العماد طنوس استعداده 
لمساعدة سوريا في التخلص من أي ازعاج امني لها في لبنان فاخبره 
العماد الشهابي بأمر يزعج السوريين» فتعهد العماد طنوس بتخليصه 
منه في مدة عشرة ايام. بعد عودة قائد الجيش من دمشق اتصل به 
رئيس الحكومة شفيق الوزان» وطلب منه الحضور لمقابلته في السرايا 
الحكومي؛ خلال اللقاء أبدى رئيس الحكومة عتبه على قائد الجيش 
لتوجهه إلى دمشق لحل مسألة كان يمكن حلها في بيروت فرد عليه 
قائد الجيش بتذكيره بموقفه الرافض لتعيين قادة الألوية خارج اطار 
مجلس الوزراء؛» فوجئ الرئيس الوزان لدى سماعه هذا الكلام وظهر 
التعجب على وجهه.؛ ولكنه مع ذلك قال للعماد طنوس: "اذهب وعين 
من تشاء". 
صفقة البوما 

فرضت ورشة تأهيل الجيش وزيادة عديدة إلى خمسين الف 
عنصرء على قيادة الجيشء الاستعانة بالمزيد من المدربين والخبراء 
الاجانب ولاسيما الأميركيين منهم؛ فكان من نتيجة ذلك ان ازدادت 


48 


معسكرات التدريب وأصبح عدد المتخرجين في الشهر يناهز عدد افراد 
لواء تقريباً كما جرت أيضأ عملية تنظيم شراء الاسلحة على قاعدة 
التعامل من دولة لدولة» وذلك لقطع دابر السمسرة والرشوة» والتي كان 
يمكن لها ان تظهر في هكذا صفقاتء ونتيجة لهذا التدبير» انتقلت 
صلاحيات قائد الجيش في عمليات بيع وشراء الاسلحة إلى المدير 
العام للإدارة؛ وانحصرت صلاحيات قائد الجيش في هذه المسائل بإبداء 
الرأي في المجلس العسكريء وذلك بعد تحويل الملف اليه من قبل 
المدير العام للثدارة» وبعد الاطلاع عليه ودراسته يقوم بإرساله إلى 
وزير الدفاع الذي يملك صلاحية عقد الصفقات الخاصة بالجيش 
اللبناني» وفي هذا الاطار اتت صفقة طائرات "البوما"» والتي اثارت 
ضجة واسعة ما زالت تتفاعل حتى اليوم. 

كانت هذه الصفقة جزء من صفقة كبيرة قيمتها مليار فرنك 
فرنسي جرى توقيعها مباشرة بين وزيري الدفاع اللبناني والفرنسي؛ وهي 
تتضمن شراء ستة طائرات 'بوما" الفرنسية الصنع لصالح الجيش 
اللبناني» قبل ذلك كانت اللجنة الأميركية المكلفة درس احتياجات 
الجيش من الاسلحة قد وضعت تقريرها في 15 تشرين الثاني 
3 وقدمته إلى رئيس الجمهورية» وكان العماد فيكتور خوري لا يزال 
في حينها قائدأ للجيش وكان النقاش يدور في تلك الفترة حول الجهة 
التي ستوكل إليها مهمة تنفيذ مضمون التقريرء هل هي قائد الجيش 
العماد فيكتور خوري ام القائد الجديد الذي سيأتي من بعده. بقيت 
الافكار غير واضحة حول هذا الموضوع؛ إلى ان أصبح العماد طنوس 
قائدا للجيش» فطلب منه مجلس الوزراء تنفيذ التقرير الموصى به من 
اللجنة الأميركية» والذي لم يتوفر منه سوى نسختين كانتا بحوزة قائد 
الجيش السابق العماد فيكتور خوري والذي استلم العماد طنوس واحدة 
منها بعد ان أصبح قائدا للجيش. كان التقرير يتضمن توصية بشراء 


49 


اربعة عشرة طوافة عسكرية ستة منها من نوع 'بوما الفرنسية الصنع» 
اما الطائرات الباقية وعددها ثمانية فقد اوصى التقرير بأن تكون من 
نوع "اوغستابل" الايطالية الصنع اما تمويل الصفقة فقد جاء من خلال 
قرضء منحته الحكومة الفرنسية للبنان عام 1980 بقيمة 660 مليون 

لم يكن أحد في الجيش اللبناني» أو خارجه يعلم ان طائرات 
"البوما" التي اشتراها الجيش من فرنسا ليست فرنسية الصنع بل جرى 
تصنيعها في رومانيا وخاصة ان رومانيا كانت في ذلك الوقت عضو 
في حلف "فرصوفيا"» الذي كان يسيطر عليه الاتحاد السوفياتي» اما 
فرنسا فقد كانت ضمن الحلف الاطلسي. انكشف الأمر في اثناء وجود 
العقيد الطيار درويش حبيقة في مهمة في قبرص على متن أحد 
طائرات البوما فاخبره أحد الضباط القبارصة» ان هناك احتمالاً بأن 
تكون طائرته قد جرى تصنيعها في رومانيا وليس في فرنساء وكان 
يومها العماد ميشال عون قد أصبح قائداً للجيش. وبعد عودته إلى 
بيروت ذهب العقيد حبيقة إلى رئيس الجمهورية أمين الجميل؛ وابلغه 
بما سمعه في قبرصء ولكن الرئيس أمين الجميل لم يكترث للأمر مما 
اضاع على الحكومة اللبنانية» فرصة لتحصيل حقوقهاء هذا وقد بقيت 
قصة "البوما' بعيدة عن الاعلام» إلى ان جرى كشفها من قبل ممثل 
شركة 'اوغستابل" الايطالية» والذي كان يبحث عن عمولة في هذا 
الملف؛ خاصة انه كان قد استاء من عدول الجيش اللبناني عن شراء 
ثمانية طوافات من الشركة التي يمثلهاء وذلك بسبب ان القانون 
الايطالي يمنع عملية الشراء من دولة لدولة ويحتم وجود وسطاء. 
الرئيس يتولى الأمن وقائد الجيش يتولى حفظ الأمن 

في بداية عهد الرئيس الجميلء جرى اتفاق بينه وبين وقائد 
الجيش على المعادلة التالية: "رئيس الجمهورية يتولى الأمن؛ وقائد 


50 


الجيش يتولى مسؤولية حفظ الآمن". وعلى اساس هذه المعادلة» وضع 
قائد الجيش خطته لمقاربة الأوضاع الامنية في البلادء وخلال أحد 
الإجتماعات بين قائد الجيش ورئيس الجمهورية» شكا الاخير من 
الأوضاع الامنية المتوترة في طرابلس عازياً السبب إلى علاقاته السيئة 
بالرئيسين سليمان فرنجية ورشيد كرامي؛ وبعد خروجه من الإجتماع مع 
رئيس الجمهورية استقل قائد الجيش طوافة عسكرية» حطت به في 
قصر الرئيس سليمان فرنجية في زغرتا. لقي قائد الجيش استقبالاً حاراً 
من الرئيس فرنجية» الذي أبدى استعداده للتعاون مع رئيس الجمهورية 
في ازالة اسباب التوتر في الشمال؛ شكل هذا الموقف للرئيس فرنجية» 
عاملاً مشجعاً لقائد الجيش للاستمرار في مبادرته فقام على الفور 
واتصل من عند الرئيس فرنجية بالرئيس الجميلء» وابلغه بوجوده في 
زغرتاء واعطى سماعة الهاتف للرئيس فرنجية. لم يسمع قائد الجيش ما 
دار من حديث بين الرئيس فرنجية والرئيس الجميلء ولكنه ادرك نتائجه 
من خلال علامات الارتياح التي ظهرت على وجه الرئيس فرنجية. 

بعد انتهاء محادثاته في زغرتا توجه قائد الجيش إلى طرابلس» 
حيث اجتمع إلى الرئيس رشيد كراميء والذي أبدى بدوره استعداده 
للتعاون مع الرئيس الجميل من اجل تخفيف حدة التوترات في طرابلس» 
وبعد انتهاء جولته الشمالية عاد قائد الجيش إلى اليرزة وعند المساء 
اتصل به الرئيس الجميل وعاتبه على قيامه بزيارات سياسية إلى 
الشمال من دون التنسيق معه» وطلب منه عدم القيام بمبادرات مماثلة 
مستقبلاً. أما سبب امتعاض الرئيس الجميل من مبادرة قائد الجيش 
فكانت تعود إلى خوفه من ان يؤدي تعاطي قائد الجيش في الملفات 
السياسية» إلى تحوله لمزاحم له على كرسي الرئاسة في المستقبل. 
عامل الخوف نفسه كان هو الدافع عند الرئيس الراحل بشير الجميل» 
إلى التفكير بإلغاء منصب قائد الجيش والاكتفاء بمركز رئيس الاركان» 


51 


واسناده إلى ضابط مسلم. 

لم يكن خوف قائد الجيش من تدهور الأوضاع الامنية في 
البلادء نابعاً فقط من اسباب لها علاقة بالصراع الداخلي بين الفرقاء 
اللبنانيين» بل هو كان يخشى أيضأ من مشروع 'برنارد لويس" لتقسيم 
لبنان والمنطقة» وخلال حفل عشاء اقامه سفير لبنان في الامم المتحدة 
غسان تويني في منزله في" بيت مري'" وحضره كل من رئيس 
الجمهورية أمين الجميل والمبعوث الأميركي للبنان 'فيليب حبيب"؛ وقائد 
الجيش العماد ابراهيم طنوسء سأل قائد الجيش المبعوث الأميركي رأيه 
بمشروع برنارد لويس فأجاب بأنه يرى بأن مشروع الفيدرالية» هو 
مشروع مفيد للبنان. خروج الرئيس أمين الجميل والسفير غسان تويني 
إلى الحديقة للحديث استغله المبعوث الأميركي للتعبير لقائد الجيش عن 
امتعاضه من عدم تمكنه من الضغط على وزير الدفاع الإسرائيلي 
"'ارييل شارون"» من اجل سحب قواته إلى لبنان؛ والذي كان دائما يعزو 
اسباب تمسكه بمواقفه المتصلبة إلى وجود رسالة لديه موقعة من 
الرئيس الجميل؛ يتعهد فيها الاخير بإقامة معاهدة سلام مع إسرائيل» 
وكان فيليب حبيب قد بذل جهوداً حثيثة لأقناع الإسرائيليين» بالتراجع 
مسافة خمسة كيلومترات عن مطار بيروت؛ افساحاً في المجال أمام 
الجيش اللبناني» لتنفيذ خطة بيروت الكبرى. كان حجم الخراب الذي 
عاثه الجيش الإسرائيلي في مطار بيروت هائلأء والذي وصل إلى حد 
التبرز والتبول في المكاتب وعلى الطاولات. 

كان أول ما فعله قائد الجيش مع بدء تنفيذ خطة بيروت 
الكبرى هو انه اصدر قراراً بإلغاء كل تراخيص الاسلحة وبطاقات 
تسهيل المرور التي كان مدير المخابرات السابق جوني عبده قد منحها 
لعناصر القوات اللبنانية والتي راحت تستعملها في عملية خطف 
المواطنين في بيروت الغربية. 


52 


كانت تحركات المبعوثين الأميركيين في لبنان تتسم دائما 
بالغموض و«الريبة» ففي أحد المرات اتصل المبعوث الأميركي في لبنان 
'روبرت مكفارلين" بقائد الجيش؛ وكان الوقت ليلا وطلب منه ان يرسل 
له سيارة بدلاً من سيارته التي تعطلت في بعبدا بينما كان في طريقه 
للإجتماع بأحد الأشخاص. استجاب العماد طنوس لطلب المبعوث 
الأميركي» وارسل له سيارة مع سائقها والذي كان أحد عناصر 
المخابرات» وفي اليوم التالي استدعى قائد الجيش سائق السيارة» 
للأستفسار منه عن التحركات التي قام بها المبعوث الأميركي في الليلة 
الماضية» فعلم منه بأن المبعوث الأميركي طلب منه التوجه إلى منطقة 
الوروار»ء حيث توقف هناك لبعض الوقت قبل ان يتابع طريقه باتجاه 
"الشويفات",» حيث كانت كانت تنتظره سيارة يستقلها شخصانء؛ اشار 
عليه احدهما بأن يتبعه» وبعد ان سارت السيارة حوالي النصف ساعة» 
توقفت ونزل منها 'مكفارلين"» ودخل إلى أحد المنازل» فيما تابعت 
السيارة الأخرى طريقها إلى جهة مجهولة» وبعد قليل وصلت سيارة 
أخرى؛ نزل منها وليد جنبلاط» ودخل إلى المنزل نفسه الذي كان قد 
دخله المبعوث الأميركي. 


انفجار عين المريسة وموت معتقل داخل سجن وزارة الدفاع. 

كان يوم 1983/4/18هو أحد اكثر الايام دموية في تاريخ 
الاحداث اللبنانية» ففي ذلك النهار دوى انفجار هائل في بيروت» تبين 
انه ناتج عن تفجير السفارة الأميركية في منطقة عين المريسة. في ذلك 
النهار كان العماد طنوس معتكفاً في منزله» على اثر خلاف بينه وبين 
الرئيس أمين الجميل؛ حول مشروع اعطاء درجة اقدمية لضباط الجيش 
الذين يخدمون في القصر الجمهوريء والذي رفضه رئيس الجمهورية» 
مما دفع قائد الجيش إلى ان يتوجه اليه قائلاً: "اذا كنت تعرف بأمور 
الجيش اكثر مني فأقترح عليك ان تحل مكاني في مركز القيادة". 

53 


كان الانفجار كبيراً وتردد صداه خارج بيروت؛: وبعد ان وصل 
خبر الانفجار إلى قائد الجيش توجه على الفور إلى مكتبه وقام 
بالاتصال بمدير مخابرات بيروت الرائد "الياس ضاهر”" وطلب منه 
اعتقال المدعو 'سامي محمد الحاجي"»؛ وهو من الجنسية المصرية. 

قبل وقوع الانفجارء كانت التقارير التي تصل إلى قائد 
الجيش» من مدير المخابرات في بيروت النقيب 'ميشال رحباني'» تشير 
إلى ان الامن ممسوك في منطقة بيروت الغربية بشكل كامل» لكن في 
مقابل هذه التقارير كان هناك تقارير أخرى ترد من جهات اجنبية وهي 
تتحدث عن وجود نقمة في الشارع البيروتي على حكم الرئيس الجميل» 
وان هذه النقمة تتم تغذيتها من قبل جهات معارضة للحكم. هذا 
التناقض في المعلومات دفع قائد الجيش إلى اعفاء النقيب 'ميشال 
رحباني" من منصبه؛ وتعيين الرائد الياس ضاهر مكانه. وقبل وقوع 
انفجار عين المريسة بأيام قلية اتصل الرائد ضاهر بقائد الجيش وابلغه 
ان شخصاً مصرياً يدعى 'سامي الحاجي' وهو يعمل لحساب 
المخابرات السورية في بيروت يعرض نفسه للعمل لحساب المخابرات 
اللبنانية لقاء مبلغ ثمانية الاف ليرة لبنانية. وافق العماد طنوس على 
تشغيل "الحاجي" على ان يدفع له المبلغ الذي طلبه من بند النفقات 
السرية لقائد الجيشء: كما طلب في نفس الوقت من الرائد ضاهر تشديد 
المراقبة عليه» وبنتيجة المراقبة تمكنت المخابرات اللبنانية من الحصول 
على رسالة» كان ينوي الحاجي إرسالها إلى مشغله في دمشقء» وهو 
ضابط في الاستخبارات السورية بواسطة سائق أجرة في بيروت كان 
يعمل أيضاً لحساب المخابرات السورية وهي تتضمن تذكيراً بالعمليات 
التي اسهم "الحاجي" في تنفيذها في بيروت لحساب المخابرات السورية» 
وهي المشاركة في نسف السفارتين العراقية والفرنسية» واغتيال الرئيس 
المنتخب بشير الجميل؛ كما تضمنت الرسالة أيضأ انذاراً من "الحاجي' 


54 


إلى المخابرات السورية» بعدم تنفيذ المهمة الرابعة المطلوبة منه في 
حال؛ لم يتم دفع الأموال المستحقة له» وانه بسبب ازمته المادية» 
اضطر للعمل مع المخابرات اللبنانية. 

اعتقل سامي الحاجي حيث اخضع للتحقيق اولاً من قبل 
مخابرات بيروت قبل ان يجري نقله إلى اليرزة حيث جرى التحقيق معه 
من قبل محققين لبنانيين وأميركيين» وكان العماد طنوس قد طلب من 
جهاز "الأف بي أي" الأميركي المشاركة في التحقيق» كون الاعتداء قد 
وقع على منشأة أميركية. لم يستطع الحاجي اثبات مكانه ساعة وقوع 
الانفجار كما جرى التعرف على صورته؛ من قبل أحد الاشخاص الذين 
كان يملك محلا تجارياً بالقريب من مكان الانفجارء والذي افاد بأنه قد 
شاهد صاحب الصورة اكثر من مرةٍ يقف بالقرب من السفارة الأميركية 
قبل وقوع الانفجار»ء وبالرغم من مواجهته بهذه الادلة ظل الحاجي على 
انكاره لأي علاقه له بالانفجارء ولم يعترف بشيء بالرغم من استعمال 
اساليب قاسية معه في التحقيق كمنع الطعام والماء عنه وتسليط 
'الاضواء الكاشفة" على عينيه لساعات طويلة. استمر صمود الحاجي 
ثلاثة ايام وفي اليوم الرابع انهار واعترف بأنه قد اقدم على تفجير 
السفارة بواسطة شاحنة مفخخة:» وذلك في اثناء إجتماع لمدراء محطات 
المخابرات الأميركية في الشرق الاوسط وان هناك اشخاصاً من داخل 
السفارة كانوا يزودونه بالمعلومات حول وصول المدعوين إلى 
الإجتماع؛ كما ادلى 'الحاجي"' أيضأً بأسم الضابط السوري الذي كان 
يتلقى تعليماته منه» والذي كان تابعاً لفرقة سرايا الدفاع التي كان 
يقودها 'رفعت الأسد" شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسدء. وقد تبين من 
التحقيق أيضاً ان عملية التفجيرء قد نفنت لحساب جهات غير سورية؛ 
وان الرئيس حافظ الأسد وفريقه لم يكونوا على علم بهذه العملية. وكان 
الأميركيون قد عرضوا في وقت سابق؛ على العماد طنوس ان يأتوا 
برفعت الأسد إلى بيروت عن طريق البحر للإجتماع به ولكن قائد 

55 


الجيش رفض هذا العرض. بعد انتهاء التحقيق في ملف تفجير السفارة 
الأميركية» انتقل التحقيق مع المتهم إلى علاقته باغتيال الشيخ بشير 
الجميل؛ فأدلى بمعلومات عن شخص يدعى "لياس النمر"؛ كان يعمل 
في جهاز امن القوات اللبنانية» وقال انه كان صلة الوصل بينه وبين 
رئيس جهاز الامن في القوات اللبنانية ايلي حبيقة. اعتقل "النمر" واقتيد 
إلى وزارة الدفاع للتحقيق معه وبعد عدة ايام على اعتقاله عثر عليه 
ميتأ في زنزانته ولم يتوصل الاطباء إلى تحديد سبب الوفاة بالرغم من 
التشريح الدقيق الذي أجروه على جثته. 

يروي ابراهيم طنوس انه بعد تقاعده زاره ضابط في الجيش 
اللبناني» كان يتابع دورة عسكرية في الولايات المتحدة واخبره انه علم 
من ضابط أميركي صديق له ان محققي "الأف بي أي" قد قاموا 
بتصفية "النمر"؛ كي لا يبوح بمعلومات لا تريد المخابرات الأميركية ان 
يكشف عنها تتعلق بمسألة اغتيال بشير الجميل. بقي "الحاجي في 
سجن روميه حتى العام 1990» بعد ذلك جرى تهريبه مع حبيب 
الشرتوني من قبل القوات السورية» التي دخلت إلى المنطقة الشرقية بعد 
الاطاحة بالعماد ميشال عون. 

عملية تصفية الياس النمرء ذكرت العماد طنوس بحديث كان 
قد جرى في وقت سابقء بينه وبين أحد الضباط الأميركيين» وذلك 
خلال مراحل مفاوضات اتفاق السابع عشر من ايارء يومها أبدى 
العماد طنوس تخوفه من قيام "سعد حداد". بعرقلة تنفيذ الاتفاق» فأجابه 
الضابط الأميركي حرفيا: 'لن يبقى سعد حداد حياً حتى تلك المرحلة"» 
وبعد مضي عدة ايام على هذا الحديث اتصل أحد الاطباء اللبنانيين 
العاملين في مستشفى مرجعيون بقائد الجيشء واخبره بأن بقعأ حمراء قد 
ظهرت فجأة على رقبة سعد حداد»ء والتي تبين بعد الفحص بأنها تشير 
إلى وجود اعراض مرض السرطان. 


56 


الانقلاب 

في 1983/10/23 وقع تفجيران انتحاريان في بيروت 
استهدفا مقرا قوات المارينز وفرقة المظليين الفرنسيين» واسفرا عن وقوع 
مئات القتلى والجرحى في صفوف الأميركيين والفرنسيين؛ كان أول ما 
فعله الرئيس الأميركي 'رونالد ريغن"؛ بعد هذه الحادثة هو انه اصدر 
قرارأ باعفاء المبعوث الأميركي للبنان فليب حبيب من مهمته وعين 
مكانه "روبرت مكفارلين"؛ والذي كان يشغل سابقاً منصب مستشار 
الأمن القومي الأميركي؛ وذلك بعد ان اعتبر ان فيليب حبيبء قد فشل 
في حماية مصالح الولايات المتحدة في لبنان. 

بدأ مكفارلين مهمته في المنطقة بزيارة سرية إلى دمشق قابل 
خلالها الرئيس حافظ الأسد حاملاً له توجيهات الادارة الأميركية بوجوب 
الاستماع إلى مطالب سوريا في لبنان. فأشترط الرئيس الأسد لتحسين 
علاقته بواشنطن» حصول تغييرات في الموقف الأميركي تجاه سوريا 
ولبنان. بعد انتهاء زيارته إلى دمشق توجه المبعوث الأميركي إلى 
بيروت» حيث التقى عدد من المسؤولين اللبنانيين»ء من بينهم قائد 
الجيش ابراهيم طنوس. خلال زيارته لقائد الجيش اعرب المبعوث 
الأميركي عن استياء ادارته من الاداء السياسي للرئيس أمين الجميل» 
محملاً اياه مسؤولية الفشل في جمع كلمة اللبنانيين مشيرأ إلى ان 
الأميركيين قد فشلوا في جعل الرئيس الجميل مقبولاً لدى دمشق. بعد 
زيارة 'مكفارلين" لقائد الجيش زاره في اليوم التالي رئيس مكتب التعاون 
الأميركي اللبناني الجنرال 'فينتال" والذي كان يحمل معه لأبراهيم 
طنوس خطة لإزاحة الرئيس الجميل من الحكم» وحلوله مكانه؛» وذلك 
بدعم كامل من الادارة الأميركية. كانت الخطة الأميركية هي بأن يقوم 
الجيش اللبناني بوضع عدد من اطارات "الكاوتشوك" في مهبط حالات 
بهدف منع الرئيس أمين الجميل من العودة إلى بيروت بعد انتهاء 


57 


زيارته للولايات المتحدة الأميركية» وانه في حال وجد الجيش اللبناني 
صعوبة في تنفيذ الخطة فأن قوات المارينز على استعداد لتنفيذهاء لكن 
قائد الجيش رفض الانخراط في هذا المشروعء وابلغ الجنرال الأميركي 
بأنه اخذ عهداً على نفسه منذ زمن بعدم التدخل في السياسة . 

بعد حوالي اسبوع على زيارة 'فينتال" إلى قائد الجيش؛ نشرت 
مجلة "المنداي مورننغ اللبنانية" الصادرة باللغة الانكليزية»ء تصريحا 
للجنرال 'فينتال" قال فيه: "انهم عرضوا منصب رئيس الجمهورية على 
العماد طنوسء ولكنه رفض". اثار هذا التصريح ضجة واسعة في 
صفوف حزب الكتائبء» فاتصل الشيخ بيار الجميل بالعماد طنوس» 
وسأله رأيه في ما قاله الجنرال الأميركي» فطمأنه قائد الجيش إلى 
موقفه الرافض للتدخل في السياسة. اقتنع بيار الجميل بكلام ابراهيم 
طنوسء ولكن نجله أمين لم يقتنع وظهر موقفه السلبي من قائد الجيش 
بعد عودته من الولايات المتحدة» فبعد ان جرت العادة» ان يكون قائد 
الجيش في استقبال رئيس الجمهورية على المطار بعد عودته من زيارة 
للخارج طلب رئيس الجمهورية» من مدير المخابرات العميد سيمون 
قسيسء ان يكون في انتظاره هذه المرة. بعد يومين على عودته إلى 
بيروت» اتصل رئيس الجمهورية بقائد الجيش» وطلب منه الحضور إلى 
قصر بعبدا. لم يستقبل رئيس الجمهورية» قائد الجيش في مكتبه على 
جري عادته بل كان في انتظاره في حديقة القصرء وهي عادة درج 
عليها الرئيس الجميل عندما يريد ان يبقي كلامه؛ بعيداً عن كاميرات 
التسجيل. منذ اللحظة الأولى للإجتماع ظهر استياء رئيس الجمهورية 
من قائد الجيش واضحاً فهو لم ينهض لأستقباله عندما دخل وظل 
جالساً على كرسيه وبدوره اكتفى قائد الجيش بإلقاء السلام من بعيد 
على رئيس الجمهورية ولم يتقدم لمصافحته. 

بعد ذلك دار بين رئيس الجمهورية وقائد الجيش الحديث 
التالي: 


58 


الجميل: كرسي الرئاسة لا تتسع لشخصين. 

العماد طنوس: وهل هناك أحد يحاول مزاحمتك عليها؟ 

الجميل: انت. 

العماد طنوس: وهل يمكن ذلك ان يحصل من دون علمي. 

الجميل: الرئيس ريغن طلب مني ان لا احضر لمقابلته في 
المرة القادمة الا وانت معي وهذا يعني انك تتآمر علي مع الأميركان. 

طنوس: ان كل ما يدور في رأسك هو اوهام واذ كنت قد فقدت 
الثقة بي يمكنك اقالتي وانت تعرف انني غير متمسك بمنصبي. 

الجميل: الظرف دقيق ولا يسمح بالتغيير في الوقت الحاضر 
وانا اريدك ان تستمر في تحمل مسؤولياتك. 

زهد ابراهيم طنوس بالسلطة كشف عنه “جاك اتاليه' مستشار 
الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران حين اشار إلى ان نائب الرئيس 
الأميركي جورج بوش ابلغ الرئيس ميتران خلال لقاء عقد بينهما في 
شهر آذار عام 1983.» بأنهم سألوا العماد طنوس عن استعداده للحلول 
مكان الرئيس الجميل في رئاسة الجمهورية لكنه رفض. 
الأمور عندك ما تكبها على شفيق الوزان 
عُقد إجتماع عسكري بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي برعاية أميركية . 
حضره عن الجانب اللبناني العماد طنوس وضباط قيادة الجيشء ومثل 
فيه الجانب الإسرائيلي قائد المنطقة الشمالية الجنرال "امير دروري'» 
وعدد من مساعديه. خلال الإجتماع ابلغ الإسرائيليون الجانب اللبناني 
أن موعد انسحابهم من الجبل قد أصبح قريباً» فطلب الجانب اللبناني 
التتسيق معه قبل الانسحاب؛: وذلك تلافياً لحصول فراغ امني في 
الجبل. 


59 


بعد هذا الإجتماع ساد شعور عند قائد الجيش بأن 
الإسرائيليين» غير صادقين في نواياهم؛ وانهم قد يعمدون إلى 
الانسحاب من الجبل في أي لحظة من دون اعلام الجيش اللبناني 
بالأمرء وذلك بهدف تصعيد حدة القتال بين الدروز والمسيحيين» وبغية 
قطع الطريق على الإسرائيليين» ومنعهم من تنفيذ مخططهم اصدر قائد 
الجيش تعليماته إلى غرفة العمليات بأعداد خطة مبكرة للأنتشار في 
الجبل. 

كان قرار قيادة الجيش هو ان يكون الدخول إلى الجبل من 
دون قتال وتحت راية الوفاق والانماء» وبغية تعزيز عامل الاطمئنان 
لدى اهالي الجبل جرى تعيين العميد محمود أبو ضرغم وهو من 
الطائفة الدرزية قائداً للقوة التي ستتولى امن الجبل. 

كما جرى التشديد في جميع الإجتماعات التي عقدتها قيادة 
الجيش مع فعاليات الجبل» بأن الجيش لن يقوم بأي مداهمات وتوقيفات 
سياسية؛ بعد استلامه للأمن في الجبل. 

وبينما كان الجيش اللبناني يمهد لدخوله سلمأ إلى الجبل» كان 
الإسرائيليون يعملون على تحريض الدروز على مقاومة أي انتشار 
للجيش للبناني في مناطقهم؛ وكان من نتائج هذا التحريض قيام 
مجموعة من اهالي عاليه برشق دورية للجيش اللبناني بالحجارة؛ اثناء 
عودتها من مهمة استطلاعية تتعلق بتحديد نقاط تمركز الجيش في 
الجبل بعد اخلائه من قبل الجيش الإسرائيلي. وكان لافتاً ان 
الإسرائيليين الذين كانوا يواكبون دورية الجيش اللبناني لم يتدخلوا 
لحمايتها بل اكتفوا بالتفرج عليها وهي تتعرض للرشق بالحجارة» والذي 
ادى إلى اصابة العقيد ميشال عون اصابة بالغة في يده. وفي اطار 
التحضيرات لمرحلة مابعد الانسحاب الإسرائيلي من الجبل عُقد إجتماع 
في القصر الجمهوري حضره رئيس الجمهورية وقائد الجيش العماد 


00 


ابراهيم طنوس وسفير لبنان في سويسرا جوني عبده؛ اقترح خلاله 
السفير عبده تكليف الدرك بحفظ الامن في الجبل» لكن هذا الاقتراح 
سقط بسبب عدم موافقة قائد الجيش عليه؛ والذي شكك بقدرة الدرك 
على اجبار القوات اللبنانية على الانسحاب من الجبل؛ وطالب 
بالتنسيق مع وليد جنبلاط؛ مشدداً على ان الامور لا يمكن ان تحل 
بالقوة. وفي خطوة تعكس النوايا الإسرائيلية» باحداث فتنة بين اللبنانيين» 
ابلغ الإسرائيليون الجيش اللبناني بواسطة الأميركيين بأن انسحابهم من 
الجبل بات قريباً لكنهم لم يحددوا تاريخ لهذا الانسحاب. 

بعد تبلغه لهذه المعلومات توجه قائد الجيش إلى القصر 
الجمهوري» وابلغ رئيس الجمهورية رفض الجيش التورط بمشاكل داخلية 
في الجبل؛ كما ابلغه أيضأ انه سيقوم بتوجيه رسالة رسمية إلى مجلس 
الوزراء يعلمه فيها بموعد الانسحاب الإسرائيلي من الجبل حالما يتبلغه 
من الأميركيين؛ في المقابل فأن على مجلس الوزراء ان يقوم بتحديد 
مناطق انتشار الجيش في الجبلء والمهام الملقاة على عاتقه. وبعد ان 
استمع إلى قائد الجيش اكتفى رئيس الجمهورية بالطلب اليه التتسيق مع 
رئيس الحكومة شفيق الوزان. 

في مساء اليوم نفسه اتصل سمير جعجع بقائد الجيش؛ وطلب 
منه موعداً للقائه. استقبل قائد الجيش سمير جعجع في منزله في 
الفياضية. كانت غاية جعجع من هذه الزيارة» هي معرفة مدى استعداد 
الجيش اللبناني لمساندة القوات اللبنانية بعد الانسحاب الإسرائيلي من 
الجبل» فأوضح له قائد الجيشء بأن الإسرائيليين يقومون بتحريض 
الاشتراكيين في الجبل على القوات اللبنانية» وان الجيش اللبناني قد 
رصد من مواقعه في دير القلعة في منطقة بيت مري حشود فلسطينية 
كبيرة وهي تستعد للإنتقال من البقاع إلى الجبل للمشاركة في المعركة 
إلى جانب الاشتراكيين» ونصحه بضرورة الانسحاب من الجبل بعد ان 


61 


قال له: "ان لم تنسحبوا فإنكم ستسحقون وُسيسحق معكم المسيحيون في 
الجبل قبل ان يتمكن الجيش اللبناني من الوصول اليكم وإنقاذكم". لم 
يقتنع سمير جعجع بكلام قائد الجيشء وظهر واضحاً من حديثه بأنه 
كان يتكل على دعم الإسرائيليين له في معركته ضد الدروز. استمر 
الإجتماع حوالي الساعة والنصفء سأل في نهايته جعجع قائد الجيش 
عن الحد الاقصى الذي يمكن للجيش ان يصله في عملية انتشاره في 
الجبل» فأجابه قائد الجيش: 'بأنه سيكون حتى حدود مدخل بحمدون 
لجهة عاليه", الأمر الذي اعتبره جعجع كافياً بالنسبة لقواته للأنسحاب 
من الجبل. 

بعد خروج جعجع من منزله توجه قائد الجيش إلى القصر 
الجمهوري وهو يشعر ان القوات اللبنانية تقود المسيحيين إلى كارثة 
وخاطب رئيس الجمهورية قائلا:" انا لن اقبل ان يُقال يوم بأن قائد 
الجيش ورئيس الجمهوريةء كانا السبب في تهجير المسيحيين من 
الجبل؛ لذا يجب عليك الإجتماع مع وليد جنبلاط والتفاهم معه؛ هذه 
مسؤوليتك وحدك ولا تحاول ان ترمي بالكرة في ملعب شفيق الوزان". 
وافق الرئيس الجميل على الإجتماع بجنبلاط وطلب من قائد الجيش 
التحضير لهذا اللقاءء وعلى الفور اتصل العماد طنوس بالعميد 'جورج 
حروق”,؛ وكلفه بتأمين موعد له مع وليد جنبلاط. 

عُقد الإجتماع بين قائد الجيش ووليد جنبلاط يوم 
5 في منزل الاخير في بيروت» وحضره العميد حروق. 
وأبدى خلاله جنبلاط نقمة كبيرة على الرئيس الجميلء معتبراً اياه اسوأ 
رئيس جمهورية مر في تاريخ لبنان", كما عبر عن استهجانه من 
تجاهل الجميل للائحة المطالب الدرزية التي كان قد قدمها له في وقت 
سابق والتي تضمّنت جملة مطالب من بينها تعيين العميد عصام أبو 
زكي قائداً للشرطة القضائية؛ وبالرغم من ثورته على أمين الجميل فإن 


62 


وليد جنبلاط أبدى استعداده للتعاون معه من اجل إنقاذ الجبل. هذه 
البادرة التقطها قائد الجيشء وقام على الفور بالاتصال برئيس 
الجمهورية» واقترح عليه تحديد موعد لزيارة جنبلاط إلى قصر بعبدا. 
رحب رئيس الجمهورية بهذه الزيارة وتم الاتفاق على ان يكون موعدها 
في صباح اليوم التالي. 

بعد خروجه من عند وليد جنبلاط» توجه قائد الجيش إلى 
القصر الجمهوري وكان الوقت قد تجاوز منتصف الليل وناشد رئيس 
الجمهورية تحويل زيارة جنبلاط إلى قصر بعبدا إلى مناسبة لأنتاج 
وفاق وطني حقيقي في الجبل» متمنياً عليه ان يكون مرسوم تعيين "ابو 
زكي" قائدا للشرطة القضائية جاهزا قبل إجتماعه بجنبلاط في صباح 
الغد. 

في اليوم التالي صعد جنبلاط إلى القصر الجمهوريء بمواكبة 
مجموعة من عناصر المكافحة التابعة للجيش اللبناني» فيما رابط قائد 
الجيش في مكتبه منتظراأ نتائج الإجتماع. كانت الساعة قد تجاوزت 
الثالثة بعد الظهرء عندما اتصل وليد جنبلاط بقائد الجيش وسأله عما 
اذا كان قد قام بتذكير أمين الجميل بلائحة المطالب الدرزية» فأكد له 
قائد الجيش على انه قد فعل فأبدى جنبلاط تعجبه لكون رئيس 
الجمهورية لم يأت على سيرتها قط خلال إجتماعه به وقال للعماد 
طنوس: 'شو انا بس طالع لعندو اكل طبيخ". غضب قائد الجيش 
غضبأ شديداً من تصرف رئيس الجمهورية» وتوجه إلى القصر 
الجمهوري؛ وسأله عن سبب عدم تطرقه للأئحة المطالب الدرزية خلال 
إجتماعه مع جنبلاطء فأجابه الجميل: 'شو بدك ياني اعمل يلي بدو ياه 
من أول مرة خلي يجي مرة ثانية". وبعد اتصالات عديدة قام بها العماد 
طنوس مع وليد جنبلاطء تمكن من اقناعه بالقيام بزيارة ثانية إلى 
القصر الجمهوري والتي لم تكن نتائجها افضل من الزيارة الأولى مما 


63 


جعل جنبلاط يغضب ويقول لقائد الجيش بأنه: 'لم يعد بإمكانه تحمل 
تصرفات أمين الجميل". وبعد ان اقفل الرئيس الجميل سكة الحوار مع 
وليد جنبلاط؛ راح العماد طنوس يفتش عن طريق آخر يمكن له ان 
يجنب الجبل الحريق الكبير الذي كان ينتظره؛» فطلب من رئيس الاركان 
اللواء نديم الحكيم تأمين لقاء له مع شيخ عقل الطائفة الدرزية "محمد 
أبو شقرا". عقد اللقاء بين قائد الجيش والشيخ أبو شقرا في منزل اللواء 
الحكيم حيث تم الاتفاق على زيارة يقوم بها 'شيخ العقل" إلى قصر 
بعبدا للبحث في ازمة العلاقات بين رئيس الجمهورية والطائفة الدرزية. 
شعر قائد الجيش بخيبة كبيرة عندما دخل عليه اللواء نديم الحكيم في 
مكتبه في اليوم التالي واخبره بأن الشيخ أبو شقرا غاضب من نتائج 
زيارته إلى قصر بعبدا وانه شعر بأن رئيس الجمهورية لم يعطه حقه 
من التقديرء كما انه ظل طوال الوقت يتهرب من البحث في لائحة 
المطالب الدرزية. 

في ظل هذه التطورات برز حدث لافت تمثل بأبلاغ إسرائيل 
للمبعوث الأميركي في لبنان 'روبرت مكفارلين"؛ أن الجيش الإسرائيلي 
قرر الانسحاب من مناطق الجبل دون التنسيق مع الجيش اللبناني» 
وانه قد يجد نفسه مضطراً لأستعمال الطيران ضد الجيش اللبناني» في 
حال قرر الانتشار في الجبل. تصعيد إسرائيل للموقف رد عليه الجانب 
اللبناني بالطلب من الجانب الأميركي العمل على اقناع الإسرائيليين» 
بعدم الانسحاب من الجبل من دون التنسيق مع السلطات اللبنانية. 
ولكن الحكومة الإسرائيلية رفضت هذا الطلب وفي خضم هذه المعمعة 
قام قائد الجيش برفع رسالة رسمية إلى مجلس الوزراء طلب فيها تحديد 
مناطق انتشار الجيش في الجبل فأتاه الجواب:" من خلدة إلى سوق 
الغرب» ويمكن التمدد اكثر في حال سمحت الظروف". مع اعلان 
الجيش اللبناني قراره بالانتشار في الجبل؛ اهتز الأمن فجأة في بيروت 


604 


الغربية والضاحية الجنوبية» فنزل المسلحون إلى الشوارع وراحوا يطلقون 
النار على مراكز الجيشء الذي اضطر للقيام بمعركة كبرى من اجل 
استعادة بيروت الغربية» بعد ان سيطر عليها المسلحون لعدة ساعات» 
وفي الوقت الذي كان فيه الجيش اللبناني مشغولاً بمعارك بيروت 
الغربية» قام الاشتراكيون بهجوم على مراكز الجيش في منطقة الشحار 
الغربي؛ الذي تمكن من صدهمء وكان الإسرائيليون قد عمدوا قبل ذلك 
إلى محاولة استفزاز الجيش اللبناني في منطقة الشحار الغربي» وذلك 
عندما راحوا يرسلون ملالتهم إلى امام مراكزه وهي تحمل عناصر من 
الحزب الاشتراكي ويقومون برشق جنود الجيش اللبناني بالحجارة» 
وعندما لم تنفع الاتصالات التي اجراها الجيش اللبناني مع الجانب 
الأميركي في وقف هذه الممارسات هدد قائد الجيش بضرب الملالات 
الإسرائيلية في حال اقترابها مرة أخرى من مراكز الجيش اللبناني. 

في الثالث من ايلول وعند منتصف الليل تبلغ قائد الجيش 
العماد ابراهيم طنوس من المبعوث الأميركي “روبرت مكفارلين", بأن 
الإسرائيليين قد باشروا انسحابهم من الجبل ومع عبور آخر قافلة 
إسرائيلية منطقة خلدة باتجاه الجنوب طلب العماد ابراهيم طنوس من 
ثلاثة ألوية في الجيش اللبناني مباشرة انتشارها في الجبل. 

انتشار الجيش في الجبل عارضه الحزب التقدمي الاشتراكي» 
بطلب من السوريين وتصدى له بالقوة حيث جرت معارك عنيفة بين 
الطرفين استمرت ضارية حتى تاريخ التوصل إلى قرار بوقف إطلاق 
النار في 26 ايلول 1983 ولكن قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار» 
كانت مواقع الجيش تتلقى يوميا ما يقارب الإثني عشر الف قذيفة» 
والذي كان يرد بحوالي أربعة آلاف قذيفة» ومع تصاعد حدة المعارك 
بدأت ذخيرة الجيش اللبناني بالنفاذ وخلال أحد الليالي التي كانت فيها 
المعارك على اشدها حضر إلى غرفة العمليات قائد اللواء الثامن العقيد 


65 


ميشال عونء وكان منهكأ ومعنوياته شبه منهارة» وأبلغ قائد الجيش بأنه 
لم يعد بالإمكان الصمود اكثر من نصف ساعة وبعدها ستنهار 
الجبهة. وبعد ان استمع قائد الجيش إلى كلام قائد اللواء الثامن التفت 
إلى الضباط الأميركيين الموجودين في غرفة العمليات إلى جانب 
ضباط الجيش اللبناني؛ وقال لهم: 'بإمكانكم الرحيل فنحن اوشكنا على 
السقوط» ولكن يجب ان تعلموا اننا سنفضحكم امام العالم لأنكم تفعلون 
بنا ما فعلمتوه في فيتنام سابقا". وبعد ذلك توجه قائد الجيش إلى قصر 
بعبدا وايقظ رئيس الجمهورية من نومه وطلب منه استدعاء المبعوث 
الأميركي 'روبرت مكفارلين" على وجه السرعة. كانت الساعة قد 
تجاوزت الواحدة ليل عندما وصل المبعوث الأميركي إلى قصر بعبداء 
حيث عقد إجتماع بينه وبين رئيس الجمهورية وقائد الجيشء استهله 
العماد طنوس بمخاطبة المبعوث الأميركي قائلاً: 'يكفي ان تسقط سوق 
الغرب حتى ينهار معقلان اساسيان من معاقل الدولة اللبنانية» هما 
وزارة الدفاع والقصر الجمهوري» ويصبحا تحت سيطرة وليد جنبلاط 
والسوريين. وهذه الهزيمة لن يتحمل أحد مسؤوليتها سوى انتم والرئيس 
الجميل الذي لم يعرف كيف يدير الامور في الجبل". وبعد ان انهى 
قائد الجيش كلامه خرج المبعوث الأميركي من القصر الجمهوري» 
ليعود بعد ثلاث ساعات حاملاً معه قراراً أميركياً بإقامة جسر جوي بين 
جونيه وقبرصء لتزويد الجيش اللبناني بالذخائر والسلاح والتي كان من 
بينها قنابل انشطارية المحرمة دولياً. 

بعد اعلان وقف إطلاق النارء نصح الأميركيون الرئيس أمين 
الجميل بالتفتيش عن حل سياسي للأزمة اللبنانية» وذلك ضمانا 
لاستقرار حكمه؛ وأشاروا عليه بضرورة التفاهم مع سورياء من جهته 
وجد قائد الجيش أن تقديم استقالته قد يسهم في تسريع الحل المنشود» 
فأرسل بكتاب إلى رئيس الجمهورية» اقترح فيه تأليف حكومة وحدة 


66 


وطنية» وتعيين قائد جديد للجيش ومدير جديد للمخابرات. استقالة قائد 
الجيش رفضها رئيس الجمهورية وقال له: 'بدك تطول بالك شويه 

لم تخلو المعارك التي دارت في الجبل» من مواقف شديدة 
القسوة» ففي خلال أحد المواجهات على جبهة سوق الغرب تمكنت 
عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي من السيطرة على أحد مراكز 
الجيشء وقتلت خمسة من عناصره ومثلت بجثثهم» وعندما وصل الخبر 
إلى قائد الجيش اعطى أوامره إلى المغاوير بأسترجاع المركزء وقتل 
المسلحين بالطريقة نفسها التي قتلوا بها عناصر الجيش والقاء جنثهم 
في المقلب الآخر وذلك انطلاقاً من المبدأ القائل: "نحن من نرعب 
الخصم وليس هو من يرعبنا". ردة فعل قائد الجيش تعجب لها أحد 
الضباط الأميركيين الذين كانوا موجودين في غرفة العمليات فالتفت إلى 
النقيب “ابيض" وقال له: "أليس ذلك بشعاً". فأجابه النقيب ابيض: "انها 
أوامر الجنرال وهذه هي الحرب في النهاية". 

وفي مشهد آخر من مشاهد الحرب التي دارت رحاها في 
منطقة الجبل» نقل أحد الضباط الأميركيين إلى قائد الجيش شكوى 
عناصر وضباط اللواء الثامن في سوق الغرب من اهمال قائد اللواء 
لهم؛ وعدم تفقده لأوضاعهم على الجبهة الا نادراً. كانت ردة فعل قائد 
الجيش لدى سماعه هذا الشكوى؛ هي ان قام بزيارة مفاجئة إلى مركز 
قيادة اللواء الثامن في 'مجمع شاهين”" في بعبداء حيث طلب من قائد 
اللواء العقيد ميشال عون مرافقته في مهمة دون ان يفصح له عن 
طبيعتهاء وعندما وصلا إلى مفرق بلدة كفرشيماء طلب قائد الجيش من 
سائق سيارته التوجه نحو سوق الغربء لكن العقيد عون اعترض وثارت 
اعصابه ورفض اكمال الطريق الا بواسطة ملالة. 


67 


معركة الوصول إلى تلة الرادار... قائد الجيش موجود ولكنه 
لا يريد الرد على مكالماتك 

شكلت تلة "الرادار" الواقعة» بين بلدتي كيفون وبيصور هدقاً 
دائمأ للجيش اللبناني والتي كان من شان السيطرة عليها السماح له 
بربط سوق بمنطقة الشحار الغربي. وانطلاقاً من ذلك طلب قائد الجيش 
من غرفة العمليات اعداد خطة لاحتلال هذا الموقع. وفي الوقت الذي 
كانت فيه الاستعدادات جارية لتنفيذ العملية فوجئ قائد الجيش بظهور 
قائد اللواء الثامن العقيد ميشال عون ورئيس الجمهورية أمين الجميل 
على شاشة التلفزيون وهما يتفقدان جبهة سوق الغرب وذلك دون اعلامه 
مسبقأ بالزيارة كما تقتضي الاصول. 

كانت ردة فعل قائد الجيش على هذا التصرف هي ان طلب 
من أمين سر مكتبه ابلاغ رئيس الجمهورية في حال اتصل به بأن قائد 
الجيش موجود في مكتبه ولكنه يرفض ان يرد على اتصاله. وبالفعل 
اتصل رئيس الجمهورية وجرى أبلاغه بأن قائد الجيش يرفض الحديث 
معهء فكانت ردة فعله هي ان حضر بنفسه إلى مكتب قائد الجيش 
الذي لم ينهض للسلام عليه. 


بعد ذلك دار بينهما الحوار التالي: 
الرئيس الجميل: رئيس جمهوريتك في مكتبك ولا تنهض للسلام عليه. 
العماد طنوس: عندما يصبح شخصا مهذباً اسلم عليه. 
الرئيس الجميل: اعرف انك غاضبء ولكن الحق على ميشال عون؛ 
فهو حضر إلى قصر بعبداء وشكا لي من انك تمنعه 
من القيام بعملية عسكرية للسيطرة على ئلة "الرادار". 
طنوس: زيارتك اليوم إلى سوق الغرب» من دون اعلام قائد الجيش هي 
اهانة للشعب اللبناني كله وليس للجيش وحده. 
68 


الجميل: كنت اريد ان انصب فخاً لميشال عون, لكي اختبر مصداقية 

كلامه. ولكن السؤال هل انت موافق على ان يقوم ميشال 

عون بهذه العملية. 
طنوس: فليقدم لنا خطته اولاً. 

بعد مغادرة رئيس الجمهورية لليرزة» استدعى قائد الجيش 
العقيد ميشال عونء, وسأله عما اذا كان واثقاً من قدرته على السيطرة 
على تلة الرادار فأكد عون على انه في اتم الجهوزية للقيام بهذه العملية 
فطلب منه قائد الجيش تقديم خطته لغرفة العمليات وابلغه استعداده 
لوضع كل إمكانات الجيش بتصرفه من اجل الانتصار في هذه 
المعركة؛ كما اعلن له أيضاً استعداده للتنازل له عن قيادة الجيش» في 
حال تمكن من الوصول إلى تلة الرادار. 

انطلقت المعركة فجر التاسع عشر من ايلول عام 1983 
واستمرت ضارية حتى ساعات الظهر الأولى دون ان يتمكن الجيش 
اللبناني من التقدم اكثر من خمسمائة متر حيث سيطر على موقع 'تلة 
الحصن" الاستراتيجي الواقع بين بلدتي كيفون وسوق الغرب بعد ان 
سقط له اكثر من ستين شهيداً كان اكثرهم بنيران المدفعية السورية؛ 
وعند المساء ومع توقف العمليات العسكرية حضر العقيد ميشال عون 
إلى مكتب قائد الجيشء» وكان ممتقع اللون ولا يكاد يقوى على الوقوف 
وراح يحاول تبرير فشله في المعركة. فما كان من قائد الجيش الا ان 
قال له: "ان اكبر عقوبة لك على فشلك هي ان تذهب وتجلس مع 
ضميرك وان لا تحاول ان تركب رأسك مرة أخرى'. 

لم يثن فشل الهجوم الذي قام به اللواء الثامن على تلة الرادار 
قائد الجيش العماد ابراهيم طنوسء» عن الاستمرار في الإعداد لخطته 
للسيطرة على تلة الردار وقطع طريق "الكرامة" التي كانت تربط البقاع 
بالضاحية الجنوبية» وتؤمن تدفق السلاح والمقاتلين من البقاع إلى 


69 


بيروت والضاحية الجنوبية» وبعد اكتمال الاستعدادات للعملية تم تحديد 
نهار الأول من شباط عام 1984 الساعة الثالثة فجرأ موعداأ لانطلاق 
الهجوم وقبل حلول ساعة الصفر قصد العماد طنوس رئيس الجمهورية 
في قصر بعبدا لأخذ الإذن منه لبدء العملية وبعد أن اصغى الرئيس 
الجميل إلى شرح قائد الجيش؛ طلب منه استشارة المبعوث الأميركي 
'دونالد رامسفيلد" أولاً والاستماع إلى ملاحظاته. كان تردد رئيس 
الجمهورية في الموافقة على العملية مرده إلى انه كان في تلك الفترة 
يعيش في ظل أجواء سياسية كانت توحي بقرب التوصل إلى حل 
للأزمة اللبنانية وخاصة بعد مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في 

أبدى “دونالد رامسفيلد" تحفظه على العملية» بحجة ان الوقت 
الآن هو للتهدئة» والبحث عن حلول سياسية وطلب مهلة 48 ساعة 
لمراجعة إحدى الدول المعنية بالشأن اللبناني قبل اعطائه الجواب» 
وعندما سأله قائد الجيش عما اذا كان المقصود بهذه الدولة هي 
إسرائيل» رد المبعوث الأميركي بالإيجاب وطلب من قائد الجيش تسليم 
نسخة عن خطة الهجوم إلى رئيس فريق الضباط الأميركيين في لبنان 
الجنرال 'ستاينر" الذي كان سيرافقه إلى تل ابيب. اثار هذا الطلب ريبة 
قائد الجيش فذهب إلى غرفة العمليات واجرى تعديلات على الخطة 
قبل ان يقوم بتسليمها الجنرال 'ستاينر"؛ وكانت الغاية من هذه الخطوة 
هي اختبار مصداقية الأميركيين في التعامل مع الجيش اللبناني؛ وفي 
اليوم التالي تبين لقائد الجيش ان شكوكه بالأميركيين كانت في محلهاء 
وذلك عندما اتصل به أحد الضباط من فرع التنصّتء وابلغه ان راديو 
دمشق قد اذاع تفاصيل خطة عسكرية:» قال ان الجيش اللبناني اعدها 
لقطع طريق الكرامة في منطقة الجبل. 

وبعد يومين امضاهما في إسرائيل عاد رامسفيلد ومعه ستاينر 
إلى بيروت وابلغوا قائد الجيش اقتراحا إسرائيليا بإدخال بعض التعديلات 

70 


على الخطة بحيث يصار إلى استخدام كتيبة من الفوج الرابع الموجودة 
في منطقة الشحار الغربي في المعركة بدلاً من ثلاثة ألوية» وبالمقابل 
يقوم الإسرائيليون بوضع كتيبة دبابات بتصرف الجيش اللبناني» اضافة 
إلى استعدادهم للقيام بعمليات قصف جوي تمهد لتقدم المشاة على 
الارض. لم يكن العماد طنوس بحاجة إلى الكثير من العناء حتى يفهم 
ان هناك اعتراضاً إسرائيلياً وأميركياً على العملية» فهم كانوا يعرفون 
سلفاً انه لن يوافق على مشاركة إسرائيل في هذه العملية مهما كانت 
الظروفء فكان ان ابلغ المبعوث الأميركي قراره بتعليق الهجوم بعد ان 
قال له: 'اشعر انكم لم تعودوا معنا كما كنتم من قبلء. فرد الجنرال 
'ستاينر" مؤكدأً لقائد الجيش ان الموقف الأميركي بدعم الجيش اللبناني 
لم يتغير". عندئذٍ أبرز له قائد الجيش نسخة عن خطته المعدلة» تفاجأ 
الجنرال ستاينر واحمر وجهه وحاول إلقاء مسؤولية التسريب على غرفة 
العمليات في الجيش اللبناني. لكن قائد الجيش استمر في عملية 
احراجه؛ فقال له: "اذا كنتم لا تزالون معنا هاتوا لنا دليلاً على ذلك كأن 
تطلبوا من إسرائيل أن تقوم بقصف جسر "الغيضة"» وهو جسر صغير 
يمر بمحاذاة بلدة الغابون ويؤمن وصول السلاح والمسلحين من البقاع 
إلى الضاحية الجنوبية» وعندها لا يعود هناك حاجة للقيام بمعركة على 
تلة الرادار". 

وفي صباح اليوم التالي اغارت الطائرات الإسرائيلية على 
جسر الغيضة؛ ولكن دون ان تستهدفه مباشرة» بل ألقت بصواريخها 
على مقربة منه» حاول دونالد رامسفيلد ان يبرر لقائد الجيش فشل الغارة 
بأن الهدف كان صغير جداً ولا يمكن اصابته بدقة» لكن العماد طنوس 
لم يقتنع بهذا التبرير وقال له: "انتم والإسرائيليون لا تزالون مع سوريا 
ضدنا وانتم تلعبون معنا لعبة مزدوجة". 

احدث تسريب الخطة التي وضعها الجيش للسيطرة على 
طريق الكرامة ردة فعل عنيفة في اوساط قيادات المعارضة» فانفجرت 

71 


الاشتباكات على نطاق واسع بين الجيش اللبناني وحركة امل في 
الضاحية الجنوبية» ففي الثاني من شباط عام 1984 بدأت مراكز 
الجيش في الضاحية الجنوبية تتعرض لإطلاق نار كثيفء. ما لبث ان 
تطور إلى محاولة للهجوم على مراكز الجيش في منطقة مار مخايل 
قام بها عناصر من حركة امل واحزاب المعارضة. وكان الجيش 
اللبناني قبل انفجار الأوضاع الامنية في الضاحية الجنوبية قد قام 
بعملية تبديل لقواه في منطقة الضاحية الجنوبية فحل اللواء السابع مكان 
اللواء الخامس في منطقة مار مخايل» الذي انتقل إلى الجبل للمشاركة 
في عملية قطع طريق الكرامة. لم يكن اللواء السابع مدربا تدريباً جيداً 
بعد فتراجع تحت ضغط المسلحين؛ مما اضطر قيادة الجيش إلى إنزال 
اللواء الثاني عشر المجوقل إلى المعركة الذي نجح في استعادة جميع 
المراكز التي خسرها اللواء السابع» ولكن بالرغم من ذلك فأن الجيش 
فضل القيام بانسحاب تكتيكي إلى منطقة عين الرمانة» بعد ان 
أصبحت كلفة محافظته على مراكزه في منطقة مار مخايل باهظة 
الثمن. 

وسط هذه المعمعة اصدر رئيس الجمهورية أوامره مباشرة 
بقصف مناطق الضاحية من دون المرور بقائد الجيشء الذي احتج 
واعتكف في منزله لمدة اسبوع وخاصة بعد اتصال تلقاه من الإمام 
محمد مهدي شمس الدين طلب فيه العمل على وقف المجزرة بحق 
المدنيين» فكانت ردة فعل قائد الجيش بأن صعد إلى القصر الجمهوري 
وخاطب رئيس الجمهورية قائلاً: "أنا لست بقاتل". 


معركة السادس من شباط 
قبل معركة السادس من شباطء كانت هناك معلومات ترد 
تباعأ إلى قيادة الجيش عن تحضيرات تقوم بها الاحزاب اليسارية 
وحركة امل؛ لمهاجمة مراكز الجيش في منطقة بيروت الغربية» وكانت 
72 


هذه المعلومات يتم ابلاغها إلى قائد اللواء السادس العقيد لطفي جابر» 
مع أوامر واضحة بالدفاع عن النفس في حال التعرض للهجوم. وفي 
صباح يوم السادس من شباط عام 1984.؛ بدأت مراكز الجيش على 
خطوط التماس بالتعرض لإطلاق نار بكافة انواع الاسلحة من قبل 
مسلحي المعارضة:؛ فيما كان مسلحون أخرون يهاجمون مركز الكتيبة 
1 في منطقة الرمل العالي؛ ثم ما لبثت هذه الاشتباكات ان توسعت 
لتشمل احياء الصنائع وبرج المر والظريف؛ وعلى ضوء هذه التطورات 
قام اللواء السادس بعملية تجميع لقواته والانسحاب إلى ثكناته مما سمح 
للمسلحين بالسيطرة على احياء بيروت الغربية. لم ترضخ قيادة الجيش 
للأمر الواقع وقررت القيام بعملية عسكرية لاسترجاع سلطة الدولة على 
بيروت الغربية» وهي طلبت من اللواء السادس الاستعداد للمشاركة في 
العملية إلى جانب سرية من المغاوير تم انزالها على شاطئ الرملة 
البيضاءء لكن هذه السرية وجدت نفسها تقاتل وحيدة؛ بعد ان امتنع 
اللواء السادس عن تقديم الدعم لهاء مما اضطرها ان تشق طريقها نحو 
الحمام العسكري. لتعود من هناك إلى مراكزها الاساسية بواسطة 
طوافات عسكرية. 
الجيش يفقد مواقعه في الشحار الغربي 

بعد عملية السادس من شباط استمر مسلسل ضرب الجيش 
اللبناني والذي انتقل إلى منطقة الشحار الغربي. عشية معركة الشحار 
الغربي في 1984/2/14 تلقى قائد الجيش اتصالاً من المقدم عادل 
أبو ربيعة! ابلغه فيه عن معلومات لديه بأن المقدتم 'ن. ك" قد قبض 
مبلغ 500000 الف ليرة لبنانية من الحزب التقدمي الاشتراكي لقاء 
تسهيل سيطرته على منطقة الشحار الغربي. كان المقدم أبو ربيعة 
يتحدث من أحد مراكز الجيش اللبناني القريبة من المصرف المركزي 


' اغتيل قرب منزله في شارع الحمراءء في كانون اول عام 1984. 
13 


في منطقة "الحمرا"» حيث كان يوجد مركز قريب للحزب التقدّمي 
الاشتراكي» مما جعل مكالمته عرضة للتنصّت. حاول العماد طنوس ان 
يثني المقدّم أبو ربيعة عن متابعة كلامه اكثر من مرة 'مش سامعك 
اتصل لاحقاً"؛ ولكن مع ذلك فإن المقتّم أبو ربيعة استمر في كلامه 
غير عابئ بالمخاطر التي تحيط به. 

بعد انتهاء المكالمة قرر قائد الجيش التأكد من هذه المعلومات 
بنفسه فاستقل طوافة عسكرية إلى مركز قيادة اللواء الرابع في بلدة 
الجية حاملاً معه حقيبة تحتوي على مبلغ خمسمائة الف ليرة لبنانية 
جرى اقتطاعها من النفقات السرية لقائد الجيشء وبعد ان عقد إجتماعاً 
مع ضباط اللواء الرابع» انتحى قائد الجيش بالمقدم "'ن. ك." جانباً 
وسأله عن صحة المعلومات التي ادلى بها المقدم عادل أبو ربيعة دون 
ان يفصح له عن مصدرهاء سكت المقدتم "ن. ك" لدى سماعه ولم 
يجبء فأدرك قائد الجيش عندئذ ان ما قاله المقدم أبو ربيعة هو 
صحيح. فما كان منه ان ناوله حقيبة المال التي احضرها معه وقال 
له: "خذ هذه الاموال» وقم بتسديد ما عليك من ديون بسبب لعب القمار 
وأعد المال الذي قبضته لقاء خيانتك لرفاقك إلى أصحابه". 

بعد عودته إلى اليرزة اصدر قائد الجيش امراً بأعلان 
الاستنفار في صفوف اللواء الرابع» اعتقاداً منه ان هذا التدبير سيكون 
كافياً لصد أي هجوم على مواقع الجيش في الشحار الغربيء لكن قائد 
الجيش لم يكن يعلم عندما اعلن الاستنفار ان هناك خرقاً من نوع آخر 
كان يجري التحضير له على يد النقيب وليد سكرية» الذي تعاون مع 
الحزب التقدمي الاشتراكي في تسليم مراكز الجيش في الشحار الغربي 

صباح يوم الرابع عشر من شباط عام 1984 بدأت جميع 
مراكز الجيش في منطقة الشحار الغربي تتعرض لعمليات قصف 


14 


كثيفة» وظهرت حشود كثيفة من المسلحين الاشتراكيين في قبرشمون 
وعرمون» وهي تستعد للقيام بهجوم على مراكز الجيش في قرى الشحار 
الغربي» وفي نفس الوقت جرى رصد تجمعات مسلحة للمنظمات 
الفلسطينية الموالية لسوريا والحزب السوري القومي الإجتماعي في 
مناطق الغابون وبيصورء وهي تستعد للإنتقال إلى جبهة القتال في 
منطقة الشحار الغربي. استطاع المسلحون في الساعات الأولى 
للمعركة السيطرة على بعض مراكز الجيش الاساسية. وذلك بفضل 
شيفرة الاتصالات الخاصة بالجيش التي استولى عليها النقيب سكرية» 
وقام بتسليمها إلى المسلحين الاشتراكيين. استمرت المعارك طوال فترة 
قبل الظهر تمكن خلالها الجيش اللبناني من استعادة معظم المراكز 
التي كان قد خسرها في الصباح؛ وبدأ يستعد للقيام بهجوم معاكس 
واسع النطاق لطرد المسلحين من كافة المناطق التي تمكنوا من الدخول 
اليهاء ولكن فجأة بدأت اجهزة الاتصال التابعة للجيش اللبناني» تتعرض 
لعملية تشويش منظمة مصدرها الاسطول السادس الأميركيء والبوارج 
الإسرائيلية الموجودة قبالة الشواطئ اللبنانية» مما ادى إلى فقدان 
الاتصال بين غرفة العمليات والمواقع على الجبهة» بشكل كامل مما 
اجبر قيادة اللواء الرابع على تنظيم عملية انسحاب آمنة إلى منطقة 
السعديات؛ وإقامة مراكز دفاعية لها في منطقة الدامورء وبذلك انتهى 
الصراع في بقعة الشحار الغربي بخسارة الجيش لمواقعه. 


ابراهيم طنوس إلى الإقالة 

في 23 حزيران 1984 اتخذ مجلس الوزراء قرارا باعفاء 
العماد ابراهيم طنوس من مهامه في قيادة الجيش ووضعه بالتصرف. 
وتعيين العماد ميشال عون قائدا للجيش. وكان اعفاء طنوس من 
منصبه قد جاء بضغط من السوريين الذين اتهموه بالتسبب بانقسام 


715 


الجيش وطلبوا من الرئيس الجميل اقالته من منصبه. 

وفي اليوم ما قبل الاخير له في قيادة الجيش تلقى العماد 
طنوس اتصالاً من أحد الضباط الأميركيين» الذي طلب منه موعداً 
لزيارته بعد ان ابلغه بأنه يحمل له سلاحا فعالاً يستطيع ان يدافع به 
عن نفسه مستقبلاً. وفي اليوم التالي حضر الضابط الأميركي إلى 
مكتب قائد الجيش وكان يحمل معه ورقة صغيرة عليها ارقام حسابات 
مصرفية في بنوك سويسرية تبلغ قيمتها سبع واربعين مليون دولار 
أميركي وهي تخص موظفاً في أحد البلديات. وقام بتسليمها إلى قائد 
الجيش. استغرب قائد الجيش بأن يكون لموظف بسيط» كل هذه المبالغ 
الضخمة؛ وسأل الضابط الأميركي عن مصدر هذه الأموال الذي 
اوضح له 'بأن هذه الاموال وان كانت مودعة باسم هذا الموظفء وانما 
هي في الحقيقة تخصٌ شقيقه الضابط في الجيش اللبناني والذي كان 
على خلاف دائم مع قائد الجيشء» وقد حاول اكثر من مرة تدبير 
محاولة اغتيال له". 


706 


00 





رياض رعد والرئيس حافظ الأسد 


'البعث طريقنا' 

في عمر مبكر انشغل رياض رعد بهم السؤال عن الاسباب» 
التي ادت إلى سقوط فلسطين فريسة سهلة بأيدي العصابات 
الصهيونية» وسرعان ما وجد الجواب يكمن في تخاذل الحكام العرب. 
وتقاعسهم عن القيام بواجبهم في التصدي للعصابابٌ الصهيونية التي 
اعلنت انشاء دولة إسرائيل. مأساة أخرى شغلت تفكير رياض رعد في 
تلك الفترة»؛ وهي نزوح عدد كبير من ابناء الريف إلى ضواحي بيروت 
وسكنهم في اماكن تفتقر إلى مقومات العيش الكريم كان يطلق عليها 
اسم "احزمة البوؤس". شكل هذان العاملان منطلق البحث عند رياض 
رعد عن خشبة الخلاص التي يمكن لها ان تنتشل المجتمعات العربية 
من الفشل التاريخي التي تعيش فيه» وبعد بحث طويل بينه وبين نفسه 
وجد ان الحل يكمن في ضرورة انتماء الشباب اللبناني إلى احزاب 
تحمل في مبادئها بذور الوعي السياسي والإجتماعي للشباب اللبناني 
والعربي. 

77 


بدأ رياض رعد رحلة البحث عن هذه الاحزاب؛ بالأطلاع على 
مبادئ الحزب الشيوعي اللبناني ولكنه ما لبث ان اعرض عنها بسبب 
اعتراف الاتحاد السوفياتي بدولة إسرائيل» ليتجه بعد ذلك بتفكيره صوب 
الحزب السوري القومي الإجتماعي والذي كاد ان يصبح عضواً فيه 
مدفوعاً بعاملين: الأول إعجابه بأفكار انطون سعادة؛ والتي تدعو إلى 
رفض أي شكل من اشكال العلاقة مع الصهيونية» والثاني ان خاله 
الذي كان يحبه كثيرأ كان عضواً في هذا الحزب. كانت فكرة الانتماء 
إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي قد اختمرت عند رياض رعد 
تقريباً» عندما بدأ أستاذه في المدرسة "انعام الجندي" يحدّث تلاميذه عن 
مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكيء التي تدعو إلى الايمان بفكرة 
القومية العربية»؛ سرعان ما وجدت احاديث انعام الجندي صدى لها في 
نفس رياض رعدء فاقبل على الانتماء إلى حزب البعث العربي 
الاشتراكي في العام 1954 وكان لا يزال في السابعة عشرة من عمره. 

كان نشاط الطلبة في لبنان في ذلك الوقت في مرحلته 
الذهبية» وكانت ثورة الجزائر والاحتلال الصهيوني لفلسطين هما اكثر 
القضايا العربية استحواذاً على اهتمامهم؛ فكانوا ينظمون المظاهرات» 
وحملات التبرع .بالمال دعماً لهاتان القضيتان» وخلال أحد المظاهرات 
التي انطلقت من الجامعة الأميركية في بيروت دعماً لثورة الجزائر 
اصطدم المتظاهرون بقوات من الدرك حاولت منعهم من الخروج من 
الجامعة الأميركية مما ادى إلى وقوع اشتباك بين الطرفين سقط فيه 
الطالب حسان أبو إسماعيل الذي كان ينتمي إلى الحزب التقدمي 
الاشتراكي شهيداً. وبمناسبة ذكرى مرور اسبوع على استشهاده اقيم له 
مهرجان تأبيني في منزله في منطقة سباق الخيل» حضره حشد من 
القيادات الطالبية في لبنان من بينهم رياض رعدء والقى خلاله زعيم 
الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط خطبة نارية هاجم فيها رئيس 
الحكومة عبد الله اليافي. شكل هذا المهرجان مناسبة للتعارف بين 

78 


رياض رعد وكمال جنبلاطء لتتعدد بعد ذلك اللقاءات بينهما بمسعى من 
رئيس الأركان السابق في الجيش السوري اللواء شوكت شقيرء والتي 
كانت نتيجتها قيام علاقة وثيقة بين كمال جنبلاط ورياض رعدء حتى 
انه عندما قامت السلطات السورية باعتقال عدد من اعضاء حزب 
البعث عام 1961. منهم هشام عبده ومحمود الميس بتهمة توزيع 
منشورات حزبية داخل الاراضي السورية»؛ قصد رياض رعد كمال 
جنبلاط وكان يومها وزيراً للداخلية» وطلب منه التوسط لدى السلطات 
السورية لإطلاق سراح المعتقلين. لم يتردد كمال جنبلاط في تلبية طلب 
رياض رعدء وقام بتزويده برسالة خطية إلى وزير الداخلية السوري 
"علي ظاظا". تمنى فيها إطلاق سراح المعتقلين البعثيين. تجاوب 
الوزير السوري مع رسالة كمال جنبلاط فوراً وامر بإطلاق سراح 
المعتقلين» وعندما رفض مدير عام الامن العام اللبناني '"جوزف سلامة" 
تجديد جواز سفر رياض رعد عام 1965»؛ بسبب علاقته مع حزب 
العمال الثوري العربي اتصل كمال جنبلاط بجوزف سلامة وقال 
له:”سجل عندك ان كمال جنبلاط هو أيضاً في هذا الحزب". 

سعى كمال جنبلاط منذ اليوم الأول لتعرفه على رياض رعد 
إلى اقناعه؛ بالانضمام إلى صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي مع عدد 
من رفاقه البعثيين» ولكنه لم يفلح في ذلك الا بعد انسحابهم من 
صفوف حزب البعثء والذي جاء بعد خلافات مع القيادة القومية 
للحزب. انضمام رياض رعد إلى صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي 
سبقه حوارات طويلة مع كمال جنبلاط تركزت على عدد من القضايا 
الفكرية والسياسة التي لها علاقة بمبادئ الحزب الاشتراكي» والتي 
انتهت بانتمائه إلى صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي عام 1964 
وتسلمه مسؤولية مدير تحرير جريدة الانباء الناطقة بلسان الحزب 
التقدمي الاشتراكي. 


79 


الحرب الاهلية 
كمال جنبلاط وياسر عرفات والتحالف الممزوج بالمرارة 

في اعقاب حادثة الكحالة الشهيرة عام 1969» التي ادت إلى 
مقتل سبعة عشر فلسطينياً في كمين نصبه لهم عناصر من حزب 
الكتائب عند مفرق البلدة» وصلت إلى رياض رعد معلومات من الناشط 
السياسي الدكتور 'سليم نصر". استقاها من مصادر فرنسية» وهي 
تتحدث عن موامرة يجري اعداداها بين حزب الكتائب اللبنانية وضباط 
من الشعبة الثانية وأحد مستشاري السفارة الأميركية في بيروت ويدعى 
'رومرتسون"؛ والذي كان يعمل سابقاأ في السفارة الأميركية في القاهرة 
قبل ان يتم ابعاده بطلب من السلطات المصرية لتورطه باعمال ارهابية 
في القاهرة» وهي تهدف إلى اثارة حرب اهلية في لبنان» وذلك من اجل 
القضاء على اتجاهات وطنية وقومية مؤيدة للمقاومة الفلسطينية شرعت 
بالنمو في اوساط مجموعة كبيرة من الشباب المسيحيين في لبنان» 
وخاصة في بعض المناطق ذات الاغلبية المارونية مثل انطلياس 
وتتورين وغيرها. وكانت الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب يخشون 
ان يؤدي نمو هذه الظاهرة إلى انحسار نموذج لبنان الطائفي الذي 
اشرف الغرب رعايته منذ ان نال لبنان استقلاله عام 1943» والذي 
كان يسمح له بإبقاء لبنان ساحة قابلة للاشتعال المذهبي والطائفي في 
أي لحظة؛ وكانت خطة المؤامرة تتضمن أيضاً اخراج المنظمات 
الفلسطينية من لبنان وذلك بعد تكاثر العمليات الفدائية ضد إسرائيل 
انطلاقأ من الجنوب وحالة التعاطف الكبيرة مع القضية الفلسطينية التي 
اوجدتها عمليات ضرب المصالح الإسرائيلية في عدد من الدول 
الاوروبية. 

مع بدء الحرب الاهلية عام 1975 قام السفير الهندي في 
بيروت بزيارة إلى كمال جنبلاط حيث سلمه وثائق عن إجتماعات 

50 


عقدت بين مجموعات حزبية يمينية ومسؤولين أميركيين وإسرائيليين» 
وذلك بهدف الاعداد لأنشاء 4 حدودي في جنوب لبنان ترعاه 
إسرائيل» هذا وقد كان لافتأ اشتراك عناصر معروفة بولائها للشعبة 
الثانية في عدد من المجازر د 
النبعة والاشرفية والباشورة. معلومات السفير الهندي حملها كمال 
جنبلاط إلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على امل ان تؤدي إلى 
تجنّب الفلسطينيين الوقوع في فخ الحرب الاهلية» ولكن سرعان ما 
ان أآماله قد خابت»؛ وان الفلسطينيين في لبنان يسيرون برجليهم إلى 
الشرك المنصوب لهم. ولم يعتبروا ان حلفائهم في لبنان مصدر قوة لهم 
بل راحوا يحاولون استخدامهم كورقة مساومة مع اليمين اللبناني 
والحكومات العربية والغربية. وكان ابلغ دليل على هذا السلوك أتباع 
ياسر عرفات سياسة التقنين بالمال والسلاح على حلفائه في الحركة 
الوطنية من اجل منعهم من حسم المعركة مع الجبهة اللبنانية وخاصة 
على محاور عين الرمانة - الشياح وعاليه- الكحالة. اما داخل 
المناطق الوطنية فأن المنظمات الفلسطينية وفي طليعتها حركة فتح» 
فقد راحت تعتمد سياسة تفريخ الدكاكين المسلحة» بهدف اشعال توترات 
امنية في المناطق الوطنية لتوظيفها كورقة ضغط على احزاب الحركة 
الوطنية عند حصول أي تعارض في الآراء بين هذه الاحزاب وقيادة 
المقاومة الفلسطينية. 

شكل هذا الاسلوب في التعاطي من قبل منظمة التحرير 
الفلسطينية مع الحركة الوطنية مصدر معاناة كبيرة لكمال جنبلاط» 
والذي دفع بسببه الكثير من رصيد علاقاته مع سوريا واطراف محلية 
وعربية أخرى فبينما كان جنبلاط مبدئياً في كل مواقفه من القضية 
الفلسطينية» كان ياسر عرفات بالمقابل يتبع سياسة المساومة في كل 
تعاملاته السياسة حتى ولو كان ذلك على حساب ابناء شعبه؛ وقد 


51 


ظهر ذلك واضحاً في اعقاب انتهاء اعمال القمة العربية التي عُقدت في 
القاهرة عام 1976 للبحث في الوضع المتفجر في لبنان. فبعد عودته 
إلى بيروت قادمأ من القاهرة اجتمع ياسر عرفات بكمال جنبلاط 
بحضور رياض رعدء وخلال الإجتماع راح ياسر عرفات يحمد الله على 
صمود مخيم تل الزعتر حتى انتهاء اعمال مؤتمر القمة معتبراً ان 
منظمة التحرير الفلسطينية قد استفادت كثيرا من صمود مخيم تل 
الزعتر في تعزير مواقفها خلال مؤتمر القمة. اثار كلام ياسر عرفات 
شكوك كمال جنبلاط فدعا الزعيم الفلسطيني إلى عدم التضحية بالمخيم 
من اجل مكاسب سياسية؛ مشددأ على ضرورة القيام بعمل عسكري لفك 
الحصار عن تل الزعترء شعر ياسر عرفات بالارتباك من جراء كلام 
كمال جنبلاط فراح يردد امام الحاضرين بأن الدفاع عن المخيم بات 
مستحيلاًء لكن اصرار كمال جنبلاط على موقفه دفع عرفات إلى 
التظاهر بالموافقة على العملية العسكرية» وتم تكليف كل من رئيس 
الاركان السابق في الجيش السوري اللواء شوكت شقير المقرب من 
كمال جنبلاط والمسؤول العسكري في حركة فتح "ابو المعتصم' بإعداد 
خطة عسكرية لفك الحصار عن المخيم. ولكن في الوقت الذي كان 
يجري فيه الاعداد لهذه الخطة كان ياسر عرفات يعقد اتفاقاً من تحت 
الطاولة مع حزب الكتائب» جرى بموجبه تهريب المقاتلين الفلسطينيين 
المحاصرين داخل المخيم عن طريق "المونتفيردي": الأمر الذي ادى 
إلى سقوطه بأيدي مليشيات الجبهة اللبنانية والتي بعد ان دخلته قامت 
بارتكاب مجازر بحق سكانه المدنيين. 

وردأ على سقوط مخيم تل الزعتر قامت حركة فتح باحتلال 
بلدة الدامور وتهجير سكانها واسكان مهجري تل الزعتر مكانهم. اثار 
احتلال الدامور غضب كمال جنبلاط فراح يردد بحضور رياض رعد: 
"يا عمي خلص ما عاد بدي ثورة". واتخذ على الفور قرارا بإعادة 


82 


اعمار الدامورء وطلب من رياض رعد احضار مهندس لتولي هذه 
المهمة» فاتصل رياض رعد لهذه الغاية بصديقه رجل الاعمال "خالد 
صعب"؛ الذي ارشده إلى المهندس 'بيار خوري". وافق بيار خوري على 
تكليفه بهذه المهمة» وتوجه برفقة كمال جنبلاط وياسر عرفات ورياض 
رعد إلى الدامور لمعاينة الأضرار التي لحقت بها. كان كمال جنبلاط 
طوال الطريق يقسو بالكلام على ياسر عرفاتء ويوجه اليه الاتهامات 
بالتسبب في خراب الدامور. في المقابل كان عرفات يحاول استرضاء 
كمال جنبلاط والتخفيف من ثورته. كان مشهد الخراب في الدامور 
كبيراء لكن ياسر عرفات تعهد بتحمل نفقات إعادة الاعمارء تعهد ظل 
دون تنفيذ فبقيت الدامور مهدمة حتى انتهاء الحرب الاهلية عام 
0 حيث اعيد اعمارها على حساب وزارة المهجرين. 

كان ياسر عرفات يحاول في معظم الاحيان ان يتعاطى بليونة 
مع كمال جنبلاط وذلك في محاولة منه للحفاظ على التحالف بينهماء 
والذي كان يعتبره ضرورة استراتيجية للفلسطينيين في لبنان» ولكنه في 
بعض الاحيان كان يحاول ان يلوي ذراع جنبلاط السياسية عندما كان 
يشعر بأن الاخير لا يجاريه في كل مواقفه السياسية» وخاصة التي كان 
يساير فيها اليمين اللبناني وبعض الانظمة العربية كالسعودية ومصرء 
فبعد انتهاء الجولة في الدامور سأل ياسر عرفات كمال جنبلاط: "هل 
أنت بانتظار باخرة سلاح آتية من الاسكندرية؟" فأجاب جنبلاط قائلاً: 
'لقد سبق وتكلمنا في هذا الموضوع اكثر من مرة فلماذا العودة إليه 
الآن؟ فأجاب عرفات: 'لقد وصلت الباخرة في اثناء وجودي في القاهرة» 
ولكن يبدو ان أبو جهاد قد قام بتوزيع الكمية المخصصة لكم على 
بعض الفصائل الفلسطينية في منطقة الجبل عن طريق الخطأ". 

ثار كمال جنبلاط وغضب لدى سماعه هذا الكلام وراح يتهم 
ياسر عرفات بعدم الصدقية في التعاطي معه ومع الحركة الوطنية» 


53 


وبعد عدة ايام وصلت إلى مخازن الحزب التقدمي الاشتراكي كمية كبيرة 
من الاسلحة مصدرها حركة فتح وبعد معاينتها تبين ان معظمها غير 
صالح للأستعمال؛ وهي تعود إلى ايام الحرب العالمية الثانية؛ وأنها اقل 
بكثير من الكمية المطلوبة. 

لم تكن مواقف عرفات مستفزة لكمال جنبلاط واحزاب الحركة 
الوطنية فقط وانما لبعض القيادات الفلسطينية أيضاء ففي خلال مأدبة 
غداء اقامها المسؤول في حركة 'فتح"' عطا الله عطالله (أبو الزعيم) في 
منزله في بحمدون» وحضرها كمال جنبلاط ورياض رعدء صارح "ابو 
الزعيم' كمال جنبلاط بأنه رفض امرأ من قيادته بخيانته وانه قرر تسليم 
مسؤولياته في الجبل والإنتقال إلى بيروت. 

لم يعمل ياسر عرفات على إضعاف كمال جنبلاط على 
الساحة اللبنانية فقط» بل حاول أيضأ تهشيم صورته امام القادة العرب؛ 
فهو كثيراً ما اتهمه امام القيادة الليبية» بالتأمر على الثورة الفلسطينية. 
اتهامات ياسر عرفات لكمال جنبلاط لم يأخذ بها الرئيس حافظ الأسدء 
وهو كان دائما ينظر نظرة شك إلى ياسر عرفاتء اما عرفات فلقد كان 
يعتبر ان أي تقارب بين كمال جنبلاط وحافظ الأسد من شأنه ان يقلب 
المعادلات في لبنان ضد مصلحة منظمة التحرير الفلسطينية وبعض 
الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية ومصرء الذين كان هدفهم 
إبقاء ملف الازمة اللبنانية مفتوحأء وذلك بغية استعماله كورقة ضغط 
على سوريا انطلاقا من لبنان. في المقابل كان السوريون يرون ان 
استمرار الازمة في لبنان من شانه ان يشكل تهديداً لأمنهم؛ وهم لذلك 
سعوا بكل السبل إلى اغلاق ملف الحرب الاهلية» وتقدموا بمشروع لحل 
للأزمة اللبنانية تحت اسم "الوثيقة الدستورية" والتي تضمنت بعض 
المطالب الاصلاحية التي نادت بها الحركة الوطنية في برنامجها 
المرحلي» والتي تدعو إلى قيام نظام سياسي وطني شامل بدل النظام 


54 


الطائفي المعمول به منذ الاستقلال عام 1943. وافق كمال جنبلاط 
على هذه الوثيقة» واعتبرها مدخلاً لأنهاء الحرب الأهلية واستناداً إلى 
موقف جنبلاط كتب رئيس تحرير جريدة الانباء الناطقة بلسان الحزب 
التقدمي الاشتراكي رياض رعد مقالاً اعلن فيه موافقة الحزب التقدمي 
الاشتراكي على مشروع الوثيقة الدستورية» ولكن جنبلاط ما لبث ان 
عاد بعد يومين لينقلب على موقفه ويدلي بتصريح يهاجم فيه مشروع 
الوثيقة الدستورية. كان وراء التبدل في موقف جنبلاط والذي أتى عشية 
زيارته الاخيرة إلى دمشق في 1976/3/27 زيارة قام بها إلى منزله كل 
من ياسر عرفات وصلاح خلف (أبو اياد) حاولا خلالها اقناعه بالتراجع 
عن موافقته على مشروع الوثيقة الدستورية بحجة ان البند السادس منها 
ينص على ان تتولى القوات السورية ضمان امن المخيمات الفلسطينية» 
الأمر الذي ترى فيه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مقدمة لعقد مؤتمر 
دولي يهدف إلى تسوية القضية الفلسطينية. لكن كمال جنبلاط لم يقتنع 
بهذا التبرير فكان ان لجأ ياسر عرفات إلى طريقة أخرى لإقناعه» 
فوعده بمساعدته في حسم المعركة لصالح الحركة الوطنية» وذلك مقابل 
اعلان جنبلاط معارضته لمشروع الوثيقة الدستورية» كاشفاً له ان 
السوريين كانوا دائما يضغطون عليه من اجل منعه من مساعدة الحركة 
الوطنية على القيام بعملية الحسم العسكري. وبغية ايهام كمال جنبلاط 
بأنه صادق في تعهداته قام ياسر عرفات بإرسال قوات من حركة فتح 
إلى منطقة المتن الشمالي لمساعدة الحركة الوطنية في السيطرة على 
بلدتي عينطورة والمتين. وفي ظل هذه الاجواء توجه كمال جنبلاط إلى 
دمشق لمقابلة الرئيس حافظ الأسدء ورافقه في هذه الزيارة كل من 
رياض رعد وتوفيق سلطان وعباس خلف ومحسن دلول. في بداية 
الإجتماع الذي حضره أيضاً وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام 
تحدث الرئيس حافظ الأسد فشدد على ضرورة وقف إطلاق النار على 


85 


كل الاراضي اللبنانية والشروع في حل سياسي للأزمة اللبنانية مبديا 
تفاؤله بمستقبل الحركة الوطنية ومستقبل العلاقات اللبنانية السورية» بعد 
ذلك تحدث كمال جنبلاط فطلب من الرئيس الأسد تزويد الحركة 
الوطنية بكميات من الاسلحة والذخائر كي تتمكن من انجاز عملية 
الحسم العسكري والتي أصبح موعدها قريباء لكن الرئيس الأسد رفض 
هذا الطلب وحذر جنبلاط من ان الخيار العسكري سيقود إلى تدخل 
إسرائيلي في لبنان بحجة حماية المسيحيين ونصحه بالموافقة على وقف 
إطلاق النارء والإنتقال إلى النضال السياسي لتغيير النظام» لكن 
جنبلاط بقي مصراً على موقفه ولم يفلح الرئيس الأسد في اقناعه 
بتغييره» وبعد مضي ثلاث ساعات على هذا الإجتماع طلب الرئيس 
الأسد من عبد الحليم خدام دعوة الوفد المرافق لكمال جنبلاط إلى 
العشاء في 'قصر الروضة", الأمر الذي فهم منه ان الرئيس الأسد يريد 
التحدث إلى كمال جنبلاط على انفراد. في اثناء وجود الوفد الاشتراكي 
في قصر الروضة حضر كمال جنبلاط: وكان وجهه متجهماً واصر 
على العودة فورا إلى بيروت» ولم يفلح رئيس اركان الجيش السوري 
العماد حكمت الشهابي في اقناعه بالبقاء يوما اضافياً في دمشق من 
اجل اجراء المزيد من المحادثات مع الرئيس الأسدء في الطريق إلى 
بيروت اخبر كمال جنبلاط اعضاء الوفد الاشتراكي ان خلافأ في الرأي 
وقع بينه وبين الرئيس حافظ الأسد وذلك بسبب اصرار الرئيس الأسدء 
على منع الحركة الوطنية من المضي في مشروع الحسم العسكري. 

بعد خلافه مع دمشق راح كمال جنبلاط ينتظر من ياسر 
عرفات تنفيذ وعده له بمساعدته في عملية الحسم العسكريء ولكن شيئا 
من هذا لم يحدث, مما دفع جنبلاط إلى التهكم على ياسر عرفات في 
أحد إجتماعات القيادة اللبنانية الفلسطينية المشتركة. 'ما قلتليش يا أبو 
عمار شو طلعت تعمل قواتك بعينطورة والمتين". 


56 


بالرغم من الخلاف الكبير الذي وقع بين كمال جنبلاط 
والرئيس حافظ الأسد فأن الأسد ظل مصراً على ضرورة المصالحة مع 
كمال جنبلاط» وهو لهذه الغاية دعا ياسر عرفات اكثر من مرة إلى 
اصطحاب كمال جنبلاط معه إلى دمشقء لكن ياسر عرفات قام باخفاء 
الدعوة عن كمال جنبلاط والذي ظل لا يعلم عنها شيئا إلى ان زاره في 
المختارة أحد المشايخ السنة في اقليم الخروب واخبره "انه كان في 
دمشق ضمن وفد علماء السنة في لبنان الذي قابل الرئيس حافظ 
الأسدء وخلال اللقاء راح أحد اعضاء الوفد يتهجم على كمال جنبلاط 
بكلام قاسء ولكن الرئيس حافظ الأسد منعه من اكمال كلامه لافتا 
اياه» إلى ان الخلاف السياسي مهما كبر يجب ان لا يصل إلى حدود 
التجريح الشخصيء وهنا تدخل أحد الحاضرين وسأل الرئيس الأسد عن 
الاسباب التي تمنع التواصل بينه وبين كمال جنبلاط مجدداً طالما ان 
الاحترام مازال موجوداً فأجاب الرئيس الأسد انه كرئيس دولةء لا 
يستطيع الذهاب إلى المختارة وانه من المفروض ان يأتي كمال جنبلاط 
إلى دمشقء وانه قام شخصياً بتوجيه الدعوة اليه ثلاث مرات؛ بواسطة 
ياسر عرفات؛ وفي كل مرة كان عرفات يبلغه بأن جنبلاط يرفض 
الحضور إلى سوريا متهمأ اياه بالتامر مع دين بروان*! لأسقاط النظام 
في دمشق"؛ تعجب كمال جنبلاط لدى سماعه هذا الكلام» وقال 
لضيفه: "يا عمي أبو عمار ولا مرة جبلي سيرة الدعوة على دمشق". 

لم تكن هذه المرة هي الوحيدة التي يقوم بها ياسر عرفات 
بعرقلة جهود المصالحة بين كمال جنبلاط وحافظ الأسدء ففي اثناء 
وجود رياض رعد في باريس في 1976/12/29 تلقى اتصالاً من 
عضو القيادة القطرية في حزب البعث في سوريا ورئيس مكتب الطلائع 
"عبد الله الاحمد"؛ دعاه فيه لزيارة دمشق للبحث في امر هام؛ وافق رعد 


' المبعوث الاميركي الى لبنان خلال فترة حرب السنتين. 
57 


على تلبية الدعوة وقام بتأجيل زيارة كان ينوي القيام بها إلى ليبيا من 
اجل البحث في شؤون تتعلق بالحركة الوطنية اللبنانية» وعند وصوله 
إلى دمشق فوجئ بمدير مكتب عبد الله الاحمد "عبد الكريم موال", 
يصعد إلى الطائرة ويصطحبه إلى خارج المطار وسط حراسة امنية 
مشددة: وكان هذا الإجراء سببه تهديد مدير المخابرات الجوية السورية 
اللواء ناجي جميل باعدام رياض رعد في حال حضر إلى دمشق» 
وعندما علم الرئيس الأسد بهذا التهديد اعطى تعليماته بالإهتمام بأمن 
رياض رعد. وكان اللواء ناجي جميل ووزير الخارجية السوري عبد 
الحليم خدام ورئيس الاركان في الجيش السوري العماد حكمت شهابي» 
يؤلفون فريقاً ضمن القيادة السورية يعارض قيام علاقات جيدة بين 
كمال جنبلاط والرئيس حافظ الأسدء وقد عمل هذا الفريق في اكثر من 
مناسبة على تخريب أي فرصة ممكنة لإعادة وصل ما انقطع بين 
كمال جنبلاط والرئيس حافظ الأسدء حتى ان كمال جنبلاط عبر اكثر 
مرة عن تضايقه من الاسلوب الفظ والمتعالي الذي كان يتعاطى به معه 
هذا الفريق» ومن اجل الوقوف على اسباب الجفاء بين كمال جنبلاط 
وهذا الفريق قام الرئيس حافظ الأسدء بنقل ملف العلاقات السورية مع 
كمال جنبلاط إلى القيادي في حزب البعث "عبد الله الاحمد" وهو من 
الطائفة الدرزية» كما طلب من مدير المخابرات السورية اللواء عدنان 
دباغ دعوة رياض رعد إلى دمشق من اجل الاطلاع منه على حقيقة 
الخلافات بين كمال جنبلاط؛ وكل من "الشهابي وخدام وجميل". في 
مكتب اللواء دباغ دافع رياض رعد عن كمال جنبلاط بحضور خالد 
صعب'؛ محملاً كل من عبد الحليم خدام وناجي جميل وحكمت 
الشهابي الجزء الاكبر من مسؤولية الخلاف بين الرئيس الأسد وكمال 
جنبلاط؛ وكان لافتاً خلال وجود رياض رعد في مكتب اللواء دباغ 


' رجل اعمال ونائب سابق عن المقعد الدزري في بيروت. 
58 


اتصال الرئيس الأسد اكثر من مرةٍ للوقوف على التفاصيل. وبالعودة 
إلى دعوة رياض رعد إلى زيارة دمشق فقد كانت لإبلاغه بقرار الرئيس 
حافظ الأسد بإعادة التواصل مع كمال جنبلاط وان المطلوب منه نقل 
هذه الرسالة إلى جنبلاط. 

امضى رياض رعد يومان في دمشق عاد بعدها إلى بيروت 
وتوجه على الفور إلى منزل كمال جنبلاط ولكنه لم يجده فترك له 
رسالة مع الصحافي علي القيسي يبلغه فيها انه كان في دمشق. عند 
المساء حضر كمال جنبلاط إلى منزل رياض رعد للأستفسار منه عن 
اسباب زيارته إلى دمشق وعندما علم بقرار الرئيس الأسد بمصالحته 
أبدى ترحيبه بهذه الخطوة وكلف رياض رعد بنقل رسالة شخصية إلى 
الرئيس الأسد تتضمن وجهة نظره حول خروج لبنان من ازمته السياسية 
والتي كانت ترتكز "على ضرورة عودة المهجرين من المناطق الشرقية 
إلى منازلهم» لما لذلك من اهمية في إعادة اللحمة الوطنية بين 
اللبنانيين» وتفكيك بنية المليشيات والتي يتألف معظم عناصرها من 
المهجرين» اضافة إلى دعم الاعلام اللبناني نظرا لدوره الكبير في فضح 
دور الانظمة العربية في التأمر على شعوبها". 

في ظل هذه الاجواء بدأ رياض رعد مساعيه لتقريب وجهات 
النظر بين دمشق وكمال جنبلاط» وهو كان يشعر بعد كل زيارة كان 
يقوم بها إلى المختارة ودمشق ان مساحة الخلافات بين كمال جنبلاط 
والرئيس حافظ الأسد آخذة في التقلصء وفي إحدى زياراته إلى دمشق 
حمل رياض رعد إلى الرئيس حافظ الأسد*! رسالة من كمال جنبلاط 
كانت تتضمن معلومات عن مخططات تعدها الجبهة اللبنانية مع 
بعض الدوائر في الادارة الأميركية تهدف إلى ايجاد منطقة امنية عازلة 
في جنوب لبنان تحظى بدعم من إسرائيل وتكون بقيادة الرائد سعد حداد 


' نص الرسالة موجود في نهاية هذا الفصل. 
89 


وان الهدف من انشاء هذه المنطقة هو خلق توازن إسرائيلي سوري في 
لبنان» وفي تأكيد واضح على نيته بطي صفحة الخلافات مع دمشق؛ 
عقد كمال جنبلاط مؤتمرأ صحافيأ طرح فيه مشروعاً لقيام فيدرالية 
عربية. 


ممنوع المصالحة مع دمشق واغتيال كمال جنبلاط 

كانت مساعي رياض رعد لمصالحة الرئيس حافظ الأسد مع 
كمال جنبلاط قد وصلت إلى مرحلة متقدمة؛ عندما زاره في منزله ثلاثة 
مسؤولين امنيين في حركة 'فتح' كان على رأسهم "ابو علي مهدي 
بسيسو" وهو أحد ابرز معاوني ياسر عرفات» وكان بصحبتهم رجل 
الاعمال اللبناني خالد صعب الذي طلب منه 'بسيسو" ارشادهم إلى 
منزل رياض رعد. كان الهدف من هذه الزيارة هو التمني على رياض 
رعد وقف مساعي المصالحة التي كان يقوم بها بين دمشق كمال 
جنبلاط وعندما رفض قال له 'بسيسو": "ان هذه المصالحة لم يحن 
اوانها بعد وان القيادة الفلسطينية تنظر إلى كمال جنبلاط على انه ورقة 
بيدها تستعملها كأداة ضغط على النظام السوري» واننا مستعدون 
لأستعمال القوة لمنع هذه المصالحة إذا لزم الأمر". لم يتأثر رياض رعد 
بهذه التهديدات وتابع مساعيه بين المختارة ودمشق وبغية اعطاء هذه 
المصالحة 00 إلى الأمام اقترح محسن دلول على قيادة الحزب 
التقدمي الاشتراكي الاتصال برئيس اركان الجيش السوري العماد 
حكمت 0 فتم الأخذ بهذا الاقتراح» وقام وفد مؤلف من رياض 
رعد واللواء شوكت شقير ومحسن دلول بزيارة إلى دمشق للإجتماع 
بالعماد الشهابي لكن الاخير رفض استقبال الوفدء وطلب منه البقاء 
على تواصل مع "عبد الله الاحمد"؛ وذلك في رسالة الهدف منها ابلاغ 
من يعنيهم الأمرء بأن هناك اطرفاً في القيادة السورية ترفض 
المصالحة مع كمال جنبلاط. لم تكن هذه المرة الأولى التي يقف فيها 

50 


العماد حكمت الشهابي ضد قيام علاقات ايجابية بين القيادة السورية 
وكمال جنبلاط وسبق له أن رفض استقبال رياض رعد بصفته موفداً 
من كمال جنبلاط وقال له: "اذ كنت تنوي زيارتي بصفتك رياض رعد 
المناضل القومي العربي المعروف فأهلا وسهلا بك اما اذا كانت 
زيارتك لي بصفتك موفداً من كمال جنبلاط فأنا اعتذر عن استقبالك". 
مواقف بعض المسؤولين السوريين المتشددة تجاه كمال جنبلاط وجد 
رياض رعد عكسها عند الرئيس حافظ الأسد الذي تلقى برحابة صدر 
رسائل كمال جنبلاط اليه والتي كانت آخرها قبل اغتيال جنبلاط بحوالي 
عشرة أيام» يومها وصل رعد إلى دمشق لمقابلة الرئيس السوري؛ فوجده 
في طريقه إلى القاهرة لحضور مؤتمر القمة العربي» وعندما علم 
الرئيس الأسد بأمر الرسالة طلب احضارها اليه في المطارء ونقل 
مقربون من الرئيس السوري إلى رياض رعدء ان الرئيس الأسد عندما 
قرأ الرسالة ظهر الارتياح على وجهه؛ وانه اعاد قراءتها في الطائرة 
مرتين. 

في 1977/3/16 توجه رياض رعد إلى دمشق بناء على 
طلب كمال جنبلاط للحصول على جواب الرئيس الأسد على رسالته 
الاخيرة» وبينما كان في منزل عبد الله الاحمد ينتظر رد الرئيس 
السوريء اتصل به وزير الاعلام السوري "احمد اسكندر احمد'وابلغه 
خبر اغتيال كمال جنبلاط. 

لم يكن اغتيال كمال جنبلاط بسبب خلافه مع القيادة السورية 
كما يعتقد الكثيرون» بل جاء في سياق تفاهم بين اطراف فلسطينية 
وعربية ودولية على اعتبار ان أي تقارب بين كمال جنبلاط والرئيس 
حافظ الأسد سيؤدي إلى نسف مشروعها الرامي إلى إبقاء الوضع 
الامني متفجراً في لبنان» والذي فضح كمال جنبلاط الغاية منه في أحد 
رسائله إلى الرئيس حافظ الأسدء والجدير ذكره هنا انه قبل اغتيال 
جنبلاط بفترة وجيزة» عقد إجتماع بين اعضاء الجبهة اللبنانية والمبعوث 

91 


الفرنسي إلى لبنان "كوف دومورفيل' قال فيه الأخير: 'لا شيء يمثل 
خطرا على النظام اللبناني بصيغته الحالية مثل كمال جنبلاط'. 

بعد مضي اسبوع على اغتيال كمال جنبلاط عُقد إجتماع بين 
وليد جنبلاط والسفير البريطاني في لبنان» ادلى بعده وليد جنبلاط 
بتصريح اتهم فيه 'رفعت الأسد" شقيق الرئيس حافظ الأسد بتدبير 
عملية اغتيال والدهء وخلال لقاء بين وليد جنبلاط والكاتب والمحلل 
الروسي 'فيتشسلاف ماتازوف" بعد اغتيال الرئيس الحريري عام 2005 
قال ماتازوف لوليد جنبلاط: "انت تعرف ونحن نعرف انه لا علاقة 
للقيادة السورية باغتيال والدك". بدوره ابلغ القاضي 'ر. ط" رياض رعد 
ان تقريراً سرياً وصل إلى المحكمة العسكرية في بيروت» يتضمن 
معلومات بأن المخابرات السوفياتية هي وراء تصفية الأمين العام 
لمنظمة الصاعقة الفلسطينية زهير محسن في مدينة كان الفرنسية عام 
9 لضلوعه في عملية اغتيال كمال جنبلاط الذي كان يحمل وسام 
لينين وكان محسن يُعتبر من الاشخاص المقربين لرفعت الأسد. 

اغتيال جنبلاط فوجئ به الرئيس حافظ الأسد وهو شكل أحد 
اسباب الخلاف بينه وبين شقيقه رفعتء والذي ادى إلى خروج الاخير 
من سوريا حيث لا يزال يعيش حتى الآن. وكان رفعت الأسد قد انهم 
من قبل الفريق الحاكم في سوريا بالعمل مع جهات عربية ودولية لتغيير 
النظام في سوريا. وفي جلسة عمومية للحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة 
وليد جنبلاط شكك أحد الحزبيين في مداخلة له بجدوى العلاقة مع 
الأميركيين» كما أبدى امتعاضه من اتهام أحد الحاضرين له بأنه 
صديق رياض رعد فكان ان تدخل وليد جنبلاط قائلاً: “اذهب إلى 
صاحبك هذا وقل له ان وليد جنبلاط قاتل الأميركيين قبل السيد حسن 
نصر اللهء وانه قال لوزيرة الخارجية الأميركية غونداليزا رايس في مكتبها 
انتم من يقف وراء اغتيال والدي". 


92 


مات الزعيم عاش الزعيم 

بعد تسلم وليد جنبلاط ارث والده السياسي, بدأت تظهر في 
صفوف محازبيه خلافات حول الخيارات المستقبلية للحزب التقدمي 
الاشتراكي والطائفة الدرزية»؛ فاقترح البعض القطيعة مع سورياء فيما 
عارض أخرون الاستمرار بالصيغة المعمول بها للحركة الوطنية» كما 
برزت دعوات أيضاً إلى قيام ثنائية مارونية درزية كان ابرز المنظرين 
لها سمير فرنجية! صديق وليد جنبلاط وذلك بايعاز من مدير 
المخابرات في الجيش اللبناني العقيد جوني عبده. هذه التباينات سرعان 
ما حسمها وليد جنبلاط بإعادة التواصل مع سورياء وفي اليوم الاربعين 
لأغتيال والده قام وليد جنبلاط بزيارة إلى دمشق قابل خلالها الرئيس 
حافظ الأسدء وكان رياض رعد قد عمل مع عبد الله الاحمد على 
التمهيد لهذه الزيارة والتي سبقها زيارة تعزية إلى المختارة قام بها وفد 
سوري رفيع المستوى برئاسة عبد الله الاحمد. 

بعد استشهاد كمال جنبلاط حاول بعض اعضاء الحزب 
التقدمي الاشتراكي» تحريض وليد جنبلاط على رياض رعد وذلك عندما 
راحوا يحاولون اقناعه بأن رعد مازال على ولائه لحزب البعث العربي 
الاشتراكي؛ وهذا ما نفاه رياض رعد لوليد جنبلاط في اكثر من مناسبة 
مؤكداً له ان علاقته بحزب البعثء قد انتهت منذ ان قرر الانتساب إلى 
الحزب التقدمي الاشتراكي. 

كان وليد جنبلاط في بداية عمله السياسي مهووساً بنظرية 
المؤامرة حتى انه لم يكن يتوانى عن تصنيف أي تحرك لا يرتاح اليه 
في خانة المؤامرة على حياته ومستقبله السياسي. هذه الثغرة في 
شخصية وليد جنبلاط استغلها ياسر عرفات لمصلحته من اجل ابعاد 
' نائب سابق في البرلمان اللبناني في دورة عام 2005 وابن عم رئيس تيار المردة سليمان 


فرنجية. 
93 


كل اصدقاء سوريا في الحزب التقدمي الاشتراكي عن وليد جنبلاط» 
وفي طليتعهم رياض رعد. ففي خلال أحد زياراته إلى ليبيا التقى رياض 
رعد على الطائرة نفسها التي كانت تقله إلى طرابلس الغرب بوفد من 
الفصائل الفلسطينية المعارضة لياسر عرفات؛ وعندما وصل الخبر إلى 
وليد جنبلاط استدعى محسن دلول وراح يتهمه بأنه ورياض رعد 
يتآمران عليه مع فصائل المعارضة الفلسطينية» وبعد ان تكاثرت مثل 
هذه الاتهامات بحقه شعر رياض رعد بأن وجوده في الحزب التقدمي 
الاشتراكي لم يعد يخدم الاهداف التي ناضل من اجلها إلى جانب كمال 
جنبلاط» فاتخذ قراراً بترك الحزب نهائياء لكنه عاد وفضل تأجليه بسبب 
الاجتياح الإسرائيلي عام 1982» بعد ان وجد ان الظروف تستوجب 
البقاء إلى جانب وليد جنبلاط في لمواجهة تطورات المرحلة. 
حرب الجبل... غدأً صباحاً لن يكون هناك قبرشمون 

مع بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 اختار 
الفلسطينيون الانسحاب إلى بيروت عوضاً عن القتال في الجنوب» 
وكانت منظمة التحرير الفلسطينية تعتقد انها قادرة من خلال استخدام 
رصيد علاقاتها العربية والدولية على اجبار إسرائيل على وقف عملياتها 
العسكرية والانسحاب من لبنان» ولكن سرعان ما تبين لها انها اخطأات 
في التقديرء وكان ذلك أحد الاسباب التي شجعت إسرائيل على المضي 
في عملية غزوها للبنان وصولاً إلى بيروت ومحاصريتها. 

في اثناء حصار بيروت قام وفد من من الحزب التقدمي 
الاشتراكي يضم رياض رعد ومحسن دلول وعادل سيور بزيارة إلى 
السفارةٍ السوفياتية في منطقة كورنيش المزرعة:؛ التقى خلالها بالسفير 
السوفياتي 'الكسندر سولداتوف" الذي ابلغ الوفد الاشتراكي بلائحة 
الاسلحة التي ينوي الاتحاد السوفياتي إرسالها إلى الحزب التقدمي 
الاشتراكيء وفي اثناء وجود الوفد الاشتراكي في مكتب السفير 

94 


السوفياتي» تساقطت القذائف الإسرائيلية على محيط السفارة فتطلع 
السفير السوفياتي إلى اعضاء الوفد الاشتراكي وقال لهم بثقة متناهية: 
قريباً سيدفع الحلف الأميركي الإسرائيلي ثمن غطرسته غالياً". 

عاش رياض رعد خلال فترة الاجتياح الإسرائيلي ايام حافلة 
بالمصاعبء فها هو بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت 
الغربية ودخول الجيش اللبناني اليهاء يحزم حقائبه ويتجه إلى دمشق 
بسيارة مروان حماده وبرفقته محسن دلول وخالد جنبلاط تتبعهم سيارة 
للسفارة الأميركية التي اقلت وليد جنبلاط إلى صوفرء وكان جنبلاط قد 
تلقى تهديدات من بشير الجميل بتصفيته في حال قرر البقاء في 


35 


بيروت. 

كان من نتائج الاجتياح الإسرائيلي» دخول القوات اللبنانية إلى 
الجبل خلف دبابات جيش الاحتلال؛ وقيامها بتوتير الاجواء في القرى 
المسيحية والدرزية» التي تحولت إلى جبهات عسكرية مفتوحة بين 
الحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية» ادرك السوريون خطورة الموقف في 
حال نجح المشروع الإسرائيلي في السيطرة على الجبل بواسطة القوات 
اللبنانية فقرروا الدخول طرف في المواجهة من خلال دعم وليد جنبلاط 
بالسلاح والعتاد. وكان رياض رعد في تلك الفترة قد التقى بالرئيس 
الأسد اكثر من مرة. في إحدى هذه اللقاءات اخبره الرئيس الأسد وهو 
في غاية الانشراح انه قام في الفترة الاخيرة بزيارتين إلى موسكوء 
الأولى كانت سرية وقابل خلالها رئيس المخابرات السوفياتية (الكي. 
جي. بي.) يوري اندروبوف الذي تعهد بفتح كل مخازن الاسلحة في 
الاتحاد السوفياتي امام الجيش السوري من اجل ضرب المشروع 
الإسرائيلي الأميركي في لبنان؛ وكان هذا القرار هو الأول من نوعه في 
تاريخ الاتحاد السوفياتي. اما زيارته الثانية فقد كانت علنية التفى 
خلالها باندروبوف أيضأ والذي كان قد أصبح رئيساً للأتحاد السوفياتي» 


95 


وجرى خلالها التأكيد على الدعم السوفياتي اللامحدود لدمشق من اجل 
مواجهة المشروع الأميركي في لبنان. في اطار الاستعداد لمواجهة 
تطورات المرحلة المقبلة توجه رياض رعد ومروان حمادة إلى تونس 
للقاء ياسر عرفات و«ابلاغه بنتائج الإجتماع بين الرئيس الأسد 
واندروبوف,ء والطلب اليه الاستعداد للوقوف إلى جانب المشروع الوطني 
في المرحلة القادمة» لم يبد ياسر عرفات أي اهتمام بهذه التطورات» 
وقال لضيفيه وهو يضحك كبروا عقلكم الاتحاد السوفياتي» لا يتطلع 
إلى اكثر من قمح أميركا ومعركته في افغانستان". في ظل هذه الاجواء 
جاء القرار بحسم معركة الجبل» والتي اشرف عليها مباشرة قائد القوات 
السورية في لبنان اللواء سعيد بيرقدار من خلال غرفة عمليات اقامها 
الجيش السوري في صوفر وتواجد فيها رياض رعد وانور الفطايري 
طوال الوقت. يروي رياض رعد كيف اتاه يومأ قائد قوات الحزب 
التقدمي الاشتراكي المقدم شريف فياض إلى مقر اقامته في فندق امية 
في دمشقء وكانت الساعة قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل 
وطلب منه الاتصال برئيس الاركان الجيش السوري العماد حكمت 
الشهابي وحثه على التحرك سريعاً من اجل منع سقوط قبرشمونء والتي 
كانت تتعرض لهجوم واسع النطاق من الجيش اللبناني والقوات 
اللبنانية. حاول رعد تأجيل الاتصال إلى صباح اليوم التالي» لكن 
المقدم فياض قال له: "غداً صباحاً لن يكون هناك قبرشمون"؛ استغرب 
العماد الشهابي الاتصال به في مثل هذا الوقت المتأخر وقال لرياض 
لرعد:" طمن وليد بك ان قبرشمون لن تسقط غدأ ولا في أي وقت"؛ 
وبعد اقل من نصف ساعة كانت المدفعية السورية تصب حممها على 
الجيش اللبناني والقوات اللبنانية في الشحار الغربي وتمنع تقدمهما نحو 
قبرشمون ملحقة بهما خسائر كبيرة» الأمر الذي ادى إلى استعادة 
الاشتراكيين لتوازنهم في المعركة. 


56 


خافت الادارة الأميركية من نتائج الانتصار التي حققته القوى 
الوطنية في حرب الجبل تحت المظلة السوفياتية السورية»؛ وشعرت ان 
هذا الانتصار قد يشكل بداية لتغيير النظام السياسي الطائفي في لبنان» 
والذي اشرفت على رعايته منذ عام 1943» فأمرت طائرات الاسطول 
السادس الأميركي المتمركز قبالة السواحل اللبنانية بالإغارة على مواقع 
القوات السورية في الجبل والبقاع» كما قامت المدمرة نيوجرسي بقصف 
مواقع القوى الوطنية في الجبل» وذلك في رسالة الهدف منها التحذير 
من المس بالمعادلات الطائفية القائمة في لبنان. 

لم يرضخ السوريون لهذا التحذير وقرروا تصعيد المواجهة مع 
الأميركيين فاتخذ الرئيس الأسد قراراً بضرب الاسطول الأميركي 
الموجود قبالة الساحل اللبناني بصواريخ سوفياتية متطورة وصلته حديثاً. 
كان رياض رعد في زيارة إلى قائد القوات السورية في لبنان اللواء سعيد 
بيرقدار في مكتبه في دمشقء عندما اخبره اللواء بيرقدار بقرار الرئيس 
السوري هذا ودعاه للبقاء في مكتبه لمتابعة تطورات الاحداث؛ وبينما 
كان رعد يترقب ما ستحمله الساعات القادمة من احداث تلقى اللواء 
بيرقدار اتصالاً من رئيس الاركان السوريء اعلمه فيه بإلغاء الضربة» 
وذلك بعد ان ابلغت الولايات المتحدة الاتحاد السوفياتي قراراها بسحب 
اسطولها من قبالة الشواطئ اللبنانية. 


خارج الحزب التقدمي الاشتراكي 

لعب رياض رعد خلال حرب الجبل دور ضابط الارتباط 
السياسي بين القيادة السورية ووليد جنبلاط. كما قام بجولات عديدة 
على عدد من الدول العربية ودول اوروبا الشرقية؛ طلباً للدعم بالمال 
والسلاح للحزب التقدمي الاشتراكي» وكان وليد جنبلاط في اكثر 
الاحيان يقابل الدور الذي يلعبه رياض رعد بكثير من الامتنان ولكنه 


577 


في احيان أخرى كان يعتبر ان ما يقوم به رياض رعد من مهام لا 
يخرج عن اطار دوره كمناضل في الحزب التقدمي الاشتراكي وبالتالي 
لا داع لتقديم الشكر والثناء له على هذا الدور. شكلت هذه المزاجية في 
التعاطي من قبل وليد جنبلاط اضافة إلى اسباب أخرى دافعاً لرياض 
رعد بأن يحسم قراره بتقديم استقالته من الحزب الاشتراكي» وكان ذلك 
عام 1988» لينقطع بعدها التواصل بينه وبين وليد جنبلاط لفترة طويلة 
من الزمن. جاعت عودة التواصل بينهما بعد اتصال تلقاه رعد من 
اللواء محمد ناصيف (ابو وائل) ابلغه فيه ان وليد جنبلاط يرغب 
بمصالحته» وافق رياض رعد على مصالحة جنبلاط ولكنه اشترط ان 
تتم المصالحة في مكتب الحزب التقدمي الاشتراكي في دمشق. 
في مكتب الحزب التقدمي الاشتراكي في دمشق دار بين وليد 
جنبلاط ورياض رعد الحوار التالي: 
رياض رعد: “يردد جماعتك انني سوري ولست لبنانياً ولكنهم نسوا انني 
لست انا من قام بحرب 'العلم", ولا انا من قام بمنع النشيد 
الوطني اللبناني في مناطق الجبل". 
وليد جنبلاط: 'أصل المشكلة هي في انك تقف مع نبيه بري ضد 
الفلسطينيين في حرب المخيمات» ومع رفعت الأسد ضد 
حكمت الشهابي وعبد الحليم خدام في الصراع الدائر على 
خلافة الرئيس حافظ الأسد". 
رياض رعد: 'في حرب المخيمات حاولت المستحيل» من اجل ايقاف 
المعارك بين حركة امل والمنظمات الفلسطينية بالتعاون 
مع 'زكريا حمزة"!؛ واجتمعت لهذه الغاية عدة مرات بعبد 
الحليم خدام وحذرته من نتائج استمرار هذه المعركة والتي 
سيصورها الاعلام بأنها معركة بين الشيعة والفلسطينيين» 


' مسؤول عسكري سابق في حركة أمل. 
598 


اما في الموضوع السوري فانا اقف مع المشروع الذي 
يقوده الرئيس حافظ الأسد ولا شأن لي بمن سيرثه في 
الحكم. 
بدا وليد جنبلاط» مقتنعاً بكلام رعد وراح يردد عباراته 
المعهودة» والتي يرددها عادة عندما يريد طي صفحة الخلافات مع أحد 
وهي "انسى انسى". 


تسليم أبو هيثم إلى المخابرات السورية 

خلال اقامته في دمشق في فترة الاحداث اللبنانية تلقى رياض 
رعد ومروان حمادة دعوة من اللواء غازي كنعان لتناول الفطور في 
مكتبه في دمشقء وبعد الانتهاء من تناول الفطور اخبرهما غازي كنعان 
انه تم اكتشاف مؤامرة لأغتياله في بلدة "بيصور اثناء إنتقاله إلى 
بيروت وان المسؤول عن هذه المؤامرة هو أبو هيثم'؛ بالتعاون مع 
جماعة ياسر عرفات وطلب منهما ابلاغ وليد جنبلاط بالأمرء وبعد ان 
خرجا من عند غازي كنعان توجه رياض رعد ومروان حماده إلى مكتب 
الحزب التقدمي الاشتراكي في دمشق حيث كان ينتظرهم وليد جنبلاط. 
كان لافتأ ان مروان حماده لم يتطرق خلال حديثه مع وليد جنبلاط إلى 
مؤامرة الاغتيال بالرغم من سوال جنبلاط له عن الغاية من دعوة كنعان 
لهما وفي اثناء الحديث تلقى حماده اتصالاً من السفير الفرنسي في 
دمشقء الذي طلب منه الحضور إلى السفارة لأمر هام وبعد مغادرة 
حماده اخبر رياض رعد وليد جنبلاط بقصة أبو هيثم» غضب جنبلاط 
غضبا شديداً عند سماعه هذا الخبر» وطلب من رياض رعد ابلاغ 
العميد غازي كنعان استعداده لتسليمه أبو هيثم شرط ان لا يتم اعدامه 


' اسمه الحقيقي جمال كرارة مصري الجنسية وكان يتولى مسؤولية جهاز الامن في الحزب 
التقدمي الاشتراكي في تلك الآونة. 
59 


أو تعذيبه. وافق غازي كنعان على طلب وليد جنبلاط. فأستدعى 
جنبلاط مرافقه '"سليمان سيور". وطلب منه التوجه إلى المختارة 
والاتصال من هناك بابي هيثم وابلاغه ان وليد جنبلاط ينتظره في عين 
دارة. انطلت الحيلة على ابي هيثم وبوصوله إلى عين دارهء قامت 
مجموعة من الحزب التقدمي الاشتراكي بتكبيله ووضعته في صندوق 
سيارة سليمان سيور الذي تولى احضاره إلى دمشق؛ وعندما علم 
جنبلاط بوصوله طلب من رياض رعد التحدث اليه» وابلاغه بقرار 
تسليمه إلى المخابرات السورية» على ان لا يجري تعذيبه أو عدامه. 
كان أبو هيثم يجلس في المقعد الخلفي للسيارة مكبل اليدين والرجلين» 
وبعد ان استمع إلى ما قاله رياض رعد نظر اليه نظرة خبث, وقال له: 
"روح قول لوليد لجنبلاط انا ممنون شواربه على هذا الاهتمام". 


الطائرة المخطوفة... عمركون ما تاكلوا 

في الرابع من شباط عام 1987 كان رياض رعد في زيارة 
للعاصمة الليبية لحضور المؤتمر السنوي للأحزاب العربية» الذي عُقد 
برعاية وحضور الزعيم الليبي معمر القذافي؛ وبعد عدة ايام امضاها 
المؤتمرون في نقاشات حول امور تهم الاحزاب العربية» قرر الأمين 
العام المساعد لحزب البعث في سوريا "عبد الله الاحمر" العودة إلى 
دمشق لأرتباطه بمواعيد هامة» واستأذن العقيد القذافي بالمغادرة» بدوره 
قرر كل من رياض رعد وجورج حبش العودة مع عبد الله الاأحمر على 
نفس الطائرة» وقبل اقلاع الطائرة بوقت قليل اتصل جورج حبش بعبد 
الله الاحمر وابلغه انه قرر البقاء في ليبيا يوماً اضافياً لحضور اللقاء 
بين العقيد معمر القذافي ووفد الفصائل الفلسطينية المشاركة في 
المؤتمر. كانت الطائرة قد وصلت فوق قبرص عندما التفت رياض رعد 
من الشباك فشاهد طائرتان إسرائيليتان تحلقان بالقرب من طائرتهم 
فتوجه إلى مقصورة القيادة للاستفهام عن الموضوع؛ فطمئنه القبطان 

100 


بأن لا شيء مهم وأن الإسرائيليين يريدون فقط الاستفهام عن هوية 
الاشخاص الموجودين على متن الطائرة» وبعض لحظات قليلة حدث 
تطور خطير تمثل بإجبار الطائرات الإسرائيلية للطائرة الليبية على 
الخروج عن مسارها والتوجه نحو فلسطين المحتلة» عندها طلب رياض 
رعد من قائد الطائرة الاتصال ببرج المراقبة في مطار دمشق وابلاغه 
بما يحدث؛ ولكن الإسرائيليين كانوا في هذه اللحظات قد قطعوا 
الاتصال عن الطائرة الليبية. اجبر الإسرائيليون الطائرة المخطوفة على 
الهبوط في أحد المطارات العسكرية في فلسطين المحتلة» وبعد ان قاموا 
بتفتيشها أمروا ركابها بالصعود إلى إحدى الحافلات واقتادوهم إلى أحد 
مراكز التحقيق حيث تبين لهم ان جورج حبش ليس على متن الطائرة 
كما كانوا يعتقدون فأصيبوا بخيبة امل كبيرة. 

خضع رياض رعد للتحقيق على يد أحد ضباط الإسرائيليين 
والذي جاعت وقائعه على الشكل التالي: 

المحقق: 'مصلحتي تقضي بأن اسمع منك المعلومات 
المطلوبة» ومصلحتك هي في ان تغادرنا بأسرع وقت ممكن". 

رعد: "انتم تريدون جورج حبش وهو ما زال في ليبيا". 

المحقق: 'نحن في الجيش الإسرائيلي لا نخطئ؛ ماذا كنتم 
تفعلون في ليبيا"؟ 

رعد:" كل ما فعلناه منشور في الصحف الليبية". 

المحقق: هل التقيم بقيادات فلسطينية في المؤتمر؟ 

رعد: 'وهل تصدق اذا نفيت لك ذلك"؟ 

وفي اثناء التحقيق دخل وزير الدفاع الإسرائيلي اسحاق رابين» 
وتحدث مع المحقق باللغة العبرية؛» وبعد ان خرج عاد المحقق ليكمل 


استجوابه لرياض رعد. 


101 


البحانا: 'لماذا تعتبرون ان الجيش الإسرائيلي في لبنان جيش 
احتلال» فيما ت ستروع لبش السوري جيشأً صديقاً وحليفاً". 

رعد: أن اللدانيون .هم .من: افر :ذلك :والدلول لق حمنيات 
المقاومة المسلحة تستهدف فقط الجيش الإسرائيلي ولا تطال الجيش 
السوري". 

المحقق: 'هل انت رياض رعد المسؤول في الحزب التقدمي 
الاشتراكي» والمكلف بملف العلاقات المالية مع ليبيا والجزائر وسوريا". 

وقبل ان يجيب رعد على السؤال دخل ضابط صهيوني إلى 
الغرفة وقال له: " تفضل معي انتهى التحقيق" وقام باقتياده إلى غرفة 
في وسطها طاولة عليها عدة اصناف من الفاكهة» وبعد ان جرى 
احضار جميع ركاب الطائرة إلى الغرفة دعاهم الضابط الإسرائيلي 
لتناول الفاكهة من اجل الخبز والملح على حد قوله؛ وعندما رفضوا قال 
لهم بحدة:" عمركون ما تاكلوا". بعد خمس ساعات امضاها ركاب 
الطائرة المخطوفة في فلسطين المحتلة» جرى الأفراج عنهم وسُمح 
للطائرة بإكمال رحلتها إلى دمشقء وكانت أحد اسباب الافراج عن 
الطائرة هي ان الرئيس حافظ الأسد كان قد هدد بالقيام بعملية عسكرية 
ضد إسرائيل» في حال لم يتم الافراج عن ركاب الطائرة؛ وخاصة انه 
كان بين ركابها الأمين العام المساعد لحزب البعث الحاكم في سوريا 
عبد الله الاحمر. 


رفيق الحريري على الحلبة 
في مرحلة الاحداث اللبنانية برز اسم رفيق الحريري كرجل 
اعمال لبناني ثري يعمل في المملكة العربية السعودية» وكان اسم رفيق 
الحريري قد بدأ باللمعان في لبنان» عندما تولت شركة اوجيه التي 
يملكها تنظيف بيروت من الردميات التي خلفها الاجتياح الإسرائيلي 
عام 1982»: ومع تطور الازمة اللبنانية واشتدادها بدأ رفيق الحريري 
102 


يجول بين بيروت ودمشق بطلب من العاهل السعودي فهد بن عبد 
العزيزء وكانت مهمته هي البحث عن حل للأزمة اللبنانية» ومن خلال 
هذه المهمة تعرف رفيق الحريري إلى معظم السياسيين في لبنان» 
ومنهم وليد جنبلاط الذي كلف رياض رعد بالاهتمام برفيق الحريري بعد 
ان تعهد الاخير بتقديم الدعم للحزب التقدمي الاشتراكي. في هذا 
الاطار التقى رياض رعد برفيق الحريري اكثر من مرةء ورافقه في عدد 
من زياراته إلى كبار المسؤولين في القيادة السورية وخاصة عبد الحليم 
خدامء والتي كان يحضر بعضها الأمير السعودي بندر بن سلطان. لم 
يكن رفيق الحريري خلال جولاته على المسؤولين السوريين يحمل أي 
رؤية لحل الازمة اللبنانية» بل كان يبدو طوال الوقت متسلحا بالنفوذ 
السعوديء وبهالته المالية الكبيرة التي عرف كيف يستثمرها من اجل 
تضخيم صورته في اذهان اللبنانيين. 

كان مشروع رفيق الحريري الأساسي والذي سخر له كل 
إمكاناته المادية والسياسية يرتكز على ايصال جوني عبده إلى كرسي 
الرئاسة في بعبداء مما يجعل الطريق مفتوحة امامه لتولي رئاسة 
الحكومة في لبنان» وهو قال لرياض رعد اكثر من مرة بانه يريد ان 
يحكم لبنان على طريقة بشارة الخوري ورياض الصلح. 

كان رفيق الحريري يركز اهتمامه على مسألة البحث في وقف 
إطلاق النار بين الاطراف المتحاربة» متجنباً الخوض في موضوع 
الاصلاحات السياسية» بحجة ان المسيحيين لن يقبلوا بها. في عام 
4 طلب عبد الحليم خدام من وليد جنبلاط بحضور مروان حماده 
ورياض رعدء الاقتراح على الرئيس حافظ الأسد فكرة تولي رفيق 
الحريري لرئاسة الحكومة في لبنان» وكان رفيق الحريري في تلك الفترة 
قد ايقن من استحالة تسويق جوني عبده رئيس للجمهورية» فبدأ يمهد 
لنفسه للوصول إلى رئاسة الحكومة. تجاوب وليد جنبلاط مع رغبة عبد 


103 


الحليم خدام؛ وقام بطرح اسم رفيق الحريري رئيس للحكومة اللبنانية 
خلال إجتماع له مع الرئيس حافظ الأسد مشيداً بمزاياه الشخصية 
والوطنية» لكن الرئيس الأسد لم يعلق على الموضوع واكتفى بالاصغاء 
إلى اقتراح جنبلاط. 

لا يمكن الحديث عن رفيق الحريري من دون التطرق إلى 
موضوع اتفاق الطائف والذي يعتقد الكثيرون ان الحريري» هو عرابه 
الحقيقي في حين ان في هذا الأمر غلط كبيرء فالفضل الاساسي في 
انجاز اتفاق الطائف يعود إلى الرئيس حافظ الأسدء والذي رفض كل 
محاولات وقف إطلاق النار بين المتقاتلين في لبنان» قبل التوصل إلى 
اتفاق على اصلاح النظام السياسي وخلال أحد إجتماعاته في مع وليد 
جنبلاط بحضور رياض رعد مازح الرئيس الأسد ضيفيه قائلاً: 'لن 
ادعكم تشمتون بي". شكل هذا الموقف للرئيس الأسد دافعاً لجميع 
الاطراف المحلية والاقليمية للبحث عن سقف للتفاهمات السياسية 
تجتمع تحته كل مكونات المجتمع اللبناني» فكانت ولادة اتفاق الطائف» 
وبمناسبة الحديث عن الرئيس حافظ الأسدء فقد كان وليد جنبلاط في 
جلساته الخاصة يصف دائمأ الرئيس الأسد بأنه اهم رئيس جمهورية مر 
في تاريخ العالم العربي ويقول: 'لو كان حافظ الأسد سنيأء لكانت 
شعبيته في العالم العربي قد فاقت بكثير شعبية جمال عبد الناصر". 


أيتو أميركي على التفاهم المسيحي - السوري 
ادى فشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفاً 
رئيس أمين الجميل الذي انتهت ولايته في 1988/9/23.» إلى حدوث 
فراغ رئاسي في البلادء وانقسام على المستوى الحكومي؛ فأصبح هناك 
حكومتان الأولى برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون والثانية برئاسة 
برئيس سليم الحص والذي كان قد أصبح رئيساً الحكومة بالوكالة بعد 
استشهاد رئيس الحكومة رشيد كرامي. في ظل هذه الاجواء المشحونة 

104 


طرح رياض رعد على الرئيس حافظ الأسدء فكرة التفاهم مع ميشال 
عون» وافق الرئيس الأسد على هذه الفكرة» وطلب من رياض رعد 
التمهيد لهذا التفاهم وسرعان ما وصل الخبر إلى العماد ميشال عون 
بواسطة صديق مشترك هو المحامي خضر الحركة»ء الذي سارع إلى 
الاتصال برياض رعدء وتم الاتفاق على عقد لقاء بينهما في منزل 
العماد عون في الفياضية. كان اللقاء ايجابياً الأمر الذي فتح الباب 
على عقد اكثر من إجتماع بين الرجلين» وكانت كلها توحي بإمكانية 
التوصل إلى قواسم مشتركة بين سوريا وميشال عونء؛ ولكن فجأة 
تغيرت الاجواء وانقلبت الامور رأسا على عقبء وذلك عندما انهمرت 
القذائف على منطقة "الاونيسكو" صبيحة يوم 1989/3/14» وادت إلى 
مقتل اكثر من اربعين مواطنأء وسرعان ما تبين ان مصدر القصف هو 
مدفعية القوات اللبنانية في المنطقة الشرقية» وان هذا القصف قد جاء 
بناء على طلب أميركي من سمير جعجع بهدف تعطيل التفاهم بين 
سوريا وميشال عون. 

لم تكن هذه المرة هي الأولى التي تقوم فيها الولايات المتحدة 
بتعطيل التفاهم بين دمشق وقادة الصف المسيحي في لبنان» فقد سبق 
وعملت على تعطيل الاتفاق الثلاثي الذي جرى ابرامه في دمشق بين 
الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة امل وايلي حبيقة» كما كانت قد 
وضعت فيتو على عودة العميد ريمون اده إلى لبنان. كان رياض رعد 
في فرنسا عام 1988 عندما اتصل به العميد ريمون ادهء ودعاه لزيارته 
في مقر اقامته في باريسء؛ حيث قام بتسليمه رسالة إلى الرئيس حافظ 
الأسد يتعهد فيها بالوقوف إلى جانب سوريا في خلافاتها مع الدول 
العربية والأجنبية» في حال انتخابه رئيساً للجمهورية؛ كما يعلن في هذه 
الرسالة أيضأ تأييده لبقاء الجيش السوري في لبنان لحين تمكن الجيش 
اللبناني من استعادة وحدته والقيام بدوره على كامل الاراضي اللبنانية» 


105 


وذلك بعد انحسار نفوذ المليشيات» كما يعرب عن تقديره للدور الذي 
يلعبه الجيش السوري في لبنان في حماية المسيحيين بعكس الجيش 
الإسرائيلي الذي سمح بتهجيرهم في مناطق سيطرته» وفي موازاة ترحيبه 
بالدور السوري في لبنان في حفظ الامن فأن ريمون اده رفض ان يكون 
هناك أي دور للسوريين في اصلاح النظام اللبناني؛ معتبراً ان الأمر 
يخص اللبنانيين وحدهم. أبدى الرئيس الأسد ترحيبه برسالة العميد ادهء 
وكلف أحد معاونيه بمتابعة الملف مع رياض رعدء ولكن تدخل الولايات 
المتحدة وقيامها بوضع فيتو على عودة ريمون اده إلى لبنان عطل 
المشروع قبل ولادته. 


معركة سوق الغرب - السوريون ضد المعركة 

مرت علاقة العماد ميشال عون بالقيادة السورية بصعوبات 
ثيرة لم يكن ميشال عون وحده المسؤول عنهاء وان كان يتحمل الجزء 
الأكبر من مسؤوليتها نتيجة المواقف غير المدروسة والمتسرعة التي 
كان يتخذهاء إضافة إلى إصغائه التام إلى آراء السفيرين الفرنسي 
والبابوي والتي كانت دائما تعطل كل مساعي الحل بينه وبين الرئيس 
الياس الهراوي» فإلى جانب هذه المواقف غير المدروسة من قبل ميشال 
عون» كان هناك فريق لبناني سوري على رأسه عبد الحليم خدام» يرى 
أن مصلحته تكمن في إبقاء العلاقات متفجرةٍ بين العماد عون ودمشق» 
وفي هذا السياق طلب عبد الحليم خدام من صحافي سوري يقيم في 
لبنان يدعى 'أبو منير" الحصول على تصريح من رياض رعد يهاجم 
فيه ميشال عون لكن رياض رعد رفض التصريح ضد ميشال عون 
وقال للصحافي أبو منير: "اذهب إلى عبد الحليم خدام وقل له إن 
رياض رعد لا يعمل شتاماً بالأجرة ونقطة على السطر". 

انتهت “حرب التحرير" التي أعلنها ميشال عون ضد القوات 


106 


السورية في لبنان» بالتوصل إلى اتفاق الطائفء والتي أسهمت معركة 
سوق الغرب في شهر آب عام 1989 بين الحزب التقدمي الاشتراكي 
والجيش اللبناني في ولادته*'. وكان وليد جنبلاط قد طلب من رياض 
رعد قبل معركة سوق الغرب بأيام قليلة مرافقته إلى مكتب العماد 
حكمت الشهابيء من اجل اطلاعه على الخطة التي أعدها الحزب 
الاشتراكي لاقتحام سوق الغرب» وبعد ان اطلع العماد الشهابي على 
الخطة الاشتراكية نصح وليد جنبلاط بالعدول عنها وقال له: "هيدي 
خطة فاشلة ولح تكلفك كتير". لم يقتنع وليد جنبلاط بكلام العماد 
حكمت الشهابي» وطلب موعداً من الرئيس حافظ الأسد في محاولة منه 
لتأمين الدعم لخطته. لم يكن رأي الرئيس الأسد اقل تحفظأ من رأي 
العماد الشهابي وهو قال له: "ان الدول الغربية لن تسمح بسقوط سوق 
الغرب وهي ستسارع للضغط على سوريا من اجل التدخل لوقف 
المعركة", ولكن بالرغم من هذه النصائح بقي جنبلاط مصرأ على 
خوض المعركة؛ وهو سرعان ما اكتشف وهو يشاهد قواته تتقهقر في 
سوق الغرب بأنه قد اخطأ في تقدير حساباته. 

بالرغم من كل السحب السوداءء التي مرت في سماء العلاقات 
بين ميشال عون ودمشقء فإن السوريين ظلوا يراهنون على إمكانية 
التفاهم مع ميشال عون معتبرين ان هناك فرصة جدية له بأن يصبح 
رئيسا للجمهورية في لبنان» وكانت ابرز المواقف السورية الايجابية 
تجاه ميشال عون هي تلك التي صدرت عن الرئيس حافظ الأسد 
شخصياً في خلال لقاء له مع رفيق الحريري. والذي بعد انتهاء اللقاء 
سارع إلى الاتصال برياض رعد ودعاه إلى زيارته في دارته في دمشق 
وطلب منه اصطحاب فايز قزي معه. في دارته في دمشق قال رفيق 
الحريري لرياض رعد بحضور فايز قزي: 'مبروك زبطت معكء بالأمس 


' المليشيا المسكرية للحزب التقدمي الاشتراكي. 
107 


كنت أتناول طعام الغداء على مائدة الرئيس حافظ الأسد بحضور عبد 
الحليم خدام» وكانت مناسبة سألته فيها عن موضوع الرئاسة في لبنان» 
فأعلن صراحة انه يدعم وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية في 
لبنان» وعندما ذكرته بتصاريح عون السابقة والتي هدد فيها بتكسير 
رأسه. أجاب بأنه لا يتوقف عند تصاريح عابرة تمليها الظروف "ثم 
اخرج الحريري من جيبه رسالة سلمها إلى فايز قزي وطلب منه إيصالها 
لميشال عون وهو يعلن فيها استعداده للتعاون معه. بعد ذلك طلب 
مسؤولون في القيادة السورية من رياض رعد نقل رسالة شفوية إلى 
ميشال عون مفادها انه ليس لسوريا أو العماد إميل لحود أي نية 
بمهاجمة قصر بعبداء وانهم لا يطلبون منه تقديم رسالة اعتذار أو إبداء 
مراجعة نقدية لمواقفه السابقة» وان كل ما يريدونه منه هو إعلان 
استعداده لطي صفحة الخلافات الماضية مع سوريا وحلفائها في 
لبنان"» وافق ميشال عون على هذا الاقتراح وطلب من رئيس بلدية 
القماطية السابق 'وفيق ناصر الدين" إبلاغ صديقهما المشترك رياض 
رعدء استعداده لكتابة رسالة يعلن فيها طي صفحة خلافاته مع سوريا 
وحلفائها في لبنان لكنه ما لبث ان عاد وغير موقفه؛ بعد زيارة قام بها 
السفير الفرنسي إلى قصر بعبدا وقال لوفيق ناصر الدين: "ان الظروف 
لم تنضج بعد لكتابه مثل هذه الرسالة". 

وعلى الرغم من إخراج السوريين لميشال عونء بالقوة من 
قصر بعبدا عام 1990» فإنهم لم يعارضوا عودته إلى لبنان» فقبل 
انتخابات عام 2005» اخذ ميشال عون يفكر بالعودة إلى لبنان» وهو 
قام لهذه الغاية بإجراء اتصالات مع عدد من المسؤولين اللبنانيين 
والسوريين لجس نبضهم حول موضوع عودته إلى لبنان. كان ابرز 
المتحمسين لعودة عون إلى لبنان هو رياض رعدء الذي قام بإجراء 
سلسلة اتصالات مع مسؤولين لبنانيين وسوريين بهدف معرفة موقفهم 


108 


من عودة عون إلى لبنان. كانت المفارقة ان معظم المسؤولين 
السوريين» كانوا مع عودة عون إلى لبنان» بعكس المسؤولين اللبنانيين 
الذي وقف اغلبهم ضدها باستثناء الرئيس عمر كراميء والوزير عبد 
الرحيم مراد» ومدعي عام التمييز عدنان عضوم, وكان اشد المعارضين 
لعودة ميشال عون هو الرئيس رفيق الحريري الذي قال لوزير الخارجية 
السوري وليد المعلم: "انه في حال عودة ميشال عون إلى لبنان» فانه 
سيجد نفسه مضطرا لإخراج سمير جعجع من السجنء وذلك من اجل 
إقامة توازن بين المسيحيين". 


وليد جنبلاط: "نصحت رفيق الحريري بالابتعاد عن القرار 
ء09ظ15 

عام 1994 كان رياض رعد في باريسء عندما اتصل به 
الصحافي “حسن حماده' وابلغه ان اعلامياً فرنسياً من أصل لبناني يود 
اللقاء به . كان هذا الصحافي يحمل لرياض رعد معلومات عن مخطط 
أميركي يهدف إلى قيام مصالحة سنية يهودية في منطقة الشرق 
الأوسط. باعتبار أن السنة يشكلون الأغلبية في المنطقة العربية» وان 
الغاية من هذه المصالحة هي الالتفاف على المشروع الإسرائيلي في 
المنطقة؛ والذي يقوم على تحالف الأقليات»: وكان هذا المخطط يلحظ 
دوراً لرفيق الحريري؛ والذي ستكون مهمته ترويض القوى السياسية في 
لبنان وجعلها جاهزة لتقبل هذا المخطط. عام 2004 انتقل الأميركيون 
إلى مرحلة متقدمه من تنفيذ مشروعهم هذاء والتي تمثلت بالعمل على 
إخراج السوريين من لبنان ونزع سلاح حزب الله وذلك من خلال القرار 
9 والذي كان يريد الأميركيون منه إفهام السوريين إن دورهم في 
لبنان قد انتهى؛ وإنهم وفي حال قرروا العصيان فإنهم لن يترددوا في 
تطبيق السيناريو العراقي في دمشق. 


109 


رفض السوريون الخضوع للضغوطات الأميركية» وقرروا 
المواجهة وكانت أحد أسلحتهم في هذه المواجهة هي التمديد للرئيس 
إميل لحودء الذي كان حليفا صادقاً لهم؛ لكن خيار التمديد جوبه 
باعتراض من قوى لبنانية عدة كان من أبرزها الرئيس رفيق الحريري 
الذي عاد ليتراجع عن موقفه بعد إن خيره السوريون بين الموافقة على 
التمديد أو الخصومة السياسية معهم. كان رفيق الحريري يعرف تماماً 
موازين اللعبة في لبنان وان مصلحته هي في عدم معاداة سورياء 
فاجتمعت حكومته وأحالت مشروع تمديد ولاية إميل لحود إلى مجلس 
النواب. في موازاة ذلك كان هناك بعض العاملين في فريق الرئيس رفيق 
الحريري يرسمون مخططأ آخر يهدف إلى وضع سوريا وإميل لحود بين 
فكي كماشة» فمقابل موافقة رفيق الحريري على التمديد فأنه يقتضي 
جنبلاط بالتراجع عن موقفه المؤيد للتمديد؛ والذي كان أعلن عنه من 
دارة النائب فؤاد السعد في عين تراز بحضور الرئيس لحودء مشكلاً 
بذلك مع رفيق الحريري ورقة ضاغطة على سوريا والعماد إميل لحود. 

وبينما حافظ رفيق الحريري على لهجة معتدلة تجاه الرئيس 
إميل لحودء ذهب وليد جنبلاط نحو التصعيد؛ء وراح يهاجم سوريا 
والعماد إميل لحودء أدت مواقف جنبلاط هذه إلى خلاف بينه وبين 
السوريين» ولكن بالرغم ذلك بقي وليد جنبلاط مدركاً في قرارة نفسه إن 
خلافه مع دمشق يشكل هزيمة سياسية له وهو لذلك راح يسعى إلى 
إعادة علاقته معها إلى سابق عهدهاء وفي أثناء وجود رياض رعد في 
المختارة لتقديم التهنئة بزفاف تيمور وليد جنبلاطء» فاتحه وليد جنبلاط 
برغبته في مصالحة الرئيس بشار الأسدء مبدياً انزعاجه من قول 
الرئيس السوري لرفيق الحريري: "إنا لحود ولحود أنا" متسائلاً اين ذهب 
رصيد تاريخه ونضاله عند السوريين. فأجابه رياض رعد: 'إن الرئيس 


110 


الأسد لا يقصدك بهذا الحديث". 

وقبل يومين من موعد جلسة التمديد للرئيس لحود اتصل 
جنبلاط برياض رعدء ودعاه إلى منزله في 'كليمنصو"؛ حيث راح يعدد 
امامه اسباب خلافه مع دمشقء والتي كان أبرزها قرار الرئيس بشار 
الأسد ابعاد كل من رئيس الاركان حكمت الشهابي ونائب الرئيس 
السوري عبد الحليم خدام عن مركز القرار في سورياء واللذان كانا 
يمثلان الجناح الداعم لوليد جنبلاط في دمشقء وسأل جنبلاط رياض 
رعد رأيه بالقرار 1559 فأجابه رعد: 'صاحبك أدرى بالتفاصيل" فقال 
جنبلاط انه نصح رفيق الحريري بالابتعاد عن هذا القرارء وأبدى 
استعداده للذهاب إلى دمشق ولقاء معاون الرئيس بشار الأسد اللواء 
'محمد ناصيف" بغية شرح وجهة نظره من موضوع التمديد. في اليوم 
التالي توجه رياض رعد إلى دمشق في محاولة لترميم العلاقات بين 
جنبلاط والقيادة السورية وبوصوله إلى صوفر تلقى اتصالاً من اللواء 
محمد ناصيف الذي طلب منه زيارته في منزله حال وصوله إلى 
دمشق. كان اللواء ناصيف غاضباأ بسب تلقيه اخباراً مغلوطة حول 
اللقاء بين رياض رعد ووليد جنبلاط» وعندما علم بحقيقة الأمر من 
رياض رعد أبدى استعداده لاستقبال وليد جنبلاط» مبديأ استغرابه لوجود 
بعض المسؤولين في سوريا ولبنان الذين لا هم لهم سوى تخريب 
العلاقات بين البلدين. بعد عودته إلى بيروت تلقى رياض رعد اتصالين 
من كل من مروان حماده وبهيج أبو حمزه اللذان نقلا إليه رغبة وليد 
جنبلاط بلقائه في المختارة نهار السبت لمتابعة البحث في موضوع 
المصالحة بينه وبين القيادة السورية» ولكن قبل ان يحين موعد اللقاء 
عادت الأجواء لتكفهر من جديد في سماء العلاقات الجنبلاطية - 
السورية» إذ نقل بعض المغرضين اخبار غير صحيحة إلى الرئيس 
بشار الأسد مفادها ان وليد جنبلاط متمسك بموقفه الرافض للتمديد 


111 


للرئيس اميل لحود وهو لن يتراجع عنه؛ الأمر الذي دفع الرئيس الأسد 
إلى العدول عن قراره باستقبال وليد جنبلاط» فهو لم يكن يريد ان يقطع 
شعرة معاوية معه. الغاء موعده مع الرئيس الأسد اعتبره جنبلاط مؤشرأ 
على عدم رغبة الرئيس السوري بالتفاهم معه» فعاد إلى تصعيد لهجته 
ضد المسؤولين السوريين والعماد اميل لحود. وكان من نتائج هذا 
التصعيد الغاء رئيس الجمهورية دعوة كان قد وجهها إلى وليد جنبلاط 
لتناول العشاء في قصر بعبدا. 

بعد ذلك توالت مجموعة من الاحداث؛ التي كان من شأنها ان 
تزيد الموقف تعقيدأ بين جنبلاط من جهة وسوريا والرئيس اميل لحود 
من جهة أخرى فصدر قرار بنقل العقيد "أبو فراج' المقرب من جنبلاط 
من مركزه في جهاز امن المطار إلى موقع آخرء كما صدرت مذكرة 
توقيف بحق رئيس بلدية الشويفات هيثم الجردي الموالي لجنبلاط بتهمة 
التزويرء هذا وقد تبين ان هذه الممارسات يقف خلفها بعض الاجهزة 
الامنية الرسمية في لبنان» والتي كانت ترى ان مصلحتها تكمن في 
اسقاط جهود المصالحة» التي كان يقوم بها رياض رعد بين سوريا 
ووليد جنبلاط والتي كانت قد وصلت إلى مرحلة متقدمة. 


مصالحة 2010 

بعد اغتيال الرئيس الحريري» بدأ وليد جنبلاط حملة عنيفة 
وغير مسبوقة على النظام في سورياء متناسياً كل الدعم السياسي 
والعسكري الذي قدمته له دمشق خاصة في عهد الرئيس حافظ الأسدء 
وبعد ان صبر المسؤولون السوريون طويلاً على تهجمات وليد جنبلاط 
قرروا الرد عليه عبر وسائل الاعلام ردا قاسيا يكشفون فيه بعضص 
الحقائق» التي من مصلحة وليد جنبلاط ان تبقى مستورة» قرار الرد 
على وليد جنبلاط اعتبره رياض رعد ضارا بأي تفاهم مستقبلي ممكن 


112 


ان يحدث بين وليد جنبلاط والسوريين» وهو لهذه الغاية اجتمع باللواء 
محمد ناصيف الذي وافقه الرأي» فكان ان تم الرجوع عن قرار الحملة 
الاعلامية» وذلك بناء على توجيهات من الرئيس بشار الأسد. 

وقبل ان يحين موعد الانتخابات النيابية عام 2009 بدأ وليد 
جنبلاط يخفف من لهجته التصعيدية تجاه سورياء ويبدي استعداده لفتح 
صفحة جديدة من العلاقات معهاء وذلك بعد ان لمس ان الوعود التي 
اطلقتها الولايات المتحدة بأسقاط النظام في سوريا كانت وعوداً كاذبة» 
وفي ظل هذه التحولات في المواقف الجنبلاطية» قام رجل الاعمال 
اللبناني “زياد البيطار" المقرب من وليد جنبلاط بزيارة لرياض رعدء 
ناقلاً اليه رغبة وليد جنبلاط بإرسال موفداً عنه للقاء اللواء محمد 
ناصيف في دمشقء وافق اللواء ناصيف على استقبال موفد جنبلاط 
فقام زياد بيطار بزيارة سرية إلى دمشقء التقى خلالها اللواء محمد 
ناصيف الذي أبدى استعداد سوريا لإعادة التواصل مع وليد جنبلاط. 
بعد ذلك توالت زيارة الموفدين الجنبلاطيين إلى سوريا والتي افضت في 
نهاية الأمر إلى تذليل العقبات امام زيارة وليد جنبلاط إلى سوريا. 


رياض رعد والانتخابات النيابية 
لرياض رعد قصة لا تنتهي مع المعارك النيابية» التي ادمنها 
منذ ان دخل المعترك السياسي وكان ابرز تلك المعارك هي تلك التي 
خاضها بعد اتفاق الطائف؛ فمع قرار الحكومة اللبنانية بتطبيق ما جاء 
في اتفاق الطائف لجهة اجراء تعيينات نيابية في المراكز التي شغرت 
بوفاة عدد من النواب» برز اسم رياض رعد من ضمن الاسماء 
المرشحة للتعيين» ولكن تدخل كل من نائب الرئيس السوري عبد الحليم 
خدام ورئيس الاركان العماد حكمت الشهابي حال دون وصوله إلى 
الندوة النيابية» وذلك بعد ان ادعيا امام الرئيس حافظ الأسد بأن الوزير 

113 


نبيه بري قد هدد بالاستقالة من حكومة الرئيس سليم الحص ورئاسة 
حركة امل؛ في حال تم تعيين رياض رعد نائباً . 

في العام 1992 ترشح رياض رعد عن المقعد الشيعي في 
بعبدا متحالفاً مع مرشح حزب الله علي عمارء وقبل حلول موعد 
الانتخابات بأسبوعين تلقى رعد دعوة للقاء الأمين العام لحزب الله السيد 
حسن نصر الله الذي ابلغه بحضور الحاج محمد سعيد الخنسا اعتذار 
الحزب عن الاستمرار في تحالفه معه في معركته الانتخابية بحجة ان 
هناك 'فيتو" على اسمه من قبل عبد الحليم خدام؛ لكن رعد اوضح 
للسيد حسن نصر الله ان الفيتو على اسمه قد جاء من العماد حكمت 
الشهابي؛ الذي طلب من وليد جنبلاط عدم منح اصواته في قضاء 
بعبدا لرياض رعدء وبالرغم من هذا الفيتو قرر رياض رعد اكمال 
معركته الانتخابية فترشح منفرداً ونال 5250 صوتاء ولكن مع ذلك 
بقي خارج الندوة النيابية. 

وفي انتخابات عام 1996 قرر عبد الحليم خدام وحكمت 
الشهابي اسقاط مرشحي حزب الله في بيروت ويعبدا وهما حاولا ضم 
رياض رعد إلى لائحة ايلي حبيقة بهدف استمالته سياسياً وكلفا بهذه 
المهمة الوزير محسن دلولء الذي ارسل إلى رياض رعد كل من "علي 
اسماعيل وغسان صفي الدين"” ناقلين اليه رغبة عبد الحليم خدام 
بالإجتماع به في مكتبه في دمشقء لكن رياض رعد اعتذر عن تلبية 
الدعوة بعد ان اعلمه معاون الأمين العام لحزب الله الحاج حسين 
الخليل» ان الهدف من محاولة ضمه إلى لائحة ايلي حبيقة» هي 
التغطية على اسقاط مرشح حزب الله في بعبدا وطلب منه التعاون مع 
لائحة الدكتور بيار دكاش. 

وبناء على نصيحة حزب اللهء اعلن رياض رعد ترشحه على 
لائحة الدكتور بيار دكاش عن المقعد الشيعي في بعبدا. جرت 


114 


الانتخابات واظهرت النتائج الأولية تقدم لائحة بيار دكاش بكامل 
اعضائها على لائحة ايلي حبيقة وبفارق عدد كبير من الاصواتء ولكن 
فجأة وعند الساعة الواحدة فجرأ توقفت عمليات الفرز من دون ان 
تعرف الاسباب» وجرى تأجليها إلى صباح اليوم التالي» وفي نفس الليلة 
اتصل رئيس الجمهورية الياس الهراوي بمدير عام الامن العام ريمون 
روفايل وقال له: 'سقطت لائحتنا في بعبدا روح زبط الموضوع"؛ وفي 
صباح اليوم التالي اظهرت عمليات الفرز انقلاباً كليأ في النتائج 
لصالح لائحة ايلي حبيقة؛ اما اللائحة المنافسة فلم ينجح منها سوى 
رئيسها الدكتور بيار دكاش. بعد صدور النتائج ابلغ قائد الجيش العماد 
اميل لحود رياض رعد انه يملك وثائق مسجلة بالصوت والصورة تشير 
إلى حصول عمليات تزوير في نتائج الفرزء وانه لا مانع لديه من ان 
يمثل مدير المخابرات العميد ميشال الرحباني ونائبه العميد جميل السيد 
امام المجلس الدستوري لكشف ما لديهما من معلومات حول هذا 
الموضوع. واستنادأ إلى كلام العماد لحود قام رياض رعد بتقديم طعن 
امام المجلس الدستوري بنيابة باسم السبع؛ ولكن المجلس الدستوري 
رفض الاستماع إلى شهادتي مدير المخابرات ونائبه؛ وقام برد الطعن 
المقدم من رياض رعد. 

في انتخابات عام 2000 ترشح رياض رعد عن المقعد 
الشيعي في بعبداء وكانت هذه الانتخابات أول استحقاق يواجهه بشار 
الأسد في الملف اللبناني قبل ان يصبح رئيسأ للجمهورية السورية. كان 
بشار الأسد حريصأ على دعم من يعتبرهم حلفاء واصدقاء سوريا في 
لبنان» وفي طليعتهم الرئيس سليم الحص والرئيس عمر كرامي والنواب 
زاهر الخطيب وايلي حبيقة ونجاح واكيم؛ اضافة إلى صديق سوريا 
الدائم رياض رعدء وفي اطار سعيه للحصول على دعم الفعاليات 
السياسية لترشحه اجتمع رياض رعد إلى أمين عام حزب الله السيد 


115 


حسن نصر الله الذي رحب بترشحه. في المقابل أبدى رياض رعد 
استعداده للعمل على تحسين العلاقات بين ايلي حبيقة وحزب الله 
والتي لم تكن جيدة بسب اتهام "الحزب" لحبيقة بالمسؤولية عن مجزرة 
صبرا وشاتيلا. وقبل حلول موعد الانتخابات توفي الرئيس حافظ الأسد 
وانتخب الدكتور بشار الأسد خلفأً له الذي انصرف بعد ان أصبح رئيساً 
للجمهورية إلى متابعة شؤون سوريا الداخلية» مما افسح المجال امام 
بعض المسؤولين في سوريا الذين تربطهم علاقات ومصالح خاصة 
بالرئيس رفيق الحريري بالعمل على إجراء تقسيمات للدوائر الانتخابية 
بالشكل الذي يؤمن فوزاً مريحاً للرئيس رفيق الحريري. في ظل هذه 
الاجواء جرى استبعاد ايلي حبيقة عن اللائحة الاساسية في دائرة بعبدا 
عاليه» بحجة وجود فيتو عليه من حزب الله» ومع صدور النتائج تبين 
ان حبيقة لم يفز في هذه الانتخابات» فجن جنونه وراح يتهم الرئيس 
بشار الأسد بالتدخل مباشرة لأسقاطه. 
حاول رياض رعد اقناع ايلي حبيقة بعدم مسؤولية الرئيس 
بشار الأسد عما حدثء وان ما جرى هو نتيجة صفقة مالية وسياسية 
بين جذة اطرضه انوانية' في لبذان تونتوريا افيا اعلليعتها الرئيس رفيق 
الحريري واللواء غازي كنعان؛ لكن حبيقة لم يقتنع بهذا التفسيرء وظل 
مصراً على اتهامه للرئيس بشار باسقاطه. بعد مضي حوالي الشهر 
على صدور نتائج الانتخابات التقى رياض رعد بايلي حبيقة وأبدى 
امامه ندمه على اتهامه للرئيس بشار الأسد باسقاطه في الانتخابات» 
وقال لرياض رعد ان معلومات قد وصلت اليه بأنه بعد صدور نتائج 
الفرز استدعى الرئيس بشار الأسد عدد من المسؤولين السوريين 
المعنيين بالملف اللبناني» للوقوف منهم على حقيقة ما جرى في تلك 
الانتخابات فكان هناك اجماع على تحميل المسؤولية الاكبر للعميد 
غازي كنعان» وعلى اثر ذلك صدر قرار بنقل العميد كنعان من مركزه 


116 


في لبنان وتعبينه رئيس لشعبة الامن السياسي في سوريا. 

كانت القيادة السورية صادقة طوال الوقت في تعاملها مع ايلي 
حبيقة» حتى أنه عندما اقترح فايز قزي على رياض رعد البحث مع 
المسؤولين السوريين في انشاء وزارة للمهجرين وافق الرئيس حافظ الأسد 
على هذا الاقتراح وطلب من نائبه عبد الحليم خدام ان يبحث الأمر مع 
الرئيس الياس الهراوي واقتراح اسم ايلي حبيقة وزيرأ لهذه الوزارة» وهكذا 
أصبح ايلي حبيقة أول وزير للمهجرين وذلك في حكومة الرئيس عمر 
كرامي عام 1991. 


أبو وائل 

أن تكتب عن رياض رعد لا يمكن أن يغيب المرحوم اللواء 
محمد ناصيف (أبو وائل) معاون الرئيس بشار الأسد عن سطور 
التجربة» الذي وصفه الإمام موسى صدر يومأ بأنه عين الرئيس حافظ 
الأسد التي لا تنام؛ والذي لطالما وثق برياض رعد وكلفه بمهمات لا 
تحصى ولا تعدّ» وصولاً إلى منظومة علاقات تولى رعد حبك خيوطها 
بين عشرات لا بل مئات الشخصيات اللبنانية والقيادة السورية. 

تعرف رياض رعد للمرة الأولى إلى اللواء محمد ناصيف عام 
77؛ عندما ابلغه صديقه “جودت وفائي"» ان مدير فرع الامن 
الداخلي في جهاز المخابرات السورية المقدم محمد ناصيف يود التعرف 
عليه؛ عُقد الإجتماع الأول بين رياض رعد والمقدم ناصيف في مكتب 
الاخير في دمشق وكان وديأ للغاية» وركز خلاله رياض رعد على 
ضرورة اجراء مصالحة بين الرئيس حافظ الأسد وكمال وجنبلاط فأبدى 
المقدم محمد ناصيف استعداده لبذل كل جهد ممكن في هذا المجال» 
شكل هذا اللقاء مقدمة لمرحلة طويلة من العلاقات بين الرجلين» 
استمرت حتى وفاة اللواء ناصيف تعاونا فيها في الكثير من الملفات 
ذات الصلة بالعلاقات اللبنانية السورية» وكان عملهما في اكثر الاحيان 

117 


في الظل وبعيداً عن الاضواء. 

عام 1984 كان البحث جارياً عن اسم جديد يخلف الرئيس 
كامل الاسعد في رئاسة مجلس النواب؛ وذلك بعد ان قررت سوريا 
والقوى الوطنية» وضع فيتو على ترشحه لولاية أخرى بسبب موقفه 
الداعم لأتفاق السابع عشر من ايار وانتخاب بشير الجميل رئيسا 
للجمهورية. بعد بحث طويل في الاسماء لم يتم التوصل خلاله إلى 
اتفاق على الاسم الذي سيخلف كامل الاسعدء طلب اللواء محمد 
ناصيف من رياض رعد معاونته في اختيار خلف لكامل الاسعدء 
فاقترح رعد اسم النائب حسين الحسينيء معللاً اقتراحه بأن الحسيني 
يحظى بثقة معظم الاطراف السياسية في لبنان وبالاخص الفريق 
المسيحي. اعلان اسم حسين الحسيني لرئاسة المجلس النيابي ازعج 
رئيس حركة امل نبيه بري وذلك لوجود علاقة امتوترة بينه وبين النائب 
حسيني الحسيني تعود إلى الوقت الذي كان فيه الحسيني رئيس لحركة 
امل؛ وقبل يومين من موعد جلسة انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب 
اتصل نبيه بري برياض رعدء وطلب منه ان يقترح على المسؤولين 
السوريين اسم وزير الدفاع النائب عادل عسيران رئيساً للمجلس النيابي» 
على ان يحل مكانه حسين الحسيني في وزارة الدفاع. هذا الاقتراح نقله 
رياض رعد وعبد الله الأمين إلى نائب الرئيس السوري عبد الحليم 
خدامء والذي قام بدوره بطرحه على الرئيس حافظ الأسدء الذي أجاب 
بأنه لم يعد ثمة مجال للبحث في اسم مرشح اخرء وخاصة بعد ان 
اتفق مع الرئيس أمين الجميل على اسم حسين الحسيني". 

عام 1987 وقعت حرب ضروس بين حركة امل وحزب الله 
تمكن خلالها 'الحزب" من السيطرة على الضاحية الجنوبية» خاف 
السوريون من نتائج هذه السيطرة خاصة ان علاقتهم مع حزب الله لم 
تكن على ما يرام في ذلك الوقتء فأنذروه بضرورة وقف إطلاق النار 
تحت طائلة توجيه ضربة عسكرية له» وفي محاولة منه لأحتواء الازمة 

118 


ومنع الامور من التفاقم. اتصل العلامة محمد حسين فضل الله برياض 
رعدء وطلب منه ابلاغ القيادة السورية بأنه في حال قام الرئيس حافظ 
الأسد بتقديم تطمينات لحزب الله بأن القوات السورية لن تتعرض له 
فإنه يكفل شخصياً دخول القوات السورية إلى الضاحية الجنوبية دون 
أي مشاكل. في اليوم التالي اتصل رياض رعد باللواء محمد ناصيف 
ونقل اليه تعهدات العلامة فضل لله الذي نقلها بدوره إلى الرئيس حافظ 
الأسد. وافق الأسد على استقبال وفد حزب اللهء وأبدى امامه حرصه 
على قيام افضل العلاقات بين سوريا 'والحزب"؛ وعلى ضوء نتائج هذا 
اللقاء قام الجيش السوري بالانتشار في الضاحية دون أي عوائق تذكر. 

لعب رياض رعد بالاشتراك مع "ابو وائل" دوراً في حصر 
ذيول الخلاف الذي نشب بين وليد جنبلاط وعبد الحليم خدامء والذي 
وصل إلى حد توجيه خدام تهديدات مباشرة لجنبلاط» وكان الخلاف قد 
بدأ اثناء زيارة كان يقوم بها وليد جنبلاط إلى طهران والتي تزامنت مع 
وجود نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام في العاصمة الايرانية في 
مهمة رسمية؛ وبمناسبة زيارة خدام إلى طهران اقام نائب الرئيس 
الايراني مأدبة عشاء دعي لحضورها وليد جنبلاط. في اثناء الحفل 
تطور مزاح بين عبد الحليم خدام وليد جنبلاط إلى مشادة عنيفة وكادت 
الامور ان تخرج عن السيطرة لولا تدخل نائب الرئيس الايراني وقيامه 
بمصالحة الرجلين. بعد عودة جنبلاط إلى بيروت نقل اليه مروان حماده 
تهديدأ من عبد الحليم خدام قال له فيه:" ان امنك كان من امن سوريا 
ولم يعد". وبعد ان وصله هذا التهديد اتصل وليد جنبلاط بالمقدم 
المتقاعد عدنان شعبان» وطلب منه ابلاغ رياض رعد بتهديد خدام له 
ودعوته للإجتماع به في المختارة. كان وليد جنبلاط في حال من 
التوتر الشديد عندما التقاه رياض رعد في المختارة» وبعد خروجه من 
عنده تعمد رياض رعد ألإدلاء بتصريح غمز فيه من قناة عبد الحليم» 
وقد كان هذا التصريح هو من التصريحات النادرة التى أدلى بها رياض 

119 


رعد خلال فترة عمله السياسي على مدى أكثر من نصف قرنء» وفي 
اليوم التالي توجه رياض رعد إلى دمشق لمقابلة "ابو وائل": للعمل معه 
على معالجة ذيول الخلاف بين وليد جنبلاط وعبد الحليم خدام؛ وفي 
طريقه الى دمشق توقف رياض رعد في عنجر لزيارة اللواء غازي 
كنعان؛ الذي قال له ضاحكاً: 'تصريحك حلو يا اخ رياض بس زيتها 
شويه على أبو جمال' (عبد الحليم خدام). استنكر اللواء محمد ناصيف 
تهديدات عبد الحليم خدام لوليد جنبلاط» وقام بابلاغها إلى الرئيس 
حافظ الأسدء الذي بادر على الفور إلى استقبال وليد جنبلاط؛ وحرص 
على تطمينه على امنه الشخصي مشددأ على الشراكة النضالية التي 
تجمعه بدمشق. لم تكن هذه المرة الأولى التي يبدي فيها الرئيس الأسد 
حرص سوريا على العلاقة مع وليد جنبلاط واهتمامه بأمنه الشخصي. 
ففي أحد المرات واثناء وجود رياض رعد في فندق الشيراتون في دمشق 
لحضور مناسبة إجتماعية» دخل وليد جنبلاط وطلب من رياض رعد 
ان يتحدث معه على انفراد» كان جنبلاط منفعلاً بسبب معلومات 
وصلته بأن هناك من ينوي اغتياله» وعلى الفور قام رياض رعد 
بالاتصال بمدير مكتب الرئيس حافظ الأسدء ونقل اليه مخاوف 
جنبلاط. وفي اليوم التالي استقبل الرئيس الأسد وليد جنبلاط بحضور 
رياض رعد واللواء محمد ناصيف.. واعرب له عن تقديره للدور الذي 
يلعبه زعيم المختارة» في مواجهة المشروع الإسرائيلي في لبنان. 

بعد اقرار اتفاق الطائفء بدأ البحث عن رئيس جمهورية 
جديد في لبنان يتولى قيادة المرحلة المقبلة» فاقترح رئيس مجلس النواب 
حسين الحسيني على القيادة السورية اسم النائب رينه معوض. كان 
رينه معوض يمثل رمزأ من رموز الاعتدال على الساحة اللبنانية» 
بالاضافة إلى أنه كان يتمتع بشعبية واسعة في مسقط رأسه زغرتاء لقي 
ترشح رينه معوض لرئاسة الجمهورية ترحيباً من القيادة السورية» والتي 
كانت تعتبره صديقاً منذ فترة طويلة. وكان رياض رعد قد التقى برينه 

120 


معوض في مكتب اللواء محمد ناصيف اكثر مرة قبل ترشحه لرئاسة 
الجمهورية؛ كما انه كان قد زاره عدة مرات في منزله برفقة الرئيس 
حسين الحسيني؛ وانطلاقاً من هذه المعطيات عمل رياض رعد بالتعاون 
اللواء محمد ناصيفء على اقناع الرئيس حافظ الأسد بتبني ترشيح رينه 
معوض لتولي رئاسة الجمهورية في لبنان. وبعد انتخابه رئيساً 
للجمهورية طلب رينه معوض من رياض رعد التردد عليه يوميأ في 
المقر الرئاسي المؤقت في الرملة البيضاء بين الرابعة والسادسة بعد 
الظهرء وذلك لإخذ رأيه في بعض القضايا السياسية» وكان رينه 
معوض خلال إجتماعته مع رياض رعد يبدي دائماً ارتياحه للدور الذي 
تلعبه القيادة السورية في تسهيل مهمته. 

بعد اغتيال الرئيس معوض عَقد إجتماع عاجل بين الرئيس 
حافظ الأسد ورئيس مجلس النواب حسين الحسيني؛ للبحث في اسم 
الرئيس الجديد الذي سيخلف الرئيس الشهيدء فطلب الرئيس الأسد 
إمهاله بعض الوقت للتفكير. خاصة ان القيادة السورية كانت ما تزال 
تحت تأثير صدمة اغتيال الرئيس معوضء لكن الرئيس الحسيني اصر 
على انتخاب رئيس جديد قبل دفن الرئيس معوضء عندئذ قال له 
الرئيس الأسد: 'نريد رئيساً على ضمانتك يا اخ أبو علي". فكان ان 
اقترح الحسيني اسم النائب الياس الهراويء فوافق الرئيس الأسد على 
الفور. 

وفي عام 2004 كان الخيار الأميركي الفرنسي هو الذهاب 
نحو افتعال ازمة مع سوريا عنوانها القرار 1559: وعلى ضوء هذا 
المشهد وجدت سوريا وحلفائها في لبنان ان الوقت الآن ليس لرئيس 
يحكم» بل لرئيس قادر على مجابهة التحديات القادمة» فطرح رياض 
زعد على "ابي وائل" فكرة التمديد للرئيس للحود كونه الشخص الانسب 
لمواجهة تحديات المرحلة القادمة» وافق أبو وائل على هذه الفكرة» وقام 
بمناقشتها مع الرئيس بشار الأسد الذي اقتنع بها. وكان اللواء جميل 

121 


السيد قد طلب من رياض رعد تعريف العماد اميل لحود عندما كان 
لايزال قائدأ للجيش على اللواء محمد ناصيف وذلك في خلال حضور 
العماد اميل لحود لمناسبة ذكرى اربعين باسل حافظ الأسد في اللاذقية» 
يومها لقي العماد لحود اهتماماأ خاصاً من القيادة السورية» لدرجة ان 
بعض القيادات اللبنانية الحليفة لسوريا اعاظها الأمر وعتبت على 
رياض رعد لقبوله طلب جميل السيد. 

علاقة رياض رعد الوثيقة بالقيادة السورية رغب أيضأ سمير 
جعجع بالاستفادة منها بعد خروجه من السجنء فأرسل بواسطة رئيس 
تحرير جريدة الانوار رفيق خوري؛ دعوة لرياض رعد لزيارته ولكن 
الأخير لم يلبها. 

©8988 

أن تكتب عن رياض رعد أيضاً لا بد من اكتشاف رجل يهوى 
الناس؛ ويتمنى أن يأتيه من يطلب خدمة في بيروت أو في دمشق؛ هو 
الرجل الذي كان ينقل «الحقائب السوداء» المحمّلة بالأموال» من أكثر 
من عاصمة عربية إلى رفاقه في «الحركة الوطنية» والحزب التقدمي 
مع ذلك بقي رجلا متواضعاً رافضاً ان يأخذ حصة أو سمسرة بالسياسة 
أو المال. أدمن رياض رعد المعارك الانتخابية الخاسرة. في البلدية 
والنيابة. لكنه رغم ذلك» صار أكثر من نائب ووزير ولو أن الغصة 


122 


ا الل | لسر ( سيت حا ا 


و جيهي امرضرة ررمي م ا مردة جعي ١‏ 


بيد سض وزيا حجان دسل طجبيل العم 0 م له ل 
تضيه لكرج لشفا ممما باينا سبع سي 2 ب شعنم لايد 
اكه ل بها مك حل مت العكري وي باو روا نوعب 

ا العم 4 ذف رسب عدا مح إك مائر شير عو شر ردي 2 


2 0م تنه _زكطر ل 
مال 5500 وسو رالمعريدٌ مل مشأ 


مضع | برط هم تلت 1 مرش سرغ عاصيك تشاى إل 6 3 


وير ا" مزراب + ١‏ 


ول وي 


32 


تاه وار لم عم ١‏ 
5 1 لوي المترب راروي للوب) 1 
م ررصعير / 
0 ري لمم م كي 0 2 
لناث نيما 0 ويئهة”* هن 
آل سبليف مويتعنه الال كَمْيك 


1 0 فلت لد ده ل 
و الرءي ْ 


3-3 فوكة ات 
الم بدي را ير رساحدما 2 059 





و 
١‏ درل درن سرام الهرات العر يبر , رالرسوغامة لك ' 
1 يي ا 
| اسف سم من سنا وساف حم حدم الم ل الطشا ال مسار را ف نوم مبريد ٠‏ 


سساو 2 55 تكر ّمت ف َس مرميراً ليسه خذاب 
صلم < نا هًَ زيفين العلماء ما حم 
/ 1 23220 الماة الورغؤ رخنت لمبما ف و 





8 وام ماد ذال تر را 
سق دتعاريتسو م رطيا كاذ لو ف هورم تريغ إلا لما امر 
سيم ذا اللا رنت عاج زب 2 


123 


سك 

ذا فشا ١‏ ا فاتك امل حبددا (الطوي من ا مول نر (لنيس حم > 1 نا س"رلطنا ذا" اعراد 
امد حقه مهبسوحنا مه سوريد افلصودة الأفيئ رما لظو ب دراي رمه 
عب( به اموركه ست دنا 500 

رس 1 غدل ور" شنيد 7 الخارتر لصي 3 

م بطر اف اش تصىء “برناً معراء ذى اتلك برعا تيز رفيك ررد ىالويسم 


مطاف اهمجن اك نشل سا صِص سو سكا نا ايوب ند جشت مصلم از 
لسبتب تراج يحهام2ة ركنا أن ا كعك بس * ماتعبد دار فوا دالىاير الجأ 


حمنة عل رمه ع (إطلائي بيه مرا لكر" للش دجيو لمم مل جرهم 
وف بشطيه ٠‏ وسرسط د عيبة ( ملكاءها لدايلك إمباء وي 
.ريك 


المتعب ع رجرة سرام مال عكري شي موك اكبر ب . ( د كيك”* 
خب زبظه لل ومة معفم السبؤه لدي متووه مطودج 
"امع ١‏ ل برا ليل ستيد عم مذ ” ا ءءء رلب تناه ١‏ 
سجر ول ممعه معلا مي ازع فرعن لامك العتريم (ى ا موب نهرا 1١‏ 


د ى نك إلا ذل رتك نحل عر عه اه الورب | مد را بعتا ررك 
عل نيا م صده المإد م امار شي ا مدهل 4 ل ّ 


و 0 
اج ما رارق مرسطا زرا لمن - رككم سا حبرم عه كننيد صذء لطر لد “' 
ايل زى اس رسطير يما ساك رب اامتبسى ١‏ مراك - نا ا 


ذا الكل الصيومت ني رك صم ١‏ بي ننده به الهم وما' مآ 


عد سد 


7 يفجنى؟ مة ا سكير ربا مايممل مر سيراك الا 





124 


3 

اي فى (يرايج عدد م انا عه سعاسا. عل موبيو: ذينا ل عرمان 
إلو . الرل ع لما ن) قيدا ف ا . 5-3 

ننس را م : د : فب فبمةم | لمعب بِيدم »2 


مل هه 
١‏ شنال عبود ٠‏ 7 
ناك يي إ رذ د مد جم مشكزع (كل فيو ٠‏ وريم مزه ١‏ لشك 2 
6 إوضاء 3+ رسقدر"ل 


ادر ويلمسب كليل كر التعردة ١‏ مارت 
بار الركة لتصع بهت ]| 1 : 
* ررم ل روريا نع سيم وجبم | للها لع الوعيسة »مط مم 
ريه حوررعع ررك دز د فلم اكو ؟ : 


- ياماعة 
نا ناسه ١‏ ذفعل ما يليم رزلا شيلع 


نيليه سأيه سف 
17 مره (اكبرست (فامائف فت 

2 ل دكء 

5 وزدر للى* 5 






رع رفع رابع رمعا بيه ريص / سم يكيتعنول مساب جم طاو 
ون عا لي سه حعير لكفجه له ل رهها - للعردة إل حطن الوصة 
ررريرزء بوتحويخلها اع مقاره عومسم مشعءئ ( غاديج. لو نتوناك- 
]عي ور صر ريع تمططقط ستو خم ررم للتصيم . 

ا : !وض لوسل كل بع يغ أي زاءار رن ل صنص) لبها ته 
مسن سل لك الطالدمٌ ردي السرسء سه لنبان ٠‏ رمد 2 
رجيهها الها ن نواء,ءٌ را سس غمديا مسا حا مدنا رنب لله 


ند حهكاهر ع لكم نت /كر-؟ * 
ا شاث ماعنا عرئي عل عضرا الريتة الف ديب مالع هذا ىر 
1 بيه مدا شل دول ملم عن بطاعائق الالو رالننطيت اما 2 م 
م1 ا 0 
: 2 5 الف 0 م نوم الوسر نج 
لحي نقاء القلل لفق بل را رماث | لقم موسر قير رما الل 








125 


ل 
دن سو رن المعو ندل مسا التربيح ١‏ اله 0 
سناد ضيح الم ناشم 5 ف 577 الم ال 9 
ورف رقي هشرع اليبود ما م موسرم دوم ان 
0 0 1 ب إر ني ريح تنا لط 0 
0 0-6 إربكر معرلة لها لطس راس عير ١‏ ص 


رن د كنا سرلا العرب ِ 2 
0-0 النهالا 
رمزحام من حول م كل س؟ ع كاعري نوت القاء ص 00 

سس وا الما بن الذي ترم * ا رنتفه سه سه الغرل اتقو 
الوه كر : : رما واتعاصزسا لعلذ. 
را مص العسي ف إوفء افلا 2 [التعصية بر عت 2 0 
اكاب ءَ يي لا اليا © لز عن سس م لا الاجر رتععدء داعبا" مم 


ده 
ور 8 عي ١‏ لكأرارست د 





لاد دربة علج امزار 
1 لم باغلا 2 





126 


ل 


كك 
رضجور 
1 و رطنابيا 6 
أن ريسم زكر سكسا لطي اضيرم الي لاعت 0 
دبا د عثر بابر ونا عد معلرياح> عريا نكوو ' 
روب لانعنا ل ل ا 


السلا ءاس ٠‏ 
الر ني مع وهر بطل للعَدٍ 2 ماسر به ب اعم كبا مرا لشاعك ا 
| نَمل ملعيل للها بع اي ارب 5 
لاد امرعا نع عل اماد مرا رميز ا لي لجاع د جانع دمع براك ا 
- راننا البي) بعد اللو ا 
6 لود ريم ٍ- 0 
ر ١لا‏ ف نه هن ىكزا اذام و فى طبرت للا ب مسر رط '. 
امسر ١‏ سمه » هرير رموغ راصعا ( لع سبدعل لال . اليه ا 7 
مسوم إؤدرى لقال ته ) < ناض المرا د الوسبم سل م1 
سع الام سخزرعم' ب وكام راصال العولة رنباءا يم الذكرم © إى دفص تبر" 
١‏ لسع ماما ل > #لاتصتيت ريما أ نلا دسل ءة ال مما علا و ؤ//ما لل ع حك ! 4 ا جزسع 
نزئانة الموله القارز لع » زد أء منا امنا هل وسيم طاصحطا كر سكن 
لوطا ام رودنم مث ننطيه اليه ا موسا جا" الزر ي وصتون عذهم 
ع دحي 6ل امسا وير الوم ز ف اللئية عي لرنالذ بمنص رس تريس / 2< 
و مراك انك الال رزنر لحي 
جه اش اه . : العا 
نائ ١‏ 50015" وو دوه رن 
وم . نا كترجه ثرله "رهديدة ااا عدا 2 
الي لك ليك الرفة ها ذل 


127 


يبك 

كات يمنا ا من ,سسلى / سي ف رآدنم اك إى مترد ا مطد امأ 
للد قي وده لنقن جما صب نتراحرا“ 3 ىا رلرء ارر صا المريان 
لذعي سسلها لكلل ما . 1 الى ليه 2 
١ 0‏ وى لعزي تكو نة عع ةف و اشنابت ك3 
رحبةسا الج للهلا ت برئك,ء والكوررة » سراما , له | نفل سمل هرا ممصا 
ؤس اكالم هبي دعرد لودل م2 مه برلييك كيز ر اليل إل الام : 
راا م عا اي يبوزع اسع ء حذلك ته مدر عا ) معي] خم 

| لسر + ار رف يوبا سه راسد دسم راختغر م اها رء سوا خا . 

1 هري ا يجيي - بيس المعرسا لومم من انف (كه ميت دا مقتكيش ء رباكا« 
التمايب كام فلم م + نود الور امام (كل النحع . 

مجر دمن معلوسامن| اع كيل معوية رانكثائب ْله بهد باون 


عد لقثم حاير عد (رلئزا) كد مراع: عع » رمد سالففاد 
20 






لط كل » لنسر 2 (لاذ ال 
عه ”دعل ل اك صنغا رك ٠‏ وكسهب 


128 


ها. 

ال ولك مك ص ع غائد اش حهنا سعيه 4 در سنا ام 
لمي اليه برلصى وميلش مسصسهف 1/1 قل الأب الرشززا از 
دتعف (/ 4[ فيس ا هب علر به لاوط , ؛ بي ٠‏ 

ساضا )اناده النهل © للك ال انتيرق سوط اد الك |الرطشع »رادا رم 
زنا ليها مر ناد واسداصة » ( ىل يسكرتناحببس] ويد حيرا ايف 2 
الس وهنا الي اانا 2ح توصي وحم ءا عانه مو الادر 
سم لاط ابد رصطنا [ لير . 

سا بذ ١‏ العامة اشع اكد الونع واجرس عل للا طبع مد مغترس 
را مداه لنادي عَود دطاع يإ مال ا منارت إك سا برية سحا ملخوا ما 
سد محبعه ذ 9 !: نم الفا امريرسيه 1 اف إل الفغط مويل 


رز جل ونوا عا ند مئاورعرة لله رلعيه] جبعاءة نكا 
أماصله لذ متي رسام © د الوق عو انيد نأساممي ا 


لان . 8 
د بآ زدلاء نامعو ادا ليت 
0 لدانلا سي ِ َعم باك 


ونع مناعهأ ها حي ا موك رار إ سا ١‏ الر؟ ٠‏ 
مزالي مإضافرنا ودين رون الل ننرري م إى "الب 0 00 
يفال م شرك الأمنة كيضري ما جرال ره بلك 


| و عر اليررك الوسع زهغط » ,ملم 


رهزهد 
ا كد نيجه اللثك > صل التاجبل اروز علره 4 


ام المريه 2غ 


129 


َب ازيم مر ديزا عنما مجر ل بالنابهيك ٠‏ 7 
ةنا سنشه و ونا 22 خوت”*ة ابر 2 اجْرا نا ردنا مناراك دمي دهي 
لا رناء سَن مده كل ل كز عل جره ماهد *ءبا كه من التصيئية 
رمع ا لمر ٠‏ الحرعث العقاب جيم نك ع مشاوعة لطت ' 
(لى] ما عد الزم كيم ؛ راحراة | دمر ويم ء وا ماهم المنع يف 1ل / 
0 / 3 5 585 97 7 م . 
اي مالرء رما] لزن لذ ديضعنا المضك ذإ يا دعر أ 2 لوي ادم 
2 5 ص 
لس مما 
رغ على فصر أ 1 ميزه الملواطل را/هو) ي اليا ركيم ا 
001 0 2 0 : 
لوقيي لا كم دعر 2 دعق لخاة ف سوشس را ء رانناءة للاممر” 
ليد راحب > يله زر ١‏ صياءت ماحمة كم [ لما فل . 


و 
ا 


و١‏ سيلها مر سيا د ف مله اف هيراس راعثرا دنا 


للا 


130 


احمد الخطيب ظلمه 
الجيش واضطهدته 
السياسة فمات قبل أن 





الدخول إلى المدرسة الحربية 

لعل اكثر المشاهد رسوخأ في ذاكرة احمد الخطيبء وهو لا 
يزال طفلاً في السادسة من عمره هو مشهد النازحين الفلسطينيين عام 
8ه وهم يتدفقون إلى بيروت تحملهم الشاحنات بعد ان اضطروا 
للرحيل مكرهين عن فلسطينء هربأ من المجازر التي ارتكبتها بحقهم 

لم يختلف احمد الخطيب في بدايات وعيه السياسي» عن 
الكثير من الشباب اللبناني عامة والمسلم خاصة في الانجذاب إلى تيار 
الوحدة العربية الذي كان يتصدر قيادته الرئيس جمال عبد الناصر. في 
شهر تشرين أول من العام 1965 تقدم احمد الخطيب للتطوع في 
المدرسة الحربية بصفة تلميذ ضابط» يومها كان الدخول إلى المدرسة 
الحربية يتطلب اجتياز حاجز الرشى المالية التي كانت تفع لبعض 
الضباط من اعضاء اللجنة الفاحصة: اما هو فلم يكن بحاجة إلى دفع 
رشوة كونه كان يتكل على نفوذ عمه النائب انور الخطيبء الذي كان 
عضواً في كتلة جبهة النضال الوطني التي كان يرأسها كمال جنبلاط: 
في مساعدته في الدخول إلى المدرسة الحربية. 

131 


في الأول من آب عام 1969 تخرج احمد الخطيب من 
المدرسة الحربية» ليُشكل بعد ذلك إلى قيادة موقع بيروت. فرح احمد 
الخطيب بهذا التشكيل والذي كان من شأنه ان يبقيه قريب من منزله في 
بيروت؛ لكن فرحه هذا لم يدم طويلاً . فقبل يوم واحد من التحاقه 
بمركز عمله؛ تدخل الشيخ بيار الجميل وضغط على المعنيين في قيادة 
الجيش؛ من اجل احلال ضابط موال لحزب الكتائب مكان الملازم 
احمد الخطيب في قيادة موقع بيروت فاستجيب لطلبه وجرى نقل 
الملازم احمد الخطيب إلى ثكنة بعلبك» حيث غين مدربا للرياضة 
والرمي. 

كانت عمليات 0 في ثكنة بعلبك مرهقة وشاقة؛» وكانت 
تبدأ عند الخامسة فجراً ولا تند تنتهي قبل السابعة مساءء مما جعل احمد 
الخطيب يصاب بارهاق شديدء حتى انه كاد ان يفقد وعيه في أحد 
المرات. لم تقتصر معاناة احمد الخطيب في ثكنة بعلبك على التعب 
الجسدي فقطء بل تعدتها أيضأ إلى الارهاق النفسي الذي عاني منه 
بسبب ممارسات النقيب ش. م. الطائفية بحقه» والذي كان يتباهى امام 
الضباط والجنود بدوره في قصف منطقة البسطة أبان احداث عام 
98. 


صائب سلام يتصل باحمد الخطيب 

في شهر شباط عام 1972 حاولت قوة إسرائيلية الدخول إلى 
الاراضي اللبنانية في الجنوب؛ فتصدى لها الجيش اللبناني ودارت 
معركة بين الطرفين اصيب خلالها احمد الخطيب بجرح طفيف في 
رجله قام بمعالجته بنفسه في ارض المعركة» حاولت الحكومة اللبنانية 
انان أسبارة الحيد الخطيب من أجل اظيا :نفسها يتين المتكوية 
جدياً في المعركة ضد إسرائيل؛ فاتصل به رئيس الحكومة صائب سلام 
وهنأه على مواجهته للعدو؛ وجرى توزيع خبر الاتصال على الوكالة 

132 


الوطنية للاعلام؛ كما اذيع أيضأ في نشرة اخبار تلفزيون لبنان . بدورها 
اقترحت قيادة الجيش على احمد الخطيب الظهور على التلفزيون 
والادعاء بأنه قد اصيب اصابة بالغة في المعركة» وذلك بعد تضميد 
اجزاء من جسمه بشكل وهمي. لكنه رفض السير في هذ الكذبة. بعد 
هذه المواجهة مع الجيش الإسرائيلي منحت قيادة الجيش احمد الخطيب 
وسام جرحى الحربء, فكان من من القلة الذين حصلوا على هذا الوسام 
عن جدارة» بعد ان كانت العادة هي فبركة انجازات على الورق 
للمرشحين لنيل هذا الوسام كما حصل مع الضابط 'س. ف" الذي 
جرى الادعاء من اجل تبرير منحه هذا الوسام بأنه قد اصيب اثناء 
تصديه للقوات الإسرائيلية الذين دخلت إلى شارع فردان عام 1973 
وقتلت عدد من القادة الفلسطينين. في حين انه كان معروفا للجميع ان 
الإسرائيليين لم يواجهوا أي مقاومة خلال عملية فردان. 
الحرب الأهلية: اعلان جيش لبنان العربي 

في بدايات عام 1974 انتقل احمد الخطيب إلى قيادة منطقة 
البقاع العسكرية في تكنة ابلح» يومها كانت الحرب اللبنانية على شفير 
الانفجار خاصة بعد ان وصل التوتر بين الاحزاب اليمينية من جهة 
والمنظمات الفلسطينية واحزاب الحركة الوطنية من جهة أخرى إلى 
ذروته؛ وكانت الاحزاب اليمينية تلقى دعم الجيش اللبناني في صراعها 
مع الفلسطينيين» والذي كان يرسل عدد من ضباطه للقيام بتدريب 
عناصر حزبي الكتائب والاحرار على استعمال السلاح, كما عملت 
المخابرات اللبنانية على تسهيل دخول البواخر التي كانت تحمل 
الاسلحة إلى الاحزاب اليمينية إلى مرفأي الاكوامارينا وجونيه» وفي 
تعبير واضح عن مساندة الجيش للاحزاب المسيحية في صراعها مع 
الفلسطينيين» القى العقيد هاني عباس محاضرة في وزارة الدفاع قبل 
اندلاع الحرب الاهلية؛ قال فيها: "ان الجيش غير قادر على حسم 

133 


المعركة مع الفلسطينيين لاعتبارات طائفية» لذا يجب دعم الاحزاب 
اليمينية بالاسلحة والعتادء للقيام بهذا الدور". 

عام 1975 انفجرت الحرب اللبنانية» ووصلت نيرانها إلى 
منطقة البقاع» فأصبح هناك خطوط تماس بين زحلة التي كانت تحت 
سيطرة مليشيات الجبهة اللبنانية» وحوش الأمراء التي كانت تخضع 
لنفوذ الاحزاب اليسارية. وفي محاولة لضبط الوضع قام الجيش اللبناني 
بإرسال قوة من المدرعات بقيادة الملازم أول احمد الخطيب قامت 
بالتمركز على الخط الفاصل بين زحلة وحوش الأمراءء كما جرى 
تكليف احمد الخطيب بمهمة ضابط ارتباط في البقاع. في هذا الوقت 
طلب قائد منطقة البقاع "العقيد انطوان لحد' من الملازم أول احمد 
الخطيب الدخول إلى بلدة حوش الأمراء وتجريد المسلحين الفلسطينيين 
من اسلحتهمء لكن اهالي حوش الأمراء اعترضوا على هذا القرار وطلبوا 
من الملازم أول احمد الخطيب الدخول إلى البلدة وحده للتأكد بنفسه من 
عدم وجود مسلحين فلسطينيين في بلدتهم. بعد انتهاء جولته داخل 
البلدة قام احمد الخطيب بابلاغ قيادة منطقة البقاع بأنه لا وجود 
لمسلحين فلسطينيين في حوش الأمراء وبالرغم من ذلك فقد تعرضت 
البلدة للقصف بمدفعية الجيش اللبناني وكان المسؤول عن هذا القصف 
هما الرائد نبيه صهيون والنقيب طارق نجيم واللذان كانا معروفان 
بانحيازهما إلى حزب الكتائب وما لبث هذا القصف ان امتد ليشمل بلدة 
سعدنايل. 

كان الملازم أول احمد الخطيب اثناء وجوده في ثكنة ابلح 
يراقب بمرارة شاحنات الذخائر والاسلحة وهي تخرج من الثكنة وتتجه 
لأفراع حمولتها في مخازن السلاح التابعة لحزب الكتائب في زحلة 
فكانت ردة فعله هي انه راح ينقل الاسلحة بسيارته من ثكنة ابلح إلى 
مسلحي الحركة الوطنية في البقاع» مما اثار استياء العقيد انطوان لحدء 


134 


فأصدر امرأ بانهاء مهمة احمد الخطيب كضابط ارتباط في البقاع. 
ادى قرار انطوان لحد الى تصاعد حدة الخلاف بينه وبين احمد 
الخطيب الذي كانت ردة فعله هي انه طلب من عناصره المرابطة على 
باب الثكنة» ومنع أي شاحنة محملة بالاسلحة من الخروج منها. وبغية 
التخلص من أحمد الخطيب اصدر لحد قراراً بنقله إلى منطقة القطاع 
الشرقي على الحدود مع فلسطين المحتلة. لم يقطع إنتقال احمد 
الخطيب إلى القطاع الشرقي صلته بما يجري من احداث في البقاع. 
فبعد ان وصلته اخبار المجزرة التي ارتكبتها قوة من الجيش اللبناني 
بقيادة الملازم أول يوسف الطحان في بلدة حوش الأمراء بالتعاون مع 
حزبي الكتائب والاحرار والتي ذهب ضحيتها حوالي ثلاثين مدنياً بينهم 
شخص من آل عنتبليء لم يشفع له تعامله مع المكتب الثاني بإنقاذه 
من القتل» قرر القيام بعملية تمرد داخل الجيش اللبناني. وكان نائب 
قائد منطقة البقاع المقدم ميشال خوري؛ قد عمد إلى تضليل عناصر 
القوة التي شاركت في الهجوم على حوش الأمراء» وذلك عندما اعلمها 
بأنها ذاهبة إلى منطقة المصنع لمقاتلة السوريين» وعندما وصلت إلى 
بلدة "دير زنون'طلب منها تغيير وجهة سيرها باتجاه حوش الأمراء. 

بدأ احمد الخطيب الاعداد لانتفاضته داخل قيادة الجيش 
بالإجتماع إلى القيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي الامير طارق 
شهاب في سرايا "آل شهاب" في حاصبياء حيث افصح له عن نيته 
بالتمرد على قيادة الجيش» وطلب منه تأمين الدعم له اثناء عبوره إلى 
منطقة المصنعء وكانت فكرة الانتفاضة قد راودت احمد الخطيب للمرة 
الأولى في اعقاب اقدام الشعبة الثانية على تصفية الملازم 'طارق 
مومنه"؛ بسبب موقفه المعارض لسياسة قيادة الجيش المنحازة للقوى 
اليمينية. 

ليل 1976/1/21 كانت خطة التمرد التي وضعها احمد 


135 


الخطيب بالاشتراك مع بعض الضباط في ثكنة مرجعيون قد اكتملت. 
عند الساعة الثانية العشرة من منتصف الليل توجه احمد الخطيب إلى 
حاجز الجيش اللبناني عند مفرق الخيام مرجعيون حيث كان يتمركز 
فصيل بقيادة الملازم معين حاطومء الذي وافق على الانضمام إلى 
حركة التمردء وطلب من عناصره التوجه مع آلياتهم الى حاجز نهر 
الحاصباني» حيث كان ينتظرهم احمد الخطيب مع ثمانين عنصرا 
وسيارتي لاندروفر وثلاث دبابات 81/(6: ومن هناك تابع الجميع 
طريقهم إلى منطقة المصنع. 

ما لبثت اخبار التمرد ان وصلت إلى قائد منطقة البقاع العقيد 
انطوان لحد فأصدر امرأ إلى دبابة كانت تتمركز عند حاجز ضهر 
الاحمر في منطقة راشيا بقصف المتمردين» ولكن رامي الدبابة "الرقيب 
عبد الغني سويد" رفض تنفيذ الأمر مما سمح للمتمردين بمتابعة 
طريقهم باتجاه حاجز راشيا الوادي» حيث انضم اليهم مسؤول الحاجز 
الملازم عمر عبد الله مع عناصره؛ء وذلك بعد ان علم ان قائد التمرد هو 
ابن بلدته 'شحيم” الملازم أول احمد الخطيب. وقبل وصولهم إلى 
المصنع سيطر المتمردون على مركزي الجيش اللبناني في عين عرب 
وبيادر العدسء ولكن الضابط المسؤول عن هذين المركزين استطاع 
الفرار؛ واتصل بالعقيد انطوان لحد الذي اصدر امرا إلى قوة الجيش في 
منطقة السلطان يعقوب بالتصدي للمتمردين بكافة انواع الاسلحة» لكن 
امر المركز الرقيب 'ابراهيم مغبط"» رفض تنفيذ الأمرء بعد ان اقنعه 
أحد مسؤولي حركة فتح المدعو "ابو خالد دعاس", بالانضمام إلى 
حركة احمد الخطيب. ومع وصول المتمردين إلى حاجز كفرزبدء كان 
عددهم قد بلغ حوالي المئة والعشرين ضابطاً وجندياأ وهناك وجدوا القائد 
الفلسطيني "أبو جهاد" (خليل الوزير) بانتظارهم حيث نقل إلى احمد 
الخطيب طلبأ من ياسر عرفات بالتوقف عن متابعة الطريق إلى ابلح 


136 


وذلك بعد ان وصل وفد عسكري سوري برئاسة العميد "علي المدني' 
إلى منطقة المصنع وهو يحمل معه طلبأ إلى القيادة الفلسطينية؛ 
بالوقوف بوجه حركة احمد الخطيب ومنعها من التمدد أكثرء وكان 
تحرك السوريين قد جاء بعد اتصال اجراه الرئيس سليمان فرنجية 
بالرئيس حافظ الأسد ناشده فيه التدخل لوقف حركة التمرد التي يقودها 
احمد الخطيب. 

استجاب احمد الخطيب لطلب "أبو جهاد" وقرر التوقف في 
منطقة المصنعء واثناء توقفه في المصنع وقع حادث دام إثر اشكال 
بين مرافقي وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام ومواطنين لبنانيين 
كانوا يحتفلون على الطريق العام بانتفاضة احمد الخطيب وادى مقتل 
اربعة جنود لبنانيين كانوا في عداد موكب عبد الحليم خدام؛ وبعد 
وصوله إلى دمشق اعلن عبد الحليم خدام ان الحادث كان مدبراً وبقصد 
اغتياله» مع العلم ان سيارته كانت قد عبرت الحدود قبل حدوث إطلاق 
النارء وبغية تخفيف الاحتقان مع دمشق توجه احمد الخطيب في اليوم 
التالي إلى دمشق وأبدى تأسفه للمسؤولين السوريين لما جرى مؤكدا لهم 
بأن الحادث لا خلفية سياسية له. لكن القيادة السورية لم تقبل الاعتذار» 
وطلبت من ياسر عرفات اتخاذ موقف متشدد من احمد الخطيب وكان 
هدف السوريين من تضخيم الحادث هو الضغط على الفلسطينيين من 
اجل دفعهم إلى ضرب احمد الخطيب وجماعته؛ لكن الفلسطينيين كانوا 
مدركين للنوايا السورية» فحاولوا معالجة الموضوع على طريقتهم؛ فطلب 
أبو جهاد من احمد الخطيب الادلاء بإفادته حول الحادث امام قائد 
جيش التحرير الفلسطيني العميد مصباح البديري» رفض احمد الخطيب 
طلب أبو جهاد في البداية ولكنه عاد ووافق عليه بناء على الحاح 
الاخير. في مكتب حركة فتح في "تعلبايا شعر حمد الخطيب ان 
مصباح البديري يحاول ان يدفع الامور نحو التصعيد وذلك من خلال 


137 


محاولته تصوير الحادث باعتباره مدبراً. بعد اعطائه لأفادته امام 
"مصباح البديري" عاد احمد الخطيب إلى منطقة المصنع» حيث وجد 
أبو جهاد بانتظاره» والذي طلب منه التوجه إلى شتورة» لتقديم افادته 
مجدداً امام العقيد في الجيش السوري الياس رزق. كان واضحأ من 
خلال حديث الياس رزق ان السوريين غير موافقين على حركة احمد 
الخطيب, وانهم يريدون خنقها في مهدها وخاصة بعد ان دعا قائد 
المخابرات الجوية السورية اللواء ناجي جميل إلى اعدام احمد الخطيب 
متهماً اياه بمحاولة زج سوريا في معركة مع إسرائيل ليست جاهزة لها 
بعد. في ذلك الوقت كان الفلسطينيون قد لمسوا وجود حالة شعبية 
مؤيدة لأحمد الخطيب في منطقة البقاع: فقرروا الاستفادة منها فطلبوا 
من احمد الخطيب الإنتقال مع عناصره إلى قرية الروضة في البقاع؛ 
حيث قاموا بوضع حواجز حول اماكن تمركز عناصره وذلك بهدف 
تقييد حركتهم؛ وفي اليوم التالي جرى الاعلان رسمياً عن قيام جيش 
لبنان العربي. 

بعد مرور حوالي الشهر على اعلان قيام جيش لبنان العربي» 
بدأت ثكنات عديدة تابعة للجيش اللبناني تعلن انضمامها إلى احمد 
الخطيبء فاعلن الملازم أمين قاسم من ثكنة بعلبك تمرده على قيادة 
الجيش وانشاء 'قوات الليطاني" والتي عادت والتحقت بجيش لبنان 
العربي. بعد ذلك جاء دور الرائد احمد معماري الذي اعلن بعد سيطرته 
على ثكنة عرمان في الشمال انضمامه إلى جيش لبنان العربي؛ بدوره 
اعلن الرائد احمد البوتاري في مؤتمر صحافي تسليم ثكنة محمد زغيب 
في صيدا إلى جيش لبنان العربيء» بعد ذلك قام الرائد فايز حلاني 
بإسقاط ثكنة ابلح من الداخل واعلن تسليمها إلى جيش لبنان العربي, 
وما لبثت حركة احمد الخطيب ان وصلت إلى بيروت؛ فأعلن عناصر 
ثكنتي الامير فخرالدين وبشير انهم أصبحوا في عداد قوات جيش لبنان 


138 


العربي. اما في الجنوب فقد شهدت ثكنة مرجعيون انقسامأ حول حركة 
احمد الخطيبء ففي حين اعلن الضباط والجنود المسلمون وقوفهم مع 
جيش لبنان العربي؛ فضل الضباط والجنود المسيحيون الخروج من 
الثكنة واعلنوا قيام 'تجمع عسكربي القليعة' بقيادة الملازم أول غسان 
الحمصيء وكان قائد ثكنة مرجعيون المقدم نايف كلاس قد قام قبل 
خروجه من الثكنة بنقل اسلحتها الثقيلة إلى خراج بلدة القليعة القريبة 
من الحدود مع فلسطين المحتلة. 

بداية سارت العلاقة بشكل جيد بين جيش لبنان العربي وتجمع 
عسكريي القليعة والذين كانوا يقبضون رواتبهم بواسطة جيش لبنان 
العربي» الذي كان يتولى احضارها لهم من المصرف المركزيء ولكن 
هذه العلاقات ما لبثت ان بدأت بالتوتر بعد ورود معلومات عن 
تحضيرات يقوم بها تجمع القليعة» لمهاجمة ثكنة مرجعيون» وتحسباً 
لهذا الأمر اقترح بعض ضباط جيش لبنان العربي على احمد الخطيب 
القيام بضربة استباقية واحتلال بلدة القليعة» لكن احمد الخطيب لم 
يوافق على هذا الاقتراح؛ لثلا يكون ذلك سببأ في قيام عناصر تجمع 
القليعة بطلب الحماية من إسرائيل. ليل 1976/11/18 بدأت عناصر 
تجمع القليعة هجومأ على ثكنة مرجعيون من الجهتين الغربية والجنوبية 
وبعد أن احتلتها اقدمت على تصفية 36 عسكرياً من عناصرهاء بدم 
بارد وقامت بدفنهم في بلدة الخربة» والتي أصبحت تعرف لاحقاً 'ببرج 
الملوك". 
مقابلة الرئيس حافظ الأسد 

بعد سقوط عدد كبير من تكنات الجيش اللبناني بيد جيش 
لبنان العربيء بدأ السوريون يغيرون من طريقة تعاطيهم مع احمد 
الخطيب ويعبرون عن رغبتهم بلقائه» وعلى ضوء هذا المشهد نصح 
ياسر عرفات وابراهيم قليلات احمد الخطيب بزيارة دمشق ومحاولة 

139 


الاستفادة من اجواء توحي بإمكانية قيام تعاون بينه وبين المسؤولين 
السوريين. في 1976/3/11 توجه احمد الخطيب إلى دمشق لمقابلة 
رئيس اركان الجيش السوري العماد حكمت الشهابي» حيث وجد في 
استقباله أحد الضباط الذي ابلغه بأن رئيس المخابرات العامة اللواء 
علي دوبا سيحضر لمقابلته. بعد اكثر من سبع ساعات قضاها احمد 
الخطيب في الانتظارء حضر اللواء علي دوبا للقائه» والذي استهل 
حديثه مع احمد الخطيب؛ بسؤاله عن ,أيه بالعميد عزيز الاحدب. 
فسكت احمد الخطيب ولم يجب فهو لم يكن قد علم بعد بالانقلاب 
التلفزيوني الذي قام به العميد عزيز الاحدب, والذي تزامن مع وجوده 
في هيئة الاركان السورية. فأكمل علي دوبا حديثه قائلاً: 'لقد قام العميد 
عزيز الاحدب بمحاولة انقلاب اليوم بدعم من ياسر عرفات وان الهدف 
الاساسي من هذه المحاولة هو قطع الطريق عليك. فرد احمد الخطيب 
بتذكير على دوبا بالخطاب الذي القاه عزيز الاحدب في زحلة عام 
4 وعلن فيه ان الجيش اللبناني قادر على احتلال دمشق خلال 
4 ساعة. اثناء الحديث وصل رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ ناقلاً 
إلى احمد الخطيب رغبة الرئيس حافظ الأسد بلقائه. حاول الرئيس 
الأسد اقناع احمد الخطيب بفك تحالفه مع الحركة الوطنية والمقاومة 
الفلسطينية والتعاون مع الجبهة اللبنانية فطلب احمد الخطيب مهلة 
للتفكير بالموضوع ولكنه كان بينه وبين نفسه قد قرر سلفاً عدم الموافقة 
على هذا الاقتراح. 

كان هدف ياسر عرفات من دعم حركة عزيز الاحدب. هو 
قطع الطريق على العميد احمد الحاج الذي كان يستعد للقيام بحركة 
انقلابية على الرئيس فرنجية بدعم سوريء؛ وعندما سأل احمد الخطيب 
ياسر عرفات عن السبب الذي دعاه إلى تقديم الرعاية للعميد عزيز 
الاحدب اجابه: “أن عزيز الاحدب هو افضل من احمد الحاج". 


140 


من جهته رأى احمد الخطيب ان مصلحة جيش لبنان العربي 
هي في الوقوف إلى جانب عزيز الاحدب في مطالبته باستقالة الرئيس 
سليمان فرنجية» ولاسيما ان جيش لبنان العربي كان له نفس المطلب 
أيضاًء وعلى هذا الاساس عُقد لقاء بين العميد عزيز الاحدب واحمد 
الخطيب تم فيه الاتفاق على التعاون من اجل اسقاط الرئيس فرنجية. 
بعد ذلك راح العميد عزيز الاحدب يوجه الانذارات للرئيس فرنجية 
بضرورة الاستقالة» ولكن هذه الانذارات بقيت نظرية فقط, وذلك بسبب 
عدم امتلاك عزيز الاحدب للقوة العسكرية الكافية التي يمكن لها اجبار 
الرئيس فرنجية على الاستقالة. 


من قصف القصر الجمهوري؟ 

بعد ان رفض الرئيس سليمان فرنجية العريضة النيابية التي 
تطالبة بالاننتقالة؛ كرن جيش لبدآن الغردى القيام بعسلية :عسكريَة ضد 
القصر الجمهوري؛ فتحركت قوة من ثكنة محمد زغيب في صيداء بقيادة 
الرائدين يعقوب ضاهر وحسين عوادء وعندما وصلت إلى خلدة تصدت 
لها عناصر تابعة لتنظيم الصاعقة الموالي لسوريا ومنعتها من اكمال 
طزيقهاء وفى:الفينالوقت .ولت قرة تابعة لجيكن البدانا العربئ بقيادة 
احمد الخطيب الى مفرق المديرج قادمة من البقاع حيث وجدت 
بانتظارها قائد قوات المغاوير في ثكنة حمانا النقيب سمير الاشقرء 
الذي اشترط على احمد الخظيب الدخول وحده إلى ثكنة حمانا وافق 
احمد الخطيب على هذا الطلب وعقد في ثكنة حمانا إجتماع ضم 
الملا أل اخند- العطلرب: والتقيب”نتسين. الاق :والنقيب : مول 
حاكمة» جرى خلاله وضع خطة لاحتلال القصر الجمهوري» لكن 
النقيب الاشقر طلب التريث في تنفيذ العملية» حتى يتسنى له اقناع 
اهالي الكحالة بفتح الطريق امام القوة التي ستزحف على بعبداء وفي 
اليوم التالي عاد الاشقر ليبلغ المجتمعين ان اهالي الكحالة اشترطوا 

141 


لفتح الطريقء ان يقوم المغاوير وحدهم بالعملية فوافق احمد الخطيب 
على هذا الشرط وبدأ الاعداد للعملية. في هذه الاثناء كان الملازم أول 
كمال الاعور المقرب من الحزب التقدمي الاشتراكي يسعى إلى انشاء 
تكتل عسكري درزي في ثكنة حماناء الأمر الذي اثار قلق احمد 
الخطيب لكن النقيب سمير الاشقر طمأنه إلى ان الامور تحت 
السيطرة» وبغية تعزيز فرص نجاح خطة اقتحام القصر الجمهوري 
طلب قائد جيش لبنان العربي من مساعد قائد منطقة جبل لبنان 
العسكرية العقيد رؤوف عبد الصمد تأمين لقاء له مع كمال جنبلاط 
بهدف اطلاعه على ما يجري من استعدادات للدخول إلى بعبداء وفي 
رسالة انذار للرئيس فرنجية بوجوب تقديم استقالته طوعاً اطلقت مدفعية 
جيش لبنان العربي عدداً من قذائفها على محيط القصر الجمهوري. مع 
اكتمال الاستعدادات لأقتحام قصر بعبداء برز فجأة تطور دراماتيكي 
تمثل في ذهاب العقيد عبد الصمد سرا إلى قصر بعبدا حيث ابلغ 
الرئيس فرنجية بما يدبر ضده. وبالرغم من نفي العقيد عبد الصمد أن 
يكون قد ذهب بعبداء فان بعض ضباط ثكنة حمانا أكدوا انه قد ذهب 
بالفعل. لم يكن ذهاب العقيد عبد الصمد إلى بعبدا هو الخرق الوحيد 
الذي حدث لخطة اقتحام القصر الجمهوري. فأثناء توجه احمد الخطيب 
وسمير الاشقر لمقابلة كمال جنبلاط في عاليه علم النقيب سمير 
الاشقر بأن عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي قد دخلوا إلى ثكنة 
حمانا بتسهيل من الملازم أول كمال الاعورء وقاموا بإفراغها من 
محتوياتها فقرر عندئذ التراجع عن اقتحام القصر الجمهوري معللاً 
اعتذاره بأن ثكنة حمانا قد أصبحت تحت سيطرة جهة طائفية واحدة» 
وقرر المغادرة مع عناصره إلى المنطقة الشرقية. 

بعد تعثر خطة الهجوم على بعبداء تقرر اللجوء إلى قصف 
القصر الجمهوري بالطيران من اجل اجبار الرئيس فرنجية على 


142 


الاستقالة» فكان التفكير اول باستعمال طائرات الميراج الموجودة في 
مطار رياقء لكنه سرعان ما تبين ان الأمر دونه عقبات فنية وبشرية» 
اهمها ان معظم طياري القاعدة كانوا من الطائفة المسيحية والذين قد 
يرفضون المشاركة في ضرب القصر الجمهوري. عندها تم التفكير 
باستعمال الطوافات الموجودة في قاعدة بيروت الجوية. فاعلن النقيب 
خليل مطر استعداده للقيام بالمهمة» ولكنه تبين أن هذه الطوافات لم 
تكن مجهزة بالصواريخ» عندها تقرر اللجوء إلى استعمال المدفعية» 
وُكلف الملازمان 'سامي عبد الله ومروان الحجار بالاعداد للعملية وهما 
من بلدة شحيم مسقط رأس احمد الخطيب اما مصحح الرمي فقد اتخذ 
موقعاً له على تلة بين بلدتي كيفون وشملان وكان برفقته احمد 
الخطيب. نجحت العملية وتم اصابة الاهداف المحددة بدقة مما اجبر 
الرئيس فرنجية على مغادرة القصر الجمهوري. اما عن الرائد حسين 
عواد الذي اشتهر بانه بطل عملية قصف القصر الجمهوريء فأنه يكن 
له أي علاقة بالعملية لا من قريب ولا من بعيدء وأنه قد جرى حشر 
اسمه في العملية بغية احتواء صراع سني- شيعي كان قد بدأ بالتفاقم 
داخل صفوف جيش لبنان العربي. 
"تل الزعتر... العملية الفاشلة" 

اجبر القصف على القصر الجمهوري الرئيس فرنجية على 
النزوح إلى بلدة الكفور الكسروانية؛» كما ادى إلى حصول تدني كبير في 
معنويات الجبهة اللبنانية» الأمر الذي وجدت فيه الحركة الوطنية فرصة 
سانحة لتشديد الضغط العسكري على الخصم فاقترح بعض اركانها 
احتلال بعض لقرى المسيحية في الجبل والبقاء فيها لحين فك الحصار 
عن تل الزعترء لكن هذا الاقتراح عارضه كمال جنبلاط؛ بسبب وجود 
اتفاق بينه وبين وكميل شمعون على تحبيد منطقة الجبل عن 
الصراعات العسكرية؛ وفي نهاية الأمر تم الاتفاق على القيام بعملية 

123 


عسكرية لفك الحصار عن تل الزعتر وتم تكليف قائد جيش لبنان 
العربي بقيادة هذه العملية إلا ان كمال جنبلاط اعترض بحجة ان 
عملية بهذا الحجم يجب ان لا يقودها ضابط برتبة صغيرة» وقام باقناع 
ياسر عرفات بوجهة نظره. عندها تم الاتفاق على تأليف قيادة مشتركة 
مؤلفة من جميع القوى المشاركة في العملية وعلى رأسها ضابط من 
حركة فتح. وبينما كان الاعداد جارياً لخطة فك الحصار عن تل 
الزعتر حضر إلى غرفة العمليات رئيس اركان الجيش السوري السابق 
اللواء شوكت شقيرء والذي كان من ابرز مساعدي كمال جنبلاط» 
وعرض خطته لفك الحصار. كانت خطة اللواء شقير تعتمد على 
استعمال المصفحات كرأس حربة في الهجوم. مما دفع احمد الخطيب 
للأعتراض معللاً اعتراضه بأن الممرات التي سيسلكها المهاجمون 
ضيقة للغاية ولا تسمح بعبور المصفحات مما سيجعلها هدفا سهلاً 
لقذائف الاعداء واقترح استعمال المشاة رأس حربة في الهجوم. الا ان 
اللواء شقير اصر على خطته وقام باقناع كمال جنبلاط وياسر عرفات 
بوجهة نظره؛ فكانت النتيجةه هي فشل الهجوم وسقوط ستة عشر قتيلاً 
في صفوف المهاجمين, اما اللواء شقير فقد ذهب بعد هذه الفضيحة 
ولم يعد. 

لم يثن الفشل في الحصار عن تل الزعتر احمد الخطيب عن 
الاصرار على متابعة المعركة» فاقترح على قيادة الحركة الوطنية القيام 
بعملية عسكرية لأستعادة القرى والبلدات في المتن الشمالي التي كان قد 
سيطر عليها حزب الكتائب في بداية الاحداث وابرزها بلدة ضهور 
الشوير معقل الحزب السوري القومي الإجتماعي؛ والتي باستعادتها 
يمكن الوصول إلى مشارف بكفيا مسقط رأس بيار الجميل؛ والتهديد 
بالدخول إليها في حال لم يجر فك الحصار عن تل الزعتر. بدأت 
المعركة بتقدم سريع لقوات الحركة والوطنية وجيش لبنان العربي التي 


144 


تمكنت من استعادة بلدتي عينطورة والمتين والوصول إلى مفرق بلدة 
بشلاماء حيث توقفت هناك لبعض الوقت تمهيداً لمتابعة الطريق نحو 
المروج وبولونيا وصولاً إلى ضهور الشويرء والتي كان القوميون 
السوريون قد وضعوا ثقلهم العسكري من اجل فك الحصار عنهاء وقبل 
انطلاق المرحلة الثانية من الهجوم طلب ياسر عرفات من الحركة 
الوطنية وجيش لبنان العربي وقف العملية» ولكن جيش لبنان العربي لم 
يمتثل لهذا الطلب وقرر متابعة تقدمه» مما دفع حركة فتح إلى تكثيف 
حواجزها على طرقات الجبل من اجل عرقلة وصول الامدادات الدجيش 
لبنان العربي في المتن الشمالي. 

حاول احمد الخطيب الاتصال بياسر عرفات للوقوف منه على 
الاسباب التي تدفعه لعرقلة الهجوم لكن عرفات غاب عن السمع ولم 
يعد يرد على الاتصالات المتكررة به. وبعد توقف استمر ليومين تقرر 
متابعة الهجوم بعد تسوية الوضع مع حركة فتح وتمكنت قوات الحركة 
الوطنية وجيش لبنان العربي من الوصول إلى بلدة المروج القريبة من 
ضهور الشويرء عندها عاد ياسر عرفات ليتدخل مرة ثانية» ويطلب 
وقف الهجوم نهائيا بحجة تلقيه انذاراً من العماد حكمت الشهابي هدد 
فيه بضرب جيش لبنان العربي والمقاومة الفلسطينية» وهو قال لياسر 
عرفات: "هل تريدون لنا ان ندخل في معركة مع إسرائيل لسنا جاهزين 
لها بعد". 

كان احمد الخطيب من أصحاب نظرية»؛ "ان توقف الاشياء 
لفترة من الزمن يعني اضمحلالها وموتها"؛ وهذا ما جعله طوال فترة 
حرب السنتين ينتقل من مكان إلى اخر سعياً وراء تحقيق اهدافه؛ فبعد 
ان ادرك ان عملية التقدم نحو المنطقة الشرقية عبر جبهة المتن 
الشمالي أصبحت من الصعوبة بمكان» قام باستقدام مجموعات كبيرة 
من عناصره من منطقة البقاع» وسار بهم إلى منطقة عيون السيمان 


145 


وذلك استعداداً للهجوم على جونيه؛ لكن النقص في الذخيرة وقطع 
المدفعية حال دون تحقيق هذا الهدفء ومع اكتشاف بعض قطع 
المدفعية في قاعدة رياق الجوية وهي من مخلفات الحرب العالمية 
الثانية ويصل مداها إلى إحدى عشر كيلومتراً وقيام بعض عناصر 
القاعدة بتهريبها سرأ إلى جيش لبنان العربي؛ تغير المشهد وجرى 
استعمال هذه المدافع في قصف جونيه. ادى قصف جونيه إلى حدوث 
موجة هلع كبيرة في القرى والبلدات الكسروانية كافة. مما دفع الرئيس 
فرنجية للاتصال بالسوريين طلبا للحماية الذين وجدوا في هذا الطلب 
فرصة سانحة لهم لأدخال جيشهم إلى لبنان» وهم مهدوا لذلك بالإيعاز 
إلى قائد منطقة الشمال في جيش لبنان العربي الرائد احمد المعماري 
الذي كان على علاقة بالمخابرات السورية بقصف بلدة القبيات اكبر 
البلدات المارونية في شمال لبنان» بهدف دفع الاهالي إلى طلب 
الحماية من الجيش السوريء ويومها ترددت انباء ان الرئيس كميل 
شمعون قد قبض مبلغ خمسة عشر مليون ليرة لبنانية من الأميركيين 
لقاء موافقته على دخول الجيش السوري إلى لبنان. قصف جونيه 
استغله الرئيس فرنجية لشد عصب المسيحيين؛ وذلك عندما راح يروج 
اخباراأ عن قيام الدول الاوروبية بإرسال بواخر بهدف اجلاء المسيحيين 
عن لبنان. 
الإمام موسى الصدر وجيش لبنان العربي 

كانت منطقة النبعة- برج حمود من المناطق القليلة في 
المنطقة الشرقية التي بقيت تحت سيطرة الحركة الوطنية خلال الفترة 
الأولى من الحرب الاهلية» وذلك بالرغم من الحصار التي كانت 
تفرضه عليها مليشيا الجبهة اللبنانية تمهيداً لأقتحامهاء ولكن مدفعية 
الحركة الوطنية كانت تمنعها من تحقيق هدفها. ولكن مع اشتداد 
الحصار بدأت قدرات الاهالي والمقاتلين في النبعة وبرج حمود على 


16 


الصمود بالتراجع» وفي خضم هذا المشهد ظهر اتفاق سياسي اشرف 
على رعايته الامام موسى الصدر والرئيس سليمان فرنجية وهو يسمح 
بدخول عناصر حزبي الكتائب والاحرار إلى مناطق النبعة وبرج حمودء 
شرط عدم التعرض للمدنيين» لكن الكتائبيين لم يلتزموا بوعودهم وقاموا 
بارتكاب مجازر بحق المدنيين في هذه المنطقة. الأمر الذي احرج 
الإمام الصدر وجعله يقرر المغادرة إلى بلدة النبي الشيت في البقاع 
ومن هناك ذهب إلى سوريا برفقة الملازم جميل السيد. 

كانت نظرة الامام موسى الصدر للحرب اللبنانية تتناقض مع 
نظرة الحركة الوطنية وجيش لبنان العربي» وهو لذلك راح يوجه 
النداءات إلى الجنود والضباط الشيعة في جيش لبنان العربي لترك 
احمد الخطيب والالتحاق 'بطلائع الجيش اللبناني العربي" بقيادة المقدم 
فهيم الحاج والذي كان قد انشئ برعاية سورية. ومع تكرار مثل هذه 
النداءات من قبل الإمام الصدر وازديادها توجه احمد الخطيب إلى 
منزل الامام الصدرء واجتمع به وتمكن من اقناعه بأهمية الدور الذي 
يلعبه جيش لبنان العربي في محاربة التقسيم. بعد ان توقفت حملة 
الامام الصدر على جيش لبنان العربي» بدأت حملة أخرى من الشيخ 
محمد يعقوب المقرب من الإمام موسى الصدر والذي دعا إلى إطلاق 
اسماء رموز دينية من الطائفة الشيعية على كتائب وسرايا جيش لبنان 
العربي؛ الأمر الذي اثار استياء العناصر السنية في جيش لبنان 
العربي» ومن اجل احتواء التوتر في صفوف جيش لبنان العربي والذي 
سببه الشيخ محمد يعقوب دعا احمد الخطيب إلى عقد إجتماع عام 
لعناصر جيش لبنان العربي في البقاع؛ وفي اثناء الإجتماع وصل 
الشيخ محمد يعقوب من دون ان يكون مدعواً لحضوره واصر على 
القاء كلمة. مما ادى إلى ردود فعل غاضبة لدى العناصر السنية في 
جيش لبنان العربي» الذين راحوا يطلقون النار في الهواء والهتافات التي 


147 


تطالب بمغادرة الشيخ يعقوب الأمر الذي دعا احمد الخطيب إلى 
التمني عليه مغادرة الإجتماع حرصاً على حياته. 

لم يكن السوريون بعيدون عن اجواء المحاولات الرامية لفرط 
جيش لبنان العربي» وقد توضح هذا الأمر لأحمد الخطيبء عندما زاره 
الرائد ابراهيم شاهين واخبره ان السوريين يضغطون عليه من اجل ترك 
جيش لبنان العربي والالتحاق بصفوف جيش الطلائع؛ وكانت القيادة 
السورية في لبنان قد عممت على حواجزها في البقاع مذكرة تقضي 
بتسهيل مرور عناصر الجبهة اللبنانية 'وجيش الطلائع" والقاء القبض 
على عناصر الحركة الوطنية وجيش لبنان العربي» ونتيجة لهذه المذكرة 
اعتقل كل من الرائد فايز الحلاني والملازمان مازن حلبي وعمر حلبي 
وهم من ضباط جيش لبنان العربي حيث جرى نقلهم إلى دمشق. 
مجزرة الدبابات في صيدا 

دخول الجيش السوري إلى لبنان رفضه جيش لبنان العربي 
واعلن تصديه له إلى جانب المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية. في 
6 توجهت قوة سورية إلى صيدا عن طريق البقاع جزين» 
فتصدت لها قوة من حركة فتح وجيش لبنان العربي» ولكن السوريين 
استطاعوا اكمال الطريق بعد معركة عنيفة تمكنوا خلالها من الوصول 
إلى بلدة الهلالية في شرق صيدا حيث تابعوا بعد ذلك طريقهم باتجاه 
باتجاه صيدا ممهدين لدخولها بقصف عشوائي كثيف استهدف منطقة 
المية ومية ومخيم عين الحلوة ومصفاة الزهراني وبهدف وقف القصف 
على صيدا تم الاتفاق بين جيش لبنان العربي وحركة فتح على استدراج 
الجيش السوري إلى داخل صيداء والانقضاض عليه بالقذائف 
الصاروخية. نجحت الخطة في تحقيق اهدافها ووقع السوريون في كمين 
محكم ادى إلى مقتل عشرين من جنودهم واعطاب عدد كبير من 
آلياتهم اضافة إلى اسر حوالي اربعين جندياأ تم إطلاق سراحهم فوراً. 

148 


من جهتهم اتهم السوريون حركة فتح وجيش لبنان العربي بالغدر وانهم 
قاموا باستغلال الدخول السلمي للجيش السوري إلى صيدا للإيقاع به. 
0 من الحكومة الليبية التدخل لدى جيش لبنان العربي من اجل 
تسليم جثث الجنود القتلى وإعادة الاليات المصادرة. وافق جيش لبنان 
العربي على المطالب السورية» ولكنه اشترط مقابل ذلك إطلاق 
عناصره الذي كان الجيش السوري قد اعتقلهم في بلدة الهلالية وعلى 
رأسهم الرقيب عبد الكريم صالح؛ وبعد ان وافق السوريون على هذا 
الشرط حضر إلى مقر جيش لبنان العربي في صيدا المقدم في الجيش 
الليبي صالح دروقي والعميد عيسى من الجيش السوري؛ لتسلم جثث 
الجنود السوريين القتلى والآليات المصادرة. ولكن عناصر من جيش 
لبنان العربي وعلى رأسهم رقيب من ال"ابو الريش" تصدوا لهم وعملوا 
على عرقلة تنفيذ الاتفاق» وبعد ان فشلت المفاوضات في حمل 
المتمردين على التراجع عن موقفهم امر قائد جيش لبنان العربي 
باعتقالهم» وخلال التحقيق معهم اعترف "ابو الريش" ان التحريض على 
العصيان جاء من جورج حاوي. 

كان جورج حاوي ومحسن ابراهيم وقد وقفوا منذ بداية الاحداث 
ضد قيام جيش لبنان العربي وراحوا يحرضون عليه في كل الاتجاهات, 
وخلال زيارة قام بها احمد الخطيب إلى ليبيا علم من الزعيم الليبي 
معمر القذافي ان جورج حاوي ومحسن ابراهيم يحرضون عليه لدى 
المسؤولين الليبيين. 
دخول قوات حفظ السلام العربية إلى لبنان 

لم يؤد دخول قوات الردع العربية إلى لبنان إلى تحسن 
العلاقات بين القيادة السورية وجيش لبنان العربي بسبب ان السوريين 
كانوا يعتبرون ان وجود جيش لبنان العربي هو مناقض لوجود الجيش 
اللبناني الدان اتعليدرا: لاعمه: في مرققر القمة العربي الذي عقد في 

149 


القاهرة في 1976/10/25»: إضافة إلى ذلك فأن السوريين لم ينسوا 
فقد كان موقفه بأن الوجود السوري في لبنان يهدف إلى تصفية القضية 
الفلسطينية» وتنفيذ القرار 242 الصادر عن الامم المتحدة» والذي نص 
ضمناً على الاعتراف بإسرائيل وربط هذا الاعتراف بحل قضية 
فلسطين. ولكن في مقابل التوتر في العلاقات بين الجيش السوري 
وجيش لبنان العربي» كانت العلاقات بين جيش لبنان العربي والاطراف 
الأخرى المشاركة في قوات الردع العربية تسير بشكل جيد ولاسيما مع 
الليبيين. وكان الزعيم الليبي معمر القذافي قد اعرب اكثر من مرة عن 
رغبته بالتعرف على قائد جيش لبنان العربي احمد الخطيب» وقد 
سنحت الفرصة للتعارف في اعقاب قيام عنصرين من الدرك؛ هما 
'م. ب. وق. ش» بسلب مدير المصرف الليبي التونسي في لبنان» 
حقيبة تحتوي مبلغ 0 ليرة لبنانية في اثناء دخوله إلى مصرف 
لبنان وفرا بها إلى البرازيل. هذه الحادثة اعتبرها جيش لبنان العربي 
اساءة إلى سمعة المصارف اللبنانية» فقرر إعادة المبلغ المسلوب إلى 
المصرف الليبي التونسي وذلك بعد اقتطاعه من ميزانية الشعبة الثانية 
في الجيش اللبناني. وكان جيش لبنان العربي في اثناء حرب السنتين 
قد فرض رقابة على الاموال العامة في مصرف لبنان والتي أصبح 
صرفها يحتاج إلى توقيع احمد الخطيب. لاقت مبادرة جيش لبنان 
العربي بإعادة المبلغ المسلوب استحسان الزعيم الليبي العقيد معمر 
القذافي فقام بتوجيه الدعوة إلى احمد الخطيب لزيارة ليبيا. هذه الدعوة 
قرر احمد الخطيب تلبيتها ولكنه خاف من السفر عبر مطار بيروت 
بسبب وجودة عناصر للمخابرات السورية داخل المطار. فكان ان لجأ 
إلى اجتياز الحدود اللبنانية السورية متنكراً بزي ضابط ليبي وكان 
برفقته المقدم صالح الدروقي, حيث استقلوا طائرة ليبية كانت بانتظارهم 


1530 


في مطار دمشقء وبعد اربعة ايام امضاها في ليبيا قابل خلالها العقيد 
معمر القذافي مرتين» عاد احمد الخطيب إلى بيروت عن طريق مطار 

سرعان ما بدأت نتائج زيارة احمد الخطيب إلى ليبيا بالظهور 
فطلب الليبيون من القيادة السورية عدم التعرض لأحمد الخطيبء كما 
وصلت باخرة ليبية إلى مرفأ صيدا وهي تحمل اسلحة وذخائر إلى 
جيش لبنان العربي؛ كما قام الليبيون أيضاً بإرسال عدد من بواخر 
الطحين إلى جيش لبنان العربي الذي قام بتوزيعها مجان على 
المواطنين بمعدل كيس لكل خمسة اشخاص. 
تمرد البوتاري وخلاف مع عرفات 

كان من نتائج الحرب الأهلية في لبنان سيطرة المليشيات على 
معظم المرافق العامة في لبنان ومن بينها مرفأي صيدا وصور اللذان 
سيطرت عليهما حركة فتح وجيش لبنان العربيء وكانت حركة فتح قد 
فرضت على إدارة الجمارك في مرفاأ صيدا إعفاء البضائع المستوردة 
لصالح منظمة التحرير الفلسطينية من الرسومء الأمر الذي وجد فيه 
بعض التجار اللبنانيين فرصة لهم للتهرب من دفع الرسوم الجمركية» 
فراحوا يستعينون بقائد جيش لبنان العربي في صيدا الرائد احمد 
البوتاري لمساعدتهم في الحصول على تصاريح تفيد بأن بضائعهم 
المستوردة هي لصالح منظمة التحرير الفلسطينية. وعندما اكتشفت 
قيادة جيش لبنان العربي ضلوع احمد بوتاري في هذه الصفقات» قررت 
إقالته من مهامه في الجنوب ونقله إلى بيروتء لكن البوتاري رفض 
تنفيذ الأمر ولجأ إلى مركز حركة فتح في "الرميلة" الذي كان بإمرة 
المدعو" أبو صالح"؛ واتفق معه على خطة لشق صفوف جيش لبنان 
العربي» وقاما باطلاع ياسر عرفات عليها الذي أعطى الضوء الاخضر 
بتنفيذها وطلب من قيادة حركة فتح في الجنوب الإيعاز لمجموعات في 

151 


جيش لبنان العربي في مدينة صور والتي كانت تقبض رواتبها من 
حركة فتح؛ بالدخول إلى مقر قيادة جيش لبنان العربي في صيداء 
وإعلان عدم اعترافها بشرعية احمد الخطيب. استجابت عناصر جيش 
لبنان العربي في صور لطلب ياسر عرفات وتوجهت إلى مقر قيادة 
جيش لبنان العربي في صيدا لتنفيذ المهمة المطلوبة منها وكانت بقيادة 
الملازم سامي عبد الله وقد تزامن وصولها مع وصول احمد الخطيب 
لتفقد قواته في صيدا وفور مشاهدة العناصر المتمردة لأحمد الخطيب 
اعلن معظمها فك ارتباطه بالملازم سامي عبد الله. 

اعتقل سامي عبد الله من قبل مرافقي احمد الخطيب؛ وخلال 
التحقيق معه اعترف انه كان من المقرر بعد سيطرته على مقر جيش 
لبنان العربي ان يأتي الرائد احمد بوتاري ويعقد مؤتمرأ صحافياأ يعلن 
فيه الانشقاق عن جيش لبنان العربي؛ على ضوء هذه المعلومات قرر 
احمد الخطيب الايقاع بأحمد بوتاري فطلب من الملازم سامي عبد الله 
الاتصال به وإيهامه بأنه قد نجح تنفيذ ما هو مطلوب منه. انطلت 
الحيلة على الرائد البوتاري؛ والذي ما ان وصل منطقة نهر الأولي حتى 
جرى اعتقاله من قبل عناصر جيش لبنان العربي مع شخص كان 
برفقته يدعى 'اسد البغدادي" وهو أحد مرافقي ياسر عرفات. خبر 
اعتقال البغدادي ما لبث ان وصل إلى ياسر عرفات فسارع للاتصال 
بأحمد الخطيب وطلب منه إطلاق سراح مرافقه» لكن احمد الخطيب 
رفض اخلاء سبيله قبل استكمال التحقيق معه. ثار ياسر عرفات لدى 
سماعه هذا الجواب وقال لأحمد الخطيب: "هل هذا يعني اننا وصلنا 
إلى الطلاق يا اخ احمد". فاجابه احمد الخطيب: "العصمة هي في يدك 
يا أبو عمار". 

كان أول ما فكر به احمد الخطيبء, بعد وقوع المشادة بينه 
وبين ياسر عرفات؛ هو ان يعمد عرفات إلى قطع الرواتب عن عناصر 


152 


جيش لبنان العربي في الجنوب؛ والتي كانت حركة فتح تتولى دفعها 
لهم؛ فجمع عناصره في باحة الثكنة؛ والقى بهم كلمة شرح لهم فيها ما 
جرى مع الرائد بوتاري» وخيرهم بين البقاء معه أو ذهابهم في حال 
سبيلهم؛ فاختار معظمهم البقاء إلى جانبه. في هذه الاثناء وصل 
الديبلوماسي في السفارة الليبية "عبد الوهاب الزيتناني" إلى مقر جيش 
لبنان العربي في صيدا وطلب الإجتماع إلى احمد الخطيب وبعد ان 
استمع لرواية احمد الخطيب حول ما جرى غادر الدبلوماسي الليبي 
ليعود بعد يومين حاملاً شيكأ بقيمة خمسة ملايين ليرة لبنانية مسحوب 
على البنك العربي قام بتسليمه إلى احمد الخطيب بعد ان طلب منه 
عدم الرضوخ لضغوطات ياسر عرفات واعداً اياه بدفعات أخرى في 
القريب العاجل. وما ان وصل خبر الدعم الذي قدمته ليبيا لجيش لبنان 
العربي إلى قيادة حركة فتح حتى سارعت إلى إعادة حساباتهاء وذلك 
مخافة ان تفقد سيطرتها على جيش لبنان العربي؛ فاتصل خليل الوزير 
(أبو جهاد) بأحمد الخطيب وتمنى عليه إطلاق سراح اسد البغدادي 
ودعاه إلى لقاء مصالحة مع ياسر عرفاتء وافق احمد الخطيب على 
مصالحة ياسر عرفات؛ ولكنه بقي مصراً على عدم إطلاق سراح أسد 
بغدادي قبل استكمال التحقيق معه؛ عندها تدخل صلاح خلف (ابو 
اياد) ودعا احمد الخطيب إلى تناول الغداء في مقر حركة فتح في 
منطقة الفاكهاني» وبعد اتمام المصالحة بين حركة فتح واحمد الخطيب 
قام أبو اياد بالاتصال بمدير مكتب العقيد القذافي المدعو "النقيب 
سعود"؛ وابلغه بأن الخلاف مع احمد الخطيب قد انتهى. فطلب النقيب 
سعود التحدث مع احمد الخطيب وراح يحثه على التمسك بموقفه من 
ياسر عرفاتء لكن احمد الخطيب اصر على انهاء ذيول الخلاف مع 
ياسر عرفات وخاصة بعد ان أصبح مادة دسمة في وسائل الاعلام في 
المنطقة الشرقية فأمر بإطلاق سراح اسد البغدادي» ولكنه ابقى على 


153 


الرائد احمد بوتاري معتقلاً والذي استمر احتجازه اكثر من ثلاثة اشهرء 
وبعد إطلاق سراحه قام بتقديم استقالته من الجيش اللبناني وسافر إلى 
فرنسا ليعمل في التجارة حيث أصبح من أصحاب الثروات الكبيرة. 
'قرار عربي بتصفية كمال جنبلاط وابعاد احمد الخطيب" 

بعد دخول قوات الردع العربية إلى لبنان» تبلغ احمد الخطيب 
من ياسر عرفات بأن قراراً عربياً سريأ قد صدر على اعلى المستويات 
باغتيال كمال جنبلاط وتغييب احمد الخطيب عن ساحة العمل 
السياسي والوطني. 

على ضوء هذه المعلومات راح قائد جيش لبنان العربي يفكر 
بالإنتقال مع عناصره إلى الجنوبء والتمركز في ثكنتي النبطية وصور 
بعيدا عن القوات السورية؛ والتي كانت إسرائيل تعارض انتشارها بعد 
خط نهر الأولي» وفي نفس الوقت كانت الاتصالات قد نشطت بين 
عدد من الاطراف المحلية والاقليمية لحل مشكلة جيش لبنان العربي» 
وفي هذا الاطار قام وفد عسكري سوري برئاسة العقيد نور الدين 
الحلبي بزيارة إلى مقر قيادة جيش لبنان العربي في بيروت للإجتماع 
إلى احمد الخطيب وقد رافقه في هذه الزيارة الرائد في الجيش اللبناني 
'سمير الخادم". كان الوفد السوري يحمل معه إلى احمد الخطيب قرار 
الحكومة اللبنانية باستعادة جميع ثكنات الجيش اللبناني التي سيطرت 
عليها المليشيات خلال فترة حرب الاهلية. أبدى احمد الخطيب 
استعداده للتجاوب مع القرارء ولكنه اشترط ان يتم تنفيذه في وقت 
متزامن في كل من المنطقتين الشرقية والغربية من بيروتء وافق العقيد 
الحلبي على هذا الطرح؛ ولكن أحد اعضاء الوفد السوري وهو ضابط 
برتبة رائد انبرى ليقول: "لا نستطيع ان نعد بشيء قبل مراجعة القيادة 
في دمشق". استغرب احمد الخطيب تدخل الضابط المذكور في 
الحديث» وقام بتذكيره بأن الاصول العسكرية تقضي بأن يكون 

154 


المتحدث باسم الوفد هو الضابط الاعلى رتبة أي العقيد نور الحلبي» 
لكن الرائد المذكور وهو من المخابرات» اجابه قائلً: 'ليكن كلامك معي 
وحدي". 

بعد خروج الوفد السوري من مقابلته مع أاحمد الخطيب» 
استدعى الأخير اركان قيادة جيش لبنان العربي للتشاور فكان هناك 
اتفاق على التأكيد على الموقف الذي اعلنه احمد الخطيب امام الوفد 
ثكنتي فخر الدين والامير بشيرء والتي كانت قد التحقت بجيش لبنان 
العربي خلال حرب السنتين قبل ان تعود إلى كنف الجيش اللبناني بعد 
دخول قوات الردع العربية إلى لبنان ان تعيد سيطرتها على هاتين 
الثكنتين» وكان الهدف من هذا التحرك هو الضغط على الحكومة 
اللبنانية من اجل عدم تمييع قرار تسلم جميع المراكز العسكرية في وقت 
واحدء وبعد أن سيطرت هذه العناصر على الثكنتين المذكورتين عادت 
لتنقسم على نفسها بين مؤيد لقرار تسليم مراكز جيش لبنان العربي إلى 
الدولة اللبنانية وبين رافض لهء ووصلت حدة الانقسام إلى حد قيام 
البعض بإحراق عدد كبير من الاضبارات العسكرية في ثكنة فخر 
الدين» وفي محاولة لإيجاد مخرج لقضية جيش لبنان العربي اتصل 
رئيس الحكومة سليم الحص بضابط الامن في جيش لبنان العربي الرائد 
البعض في قيادة جيش لبنان العربي ذهاب احمد الخطيب لمقابلة 
السفير السعودي في لبنان الفريق "علي الشاعر" وذلك بصفته رئيس 
اللجنة العربية الرباعيةالمكلفة تثبيت الاستقرار في لبنان ٠.‏ 

كان أول ما سمعه احمد الخطيب من السفير السعودي؛ هو ما 
سمعه في وقت سابق من ياسر عرفات حول وجود قرار عربي كبير 
باغتيال كمال جنبلاط وابعاد احمد الخطيب عن ساحة العمل الوطني. 


155 


كما ابلغ السفير السعودي احمد الخطيب أيضاً استعداد اللجنة الرباعية 
لبحث موضوع جيش لبنان العربي مع رئيس الجمهورية الياس سركيس» 
وفي اليوم التالي اتصل السفير السعودي بأحمد الخطيب وابلغه موافقة 
الرئيس سركيس على إنتقاله مع عناصره إلى الجنوب وطلب منه 
الشروع في المفاوضات مع القيادة السورية. أبدى احمد الخطيب ترحيبه 
بقرار الرئيس سركيسء ولكنه أبدى تحفظه على اجراء مفاوضات مع 
السوريين» لكن السفير الشاعر طمأنه إلى ان هذه المفاوضات ستكون 
برعاية اللجنة الرباعية العربية". 
احمد الخطيب في سجن المزة... أنا بعث فَلْيَمت اعدائي 

على ضوء هذه الضمانات التي حصل عليها من السفير 
السعودي» قرر احمد الخطيب البدء بحوار مع السوريين فحضر إلى 
ثكنة الامير بشير العقيد في الجيش السوري 'محمد الحلال"؛ وابلغ 
احمد الخطيب ان وفدا عسكريا سوريا بانتظاره في بلدة بعبدات 
لمحاورته» وفي محاولة منه لتطمين احمد الخطيب اعلن العقيد حلال 
استعداده لوضع نفسه رهينة عند جيش لبنان العربي» لحين عودة احمد 
الخطيب من إجتماعه مع الوفد السوري. 

طلب احمد الخطيب مهلة للتفكير وقام بالاتصال بالسفير 
السعودي في لبنان "علي الشاعر' والعقيد في المخابرات السورية في 
بيروت 'وليد حمدون" اللذان شجعاه على اتخاذ خطوة ايجابية تجاه 
السوريين. 

وصل احمد الخطيب إلى بعبدات وبرفقته العقيد محمد حلال 
حيث وجدوا بانتظارهم عناصر من الشرطة العسكرية السورية» الذين 
ابلغوهم ان مكان الإجتماع قد تغير وان الوفد العسكري السوري 
بانتظارهم في مركز المخابرات السورية في شتورة. في شتورة لقي احمد 
الخطيب استقبالاً وديا من العقداء 'علي خليل ومحمد ديب وريمون 


156 


شلالا وتوفيق جلول"؛ حيث تم الاتفاق على طي صفحة الخلافات 
الماضية وفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الطرفين وبعد انتهاء 
الإجتماع وجد احمد الخطيب مفاجأة غير متوقعة بانتظاره وذلك عندما 
شاهد أحد مرافقيه الجلازه ومقطي يعودان ايك علو مدكزل,اتركر 
المخابرات السورية في شتورة وهو رافع يديه ويحيط به مجموعة من 
الجنود السوريين شاهرين اسلحتهم» وقبل ان يستفيق من ذهوله اتاه 
صوت العقيد محمد ديب محذراً من مغبة القيام بأي ردة فعل تحت 
طائلة إطلاق النار على مرافقه. ادرك احمد الخطيب انه وقع في 
المصيدة» فطلب من العقيد 'ديب" إطلاق سراح مرافقيه والإبقاء عليه 
وحده معتقلاء وبعد مراجعة القيادة في دمشقء. جاء الجواب بوجوب 
احضار الجميع إلى دمشق. 

اعتقل احمد الخطيب ووضع في شاحنة عسكرية وحدهء فيما 
وضع مرافقيه في شاحنة أخرى؛ وهم "ابراهيم بيضون ومصطفى حمدان 
وفاضل ياغي". سارت قافلة المعتقلين باتجاه اق وسط حراسة امنية 
مشددة» وقبل وصولها إلى نقطة المصنع توقفت في عنجر لأكثر من 
اربع ساعاتء كان خلالها العقيد 'ريمون شلالا" يروح ويجيء بسيارة 
احمد الخطيب التي استولى عليهاء وبرفقته عدد من مسؤولي احزاب 
الجبهة اللبنانية في زحلة» وفي كل مرة كانوا يتوقفون امام الشاحنة التي 
كان فيها احمد الخطيب؛ وينظرون اليه شامتين» هذا المشهد لم يستطع 
احمد الخطيب تحمله فكان ان قال لريمون شلالا بعد ان نفذه صبره: 
"الأيام بيننا"» والذي ظهر الخوف على وجهه بعد سماعه هذا التهديد. 

وصلت قافلة المعتقلين إلى سجن المزة ليل 1977/1/20» 
وكان أول ما لفت احمد الخطيب وجود يافطة على مدخل السجن كُتب 
عليها "انا بعث فليمت اعدائي". اخضع المعتقلون للتفتيش» قبل ان 
يجري توزيعهم على الزنزانات؛ فوضع احمد الخطيب في الزنزانة رقم 3 


157 


وهي عبارة عن غرفة ضيقة؛ طليت جدرانها باللون الاسود الداكن؛ اما 
بابها فكان مصنوعاً من الحديد السميك وتعلوه فتحة ضيقة؛ وعند 
منتصف الليل دخل عليه مساعد مدير السجن المدعو "حامد اسبر" 
وكان في حالة من السكر الشديد؛ وراح يشتمه محاولاً الاعتداء عليه 
بالضرب. لكن أحد الضباط منعه من ذلك بعد ان ابلغه بأن هناك 
أوامر بعدم التعرض لأحمد الخطيب بالضرب. مع ساعات الفجر 
الأولى جرى اقتياد احمد الخطيب إلى مكتب مدير السجن العقيد بهجت 
سليمان للتحقيق معه؛ وكانت التهمة الرئيسية الموجهة اليه هي قتل 
الجنود السوريين في صيدا والتمثيل بجثثهم» نفي احمد الخطيب تهمة 
التمثيل بالجثث؛ وطالب باستيضاح الجنود السوريين الذين اسروا خلال 
عملية صيدا حول المعاملة التي لقيوها اثناء احتجازهم عند جيش لبنان 
العربي» وعندما سأله العقيد سليمان عن الانتقادات القاسية التي وجهها 
إلى الرئيس حافظ الأسد اجاب: "انا اتحمل مسؤولية كلامي'. 

بعد ان عرفت زوجة احمد الخطيب باعتقاله» قامت بمقابلة 
السفير السعودي في بيروت "علي الشاعر”" الذي طمأنهاء بأن فترة 
اعتقال زوجها لن تدوم اكثر من يومينء وقام بالاتصال بولي العهد 
السعودي الامير فهد بن عبد العزيزء وتمنى عليه التدخل لدى 
السلطات السورية من اجل اطلاق سراح احمد الخطيب. 
ممنوع النوم 

إذا كان العنف الجسدي لم يستعمل مع احمد الخطيبء اثناء 
فترة التحقيق معه بعكس رفاقه الذين نالوا قسطأ وافراً من الضرب 
والتعذيب؛ فأن اساليب أخرى لا تقل ايذاء قد جرى استخدامها معه من 
اجل تحطيم معنوياته وتدجينه» فكان السجانون يوميا يقومون بإغراق 
زنزانته بالماء»ء من اجل منعه من النوم وإجباره على البقاء واقفاً 
لساعات طويلة» وكان لهذه المعاملة السيئة انعكاس سلبي على 

158 


صحتهء ففقد من وزنه اكثر من 25 كيلوغراما خلال شهرين» كما 
اصيب عدة مرات بنوبات برد شديدة؛ وكان للوضع الذي وصل إليه 
احمد الخطيب تأثير في قلوب بعض سجانيه فصاروا يسمحون له 
بالنوم بغفلة عن مسؤولي السجن. 

كان التحقيق يجري في غرفة باردة» وكان احمد الخطيب 
يحاول خلال فترات التحقيق التحايل على البرد القارصء وذلك من 
خلال تعمده الاطالة في الاجوبة على الاسئلة الموجهة اليه من قبل 
المحققين» والذين كانوا كلما طال امد التحقيق كانوا يشركونه معهم في 
تتاول اكواب الشاي الساخنة. 

خلال المرحلة الأولى من التحقيق» حاول المحققون معرفة 
تفاصيل العلاقات التي كانت تربط احمد الخطيب بكل من ليبيا والعراق 
والسعودية. وخلال إحدى جلسات التحقيق سأله العقيد حسن خليل: 
"كيف استطعت ان تجمع في علاقاتك بين النظامين السعودي 
والليبي؟". الأمر الذي استنتج منه احمد الخطيب بأن هناك تدخلاً من 
الدولتين من اجل إطلاق سراحه. 

بعد مضي تسعين يوماً على اعتقاله اكتشف احمد الخطيب» 
وجود معتقلين آخرين من جيش لبنان العربي في سجن المزة. حدث 
ذلك عندما كان ينظر في إحدى المرات من شباك زنزانته» فلمح في 
الزنزانة» المقابلة كل من الرائد احمد عضام والنقيبين يوسف منصور 
وغازي غطيميء» وكان هولاء قد جرى اعتقالهم على حاجز للقوات 
السورية في بلدة الرميلة. وفي اليوم المئة لاعتقاله طلب حراس السجن 
من احمد الخطيب ان يجمع امتعته» فاعتقد للوهلة الأولى بأن قرارا 
صدر بالافراج عنه» ولكن سرعان ما خاب ظنه اذ تبين له ان ادارة 
السجنء قد قررت جمع معتقلي جيش لبنان العربي في زنزانة واحدة. 
وكان ذلك ايذانا بانتهاء مرحلة التحقيق والإنتقال إلى مرحلة الاعتقال 


159 


دون محاكمة؛ التي تغيرت معها المعاملة فأصبحت افضل نسبيا اذ 
صار يسمح للمعتقلين بالنوم دون مضايقات وتزويدهم بالبطانيات, 
وكذلك تحسنت نوعية الطعام» وفي تلك الفترة أيضأ تعرف احمد 
الخطيب إلى كل من الرئيس السوري السابق نور الدين الاتاسي 
والقيادي السابق في حزب "البعث" العقيد صلاح جديدء واللذين كانا 
نزيلي سجن المزة منذ مدة طويلة من الزمن. وبعد ان علم نور الدين 
الاتاسي ان ادارة السجن لم تقم بتزويد سجناء جيش لبنان العربي بثياب 
للنوم وألبسة داخلية» راح يرمي لهم بعض النقود من شباك زنزانته» من 
اجل شراء ما يحتاجونه من اغراض من مخازن السجن. 

كانت اكثر الامور التي تؤلم احمد الخطيب ورفاقه اثناء 
وجودهم في السجنء» هي انقطاعهم عن العالم الخارجيء لذا راحوا 
يفتشون عن وسيلة تمكنهم من معرفة ما يجري في الخارج من احداث. 
حاول احمد الخطيب اقناع أحد حراس السجن بأن يحضر له جهاز 
'راديو صغير", ولكن الحارس لم يتجاوب معه خوفأ من العقاب الذي 
سيناله في حال عرفت ادارة السجن بالأمرء فكان ان لجأ احمد 
الخطيب إلى وسيلة أخرى لإقناعه؛ فراح يدس له بعض المال في اواني 
الطعام؛ ولكن الحارس كان يأخذ المال دون ان يسأل احمد الخطيب 
عن الخدمة التي يريدها مقابل المال. واخيراً قرر احمد الخطيب؛ ان 
يغامر فعرض على الحارس مبلغ ستمائة ليرة سورية مقابل احضار 
الراديو له» وكان هذا المبلغ هو مجموع المبلغ الذي حصل عليه من 
نور الدين الاتاسي. اذ كان راتب الجندي السوري يومها لا يتجاوز 
التسعين ليرة سورية شهرياً. رضخ الحارس لأغراء المال» وفي اليوم 
التالي قام باحضار الراديو ملفوفأً في كيس كان يخبئه داخل طبق 
الارز الذي كان الطعام اليومي للسجناء. 

كان الرائد احمد عضام يضع سماعات الراديو في اذنيه بعد 


160 


منتصف الليل بعد ان تكون حركة السجن قد هدأت تماماًء ويقوم 
بالاستماع إلى نشرات الاخبار ويخبر رفاقه المتحلّقين حوله بما سمعه. 
وفي أحد المرات سمع ان وليد جنبلاط سيقوم بزيارة إلى دمشق. لم يكن 
معتقلو جيش لبنان العربي قد عرفوا بعد باغتيال كمال جنبلاط لذلك هم 
اعتقدوا عند سماعهم خبر زيارة وليد جنبلاط إلى سوريا بأنه مرسل من 
قبل والده للبحث مع المسؤولين السوريين في عدد من الشؤون اللبنانية 
ومن بينها قضية اعتقالهم فاستبشروا خيراً لكن انتظارهم طال دون 
نتيجة وظل الأمر على هذه الحال إلى ان اخبر حامد اسبر في أحد 
الايام احمد الخطيب بأن كمال جنبلاط قد اغتيل لكنه قال له ان عملية 
الاغتيال قد تمت على يد مجموعة من الحزب التقدمي الاشترا 
كانت تعارض سياسة كمال جنبلاط تجاه سوريا. 

لم يصدق احمد الخطيب ما سمعه من حامد اسبرء وقرر 
تقصي الحقيقة بنفسه فقام بكتابة رسالة إلى والدته بواسطة قلم ربصاص 
وجده مرميأ في باحة السجن يطلب فيها ان تذهب لمقابلة وليد جنبلاط: 
والتمني عليه التوسط لدى المسؤولين السوريين» من اجل إطلاق سراح 
معتقلي جيش لبنان العربي. وجدت الرسالة طريقها إلى خارج السجن 
بواسطة الفنان 'فهد العبد الله' الذي كان معتقلاً في سجن المزة أيضاً 
بسبب انتمائه لحزب البعث العراقي وجرى الافراج عنه» وخلال أحد 
زياراته إلى دمشق فاتح وليد جنبلاط الرئيس حافظ الأسد بموضوع 
احمد الخطيب ورفاقه» لكن الرئيس السوري نفي معرفته بالموضوع, 
وطلب منه مراجعة شقيقه رفعت بالأمر. عندئذ قام جنبلاط بإبراز 
رسالة احمد الخطيب إلى والدته فطلب الرئيس الأسد امهاله بعض 
الوقت لجلاء الحقيقة» وفي نفس الليلة قامت ادارة السجن بحملة تفتيش 
دقيقة لزنزانة احمد الخطيب وبعد ذلك جرى استجوابه من قبل مدير 
السجن لمعرفة ملابسات الرسالة وكيفية اخراجها من السجنء نفى احمد 


161 


الخطيب ان يكون على علم بموضوع الرسالة» ولكن مدير السجن ابلغه 
انه غير مصدق لما يقوله» ولكنه لا يريد تصعيد الموضوع اكثر. 

لم تقتصر المطالبة بإطلاق سراح احمد الخطيب على وليد 
جنبلاط فقط. ففي زيارة قام بها إلى دمشق طالب المفتي حسن خالد 
الرئيس حافظ الأسد بإطلاق سراح احمد الخطيب ورفاقه» لكن الاخير 
لم يتجاوب مع هذا الطلب, وألقى بالكرة في ملعب شقيقه رفعت. وبعد 
مضني عام على اعتقال احمد الخطيب ورفاقه؛ سمحت ادارة السجن 
لذويهم بزيارتهم؛ وبعد ذلك أصبحت الزيارات تتم بمعدل زيارتين في 
الشهرء وفي اعقاب مجزرة اهدن عام 1978 لاحت فرصة لأحمد 
الخطي للخروج من السجنء وذلك عندما قام الأمين العام لمنظمة 
الصاعقة الموالية لسوريا زهير محسن بزيارة لوالدة احمد الخطيب» 
وطلب إليها ابلاغ ابنها استعداد دمشق للإفراج عنه» شرط ان يتعاون 
مع الرئيس فرنجية» ولكن احمد الخطيب رفض هذا العرض. 


صلحة عراقية سورية تخرج احمد الخطيب من السجن 

عام 1978» وبعد المصالحة التي جرت بين الرئيسين السوري 
حافظ الأسد والعراقي احمد حسن البكر عاد ملف احمد الخطيب 
ليتحرك من جديدء فطلب الأمين القطري لحزب البعث العراقي في 
لبنان النائب عبد المجيد الرافعي من القيادة العراقية التدخل لدى الرئيس 
الأسد من اجل إطلاق سراح احمد الخطيب ورفاقه. رفض الرئيس 
الأسد في بداية الأمر التجاوب مع هذا المسعى بحجة ان احمد 
الخطيب متهم بارتكاب مجزرة بحق عدد كبير من الجنود السوريين في 
صيداء ولكن نزولا عند إلحاح العراقيين عاد ووافق على إطلاق سراحه» 
وكان العراقيون يأملون ان يؤدي نجاحهم في الافراج عن احمد الخطيب 
إلى تعزيز شعبيتهم لدى الطائفة السنية في لبنان. 

162 


بدأ السوريون عملية إطلاق معتقلي جيش لبنان العربي بشكل 
تدريجي فأطلق اولاً سراح الملازم مصطفى حمدان ثم تبعه الافراج عن 
الملازمين ابراهيم بيضون وغازي غطيميء وبعد حوالي الشهر أطلق 
سراح الرائد احمد عضامء وكان السوريون قد طلبوا من سجناء جيش 
لبنان العربي تقديم استقالاتهم من الجيش اللبناني قبل خروجهم من 
السجن؛ فاستجاب لطلبهم كل من النقيب يوسف منصور 'الرائد احمد 
عضام والملازم غازي غطيميء اما الباقون فقد اعلنوا تمسكهم بالبقاء 
في المؤسسة العسكرية. واخيراً جاء دور النقيب يوسف منصور 
والملازم أول احمد الخطيبء فأفرج عنهم في 1978/9/18ء وكان 
سجين عراقي في سجن المزة وهو برتبة نقيب في المخابرات العراقية قد 
نقل لأحمد الخطيب قبل الافراج عنه بحوالي الاسبوع» بأن موعد 
خروجه من السجن قد أصبح قريباء وانه علم بالأمر من زوجته التي 
كانت على صلة بالمخابرات العراقية. 
أبو اياد: "مستعدون لانهاء ظاهرة جيش لبنان العربي" 

بعد ان امضى عدة ايام في استقبال المهنئين بالافراج عنه» 
عاد احمد الخطيب ليمارس مهامه كقائد لجيش لبنان العربي» وكان أول 
ما اصطدم به بعد عودته إلى الحرية هو تصريح ادلى به الرجل الثاني 
في حركة فتح صلاح خلف (أبو اياد). اعلن فيه ان حركة فتح 
مستعدة: لإنهاء ظاهرة جيش لبنان العربي خلال 24 ساعة:؛ اذا كان 
ذلك يصب في مصلحة الوجود السوري في لبنان. احدث هذا التصريح 
ردود فعل متفاوتة داخل جيش لبنان العربي؛ فأعلن بعض الضباط 
تمسكهم بالبقاء إلى جانب احمد الخطيب مهما تكن الظروفء فيما 
فضل آخرون العودة إلى صفوف الجيش اللبناني» وذلك بعد وعود 
تلقوها من مدير المخابرات جوني عبده بتسليمهم مراكز قيادية في 
الجيش اللبناني في حال عودتهم إلى الشرعية؛ ولكن سرعان ما تبين 

163 


لهم ان هذه الوعود غير صحيحة اذ جرى اعفائهم من مسؤولياتهم بعد 
وقت قصير من عودتهم إلى الجيش اللبناني وطلب اليهم تقديم 
استقالاتهم من المؤسسة العسكرية. 

كان رأي ياسر عرفات في تلك الفترة انه ليس من مصلحة 
الفلسطينيين اضعاف جيش لبنان العربي» لذا سعى إلى مصالحة احمد 
الخطيب مع أبو ايادء لكن قائد جيش لبنان العربي اشترط لأتمام 
المصالحة اعتذار أبو اياد عن الكلام الذي صدر عنهء لكن الاخير 
رفض الاعتذار. في هذه الفترة أيضا كان العراقيون يسعون إلى إقامة 
صلات تعاون بينهم وبين جيش لبنان العربي؛ فسعى الرائد باسم وهو 
أحد ضباط المخابرات العراقية في بيروت إلى مصالحة احمد الخطيب 
مع جوني عبده؛ وكان العراقيون يأملون ان يؤدي توسيع دائرة 
صداقاتهم في لبنان إلى اضعاف النفوذ السوري بين القوى والشخصيات 
اللبنانية» وكانت العلاقات بين جيش لبنان العربي ومخابرات الجيش 
اللبناني» قد توترت في اعقاب قيام المخابرات اللبنانية باعتقال عدد من 
عناصر جيش لبنان العربي» فاشترط احمد الخطيب إطلاق سراحهم 
قبل اتمام المصالحة مع جوني عبده» وعندما رفضص جوني عبده هذا 
الطلب قام جيش لبنان العربي بخطف عدد من عناصر الجيش اللبناني 
لمبادلتهم بعناصره المعتقلين في اليرزة. وعلى الاثر توئرت الاجواء 
وكادت الأوضاع ان تتفاقم» لولا دخول السوريين على الخط وقيامهم 
باقناع الطرفين بتسليم المحتجزين لديهم. هذا وقد اعتبر دخول السوريين 
على خط معالجة الازمة مؤشرأ على رغبتهم في استيعاب احمد 
الخطيب. 

لم يعجب تحسن العلاقة بين السوريين وجيش لبنان العربي 
قيادة حركة فتحء والتي كانت تسعى دائما إلى استعمال حلفائها في 
لبنان ورقة ضغط على دمشقء فقام خليل الوزير (ابو جهاد) بتحريض 


164 


عناصر جيش لبنان العربي في النبطية2» على التمرد على احمد 
الخطيب بعد ان وعدهم بتأمين الحماية لهم,» لكن احمد الخطيب 
استطاع احباط مخطط أبو جهادء وذلك عندما ذهب بنفسه إلى النبطية 
وحاور المتمردين وتمكن من اسيتعابهم مجدداً. وبالرغم من الاجواء 
الايجابية التي ظهرت في العلاقة بين السوريين وجيش لبنان العربي» 
فأن دمشق ابقت دعمها لأحمد الخطيب مستتراًء وذلك تجنبأ للإحراج 
امام الدول العربية والتي كانت قد تعهدت امامها بدعم الجيش اللبناني. 
رفعت الأسد يقرر اغتيال احمد الخطيب 

رأى رفعت الأسد ان وجود جيش لبنان العربي يمكن له ان 
يخدم مصالحه في لبنان» فسعى إلى قناع احمد الخطيب باعلان ولائه 
له؛ وكان رفعت الأسد قد أنشئ تنظيماً له في لبنان اسماه 'الفرسان 
الحمر"؛ واسند قيادته إلى 'نسيب الخطيب" ابن عم احمد الخطيب الذي 
راح يسعى إلى ضم احمد الخطيب إلى صفوف هذا التنظيم» واعداً اياه 
بالحصول على دعم لامحدود بالمال والسلاح من رفعت الأسدء لكن 
احمد الخطيب رفض هذا العرضء فهو لم يكن يريد ان يدخل في دوامة 
الصراعات التي كانت قائمه في تلك الفترة بين الرئيس حافظ الأسد 
وشقيقه رفعت؛ ولكن بالرغم من ذلك ظل رفعت الأسد مصرأ على 
ادخال احمد الخطيب في دائرة الموالين له» وبعد ان فشل نسيب 
الخطيب في اقناع ابن عمه بالانضمام إلى الفرسان الحمرء انتقلت 
المهمة إلى قيادي آخر في التنظيم هو سهيل حماده؛ والذي فشل بدوره 
في دفع احمد الخطيب إلى تعديل موقفه من رفعت الأسد. وفي محاولة 
للخروج من هذه المشكلة قام احمد الخطيب بزيارة إلى دمشق برفقة 
سهيل حماده قابل خلالها مدير مكتب رفعت الأسدء وشرح له الاسباب 
التي تمنعه من اعلان ولائه للفرسان الحمر. لكن رفعت الأسد لم يقتنع 
بهذه التبريرات وكلف أحد ضباط سرايا الدفاع باغتيال احمد الخطيب» 


165 


ولكن أحد الذين تم تجنيدهم لهذه الغاية سارع إلى إبلاغ احمد الخطيب 
بالمؤامرة التي تحاك ضده كاشفاً له ان أحد حراس منزله من آل زعيتر 
مكلف بمراقبته. وبعد انكشاف امر الحارس انفجرت به عبوة ناسفة في 
منطقة الجناح فأصيب بجروح غير خطرة» وبعد ان شفي من اصابته 
سافر إلى الولايات المتحدة حيث بقي عشرين عاماً وبعد عودته قام 
بزيارة احمد الخطيب في منزله الذي رحب به دون ان يخبره انه كان 
على علم بانه كان ضالعاً في المؤامرة ضده. 

اصرار رفعت الأسد على اغتيال احمد الخطيب نقله ياسر 
عرفات إلى الرئيس حافظ الأسد على طريقته فقال له: "ان القوات 
اللبنانية تعد مؤامرة لأغتيال احمد الخطيب وانها تنوي إلصاق التهمة 
بالمخابرات السورية". ادرك الرئيس الأسد ما يقصده ياسر عرفات 
وطلب منه مراجعة شقيقه رفعت بالموضوع؛ ومع وصول الامور إلى 
هذا المستوى من التأزم»؛ خشي 'نسيب الخطيب" من ان يؤدي اغتيال 
ابن عمه إلى التسبب له بمشاكل مع عائلته وابناء منطقة اقليم 
الخروب؛ فسارع إلى ابلاغ رفعت الأسد بأنه في حال اصيب ابن عمه 
بمكروه فإنه هو وابناء منطقته المنضوين في تنظيم الفرسان الحمر 
سيعلنون انسحابهم من هذا التنظيم. وافق رفعت الأسد على التخلي عن 
فكرة الاغتيال شرط ان يقوم احمد الخطيب بإلقاء كلمة في المهرجان 
الذي سيقيمه تنظيم الفرسان الحمر في بحمدون يشيد فيها بدور رفعت 
الأسد في لبنان. وافق احمد الخطيب على هذا الطلبء وفي الموعد 
المحدد للمهرجان توجه إلى بحمدون بسيارة رجل الاعمال اللبناني ح. 
ز. الذي كانت تربطه علاقات وثيقة بالمخابرات السورية في لبنان 
والقى كلمة اشاد فيها بمواقف الدكتور رفعت الأسدء وكان لافتا انه بعد 
إلقاء احمد الخطيب لكلمته في المهرجان قام الليبيون بدعوة احمد 
الخطيب لزيارة طرابلس الغرب» ولقاء العقيد معمر القذافيء الذي ابلغه 


166 


قراره بتزويده بكميات كبيرة من الاسلحة. 
الصراع مع الشعبة الثانية 

كان للدعم العسكري والماديء الذي قدمته ليبيا لجيش لبنان 
العربي اثر كبير في نمو قدراته» فأصبح قادراً بفضل هذا الدعم على 
اجتذاب عدد كبير من الشباب للانتساب إلى صفوفه؛ء الأمر الذي 
اعتبره الجيش اللبناني انه يتناقض مع دوره الوطنيء وبتاريخ 20 آب 
عام 1979 تعرض احمد الخطيب لمحاولة اغتيال في منطقة البسطة» 
بواسطة سيارة مفخخة نجا منها مع مرافقيه بفضل سيارته المصفحة» 
فيما قتل عشرون مواطنا كان يمرون صدفة في مكان الحادث, وعندما 
وصل خبر الانفجار إلى رئيس الجمهورية الياس سركيس سأل مدير 
المخابرات جوني عبده عن معلوماته حول الحادث» فجاء جوابه ملتبسا 
وحمال اوجه. 

وبعد مضي عدة اشهر على حادثة البسطة وقع اشكال في 
بلدة "النبي شيت" البقاعية بين جيش لبنان العربي وحركة امل» اسفر 
عن مقتل أحد عناصر جيش لبنان العربي المدعو 'حسين الموسوي'. 
وفي اليوم التالي توجه احمد الخطيب إلى النبي شيت على راس وفد 
شعبي كبير للمشاركة في مراسم دفن عنصر جيش لبنان العربي. 
وبوصولهم إلى مدخل البلدة» تصدت لهم عناصر من حركة امل 
وحاولت منعهم من المشاركة في التشييع» ولكن احمد الخطيب اصر 
على دخول البلدة مما ادى إلى توتر الاجواء وحصول عمليات إطلاق 
نار كثيفة في الهواءء» وفي هذه الاثناء حضر السيد عباس الموسوي 
وكان يومها أحد مسؤولي حركة امل وطلب من احمد الخطيب ومرافقيه 
تسليم اسلحتهم ومغادرة البلدة حتى لا تتطور الامور نحو الأسوأ. حاول 
احمد الخطيب التوضيح 'للسيد عباس". بأن الاشكال الذي اودى بحياة 
العنصر في جيش لبنان العربي هو من تدبير الشعبة الثاني وهنا انبرى 


167 


أحد مرافقي السيد عباس قائلاً: 'نحنا كلنا هون شعبة ثانية وعلى راس 
السطح" وفيما كان الجدال محتدمأ وصلت دورية للقوات السورية 
وعملت على تفريق المجتمعين؛ وقامت بتأمين الحماية لأحمد الخطيب 
طيلة فترة مشاركته في مراسم الجنازة. 
وفي اليوم التالي تلقى احمد الخطيب اتصالاً من السفير 
الايراني في دمشق 'علي اكبر محتشمي" دعاه فيه لزيارته في السفارة» 
حيث قام بتسليمه دعوة رسمية لزيارة ايران» وفي اثناء وجود احمد 
الخطيب في السفارة اتصل به السيد عباس الموسوي معتذراأ عن الكلام 
الذي تفوه به أحد مرافقيه في الامس. 
قبل احمد الخطيب الدعوة لزيارة ايران ولكن عرقلة ظهرت في 
اللحظات الاخيرة وهي تتمثل في رفض الامن العام اللبناني تجديد 
جواز سفره قبل الحصول على موافقة قيادة الجيش مما جعله يقرر 
السفر بجواز ليبي بإسم 'محمد العربي' كان قد منحه اياه الزعيم الليبي 
معمر القذافي» وقبل ان يحين موعد السفر اتصل احمد الخطيب بمدير 
الأمن العام فاروق ابي اللمع واطلعه على نيته السفر إلى إيران بجواز 
السفر الليبي» فوعده مدير عام الأمن العام بالعمل على تسهيل 
الموضوع؛ وبالرغم من هذا الوعد بقي احمد الخطيب غير مطمئن إلى 
كلام فاروق ابي اللمع؛ فقرر اختبار نواياه فأعطى جواز سفره الليبي 
إلى أحد اقربائه والذي كان يشبهه؛ وطلب منه الصعود إلى الطائرة بدلا 
منه؛ فيما بقي هو يراقب من بعيدء وما ان أصبح قريبه في الطائرة 
حتى حضرت قوة من مغاوير الجيش بقيادة النقيب "ا. م" وهو من نفس 
بلدة احمد الخطيب 'شحيم" وقامت باعتقال شبيه احمد الخطيب» وفي 
اليوم التالي قام مدير المخابرات جوني عبده بتوزيع نسخة عن جواز 
سفر احمد الخطيب الليبي على وسائل الاعلام مع خبر مختلق وهو أن 
محمد العربي هو أحد المشاركين في عملية خطف الإمام موسى 
الصدر. 
16 


بعد حادثة المطار اتصل احمد الخطيب بالسفير الايراني في 
دمشق وابلغه» بأن سفره إلى طهران بات متعذراًء لكن السفير الايراني 
اصر على حضورة» وقام بالاتصال بالسلطات السورية وطلب منها 
تسهيل سفر احمد الخطيب عبر مطار دمشق. تجاوب السوريون مع 
طلب السفير الايراني وقاموا بفتح صالون الشرف في مطار دمشق 
لسجينهم السابق. 

لم تكن حادثة المطار هي الاخيرة بين جيش لبنان العربي 
والشعبة الثانية في الجيش اللبناني» فبعد عدة ايام طلب مدير 
العربي من اجل ازالة حاجز له في بلدة الرميلة على الطريق الساحلية 
بين صيدا وبيروت؛ وكان هذا الحاجز يقوم بالتدقيق في هويات 
العسكريين اللبنانيين من ابناء منطقة الشريط الحدودي. رفض احمد 
الخطيب ازالة الحاجز خاصة بعد ان كان عناصره قد تمكنوا من اعتقال 
عميل إسرائيلي من آل رزق من بلدة القليعة» وردأ على رفض جيش 
لبنان العربي ازالة الحاجز قام الجيش اللبناني بالاغارة عليه واحتلاله» 
ولكن جيش لبنان العربي عاد وتمكن من استعادته بعد معركة سقط 
فيها عدد من القتلى والجرحى من الطرفين. 


الاجتياح الإسرائيلي عام 1982- احمد الخطيب متخفياً في 
طرابلس 

بعد الاجتياح الإسرائيلي 1982 وخروج منظمة التحرير 
الفلسطينية من بيروت؛ دخل الجيش اللبناني إلى منطقة بيروت 
الغربية» وباشر فور استلامه لادّمن بالقيام بعمليات دهم بحثأ عن 
قيادات لحركة الوطنية وجيش لبنان العربي» وفي هذا السياق قامت 
مخابرات الجيش بمداهمة منزل احمد الخطيب؛ وعندما لم تجده اعتقلت 

169 


زوجته واطفاله» ونقلتهم إلى وزارة الدفاع» حيث جرت معاملتهم بشكل 
سيئ جداء حتى ان أحد العسكريين لم يتورع عن صفع ابن احمد 
الخطيب البالغ من العمر سنتين عندما بكى» وعندما وصل خبر اعتقال 
عائلة احمد الخطيب إلى رئيس الحكومة شفيق الوزان امر بإطلاق 
سراحهم» وقام بإحضارهم بسيارته إلى منزله في بيروت. 

وكان احمد الخطيب قد توارى عن الانظارء عند دخول 
الجيش اللبناني إلى بيروت الغربية في منزل أحد الرهبان ويدعى 
'مرسال" قبل ان ينتقل إلى طرابلس بواسطة مركب صيد يخص شخص 
من آل الصيدواي كان مخبراً لدى الشعبة الثانية» ولكنه مع ذلك فأنه لم 
يفطن إلى هوية احمد الخطيبء, وبعد ان ايقن احمد الخطيب ان مدة 
اقامته في طرابلس ستطول طلب من عائلته الالتحاق به حيث سكن في 
منزل صديق له باسم مستعار هو 'سمير طرابلسي", ولكن ناطور 
المبنى تمكن من اكتشاف هويته وقام بابلاغ مخابرات الجيش التي 
ارسلت قوة لاعتقاله بقيادة النقيب ابراهيم بشير الذي قام بتطويق المبنى 
مهدداً بتفجيره في حال لم يسلم احمد الخطيب نفسه؛: لكن احمد 
الخطيب كان قد تمكن من الخروج من المبنى مع عائلته؛ قبل وصول 
قوة الجيش حيث توجه إلى عكار وبقي هناك لفترة من الزمن. 

بعد احداث السادس من شباط عام 1984 عاد احمد الخطيب 
إلى بيروت وحاول إعادة تنظيم صفوفه من جديدء لكن رئيس الحكومة 
رشيد كرامي وقف بوجهه معتبراً ان احياء جيش لبنان العربي من جديد 
يتناقض مع مشروع الحكومة لإعادة توحيد الجيش اللبناني» وطلب من 
احمد الخطيب حل تنظيمه العسكري وتسوية أوضاعه في المؤسسة 
العسكرية؛ ولكن احمد الخطيب اصر على العودة إلى الساحة العسكرية 
والسياسية مجددأء فكان ان شكاه الرئيس كرامي إلى رئيس فرع 
المخابرات السورية في طرابلس العقيد محمد الشعار. 


0آ1 


احمد الخطيب ورفيق الحريري 

عام 1992 دخل رفيق الحريري نادي رؤساء الحكومات في 
لبنان» وبعد ان تمكن من ترسيخ زعامته السياسية وحضوره الشعبي قام 
بترشيح نفسه للانتخابات النيابية لدورة عام 1996 عن المقعد السني 
في بيروت وبغية تأمين فوزه في الانتخابات راح الحريري يفكر 
باستقطاب جميع الفعاليات المؤثرة في من الطائفة السنية إلى جانبه» 
وفي هذا الاطار نصحه بعض المقربين منه بالاتصال بأحمد الخطيب. 
وافق رفيق الحريربي على التعاون مع احمد الخطيب وكلف العميد 
محمد فرشوخ الاتصال به ودعوته للقائه على ان يبقى اللقاء سرياً . 
عُقد اللقاء في قصر قريطم حيث جرى الاتفاق على ان يقوم احمد 
الخطيبء» بمساعدة رفيق الحريري في معركته الانتخابية وبالإشراف 
على مليشيا كان رفيق الحريري قد باشر بتأسيسها واقام لها مخيماً في 
منطقة "دير الغزال" في البقاع» في المقابل طلب احمد الخطيب من 
رفيق الحريريء المساعدة في اقناع قائد الجيش العماد اميل لحودء 
بتنفيذ قرار مجلس شورى الدولة باعطائه تعويضاً بعد تسريحه من 
الجيش. مع العلم ان العماد لحود نفسه كان خلال فترة حرب السنتين 
يقبض راتبه من مصرف لبنان بعد ان يوقع عليه قائد جيش لبنان 
العربي» لم يقيض للتعاون بين الرئيس الحريري واحمد الخطيب ان 
يستمر طويلاً وذلك بسبب فشل الرئيس الحريري في اقناع العماد لحود 
بتنفيذ حكم مجلس شورى الدولة من جهة» ودخول جوني عبده على 
الخط من جهة ثانية واقناعه الرئيس الحريري بصرف النظر عن 

عام 2005 وقبل حوالي الاسبوعين من اغتيال رفيق الحريري 
تلقى احمد الخطيب اتصالاً من أحد الأشخاص ابلغه فيه ان العميد 


1711 


جامع جامع'ء يطلب حضوره إلى مركز المخابرات السورية في منطقة 
البوريفاج للبحث معه في امر هام. توجس احمد الخطيب من هذه 
الدعوة» وراح يتهرب من تلبيتها الأمر الذي اغضب العميد جامع 
جامعء فارسل ينذره بوجوب الحضور طوعاً والا فأنه سيعرض نفسه 
للمتاعب. بعد تلقيه الانذار اتصل احمد الخطيب برفيق الحريري وطلب 
منه تأمين تأشيرة سفر له إلى الخارج؛ لكن الحريري رفض مساعدته 
بعد ان علم باستدعاء جامع جامع له. 

عندئذ قام احمد الخطيب بالاتصال بمكتب الزعيم الليبي العقيد 
معمر القذافي وطلب موعداً عاجلاً لمقابلته. لم يتأخر العقيد القذافي في 
تحديد موعد لمقابلة احمد الخطيب والذي كان في 11 شباط عام 
5. كان القذافي ناقمأ على رفيق الحريري وهو راح يصفه امام 
احمد الخطيب بالعميل السعوديء وبأنه قد جاء إلى لبنان من اجل 
تخريب اقتصاده لصالح أميركا وإسرائيل والرجعية العربية. وفي 
4 وبنما كان احمد الخطيب يستعد للعودة إلى بيروت 
شاهد على شاشة التلفزيون صورأ للانفجار الذي اودى بحياة رفيق 
العريري: فتذكر اكلمة اخطيرة جدا كالها اله العقيد مع القذافي خلال 
لقائه الاخير به؛ ولكن هذه الكلمة بقيت سراأً بين احمد الخطيب ومعمر 
القذافي» وقد فشلت كل محاولاتنا في حمله على البوح بها. رحم الله 
احمد الخطيب الذي مضى إلى جوار ربه قبل ان نكمل السيرة. 


' أحد ضباط المخابرات السورية في بيروت. 
172 





الطالب القائد 

التعرف إلى شارل غسطين الذي ولد قبل خمسة وستين عاماء 
هو تعرف إلى شخصية لها حجمها وفاعليتها في العديد من المحطات 
والاحدات الحزبية والسياسية التي شهدتها الحرب الاهلية في لبنان؛ 
فأبن بلدة دير القمر التي يدين اغلب ابنائها بالولاء السياسي إلى 
الرئيس كميل شمعون, لم يشذ فيها والده عن هذه القاعدة» وان كان قد 
اضاف إلى شمعونيته السياسية بطاقة عضوية في حزب الكتلة الوطنية 
بزعامة العميد ريمون ادهء وصداقة حميمة مع مؤسس حزب الكتائب 
الشيخ بيار الجميل. هذا الموزاييك السياسي ابقى شارل غسطين نفسه 
بعيداً عنه لفترة طويلة من الزمن» فهو اعتاد منذ الصغر ان يأخذ 
قراراته بنفسه دون املاء من أحد الأمر الذي يتنافي مع شروط الإلتزام 
الحزبي. 

درس شارل غسطين في مدرسة الفرير في الجميزة حتى نهاية 
المرحلة الثانوية» وكان طوال هذه الفترة لولب النشاطات الثقافية 
والإجتماعية في المدرسة» حتى انه عندما رفض الاشتراك في لجنة 
مندوبي الطلبة» بقيت اللجنة دون رئيس طوال فترة العام الدراسي بسبب 
عدم توافق اعضائها على اسم رئيس لها غير شارل غسطين. 

عام 1968 انتسب شارل غسطين إلى كلية الحقوق في 

173 


الجامعة اليسوعية» وسرعان ما برز اسمه في طليعة اسماء القيادات 
الطلابية» خاصة بعد الاضراب الذي شهدته الجامعة عام 1969 
واستمر مدة شهران ونصفء احتجاجاً على قرار ادارة الجامعة زيادة 
سنتين إضافيتين على المنهج الدراسي لكلية الحقوق تحت مسمى 
'"شهادة الكفاءة وادب المهنة" وذلك بناء على طلب من نقابة المحامين. 
كانت ردة فعل ادارة الجامعة على الاضراب هي ان استدعت شارل 
غسطين؛ وحملته مسؤولية استمرار الطلاب في اضرابهم» وانذرته 
بالفصل من الجامعة في حال لم تعد الأمور إلى طبيعتهاء لكن الطلاب 
لم يأبهواء واستمروا في تصعيد مواقفهم إلى ان وجدت ادارة الجامعة 
نفسها في نهاية الأمر مضطرة إلى التراجع عن قرارها. 

في السنة الأولى لدراسته في الجامعة اليسوعية انتسب شارل 
غسطين إلى حزب الوطنيين الاحرار وذلك بناء على نصيحة صديقه 
الكتائبي المرحوم نهاد الجميل؛ الذي اقنعه ان انتمائه إلى حزب 
سياسيء من شأنه ان يعزز من فاعلية حضوره في الاوساط الطلابية 
في الجامعة» وعرض عليه الدخول في حزب الكتائب؛ لكنه لم يتحمس 
للفكرة» عندئذ اشار عليه بالانتساب إلى حزب الوطنيين الاحرار فوافق 
على الفور. 

تولى شارل غسطين في بداية عمله الحزبي» رئاسة منظمة 
الطلاب في حزب الوطنيين الاحرار وذلك في عام 1971. اختياره 
لهذه المسؤولية جاء عن طريق الاقتراع وذلك للمرة الأولى في تاريخ 
الحزب؛ إذ كان يُعين رئيس منظمة الطلاب بقرار من رئيس الحزب» 
اصر شارل غسطين على ان يجري اختياره لهذا المنصب بالاقتراع من 
القواعد الطلابية. وافق الرئيس كميل شمعون على هذا الطلب؛ واجريت 
الانتخابات وفاز بها شارل غسطين بالتزكية» لكن وجوده في هذه 
المسؤولية لم يستمر اكثر من عام قام بعدها بتقديم استقالته على اثر 


1144 


خلاف بينه وبين الأمين العام للحزب دوري شمعونء على خلفية تعيين 
أحد الرفاق أمينأ للتربية في الحزب في وقت كان شارل غسطين يرى 
نفسه الاجدر بهذا المنصب. وكان شارل غسطين في اثناء توليه 
مسؤولية رئيس منظمة الطلاب في حزب الوطنيين الاحرار قد تعرف 
إلى الرئيس كميل شمعون الذي سرعان ما وثق به» وراح يكلفه بملفات 
سياسية حساسة. 

كان شارل غسطين لا يزال طالباً على مقاعد الجامعة عندما 
بدأت بذور الحرب الاهلية بالنمو في تربة المجتمع اللبناني» والتي 
كانت أحد اسبابها الوجود الفلسطيني المسلح على الاراضي اللبنانية 
الذي اعتبرته الاحزاب اليمينية خطرا جديأ على الوجود المسيحي في 
لبنان فراحت تدفع بالشبان المؤيدين لها إلى مخيمات التدريب على 
السلاح استعداداً لمواجهة هذا الخطر. وكان شارل غسطين أحد الذين 
التحقوا بمخيم للتدريب اقامه حزب "التنظيم" عام 1972» وذلك بعض 
ان رفض الرئيس كميل شمعون اقتراح شارل غسطين بإقامة مخيمات 
تدريب عسكرية لحزب الوطنيين الاحرارء وقال له: 'حزبنا ليس 
عسكرياً". وكان النشاط العسكري لحزب الوطنيين الاحرار في تلك الفترة 
يقتصر على إقامة حلقة تدريبية على استعمال البنادق الحربية كانت 
تقام مرة في الاسبوح في منزل الرئيس شمعون في السعديات؛» تحت 
اشراف مرافقه المرحوم 'نعيم بردقان". 

لم يقتصر القلق المسيحي من الوجود الفلسطيني المسلح على 
الاراضي اللبنانية» على الاحزاب المسيحية فقط بل تعداه أيضاً إلى 
رئيس الجمهورية سليمان فرنجية» الذي طلب عام 1973 من رئيس 
الشعبة الثانية العقيد "“جول بستاني"» تسهيل دخول اربعة الاف بندقية 
حربية إلى مرفأ بيروت» كانت الاحزاب المسيحية اشترتها من بلغاريا 
وحصل منها حزبا الاحرار والتنظيم على الف بندقية فيما ذهبت الكمية 


175 


الباقية إلى حزب الكتائب. في ظل هذه التطورات جاءت الاشتباكات 
بين الجيش اللبناني ومسلحي المنظمات الفلسطينية في مخيمات صبرا 
وشاتيلا وبرج البراجنة عام 1973 لتزيد الاحتقان في صفوف 
المسيحيين ضد انتشار السلاح بأيدي الفلسطينيين في لبنان فنزل 
عناصر من الاحزاب اليمينية إلى الشارع بأسلحتهم؛ وانتشروا بالقرب 
من مخيمي تل الزعتر والكرنتيناء وكان من بين الذين نزلوا شارل 
غسطين الذي كانت مهمته تأمين الحماية للمقر الرئيسي لحزب 
الوطنيين الاحرار في منطقة السوديكو وهو بقي في الشارع مع رفاق 
له اكثر من اربع عشرين ساعة حضرت بعدها دورية للجيش اللبناني 
وطلبت منهم العودة إلى منازلهم. 
الحرب الأهلية.. الأمر لي 

رسمت الحرب الاهلية خطوط تماس بين المنطقتين الشرقية 
والغربية من بيروتء والتي حاولت المليشيات المتحاربة اختراقها أكثر 
من مرة لتغيير المعادلات القائمة على الارضء» وكانت أحد هذه 
المحاولات هي الهجوم الذي قامت به الحركة الوطنية عام 1976 على 
محور السوديكو انطلاقاً من مواقعها في “رأس النبع'» حيث تمكنت من 
الوصول إلى مسافة قريبة من مركز حزب الوطنيين الاحرار في شارع 
السوديكو. فوجئ المدافعون عن السوديكو بهذا الاختراق واصيبوا 
بالارتباك وخاصة في ظل عدم وجود مسؤول عنهم يتولى قيادتهم» 
فكان ان انبرى من بينهم شارل غسطين واعلن نفسه قائداً لهم وذلك 
بالرغم من خبرته العسكرية المحدودة. فاعاد تنظيم صفوفهم مما سمح 
لهم بالقيام بهجوم معاكس تمكنوا خلاله من طرد المهاجمين إلى ماوراء 
خطوط التماس. كان لنجاح شارل غسطين في الدفاع عن ابناء منطقته 
اثر في ارتفاع شعبيته بينهم فقام وفد منهم بزيارة الرئيس كميل شمعون 
وطلبوا منه تعيينه قائداً لجبهة السوديكو فاستجاب لطلبهم. وكان أول 

176 


عمل قام به شارل غسطين بعد توليه لهذه المسؤولية هو استحداث خط 
تماس جديد بالقرب من كنيسة الكلدان على طريق الشام والذي ظل 
مشتعلاً حتى نهاية الحرب الاهلية . 
معركة تل الزعتر وأمين الجميل يتصدى لنمور الاحرار 

بالرغم من المعارك العسكرية والاعلامية التي كانت مستعرة 
خلال الحرب الاهلية بين منظمة التحرير الفلسطينية والجبهة اللبنانية» 
فأن خطوط التواصل بينهما لم تنقطع» فظلت الاتصالات مستمرة بين 
الطرفين ولكن من تحت الطاولة. فكان "مسؤول جهاز الامن في حركة 
فتح أبو حسن سلامة" يقوم بزيارات إلى منطقة الاشرفية للإجتماع إلى 
الشيخ بيار الجميل والرئيس كميل شمعون,» في المقابل كان مسؤولون 
كتائبيون في مقدمتهم كريم بقرادوني يذهبون إلى منطقة الطريق الجديدة 
للإجتماع مع مسؤولين في حركة فتح في وفي طليعتهم ياسر عرفات. 

كانت سياسة الرئيس كميل شمعون في تلك المرحلة» هي 
الإبقاء على شعرة معاوية مع الفلسطيئيين بالرغم من كل الخلافات 
بينهم وبين المسيحيين حتى انه في أحد المرات طلب من شارل 
غسطين تسليم اربعة مهندسين سوريينء» كانوا قد خطفوا في المنطقة 
الشرقية واطلق سراحهم إلى مسؤول الامن في حركة فتح "أبو حسن 
سلامة" مباشرة. من دون المرور 'بلجنة الارتباط" التي كانت تضم 
ممثلين عن احزاب الحركة الوطنية والجبهة اللبنانية والجيش اللبناني» 
ولكن بالرغم من وجود بعض الايجابيات في العلاقات بين المسيحيين 
والفلسطينيين» فانها لم تمنع وقوع معارك دامية بين الطرفين» كما حدث 
في تل الزعتر عندما اقدمت مليشيات 'نمور الاحرار" بقيادة داني 
شمعون بالتعاون مع حزب التنظيم برئاسة جورج عدوان وفرقة آل ب. 
ج الكتائبية بقيادة بشير الجميل» ومجموعة "جيش لبنان" بقيادة فؤاد 
مالك؛ على محاصرة مخيم تل الزعتر تمهيداً لإقتحامه. لقيت هذه 


177 


العملية معارضة رئيس اقليم المتن الشمالي الكتائبي النائب أمين 
الجميل بحجة عدم التنسيق معه مسبقأ في منطقه محسوبة عليه 
عسكرياً وسياسياً. فأمر مليشياته بوضع الحواجز والعراقيل امام 
المهاجمين؛ الأمر الذي افقدهم عنصر المفاجأة وتسبب في مقتل عدد 
كبير منهم في الساعات الأولى للهجوم. استمرت معركة تل الزعتر 
حوالي الشهرين وانتهت باقتحامه من قبل مليشيات الجبهة اللبنانية التي 
قامت بقتل عدد كبير من سكانه» وبغية وقف التعديات بحق المدنيين 
في مخيم تل الزعتر قام شارل غسطين بإرسال مجموعة من الشرطة 
العسكرية التابعة لقسم الوطنيين الاحرار في منطقة السوديكو إلى 
المخيم حيث عملت على مساعدة الصليب الاحمر على اجلاء سكان 
المخيم إلى المنطقة الغربية. 

ادى سقوط مخيم تل الزعتر إلى استعادة الجبهة اللبنانية 
بعضاً من معنوياتهاء والتي كانت قد فقدتها بعد سلسلة من الهزائم قد 
لحقت بها في بداية الحرب الاهلية؛ فراحت تفكر بالإنتقال من الدفاع 
إلى الهجوم؛ وكانت أول عملية جرى التخطيط لها هي احتلال منطقة 
البربير بمساندة الجيش اللبناني» ولكن العملية الغيت في اللحظات 
الاخيرة دون ان تعرف الاسباب. 
الاشرفية عاصمة المسيحيين 

بعد دخول قوات الردع العربية إلى لبنان عام 1976 بدأت 
الامور تتجه نحو التصعيد بين الجبهة اللبنانية والسوريين» وذلك على 
خلفية امتعاض الاحزاب المسيحية من الدخول العسكري السوري إلى 
المنطقة الشرقية. 

في عام 1978 عقد داني شمعون إجتماعاً لعدد من مسؤولي 
حزب الاحرار من بينهم شارل غسطين للبحث في مستقبل العلاقات 
بين الاحزب المسيحية وقوات الردع العربية اوضح خلاله ان دخول 

178 


قوات الردع العربية إلى لبنان جاء وفق شروط وضعتها قوى دولية 
واقليمية على الحكومة السورية وكان ابرزها "عدم تخطي قوات الردع 
العربية للمنطقة الممتدة ما بعد نهر الأولي» عدم استخدام اسلحة 
هجومية في مهامهاء عدم الدخول إلى منطقة جونيه والتي تعتبر 
عاصمة المسيحيين الا بعد موافقة ابنائها". وفي الوقت الذي كانت فيه 
العلاقات بين المسيحيين» ودمشق تتجه نحو التأزم كانت الاتصالات 
بين سوريا واحزاب الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية تثمر نتائج 
ايجابية في إعادة التواصل بين الطرفين؛ الأمر الذي اعتبرته الجبهة 
اللبنانية عملاً خطيراً موجهاً ضدها من قبل السوريين» الذين أصبحوا 
يشكلون بالنسبة لها حصان طروادة في المنطقة الشرقية» فاتفق الرئيس 
كميل شمعون والشيخ بشير الجميل على اخراجهم من الاشرفية» وهم 
مهدوا لذلك بالاعلان؛ بأن الاشرفية هي عاصمة المسيحيين وليست 
جونيه» وكان من شأن هذه الاجواء ان تدفع بالامور باتجاه التأزم على 
الارض بين القوات السورية وابناء المنطقة الشرقية» إلى ان كان 
الانفجار عندما اقدمت القوات السورية على توقيف الشيخ بشير الجميل 
على حاجز لها في الاشرفية» فكانت حرب المئة يوم التي استمرت 
ثلاثة اشهر وانتهت بخروج الجيش السوري من المنطقة الشرقية» وكان 
السوريون قد قاموا قبل حرب المئة يوم بعملية إعادة انتشار لقواتهم في 
الاشرفية فانسحبوا من عدد من احيائهاء وقاموا بانشاء تجمع كبير 
لقواتهم في محيط 'برج رزق". عشية إعادة تجميع القوات السورية في 
الاشرفية حضر الشيخ أمين الجميل وقائد قوات الردع العربية المقدم 
سامي الخطيب إلى مركز حزب الوطنيين الاحرار في السوديكو والتقوا 
بشارل غسطين وقاموا بوضعه في صورة التدابير السورية الجديدة. هذه 
التدابير اعترض عليها شارل غسطين مبديأ تخوفه من نتائجها على 
الارض وهو قال للشيخ أمين: "ان انتشار الجيش السوري في محيط 


1719 


برج رزق والسوديكو سيجعل ظهرنا مكشوفاأ". فأجابه أمين الجميل: 
'كتافك بتحمل"؛ هذا وقد جاعت حرب المئة اليوم لتؤكد صحة تحليل 
شارل غسطين. اذ استطاع السوريون من خلال تمركزهم في برج رزق 
السيطرة بالنار على كامل احياء الاشرفية. 
الكتائب تخطف شارل غسطين... الصراع بين المسيحيين 

لم يؤد المشروع الذي توحدت حوله الاحزاب المسيحية» 
والمتمثل في محاربة الوجود الفلسطيني المسلح على الاراضي اللبنانية؛ 
إلى منع الخلافات والصراعات في ما بينهاء والتي كان سببها الصراع 
على السيطرة والنفوذ بين هذه الاحزاب؛ وكان ابرز المتصارعين هما 
حزبا الكتائب والاحرارء فالكتائبيون لم يكونوا يرتاحون إلى نشاط 
الاحزاب المسيحية الأخرى في المنطقة الشرقية» وكانوا يريدون لهذا 
النشاط ان يمر عبرهمء وعندما حاول حزب الوطنيين الاحرار ان يفتح 
مكتبأ له في منطقة “الرميل"» اعترض الكتائبيون بشدة وكادت الامور 
ان تخرج عن السيطرة بين شارل غسطين ومسؤول الكتائب في منطقة 
الاشرفية 'فرج عبيد", الذي كان معروفاً بسطوته؛ وفي محاولة للحد من 
تنامي نشاط الاحزاب الاحرار في الاشرفية اقدمت عناصر كتائبية على 
خطف شارل غسطين وهي لم تفرج عنه الا بعد تدخل الشيخ بشير 
الجميل» وكان الهدف من عملية الخط فهذه توجيه رسالة إلى الرئيس 
كميل شمعونء للحد من توسع انتشار حزب الوطنيين الاحرار في 
المنطقة الشرقية وخاصة في الاشرفية. وفي اطار سياسة وضع اليد 
على القرار في المنطقة الشرقية» قام جهاز المالية العامة التابع لحزب 
الكتائب بمصادرة جميع الاموال التي كانت تتم جبايتها من المرافق 
العامة في المنطقة الشرقية وتوزع على جميع الاحزاب المسيحية في 
المنطقة الشرقية دعماً للمجهود الحربي»: مما اوقع حزب الوطنيين 
الاحرار والاحزاب المسيحية الأخرى في ازمة مالية» الا انهم استطاعوا 


130 


تجاوزها من خلال انشاء "الجهاز المالي المشترك". الذي عمل على 
فرض رسوم على المؤسسات السياحية والمطاعم وقام بجمع التبرعات 
من المواطنين. 

لم ينحصر الصراع على السلطة في المنطقة الشرقية بين 
حزبي الكتائب والاحرارء بل امتد أيضأ ليشمل العلاقات بين الرئيس 
سليمان فرنجية وحزب الكتائب. 

بدأت الخلافات بين الطرفين عندما حاول حزب الكتائب 
اقتسام الجباية المالية مع تيار المردة في منطقة معامل شكاء الأمر 
الذي اعتبره الرئيس فرنجية» تعديأ واضحاً على نفوذه في منطقة تتبع 
لسيطرته. تصاعد حدة التوتر بين الطرفين» واتخاذه ابعادا سياسية دفع 
بالنائب طوني سليمان فرنجية إلى محاولة احتواء الموقف. فدعا عدد 
من الفعاليات المسيحية من بينها شارل غسطين إلى إجتماعات في 
منزله طرح خلالها مشروعاً لحل الخلافات بين الاحزاب المسيحية» 
وكان واضحاً من خلال هذه الإجتماعات ان فرنجية كان يمهد للأعلان 
عن مشروع سياسي هدفه المصالحة بين سوريا والمسيحيين في لبنان 
تحت رعايته. 

كان شارل غسطين في زيارة إلى الرئيس كميل شمعون, 
عندما وصله خبر اغتيال طوني فرنجية» الذي لم يكن ليحصل لو لم 
يسبقه حادث اغتيال المسؤول الكتائبي "جود البايع' على يد عناصر 
من تيار المردة. ولدى سماعه خبر الاغتيال اصيب الرئيس كميل 
شمعون بالوجوم واستأذن من ضيوف كانوا في منزله ودخل إلى غرفة 
الصالون وجلس وحيداً . 

بعد 'اهدن" جاء دور الصفرا التي شهدت مجزرة ذهمب 
ضحيتها سبعون مدنياً اضافة إلى عدد كبير من عناصر حزب 
الوطنيين الاحرار. 

سبق احداث الصفرا دعوة إسرائيلية للأحزاب في المنطقة 

181 


الشرقية للتوجه إليها بمحاور واحد وكان اكثر المتحمسين لهذه الدعوة 
هما الشيخ بشير الجميل وداني شمعونء اللذان دخلا بمنافسة على 
الفوز بهذه الافضلية. بدأ بشير خطته لأزاحة داني شمعون من المنطقة 
الشرقية؛ بابداء تذمره من تجاوزات مليشيا نمور الاحرار في منطقة 
الصفراء والذي لم يكن وحده يشكو من تجاوزاتها. ففي خلال إجتماع 
ضم الاباتي بولس نعمان» وشارل غسطينء ومسؤول حزب الوطنيين 
الاحرار في منطقة كسروان رشيد الخازن!» شكا الاخير أيضاً من هذه 
التجاوزات. 

احداث الصفرا سبقتها اشتباكات عنيفة بين حزبي الكتائب 
والاحرار في منطقة المتن الجنوبي؛ تمكن خلالها نمور الاحرار من 
السيطرة على المنطقة وطرد الكتائبيين منها بعد ان قتلوا تسعة منهم. 
بعد هذه المعركة شعر داني شمعون بارتفاع كبير في معنوياته لدرجة 
انه قام بالغاء إجتماع المصالحة الذي كان مقرراً عقده بينه وبين بشير 
الجميل في مقر قيادة القوات اللبنانية في منطقة السيوفي بحضور 
الرئيس كميل شمعونء وعندما حاول بعض المقربين منه اقناعه بالعودة 
عن قراره والتوجه للقاء بشير الجميل قال لهم: 'نحنا الربحانين ويلي بدو 
يانا بيجي لعنا على مركز الحزب في السوديكو". عشية احداث الصفرا 
زار النائب ادمون رزق منزل الرئيس كميل شمعونء وابلغه بحضور 
شارل غسطين انه في حال حصول مواجهات عسكرية بين حزبي 
الكتائب والاحرارء فأنه سيقوم بتقديم استقالته من حزب الكتائب". وقبل 
ساعات قليلة من اندلاع المعارك في الصفرا تلقى شارل غسطين 
اتصالاً هاتفيً من شخص من آل خير الله عضو الحزب السوري 
القومي الإجتماعي الذي نقل اليه تفاصيل الخطة الكتائبية لاحتلال 
الصفرا. هذه المعلومات نقلها شارل غسطين إلى الرئيس كميل شمعون 


' نائب سابق في البرلمان اللبناني. 
182 


الذي عاد ليتصل به ليبلغه بأن نجله داني غير مقتنع بجدية هذه 
التهديدات". وفي صباح السابع من تموز صدرت جريدة العمل الناطقة 
بلسان حزب الكتائب» وعلى صفحتها الأولى خبر عن قيام عناصر من 
حزب الاحرار باعدام أحد الكتائبيين» وسرعان ما تبين ان الخبر غير 
صحيح. وان الهدف منه هو تهيئة الرأي العام لتقبل نتائج الضربة التي 
كان يزمع بشير الجميل توجيهها إلى داني شمعون. بعد ان تمكن 
الكتائبيون من السيطرة على مواقع الاحرار في الصفرا توجهوا إلى 
المركز الرئيسي لحزب الوطنيين الاحرار في السوديكو وقاموا 
بمحاصرته من دون الدخول اليه؛ وفي ذروة هذا المشهد المتأزم اتصل 
كريم بقرادوني بشارل غسطينء والذي كان موجوداً داخل المركز 
المحاصر في السوديكو وابلغه انه في طريقه اليه برفقة عدد من 
المسؤولين في حزب الكتائب للبحث في وضع حد لتدهور الأوضاع في 
المناطق الشرقية. كان الاتفاق تامأ بين شارل غسطين وكريم بقرادوني 
على ضرورة عقد لقاء بين الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل 
باسرع وقت ممكن. وتكفل شارل غسطين باقناع الرئيس شمعون 
بحضور الإجتماع. نزل الرئيس شمعون عند رغبة شارل غسطين 
وتوجه برفقته للقاء الشيخ بيار الجميل في دير مار روكز في 
السوديكو. حيث تم الاتفاق على ضرورة إعادة تنظيم العلاقات بين 
احزاب الجبهة اللبنانية» وتم تأليف لجنة لهذه الغاية ضمت كل من 
شارل غسطين وبشير الجميل وزاهي البستاني وعدد من مسؤولي حزبي 
الكتائب والاحرار والتي توصلت في نهاية عملها إلى اتفاق كان من 
ابرز بنوده: "خضوع القوات اللبنانية للقرار السياسي للجبهة اللبنانية» 
تسليم مراكز حزب الاحرار التي سيطر عليها حزب الكتائب إلى الجيش 
اللبنائي؟". 


' نص الاتقاق في آخر فصل من الكتاب. 
153 


حاول الرئيس كميل شمعون استيعاب التطورات» التي رضت 
عليه بعد احداث السابع من تموز بكثير من التعقل» فدعا إلى إجتماع 
لمسؤولي حزب الوطنيين الاحرار في منطقة المتن الجنوبي للتشاور 
معهم في تطورات المرحلة الراهنة» وكانت منطقة المتن الجنوبي قد 
بقيت تحت سيطرة حزب الاحرارء ولم تصلها احداث السابع من تموزء 
وقبل موعد الإجتماع تلقى شارل غسطين اتصالاً من رئيس جهاز 
الامن القوات اللبنانية ايلي حبيقة» وكان هذا الاتصال هو الأول بينهما 
ونصحه خلاله ايلي حبيقة بعدم حضور الإجتماع بعد ان قال له: 
'داني شمعون مغشوش بصداقته لجوني عبده وهناك اتفاق بيننا وبين 
وجوني عبدهء والجيش اللبناني في عين الرمانة غير مستعد لتحمل 
نتائج المعركة بين حزبي الكتائب والاحرار وهو سيقف مع الرابح» وان 
اتفاقنا مع جوني عبده يعني اننا الرابحون. اما بالنسبة 'للزغلول"! ققد تم 
تحييده من خلال اغرائه» وعلى الحنش أن يمشي والا فإنه سيمشي". 

تحذيرات حبيقة هذه قرر شارل غسطين عدم نقلها الى الرئيس 
كميل شمعون خوفاً من انعكاسها على نتائج إجتماعه مع مسؤولي 
حزبه» وكان غسطين قد تلقى معلومات في وقت سابق عن وجود 
اشخاص داخل حزب الاحرار يعملون على افشال الإجتماع وانهم 
حاولوا اقناع داني شمعون بأن شارل غسطين قد تخلى عنه. 

عُقد الإجتماع بين الرئيس شمعون ومسؤولي الحزب في منزل 
جوزف الاسمر في الحازمية؛ وحاول خلاله الرئيس كميل شمعون اخفاء 
خبر الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين قيادات الجبهة اللبنانية عن 
مسؤولي حزبه؛ الا انه فوجئ بانهم كانوا على علم به ومع ذلك ظل 
على انكاره ان يكون هناك اتفاقأً قد حصلء ونتيجة لهذا التجاذب انتهى 
الإجتماع دون التوصل إلى أي نتيجة تذكرء وفي طريق العودة إلى 


' أحد مسؤولي حزب الاحرار في منطقة عين الرمانة. 
154 


بيروت اخبر شارل غسطين الرئيس شمعون بالاتصال الذي جرى بينه 
وبين ايلي حبيقة» لكن الرئيس شمعون قلل من اهميته واعتبره مجرد 
تهويل» ولكنه سرعان ما تبين له ان تقديراته لم تكن في محلها وذلك 
عندما قامت القوات اللبنانية باجتياح منطقة عين الرمانة وطربت 
عناصر حزب الاحرار منها وعلى رأسهم 'الحنش"؛ دون ان تحرك قوات 
الجيش اللبناني التي كانت تسيطر على المنطقة ساكناًء بل على 
العكس من ذلك فهي قامت بالانسحاب من مواقعها تاركة الساحة 
بشير الجميل: 'حزب الكتائب ليس حزبا ديمقراطيا" 

حاول بشير الجميل بعد ان فرض سيطرته على المنطقة 
الشرقية استرضاء الرئيس كميل شمعون فزاره في منزله» وعرض عليه 
تعيين شارل غسطين نائبأ لقائد القوات اللبنانية فوافق شمعون على 
الفورء وكانت أحد الاسباب التي دعت بشير الجميل إلى اختيار شارل 
غسطين نائباً له هي اشادة رئيس 'مؤسسة كوفرد اندهور" الالمانية بهء 
والذي كان قد تعرف إلى شارل غسطينء خلال حلقة دراسية حول 
الوضع المسيحي في الشرق الاوسط عُقدت في دير مار شعيا في 
تشرين أول عام 1981. 

حرص شارل غسطين خلال توليه مسؤولية نائب قائد القوات 
اللبنانية» على عدم الموافقة على كل ما لا يتألف مع قناعاته» وهو 
وقف ضد قرار بشير الجميل بفتح معركة في زحلة. ولكن بشير اصر 
على فتح المعركة وقال لشارل غسطين: 'ان ما قُرر قد قرر". كانت 
إحدى اهداف بشير من معركة زحلة هي اثبات نفسه كزعيم مسيحي 
قادر على تولي رئاسة الجمهورية. وكان بشير يبدي دائما خلال 
إجتماعات قيادة القوات اللبنانية ثقته بالوصول إلى رئاسة الجمهورية 
حتى انه عندما زار الرئيس كميل شمعون في منزله لإطلاعه على نيته 

185 


بالترشح لرئاسة الجمهورية قال له الاخير: 'يا بني بالنهاية المعركة 
معركة نصاب”". فأكد له بشير انه واثق من تأمين النصاب. 

بعد انتخابه رئيس للجمهورية عرض 'بشير" على شارل 
غسطين الحلول مكانه في قيادة القوات اللبنانية» لكن غسطين تردد في 
القبول» واقترح على بشير دمج القوات اللبنانية بالجيش اللبناني لكن 
بشير اصر على اقتراحه وقام بعرضه على المكتب السياسي لحزب 
الكتائب الذي رفض ان يكون قائد القوات اللبنانية غير كتائبي؛ مما 
جعل بشير يستاء ويقول لشارل غسطين: "ان حزب الكتائب ليس حزباً 
ديمواقراطياً"» وفي الوقت الذي كان فيه البحث جاريأ عن قائد جديد 
للقوات اللبنانية اتصل المسؤول القواتي "جان ناضر" بشارل غسطين» 
وطلب منه دعم ترشحه لقيادة القوات اللبنانية. بعد تعذر الاتفاق على 
الاسم الذي سيخلف بشير في قيادة 'القوات" دعا شارل غسطين بوصفه 
نائبأ لقائد القوات اللبنانية مجلس 'قيادة القوات" إلى جلسة لانتخاب قائد 
جديد للقوات اللبنانية» وبنتيجة التصويت فاز 'فادي افرام"' بمنصب قائد 
القوات. اللبنانية. جلسة انتخاب قائد جديد للقوات اللبنانية لم يتدخل 
بشير بمجرياتها مطلقاًء وهو علم بنتائجها من شارل غسطين بعد انتهاء 
عملية التصويت حين التقاه على مدخل مقر قيادة القوات اللبنانية 
وسأله:" مين انتخبتوا". كان أول ما ينوي فعله بشير بعد انتخابه رئيساً 
للجمهورية هو الطلب إلى القوات اللبنانية الانسحاب من الجبل واحلال 
الجيش مكانها. 

صعود القوات اللبنانية إلى الجبل عارضه الرئيس شمعون 
واعتبره فخاً إسرائيلياً لن ينجو منه احدء وعندما قامت القوات اللبنانية 
بفرض التجنيد الاجباري على الشباب المسيحي في الجبل رفض 
الرئيس شمعون ان يطال التجنيد ابناء بلدته دير القمرء الأمر الذي 
عرضه لأنتقادات لاذعة من قبل بعض مسؤولي القوات اللبنانية» وفي 


156 


تعبير واضح عن سخطه على تورط القوات اللبنانية في حرب الجبل 
رفض الرئيس شمعون استقبال سمير جعجع في منزله بعد خروجه من 
دير القمرء وقال لشارل غسطين: 'شو بدو يجي يعمل: يلي بدو 
يخبرني ياهون عمل يوصلوني يومياً من جورج ديب نعمة"!. ولكن 
شمعون عاد واستقبله بعد الحاح من جعجع على شارل غسطين لتأمين 
لقاء له مع الرئيس شمعون. جاء الإجتماع بين الرئيس شمعون وسمير 
جعجع فاتراً للغاية وهو لم يدم اكثر من خمس دقائق اعتذر بعدها 
الرئيس شمعون من ضيفه متذرعاً بأسباب صحية. 
أمين الجميل: جعجع وحبيقة زلم إسرائيل 

بعد انتخابه رئيساً للجمهورية حاول أمين الجميل ان يضع يده 
على القوات اللبنانية» لكن قادة “القوات" رفضوا الخضوع لنفوذهء مما 
ادى إلى ازدياد النفور بين الطرفين» والذي كان اصلاً موجوداً منذ ان 
كان بشير قائداً للقوات. وكان أول عمل قام به أمين الجميل بعد ان 
أصبح رئيساً للجمهورية هو ازاحة فادي افرام من قيادة القوات واحلال 
ابن شقيقته فؤاد أبو ناضر مكانه. كان افرام من المعارضين لمشروع 
دمج القوات اللبنانية بالجيش اللبناني الذي كان يسعى أمين الجميل 
لتنفيذه. وكان شارل غسطين قد حاول اقناع رئيس حزب الكتائب 'ايلي 
كرامه"» بتأجيل مشروع انتخاب قائد جديد اللقوات" بانتظار ظروف 
افضلء وبعد ان وافقه كرامه الرأي عاد ليتراجع عن موقفه بسبب 
الضغوط التي مارسها عليه أمين الجميل. 

كان شارل غسطين في طريقه لتناول العشاء مع زوجته في 
برماناء عندما اتصل به الدكتور ايلي كرامه؛ وطلب منه الحضور إلى 
مقر بيت الكتائب في الصيفيء لمواكبة قرار المكتب السياسي الكتائبي 
بترشيح فؤاد أبو ناضر لمنصب قائد القوات اللبنانية» فوجئ غسطين 

157 


بهذا الترشيح؛ وعاد فوراً إلى بيروت»؛ واجتمع إلى فؤاد أبو ناضر في 
بيت الكتائب في الصيفي وحاول اقناعه بسحب ترشحه لمنصب قائد 
القوات اللبنانية لكن أبو ناضر لم يقتنع وظل مصرأ على ترشحه؛ وفي 
هذه الاثناء وصل فادي افرام إلى بيت الكتائب والتقى فواد أبو ناضر 
وكان اللقاء متشنجاً للغاية. وفي تدبير احترازي هدفه منع فادي افرام 
من القيام بأي حركة اعتراضية احتجاجأً على انتخاب فؤاد أبو ناضر 
قائداً 'للقوات" طلب المكتب السياسي الكتائبي من الاعضاء الكتائبيين 
في مجلس قيادة "القوات"؛ التوقيع على قرار سحب الصلاحيات المالية 
من فادي افرام بحجة انه قد أصبح قائداً سابقاً للقوات اللبنانيةء شكل 
هذا التدبير صدمة لفادي افرام خاصة انه قد اتى قبل انتخاب فؤاد أبو 
ناضر قائدأ للقوات بشكل رسميء فكانت ردة فعله هي انه اتخذ قراراً 
بالخروج من واجهة الاحداث؛ واعلانه انه سيقترع لصالح فؤاد أبو 
ناضر. 

بعد انتخاب فواد أبو ناضر قائداً للقوات اللبنانية انتقل أمين 
الجميل إلى تنفيذ المرحلة الثانية من خطته؛ فأعلن نيته دمج القوات 
اللبنانية بالجيش اللبناني» لكن قراره هذا جوبه باعتراض معظم مسؤولي 
القوات وفي طليعتهم ايلي حبيقة وسمير جعجع وكريم بقرادوني؛ الذين 
قرروا التحالف فيما ابينهم من اجل التصدي لهذا المشروع وإعادة 
الإمساك بالقرار على الارض. فكانت حركة 12 اذار 1985. من 
جهته رفض فؤاد أبو ناضر التصدي للمتمردين واعلن انه لن ينجر إلى 
لعبة الدم. 

شكلت انتفاضة 12 آذار مفاجأة كاملة للرئيس أمين الجميل» 
الذي سمع بخبر الانتفاضة بينما كان يستقل الطائرة إلى موسكو في 
زيارة رسمية فعاد إلى قصر بعبدا لمواكبة التطورات. كان اكثر ما 
فوجئ به أمين الجميل في هذه الانتفاضة؛ هو مشاركة ايلي حبيقة بها 


158 


وخاصة انه كان قد اتفق معه في وقت سابق على تعيينه رئيساً 
للمجلس الحربي الكتائبي. 

حاول رئيس الجمهورية استيعاب التطورات» فدعا الفاعليات 
السياسية والروحية المسيحية إلى إجتماع في قصر بعبدا لتدارس 
الخطوات المقبلة؛ وكان شارل غسطين من بين الذين حضروا الإجتماع 
بتكليف من قائد القوات اللبنانية فؤاد أبو ناضر. 

انبثق عن الإجتماع لجنة اوكل إليها معالجة التصدعات في 
داخل البيت المسيحي وعُرفت بأسم لجنة الحكماء وكانت مؤلفة من 
'مخايل الضاهرء والياس الهراوي» وميشال المرء وخليل أبو حمدء 
وجبران طوقء وخاتشيك باباكيان» وفؤاد بطرس". ثم اضيف إليها اسم 
شارل غسطين بناء على اقتراح الوزير فؤاد بطرسء لم تتوصل اللجنة 
في عملها إلى أي نتيجة» وذلك بسبب فقدان عامل الثقة بين الرئيس 
أمين الجميل واركان حركة 12 اذارء وكان الرئيس الجميل قد قال اكثر 
من مرة لشارل غسطين: "اذهب إلى لجنة الزوات (الحكماء) وقل لهم 
ان سمير جعجع وايلي حبيقة زلم إسرائيل"؛ وبعد تعذر ايجاد حل بين 
اركان حركة 12 اذار والرئيس الجميل اعلن المنتفضون تشكيل قيادة 
جديدة للقوات تقاسم فيها السلطة كل من سمير جعجع وايلي حبيقة 
وكريم بقرادوني. 

جاءت ردة الفعل السورية على حركة 12 آذار سلبية» فهدد 
وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس باجتياح المنطقة الشرقية متهماً 
إسرائيل بانها وراء هذه الحركة. 

تهديدات وزير الدفاع السوري اخذتها قيادة القوات اللبنانية 
على محمل الجد فاجتمعت وقررت الاتصال بالمسؤولين السوريين 
وافهامهم ان ما جرى هو شأن داخلي بحت ولا يستهدف الدور السوري 
في لبنان» وجرى تكليف كريم بقرادوني بالاتصال بنائب الرئيس السوري 


159 


عبد الحليم خدام لهذه الغاية. رفض خدام في بداية الأمر الرد على 
اتصالات كريم بقرادوني المتكررة به لكنه عاد وقبل ان يتحدث معه. 
استطاع بقرادوني اقناع عبد الحليم خدام بأن حركة 12 اذار غير 
موجهة ضد الدور السوري في لبنان» فكان ان هدأت الامور وعدل 
السوريون عن قرارهم بالدخول إلى المناطق المسيحية. بعد ذلك حاول 
كريم بقرادوني» وسمير جعجع تسوية علاقاتهما بالرئيس أمين الجميل 
والقيادة السورية بمعزل عن ايلي حبيقة» وقاما بكتابة رسالة إلى الرئيس 
أمين الجميل يفوضانه فيها بملف العلاقات مع دمشقء لكن الرسالة 
وقعت بيد ايلي حبيقة الذي دعا اعضاء مجلس قيادة القوات اللبنانية 
إلى إجتماع طارئ دون ان يفصح لهم عن الغاية من هذه الدعوة. 
استهل ايلي حبيقة الإجتماع بتوجيه انتقادات قاسية الى كريم بقرادوني 
متجنباأ تناول سمير جعجع, وبعد ان انهى حديثه اعلن ترشحه لمنصب 
رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية من منطلق انه لا يجوز ان تستمر 
القيادة بعدة رؤوس. وافق الجميع على ترشح ايلي حبيقة وفي طليعتهم 
سمير جعجع وكان ذلك في 9 ايار 1985. 

بعد انتخاب ايلي حبيقة رئيساً للهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية» 
ساد شعور عند شارل غسطين بأن المنطقة الشرقية قادمة على حمام 
دم لا محالة بين سمير جعجع وايلي حبيقة» وهو افصح عن مخاوفه 
هذه امام جورج عدوان وفادي افرام» وفي اطار تشكيل مجلس قيادة 
جديد للقوات اللبنانية قام ايلي حبيقة بتعيين شارل غسطين أميناً 
للعلاقات للخارجية في القوات اللبنانية. 

ترافق انتخاب ايلي حبيقة رئيساً للهيئة التنفيذية في القوات 
اللبنانية»؛ مع ظهور اجواء مشجعة توحي بإمكانية قيام حوار بين القوات 
اللبنانية والقيادة السورية» وخلال إجتماع لقيادة القوات اللبنانية طلب 
ايلي حبيقة من اعضاء مجلس "القيادة" الذين باستطاعتهم التواصل مع 


30ظ1 


دمشق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ان يبادروا إلى ذلكء وسرعان ما 
فتحت قنوات اتصال بين سوريا والقوات اللبنانية بواسطة 'ميشال 
سماحة وجان عبيد"؛ والتي اسفرت عن تحديد موعد لزيارة يقوم بها وفد 
من القوات اللبنانية برئاسة ايلي حبيقة إلى دمشق. احتج شارل غسطين 

بصفته أمين عام العلاقات الخارجية؛ على عدم ادراج اسمه في عداد 
الوفد القواتي الذاهب إلى دمشق فنزل حبيقة عند طلبه وقام بحذف اسم 
جورج عدوان من قائمة الوفد وادرج مكانه اسم شارل غسطين. 

كان الاتفاق بين حبيقة والقيادة السورية على إبقاء الزيارة 
سرية» ولكن الخبر ما لبث ان تسرب إلى الاعلام فقام أحد الصحافيين 
في جريدة "الانوار" بالاتصال بشارل غسطين وسأله عن اجواء الزيارة 
فأجابه شارل غسطين باقتضاب شديد: "كانت الاجواء منيحة". وفي 
اليوم التالي اتصل ايلي حبيقة بشارل غسطينء وقال له انه يشك بأن 
يكون ميشال سماحة وراء تسريب خبر الزيارة إلى الاعلام. رفض 
غسطين تحميل المسؤولية لغيره واوضح لحبيقة حقيقة الموضوع وبعد 
ان استمع حبيقة إلى شارل غسطين طلب منه الاكتفاء بمسؤوليته 
كأمين عام للعلاقات الخارجية في القوات اللبنانية وعدم الالتفات إلى 
ملفات أخرى. 

بعد زيارة وفد القوات إلى دمشق قرر الرئيس فرنجية فتح 
صفحة جديدة من العلاقات مع قيادة القوات اللبنانية وكلف الاباتي 
بولس نعمان وقائد قوات المردة سيمون بولس بمتابعة الموضوع, 
فاتصل الاباتي نعمان بشارل غسطين وطلب إلى قيادة القوات اللبنانية 
أن تختار عدداً من الاسماء لتمثيلها في المفاوضات مع الرئيس 
فرنجية» على ان يقوم الرئيس فرنجية بانتقاء اسمين من هذه الاسماء. 
وافقت قيادة القوات على الاقتراح» واختار الرئيس فرنجية اسمي شارل 
غسطين واتيان صقر من بين الاسماء التي غغرضت عليه. 


1831 


بعد تحديد موعد الزيارة إلى زغرتا استدعى ايلي حبيقة شارل 
غسطين وسأله عن برنامج اللقاءات» فاوضح له غسطين بأن الوفد 
سيلتقي روبير سليمان فرنجية اول وفي حال حصول تقدم في 
المفاوضات فأنه سيزور الرئيس فرنجية لاستكمال المباحثات وتناول 
الغداء على مائدته. اعترض ايلي حبيقة على البرنامج؛ واشترط لأعطاء 
موافقته على الزيارة ان يذهب الوفد رأساً للقاء الرئيس سليمان فرنجية. 
ادرك شارل غسطين من كلام حبيقة ان الغاية منه هو استبعاده من 
الوفد لأسباب يجهلها فقرر ان يبادر إلى الاعتذار عن الذهاب إلى 
زغرتا. 

بعد اعتذار شارل غسطين واتيان صقر جرى تكليف عددا من 
الرهبان المقربين للقوات اللبنانية بالقيام بهذه الزيارة» لكن زياراتهم لم 
تأت بالنتائج المرجوة» وسرعان ما تبين ان سبب عرقلة ايلي حبيقة 
زيارة شارل غسطين واتيان صقر إلى الرئيس فرنجية»؛ هي انه كان يعد 
لزيارة يقوم بها بنفسه إلى زغرتا برفقة ميشال المر الذي لعب دورا 
اساسيا بالتمهيد للمصالحة بين ايلي حبيقة والرئيس فرنجية. 
بدي اعرف كم وزير بيطلعلي 

صحيح ان شارل غسطين لم يجلس على طاولة مفاوضات 
الاتفاق الثلاثي بين حركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات 
اللبنانية في دمشقء, لكن ذلك لم يمنعه من الاطلاع على الكثير من 
الظروف والتفاصيل التي احاطت بالاتفاق» من خلال موقعه كأمين 
عام للعلاقات الخارجية في القوات اللبنانية. 

كان ابرز المشجعين لإنجاز الاتفاق السفيران الأميركي 
والبريطاني في لبنان اضافة إلى سفراء بعض الدول العربية» اما ابرز 
المتحفظين عليه فكان السفير المصري في بيروت 'نهاد عسقلان”. 
والذي كان دائماً يحض القوات اللبنانية على الانسحاب من 


1532 


المفاوضاتء وكان ,أيه ان الاتفاق في حال ابرامه؛ فأنه سيؤدي إلى 
تقويض استقلال لبنان» وخلال أحد إجتماعاته مع شارل غسطين اخرج 
عسقلان من جيبه مسودة الاتفاق وراح يعلق على بعض النقاط الوراد 
فيهاء تعجب شارل غسطين من كيفية حصول السفير عسقلان على 
نسخة من مسودة الاتفاق» خاصة انه كان هناك اتفاق بين جميع 
الاطراف على ابقائه سرياً ريثما تنتهي المفاوضات بشأنه ويتم الاعلان 
عنه؛ وكانت قيادة القوات اللبنانية قد منعت اعضاءهاء من تدوين أي 
ملاحظة خطية حول الاتفاق في إجتماعات مجلس "القيادة"» وذلك 
خوفاً من تسربها إلى الخارج؛ وهذا قد تبين فيما بعد أن المسؤول عن 
التسريب هو سمير جعجع. 

وكان سمير جعجع قد اعطى موافقته على الاتفاق الثلاثي في 
بداية الأمرء وهو كان على اطلاع دائم على سير المفاوضات في 
دمشق؛ حتى انه سأل في أحد الإجتماعات» عن حصته من النواب 
والوزراء المسيحيين بعد ابرام الاتفاق. 

كان موضوع المثالثة ضمن المناصفة اكثر المواضيع التي 
اخذت جدلاً في إجتماعات قيادة القوات اللبنانية واستلزمت مناقشته 
جلسات عديدة؛ وعشية عيد الميلاد عام 1985 عقدت قيادة القوات 
اللبنانية جلسة للتصويت على هذا البند انتهت بنيله اغلبية الاصوات. 

عشية التوقيع على الاتفاق الثلاشي في دمشقء تداعت 
القيادات المسيحية لعقد إجتماع في بكركي للخروج بموقف موحدء وقد 
ظهر من خلال هذان الإجتماعان إن معظم القيادات المسيحية هي مع 
الاتفاق» وكان في طليعة المتحمسين له الوزيرين 'فؤاد بطرس وخليل 
أبو حمد' اللذان دافعا عنه بشدة؛ اما ابرز المعارضين فقد كان سمير 
جعجعء في حين فضل الرئيس كميل شمعون الانسحاب من الإجتماع 
قبل اعطاء رأيه متذرعاً باسباب صحية:؛ وفي نهاية الإجتماع تحدث 


103 


ايلي حبيقة فأعلن تمسكه بالتوقيع على الاتفاق» داعياً من هو ضده إلى 
معارضته معتبراً ان الكلمة الفصل هي لمجلس النواب. 

قبل التوقيع على الاتفاق الثلاثي: كان القادة المسيحيون 
بمعظمهم مع الاتفاق؛ ولكن المشهد بدأ يتغير فجأة بعد الإجتماع الذي 
عقد في منزل ميشال المر بين السفير الأميركي في بيروت 'برتليميو' 
وايلي حبيقة والذي دعا خلاله السفير الأميركي ايلي حبيقة» إلى عدم 
التوقيع على الاتفاق والاكتفاء بإطالة امد المفاوضاتء. لكن حبيقة 
رفض التجاوب مع هذا الطلب معتبرا ان الاتفاق الثلاثي يشكل فرصة 
لانهاء الحرب الاهلية؛ وإعادة لململة صفوف المسيحيين من جديد. 

في 1985/12/29 توجه وفد من قيادة القوات اللبنانية 
للمشاركة في حفل التوقيع على الاتفاق الثلاثي في دمشقء وكان ايلي 
حبيقة قد طلب من شارل غسطين ان يكون في عداد الوفد لكن الاخير 
ترددء وكان شعوره ان التوقيع على الاتفاق سيؤدي إلى حرب في 
المنطقة الشرقية» لكن مخاوفه هدأت وعاد ليقرر المشاركة في حفل 
التوقيع بعد ان شاهد كريم بقرادوني يصعد بسيارة واحدة مع ايلي حبيقة 
وميشال سماحه؛ ويتوجه برفقتهما إلى دمشق. 

في دمشق حاول بقرادوني اقناع المسؤولين السوريين» 
بالانفتاح على سمير جعجع بحجة ان ذلك سيؤدي إلى تحصين 
الاتفاق: لكن المسؤولين السوريين ابدوا ترددهم حيال هذا الأمرء مراعاة 
لمشاعر الرئيس سليمان فرنجية ٠‏ 

بعد انتهاء حفل التوقيع عاد شارل غسطين إلى بيروت بسيارة 
واحدة مع اسعد شفتري» وعندما وصلا إلى مدخل المنطقة الشرقية قال 
له الشفتري: 'يبدو ان المنطقة هادئة» والامور قطعت على خير". ولكن 
في اليوم التالي تبين للشفتري ان توقعاته لم تكن صائبة» وذلك عندما 
نجا من كمين في منطقة نهر الموت كان المستهدف الرئيسي فيه ايلي 


154 


حبيقة» وبعد شيوع خبر الكمين اتصل شارل غسطين بكريم بقرادوني 
وقال له: 'انت المهندس الذي يقف وراء كل هذه الاعمال ويلي شبكنا 
بكلهداء وطلب منه ان يعمل على جمع ايلي حبيقة وسمير جعجع؛ 
حقناً للدماء في المنطقة الشرقية. 

في صبيحة يوم 15 كانون الثاني عام 1986» بدأ القصف 
على مبنى جهاز الامن في القوات اللبنانية وكان مصدره مدفعية 
الجيش اللبناني وبإشراف من مدير المخابرات العميد سيمون قسيس» 
بعد ذلك بدأت عناصر تابعة لسمير جعجع هجوماً على مبنى جهاز 
الأمن والذي كان ايلي حبيقة محاصراً بداخله؛ استمرت المعركة بضع 
ساعات وانتهت بهزيمة ايلي حبيقة وسقوط الاتفاق الثلاثي. 

بعد سقوط الاتفاق الثلاثي دعا سمير جعجع قيادة القوات 
اللبنانية إلى إجتماع برئاسته كان لافتأ خلال الإجتماع ان جعجع لم 
يتطرق إلى موضوع الاتفاق الثلاثي الا عرضاء وكان طوال الوقت 
يركز على توجيه الانتقادات لأيلي حبيقة متهما اياه بمصادرة القرار 
المالي في القوات اللبنانية» وبمحاولة بناء قوة عسكرية خاصة به تفوق 
قدرة قواتيي الشمال. 
خضّة في حزب الاحرار 

لم يود اخراج ايلي حبيقة من المنطقة الشرقية» إلى اسقاط 
الاتفاق الثلاثي فقط بل انه وضع أيضاً نهاية لحركة اعتراضية في 
حزب الوطنيين الاحرار قام بها عدد من قيادي الحزب في طليعتهم 
شارل غسطين وايلي اسودء احتجاجا على انتخاب داني شمعون رئيسا 
للحزب. 

بدأت القصة مع عودة داني شمعون إلى المنطقة الشرقية 
عام 1984»: والتي كان قد غادرها بعد احداث الصفرا عام 1980. 
وكان لعودته اثر ايجابي على مناصريه فارتفعت معنوياتهم مجددأء 

155 


وراحوا يطالبون بانتخابه رئيساً للحزب مكان والدهء والذي كان قد أصابه 
الوهن بسبب تقدمه في السنء وفي مقابل هذه الدعوات برزت آراء 
أخرى تدعو إلى التمسك ببقاء كميل شمعون على رأس الحزب كونه 
الأقدر على ادارة المرحلة» وكان من ابرز الداعين إلى بقاء كميل 
شمعون في منصبه هما شارل غسطين وايلي اسودء واللذان اجريا 
سلسلة اتصالات مع عدد من المسؤولين الحزبيين من اجل قطع 
الطريق على إمكانية حدوث أي تغيير في رئاسة الحزب في الظروف. 
الراهنة» وعشية المؤتمر العام للحزب في 25 آب 1980 استدعى 
الرئيس كميل شمعون شارل غسطين وطلب منه القاء كلمة في الجلسة 
الافتتاحية للمؤتمرء يعلن فيها عدم موافقته على اجراء انتخابات رئاسية 
حزبية في الظروف الراهنة. 

استجاب غسطين لطلب الرئيس شمعونء؛ وبعد انتهائه من 
0 متوقعة تمثلت في اعتلاء داني شمعون 
المنبرء واعلانه ترشحه لرئاسة الحزب؛ ليقف بعدها الرئيس شمعون 
ويعلن دعمه لهذا الترشيح؛ شكل هذا المشهد صدمة لعدد من مسؤولي 
الحزب وفي طليعتهم شارل غسطين وايلي اسود وسيريل بسترس». 
فاعلنوا انسحابهم من الجلسة وعدم اعترافهم بغير الرئيس كميل شمعون 
رئيسأ للحزب. هذا وقد جاء تغير موقف كميل شمعون بين ليلة 
وضحاهاء نتيجة ضغوطات مارسها عليه ولديه دوري وداني اللذان قالا 
له: "ان الكتائب والقوات اللبنانية ينتظران موتك حتى يضعا يدهما على 
الحزب". بعد ان أصبح داني شمعون رئيساً للحزب اصدر قراراً بفصل 
شارل غسطين وايلي اسود وسيريل بسترس بتهمة التمرد على قرارات 
الجمعية العمومية وعدم الاعتراف بشرعية الرئيس المنتخبء وبالرغم 
من هذا القرار فقد ظل شارل غسطين على اتصال يومي بالرئيس 
شمعون؛ وخلال زيارة قام بها إلى منزل الرئيس شمعون طلب منه 


1536 


الاخير ان يكتب نصأ يتضمن قراراً بإلغاء نتائج الجمعية العمومية 
للحزب التي عُقدت مؤخراأ ويأتي به اليه لكي يوقعه» لكن شارل 
غسطين لم يوافقه الرأي» ودعاه إلى التفاهم مع ابنه داني اولاً حفاظأ 
على علاقته العائلية بولديه. 

بعد سقوط الاتفاق الثلاثي اتصل سمير جعجع بشارل 
غسطين.ء وابلغه انه سيرسل له جورج عدوان للحديث معه في امر هام» 
وكان غسطين في ذلك الوقت يستعد للسفر إلى فرنسا لأسباب تتعلق 
بالوضع الصحي لزوجته؛ كان الهدف من زيارة عدوان لغسطين هو 
محاولة اقناعه بالبقاء في لبنان» والانضمام إلى القيادة الجديدة للقوات 
اللبنانية التي شكلها سمير جعجع؛ فطلب غسطين مهلة للتفكير ليعود 
ويتصل بجورج عدوان في اليوم التالي؛ ويبلغه بأنه ما زال مصراً على 
السفر. 

وعشية مغادرة شارل غسطين إلى فرنسا اتصل به سمير 
جعجع؛ واعطى سماعة الهاتف لكريم بقرادوني» الذي عرض عليه 
إرسال صحافي من المؤسسة اللبنانية للإرسال» للحصول منه على 
تصريح يهاجم فيه داني شمعون. رفض شارل غسطين التجاوب مع 
رغبة بقرادوني وقال له: "ان طرحك هذا غير اخلاقي وخاصة انه يأتي 
بعد يوم واحد من زيارةٍ قام بها سمير جعجع إلى الرئيس كميل شمعون 
خرج بعدها من عنده وهو يضع يده بيد داني شمعون". وخلال وجود 
شارل غسطين في فرنسا زاره داني شمعون في مقر اقامته وشكره على 
موقفه؛ واخبره ان أحد ضباط المخابرات في الجيش قد اسمعه تسجيلاً 
صوتياً للحديث الاخير الذي جرى بينه وبين بقرادوني. 

امضى شارل غسطين عشرة اشهر في فرنسا عاد بعدها إلى 
بيروت؛ وبعد اسبوع على عودته قام ايلي حبيقة بمحاولته لأختراق 
المنطقة الشرقية التي منيت بالفشل. هذه العملية وجد فيها سمير جعجع 


157 


فرصة سانحة للأيقاع بشارل غسطينء فأرسل وراء داني شمعون 
وريشار جريصاتي وشارل رستم وقال لهم: "هل يعقل ان يقوم ايلي 
حبيقة بمحاولة اختراق محور السوديكو من دون التنسيق مع شارل 
غسطين الذي كان مسؤولاً عن المحور طوال السنوات الماضية. ادرك 
داني شمعون على الفور نوايا سمير جعجع". واجابه قائلاً: "يجب ان 
تعلم ان شارل غسطين هو خط احمر بالنسبة للرئيس كميل شمعون 
وانه توقف عن ممارسة أي نشاط سياسي منذ سقوط الاتفاق الثلاثي". 


158 


بنتيجة الاجتماع الذي عفدنه اللجنة النبئقة صن اجتماع 
الجبية اللنائهة تاريخ ؟اللول 2198٠‏ في عقر الجيية اللرثائية لي 
دير عركر يم الخميس نمي 0/1/6 ويهدق الحفاظ طلى تجزات المشاوصة 
اللبنانية وتأكيد ترحيد الفراح اللينائية بالاححاق بين فرنا" الشارة 
اللنائية كانة منسرمصا حرسي الكتائب الاحراره» من اجل تقوية اللقفارمة 
اللبنائيهة وتحليق تحرهم الارض اللينانية 1 
: نم بالاجساع تبني التنقاط المقترحة من نهل حزب الرطيين 
الاحرار تبمااما يلية 
لزلا : السرحلة الارلى ٠‏ 
١‏ سائر الفرناء المسمنيون فيرا صلية اصلامية لتحضير الاجر" 
الايجابية الملائمة لتتفيذ ضسمون هذا الاضاق ١‏ 
ثتاليا: المرحلة الثانية 


؟ ساسم حزب الوطنيين الاحرار مركز لفرضية المتن الجنوسي 
وكافنة مراكز الحزب في نطقة الحدث فوا 
في نفس الوقت تفقى قيادة حزب الرطتيين الاحرار بالاجرااات 
الآيلة الى استمادة مسراكز ودكنات الحزب مي المتن الجنوسي من خاصر 
الجمش اللشائني 
انيهاتات السرعلةاثائتة 
) ل يتسلم حزب الوطنهين الاحرار تكنتي فطا رصعيت شاريخ 
١140/١‏ 
6 قم التوتيع علي مشروع الاخماق المرنق ربطا ,تاريخ ؟١١97؟/١2.‏ 
من نبل الفرنة كافة وطلى أن يكون الاحتفال بتنايذ ضمون هذا المسيوع 
في كل حال هيتاريم ١ ١14٠/1/١6‏ 
٠ 1‏ 1 00" يلب 
1 14 


مه دمر 


# :| اه لا” 


وثيقة اجتماع الجبهة اللبنانية في عوكر 1980 


نا 


159 


١‏ تلام القوات اللبنائية بقرارات الصلطة السياسية التئلة 
بالجبية اللبنانئية وويعشير هذا البند ججزةا نشانا الى بفمون شوار 
انشا القرات اللينائيةٌ السرقم مي شر آب نة 110١‏ والذىي توّكد 


جميع الاطراف السرقمة التزانها يه 


لس 

اند كتير شارل بالك 
سدع أءيادك 

امد كتير فواد اضرم البستاني 

له 
الاستاذ خايل 
1 2000 
الاستاذ أتيان 

0 مك 

اعلشكهم در ل 
الاشتانذ زاهي بستائني * 


١ 
5 ٠ 


صركر في م د١١‏ 


ام 
الاسشاد ادوار لا سس ووو 
٠‏ امد 


الاشاف تبيل كم 


الدكتير خير اللوقائم 


1 


200 


أسعد شفتري: رائحة الموت ما زالت ترافقني 
حتى اليوم 





الجميزة - البداية 

وُلد اسعد شفتري عام 1955 في حي الجميزة في بيروت, 
ودرس في مدرسة "الفرير" القريبة من منزله حتى نهاية المرحلة 
الثانوية» كان من الطبيعي في مدرسة كمدرسته» تتبع المنهج التعليمي 
الفرنسي ان يخف التخاطب باللغة العربية بين التلاميذ إلى ادنى 
مستوياته» الأمر الذي ولد عنده شعوراً بأن اللغة العربية عصية على 
الفهم» وترك اثرأ عميقا في تكوين شخصيته الفكرية والثقافية» فتقلص 
عنده الشعور بالانتماء الى دنيا العرب؛ وأصبح الغرب بالنسبة له 
نموذج التقدم والحضارة. 

كان سكان منطقة الجميزة في معظمهم من ابناء الطبقة 
الوسطىء كما كانوا في اكثريتهم الساحقة ينتمون إلى الطوائف 
المسيحية» هذه الديموغرافية السكانية جعلت احتكاك اسعد شفتري بأبناء 
الطوائف الإسلامية امر نادر الحدوث في مراحل الطفولة وبدايات 

201 


الشباب» بحيث اقتصرت معرفته بهم على بعض طلاب مدرسته فقط. 
وسط هذه البيئة كان هناك من يروج لفكرة» ان المسلم بعيد جداً في 
تفكيره الثقافي والحضاري عن المسيحي بسبب عدم ايمانه بنهائية 
الكيان اللبناني. 

عام 1972 انتسب اسعد شفتري إلى الجامعة اليسوعية واختار 
التخصص في هندسة "الإلكتروميكانيك". في بداية الأمر لم تجذبه 
السياسة» اختصاصه الجامعي كان يأخذ كل وقته. ولكن هذا لم يمنع 
تأثره بأجواء منطقته السياسية والطائفية» والتي كانت تتمحور حول فكرة 
ان المسيحيين في لبنان يعيشون في خطر داهم على وجودهم 
ومصيرهم بسب الوجود المسلح الفلسطيني على الاراضي اللبنانية» وان 
تعاطف القيادات الإسلامية مع المنظمات الفلسطينية يضاعف من 
نسبة هذا الخطر. وسط هذا البحر من المخاوف؛ ولدت عند كثير من 
الشباب المسيحي نظرية البناننا" التي كانت تعتبر ان لبنان هو بالدرجة 
الأولى لفئة معينة من اللبنانيين وعلى اساس هذه النظرية» راح الشفتري 
يرسم معالم تعاطيه مع الآخرين. 

عام 1973 انفجر الوضع العسكري بين الجيش اللبناني 
والمقاومة الفلسطينية في مخيمي صبرا وشاتيلاء فتدخلت الدول العربية 
وطلبت من سفرائها في لبنان الضغط على رئيس الجمهورية سليمان 
فرنجية من اجل وقف قصف الجيش اللبناني للمخيمات. استجاب 
رئيس الجمهورية للضغوطات وامر الجيش بوقف عملياته العسكرية. 
شكل وقف إطلاق النار بهذه الطريقة ذروة المأساة لأسعد شفتري ورفاقه 
الذين كانوا يرون مثله ان الجيش اللبناني هو الحارس الأمين 'لنظرية"' 
'لبنائنا" من الفلسطينيين الدخلاء والمسلمين الذين يبحثون عن مشاركة 
اوسع في الحياة السياسية على حساب الامتيازات التي اعطيت 
للمسيحيين منذ ايام الاستقلال. 


202 


مخيمات التدريب وبقع الدم تبدأ بالتوسع والانتشار 

وسط هذه التراكمات اختمرت في ذهن الشفتري فكرة الالتحاق 
بمخيم تدريب عسكري تابع لأحد الاحزاب المسيحية» ومن اجل تحقيق 
هذه الغاية توجه مع شقيقه إلى قسم الرميل الكتائبي الذي كان معروفاً 
عنه بأنه تجمع لقبضايات الاحياء في منطقة الاشرفية» لكن أحد 
الحزبيين نصحه بالالتحاق بقسم الكتائب في شارع ساسينء» حيث 
اكثرية الحزبيين هناك هم من الطلاب والمثقفين. في بيت الكتائب في 
الاشرفية تعرف اسعد شفتري إلى بشير الجميل؛ والتحق من خلاله 
بدورة للتثقيف العقائدي؛ كان يشرف عليها روجيه ديب والفرد ماضيء 
وكان المسار التوجيهي للدورة هو ان لبنان الكبير قد نشأ لخدمة اهداف 
سياسية معينة. 

تخرج اسعد شفتري من الدورة» وهو جاهز للانتماء إلى حزب 
الكتائب» وبعد ان حصل على بطاقة العضوية التحق بالخلية الطلابية 
للحزب في الجامعة اليسوعية. في هذا الوقت كان التثقيف السياسي 
الذي كان قد تلقاه على يد روجيه ديب والفرد ماضي قد بدأ يفعل فعله 
في نفسهء فقام مع رفاق له بتأسيس مجموعة داخل حزب الكتائب 
اطلقوا عليها اسم “جبهة حراس الأرز" والتي راحت توزع مناشير تدعو 
إلى رفض الوجود الفلسطيني في لبنان» كما راحت تشتري لنفسها ألبسة 
عسكرية» وكانٍ دافعها إلى ذلك شعور ل ان لبنان قادم على 
احداث دموية في القريب العاجل تهدف إلى اقتلاع المسيحيين من 
ارضهم واسكان الفلسطينيين مكانهم» وعندما وصل خبر التنظيم السري 
إلى الشيخ بشير الجميل كتم الأمرء وطلب من أحد معاونيه اختراق 
صفوفه ونقل اخباره اليه. 

صحت توقعات الشفتري وبدأت بقع الدم بالانتشار في الجسم 
اللبناني؛ فالتحق في بداية الحرب الاهلية عام 1975 بوحدة اللاسلكي 


203 


التابعة لمنطقة الاشرفية» قبل ان يطلب منه بشير الجميل مع مجموعة 
من رفاكه توي عملي ليكمل .عمليات «التنصنت. على اتضالات 
الخصم وجمع المعلومات عن تحركاته؛ لم يكن الخصم بالنسبة لأسعد 
شفتري ورفاقه هو المسلح الرابض وراء خطوط التماس فقطء كان 
الخصم بالنسبة لهم أيضاً هم الاشخاص الذين يقطنون في المنطقة 
الشرقية» ويتعاطفون مع احزاب الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية. 
وكانت مهمة الشفتري ورفاقه مراقبة هولاء واعتقالهم والتحقيق معهم 
وابعادهم إلى خارج المنطقة المسيحية؛ وكانت أسوأ المواقف التي 
عاشها الشفتري في تلك المرحلة وما زال يذكرها حتى اليوم؛ هي قيامه 
مع رفاق له باعتقال اشخاص في المناطق المسيحية كانوا يسكنون 
بالقرب من خطوط التماسء» وسوقهم إلى التحقيق وتعذيبهم بشدة بسبب 
اهتزاز ضؤ شمعة أو لمبة كهرباء في منازلهم» والتي كان يفسرها 
"الامنيون" بانها احداثية 'للعدو" للمباشرة بعمليات القصف على المنطقة 
الشرقية» وان ينسى اسعد شفتري فإنه لا ينسى جثة شابة في مخيم 
الكرنتيناء ما زالت رائحة الموت المنبعثة منها تزكم انفه حتى اليوم» 
وتبعث فيه مشاعر الخوف والرهبة كلما استعاد صورتها من اعماق 
الماضي. 

كان العاملون في جهاز الاشارة قد اختيروا من الشبان 
والشابات حملة الشهادات العلمية الذين يتقنون اللغات الأجنبية كما 
جرت الاستعانة بخبراء من الجيش اللبناني من اجل تطوير اساليب 
الشيفرة العسكرية والاشراف على تأسيس شعبة للتنتصت تعمل بأساليب 

لقي تعزير فعالية سلاح الاشارة اهتمامأ خاصأ من بشير 
الجميل: الذي قام بشراء اجهزة لا سلالكية على نفقته الخاصة ووزعها 
على بيوت الكتائب في مناطق الرميل وفرن الشباك والدكوانة وسن 


204 


الفيل والاسواق التجارية» وكانت هذه الاجهزة مرتبطة بغرفة عمليات 
مركزية يشرف عليها بشير مباشرة» وكانت هذه الخطوه من بشير هي 
اولى خطواته نحو استقلاله عن حزب الكتائب وتأسيسه لتنظيم خاص 
به. بقي اسعد شفتري في الاشهر الأولى للحرب اللبنانية بعيداً عن 
الدشم وجبهات القتال منصرفاً إلى مهامه في وحدة الاشارة؛ وذلك 
انطلاقاً من قناعة تولدت لديه في بدايات الحرب بأن المتعلمين يجب 
ان يبقوا بعيدين عن جبهات القتال حفاظاً على مكانتهم الإجتماعية؛ 
ومع تطور العمليات الحربية على الارض راح اطباء ومهندسون ورجال 
اعمال مسيحيون؛ يطلبون المشاركة في القتال على ان تكون مشاركتهم 
ضمن وحدات قتالية خاصة بهم فتمت الاستجابة لطلبهم. ابلت هذه 
الفئة بلاء حسنأ في جميع المعارك التي شاركت فيها كما نجحت في 
تنفيذ عدد من العمليات العسكرية الصعبة التي اوكلت اليهاء وعلى 
ضوء هذا المشهد تولد حماس لدى اسعد شفتري للمشاركة في القتال 
ضمن هذه الوحدات فاشترى لنفسه رشاشأ بمبلغ 650 ليرة لبنانية ونزل 
به إلى جبهة الفنادق. كانت المهمة الأولى التي كلف بها على الجبهة 
هي المرابطة على سطح أحد الابنية العالية ومراقبة تحركات قوات 
الخصمء مع أوامر بإطلاق النار على أي جسم متحرك عند الضرورة. 
كانت الليلة الأولى لأسعد شفتري على خطوط التماس هادئة ولم يسجل 
خلالها أي تبادل لإطلاق النارء ومع ساعات الصباح الأولى شاهد 
الشفتري سيارة تاكسي تتوقف في الجهة المقابلة وينزل منها اطفالاً 
ونساء فاتصل بغرفة العمليات طالباً تزويده بالتعليمات فأمره المسؤول 
بعدم بإطلاق النار بسبب وجود هدنة تم التوصل إليها في الليلة الماضية. 

لم يكتف اسعد شفتري خلال الحرب الاهلية ببندقية 
الكلاشينكوف وسلاح الاشارة» فالتحق أيضاً بدورة للمدفعية تعلم خلالها 
الرمي بمدافع الهاون من عيار هاون 82.: كان لإتقان اسعد شفتري 


205 


استعمال المدفعية اثر كبير على نفسيته فأصبح يشعر بفائض من القوة 
لم يشعر به من قبل والذي راح يصرفه مع رفاق له على استهداف 
الاحياء السكنية في بيروت الغربية. لم يكن القصف على المنطقة 
الغربية يأتي دائما بأوامر من غرفة العمليات؛ بل انه كان في بعض 
الاحيان قراراً ذاتياً من الشفتري ورفاقه» كما حدث عندما قاموا 
بالاتصال بإحدى دور السينما في المنطقة الغربية القريبة من خطوط 
التماس واعطوا بلاغاً غير صحيح عن وجود قنبلة معدة للتفجير داخل 
صالة السينماء وما ان خرج رواد السينما إلى الشارع مذعورين حتى 
انهالت عليهم القذائف من مدفعية الشفتري ورفاقه فقتلت وجرحت 
الكثيرين منهم؛ وقد اتت هذه العملية رداً على القصف عشوائي الذي 
تعرضت له المنطقة الشرقية قبل ليلة وادى إلى مقتل عدد من المدنيين. 
هذه الحادثة يتذكرها اسعد شفتري بكثير من الندم وهو يأمل ان لا يكرر 
احداً من اللبنانيين مثل هذه الافعال مستقبلاً . 
تغيير داخلي في جهاز الامن والشفتري إلى جانب حبيقة 

كان اكثر ما يثير غضب الشيخ بشير الجميل عندما كان لا 
يزال نائباً لرئيس لمنطقة الاشرفية في حزب الكتائب؛» هو اقدام بعض 
رؤساء المجموعات وقادة المحاورء على خطف عدد من الأشخاص 
بقرار فردي وذلك لمجرد الاشتباه بأنهم من المتعاملين مع الفلسطينيين 
والاحزاب اليسارية» ومع ازدياد هذه الممارسات قرر 'بشير" تأسيس 
خلية امنية مهمتها رصد كل ما يحصل على الارض في المنطقة 
الشرقية وابلاغه بهاء واختير الدكتور ميشال يارد رئيساً لهذه الخلية 
والذي كان مقرباً من بشير وصاحب الفكرة في تأسيسهاء وكان الشفتري 
من بين الذين تم اختيارهم للعمل في هذه الخلية. 

في بداية عملها اتخذت هذه الخلية من شقة صغيرة في 
الاشرفية مركزأ لها وهي كانت تقوم بجمع المعلومات من صحف 

206 


ومنشورات جرت مصادرتها من بيوت مناصرين للأحزاب اليسارية 
والمقاومة الفلسطينية في المنطقة الشرقية. عام 1977 بدأ حزب 
الكتائب باعداد مشروع لأنشاء قيادة عسكرية موحدة» تشمل انشاء عدد 
من الشعب والاجهزة ومنها جهاز للأستخبارات تتوحد تحت رايته جميع 
اجهزة الاحزاب الامنية في المنطقة الشرقية» وتم تكليف مدير 
المخابرات جوني عبده وعدد من ضباط الجيش اللبناني بالاشراف على 
المشروع والذي كان حجر الزواية فيه هو الخلية الامنية التي كان 
يقودها ميشال يارد. لكن التحضيرات لهذا المشروع توقفت مع دخول 
قوات الردع العربية إلى لبنان عام 1976 وكان السوريون في ذلك 
الوقت لا يزالون حلفاء للجبهة اللبنانية. 

لم تكن منطقة الاشرفية الكتائبية هي الوحيدة التي انشأت 
جهازاً امنيأ خاصاً بها في تلك المرحلة؛ بل ان اقساماً كتائبية أخرى 
كانت تمتلك خلايا امنيا خاصة بها أيضأء ولكن مع قيام بشير بفرض 
سيطرته على المنطقة الشرقية بدأت هذه الاجهزة تضمحل تدريجيا 
لصالح جهاز امني مركزي موحد. في تلك الفترة طلب الشيخ بشير 
الجميل من اسعد شفتري الالتحاق بجهاز امني سري مهمته تبادل 
المعلومات بين «القوات اللبنانية» والاجهزة الامنية الاجنبية» ومن خلال 
عمله في هذا الجهاز قارب اسعد شفتري بشكل واسع العلاقات القواتية 
الإسرائيلية ومراحل تطورهاء وكانت جميع معلومات هذا الجهاز سرية 
وكان يحظر عليه تداولها مع أي كان حتى زوجته التي كانت تعمل 
معه في نفس الجهاز أيضاً . 

لم يكن الشفتري قد علم بعد باغتيال مايا بشير الجميل» عندما 
عرج على والدها للتزود ببعض التعليمات قبل ذهابه في مهمة عبر 
البحرء يومها قال له بشير: 'لقد ان الاوان لأنشاء جهاز مخابرات جدي 
وفعال في "القوات"؛ وطلب منه استدعاء ايلي حبيقة لتولي مسؤولية هذا 


207 


الجهازء وكان حبيقة قبل تعبينه رئيسأ لجهاز الامن المركزي في القوات 
اللبنانية مسؤولاً عن جهاز الامن في المجلس الحربي الكتائبي. 

لم يمض وقت طويل على تعيين ايلي حبيقة رئيس لجهاز 
الامن في 'القوات"» حتى بدأ بشير يتضايق من تصرفاته وخاصة بعد 
اكتشافه ان حبيقة لا يطلعه على بعض العمليات الامنية التي كان يقوم 
بها. وبعد فترة من الزمن جرى استدعاء اسعد شفتري وتعيينه نائبأً 
لرئيس جهاز الامن في القوات اللبنانية بعد ان كان قد أصبح مسؤولا 
عن وحدة الامن في الاشرفية. كان ايلي حبيقة يمثل بالنسبة لجهاز 
الامن الساعد الغليظ والعقل المفكر بينما كان نائبه اسعد شفتري دينامو 
الادارة فيه» وكان بشير يعتمد على معلومات هذا الجهاز في رسم 
سياساته المستقبلية» مما جعل اسعد شفتري وايلي حبيقة» عنصران 
اساسيان في مطبخ بشير الجميل السري. 

كانت النقاشات بين ايلي حبيقة وبشير الجميل في اغلب 
الاحيان حامية» وكان حبيقة الوحيد من بين مسؤولي القوات الذي كان 
تعبرت يام طى. القازلة تعنتما كاك إلا زعوي ادر .ا من: بير: فى 
تلك الفترة راح اسعد شفتري يركز جهوده على انجاح عمله في جهاز 
الامن الذي لم يكن يستعين في عمله بمواد محلية فقط بل أيضاً 
بمعلومات اجهزة مخابرات خارجية والتي كانت تقوم بتحليل معلومات 
جهاز الامن في القوات اللبنانية وتزويده بمعلومات اضافية» وقد كان 
من شأن هذا كله ان يجعل من تلك المرحلة مرحلة غنية بالمعلومات 
كان يتم فيها التعاطي مع خبراء امنيين من عدة دول وقد كان لهذا 
المستوى المتقدم الذي وصل اليه جهاز الامن في القوات اللبنانية اثر 
كبير في بناء بشير لزعامته المسيحية ومنطلقاً رئيسياً في تفكيره 
بالترشح لرئاسة الجمهورية لاحقاأ. 


208 


مغفورة خطاياكم 

كانت المهمة الموكلة م القوات اللبنانية على المعابر 

بين المنطقتين الشرقية والغربية هي توقيف المطلوبين الذين كان يشتبه 

بتعاملهم مع جهات معادية وتسليمهم إلى جهاز الأمن الذي يتولى 
التحقيق معهم؛ لم يكن كل الذين يجري تو ل 
إلى مبنى جهاز الامن؛ فبعضهم كانت تتم تصفيته على الحواجز من 
دون الرجوع إلى قيادة 'القوات", وبغية الحد من هذه التصرفات تقرر 
تكليف مجموعة من الضباط القواتيين بالاشراف على الحواجز ا 
في هويات العابرين إلى المنطقة الشرقية واعتقال المطلوبين منهم 
وسوقهم إلى التحقيق» واضافة إلى التحقيق مع الموقوفين على المعابر 
الغربية بواسطة عملاء له كانوا يتولون نقل المخطوفين إلى المنطقة 
الشرقية. 

كان العالقون في شبكة الخطف القواتية يجري تصنيفهم وفقا 
لأهميتهم الامنية» فالمختطفون من غير المسيحيينء والذين لم تكن لهم 
أي اهمية عسكرية أو سياسية كان يجري تسليمهم إلى ممثل القوات 
اللبنانية في اللجنة الامنية الدكتور جان غانم» الذي كان يقوم بمبادلتهم 
بمخطوفين مسيحيين لدى احزاب المنطقة الغربية» إلى جانب ذلك كان 
هناك مخطوفين يجري تسليمهم إلى جهات وشخصيات سياسية كان 
ترات اللبنانية مصلحة في إقامة علاقات سياسية وامنية معهاء اما 

بعض المخطوفين فقد كان يتم إبقاءهم ف في السجن بغية استثمار 
معلوماتهم في قضايا معينة كلما دعت الحاجة إلى ذلك. اضافة إلى 
هؤلاء جميعاً كان هناك فئة من المخطوفين كان يطلق عليها اسم فئة 
المخطوفين المركزيين» والتي كان وجودها في السجنء يمثل بالنسبة 
للقوات اللبنانية اهمية قصوىء وكان مصير هذه الفئة بيد الشفتري ومن 

209 


هم اعلى منه في المسؤولية. والذين كانوا يحكمون على بعضهم 
بالإعدام وذلك استنادا إلى قوانين وتشريعات وضعتها كل مليشيا 
لنفسها. يصف اسعد شفتري تلك المرحلة بالقول: “كنا في تلك المرحلة» 
نلعب في المواضيع الامنية دور المحقق والقاضي والجلاد'لم تكن 
الاعدامات تجري بطريقة عشوائية» والذين كان قدرهم ان تنتهي حياتهم 
على ايديناء كانوا من الاعضاء الخطرين في الاحزاب والمنظمات 
المعادية الذين اثبتت التحقيقات قيامهم بأعمال قتل أو تجسس وتفجير 
في المناطق المسيحية" . 

كان التوقيع على ملفات الاعدام يمر بشكل عادي في يوميات 
اسعد شفتري؛ وكان ذلك المشهد جزء من منطق ولد وتشكل في تلك 
الحقبة وقام باقتحامات مدمرة لمساحات الرحمة في العقول والنفوس. 
وفي أحد المرات دعا اسعد شفتري أحد الكهنة لإقامة قداس في مبنى 
جهاز الامن التابع للقوات اللبنانية. في حضرة الكاهن اعترف الشفتري 
انه اشترك في انهاء حياة عدد من الاشخاصء لم يتأثر الكاهن والذي 
يصفه الشفتري اليوم بالخاطئ بهذا الاعتراف؛ بل على العكس فهو دعا 
الشفتري إلى الاستمرار في مسلسل القتل حتى يصل عدد المقتولين 
على يديه إلى خمسمئة شخص. 

لم تقتصر عمليات القتل التي قام بها جهاز الامن في القوات 
اللبنانية على المسجونين لديه فقط بل طالت أيضأ اناسأ تم تصفيتهم 
بواسطة سيارات مفخخة أو استعمال كواتم الصوتء وكان الذين يتقرر 
تصفيتهم يجري تقييم أوضاعهم قبلاًء فالشخصيات الامنية والسياسية 
كان يتم اخذ الاذن من قيادة القوات قبل تصفيتهاء اما الذين كانوا دون 
هذا المستوى فان ازالتهم من الوجود كانت تتم بقرار من جهاز الامن. 
وفي السياق نفسه جعل الامنيون في القوات اللبنانية من انفسهم حماة 
للقيم في المجتمع للمسيحي فراحوا يلاحقون تجار المخدرات في 


210 


المنطقة الشرقية» ويعملون على تصفيتهم؛ وعندما وقع الاجتياح 
الإسرائيلي عام 1982 منعت القوات اللبنانية الفتيات في المنطقة 
الشرقية من التعاطي مع الجنود الإسرائيليين وهددت المخالفات منهن 
بحلق شعرهن؛ وكانت حجة القوات في ذلك الخوف من إنتقال عادات 
المجتمع الإسرائيلي السيئة إلى البيئة المسيحية المحافظة» اضافة إلى 
ذلك فأن القوات اللبنانية كانت تخشى ان يستغل الموساد الإسرائيلي 
بعض هولاء الفتيات» ويعمل على تجنيدهن للتجسس على المسيحيين 


في المنطقة الشرقية. 
الخلاف مع السوريين وجعجع يرفض تولي القيادة في حرب 
زحلة 


كان الوجود العسكري السوري في المنطقة الشرقية مثار خلاف 
بين مكونات الجبهة اللبنانية» ففي حين كان الشيخ بيار الجميل 
والرئيس كميل شمعونء يؤيدانه ويناديان بوجوب اتكال المسيحيين على 
سوريا مرحلياً في حفظ الامن في المنطقة الشرقية كان هناك فريق آخر 
يتزعمه بشير الجميل يمثل الجناح العسكري للجبهة اللبنانية ويعارض 
بشدة وجود القوات السورية في المنطقة الشرقية ويعتبرها خنجراً في 
خاصرة المنطقة المسيحية. في ظل هذه الاجواء بدأ التوتر بين 
السوريين والمليشيات في المنطقة الشرقية بالتصاعد. هذا التوتر حاول 
بشير استثماره من اجل فرض نفسه زعيماأ على المسيحيين وذلك تمهيداً 
للوصول إلى رئاسة الجهورية» وما لبث هذا التوتر ان تحول إلى 
معارك عسكرية مباشرة في زحلة والاشرفية بين القوات اللبنانية والجيش 
السوري. 

يرفض اسعد الشفتري تحميل فريق وحده مسؤولية الاحداث في 
الاشرفية عام 1978 والتي غرفت بحرب المئة اليوم»؛ ويعزو اسباب 
تدهور الأوضاع إلى اجواء الاحتقان والشحن التي سادت المنطقة 

211 


الشرقية ضد الوجود السوري في تلك المرحلة؛ كما كان للمشهد الاقليمي 
أيضأ دور أيضأ في انهيار التحالف بين الجبهة اللبنانية ودمشق. 
خاصة بعد الزيارة التي قام بها الرئيس المصري انور السادات إلى 
القدس عام 1977» وكانت القوات اللبنانية قبل معركة المئة اليوم قد 
راحت تجمع المعلومات عن المراكز العسكرية السورية في منطقة 
الاشرفية وتقوم بالتنصت على هواتف تلك المراكزء ومع بدء المعركة 
في 2 تموز 1978 قامت القوات اللبنانية بافقال كل المنافذ المؤدية إلى 
منطقة الاشرفية وعزل المراكز والحواجز السورية عن بعضها البعض. 
كما منعت سيارات الاسعاف من نقل جرحى القوات السورية» ونتيجة 
لهذا الوضع اتخذت القوات السورية» قراراً بالانسحاب من الاشرفية 
وتسليم مراكزها إلى القوات السعودية العاملة في اطار قوات الردع 
العربية. هذا الانسحاب اعتبرته القوات اللبنانية انتصاراً سياسياً وعسكرياً 
لها وراحت تتعاطى معه على هذا الاساس. كانت حرب المئة اليوم 
حرباً اعلامية وسياسية قبل ان تكون حرباً عسكرية» نجحت خلالها 
القوات اللبنانية في اعطاء الأوضاع الانسانية في الاشرفية حجماً 
مأساوياً اكبر من حجمها الواقعي وذلك من خلال سياسة تكبير البوق 
الاعلامي؛ مما دفع الرأي العام الغربي إلى التحرك والضغط على 
السوريين من اجل الانسحاب من الاشرفية. 

بعد معركة المئة اليوم جاء دور زحلة. كان السوريون ينظرون 
إلى زحلة على انها تشكل مقرأ وممرأ لجماعة الاخوان المسلمين التي 
كانت تقوم بعلميات تفجير واغتيال في دمشق وعدد من المدن السورية؛ 
ولذا قرروا اخضاعها وتحويلها إلى مدينة موالية لهم مثل اهدن وزغرتاء 
اما القوات اللبنانية فقد كانت تنظر إلى زحلة وجزين والمناطق 
المسيحية في الشمال على انها جزء من الكيان المسيحي المستقل 
المنوي انشائه في حال توفرت الظروف المناسبة لذلك. 


212 


لعب جهاز الامن في القوات اللبنانية خلال حرب زحلة دورأ 
في ايصال المؤن والذخائر إلى المقاتلين داخل المدينة وذلك من خلال 
اخفائها في مخابئ سرية داخل شاحنات سيارات كانت تمر على على 
الحواجز السورية وهي في طريقها إلى زحلة. في اثناء حصار زحلة 
وصل إليها سمير جعجع قادمأ من الشمال وبعد ان قام بجولة ميدانية 
على جبهات القتال اعلن رفضه تسلم قيادة الجبهة بحجة بأن المدينة 
ساقطة عسكريا ولا جدوى من المقاومة. استعملت القوات اللبنانية في 
معركة زحلة النموذج السياسي والاعلامي نفسه التي استعملته في 
معركة المئة يوم في الاشرفية ونجحت مرة أخرى في تحريك الرأي العام 
الدولي؛ والذي راح يضغط على السوريين من اجل فك الحصار عن 
زحلة» وبعد انتهاء المعركة راحت وسائل الاعلام في المنطقة الشرقية 
تروج ان القوات اللبنانية انتصرت في المعركة. وكانت اسباب هذه 
الدعاية المبالغ بها هي حاجة بشير إلى اقناع اطراف دولية عدة وفي 
طليعتها إسرائيل بأنه اكثر الاشخاص المؤهلين للوصول إلى رئاسة 
الجمهورية في لبنان. وكان بشير الجميل قد بدأ خطواته نحو الانفراد 
بالزعامة المسيحية بإلغاء وجود داني شمعون السياسي والعسكري في 
المنطقة الشرقية في 7 تموز في 1980 في الصفرا. بعد انقشاع غبار 
المعارك في الصفرا اصيب بشير الجميل برعب شديد استمر عدة 
ساعات وكان سببه انقطاع اخبار داني شمعون فهو لم يكن يريد ان 
تتكرر مجزرة اهدن مرة ثانية» ولكن الهدوء ما لبث ان عاد إلى نفسه 
بعد ان تبين أن 'داني" حي وهو موجود خارج المنطقة الشرقية. كانت 
أحد اسباب عملية السابع من تموز هي تكاثر شكاوي المواطنين من 
التجاوزات التي كانت تقوم بها عناصر حزب الاحرار في الصفرا والتي 
خشي معها بشير ان تؤدي إلى تدخل الجيش اللبناني بحجة حفظ 
الامن» وكان بشير في ذلك الوقت» على خلاف شديد مع مدير 


213 


المخابرات العقيد جوني عبده. 
الاجتياح الإسرائيلي - الحلم المُندثر 

كانت القوات اللبنانية تعتقد ان الحرب اللبنانية ستنتهي إلى 
التقسيم لذا راح بشير يستعجل الخطى في تحويل القوات اللبنانية إلى 
مؤسسة تشبه في هيكليتها مؤسسات الدولة. جاء الامتياج الإسرائيلي 
عام 1982 فانتفخ القواتيون بالشعور بالنصر واعتقدوا انهم بإمكانهم 
استثمار الوجود الإسرائيلي في لبنان لتحقيق مصالحهم السياسية» ولكن 
سرعان ما تبين لهم ان إسرائيل هي من قامت بتوريطهم في خدمة 
مصالحها في لبنان. 

لعب جهاز الامن في القوات اللبنانية دوراً رئيسياً في تأمين 
نصاب جلسة انتخاب بشير الجميل رئيسا للجمهورية وذلك عن طريق 
استعمال اساليب الترغيب والترهيب مع النواب الذي استجاب بعضهم 
لرغبات القوات فيما اصر البعض الآخر على عدم التصويت لبشير 
الجميل» وكان في طليعة الرافضين لانتخاب بشير الجميل النائب البير 
مخيبر الذي قرر جهاز الامن في القوات اللبنانية احضاره بالقوة في 
حال استلزم الأمر ذلك؛ ولكنه جرى صرف النظر عن هذا الأمر بعد 
ان تبين ان الطاجا كذ كن من رن ان وكرن اانه جرح ريه 
وتحسباً لمغادرة بعض النواب القاطنين في المنطقة الشرقية لمنازلهم 
وعدم العودة إليها الا بعد انتهاء جلسة الانتخاب قام جهاز الأمن في 
القوات اللبنانية بتشديد المراقبة على هواتف النواب وسياراتهم وتنقلاتهم. 

كان من ضمن المشاريع التي اعدها بشير الجميل لحكمه 
الرئاسي هي استحداث منصب 'نائب رئيس الجمهورية" على ان يكون 
من حصة الطائفة المارونية» اما بعض المقربين منه ومن بينهم اسعد 
شفتري فكان هاجسهم حل عقدة التفوق العددي للمسلمين على 
المسيحيين في لبنان. لذا راحو يفكرون ببعض الخطط التي يمكن لهم 

214 


من خلالها تحقيق غايتهم؛ وكانت إحدى هذه الخطط هي وضع مواد 
كيمائية تقلل الخصوبة عند الرجال في خزانات مياه الشفة التي تغذي 
المناطق ذات الاكثرية الإسلامية» لكن هذه الخطة جوبهت برفض 
معظم قيادات الجبهة اللبنانية وفي طليعتها الشيخ أمين الجميل. 

ادى اغتيال بشير الجميل إلى اصابة القوات اللبنانية بضربة 
كبيرة معنوية وسياسية. وكانت معلومات وردت إلى جهاز الامن في 
القوات اللبنانية قبل اغتيال بشير بستة اشهر مصدرها عميل لها في 
إحدى المنظمات الفلسطينية» وهي تتحدث عن وجود شخص من آل 
الشرتوني لم يتم تحديد اسمه كاملاً يستعد للقيام بعملية تفجير لمنزل 
الشيخ بشير الجميل في الاشرفية. على الفور قام جهاز الامن في 
القوات اللبنانية بإحصاء القاطنين في الاشرفية من آل شرتوني بما فيهم 
الاعضاء في القوات اللبنانية كما جرى القيام بمسح امني لمنزل بشير 
فتبين انه لا وجود لمتفجرات في داخله أو على السطح وان هناك 
صعوبة في الوصول إلى المنزل بهدف تفجيره بسبب الاجراءات الامنية 
المشددة حوله؛ وقبل جلسة انتخاب بشير بفترة وجيزة تم نقل مهمة 
حمايته من جهاز الامن في القوات اللبنانية إلى جهاز خاص أنشئ 
لهذه الغاية. 

يقدم الشفتري بانوراما مغايرة لتلك التي سيقت في سرد أحداث 
صبرا وشاتيلا في أيلول 1982» ويقول: “بعد اغتيال بشير الجميل 
طالب الإسرائيليون «القوات» بتنفيذ الاتفاق الذي عقد بينهم وبين بشير 
والقاضي بدخول القوات اللبنانية إلى المخيمات الفلسطينية لتجريد 
الفلسطينيين من سلاحهم. كانت المخابرات الإسرائيلية أول الداخلين 
إلى مخيمي صبرا وشاتيلا تبعتها بعد ذلك عناصر سعد حداد ومن ثم 
جاء دور جهاز الامن في القوات اللبنانية واخيرأ دخلت العناصر 
النظامية التابعة للقوات اللبنانية". يستبعد اسعد شفتري ان يكون ايلي 


215 


قة قد اعطى أوامره بقتل المدنيين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا 
انتقامأ لمقتل بشير لأن اعترافات حبيب الشرتوني كانت قد حصرت 
مسؤولية عملية اغتيال بشير الجميل بالقوميين في أول مرحلة من 
مراحل التحقيق". 
أمين يرث بشير والقواتيون يبدأون باطاحة بعضهم البعض 
بعد رحيل قائدهم شعر القواتيون ان خططهم ومشاريعهم 
وأحلامهم بدأت تتهاوى؛ وانهم مضطرون للتعامل مع رئيس الجمهورية 
الجديد أمين الجميل الذين كانوا يكنون له كرهاً شديداً ورثوه من تاريخ 
العلاقات السيئة بينه وبين شقيقه بشيرء وعلى هذا الاساس دخلت 
العلاقات بين الرئيس أمين الجميل والقوات اللبنانية في نفق مشبع 
بالمرارة» وذلك عندما طالب رئيس الجمهورية قيادة القوات بتنفيذ 
بروتوكول سري كان قد تم التفاهم عليه بين الكتائب والشيخ بشير 
الجميل يقضي 0 القوات اللبنانية بكل مكوناتهاء واملاكها إلى الأمرة 
الكتائبية عندما تنتفي ظروف وجودها. 
كان مشروع أمين الجميل بعد وصوله إلى رئاسة الجمهورية 
هو ان يكون الناطق بأسم جميع القوى المسيحية في لبنان؛ الأمر الذي 
ضاعف توتر العلاقات بينه وبين القوات اللبنانية والتي لم تكن لتوافق 
على وجود يد فوق يدها في المنطقة الشرقية. حاول ايلي حبيقة احتواء 
الخلاف بين القوات اللبنانية والرئيس أمين الجميل لكنه ما لبث ان 
اوقف مساعيه بعد ان لمس ان الشيخ أمين لا يقبل بأقل من اختزال 
جميع القيادات المسيحية بشخصه؛ وكان حبيقة على اتصال دائم 
ا جيه ا ل ل رد 
الاتصالات إلا اسعد شفتري. 
مع قرار الحكومة اللبنانية بإزالة حاجز البربارة بلغ التوتر بين 
القوات اللبنانية والرئيس أمين الجميل إلى ذروته» وخاصة ان الحاجز 


216 


كان يمثل المورد المالي الأساسي لمجموعات الشمال في القوات 
اللبنانية» مما دفع سمير جعجع إلى اعلان تمسكه ببقاء الحاجز. وعلى 
ضوء هذه التطورات بدأ التفكير من قبل سمير جعجع وايلي حبيقة 
وكريم بقرادوني بالتمرد على قيادة القوات اللبنانية التي كانت برئاسة 
فؤاد أبو ناضر ابن اخت الرئيس الجميل. لم يكن الدافع إلى التمرد 
متعلق فقط بحسابات داخلية داخل القوات اللبنانية بل كان له علاقة 
أيضاً بالاتصالات التي كان يجريها الرئيس أمين الجميل بالمسؤولين 
السوريين حول مسألة حل الازمة اللبنانية» والتي خافت القوات اللبنانية 
ان تأتي على حسابها وخاصة ان هذه الاتصالات قد وصلت إلى 
مرحلة متقدمة. 

لعب كريم بقرادوني دوراً اساسياً في تهيئة اجواء الانتفاضة 
ضد الرئيس أمين الجميل من خلال مناورة ذكية قام بهاء فهو عمل 
على اقناع بعض اعضاء المكتب السياسي الكتائبي بتبني اقتراح فصل 
سمير جعجع من حزب الكتائب لتمرده على قرار ازالة حاجز البربارة» 
وفي نفس الوقت فهو كان يأمل ان يؤدي قرار الفصل إلى استفزاز 
سمير جعجع وقيامه بردة فعل تتمثل في اعلانه الانتفاضة على قيادة 
القوات اللبنانية» وكان المكتب السياسي الكتائبي قد اتخذ أيضاً قراراً 
بفصل ايلي حبيقة لكنه لم يجرؤ على اعلانه خوفاأً من ردة فعل 
الاخير. كان التفكير بازالة حاجز البربارة غلطة مميتة وقع فيها الرئيس 
أمين الجميل. قبل ذلك كان بشير قد حاول تنظيم الجباية المالية على 
حاجز البربارة بحيث تصبح تحت اشراف الجهاز المالي للقوات 
اللبنانية» ولكنه جوبه باعتراض شديد من سمير جعجع ونادر سكر 
وصل إلى حد شهر السلاح بوجهه. 

لم يكد القرار في المنطقة الشرقية يصبح بيد الثلاثي جعجع 
وحبيقة وبقرادوني» حتى بدأت الخلافات تدب بينهمء والتي كان ظاهرها 


217 


سياسي اما باطنها فقد كان يخفي صراعاً على السلطة والنفوذ. بدأت 
القصة عندما وصلت معلومات إلى جهاز أمن «القوات»» عن وجود 
اتصالات يجريها كل من كريم بقرادوني وسمير جعجع بأمين الجميل 
دون ان تتضح معالم هذه الاتصالاتء على الاثر قام الشفتري بوضع 
هاتف كريم بقرادوني تحت المراقبة» ولكن دون التوصل إلى نتيجة» 
فاستعان بخبير في فتح الأقفال ودخل إلى مكتب كريم بقرادوني حيث 
عثر على رسالة تحمل تفويضاً من بقرادوني وجعجع للرئيس الجميل 
بإجراء اتصالات مع دمشق. حمل اسعد شفتري الرسالة إلى ايلي حبيقة 
والذي دعا قيادة "القوات" إلى إجتماع عاجلء وقبل موعد الجلسة طلب 
حبيقة من اسعد الشفتري نشر مجموعات مسلحة على اسطح الابنية 
المواجهة لمبنى جهاز الامن تحسباً لردة فعل سمير جعجع وبقرادوني 
على افتضاح موضوع الرسالة. شكلت الرسالة مفاجأة كاملة للمجتمعين 
وخاصة بقرادوني وجعجع اللذان راحا يتصببا عرقأء فأستغل حبيقة 
عامل المباغتة واعلن ترشحه لمنصب رئيس الهيئة التنفيذية فوافق 
اعضاء قيادة القوات على هذا الترشيح وفي طليعتهم سمير جعجع. 

بعد ان أصبح حبيقة قائداً للقوات اللبنانية قام بتعيين اسعد 
شفتري رئيس لجهاز الامن. لم يؤد انتخاب حبيقة قائدأ 'للقوات” إلى 
انحسار عملية الصراع على السلطة بين اجنحتها بل على العكس فأن 
مساحة التناقضات راح تكبر بين ايلي حبيقة وسمير جعجع وهي 
وصلت إلى حد تبادل محاولات الاغتيال» من جهته لم يقف الرئيس 
الجميل على الحياد بل اخذ جانب جعجع في مواجهة ايلي حبيقة. 
الاتفاق الثلاثي نستطيع الصمود لست ساعات فقط 

بعد انتفاضة "12 آذار وجدت قيادة 'القوات" نفسها في 
مواجهة تهديد وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس بالدخول إلى 
المنطقة الشرقية فعقدت إجتماعا لمناقشة الوضعء تبين لها بنتيجته ان 


218 


قدرتها على الصمود بوجه الجيش السوري لن تتعدى الخمس ساعات 
بعدها سترتفع صور الرئيس حافظ الأسد في "جونيه". كما تبين لها 
أيضاً ان استعادة السيناريو الاعلامي لأحداث زحلة والاشرفية لن يكون 
مجديأأ هذه المرة بسبب تبدل الظروف السياسية. وبعد مناقاشات 
مستفيضة اقترح كريم بقرادوني الاتصال بالعماد طلاس وافهامه ان 
التحرك الذي قامت به "القوات” داخلي بحت ولا علاقة له بالموقف من 
سوريا. اعطى الاتصال بالعماد طلاس نتائج ايجابية فأبدى الاخير 
تفهمه لموقف "القوات" وابلغ بقرادوني ان لا نية لسوريا للدخول إلى 
المنطقة الشرقية. 

شكل الاتصال بين "القوات" ودمشق فاتحة لعدة اتصالات غير 
مباشرة بين الطرفين تولاها عدد من الوسطاء وكان محورها الاساسي 
هو ضرورة ايجاد اتفاق وطني شامل بين اللبنانيين يضع حداً للحرب 
الاهلية. 

جاءت المبادرة الأولى لطي صفحة الحرب الاهلية من ايلي 
حبيقة الذي القى خطاباً في أحد المناسبات عبر فيه عن رغبة القوات 
اللبنانية بالانفتاح على دمشق والعالم العربي. لقي خطاب حبيقة ردود 
فعل ايجابية من دمشق التي طلبت من بعض المقربين منها التواصل 
مع حبيقة بهدف اختبار مدى استعداده لترجمة خطابه إلى وقائع 
ملموسة على الارضء وعندما تأكد لها ان حبيقة جاد في مراجعة 
خياراته السابقة بدأت بمد اليد له. فعقد إجتماع بين ايلي حبيقة واحد 
المقربين من رفيق الحريري تلاه إجتماعان بين حبيقة والحريري في كل 
من باريس واسبانياء بحضور كل من سفير لبنان في سويسرا جوني 
عبده وميشال سماحة والدكتور جان غانم. حيث جرى التداول بفكرة 
أيجاد اتفاق بين اللبنانيين يضع نهاية للحرب الاهلية» تلا ذلك رسالة 
بعث بها ايلي حبيقة إلى نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام تتضمن 


219 


رؤية القوات اللبنانية للحل الشامل في لبنان ولشكل العلاقة مع سوريا. 
لم تكن هذه الإجتماعات بين رفيق الحريريء وايلي حبيقة هي الأولى 
بينهما. فهما كانا قد التقيا سابقا اكثر من مرة عندما كان حبيقة لا يزال 
رئيسا لجهاز الامن في القوات اللبنانية والذي كان يومها يذهب إلى 
الإجتماع برفيق الحريري بتكليف من قائد القوات اللبنانية انذاك فؤاد أبو 
ناضر. كانت أحد الاسباب الرئيسية التي جعلت القوات اللبنانية تعيد 
النظر في مواقفها من الحرب الاهلية والعلاقة مع سوريا هي تقرير اعده 
جهاز التحليل السياسي في القوات اللبنانية اشار فيه إلى ان المشروع 
السياسي للقوات اللبنانية الذي اعده الشيخ بشير الجميل وصل إلى 
طريق مسدودء وخاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجبل» والذي 
تلاه تدهور كبير في العلاقات بين "القوات" وإسرائيل. كما دعا التقرير 
أيضأ إلى الاستفادة من عدم معارضة أميركا للدور السوري في لبنان» 
والشروع في انتاج تسوية داخلية لبنانية تنهي الحرب الاهلية. هذا 
التقرير حمله ايلي حبيقة إلى إجتماع قيادة القوات طارحاً فكرة ايجاد 
حل وطني شامل في لبنان برعاية سورية» لكن احدأ من اعضاء مجلس 
القيادة لم يعلق على الاقتراح بانتظار المزيد من التوضيحات. في هذا 
الوقت كان رفيق بدأ بتوسيع مروحة اتصالاته مع اطراف داخلية 
وخارجية معنية بالشأن اللبناني» كما بعث بعدة رسائل إلى قيادة القوات 
اللبنانية تتضمن تصور حركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي للحل في 
لبنان» وكانت رؤية القوات اللبنانية للحوار هي على اساس التفاهمات 
التي جرت في مؤتمري لوزان وجنيف على ان يقتصر الحضور على 
اطراف الصراع الاساسيين فقط. 
"اعطوا يا شباب والتحصيل على الله" 

في 9 ايلول 1985 عقدت جلسة الحوار الأولى في دمشق 
ومثل فيها القوات اللبنانية كل من اسعد شفتري وميشال سماحة:؛ فيما 

220 


حضر عن الحزب التقدمي الاشتراكي الوزيران مروان حماده وخالد 
جنبلاط: اما ممثل حركة امل فقد كان الدكتور محمد عبد الحميد 
بيضون. لم يكن اختيار ايلي حبيقة للشفتري ممثلاً له على طاولة 
الحوار بسبب خبرته في خوض غمار المفاوضاتء بل لأنه كان يريد 
شخصا يثق به ويستطيع ان يكون عينه واذنه في هذه المفاوضات. 

كان واضحاً منذ الجلسات الاولى للحوارين المسؤولين 
السوريين في عجلة من امرهم لإيجاد حل يضع حداً للحرب اللبنانية؛ 
وكان سبب الاستعجال هو وجود معلومات لديهم بأن الايام القادمة 
ستكون حافلة بالتطورات الامنية والسياسية على صعيد منطقة الشرق 
الاوسطء والتي لا يمكن لهم التفرغ لمواجهتها من دون اقفال ملف 
الحرب الاهلية في لبنان. ولكن مقابل الاستعجال السوري لأقفال الملف 
اللبناني» كانت القوات اللبنانية تدعو إلى انضاج طبخة الحل على نار 
هادئة» وهي حاولت افهام السوريين اكثر من مرة ان الساحة المسيحية 
في لبنان تعيش منذ الاستقلال وحتى اليوم اجواء تعبئة وشحن سياسي 
ضد كل ما له علاقة بسوريا والعروبة. وان هذا الاحتقان لا يمكن 
تنفيسه دفعة واحد وانما يحتاج إلى وقت وخاصة بعد المجازر التي 
ارُتكبت بحق المسيحيين في الجبل والضاحية الجنوبية» لكن السوريين 
لم يأخذوا بهذه الملاحظات وظلوا متمسكين بموقفهم. اما حركة امل 
والحزب الاشتراكي فأنهما كان يشاطران القوات اللبنانية رأيها ولم يخف 
ممثليهما على طاولة الحوار الشعور بأن الاتفاق لن يصل إلى نهاية 
سعيدة؛ وهم قالوا اكثر من مرة انهم موجودون على طاولة الحوار 
مسايرة لحليفهم السوري» وكان اكثر الذين عبروا عن هذه الاجواء هو 
الوزير مروان حماده الذي كان دائمأ يدعو المتحاورين إلى عدم الغرق 
في التفاصيل؛ ومسايرة السوريين مرحليا بانتظار هبوب رياح اقليمية 
ودولية تطيح بالاتفاق ومفاعليه. 


221 


كانت القوات اللبنانية تدرك سلفأ أن بعد اقرار الاتفاقين 
المتحاورين فأنه سيلقى صعوبة في التصويت عليه من قبل النواب 
المسيحيين في المجلس النيابي وخاصة لجهة البند المتعلق بالمثالثة 
ضمن المناصفة والذي لم تكن القوات اللبنانية لتوافقق عليه» لو لم 
يجبرها السوريون على ذلك تحت ضغط القذائف المدفعية التي كانت 
تنهال على المنطقة الشرقية كلما حاولت تأجيل البحث في هذا البند. 
وخلال جلسة لقيادة القوات اللبنانية كانت مخصصة لمناقشة بند 
المثالثة ضمن المناصفةء طلب سمير جعجع من مسؤولي القوات 
اللبنانية غير الموارنة مغادرة الإجتماع بحجة ان هذا الموضوع يجب 
ان يبحث بين الموارنة فقط مما اثار احتجاج اعضاء مجلس القيادة 
وخاصة اسعد شفتري وكريم بقرادوني مما اجبر سمير جعجع على 
التراجع عن طلبه؛ وبالاضافة إلى بند المثالثة ضمن المناصفة خاضص 
المتحاورون نقاشات شائكة حول بندي صلاحيات رئاسة الجمهورية 
وموضوع إلغاء الطائفية السياسية» فبينما كانت القوات اللبنانية ترى 
ضرورة تأجيل البحث في موضوع الغاء الطائفية السياسية ريثما يتسنى 
لها اقناع المجتمع المسيحي بتجرعه» كانت حركة امل والحزب التقدمي 
والاشتراكي يصران على وضعه موضع التنفيذ بعد أول انتخابات نيابية 
تجري بعد اقرار الاتفاق الثلاثي في مجلس النواب؛ وكان السوريون 
يوافقون حلفائهم في هذا الرأي. 

لم تكن القوات اللبنانية وحدها من بين أطراف الحوار تعيش 
صعوبات داخلية نتيجة هذه المفاوضات فحليفي سوريا الحزب التقدمي 
الاشتراكي وحركة امل كانا يعيشان نفس الاجواء أيضأاًء وهما لم يكن 
يملكان رأياً موحداً حول الكثير من مواضيع الحوارء وهذا ما جعلهما 
يلجآن كل بمفرده إلى القوات اللبنانية من اجل تعطيل بعض مقترحات 
حليفه التي لم تكن تتناسب مع مصالحه السياسية. في المحصلة فقد 


222 


كان من شأن هذه الاجواء مجتمعة ان تجعل الحوار يسير على قاعدة: 
"اعطوا يا شباب والتحصيل على الله". من جهة أخرى وبالرغم من ان 
الطائفة السنية لم تكن ممثلة على طاولة الحوار فأن رفيق الحريري كان 
حاضرا دائما في هذه المفاوضات من وراء الستارء من خلال 
الاقتراحات التي كان يرسلها إلى المتحاورين بواسطة نائب الرئيس 
السوري عبد الحليم خدام والسفير جوني عبده. 

بدوره لم يغب رئيس الجمهورية أمين الجميل عن تفاصيل 
المفاوضات, وكما ان احداً لم يحاول تغييبه كما راح يدعي فيما بعدء 
وهو واكب تفاصيل المفاوضات منذ يومها الأول وحتى جلساتها 
الختامية» وكان يرسل بملاحظاته إلى المتحاورين عبر رسائل كانت 
تصلهم من مدير عام القصر الجمهوري "كارلوس خوري", والتي ما زال 
الشفتري يحتفظ بنسخ عنهاء وكانت ملاحظات الرئيس الجميل تختلف 
دائماً عما يجري البحث به على طاولة المفاوضات. 

وخلال إحدى الإجتماعات خارج لبنان بين المسؤول في 
القوات اللبنانية 'طوني بريدي" وسفير لبنان في سويسرا جوني عبده, 
والتي انضم إليها مستشار رئيس الجمهورية وزير الخارجية السابق ايلي 
سالم؛ تلقى المجتمعون اتصالاً من رئيس الجمهورية أمين الجميل أبدى 
فيه انزعاجه الشديد من احتكار القوات اللبنانية للتمثيل المسيحي في 
المفاوضاتء وقال انه قد كلف ايلي سالم بنقل وجهة نظره هذه إلى 
رفيق الحريري؛ وكان واضحاً من خلال هذا الاتصال بأن الرئيس 
الجميل في حال معنوية سيئة» وقد ظهر ذلك من خلال قوله: 'حبيقة 
وجماعته سيطيحون بالقديم والجديد". 

بدوره لم يخف رفيق الحريري انزعاجه من اسلوب ايلي حبيقة 
في التعاطي معه وهو قال مرة لطوني بريدي: 'ليش عمل يجرب ايلي 
حبيقة يزحطني انا بشو مزعلو'؛ كما نقل الحريري إلى طوني بريدي 


223 


اقتراحأ للرئيس الجميل بتوسيع دائرة المشاركين عن الجانب المسيحي 
في إجتماعات دمشق بحيث تشمل ممثلين عن الكتائب وبعض 
الفعاليات المسيحية؛ كما اقترح الجميل أيضأ على المتحاورين بعض 
الافكار كان ابرزها: 'دعوة المجلس النيابي إلى التصويت فورأ على 
مشروع الغاء الطائفية السياسية على ان تبقى الملاحظات التي 
وضعتها القوات اللبنانية على مشروع الاتفاق كما هيء ادخال بند على 
الاتفاق يتضمن عدم حضور رئيس الجمهورية لجلسة مجلس الوزراء الا 
في حالات معينة فقط ومن دون حق التصويتء ان يكون البحث في 
موضوع تعيين الوزراء المسيحيين محصوراً فقط بين رئيسي الجمهورية 
والوزراء» قيام ميثاق وطني جديدء عدم اقرار مبدأ المثالثة من ضمن 
المناصفة الا من ضمن اتفاق وطني عام'. 
الاتفاق يسقط بكلمة السر الأميركية 

مفاوضات الاتفاق الثلاثي كان الأميركيون على اطلاع دائم 
على تفاصيلها وهم ابلغوا ايلي حبيقة انهم لا يعارضون أي اتفاق 
داخلي بين اللبنانيين»ء شرط عدم اعطاء سوريا أي امتيازات عسكرية 
على الاراضي اللبنانية» وقد اتى هذا الشرط بطلب من الإسرائيليين» في 
المقابل كانت دمشق تعتبر ان وجود قواتها على الاراضي اللبنانية امر 
حيوي بالنسبة لها خاصة في حال نشوب حرب مع إسرائيل» ذلك ان 
منطقة البقاع تمتاز بخط جغرافي عريض يسمح للقوات السورية بهامش 
واسع للمناورة؛ عكس منطقة الجولان التي تقع على خط جغرافي ضيق 
لا يسمح للجيش السوري بحشد اكثر من فرقتين على خط الجبهة» 
وبغية التوصل إلى حل لهذه المسألة طلب المتحاورون في دمشق من 
قائد الجيش العماد ميشال عون صياغة الفقرة المتعلقة بوجود القوات 
السورية في لبنان» ولكن بالرغم من ذلك فإن إسرائيل ظلت على موقفها 
الرافض لقيام أي تنسيق عسكري بين بيروت ودمشقء» وهي قامت 

224 


بابلاغ موقفها هذا إلى ايلي حبيقة بواسطة الأميركيين» لكن حبيقة ظل 
مصرأ على ادراج بند التنسيق الامني اللبناني السوري ضمن الصياغة 
النهائية للأتفاق الثلاثي. وفي الوقت الذي كانت فيه القوات اللبنانية 
تسير بخطوات ثابتة نحو توقيع الاتفاق الثلاثي برعاية سورية» كانت 
علاقاتها مع إسرائيل تخطو خطوات سريعة نحو القطيعة التامة» 
وخاصة بعد ان قام ايلي حبيقة باغلاق مكتب "القوات" في إسرائيل» 
وكان لافتا في تلك المرحلة قيام سمير جعجع بتكثيف اتصالاته 
بإسرائيل التي راحت ترسل له المزيد من السلاح. 

وعندما وجد الأميركيون ان دمشق ماضية في رعايتها لمشروع 
الاتفاق الثلاثي» من دون الأخذ بملاحظاتهم قاموا بابلاغها بأنهم لا 
يعارضون رعايتها للإتفاق بين اطراف الصراع في لبنان على ان يكون 
هناك حدوداً لهذه الرعاية يجري تنظيمها من قبلهم؛ لكن دمشق رفضت 
هذا الشرط مما جعل الأميركيون يقررون اسقاط الاتفاق الثلاثي. فطلبوا 
من قيادات المنطقة الشرقية التراجع عن تأييدها لهذا الاتفاق. وكان 
الرئيس شمعون قد زار مقر قيادة القوات اللبنانية قبل يومين من موعد 
توقيع الاتفاق الثلاثي في دمشق حيث التقى ايلي حبيقة واسعد شفتري 
واعلن تأبيده لهذا الاتفاق» ولم يكد يمضي اربع وعشرين ساعة على 
هذه الزيارة» حتى عاد الرئيس شمعون لينقلب على موقفه» وذلك بعد ان 
وصلت كلمة السر الأميركية. 

اما سمير جعجع فأنه قبل وصول كلمة السر الأميركية كان 
قد عقد إجتماعاً مع ممثلي القوات اللبنانية على طاولة المفاوضات 
اسعد شفتري وميشال سماحة خصص للبحث في احتساب حصته من 
من النواب والوزراء المسيحيين بعد ابرام الاتفاق الثلاثي في المجلس 
النيابي» كما طلب جعجع من الشفتري وسماحة العمل قدر الإمكان 
على عرقلة البند المتعلق بموضوع الغاء الطائفية السياسية وجعل اقراره 


225 


في غاية الصعوبة. 

بدوره سعى الرئيس أمين الجميل للحصول على الحصة الأكبر 
من النواب والوزراء المسيحيين» وهو حاول اقناع حركة امل والحزب 
التقدمي الاشتراكي وسورياء بأنه الطرف المسيحي الاقوى والقادر على 
الوفاء بوعوده؛ الأمر الذي ادى إلى توتر العلاقات بينه وبين ايلي 
حبيقة» وعشية توقيع الثلاثي في دمشق وردت معلومات إلى رئيس 
جهاز امن القوات اللبنانية اسعد شفتري عن اتصالات يقوم بها السفير 
الأميركي في لبنان مع عدد من الشخصيات المسيحية في المنطقة 
الشرقية» من بينهم الشيخ بطرس حرب والرئيس كميل شمعون وسمير 
جعجع اضافة إلى عدد من مسؤولي القوات اللبنانية بهدف اقناعهم 
بالتراجع عن مواقفهم المؤيدة للاتفاق الثلاثي؛ وكان في طليعة الذين 
استجابوا لنصائح السفير الأميركي هو سمير جعجع الذي اعلن اقصى 
درجات الاستنفار في صفوف انصاره والذي قابله ايلي حبيقة باستنفار 
ممائل؛ وكانت هذه الاستنفارات قد سبقها قيام مجموعات تابعة لسمير 
جعجع بعمليات مراقبة واستطلاع لمراكز جهاز الامن ومحاولات من 
قبل بعض معاونيه لأقناع كوادر ايلي حبيقة بالوقوف على الحياد أو 
اعلان ولائهم لجعجع مستخدمين في ذلك اساليب الترغيب والترهيب» 
وبالرغم من كل هذه المستجدات فأن ايلي حبيقة ظل مقتنعاً بأن الأمور 
لن تذهب نحو مواجهة عسكرية بينه وبين جعجع. 
على حافة نهر الموت 

كان يوم 1985/12/31 يوما مشهوداً في حياة اسعد شفتري» 
ففي صباح ذلك اليوم توجه الشفتري وايلي حبيقة في سيارة واحدة من 
ادما حيث كانا يقطنان في مبنى واحد إلى مبنى جهاز الامن في 
"الكرنتينا"» وعندما وصلا إلى جونيه قرر حبيقة الافتراق عن الموكب 
والتوجه إلى سرايا جونيه لمتابعة معاملة تسجيل قطعة ارض كان قد 

226 


تراها في وقت سابقء فيما تابع الشفتري طريقه إلى الكرنتينا بسيارته 
المصفحة التي كان يقودها بنفسه تواكبه سيارة للحراسة. وبوصوله إلى 
منطقة نهر الموت وقع في كمين نصبته مجموعات تابعة لسمير 
جعجع واقليم المتن الشمالي الكتائبي والذي كان يسيطر عليه الرئيس 
أمين الجميل كان المستهدف الرئيسي فيه ايلي حبيقة. اصيبت سيارة 
الشفتري بقذيفتي ار بي جيء ولكن تصفيحها السميك أدى إلى نجاته 
من موت محققء وعلى الفور انطلق الشفتري بسيارته بأقصى سرعة 
محاولا الهرب من الرصاص والقذائف التي كانت تنهال على موكبه من 
كل حدب وصوبء وبعد ان ابتعد قليلء نزل من سيارته مع مرافقه 
وراحا يزحفان نحو مكان امن وسط دخان اسود كثيفء. راح يتصاعد 
من السيارات المحترقة من جراء الكمين. في هذه اللحظات مرت سيارة 
يقودها رجل عجوز فأوقفه الشفتري» وطلب منه ان يقله مع مرافقه إلى 
الكرنتيناء لكن الرجل رفض واعلن انه لن يتخلى عن سيارته مهما كانت 
الظروف اعتقادا منه ان الشفتري يريد ان يستولي عليهاء وبعد حوار 
قصير استطاع الشفتري اقناعه بأن يوصله مع مرافقه إلى الكرنتينا. لم 
يمض دقائق على وصول الشفتري إلى مكتبه حتى اتصل به كريم 
بقرادوني وسأله عما كان يفعله في مكان الحادث فأدرك الشفتري من 
كلام بقرادوني بأنه لم يكن المقصود بعملية الاغتيال بل ايلي حبيقة 
اسفر الكمين عن مقتل عشرين مدني كانوا في طريقهم إلى اعمالهم من 
بينهم والدة 'ستريدا جعجع', وعلى الرغم ان التحقيقات اثبتت ضلوع 
سمير جعجع في الكمينء إلا ان الاخير نفى علاقته بالموضوع ملقيأً 
بالمسؤولية على أمين ع 
كان سمير جعجع يعتقد انه باغتيال ايلي حبيقة يوفر على 
نفسه القيام بعملية عسكرية لاسقاط الاتفاق الثلاثي بالقوة» وكان الذين 
خططوا لعملية الاغتيال قد اعدوا لعمليتهم بعناية» فهم كانوا قد وضعوا 


221 


سيارتين مفخختين قبل ليلة من وقوع الحادث على جانبي الطريق الذي 
سيسلكه موكب حبيقة في منطقة نهرت الموتء لكن مخابرات الجيش 
اشتبهت بالسيارتين وعملت على تعطليهماء وفي اثناء الكشف عليهما 
انفجرت احداهماء مما ادى إلى مقتل اربعة عسكريين من الجيش 
اللبناني. 

اقفلت محاولة اغتيال ايلي حبيقة كل طرق التواصل بينه وبين 
سمير جعجع الا طريق الدم. كانت ردة فعل اسعد شفتري على حادثة 
نهر الموت هي انه اعد خطة محكمة لأغتيال سمير جعجع لكن حبيقة 
رفضها وقال للشفتري: "ان اتفاقاً للسلام لا يمكن أن يُعمد بالدم". ولكن 
في مقابل رفضه لأستهداف سمير جعجع اتخذ حبيقة قراراً بالهجوم 
على مقرات حزب الكتائب في منطقة المتن الشمالي» واختار يوم 
72 موعداً لتنفيذ العملية وذلك لتزامنه مع موعد زيارة أمين 
الجميل إلى دمشق للقاء الرئيس حافظ الأسد والبحث معه في موضوع 
الاتفاق الثلاثي» وكانت زيارة الرئيس الجميل إلى دمشق قد سبقها 
رسالة بعث بها عبد الحليم خدام إلى ايلي حبيقة بواسطة ميشال المر 
يعرب فيها عن رغبة دمشق بأن لا يأتي الرئيس الجميل لزيارتها وهو 
في وضع القادر على وضع العراقيل امام الاتفاق الثلاثي. عملية المتن 
لم يكن اسعد شفتري من المتحمسين لها وهو اقترح على حبيقة القيام 
بعملية عسكرية لأخراج جعجع من المجلس الحربي؛ لكن حبيقة رفض 
هذا الاقتراح واصر على تنفيذ عملية المتن» وكان الجميل يحمل معه 
في زيارته إلى دمشق رسالة من سمير جعجع إلى المسؤولين السوريين 
يعرب فيها عن استعداده لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع دمشق. 
بالرغم من عدم نجاح ايلي حبيقة في اختراق منطقة المتن الشماليء الا 
انه استطاع ان يضعف صورة الرئيس أمين الجميل امام الرئيس الأسدء 
الذي قال له بعد ان بلغه خبر الهجوم على المتن: 'ماذا تريدنا ان 
نبحث بعد ذلك". 


228 


عملية 15 كانون الثاني وجعجع رجل التفاصيل 

لم تنتظر المنطقة الشرقية كثيرأ بعد الهجوم 'الحبيقاوي' على 
معقل الرئيس الجميل في المتن الشمالي» لتشهد معركة اقسى واعنف 
ادت إلى اسقاط الاتفاق الثلاثي في 15 كانون الثاني عام 1986. 
يصف اسعد شفتري سمير جعجع بأنه رجل تفاصيل التفاصيل» فهو 
عندما قرر القيام بعملية اسقاط الاتفاق الثلاثي وضع خطته بدقة 
متناهية مستفيدأ من المعلومات التي قدمها اليه “جهاز الامن" في 
القوات اللبنانية حول بنيته العسكرية والتنظيمية خلال الاعداد لأنتفاضة 
الثاني عشر من اذار 1985. قبل ليلة من عملية اسقاط الاتفاق 
التلاثي وردت معلومات إلى جهاز في الامن القوات اللبنانية عن عملية 
كبيرة يجري التحضير بها من قبل جماعة جعجع ضد المراكز التابعة 
لأيلي حبيقة؛ وان موعد الهجوم هو في الساعات القليلة المقبلة. بناء 
على هذه المعلومات ارسل اسعد شفتري من يعتقل أحد الأشخاص 
الذي ادلى بمعلومات مفصلة حول الهجوم الذي كان يعد له سمير 
جعجع. وكان جهاز الامن في القوات اللبنانية قد رصد قبل ايام من 
معركة اسقاط الاتفاق الثلدثي» قيام جماعة جعجع بالطلب من الافران 
الواقعة في مناطق سيطرتها زيادة كمية الخبز المخصصة لمقاتليهاء 
مما يعني ان جعجع كان يتحسب لمعركة قد تطول مدتهاء بدوره حاول 
كريم بقرادوني تضليل جماعة ايلي حبيقة؛ وذلك عندما تعمد ان يمضي 
الساعات التي سبقت عملية اسقاط الاتفاق الثلاثئي في منزله في 
الاشرفية بهدف الايحاء بأن الامور طبيعية على الارض. 
حبيقة في مكتبه في مبنى جهاز الامن في القوات اللبنانية وقد انضم 
اليهم الياس ميشال المر. عند الساعة الرابعة فجرأ وبينما كان الياس 
المر يهم بالمغادرة إلى منزله» بدأت سمع اصوات إطلاق نار كثيف 


229 


في الاشرفية ومحيطهاء وسرعان ما تبين ان هناك عملية عسكرية تقوم 
بها قوات سمير جعجع, بالتعاون مع عناصر (قليم المتن الشمالي 
الكتائبي الموالي للرئيس أمين الجميل وهي تستهدف مجموعات ايلي 
حبيقة في المنطقة الشرقية. حالت غزارة النيران دون مغادرة الياس المر 
لمبنى جهاز الامن؛ فبقي محاصراً إلى جانب ايلي حبيقة واسعد 
شفتري. كانت اعنف المعارك هي التي دارت في محيط منطقة الكرنتينا 
حيث يقع مقر جهاز الامن الذي كان يحتوي على خمسة مبان متباعدة 
غير موصولة مع بعضها البعض بأية سراديب أو ممراتء وبالرغم من 
شراسة الهجوم كان بالإمكان التصدي له وافشاله. فعناصر الامن كانت 
ما زالت تحتفظ بقوات كبيرة لها في منطقة الاشرفية» اضافة إلى بعض 
قطع المدفعية؛ لكن ايلي حبيقة فضل عدم التصعيد اكثر من ذلكء وقام 
بالاتصال بالوزير ميشال المر وطلب منه العمل على التوصل إلى 
وقف إطلاق النار. وبنتيجة الاتصالات التي اجراها ميشال المر مع 
سمير جعجع تم الاتفاق على خروج ايلي حبيقة والمجموعات التابعة له 
من مبنى جهاز الامن تحت حماية الجيش اللبناني. امضى ايلي حبيقة 
ليلته الأولى بعد اسقاط الاتفاق الثلاثي في مقر وزارة الدفاع» وفي اليوم 
التالي غادر إلى فرنسا برفقة زوجته وابنه وغادر معهم ميشال المر 
وميشال سماحة والياس المر وزوجة اسعد شفتري وابنه» فيما بقي اسعد 
شفتري في وزارة الدفاع للاشراف على عملية تسفير العناصر التي 
خرجت معهم من مبنى جهاز الامن. 

بعد ان تمكن سمير جعجع من حسم المعركة لمصلحته؛ 
دخلت قواته إلى مبنى جهاز الامن وهي تمني النفس بأن تضع يدها 
على كنز كبير من المعلومات الامنية» ولكن املها خاب فلم تجد سوى 
اوراق محروقة» وكان اسعد شفتري قبل خروجه من مبنى جهاز الامن 
قد قام باحراق الارشيف واتلاف جهاز الكمبيوتر. في اليوم الثاني 


230 


لوجوده في وزارة الدفاع اتصل اسعد شفتري بكريم بقرادوني وشكره على 
احضاره لعائلته من مكان اقامتها في ادما إلى وزارة الدفاع بسيارته» 
بدوره نقل بقرادوني إلى الشفتري رغبة سمير جعجع بلقائه وقبل ان 
الضباط في وزارة الدفاع الذين نصحوه بأن لا يذهب وحده لمقابلة 
جعجع» وان يصطحب معه كريم بقرادوني وبالرغم من مرافقة بقرادوني 
له لمقابلة جعجع فأن الشفتري ظل حذراً من هذا اللقاءء وهو لذلك قام 
بوضع قنبلة يدوية في جبيه وابقاها جاهزة للتفجير تحسبأ لأي محاولة 
قد يقوم بها جعجع لالذيقاع به. 

استقبل سمير جعجع اسعد شفتري بالترحاب» وعلامات 
الارتياح بادية على وجهه؛ وهو حاول ان يعرف منه اذا كان جهاز 
الامن كان على علم بعملية اسقاط الاتفاق الثلاثي قبل حدوثها. كما 
سأل عن بعض العناصر الموالية لأيلي حبيقة "هودي نزلوا دم كتير 
وينون". كلام جعجع ادرك اسعد شفتري ان المقصود منه هو ايصال 
رسالة لهولاء العناصر بالتواري عن الانظار قبل ان تطالهم يد عناصر 
جعجع وتفتك بهم. في نهاية اللقاء عرض كريم بقرادوني على اسعد 
الشفتري التعاون معهم وتولي مسوؤولية جهاز الامن» فطلب الشفتري 
مهلة للتفكيرء وكان المقصود بطلب المهلة هو المناورة من اجل 
الخروج من مكتب جعجع بسلام. 

بالرغم من وجود عناصر حبيقة في وزارة الدفاع بحماية 
الجيش اللبناني» فأن عناصر جعجع حاولت ملاحقتهم إلى هناك وايقاع 
الاذى بهمء مما دفع بمدير عام الامن العام "جميل نعمة" إلى الاسراع 
في تأمين سفرهم بعد ان امن لهم مساعدة مادية بقيمة اربعمئة الف ليرة 
لبنانية حتى يستطيعوا تدبير امورهم في الخارج. 


231 


محاولة العودة إلى المناطق الشرقية» قواتنا بتصرفكم 

بعد هزيمته على يد سمير جعجع؛ لجأ حبيقة إلى باريس وراح 
يفكر من هناك بالهجرة إلى البرازيل واعتزال العمل السياسيء لكنه ما 
لبث ان حسم قراره بالبقاء في الساحة السياسية وعاد إلى دمشق برفقة 
اسعد شفتري» حيث عمل على إعادة تنظيم صفوفه انطلاقاأً من زحلة 
استعداداً للعودة إلى المنطقة الشرقية. 

خلال الفترة الأولى لوجودهم في زحلة كان شعور العناصر 
الموالية لحبيقة ان اقامتهم في المدينة لن تطول وانهم سيعودون إلى 
المنطقة الشرقية في وقت قريب» ولكن هذا الشعور بدأ بالتراجع مع 
الوقت وراحوا يطلبون من عائلاتهم في المنطقة الشرقية الالتحاق بهم 
في زحلة» حيث سكنوا في منازل قام الجيش السوري بمصادرتها لهم. 

لم يرتاح اهالي زحلة في بداية الأمر لعناصر حبيقة» ورفضوا 
تأجيرهم منازلهم؛ فهم كانوا ينظرون اليهم على انهم عملاء لسوريا في 
لبنان»ء وزاد في التباعد بين الطرفين؛: قيام عناصر ايلي حبيقة 
بممارسات شاذة لا تتلائم مع عادات اهل المدينة المحافظة كالتحرش 
بالفتيات وتعاطي المخدرات وتكسير واجهات المحلات. حاولت قيادة 
'القوات" في زحلة استيعاب هذه التصرفات في بداية الأمرء وعندما 
عجزت عن ذلك قررت قمعها بالقوة» فكانت ردة فعل هذه العناصر 
المتفلتة» هي ان قامت بمهاجمة مقر قيادة ايلي حبيقة 'في اوتيل 
قادري' في زحلة حيث وقع اشتباك بينها وبين وحراس المقر سقط فيه 
عدد من الجرحى. 

كان الهدف الاساسي لوجود ايلي حبيقة في زحلة هو 
التحضير لعودته إلى المنطقة الشرقية؛ وهو بدأ استعداداته لتحقيق هذا 
الهدف بإقامة مخيم تدريبي للعناصر المشاركة في العملية دون ان 
يفصح لها عن الغاية من هذا التدريب» وفي نفس الوقت كانت 

232 


العناصر التابعة لحبيقة في المنطقة الشرقية» تقوم باستطلاع دقيق لكل 
المراكز العسكرية التابعة لسمير جعجع في المنطقة الممتدة 
كفرشيما إلى المدفون» كما جرت أيضاً محاولات لأقناع بعض لكوادر 
التابعة لجعجع بالانضمام إلى حبيقة في عمليته العسكرية» فوافق 
البعض من دون ترددء فيما خاف البعض الآخر خوفاً من بطش جعجع 
بهم في حال فشلت العملية. 

ميات سح و ل ليد الجتردة لكي 
العملية تقرر ان يبدأ الاختراق من الاشرفية حيث كانت عناصر 
القوات هناك ما تزال على ولائها لأيلي حبيقة بالرغم من سيطرة جعجع 
على الارضء اضافة إلى ان سكان الاشرفية كانوا يرتاحون إلى ايلي 
حبيقة فهو عاش بينهم؛ بعكس سمير جعجع الذي عرفوه من خلال 
تجاوزات عناصره بحقهم. وفي اطار التحضير لعملية العودة إلى 
المنطقة الشرقية» 0 بقائد الجيش العماد ميشال عونء الذي 
وافق على ان تقوم عناصر حبيقة» باستخدام نقاط تمركز الجيش في 
بلدة عين الرمانة'. للتسلل إلى المنطقة الشرقية» ولكنه اشترط ان تقوم 
هذه العناصر بالعملية وحدهاء وان لا يكون معها عناصر تابعة لحركة 
امل والحزب التقدمي | لاشتراكي؛ خوفاً من قيامهم بتعديات على 
المسيحيين» كما اشترط أيضأ تسليمه لائحة باسماء العناصر التي 
ستشارك في العملية. 

بدأات العملية صباح يوم 1986/9/27» فانطلقت اولى 
المجموعات من بلدة عين الرمانة سالكة طريق الاودية؛ برفقة دليل من 
ابناء المنطقة» وعندما وصلت إلى بناية 'اشمون" الواقعة على محور 
السوديكوء قامت بتسلم المبنى من عناصر سمير جعجع من دون قتال. 
سمحت السيطرة على محور السوديكو لعناصر ايلي حبيقة» بالتغلغل 


' بلدة صغيرة جدأً تقع بين عاليه وسوق الغرب. 
233 


سريعاً في معظم احياء الاشرفية؛ وما ان علم الرئيس أمين الجميل 
باختراق حبيقة للأشرفية» حتى سارع إلى وزارة الدفاع وراح يعطي أوامره 
مباشرة لقوات الجيش بالتصدي للمهاجمين ولكن أوامر رئيس الجمهورية 
لم يلتزم بها الجيش بحذافيرها استجابة لتعليمات العماد ميشال عون 
الذي طلب من عناصره ابطاء تحركهم على الارض قدر الإمكان 
بهدف افساح المجال امام المهاجمين للانسحاب إلى ما وراء خطوط 
التماس» وفي نفس الوقت كان ضباط من الجيش يجرون اتصالات 
بايلي حبيقة من اجل تسريع انسحاب قواته من المنطقة الشرقية. 

حاول السوريون التدخل في اللحظات الاخيرة لتعديل ميزان 
القوى لصالح ايلي حبيقة» فحضر العميد غازي إلى غرفة عمليات 
قوات حبيقة في منطقة الرملة البيضاء ناقلاً استعداد الرئيس حافظ 
الأسد لدخول المعركة إلى جانب حبيقة؛ شرط عدم انسحابه من 
المنطقة الشرقية» وضع هذا العرض ايلي حبيقة امام خياران احلاهما 
مرء فهو اما ان يرفض مساعدة السوريين له مما يعني بقاء عناصره 
داخل المنطقة الشرقية تحت سكين سمير جعجع. أو ان يعطي موافقته 
على دخول القوات السورية إلى جانبه في المعركة فتضعف صورته 
امام المسيحيين وخاصة ان السوريين كانوا في حال دخولهم إلى 
المنطقة الشرقية فانهم لن يخرجوا منها بسهولة» وفي نهاية الأمر قرر 
حبيقة ابلاغ العميد غازي كنعان اعتذاره عن قبول مساعدة الرئيس 
الأسد. بعد فشل عملية اختراق المنطقة الشرقية وصل سمير جعجع 
إلى الاشرفية وراح يحتفل بنصر لم يكن له يد فيه لتبدأ بعد ذلك 
عمليات تنكيل مرعبة قامت بها عناصره بحق جماعة حبيقة. لم يقتصر 
التنكيل بعناصر حبيقة على عناصر جعجع فقط ففي اثناء انسحاب 
هذه العناصر من المنطقة الشرقية كمن لها مسلحون من احزاب الحركة 
الوطنية وحركة امل على خطوط التماس وقتلوا عدداً منها. 


234 


يجري الشفتري تقييماً لمعركة السابع والعشرين من ايلول 
فيقول: "كنا على بينة تمامأ ان حجم قوتنا العسكرية لا يسمح لنا 
بالسيطرة على كامل المنطقة المسيحية وكانت خطتنا هي السيطرة على 
منطقة الاشرفية وصولاً إلى المرفأ والمجلس الحربي» وتثبيت مواقعنا 
هناك على ان يصاحب ذلك تحرك للعناصر الموالية لقائد القوات 
اللبنانية السابق فؤاد أبو ناضر لمساندتناء الأمر الذي كان سيؤدي إلى 
حسم المعركة لمصلحتنا وابعاد قوات جعجع إلى ما وراء نهر الكلب, 
ولكن مع تعثر الهجوم عاد 'فؤاد" ليتخلى عن دعمه لناء واقفل كل 
خطوط التواصل معناء ولم يعد يرد على اتصالاتنا فقد كان واضحاً انه 
لا يريد نفسه مصيرأ مشابها لمصير ايلي حبيقة بعد خروجه من 
المنطقة الشرقية". 

وخلافاً لكل ما قيل عن دور السوريين في عملية 27 ايلول 
فأن هذا الدور كان محدوداء واقتصر على تأمين وسائل النقل للعناصر 
التي شاركت في العملية وعددهم 240 عنصراء كما انهم قاموا باجراء 
اتصالات مع احزاب المنطقة الغربية من جل تسهيل عبور قوات حبيقة 
لخطوط التماس. 
انفجار المطرانية في زحلة وبصمات الاب حداد على الجهاز 

بعد محاولة اختراق المنطقة الشرقية» أصبح سمير جعجع 
اكثر تصميما على التخلص من ايلي حبيقة واسعد شفتري» وهو حاول 
ذلك عدة مراتء كانت احداها عندما حضر أحد الاشخاص إلى مكتب 
اسعد الشفتري في زحله وابلغه انه مكلف باغتياله» وان جماعة جعجع 
هددوه انه في حال رفض تنفيذ العملية فأنه سيمنع عليه الإقامة في 
المنطقة الشرقية مع عائلته. وبعد انكشاف هذا المخطط بفترة وجيزة» تم 
العثور على عبوة ناسفة معدة للتفجير زنتها خمسة وعشرين كيلو غراماً 
كانت مزروعة في “ريغار للمياه" على طريق يسلكها الشفتري وحبيقة 

235 


وعدد آخر من المسؤولين في تنظيم القوات اللبنانية في زحلة. اما ابرز 
المحاولات التي قام بها جعجع لأغتيال ايلي حبيقة فكانت تفجير 
مطرانية زحلة في اثناء انعقاد إجتماع كان يضم المطران اندريه حداد 
وايلي حبيقة وخليل الهراوي وايلي الفرزلي. في ذلك النهار حضر الاب 
سميح حدادء وهو تابع لمطرانية زحلة إلى مكتب المطران اندريه حداد, 
وسأل عن موعد انعقاد الإجتماعء, الأمر الذي اثار ريبة المطران اندريه 
حداد؛ خاصة بعد ان علم ان الاب سميح كان قد اتصل اكثر من مرة 
في نفس النهار للغاية نفسهاء واثناء انعقاد الإجتماع اتصل الاب 
'سميح" بالمطران حداد سأله فيه عما إذا كان عقد المدعوين للإجتماع 
قد اكتمل. اغاظ هذا السؤال "المطران حداد" وراح يتجادل مع الاب 
سميحء وبينما كان الجدال محتدمأء وقع انفجار عنيف في مبنى مكاتب 
المطرانية اسفر عن تدمير اجزاء منه؛ واصابة المجتمعين بجروح بالغة 
نقلوا على اثرها إلى مستشفيات زحلة ودمشق. بعد دقائق على وقوع 
الانفجارء حضر الاب سميح حدادء وهو يتفجع وينتحب مما اثار 
الشكوك من حوله فجرى اعتقاله. خضع الاب حداد للتحقيق على يد 
اسعد شفتريء فأنكر في بداية الأمر أي علاقة له بالانفجارء وفي اثناء 
التحقيق معه حضر أحد الأشخاص واخبر اسعد شفتري بأنه بعد قوع 
الانفجار بلحظات قليلة شاهد الاب حداد وهو يرمي بجسم صلب كان 
في يده في مكان قريب من المطرانية. أرسل الشفتري من يبحث عن 
هذا الجسم. والذي تبين بعد العثور عليه انه جهاز تفجير. بالرغم من 
ذلك ظل الأب سميح على انكاره. عندئذ قرر الشفتري اللجوء إلى 
الحيلة للإيقاع به فأوهمه انه سيقوم بإطلاق سراحه بعد اخذ بصماته 
ومقارنتها بتلك الموجودة على جهاز التفجيرء وقام باحضار كرتونة 
بيضاء ومحبرة وطلب من الأب حداد ان يغمس يده في الحبر ويضعها 
على الكرتونة. اعطت الحيلة مفعولها فانهار الأب حداد واعترف بأن 


236 


عناصر تابعة لسمير جعجع هي من حرضته على ارتكاب الجريمة بعد 
ان اقنعته بأن اغتيال ايلي حبيقة يصب في مصلحة المسيحيين. بعد 
انتهاء التحقيق واعتقال جميع المتورطين في العملية حضرت عناصر 
من الامن السوري إلى مكتب اسعد شفتريء وابلغته ان بكركي تطلب 
تسليمها الأب حدادء وقامت باصطحابه معها. بعد ساعات على 
تسلمهم الأب سميح حدادء اتصل مسؤول المخابرات السورية في زحلة 
بأسعد شفتري وطلب منه الحضور اليه. في مفرزة الامن السوري شاهد 
الشفتري الأب حداد مرميأ على الارض جثة هامدة» وقد تطاير دماغه 
على الحائط» وكان الأب حداد قد طلب من أحد الحراس السماح له 
بالذهاب إلى الحمامء وفي اثناء اخراجه من الزنزانة» قام بمغافلة 
الحارس وهجم على رشاش كان قرب الحائط وتناوله واطلق النار على 
نقفسه. 
مخايل الضاهر مشروع رئيس وميشال عون في قصر بعبدا 
مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل» وجد بعض 
المسؤولين في تنظيم ايلي حبيقة من بينهم اسعد شفتري في النائب 
مخايل الضاهر الشخصية الانسب لتولي رئاسة الجمهورية» وذلك لعدة 
أسباب اهمها امتلاكه قاعدة شعبية واسعة في بلدته القبيات: الأمر 
الذي يضمن بقائه بعيدأ عن ضغوطات سمير جعجعء اضافة إلى انه 
كان على علاقة جيدة بكافة الزعماء المسيحيين في لبنان وخاصة 
الرئيس سليمان فرنجية. فكرة ايصال مخايل الضاهر إلى رئاسة 
الجمهورية؛ حملها اسعد شفتري إلى المسؤولين في دمشق واستطاع 
اقناعهم بهاء وبعد ان كان مخايل الضاهر على قاب قوسين أو ادنى 
من الوصول إلى رئاسة الجمهورية» تغيرت المعطيات في اللحظات 
الاخيرة» فاتفق سمير جعجع وميشال عون بعد قطيعة طويلة بينهما 
على تعطيل جلسة انتخاب مخايل الضاهرء وقبل ذلك كان الأميركيون 


237 


قد ابلغوا المعنيين في لبنان معارضتهم وصول مخايل الضاهر إلى 
قصر بعبدا. بالرغم من تعثر انتخاب مخايل الضاهر رئيساً للجمهورية 
بقي ايلي حبيقة على علاقة جيدة مع قائد الجيش العماد ميشال عون, 
وهو عمل بعد سقوط لاتفاق الثلاثي على تقريب وجهات النظر بينه 
وبين القيادة السورية. وكان عون قد وافق على تولي وزارة الدفاع في 
أول حكومة بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس أمين 
الجميل؛ لكنه عاد بعد فترة ليغير رأيه» ويبلغ الوسطاء بأنه يفضل ان 
يكون رئيساً للجمهورية وذلك بعد ان أصبح رئيساً للحكومة الإنتقالية. 
اما حبيقة فقد كان من جهته يسعى في تلك الفترة إلى عدم تعطيل 
العماد عون للتفاهمات الاقليمية والدولية الكبري» التي كان قد جرى 
التوافق عليها بين سوريا والولايات المتحدة بشأن لبنان» حتى ولو احتفظ 
بقناعاته السياسية والتي كانت هي نفسها قناعات ايلي حبيقة بالرغم من 
تحالفه مع سوريا. 

عام 1990 ومع اندلاع حرب الالغاء بين ميشال عون 
وسمير جعجعء عملت "القوات" التابعة لأيلي حبيقة على توفير 
معلومات امنية للجيش اللبناني حول تحركات قوات جعجع في المنطقة 
الشرقية. في تلك الفترة أيضأ قام اسعد شفتري بعدة زيارات إلى قصر 
بعبدا حاملاً معه إلى العماد عون اقتراحات من ايلي حبيقة والمسؤولين 
السوريين» تضمن له مكانة سياسية بعد تسليمه بشرعية الياس الهراوي. 
وكان عون في اغلب الاحيان يوافق على هذه الاقتراحات» ولكنه 
سرعان ما كان يعود ليبدل رأيه ويقوم بحملة عنيفة على الرئيس حافظ 
الأسدء وقبل يوم واحد من عملية 13 تشرين أول 1990 نقل الشفتري 
إلى العماد عون بواسطة أحد الاشخاص تفاصيل دقيقة عن 
الاستعدادت السورية لأقتحام قصر بعبداء الا ان عون لم يقتنع بهذه 
المعلومات وظل متكلاً على ضمانات الحكومة الفرنسية بأن السوريين 
لن يقوموا بعملية عسكرية ضده. 

238 


حبيقة والشفتري ونهاية المشوار 

لم يُكتب للعلاقة بين ايلي حبيقة واسعد شفتري ان تستمر على 
سابق عهدها من التفاهم والصداقة؛ ظهر الخلاف بينهما بعد تأسيس 
حزب "الوعد" بزعامة 'ايلي حبيقة"»: فبينما كان الشفتري يسعى إلى 
تحويل الحزب إلى مؤسسة يتم فيها تداول السلطة بشكل ديموقراطي» 
كان حبيقه يريد ان يتحول من خلال الحزب إلى زعيم سياسي مسيحي. 

في عام 2000 ترشح ايلي حبيقة إلى الانتخابات النيابية 
ولكنه فشل في المحافظة على مقعده النيابي وراح يحمل مسؤولية فشله 
للرئيس بشار الأسدء ويوجه له انتقادات قاسية. خاف اسعد الشفتري من 
نتائج هذه الانتقادات على مستقبل ايلي حبيقة السياسيء فذهب اليه 
بالرغم من خلافه معه ونصحه بالتخفيف من ثورته على الرئيس الأسدء 
يومها تنبئ حبيقة امام الشفتري بأن السنوات القادمة» ستشهد حرباً سنية 
شيعية مريرة؛ وان المسيحيين هم أول من سيدفع ثمن هذا الصراع. 

قبل سبعة اشهر من اغتياله في 2002/1/24», اتصل ايلي 
حبيقة بأسعد شفتري» وطلب منه الحضور إلى منزله لأستشارته في 
امر هام. كان حبيقة مهموماً وتعباً كما لم يكن من قبلء وكان يريد 
استشارة اسعد شفتري؛ في امر مثوله كشاهد امام المحكمة البلجيكية 
التي كانت تنظر في الدعوى المقامة امامها في مجزرة صبرا وشاتيلا. 
نصح الشفتري ايلي حبيقة بعدم الذهاب إلى بلجيكاء وابلغه بوجود 
معطيات لديه تشير بأن ذهابه إلى بلجيكا سيعرض حياته للخطرء 
ولكن بالرغم من ذلك فان حبيقة بقي مصرأ على الذهاب وقال للشفتري: 
'لقد حملت في هذه القضية اكثر مما يجب ان احمل وحان الوقت 
لتوضيح كل الحقائق". وكان حبيقة قبل اغتياله قام بتخفيف الاجراءات 
الامنية من حوله؛ وتوقف عن استعمال سيارته مصفحة:؛ وكانت العبوة 
التي قتلته قد جرى اعدادها لاختراق سيارته اكثر منها تدميرهاء ظنأ من 

239 


المخططين للجريمة أن حبيقة ما زال يستعمل سيارته مصفحة. 

من المؤكد ان اسعد شفتري لم يقل في هذا الحوار الطويل إلا 
جزءاً قليلاً مما لديه» اما الباقي فيحتفظ به لنفسه بانتظار ظروف 
افضلء والتي قد لا تأتي فتبقى أسراراً يطويها الزمن؛ ولا يعرف بها أحد 
الا هو ومن رافقه في تلك المرحلة» والذين قد يكونون اشد تكتمأ منه. 
ولكن من المؤكد أيضاً ان اسعد شفتري ذهب في حديثه إلى مكان لم 
يجرؤ الكثيرون ممن خاضوا غمار الحرب الاهلية على الذهاب اليه 
من قبل؛ وهم ما يزالون حتى اليوم يحاولون اخفاء ايديهم الملوثة بالدم 
تحت كفوف بيضاء» عكس اسعد شفتري الذي اختار لحظة تاريخية 
قرر فيها من الخروج من السجن الكبير ومحاربة ظلم الحرب وقهرهاء 
وهو اليوم اكثر قوة واقتناعا بتغيير الواقع» وانه صاحب مسوولية مباشرة 
في هذا المشروع. 


210 


1 ذا ! 


0 
1 
لل 
ل 


لكا 
ا 


|| 








ا و 


سيار الطاس م _دت :. 


اسح اسه 


من أواق أسعد شفتري 
241 


242 





"00 





243 


0١ 
و0‎ 





2144 





5-5 


نس خطاب الرفيس امين الب .قا يق م مسمس ن الجيش اللبناني 
بتاريغ ١546/١5/١)‏ 


بالقلب المفترح والنفس المعطاءة انتوا الخميرة يلي منبا بد نا نرجع نيني لينان 
انتو يلي عرفتيا تمطيا بد ين متابل اندو يلي مرنتوا انو تتحد وا القدر وتواجيوا الفرافز 
تواجبيا الشمارات المزيفة ورفضديا ان تسقطوا فريسة الد مايات وفريسة الشمارات الرنانة 
انما الفارفة بتماسككم بوحد تكم بمنا تهيتكم كنتو انتو الضمادة الحتيقية لستفل لبنان بتضامنكم 
بوسيكم والتفانكم حيل النياد 3 والتفانكم حيل شرسة بلادكم والتفاني في سبيليا والاستفياد 
في سبيل استفال وطنكم رفضترا ان تقميا فريسة كل الرهانات الناطقة ايا كان هذا الرهان 
يايا كان من بد فع ببذا الرهان او في ذاك من الرهانات .نحنا بلبنان يا اخوان ونحنا 
بلبنان الثبادينات هنمرف شو مر طينا هعرف شو مر طيكم صحيح انتو بهالمؤسسة المسكرية 
صميح اندو بثكناتكم وطى الجيبات انما كلكم ابنا* بيقة كذكم مند كم اهل كلكم عايشين باجرا* 
بي مصينة ياجرا' شعبية ممينة وانا بعرف شو كانت الاغرا"ات وانا يعرف شو كانتالضفرطات 
يلي كانت بتد فمكم لهذا الادماه او ذاك باتجاه هذا الرهان او ذاك والمؤسف ببالمرحلة 
الضياع يلي مر فيها الشمب اللبناني وارفك ان يكين طلى مبب الريح ان يترك مشيقتة للاهياء 
والا شيا" والافرا"ات والطروحات ايا كانت هذه الطريماك نانتو بتناسككم وتجاوزكم للامسر 
الواقع ووقرفكم بوجه هذه الاغرا"ات جسد ترابوقفتكم البطولية بباليقفة المنفيان يلي داها 
تممزتوأ فيها حققدرا هذا الانتصار الكبير حيت اليوع سقطت كل الرهانات يلي البعض 
غيبا سقطت كل الطروحات يلي حاوزليا يد نشوا لبنان طيبا ود فشة انتحارية رككدر انتو مثال 
رمز الرهان الراحد الرهان الذى لا بديل ننه الرهان الذى نين به جميما الا رهو الرهان 
اللبناني الرمان اللبناني الرمان الليناني لا بد يل ننه لا دقيل لا دقل باى رهان آخر سوى 
الرهان الليناني لا دقل باى طرح لا نقيل لم دقبل ولن دقيل لن نقيل باى طرح لن نقيل باى 
مشريع لا يؤكد على الرهان اللبناني على السياد ة اللبنانية على الاستتقلال اللبناني وطلىي 
نفوان الشعب اللبناني . لا نقيل ولن دقهل باى طرح لا يمطي الجش الليناني شرف 
الدتضحية في سبيل السراد ة والاستظلال كرامة الجيش اللبناني هي من كراءة لبنان وكرامة لمنان 
اساسها الجيش الليناني روسل الجيش اللبناني وتضحرات الجيش اللبناني . دحنا اليوم ملسي 
مفترق الطرق نحنا اليوم ولينان عاذت ليت الجميع مم يفتش طلى حلول سياسية وطنية 
للمشكلة اللينائية بتقد روا تتأكد وا بتقد روا تتأكد وا لن يمر اى مشريح ينس قيد انطة بتواك 
الجيش اللبناني وكراءة الجيش اللبناني لن يمر أى مشريع واية تسوية لا تصون بشكل مطلق 
السيادة اللينانية واستتلال لبنان وحرية القرار اللبناني واستظلالية القرار اللبناني . هيد ى 
طروحات طموحة يا اخوان خاصة بالوضع يلي مم يرز تحته لبنان همض اراضيه محتلة يمكن 
طروحات طموحة انما كلما زرت هالرحدات في الجرش اللبناني اطمئن زياده باتفاءل زياد ة 
لبنان هنجا حنا ببالمبمه المقدسة حيث تمود الى وطننا المزيز العافية والاسققرار 
والطبأنينة .يحب هنيكم من صبيم الظب على كل هالجبود يلي مم تبذ لوهما. 
(وكمل حد يث ماد ي من تضميات الجيشض. .)6٠٠‏ 


245 


٠. 


باك د دده معاي نشي عرد الرة لبد اسمن 1 


مد يما عاك لاسن ب مها ع0 عت ل و ا ب ا 11 
نمه قعُدد م 300 20 


سيان مع لظ المرلف لاماي القريل اسدمووتها لكات النابية عن الخدا ص 


حون ايد مد سسب مايا0 عبنين لملاصم متهم رغريط ا" 
سنا يونت المت واهيرة لبن صو ررفنة' ي مث الدمم العرظام .ا 
مما ' الواهيية _السرس ةا ف وض عل اسإييل_بانائرت 'ثلل 
امسسسلائف ١د‏ اقمالم العرئب نرف #مهرة بلع مير الكت مريت 
الام رعمين ح اللدلية لاسي ورك ويم التديل سمي نل 
م ١‏ فصول اراق عفد طلم من مهنا ازعو التراطن امور لمتكي 
رانتميات . ريه “ذم هذا الال ار ااه اندم رسا بل 

اممزعا بت بالعريسة الن تلقناصا مل سوريط تممه ضر الثاسع مايا 
نايك سحلت قيلط “اسم ررءًا عى ريت زمة لحريس الف 0 
داش سل الى الافلي افرحة إبنيناها ريد اظاك عن امتح لاعلا نس 


١ 


م 


نتعيل مسر سسا را سبح حالسلل كس ملاسه ولسوءعا م ع نك ار 


246 


و 


ا الل ع د م 0 
.52ل 


ل ل ا ا ا 00 


ا سومة تشم ِ 4 وهسّه سسعلر له سمفوع اريشن 


يي عدن 


0 


وده تهرت. عير ١م‏ ص م سممنيا ت النائية ليس 5 


مضو سام رعايا سه هرمت امد . للرااهب مها .. 35 


يي يي 


اك نري امف 3 السب ملبنت لاحت 


3 
0 


ام ريه 0 عل سملا "لاك رشنو انين ان ع طرفو 


مزؤارعس, ا 
انم ع نْب ال هامر عن ونيا ادرصيرهات :مامد فيطل مسد 3 


وه 


خالا تيمل امير * م الاق موطيطا دؤسن حسطيل الام عاسم 
ممما لذت سيم كم ترق لابو الوب كرورم ونا مباعكم 
عبس اللخ رركو ابس له ادن “دما الخال . ش 1 
ركم أن حر سيرة الب ارين المرثة ودرب عله امير أدالكه . 5 


- 


رالزوفرءانت رراصت حيو 


2417 





اوِر 


استراتيجي بين لبنان وسوريا: ذلك أن قضاياهما المصيرية واعدة؛ بمكخم 
الانتماء والتاريخ والجغرافية؛ ممه يقتضي درجة عالية من التنسيق في منتغلف 
المجالات ٠‏ العالم كله يتجه دحو التنسيق في كلفة المجالات على رضم 
الفروقات في الأنظمة بين الدول. فكم بالأحرى لا نكون دحن في لبدان وسور يمه 
بحكم ما يجمعنة في تدسيقنا متكادلمين ؟ 


وادنة نقترح أن يكون التسيز في علاقات لبنان مع سوريا تمييزا" حقيقيا بحيسث 
يتكرس كل ما يجري التفاهم حوله بين البلدين في اتفاقات ثنائية واضصة 
تترجمهة في كل من البلدين أطر قلنودية تتفيذية عنم مزاجية أي فريق سيلسسي 
أو أية مجمومة حزبية من الحبث بها واللصب بهذه الثوابت. فلا تبقى العلاقة 
تحت رحمة الأمواء والمصالح: فضلا' من التأثيرات الأقليمية والدولية ١ ٠‏ 


نحن دعتبر أن مجالات الملاقات المتميزة بين الدولتين واسعة ومتعفية٠‏ 
وسنتوقف في هذه الرالة مند مه تمتيرة أهمهة وليس على سبيل الحصر: 


في مجال السياسة الذارجهية ١‏ 


في تصورنا أن التنسيق الكامل والثايت يجب أن يشمل كل القضايا من ربييمة 
واقظيمية ودولية ٠‏ طي ان وتم الاتفاق على مقتضيات هذا التنسيق تباءا" وحسب 
القضاية والمواضيح المطروحة لاتخاذ المواقف منيا أو معالجتهاء ولابدٌ فلي 
هذا المجال أن تكون وسائل الاتصال المباشر والمضمون السرية مومنة بين كار 
المسوّرلين من السياسة الخارجية في كل من اليلدين ٠‏ 

في مجال العلاقة المسكريية ١‏ 

ان المراع المصيري الذي تخوضه سورية مع اسرائيل في ظل الخثل في الوازن 
الاستراتيجي لصالح اسرائيل نتيجة ظروف عربية معروفة منها خروج مصر مسن 
ساحة الصراع وقيام محاور عربية فلسطينية لارباك سوريا سياسيا وأشي٠سة‏ 
وصسكريه: يحتّم على لبنان أن لا يكون الباب الذي تتمكن من غلاله اسرالهيل 
تسديد أية ضربة لسورية او تهديدهاء 


010 


248 


ص6 


لذلك يجب الأاتفاق على تمركز وحدات صسكرية سورية في دقاط معينة من ليدان تحددهة 

لجان مسكرية منتركة وفق مقتضيات الأمن الاستراتيجي السوري واللبناني وذلك ريئكمة 

يتم اعادة بنذ الجيش اللبناني وتأهيله وفقة لعقيدة قتالية وطنية تطرز العمدو 
الحقيقي من الصديق الحقيقي وتنسهوم مع انتما لبنان وخياراته الدرشغهطمة٠‏ 
ود اكتمال بناء هذا الجيش ذي المهام الدخامية في مواجهة العدر: يجب أن ياضذ 

دوره الحقيقي في التوازن الاستراتيجي في المنطقة من خلال بوره لى أرغه 

اللبتاي ‏ ةه 


في مجال الملاقات الأمدية : 

أن اعتبار أمن لبنان من أمن سوريا وأمن سوريا من أمن لينان مقولة صميحة تمشما" 

في دظرنة؛ ولا بذ من ترجمتهه في صورة صحيحة وصلية فيآن من خلال تكامل أي 

لبداني سوري يعبر عنه بت : 

1 تحديد مشترك للأخطار الرئيسية التي تهدد أمن البلدين واستقلالمسسا 
ونظاسهمسسة ٠‏ 

سم> ا ترحيد النظرة الى هذه الأخطفر وبالتالي الأتفاق طى معالجات جنريمة 

8 لها تتوافق مع سيادة كل من البلدين وتحقق في الوقت نفب الغذايمة 

المره رة . 





أمة ايرز الأخطار: طى سبيل المثئل لا الحصر هي ؛ 

تجح 5 

1 - أجهزة الآستخبارات اأقليسية والدولية الماطةخاصة في لبنان والتني 

المت اأشناء الامسداث٠‏ 

جم)> - تحول البمثات الدبلوماسية ٠‏ الاجنبية والحربية عن مهامها التقليديمة٠‏ 

8 النشاط المعادي لكل من البلدين سوا سن عناصر محلية أو أججبية 
أو تيارات متطرفة ويضاف اليها الوجرد المسلح غير الليناني» 


نم - فلتان المدود بين الدرلتين اأمر الذي يسمح بكل أنواع الأرتكفيات؛ مما 
يهدد أمن الدولة ( تهريب أسلحة وفخائر وتنقل شبكات تغربميصم ة) 
وسلامة المجتمح لتهريب بضائع ومخدرات: اجرام وفرار من العدالة)ه 


وتتم معالجة هذه الأخطثر على الصميد اللبداني برأينة من خلال قوى الأمن الداخلي 
فقط الخاضمة لوزارة الداخلية التي تتولى التتسيق مع وزارة الداخلية السوريمة 
والأجهزة الآمنية المتملقة بهة سواء لجهة تبادل المعلومات حول الأخطار أو لجههمة 
تحديد وسائل معالجتها؛ على أن ءترك التتفيذ للأمهزة المسلية الورخغيمةه 


6 


249 


في سمال العلاقات الاتصندية ٠‏ 


ب أن يكون التدسيق طي أومع مدى في هذا المجال على رام تبلين الدنضة ٠‏ 
أمة مجالات تدظيم هذا التعسيق نتحددمة لجنة خيراء من البلدين عشرف طني 
اقتراح الافاقات الشدافية والبقوانين التتفيذية لهمة»٠‏ 


في مجال الملاقات التريبومة ١‏ 
في اعتقادءدة أن التدسيق في المجال التريوي هو ركيزة ترسيخ القربى بين ناشفضا 

وأجيالنة الطائمة . من خاتل تتشنة وطدية قاكمة طى اأنتماء وصمة مبارسختسة ٠‏ 
ويتم هذا التنسيق من خلال لجائن مشتركة شن قراعد تربوية وطنية متقامغلغلة ٠‏ 
ودحن حريصون في هذا الاطار طى المحافظة طلى حرية التعليم في لينان قفني 
اطفر حرسنا الشديد طى منع هذه الحرية من التحول الى بثرة انام جديد 

بين اللمداديين والى خلق حالات من المداه للعرب وسورنة ٠‏ يلثلك دنمن 
حريمون أينا على وضع الاطر القادونية لحماية ' القطاع التربوي من حيث محتسوىق 
مناهيه أو صيكلية موسسات ٠‏ 


في ممال عرية الأب اة_م ‏ ؟ 


أن فسان استمرار العلاقات المميزة بعيدا من التشويش والتخريب يتمثل قفي 


نلردةه بدرجة كبيرة آفي ضبط الامالم في ليناين ٠‏ فقد تحول اعلامنة بر عريمة 
مدارسة بلا سؤولية الى اعلام فرضوي مز للينان وأشقلك الأقربين خمرمة يسوم 
بدأ استخلاله من قبل قوى اقليمية ودولية لمارب كثيرة ومتتوعة ؛ وظها مفبوهمه 
وذات أعداف تامرية طى ينا أن وسوريا ٠‏ لذلك ننرى من الشريوة ان يدك 
لبدان سلسلة اجراعات لضيط الاعلام من حيث هو وسيلة أخبار وتوجيه للسرأي 
العام بحيث يلتزم في كل مذ يقذمه بالمبادوه والأعداف والتوجه الترٌ في 
ا والمكرس دستيرية وقادرنية دون الغاء مدا عريمة 
الآملام ٠‏ 


66٠6 


2520 


0 لب 


> * الكواء” لبن 


اولا 


علي صميد الاصلاحات السياسية ٠‏ 

الجر السائد حاليا في ليئان لمفهي الاصناحات السياسية خاط'  ٠‏ 
باليمتر يطرحها تحتاضران السشاركة وفر يمني بذلك ب وهذا صحرح 
الى حد كيبر ‏ توزيخ حصمر وسسو'وليات ترثدى الى تببزئة القرار الرطني 
والبعنر للاخر يطرحها من زاوية ثائية ينهم ها ان اللبنائيين خمرب 
ممتفاة ستباعد 3 توائفت علي الترحد غير الطبيمي في ظرف معين وبنسية 
معينة ٠‏ والطرحان غير رطنيين على الاطلاق لان التسوية ليست ثايتة 
في صيرة نهالية الله في المفهى التاريضي ولان تجزئة القرار الرطني 
ليسنيها ثني* من الاصلاح ٠‏ أنا الذى يعطي الاصلاحات السياسية 
بمد ها الرطني الحقيني فهر جذ ريتها وضمائها بتوجهات سياسية سلية 
بعد الة اجتماعية راسخة من خا نها طبأنة المواطن الليناتي الى مصيره 
الوطني والى مساوات مح اغراته من د ون فروقات الجتماعية وفير اجتماعية ٠‏ 
والاعتقاد السائد حاليا يشير الى ان الماركة الحالية كنا هي مطريحة 
او مطيقة خارجة عن نطانها الرطني ٠‏ لاصحاب النيات الحسئة من رافمي 
شعار السثاركة المسلمين اتا يطالبون يضمانات تابتة لسياسة لينسان 
المربية ولمد, غروجه عن الصف الوطتي وعدم الانجراف د اخليا رغارجيا 
ويعتجرين أن وجود هم كا شخهامرفي سد 3 المسر'ولية فلى جائب المسر'ولين 
السيحرين يشكل هذه الضمانات واصحاب النيات السيلة اننا يمتجرين 
المشاركة مرحلة لا بد ها لتخيير رجه لبنان في اكتر من مجال ٠‏ طيما 
هذا لا همئي أن المشاركة المذ كيرة لا تدكل جزا» اساسيا من الاصلاحات 
السباسية لا بد منه لتمثين الرحد 3 الرطنية ولتقمية روح المسرولية لسدى 
كل الطوائف ولتخذ يذ الممن الرطني عدد المواطن اللبناتي ٠‏ وهدذً١ا‏ 
أمر يجب ان يتفهسه المسيحيين على حقيقت وان لا يعتبريا انه شابط 
لحريتهم السؤارلة او مقيد نهي نقطة انطلاق اساسية تمهد لتخيسير 
الراقع القائم وفق خطة متماسكة تمي المزايد ات الحالية وتخزع مسن 
المسيحيين حق اعطاء شمادات في الولاء الليناتي الى المسلمين كسا 
تنزعسن المسلمين حنى لعطاء السسيحيين مهاد ات في الحريية والوطنية ٠‏ 


251 


]- 


ثانيا 


ثالنا 


هيل 
انا الاصلاحات السياسية يمفهوميا الحالي ليمي الاتي 0 
مجلس الشياب مناصلة 
ث2 ابشا * مجلس شيخ عا ١‏ نا اضيا م/ هذا له معنا كلامم 


حاتم #زذاء صلبة الملات الففلام: 
2-0 تثبيث طائفية الرقائسات الاريع بالد سنو عتة لمات 


+ وظائف الغئة الاولي اعادة النظر ني توزيعها ماصلة وبدلرية 
“ا اعتماد البيان الوزارى الاخير لتوضيح جميع النقاط 
+ للادة النظر بالتقسم الادارى كما هو وارد في البيان الوزارى 
والانتراح الانضل أن تنشاء الاحدى عثر محافظة بنا يها 
محافظة ببروت الكبرى ٠‏ 
بناء قوى الامن الد اخلي عدة بعددا! بعد الاخذ في الاعثهار المتغيرات 
الجغرائية والد يموفرامية الحاصلة على الارض والظروف النفسية اللتى 
يعيشها المواطن في المرحلة الارلى على الاقل ٠‏ تشمل قوى الامن 
الد اخلي قيادة مركزية تتولى التشكياك رنقا للمبد ا* المذكيل اننا وسرايا 
اقليسية تحرك بامرة واشراف قاد اتها السملية ٠‏ 
حل مشكلة الميليشيات المسلحة عن طريق تعلويع ناصرها في صفوف ترى 
الامن على ان تتوفر يها شروط التطويع وتخضع بصورة نهائية وكاملة 
للنوائمن والانظمة المرعية الاجرا" ٠‏ ان عديد توى الامن الداخلي 
وتجهيزها يجبان يكرنا متناسبين ممعد د السكان فهاكلة اشبمة 
في كل منطفة ليمكناها من فرض الامن وجبان يكون تجهبزها يحجم 
وضخامة المهماث التي تنظرها ٠‏ 
الامن المام ٠‏ تعزيز الامن العام بحيث يستطيم القيام بمهمة اساسية 
هي ضبط الحد ود الد ولية اضائة الى مهساته الاخرى المنصوسعليها في 
القوانين والتنظيمات النى ترج عمله مثل اصد ار جوازات السفر والا هتمام 
بالرعايا الاجانب هذا الامر يقتضي تشكيل حرس حد ود مهلته خبط 
الحذ ود اللبنائية والمرانى" والمطارات باستتنا' الحدود مع اسرائيل 
التى يتسلمها الجيئر ٠‏ وتبع هذا الحرسللامن العام الذى يضيط 
عد ده وتشكيلات ونقا لتنظيمات ترضع ني حمينه وينطلق تشكيل حرس الحد ود 
من ضريرة عدم جمل الحد ود اللبئانية السورية مصدر تمد يد جد ى لامن 
لبنان وسوريا ( تهريب اسلحة وتهريب بضائع وهر بطلوين ٠ ) ٠٠*‏ 


252 


سادسا ب 


حتوومى 


تشكيل جهاز معليات او مخابرات تايع لقوى الامن الد اخلي تكون مهمك 

الاسا سية السهر طى امن الد ولة وبكائحة التجسس والارهاب ٠‏ 

الجيش ,"' 

ان المهمة الاساسية للجيئرهي حساية الرطن من اى اعتد ا" خارجي ٠‏ 

اى حماية الحدود والمسا عدة في حساية النظام العام ٠‏ رلذلك نان 

تكليله يمهمات امنية يجب ان لا يتم الا عند الشريرة القصوى ولي مكان 

محدا د ولمد 3 محد ودة يعود بعد ها الى كنات والى ميل الاساسية ٠‏ 

يجب اعادة بنا» الجيئر ونقا لمفيد ذ قتالية يلتم بها جميع افراده 

فهجب وضع تنظيم حد يث ياخذ بعين الاعتبار ضريرة الاستفادة سن 

الاخطاء السابقة ويشدد على التنشئة المسكرية والوطنية الميصدة 

للجميع ويتم تدكيل لجنة لوضع اسسالتنظرم والتجهيز المتتاسية مع 

المهمة الملقاة على عاتنى الجيثر يحيث ينتصر د ور مخابرات الجيش على 

الامن المسكرى والتكتي دون سواهيا ٠‏ 

الحل الامني 

١‏ وقف اطلاق نار شا مل (خذفى جميع الاجهزة اللازبة للمسا همة 
ي ضيطه واحترانه ) 

؟ ‏ تقوية قوى الامن الد اخلي والامن العام وفتح باب التلوع 

 *‏ تعيين شباط احتهاطيين في الجيش تمهيدا لنتلهم الى ترق 
الامن الد اخلي والامن العا, 

) ل نقل ضباط واغراد وعتاد وسعدات ( 20٠‏ من المديد والممدات) 
من الجيثر الى الامن الداخلي 

ه ‏ حل الميليشيات والتنظيمات المسكرية وشبه العسكرية على مفظف 
انرامها 

١‏ تسليم الامن لقوى الامن الداخدي في جميع الشاطق اللبنانية 

1 تمركز قوات سو ربة في نقاط يتفق عليها مع اللجنة الانية الحاليية 
بعد رفع مست وأها اذا اقتضى الامر وبعد أن ينم الينا ضباط 
سوريون تسمح هدعم معنوف ومساند 3 عسكرية لمدة محد دة تثراوة 
بين سنة او سدة ونصفغير قابلة للتجد يد اوالتديده ٠‏ 

4- سحبالجيثر اللبنائي من جميم المناطق واعاد » الى ثكناته تمهيدا 
لاعادة تاهيله 


253 


1 


57| 


شراه الاسلحة التقيلة والمتوسطة من الجميع 


١‏ الما" اتفاق الفاهرة 
٠١‏ فلا جمع السلاح غير الشرعي من جميع الفرقاء لبنانيين وفير ليدانيين د ون استتناء 
ولي مرحلذ اولى الترخيص يقل بمنر الاسلحة الخفيلة لحمراية الشخصيات ٠‏ 





الذيلجانن ني الماصة وني دثْيها 


254 


٠.‏ _-.- 2 ا ال غ3 5 . ٠‏ .و 
١‏ سس هيوم الإ اعل. ع-سيوة .نالب !وى إن علص هراط كس ندب 8 
2 ل 
سي ا ل ا ا م ا ل كب يت 
.. بن نم ما يممط_بدئَع..عن ل إن .المارئة © انتاط لبن بن لك رائابة 


دع انا الاين 1 2< ١‏ فر 6 
ممرية انيت منشّه بين ليان بسنا مانا يكلم ان طرفك النا عت ثرا رركن 
.سم 5 2-2 


عد ليلعت ام «برغاء بتهد اليك علدا كَتانات بإعمرمات ابد اما 
ا 0000 اق وا 

خهريرن”. جاده رومن سيكت نكزرمذ عل الرطازت الرن عن اررزضىن 

ند أنه كت يلنب نه سكام افمنة لات هدم اساسة العرل 


. 002 000 5 _ِ- تم 
رار طلم سار لصن ١‏ لابن والديرنه الرسخا يميه وود . 


- 


5 
مع سجاه ١.١‏ 5 
2 حعصعمم 
٠, 0 3‏ 6 
معسريك > و سس اليل لسارم 
٠. ٠ 5 8‏ ا 


255 


رياض تقي الدين يضيء على احداث وخفايا 
من زمن الجيش اللبناني وكمال جنبلاط 





١ برخم‎ 


رياض تقي الدين يتقلد سيف التخرّج من الرنيس فؤاد شهاب 


الدخول إلى الحربية 

لم تتقبل والدة رياض تقي الدين فكرة اختيار ابنها الشاب 
الوحيد بين اربع فتيات الحياة العسكرية مهنة له» فسعت جاهدة لثنيه 
عن قراره» ولما عجزت عن ذلكء؛ كتبت إلى قائد الجيش اللواء عادل 
شهاب ورئيس الجمهورية فؤاد شهاب تطلب منهما شطب اسم ابنها من 
قائمة الناجحين في امتحانات الدخول إلى المدرسة الحربية» وعندما لم 
تتم الاستجابة لطلبها اضطرت للقبول بالأمر بالواقع وباركت دخوله إلى 
السلك العسكري. 

في 14 ايلول 1962 تخرج رياض تقي الدين من المدرسة 
الحربية برتبة ملازم في سلاح المدفعية بعلامات متفوقة سافر بعدها 
في بعثة عسكرية إلى فرنسا لمتابعة دورة تطبيقية على سلاح المدفعية 

2537 


وبعد ان عاد من فرنسا جرى تشكيله إلى فوج المدفعية في صربا. لم 
يكن قائد الفوج عادلاً في معاملته لرياض تقي الدين فبينما كان يغدق 
التنويهات والمكافآت على أحد الملازمين لا لشيء الا لأنه ابن أحد 
كبار الضباط» كان يحرم رياض تقي الدين منها بالرغم من أدائه 
المميز في كل المهمات التي كان يُكلف بهاء ووصل مستوى التحيز 
عند قائد الفوج ضد رياض تقي الدين إلى بترعة يللد فيا ين قباد 
الجيش تأخير ترقيته لمدة ستة اشهر. حاول الملازم تقي الدين 
الاستعانة برئيس الاركان العماد "يوسف شميط لرفع الظلم عنه؛ لكن 
الاخير اعرض عن مساعدته بسب علاقته السيئة بالنائب والوزير بهيج 
تقي الدين قريب الملازم تقي الدين. 


في الشعبة الثانية- جول بستاني: 'ملعون كلب لا ينبح' 

عام 1971 انتقل النقيب رياض تقي الدين الى الشعبة الثانية. 
وجوده في هذا الموقع الحساس اتاح له الاطلاع على الكثير من 
المعلومات الخطيرة خاصة في الفترة التي سبقت انفجار الاحداث 
اللبنانية عام 1975 وكانت هذه المعلومات تتقاطع بمعظمها عند نقطة 
واحدة هي ان لبنان بدأ ينزلق نحو حرب اهلية طويلة الامد لأسباب 
عديدة من اهمها التباينات بين المسلمين والمسيحيين حول موضوع 
الوجود الفلسطيني المسلح على الاراضي اللبنانية» وكانت هذه التباينات 
ظهرت بشكل واضح في اعقاب مقتل سبعة عشر فلسطينياً في كمين 
نصبه لهم عناصر من حزب الكتائب عند مفرق الكحالة في العام 
9 وكانت ردة فعل الفلسطينيين على هذه المجزرة هي قيامهم 
باحتجاز الشيخ بشير الجميل اثناء مروره في منطقة المكلس حيث 
عثروا في سيارته على اوراق تثبت ضلوع الشعبة الثانية وحزب الكتائب 
في مجزرة الكحالة. 

258 


كان لحادثة الكحالة اثر كبير على الوضع السياسي والطائفي 
في لبنان» فاختار الفريق المسيحي اللجوء إلى التسلح لحماية الصيغة 
المارونية السنية ذات الارجحية المارونية؛ متجاوزاً دور الجيش في 
حماية الامن الوطني مبررأ ذلك بعجز الجيش اللبناني عن تأمين 
الحماية للمسيحيين بسب اضطرره لمراعاة الفريق المسلم؛ في المقابل 
لجأ المسلمون إلى رفع مستوى تحالفهم مع المقاومة الفلسطينية» التي 
كان دورها قد بدأ يتعاظم شيئأ فشيئاً على الاراضي اللبنانية» فافتتحت 
لها مكاتئب مسلحة في الجنوب وراحت تتغلغل في الاحزاب 
والمجموعات الدينية واحاطت نفسها بمجموعة من التحالفات السرية 
والعلنية مع عدد الشخصيات السياسية والدينية في لبنان كان المال هو 
اللاعب الابرز فيهاء وهي لم تتردد في انشاء خلايا سرية داخل الجيش 
اللبناني تحت أسم 'منظمة العقاب" التي اكتشفت مخابرات الجيش 
بعضاً منها واعترف اعضائها بأنهم قد جرى تجنيدهم من قبل حركة 

وفي موازاة التمدد الفلسطيني في الجسم السياسي والعسكري 
اللبناني» كان هناك تحالف غير معلن بين رئيس الجمهورية سليمان 
فرنجية والاحزاب المسيحية في لبنان شارك فيه مدير الشعبة الثانية في 
الجيش اللبناني العقيد “جول بستاني" الذي راح يسهل وصول السلاح 
إلى حزبي الكتائب والاحرار بالتعاون مع رئيس شعبة الامن القومي 
المقدم “نبيه الهبر" وكان من ابرز وجوه هذا الحلف أيضأ رجل 
الاعمال الكتائبي طانيوس سابا الذي كان له دور في شراء الاسلحة 
من الخارج» وعندما اكتشف الضباط المسلمون في سلاح البحرية 
عملية دخول بواخر الاسلحة إلى المرافئ اللبنانية لصالح الاحزاب 
المسيحية قامت قيامتهم ورفضوا طلباً من زملائهم الضباط المسيحيين 
بلفلفة الموضوع؛ وقاموا بتسريب الخبر إلى وسائل الاعلام؛ مما اثار 


259 


غضب رئيس الحكومة رشيد كرامي الذي طالب بفتح تحقيق في 
القضية» وبنتيجة التحقيق تبين ان هذه الاسلحة كان يتم شحنها من 
الخارج على اسم الجيش اللبناني وبعد ان كانت تدخل إلى مخازن 
الجيش كان يجري رفضها من قبل لجنة الاستلام العسكرية لتعاد بعد 
ذلك إلى مرفأ بيروت ومن هناك كان يجري تهريبها إلى المليشيات 
المسيحية؛ وقد تبين من التحقيق أيضأ ان المتورطين في عمليات 
تهريب الاسلحة استخدموا مطار بيروت في عملياتهم أيضأ . في تلك 
الفترة أيضاً [لا, معلومات للشعبة الثانية عن إجتماعات عُقدت بين 
بعض مسؤولي الاحزاب المسيحية في لبنان وضباط إسرائيليين كان من 
بينها إجتماع في السفارة الإسرائيلية في باريس بين جورج عدوان واحد 
ضباط الموساد؛ كما عُقد إجتماع أيضاً على ظهر بارجة إسرائيلية في 
عرض البحر بين الشيخ بشير الجميل ومسؤولين إسرائيليين» وفي تلك 
الفترة أيضاً قام الرئيس كميل شمعون بزيارة إلى الاردن التقى خلالها 
بالملك حسين الذي نصحه بالتعاون مع إسرائيل وقال له: "لا أحد 
يخلصكم من هذه الورطة سوى إسرائيل". 

وكان العقيد جول بستاني خلال الفترة الأولى من الحرب 
الاهلية يقوم بإرسال عناصر من الشعبة الثانية إلى خطوط التماس بين 
المنطقتين الشرقية والغربية لإشعال الجبهات في وقت متزامن» وهو 
كثيراً ما كان يبدي استيائه من عدم لجوء' حزب الكتائب إلى تصعيد 
الوضع الامني مستعيراً من الانجيل عبارة: 'ملعون كلب لا ينبح". 

كان من شأن هذه التصرفات ان تنعكس سلبأ على وحدة 
الجيش فتدنت ثقة الضباط المسلمين بقيادتهم فيما راح الضباط 
المسيحيون يعبرون عن سخطهم من النشاط الفلسطيني المسلح على 
الاراضي اللبنانية» مما سرع في تفكك بنية الجيش اللبناني» خاصة بعد 
قرار قيادة الجيش بمنع العسكريين من قراءة الصحف والمجلات 


2060 


والاستماع إلى أجهزة الراديو داخل الثكنات والمراكز العسكرية؛ الأمر 
الذي ادى إلى تذمر واسع في صفوفهم مما دفع القيادة إلى تعديل 
القرار بحيث صار يسمح لهم بالاستماع إلى الإذاعة الرسمية فقط. 
ولكن هذا التعديل في القرار لم يحل المشكلة بل ادى إلى تفاقمها وذلك 
عندما راح العسكريون يحاولون خرق المحظورء مما جعلهم ميالون إلى 
تصديق كل ما يسمعونه من الخارج الأمر الذي أعطى مردوداً عكسياً 
على معنويات الجيش. 
الحرب الأهلية - ألغام في مخازن الذخيرة 

بدأت الحرب الاهلية في لبنان باغتيال الزعيم الوطني معروف 
سعد في صيدا في 1975/2/26 خلال مظاهرة قام بها صيادي 
الاسماك في الجنوب احتجاجاً على انشاء شركة 'بروتيين" لاستيراد 
السمك التي كان يرأس مجلس ادارتها الرئيس كميل شمعونء والتي 
اعطيت حق احتكار عملية تجارة الاسماك في الجنوب» سبق المظاهرة 
زيارة قام بها وفد من الصيادين الى الرئيس كميل شمعون اعربوا فيها 
عن مخاوفهم من ان يؤدي نشاط الشركة إلى انقطاع مورد رزقهم, 
فوعدهم الرئيس شمعون بضمانات تؤمن لهم الاستمرار في تحصيل 
لقمة عيشهم من هذه المهنة» وبعد ان اطمأن الصيادون إلى كلام 
الرئيس شمعون عاد القلق ليساورهم من جديد بعد زيارة قاموا بها إلى 
الرئيس رشيد كرامي الذي اعرب امامهم عن شكه بنوايا الرئيس شمعون 
ودعاهم إلى اختبار صدقيته من خلال الطلب اليه ادخالهم جميعاً في 
ملاك شركة بروتيين» لكن الرئيس شمعون رفض هذا الطلب بحجة انه 
يفوق قدرة شركته على الاستيعاب» فكان ان تداعى الصيادون إلى 
مظاهرة في صيدا ضد شركة بروتيين. في هذا الوقت وصلت معلومات 
إلى الشعبة الثانية تشير إلى احتمال دخول مندسين على خط المظاهرة 
بغية تخريب الوضع الامني» فطلب مدير الشعبة الثانية العقيد جول 

261 


بستاني من معروف سعد التعاون معه من اجل منع قيام أي اعمال 
شغب خلال التظاهرة باعتبار ان معظم الصيادين كانوا من انصاره, 
وافق معروف سعد على هذا الطلب وقرر ان يكون على رأس 
المظاهرة» وفي نفس الوقت اتصل 'جول بستاني" بكمال جنبلاط وطلب 
منه المساعدة أيضاً في تهدئة الاجواء السياسية خلال المظاهرة. ولكن 
على الرغم من كل هذه الاحتياطات فقد وقعت الواقعة عندما قام 
مجهول بإطلاق النار على المتظاهرين فأصيب معروف سعد اصابات 
قاتلة. ادى الحادث إلى توتر الاجواء الامنية» فانتشر المسلحون في 
عدد من المناطق اللبنانية» وراحوا يقومون بتعديات على بعض مراكز 
الجيش اللبناني» وهذا ولم تتوصل التحقيقات التي اجرتها مخابرات 
الجيش في الجنوب إلى تحديد هوية مطلق النار على معروف سعد 
وان كانت الشبهات قد حامت حول جندي من الجيش اللبناني من ابناء 
منطقة شرق صيدا كان متواجداً في ساحة المظاهرة» كما جرى الاشتباه 
أيضأ بأحد عناصر الدرك» ولكن هذه الاتهامات بقيت كلها من دون 
دليل اثبات بعد ان جرى تمييع التحقيق في الجريمة. 

بعد عدة ايام على حادثة صيدا توجه النقيب رياض تقي الدين 
إلى منزل العقيد جول بستاني في الجية لتقديم التعزية له بوفاة والدته» 
الذي طلب منه نقل رسالة إلى رئيس فرع الامن القومي المقدم نبيه 
الهبر تتضمن شرحاً لملابسات اغتيال معروف سعدء كما طلب العقيد 
بستاني أيضأ من المقدم الهبر الاتصال بكمال جنبلاط وحثه على 
المساعدة في تهدئة الأوضاع. 

اثار تجاوب كمال جنبلاط مع مساعي العقيد بستاني غضب 
عائلة الشهيد معروف سعد التي راحت تتهمه بالتنكر لعلاقته النضالية 
مع معروف سعدء وكان كمال جنبلاط قد قام بعد اغتيال معروف سعد 
بإيفاد الوزير عباس خلف إلى الإمام موسى الصدرء من اجل الطلب 


262 


اليه التعاون في فتح طريق صيدا التي كان قد قطعها بعض انصار 
الإمام الصدرء والذين قاموا ايض بالاعتداء على قوافل الجيش اللبناني 
اثناء مرورها في مدينة صيدا. لقيت الاعتداءات على الجيش ردود فعل 
غاضبة في عدد من المناطق المسيحية» فنزل سكانها إلى الشوارع 
وقاموا بمظاهرات استنكاراً لهذه الاعتداءات. وقد كان لهذه التظاهرات 
صدى عند بعض ضباط الجيش المسيديين» فزار وفد منهم رئيس 
الجمهورية سليمان فرنجية» واعربوا له عن سخطهم من التعديات على 
مراكز الجيش اللبناني» وكان اكثر الضباط المتذمرين من هذه 
الاعتداءات هو المقدم ميشال عونء الذي هدد باعلان التمرد في حال 
لم يتم فتح طريق صيدا امام قوافل الجيش. اثارت تهديدات المقدم عون 
غضب الرئيس فرنجية فدعا إلى الهدوء والتعقل. وفي اعقاب هذه 
التهديدات التي اطلقها ميشال عون» وصلت معلومات إلى مسؤول 
الشعبة الثانية في الجنوب المقدم ابراهيم عباس عن وجود ألغام في 
مخازن الذخيرة في ثكنة صيدا معدة للتفجيرء فسارع إلى الاتصال 
بوحدة الهندسة في الجيش التي قامت بتفكيكها قبل ان تنفجر بوقت 
قليل؛ وبعد هذه الحادثة قامت قيادة الجيش بإجراء تشكيلات في قيادة 
فوج المدفعية في صيدا فتم نقل المقدم ميشال عون إلى وزارة الدفاع» 
حيث جرى تعيينه مساعداً لقائد المدفعية العقيد منير طربيه!. 
حادثة عين الرمانة - من حرف البوسطة عن طريقها 

في 13 نيسان عام 1975 وفي اثناء احتفال كان يقيمه حزب 
الكتائب بمناسبة تدشين كنيسة في عين الرمانة بحضور الشيخ بيار 
الجميل ظهرت سيارة 'فولسفاكن" لوحتها مغطاة بقطعة من القماش 
وكان يقودها الفلسطيني "منتصر احمد ناصر" الذي ينتمي إلى منظمة 


' رئيس الاركان في عهد الرئيس الياس سركيس. 
2603 


الصاعقة بالقرب من مكان الاحتفال» مما اثار الشبهة لدى حراس 
الشيخ بيار الجميل؛ فطلبوا من سائقها رفع الغطاء عن اللوحة» لكنه 
رفض مما ادى إلى عراك بينه وبينهم اصيب على اثرها سائق السيارة 
بجروح نقل على اثره إلى المستشفى للمعالجة بواسطة سيارة للدرك. ولم 
يمض دقائق على هذه الحادثة حتى حصلت حادثة أخرى وذلك عندما 
حضرت سيارة أخرى إلى عين الرمانة لوحتها مغطاة أيضأ وبداخلها 
عناصر من منظمة الصاعقة مما اثار غضب بعض الاهالي فتصدوا 
لها وما لبث الأمر ان تطور إلى تبادل لإطلاق النار بين الطرفين قتل 
بنتيجته عنصران من حزب الكتائب هما "جوزف أبو عاصي وانطوان 
الحسيني". اشعل مقتل أبو عاصي والحسيني غضب الاهالي فنزلوا إلى 
الشارع وقاموا بإطلاق النار على حافلة فلسطينية كانت تمر في احياء 
عين الرمانة الداخلية مما ادى إلى مقتل سبعة وعشرين من ركابها. 

بعد حادثة عين الرمانة وجد كل من حزب الكتائب ومنظمة 
التحرير الفلسطينية ان مصلحتهما هي في تطويق ذيول الحادث», 
فاتفقوا على تسوية تقضي بأن يتخلى الفلسطينيون عن مطالبتهم بتسليم 
مطلقي النار على الحافلة إلى القضاء اللبناني» مقابل موافقة حزب 
الكتائب على ان يبقى لبنان منبرأ اعلامياً للفلسطينيين وساحة 
لتحركاتهم العسكرية ضد إسرائيل. هذه التسوية رفضها كمال جنبلاط 
بعد ان اقنعه جورج حاوي ومحسن ابراهيم بأن الوقت الآن هو للتصعيد 
والذهاب نحو التصلب في المواقف؛ فكان ان ولد شعار "عزل حزب 
الكتائب". كان تقييم الشعبة الثانية لمواقف كمال جنبلاط انها كانت 
تهدف إلى ترهيب حزب الكتائب من اجل دفعه للقبول ببرنامج الحركة 
الوطنية الاصلاحيء وان جنبلاط بالرغم من لهجته العالية فانه مستعد 
لاجراء مفاوضات مع حزب الكتائب تنتهي إلى حل وسطء وان مواقفه 
المتشددة هي بهدف التمهيد لاستيعاب الفلسطينيين للصدمة. 


204 


ارتدت نتائج شعار عزل الكتائب سلباً على كمال جنبلاط 
والحركة الوطنية فانتقل قسم من المسيحيين من منطق الاعتدال إلى 
ساحات التطرفء ولأن قرار '"العزل" كان اكبر من ان تتحمله الطوائف 
الإسلامية فهي اعلنت رفضها له؛ كما رفضته أيضأ معظم الدول 
العربية خاصة تلك التي كانت تدور في فلك الغرب» وبذلك بقيت 
التهمة محصورة بكمال جنبلاط والذي وجد نفسه في نهاية الأمر 
مضطراً إلى التخفيف من حملته الاعلامية على حزب الكتائب» ولكنه 
في قرارة نفسه ظل مقتنعأ بقرار العزل وبقي يعمل له ضمناً وهو سعى 
لإقناع الرئيس السوري حافظ الأسد به. لكن الأسد لم يقتنع وكان رأيه 
انه يجب العمل على استيعاب القادة المسيحيين في لبنان من اجل 
منعهم من الارتماء في احضان إسرائيل» وكان لافتأ في تلك الفترة ان 
الحكومة التي شكلها الرئيس رشيد كرامي في 29 حزيران عام 1975 
بمسعى من وزير الخارجية السورية عبد الحليم خدام لم يكن فيها كمال 
جنبلاط أو ممثلاً عنه؛ الأمر الذي فسره المراقبون انه يعكس بداية 

ادى تأليف الحكومة الجديدة إلى اشاعة اجواء من الهدوء 
الامني والسياسي في البلاد وان بشكل نسبي ولكنه لم يستمر طويلاً اذ 
ما لبث ان عاد التوتر للبروز مجدداً من بوابة البقاع» عندما قامت 
عناصر من حزب الكتائب بالتعاون مع بعض عناصر الجيش اللبناني 
بتوتير الاجواء بين مدينة زحلة والقرى الإسلامية المجاورة لها وسرعان 
ما امتد هذ التوتر إلى منطقة الشمال» حيث جرى تعزيز مليشيات 
الجبهة اللبنانية في بلدة عندقت بضباط وعناصر من الجيش اللبناني 
بقيادة المقدم مطانيوس اسكندر. 

في ظل هذه الاجواء كان هناك من يروج في اوساط الجيش 
والشعبة الثانية بأن كمال جنبلاط قد وقع رهينة الارادة السوفياتية التي 


265 


يمثلها في لبنان جورج حاوي ومحسن ابراهيم» وان لا فائدة من مد اليد 
اليه طالما انه لا يملك قراره. اجواء الشعبة الثانية هذه قرر النقيب 
رياض تقي الدين نقلها إلى كمال جنبلاط فزاره في منزله في بيروت 
وكان هذا اللقاء هو الأول بينهما. والذي بدا خلاله كمال جنبلاط 
غاضباً من مواقف الرئيس سليمان فرنجية وهو قال للنقيب تقي الدين: 
ألا يخشى سليمان فرنجية من تفتت البلدء ألا يخاف من تفكك 
المؤسسات الوطنية» ألا يرهبه تشرذم الجيش وضياع الوطن"؛ كما 
كشف جنبلاط امام رياض تقي الدين بأن السوفيات نصحوا الحركة 
الوطنية بوقف عملياتها العسكرية والانصراف إلى تثبيت اقدامها في 
المناطق التي تسيطر عليهاء كما انهم ابدوا استغرابهم لمواقفه المتشددة 
تجاه سوريا الأمر الذي فهم منه جنبلاط ان للسوفيات مصلحة في 
تقسيم لبنان بهدف كسب دولة حليفة لهم في مواجهة المصالح 
الأميركية في المنطقة» ونتيجة لرفضه المقترحات السوفياتية اوقف 
المسؤولون السوفيات دعمهم السياسي لكمال جنبلاط لفترة من الزمن» 
مما جعله يقول مرة امام عدد من المقربين منه: "لازم اللون الاحمر 
الفاقع يخف عن الحركة الوطنية لأن ذلك يسيء الينا داخل لبنان". 
احمد الخطيب بين حركة فتح ومحاولة مد اليد له من كمال 
جنبلاط 

في ظل هذه الاجواء كانت الأوضاع داخل مؤسسة العسكرية 
تتجه نحو مزيد من التشرذم الذي تحول إلى واقع فعلي عندما قام 
الملازم أول احمد الخطيب باعلان جيش لبنان العربي عام 1976 
بدعم مباشر من حركة فتح التي امدته بالمال والسلاح2ء وكان 
الفلسطينيون يهدفون من وراء شق صفوف الجيش اللبناني إلى ابعاده 
عن الحدود الجنوبية» فهم كانوا يرون ان وجود الجيش على الحدود من 
شأنه ان يحد من قدرتهم على القيام بعمليات تسلل إلى الاراضي 

266 


المحتلة من اجل ضرب اهداف إسرائيلية» وبعد اعلان جيش لبنان 
العربي قام الفلسطينيون بالسيطرة على ثكنات الجيش اللبناني في عدد 
من مناطق بيروت والشمال والجنوب وسلموها إلى احمد الخطيب. لم 
يكن اعلان احمد الخطيب لجيش لبنان العربي نتيجة خطة اعدتها 
حركة فتح فقطء بل كان في جزء منه أيضاً نتيجة ممارسات قائد ثكنة 
ابلح العقيد انطوان لحد ومساعده المقدم ابراهيم طنوس ضد احزاب 
الحركة الوطنية وانحيازهم بشكل فاضح إلى الجبهة اللبنانية؛ وخاصة 
عندما راح المقدم طنوس يقوم بإرسال السلاح والذخيرة من ثكنة ابلح 
إلى عناصر حزب الكتائب في القبيات» مما اثار النقمة عند احمد 
الخطيب ضد قيادة الجيش. 

اثار ظهور جيش لبنان العربي قلق كمال جنبلاط الذي خشي 
ان يكون توسع نفوذ احمد الخطيب مقدمة لوضع الفلسطينيين يدهم 
على منطقة اقليم الخروب مسقط رأس احمد الخطيب والمحسوبة 
تاريخيأ على زعامة آل جنبلاط» فكان قراره التعاطي بمرونة مع احمد 
الخطيب وهو قال في أحد المرات للنقيب رياض تقي الدين: "انا ضد 
انقسام الجيش ولكني وجدت نفسي مضطراً لرعاية احمد الخطيب حتى 
لا يقع تحت سيطرة أبو عمار وان حركة جيش لبنان العربي هي من 
تدبير "أبو جهاد". 

كان كمال جنبلاط يصر دائماً على تحبيد الجيش اللبناني عن 
أي صراع داخلي تمهيداً لأستعماله في ضبط الأوضاع الامنية عندما 
يأتي اوان الحل السياسي الشامل والذي لم يكن يراه بعيدأ. وكان من 
نتائج احتضان كمال جنبلاط لأحمد الخطيب ابعاد ضربة عسكرية عنه 
كان السوريون ينوون توجيهها له بعد قيام عناصر تابعة له بإطلاق 
النار على موكب وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام اثناء عبوره 
الحدود اللبنانية السورية عند نقطة المصنعء هذا وقد تبين ان حركة فتح 


267 


هي من يقف وراء التحريض على عملية اطللاق النار. هذا الحادث 
استغله العقيد جول بستاني لتحريض السوريين على ضرب احمد 
الخطيب؛ لكن مسارعة كمال جنبلاط للتشفع له عند السوريين جعلهم 
يصرفون النظر عن القيام بعملية عسكرية ضده؛ وفي السياق نفسه 
وقف كمال جنبلاط حائلاً دون قيام نائب قوات حركة فتح خليل الوزير» 
(أبو جهاد) بتوجيه ضربة عسكرية لمراكز جيش لبنان العربي في 
بيروت وذلك بعد ان راح احمد الخطيب يحاول الاستقلال بقراره عن 
حركة فتح» لكن تدخل كمال جنبلاط لدى القيادة الفلسطينية اسهم في 
إنقاذ احمد الخطيب مرة أخرى. كان احمد الخطيب يطمح في ان 
يتحول جيش لبنان العربي إلى الذراع العسكرية للحركة الوطنية» ولكن 
سيطرة حركة فتح على قراره جعل هدفه هذا امرا صعب المنال» وعندما 
فكر كمال جنبلاط بانشاء جيش التحرير الشعبي على ان يضم فصائل 
من كل احزاب الحركة الوطنية» خاف احمد الخطيب من ان يؤدي ذلك 
إلى تطيير حلمه بأن يصبح القائد العام لقوات الحركة الوطنية وهو كان 
يطمح من خلال هذا المنصب إلى حجز مكانة سياسية له بعد انتهاء 
الحرب الاهلية» فسارع "أبو جهاد' إلى كمال جنبلاط متمنياً عليه 
إطلاق اسم 'قوات التحرير الشعبية" بدلاً من جيش التحرير الشعبي 
على القوة التي ينوي تأسيسهاء وذلك افساحا في المجال امام احمد 
الخطيب لتولي قيادة قوات الحركة الوطنية مستقبلاً. 

كان الدافع الاساسي لتفكير كمال جنبلاط بأنشاء قوة عسكرية 
خاصة بالحركة الوطنية هو انكشاف الدور الذي كانت تقوم به حركة 
فتح في افشال العمليات العسكرية للحركة الوطنية على مواقع مليشيات 
الجبهة اللبنانية في منطقة الجبل وخاصة على محور عاليه الكحالة. 


268 


1 آذار انقلاب الاحدب 

شعر السوريون بخطر الحرب الاهلية في لبنان على امنهم 
القومي في حال خرجت نتائجها عن سيطرتهم» فقرر الرئيس حافظ 
الأسد البحث مع الاطراف اللبنانية كافة عن حل سياسي يضع حداً 
للنزيف في الجسم اللبناني فشكل لهذه الغاية لجنة مؤلفة من رئيس هيئة 
الاركان العامة في الجيش السوري العماد حكمت الشهابي ومدير 
المخابرات الجوية اللواء ناجي جميل ووزير الخارجية عبد الحليم خدام» 
وكلفها ايجاد صيغة لإنهاء الحرب الاهلية يتوافق عليها جميع الاطراف 
في لبنان. 

في العاشر من اذار 1976 عقدت اللجنة إجتماعاً لها مع 
رئيس الجمهورية سليمان فرنجية حاولت خلاله اقناعه بالضغط على 
حلفائه في الجبهة اللبنانية من اجل تقديم تنازلات سياسية للطرف 
المسلم؛ الأمر الذي كان من شأنه ان يفتح الطريق امام معالجة مشكلة 
الوجود الفلسطيني المسلح على الاراضي اللبنانية» لكن الرئيس فرنجية 
لم يتجاوب مع هذا الطلبء مما ادى إلى توتر الاجواء بينه وبين الوفد 
السوري. كان تعنت الرئيس فرنجية مرده الى امرين الأول هو غضبه 
من الدعم الفلسطيني لجيش لبنان العربي. اما الأمر الثاني فقد كان 
استيائه من كلام ناب تفوه به ياسر عرفات بحق ابنته سونيا على خلفية 
قيامها بتوزيع منشورات تدعو إلى تقسيم لبنان إلى دويلات طائفية» وما 
لبثت اخبار التوتر بين الرئيس فرنجية والوفد السوري ان وصلت إلى 
حليفيه الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل اللذان سارعا إلى 
إرسال مسلحيهما إلى محيط وزارة الدفاع وذلك في رسالة تهدف إلى 
افهام الوفد السوري بأن مواقف الرئيس فرنجية تلقى دعم حلفائه في 
الجبهة اللبنانية. استاء الوفد السوري من هذا التصرف وقرر العودة إلى 
دمشق عن طريق مطار بيروت» واتصل عبد الحليم خدام بقيادة الجيش 


269ْ 


اللبنانئي وطلب منها تأمين الحماية للوفد السوري في اثناء إنتقاله إلى 
مطار بيروت. كانت القوة التي ارسلها الجيش لحماية الوفد السوري 
بقيادة النقيب "عصام” الديماسي الذي اخبر النقيب رياض تقي الدين 
بعد عودته من مهمته؛ بأن العماد حكمت الشهابي كان طوال الطريق 
يصب جام غضبه على الرئيس فرنجية ويقول: 'شو القصة ما بقا في 
رجال بالجيش اللبناني تقدر تعمل انقلاب". كلام العماد الشهابي 
سرعان ما وصل إلى قائد موقع بيروت العميد عزيز الاحدب الذي 
استنتج منه بأن هناك مناخأ مؤاتياً لتنفيذ انقلاب على السلطة؛ وكانت 
فكرة الانقلاب قد راودت العميد الاحدب قبل فترة من الزمن» ولكن 
المشكلة كانت في عدم امتلاكه القوة العسكرية الكافية التي تتيح له 
الاقدام على هذه الخطوة. 

لم تكن هذه المرة الأولى التي يقوم فيها السوريون بتشجيع 
ضباط من الجيش اللبناني على القيام بانقلاب عسكريء فقد سبق 
للعماد حكمت الشهابي واللواء ناجي جميل ان حاولا اغراء العميدان 
موسى كنعان وجول بستاني بمحاولة القفز إلى بعبدا وهما لقيا التشجيع 
من عدد من السياسيين اللبنانيين وفي طليعتهم كمال جنبلاط» الذي 
قال مرةٍ امام النقيب رياض تقي الدين: "ان صفحة الرئيس فرنجية 
ستطوى قريبا على يد هذين الضابطين". ولكن بالرغم من الدعم الذي 
لقياه» فأن العميدان بستاني وكنعان ربطا اقدامهما على هذه الخطوة 
بالحصول على تغطية الزعماء المسيحيين الذين رفضوا توفير الدعم 
لهما. 

بدأ السوريون نشاطهم الاستخباري قبل انفجار الحرب الاهلية 
وهو كان يتم اولاً تحت ستار مكتب لتخليص المعاملات الجمركية في 
مرفأ بيروت» وكان من الاعمال التي قامت بها المخابرات السورية في 
تلك الفترة في بيروت بتفجير بيوت اليهود في وادي أبو جميل بحجة 
انهم كان يقترعون للشيخ بيار الجميل. والتنصت على الكابل البحري. 

210 


وكان مدير الشعبة الثانية العقيد جول بستاني قد توصل إلى قناعة بعد 
حرب تشرين عام 1973 التي حقق فيها الجيش السوري انتصارات 
لافتة على جبهة الجولان؛ بأنه لا يمكن للبنان ان يتجاوز دور سوريا 
في المنطقة وان مصلحته في التنسيق معهاء فسمح للسوريين بإقامة 
مراكز تنصت على الإسرائيليين في بلدة الخيام الجنوبية» كما قام بتزويد 
عناصر المخابرات السورية في بيروت ببطاقات هوية لبنانية تأميناً 
لسرية عملهم؛ ومع وصول التنسيق الامني السوري اللبناني إلى هذا 
المستوى المتقدم طلب السوريون من الجيش اللبناني السماح لهم 
بتحريك بعض منصات الصواريخ إلى منطقة دير العشاير على الحدود 
اللبنانية - السورية؛ كما عرض مدير المخابرات السورية العميد حكمت 
الشهابي على العقيد بستاني تقديم الدعم المالي للمخابرات اللبنانية في 
مجال الاستعلام عن إسرائيل؛ لكن الاخير رفض العرض بلباقة. 

في 1976/3/11 قام العميد عزيز الاحدب بالدخول إلى 
مبنى تلفزيون لبنان الرسمي في ئلة الخياط واذاع البلاغ رقم واحدء 
والذي طلب فيه من رئيس الجمهورية التنحي عن الحكم؛ وسرعان ما 
تكشف ان حركة عزيز الاحدب هي من تدبير رئيس جهاز الامن في 
حركة فتح 'أبو حسن سلامة". وهذا ما اكده أحد المسؤولين العسكريين 
في حركة فتح المدعو 'محمد قدسية" لرياض تقي الدين عندما التقاه في 
أحد المناسبات في الاردن وذلك عندما صرح له بأنه كان مكلفاً من قبل 
أبو حسن سلامة بمرافقة العميد عزيز الاحدب إلى داخل الاستوديو في 
التلفزيون اثناء اذاعته لبيانه الانقلابي". 

لقيت حركة عزيز الاحدب في بدايتها تعاطفاً من قبل عدد 
كبير من ضباط الجيش اللبناني وخاصة المسيحيين منهم وفي طليعتهم 
قائد الجيش العماد حنا سعيد الذي اقترح اصدار قيادة الجيش بياناأ تعلن 
فيه تأييدها لعزيز الاحدب؛ لكن بعض كبار الضباط نصحهمه بالتريث 
ريثما يتم استطلاع رأي السياسيين حول هذه المسألة. وافق قائد الجيش 

2711 


على هذا الاقتراح وقام بتشكيل لجنة لهذه الغاية مؤلفة من رئيس 
الاركان اللواء سعيد نصرالله ومدير الشعبة الثانية العقيد جول بستاني 
والنقيب رياض تقي الدين. باشر النقيب تقي الدين مهمته بالاتصال 
بوزير الداخلية بهيج تقي الدين الذي جاء جوابه ديبلوماسياً للغاية وهو 
قال للنقيب تقي الدين: "ان ليس لديه تصوراً للمرحلة القادمة حتى 
الآن". اما كمال جنبلاط فقال صراحة لرئيس الاركان: "انه لا يثق 
بعزيز الاحدب وهو يعتبره أميركي الهوى"؛ من جهته حاول قائد الجيش 
اقناع القادة المسيحيين بدعم حركة عزيز الاحدب ولكنه فشل بعد ان 
التف عليه رئيس الشعبة الثانية العقيد جول بستاني الذي قام باقناع 
الشيخ بيار الجميل والرئيس كميل شمعون بمعارضة هذا التوجه» وفي 
رسالة واضحة بضرروة سحب تأييده لحركة عزيز الاحدبء. قام 
مسلحون من حزبي الكتائب والاحرار بتطويق وزارة الدفاع مما اجبر 
قائد الجيش على التراجع عن دعم عزيز الاحدب. 

وكان العماد حنا سعيد قد فكر قبل تأييده حركة عزيز 
الاحدب؛ بالقيام بنفسه بعملية انقلاب على رئيس الجمهورية وكلف لهذه 
الغاية صديقه الحميم مساعد قائد منطقة جبل لبنان العسكرية العقيد 
رؤوف عبد الصمد بجس نبض' الضباط المسلمين في ثكنة شكري غانم 
حول مدى استعدادهم للمشاركة في هذه العملية» كما كلف في نفس 
الوقت النقيب سمير الاشقر باستطلاع رأي ضباط الحرس الجمهوري 
حول الغاية نفسها. كان جواب الضباط المسلمين هو الرفض لأي 
عملية تغيير للنظام بالقوة» مما دفع قائد الجيش إلى محاولة الوصول 
إلى بعبدا عبر ركوب موجة عزيز الاحدبء هذا وقد لعب رئيس الشعبة 
الثانية العميد جول بستاني دورأأ في صياغة الاتفاق بين العماد حنا 
سعيد والعميد عزيز الاحدب قبل أن يعود ويتراجع عن تعهده بدعم 
انقلاب الاحدب. وكان ابرز بنود هذا الاتفاق إصدار عفو عن 
العسكريين الذي انشقوا عن الجيش خلال الحرب الاهلية في حال عادوا 

272 


إلى صفوف الشرعية» والذي كان المقصود به بالدرجة الأولى هو 
الملازم أول احمد الخطيبء لكن هذا البند واجه اعتراضاً من قبل عدد 
كبير من الضباط المسيحيين وفي طليعتهم ميشال عون وابراهيم طنوس 
ومنير الصدي الذين وقعوا بيانا طالبوا فيه بمحاكمة جميع العناصر 
الذين خرجوا عن قوانين الجيش. 

وكان العماد حنا سعيد قد اجتمع إلى كمال جنبلاط وطلب منه 
دعم ترشحه لرئاسة الجمهورية» وبالرغم من عدم اقتناع كمال جنبلاط 
بحنا سعيد رئيساً للجمهورية فأنه استغل طموحه الرئاسي للطلب اليه 
نقل شحنة سلاح للحزب التقدمي الاشتراكي إلى الشوفء وافق حنا 
سعيد على هذا الطلب ظناً منه ان ذلك يكسبه دعم كمال جنبلاط» 
ولكنه سرعان ما اكتشف بأن جنبلاط ما زال على موقفه الرافض لحكم 
العسكرء وكان أحد اصدقاء رياض تقي الدين قد اخبره مرة انه سمع 
كمال جنبلاط يوماً يقول على الهاتف: "انا لم احب فؤاد شهاب يوما 
لأنه عسكري؛ وانطلاقا من هذا المبدأ وقف كمال جنبلاط موقفا 
معارضاً لتشكيل حكومة عسكرية برئاسة العميد المتقاعد نور الدين 
الرفاعي في 12 ايار عام 1975» وهو قام بتوجيه لوم شديد لرئيس 
الاركان العماد سعيد نصرالله لقبوله المشاركة في هذه الحكومة. 

اما عزيز الاحدب وفي اطار سعيه للحصول على اوسع دعم 
لحركته الانقلابية» فأنه قام بالاتصال بالرئيس حافظ الأسدء الذي 
نصحه بتجميد تحركاته افساحاً في المجال امام المبادرات السياسية» 
لكن هذا الطلب لم يرق لياسر عرفات الذي سارع إلى الايعاز إلى 
جيش لبنان العربي بالسيطرة على المزيد من ثكنات الجيش اللبناني في 
الشمال والجنوب» وذلك بهدف إبقاء سيطرته على الجناح المسلم في 
الجيش اللبناني. 

أخيراً وصل منطق الامور إلى نهايته ووجد النقيب رياض تقي 
الدين نفسه مضطرا إلى مغادرة مركز عمله في قيادة الجيش بعد ان 

273 


وصل الانقسام الطائفي في صفوف المؤسسة العسكرية إلى اعلى 
مستوياته. وبعد مغادرته اليرزة توجه النقيب رياض تقي الدين إلى بلدته 
بعقلين» حيث انضم إلى 'تجمع بعقلين". الذي كان قد اسسه عدد من 
الضباط الدروز في الجيش اللبناني لدعم كمال جنبلاط في معركته ضد 
الجبهة اللبنانية. بعد التحاقه بتجمع بعقلين توجه النقيب تقي الدين 
برفقة الرائد شريف فياض إلى مركز الحزب التقدمي الاشتراكي في 
عاليه حيث اجتمعوا بكمال جنبلاط الذي اكد لهم إلتزامه المعنوي 
'بتجمع بعقلين"؛ كما اعلن لهم انه يترك حرية الخيار للمنضوين في 
'التجمع" بالقتال في صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي أو تاليف 
مجموعات خاصة بهم أو البقاء في منازلهم على الحياد؛ء وكان للصداقة 
التي جمعت بين العقيد رؤوف عبد الصمد وقائد الجيش حنا سعيد دور 
في تشريع تجمع بعقلين» فأصدر قائد الجيش مذكرة خدمة كلف 
بموجبها العقيد رؤوف عبد الصمد بالاشراف على تجمع بعقلين. 

كان للعقيد "عبد الصمد' دورا هامأ في مرحلة حرب "السنتين* 
فاستطاع بفطنته وذكائه ان يشكل شبكة من التقاطعات مع اطراف 
عدةء فهو حافظ على علاقات جيدة مع كمال جنبلاط؛: كما بقي في 
نفس الوقت محل ثقة قائد الجيش الذي كلفه بالاشراف على ثكنة 
حماناء وذلك بالرغم من تهديده بقصف قصر بعبدا في حال لم يقم 
رئيس الجمهورية بتقديم استقالته» كما انه تمكن من الإبقاء على شعرة 
معاوية بين كمال جنبلاط والجبهة اللبنانية» التي اعلنت موافقتها على 
التحاق الضباط المسيحيين من ابناء الشوف بتجمع بعقلين. اما 
المستفيد الاكبر من تجمع بعقلين فقد كان كمال جنبلاط» الذي استطاع 
ان يجعل منه أداة توازن مع مختلف القوى الأخرى على الارض ومنها 
رئيس الجمهورية. 


214 


ان صدق بشير ستنتهي الحرب خلال اسبوعين 

مهد الشيخ بشير الجميل لدخوله المعترك السياسي؛ بإطلاق 
سلسلة من التصريحات هاجم فيها الزعماء التقليديين محملاً اياهم 
مسؤولية تردي الأوضاع في لبنان» وخلال لقاء له مع الاب يواكيم 
مبارك أبدى كمال جنبلاط إعجابه بهذه التصريحات. كلام كمال 
جنبلاط اعتبره الاب مبارك اشارات ايجابية يمكن التعويل عليها في فتح 
صفحة جديدة من العلاقات بين كمال جنبلاط وبشير الجميل فراح 
يعمل على عقد لقاء بين الطرفين» وعندما علم ياسر عرفات بمساع 
الاب مبارك سارع إلى ايفاد القيادي في حركة فتح "ابو حسن سلامة' 
إلى بشير الجميل من اجل القيام بوساطة بينه وبين كمال جنبلاط, 
وكانت غاية عرفات من مصالحة بشير الجميل مع كمال جنبلاط هي 
إقامة حلف لبناني فلسطيني يكون قادراً على مواجهة السوريين في 
لبنان» وفي ظل اجواء التقارب بين كمال جنبلاط وبشير الجميل 
اغتيلت شقيقة كمال جنبلاط اليندا" في 27 ايار عام 1976 داخل 
منزلها في منطقة بدارو. بعد الحادث اعلن بشير الجميل ان الشرطة 
الكتائبية ألقت القبض على ثلاثة من القتلة» وخلال زيارة التعزية التي 
قام بها بشير الجميل لكمال جنبلاط التقى الرجلان على اعتبار المبادرة 
السورية لوضع حد للحرب الاهلية تشكل خطرا على لبنان. 

بعد انتهاء الزيارة التقى جنبلاط عدداً من معاونيه من بينهم 
النقيب تقي الدين وقال امامهم: "ان الافكار التي طرحها بشير الجميل 
حول مشكلة النظام الطائفي وطريقة اصلاح هذا النظام هي قريبة من 
افكارناء وان سمات البراءة ترتسم على وجه هذا الشاب فاذا كان هذا 
واقعه فنحن قادرون على انهاء الحرب خلال اسبوعينء اما اذا كان 
يخفي وراء هذه البراءة اشياء أخرى فاننا امام حرب طويلة ستؤدي إلى 
الخراب". لم يُكتب للحوار بين بشير الجميل وكمال جنبلاط ان يستمر 

275 


فتوقف بعد محاولة اغتيال العميد ريمون اده على يد عناصر كتائبية» 
الأمر الذي توجس منه كمال جنبلاط وجعله يرتاب بشخصية بشير 
الجميل» وهو راح بعد ذلك يحسب حساباً للذين لا يريدون الوفاق» وكان 
ريمون اده قبل تعرضه لمحاولة الاغتيال قد تلقى تهديدا من المسؤول 
الكتائبي في جبيل غيث خوري بسبب معارضته لسياسة الجبهة 
اللبنانية. لم تكن محاولة اغتيال العميد ريمون الدافع الوحيد لكمال 
جنبلاط لإيقاف حواره مع بشير الجميل؛ فهو رأى انه لا فائدة من 
الحوار في ظل حصول اجواء تقارب بين القيادة السورية والجبهة 
اللبنانية. 
حرب الجبل- ما تعطوا سلاح لكمال جنبلاط احسن ما يعطيه 
للدروز 

تلاقت مصلحة كمال جنبلاط والمقاومة الفلسطينية والجبهة 
اللبنانية كل من موقعه على توسيع رقعة الحرب لتشمل منطقة الجبل» 
من جهته كان كمال جنبلاط يشعر بأن امتناع معظم محازبيه عن 
الالتحاق بمحاور القتال في بيروت قد ادى إلى تقليص نفوذه على 
الساحة الإسلامية لصالح ياسر عرفات؛ فقرر فتح جبهة الجبل اعتقاداً 
منه انه يمكنه بذلك حشد انصاره تحت شعار الخوف على المصير من 
تهديد الانعزاليين» وبالتالي اثبات وجوده وتحقيق التوازن المطلوب مع 
الجبهة اللبنانية. في المقابل رأى الفلسطينيون ان مصلحتهم تكمن في 
ضرب خطة جنبلاط فقاموا بمنع السلاح عنه مما اضطره ان يشتريه 
منهم بأموال تم جمعها من تبرعات الاهالي؛ اما الجبهة اللبنانية فكانت 
تقديراتها انه يمكن لها من خلال نقل المعركة إلى الجبل اغراق كمال 
جبنلاط اكثر في اتون الحرب الاهلية وتحميله مسؤلية النتائج المترتبة 
عنهاء فسارعت إلى حشد مقاتليها على محاور الجبل والذين راحوا 
يقومون باستفزازات وتحديات للإهالي الدروز في عاليه؛ مما جعل 

2176 


جنبلاط يقرر الاسراع في فتح معركة الجبل قبل ان يكون قد اكمل 
استعداداته لها. 

كان لتضارب المصالح بين كمال جنبلاط والمقاومة 
الفلسطينية اثرا سلبياً على سير المعارك على مختلف جبهات الجبل» 
فظهر ياسر عرفات في اغلب الاوقات مناوراً ومحاولاً الإمساك بالعصا 
من النصف في علاقته بين الحركة الوطنية والسوريين» وقد بأن هذا 
الأمر واضحاً خلال مكالمة لاسلكية التقطتها اجهزة التتصت في 
الجيش اللبناني واستمع إليها النقيب رياض تقي الدين وهي كانت تدور 
بين ضابطين في حركة فتح كان فيها احداهما يدعو زميله إلى عدم 
تزويد كمال جنبلاط بالسلاح حتى لا يعطيه للدروز؛ وفي السياق نفسه 
التقطت اجهزة التنصت التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي مكالمة هاتفية 
لياسر عرفات كان يطمئن فيها كميل شمعون إلى بقاء المسلحين 
الفلسطينيين بعيدين عن قصره في السعديات. وكان مسلحون 
فلسطينيون شنوا هجوماً على بلدة السعديات» في وقت كان الرئيس 
شمعون في داخل قصره. وبعد انتهاء مكالمته مع كميل شمعون سارع 
ياسر عرفات الاتصال بقيادته العسكرية وطلب منها التعجيل في 
احتلال قصر السعديات بحجة انه محشور مع كميل شمعون. 

وفي مشهد يعكس عدم رغبة الفلسطينيين في اعطاء كمال 
جنبلاط مجالاً لحسم المعركة في الجبل» رفض القيادي في حركة فتح' 
خليل الوزير" (أبو جهاد) خطة اعدها النقيب رياض تقي الدين والعقيد 
رؤوف عبد الصمد لأقتحام بلدة الكحالة وراح يشكك بفعاليتها امام كمال 
جنبلاط والنقيب تقي الدين والعقيد عبد الصمدء الأمر الذي فهم منه 
كمال جنبلاط بأن أبو جهاد لا يريد اختراق المناطق المسيحية؛ وذلك 
إلتزامأ منه بالوعد الذي قطعه ياسر عرفات للرئيس حافظ الأسد بعدم 
الدخول إلى المنطقة الشرقية. 


277 


كانت مشاركة المنظمات الفلسطينية في الاقتحامات على 
محاور الجبل في اغلب الاحيان مشاركة صورية»ء فهم ما ان كانوا 
يتقدمون بضعة امتار حتى كانوا يعودون للتراجع بحجة اصطدامهم 
بمقاومة عنيفة من الخصم, وكانت هذه الحيلة في بداية الحرب تنطلي 
على المسؤولين العسكريين في الحركة الوطنية» ولكن مع التحاق عدد 
من ضباط الجيش اللبناني بجبهات القتال وتوليهم الاشراف على 
العمليات العسكرية أصبحت هذه المناورات مكشوفة ولم تعد تجدي 
نفعاً. كما أن حركة فتح قامت في وقت سابق بمصادرة كمية من 
الذخائر كان الحزب التقدمي الاشتراكي اشتراها من الخارج وسلمتها إلى 
الرئيس صائب سلام. وفي السياق نفسه امر ياسر عرفات عناصره 
بمصادرة عدد من مدافع "الهاون" كان الرئيس المصري اهداها للحزب 
التقدمي الاشتراكي؛ وهو لم يعدها الا ان بعد ان هدده كمال جنبلاط 
باعلام الرئيس المصري بالأمرء وكان كمال جنبلاط قد قام في وقت 
سابق بشراء مجموعة من رشاشات 'الماغ" من حركة فتح وبعد الكشف 
عليها تبين انها معطلة. 
تل الزعتر ضحية المساومات 

لم تقتصر مناورات ياسر عرفات السياسية على معارك الجبل 
فقطء بل تعدتها إلى مخيم تل الزعتر الذي حاصرته مليشيات الجبهة 
اللبنانية في حزيران عام 1976 وراحت تحاول اقتحامه» وفي اطار 
السعي لفك الحصار عن المخيم اقترح مسؤولون في الحركة الوطنية 
احتلال بعض النقاط الحساسة في المناطق المسيحية والبقاء فيها لحين 
فك الحصار عن تل الزعترء وبعد مناقشة الاهداف المحتملة للعملية تم 
الاتفاق على احتلال بلدتي الكحالة وعارياء لكن حركة فتح عانضت 
العملية» واقترحت السيطرة على اطراف البلدتين دون الدخول اليهما. 
على ان يتم بعد ذلك مساومة السوريين على موضوع فك الحصار عن 


218 


تل الزعترء لكن القادة العسكريين في الحركة الوطنية اصروا على 
خطتهم مما وضع حركة فتح امام الأمر الواقع التي عادت لتشترط ان 
تكون جميع القوات المشاركة في العملية تحت امرتهاء الأمر الذي 
رفضه المسنؤولون العسكريون في الحركة الوطنية واصروا على توزيع 
المسوؤليات على كافة القوى المشاركة في الهجومء وبناء عليه 0 
حركة فتح مهمة السيطرة على بلدة الكحالة ومنطقة غاليري خيرالل. 
انطلقت العملية فجر الرابع من تموز عام 1976 فتقدمت 
عناصر الحزب الاشتراكي نحو بلدة عاريا واستطاعت السيطرة عليهاء 
وبموازاة النجاح في السيطرة على عاريا كان الهجوم على بقية المحاور 
يتعثره بسبب عدم وفاء حركة فتح بإلتزاماتها اذ سرعان ما تبين ان 
الاخبار التي كان يقوم بتوزيعها مسؤول حركة فتح في الجبل 'ابو 
المعتصم'عن تمكن قواته من تحقيق الاهداف المطلوبة منها كانت غير 
صحيحة؛ وان عناصره ما زالت في مواقعها السابقة ولم تتقدم خطوة 
واحدة باتجاه مناطق الخصم مما خلق ثغرة كبيرة على بقية محاور 
الهجوم استفاد منها حزب الكتائب للقيام بهجوم معاكس على بلدة 
عارياء تمكن خلاله من استعادتها وتكبيد الحزب الاشتراكي خسائر 
فادحة. ا ع ما ا و و 
ودفعته ان يحسم قراره ببناء قوات عسكرية خاصة به تحت اسم “جيش 
التحرير الشعبي". اثار سقوط مخيم تل الزعتر بأيدي عناصر مليشيات 
الجبهة اللبنانية اسئلة عديدة لدى كمال جنبلاط ومسؤولين آخرين في 
الحركة الوطنية حول الدور الذي لعبه ياسر عرفات في عملية اسقاط 
المخيم» والتي توضح بعض منها من خلال الرسالة التي وقعت بين 
يدي الحزب التقدمي الاشتراكي؛ والتي ارسلها أحد مسؤولي حركة فتح 
داخل مخيم تل الزعتر إلى شقيقه في بيروت. وهي تتضمن شرحاً 
للمساعدات التي قدمتها القوات السورية لحزب الكتائب طوال فترة 


219 


حصار المخيم؛ وابرزها تعيين العميد في الجيش السوري محمد الخولي 
منسقاأ بين الجيش والسوري وحزب الكتائب. كما تشير الرسالة أيضاً 
إلى احتمال ان يكون عرفات قد تلقى تحذيراً من السوريين بسحب قواته 
من المخيم؛ وهذا ما يفسر انسحاب المقاتلين من المخيم وترك المدنيين 
في داخله يواجهون مصيرهم. 
بعد سقوط مخيم تل الزعتر اقترح بعض المسؤولين في الحركة 
الوطنية احتلال بعض القرى المسيحية في المتن والشوف. وطرد 
سكانها واحلال مهجري مخيم تل الزعتر مكانهم؛ لكن كمال جنبلاط 
رفض هذا الاقتراح بالرغم من الضغوط التي حاول البعض ان يمارسها 
عليه بأيعاز من بعض المسؤولين الفلسطينيين. بدوره اقترح النقيب 
رياض تقي الدين اسكان مهجري تل الزعتر والضبية والكرنتينا في 
بيوت المسيحيين الموالين لحزب الكتائب في قرى المتين وعينطورة 
وترشيشء والتي هجروها في بداية الحرب وانتقلوا للسكن في المنطقة 
الشرقية» لكن كمال جنبلاط رفض هذا الاقتراح أيضاً مما دفع 
المنظمات الفلسطينية إلى اجتياح بلدة الدامور وتهجير سكانها واسكان 
مهجري تل الزعتر مكانهم. 
الدخول السوري إلى لبنان - الحليف يعزز ولا ينوب 
مرت العلاقات بين كمال جنبلاط والقيادة السورية بخلافات 
عديدة» وكان ابرز اسباب هذه الخلافات هي ان كمال جنبلاط كان 
يعتبر نفسه الحليف الابرز لسوريا في لبنان مستنداً في ذلك إلى وزنه 
الشعبي والسياسي ومواقفه المدافعة عن قضايا العرب» وفي طليعتها 
قضية فلسطين مما كان يعطيه بحسب ,أيه الحق في أن يتقدم على 
ا ا ا ل ا 
دمشق التي كانت تعتبر ان حلفائها في لبنان يتساوون عندها في 
الاهمية وان ولائهم لها ه مضمون لذا هي ليست بحاجة لمسايرتهم» وكان 
2530 


لهذا الموقف من السوريين اثار سلبية عند كمال جنبلاط مما جعله يردد 
في اكثر مناسبة امام عدد المقربين منه من بينهم رياض تقي الدين: 
'الحليف يعزز ولا ينوب". بدورهم كان السوريون يخشون ان تؤدي 
مناورات كمال جنبلاط السياسية إلى تدخل إسرائيلي في لبنان؛ لذا 
حاولوا ضبط حركته السياسية» لكن جنبلاط رفض تقييد حركته وكان 
رأيه ان احتمالات المواجهة بين إسرائيل وسوريا هي احتمالات ضعيفة 
في هذه المرحلة. 
في لل ود لجاب وا قنك اط اي و 21 
اذار عام 1976» واجتمع إلى الرئيس حافظ الأسد الذي رفض مشروع 
جنبلاط اللجوء إلى القوة لتطويع من اسماهم جنبلاط 'بالانعزاليين" 
وكان الأسد يخشى ان يؤدي استعمال القوة ضد المسيحيين إلى 
ارتمائهم في احضان إسرائيل» وهو نصح جنبلاط بعدم القيام بأي عمل 
عكري ضد بلدة الكحالة» وفي محاولة للتخفيف من اندفاعة جنبلاط 
نحو الحسم العسكري المح وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام إلى 
احتمال ان تقوم سوريا بالتدخل عسكرياً في لبنان لأن جنبلاط كانت 
لديه قناعة بأن سوريا لن تتدخل عسكرياً في لبنان حتى لا تجد نفسها 
غارقة في رماله السياسية المتحركة. 
وبالرغم من انتهاء إجتماعه مع الأسد بخلاف كبير في 
المواقف» فأن جنبلاط ظل حريصاً على إبقاء شعرة معاوية مع دمشق 
فهو تكتم على خبر احتجاز السلطات السورية لكميات كبيرة من 
الاسلحة كانت قد ارسلتها له إحدى الدول العربية» لكن في مقابل 
حرص جنبلاط على التهدئة ابقت دمشق على مواقفها المتشددة تجاهه. 
وهي قامت بأبلاغ ياسر عرفات عندما حاول التدخل لأصلاح ذات 
البين بينها وبين جنبلاط "أن المطلوب منه هو عدم تحويل المقاومة 
الفلسطينية إلى فصيل من فصائل الحركة الوطنية وانه في حال لم 


231 


يلتزم بهذه التعليمات فان الجيش السوري قد يتدخل ضده في لبنان'» 
وفي ما يشبه الانذار إلى جميع الفرقاء في لبنان قامت دمشق بتحريك 
قواتها نحو منطقة "الصويري" البقاعية؛ وذلك بغية افهام جميع الاطراف 
ان تحركها في لبنان يحظى بضوء اخضر دولي. 

وفي ظل هذا المشهد المتأزم في العلاقات الجنبلاطية 
السورية» جاء تحديد يوم 1976/5/2 موعداً لأنتخاب رئيس جمهورية 
في لبنان ليُحرجٍ كمال جنبلاط وياسر عرفات في نفس الوقت. فقد رأى 
جنبلاط من ناحيته ان تحديد موعد الجلسة من شأنه ان يقطع الطريق 
على مساعي الحوار التي كان يقوم به مع المرشحان الابرزان لرئاسة 
الجمهورية العميد ريمون اده والياس سركيسء والذي كان يرتكز على 
المشروع الاصلاحي للحركة الوطنية؛ وهو قال لرياض تقي الدين بعد 
ان تبلغ بموعد تحديد الجلسة:"انه كان يأمل بأن لا يتم تحديد موعد 
الجلسة قبل ان يتمكن ياسر عرفات من مصالحته مع السوريين وذلك 
كي يتسنى له ان ينظم بالتوافق معهم اسلوب دعم الرئيس الجديد والذي 
كان يسعى للحصول منه على الضمانات الكافية لتطبيق البرنامج 
الاصلاحي للحركة الوطنية". اما ياسر عرفات فقد اعتبر ان تحديد 
موعد الجلسة يتناقض مع سياسته في الإمساك بالعصا من الوسط في 
العلاقات بين كمال جنبلاط والسوريين» فهو من جهة كان يرغب في 
المحافظة على تحالفه مع كمال جنبلاط» ولكنه لم يكن يرغب في ان 
يكون هذا التحالف مادة للخلاف بينه وبين سوريا وهو من اجل 
التخلص من هذا الاحراج أمر مدفعيته بقصف محيط قصر منصور 
بهدف تعطيل جلسة الانتخاب؛ آملاً ان يؤدي تعطيله للجلسة إلى 
اعطاء فسحة من الوقت لحل القضايا الخلافية بين المختارة ودمشق» 
لكن بقاء الفريقين على مواقفهما المتصلبة جعله يرضخ لطلب دمشق 
بتأمين إنتقال النواب إلى قصر منصور بعد ان تم تحديد موعد ثان 


252 


لجلسة الانتخاب في 1976/5/9. وبعد انتهاء جلسة الانتخاب صرح 
رئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل: "أن الجبهة اللبنانية لا تمانع 
ان تقوم القوات السورية بالاشتراك مع قوات عربية أخرى بحفط الامن 
في لبنان لفترة زمنية محدودة". اثار هذا التصريح اهتمام كمال جنبلاط 
الذي رأى فيه اشارة إلى قرب حدوث تدخل سوري عسكري في لبنان. 
بعد انتخاب الياس سركيس رئيسا للجمهورية؛» عقدت قيادة الحركة 
الوطنية إجتماعاً للبحث في تطورات المرحلة المقبلة» وكان لافتاً 
حضور احمد الخطيب إجتماعات الحركة الوطنية للمرة الأولى والذي 
فسره البعض بأنه دليل على وجود تباين في المواقف بينه وبين حركة 
سر عرفات يفاوض السوريين وجنبلاط يقاتلهم وحيدا 

في 31 ايار 1976 شهدت الحرب اللبنانية تطوراً لافتأء تمثل 
في دخول القوات السورية إلى بلدة القبيات اكبر البلدات المارونية في 
قضاء عكار لنجدة اهلها بعد ان اقدمت مجموعات من جيش لبنان 
العربي بقيادة الرائد احمد المعماري على محاصرة البلدة وقصفها 
بالمدفعية. وفي اليوم التالي استفاق اللبنانيون على خبر دخول لواء 
سوري مدرع إلى البقاع. لم يواجه الفلسطينيون الدخول السوري إلى 
لبنان بل على العكس من ذلك فقد قام مسؤول حركة فتح في البقاع 
"ابو خالد الدعاس بتسليم مواقعه إلى القوات السورية طوعاًء وراح بعد 
ذلك يختلق اخباراً عن مواجهات تجري بين قواته والقوات السورية . 

من جهته رفض كمال جنبلاط دخول القوات السورية إلى 
لبنان» وقرر مواجهتها وطلب من انصاره التجمع في منطقة ضهر 
البيدر رافعين يافطات تطالب الجيش السوري بعدم التعرض للحركة 
الوطنية» وكان هذا التحرك يهدف إلى اعطاء الوقت الكافي لعناصر 
الحزب التقدمي الاشتراكي لأكمال استعداداتهم للتصدي للجيش السوري 

253 


في صوفر وبحمدون. 

اما ياسر عرفات فقد وجد ان المواجهة مع سوريا سوف تضر 
بمصالح الفلسطينيين في سوريا ولبنان» فقام بنقل مدفعيته البعيدة المدى 
إلى بيروت. وبعد توقف لمدة يومين في ضهر البيدر عاد السوريون 
ليتابعوا طريقهم نحو صوفرء بعد ان فك انصار جنبلاط اعتصامهم 
وعادوا إلى منازلهم» وكان السوريون قد مهدوا لتقدمهم باتجاه صوفر 
بقصف طريق ضير البيدر بالرشاشات الثقيلة من طائرتين تابعتين 
لقاعدة رياق الجوية في الجيش اللبناني والتي كانت اعلنت تأييدها 
لدخول الجيش السوري إلى لبنان. 

حاول السوريون في أول الأمر التقدم دون قتال؛ فاتصل 
العميد السوري "عبد الحميد الجمل" بالشيخ صالح عبد الخالق!» وطلب 
منه تأمين لقاء له مع كمال جنبلاط من اجل توضيح الغاية من 
الدخول السوري إلى لبنان» وهي منع مخيم تل الزعتر من السقوط» لكن 
جنبلاط رفض الإجتماع بالعميد الجمل بحجة ان العسكريين لا قدرة لهم 
الا على تنفيذ الأوامر التي تأتيهم من قيادتهم» لكنه في المقابل اوعز 
لقيادة الحزب التقدمي الاشتراكي في عاليه بالتواصل مع العميد 'الجمل" 
من اجل معرفة حقيقة نواياه» وبناء عليه قامت القيادة الاشتراكية في 
عاليه بإرسال رسالة شفوية إلى العميد الجمل اقترحت فيها ان يكون 
الدخول السوري إلى بيروت عن طريق ضهور الشوير طالما ان الهدف 
هو الوصول إلى تل الزعتر. لم يتأخر السوريون في الرد على اقتراح 
الحزب الاشتراكي؛ فشنوا هجومأ محدوداً على المواقع الفلسطينية في 
جبل صنين من اجل تقديم البرهان لكمال جنبلاط على حسن النواياء 
لكن كمال جنبلاط لم يقتنع بهذه الخطوة واعتبرها انها لا تعني اهدافه؛ 
وخاصة ان الهجوم السوري لم يدم اكثر من 12 ساعة؛ عندئذ قرر 


' من كبار رجال الدين في الطائفة الدرزية. 
254 


السوريون الدخول إلى صوفر. كانت تقديرات كمال جنبلاط بأن القوات 
السورية ستصل إلى عاليه في اقل من ساعة؛ ومع ذلك اختار 
المواجهة ليحافظ على حججه السياسية» وقام بنقل اوراقه ومستنداته إلى 
المختارة وراح ينتظر نتائج المعركة. 

بدأ الهجوم على صوفر نهار 1976/6/7»؛ وكان السوريون قد 
حشدوا قواتهم بطريقة استعراضية وذلك في اشارة إلى ان لا نية لديهم 
بقهر الحركة الوطنية وان كل ما يريدونه هو تحجيمهاء وكان ذلك سببأ 
في تكبّدهم خسائر كبيرة وذلك عندما وقعت دباباتهم في كمائن محكمة 
خطط لها كل من النقيب رياض تقي الدين والرائد شريف فياض والعقيد 
فؤاد المرودء مما اجبرهم على التوقف لبضعة ايام؛ وكانت تقديرات 
القيادة الاشتراكية قبل المعركة بأن الجيش السوري قادر على حسم 
المواجهة في ليلة واحدة» اما السوريون فقد كان اعتقادهم ان احجام 
الفلسطينيين عن الدخول في المعركة سيؤدي إلى ضعضعة دفاعات 
قوات الحركة الوطنية؛ اضافة إلى ذلك فأن السوريين فضلوا التريث في 
خوض المعركة» وذلك مراعاة للرأي العام العالمي والعربي الذي كان 
في اغلبيته معارضاً لدخولهم إلى لبنان. 

بعد ان استفاقوا من نكستهم في صوفر اعاد السوريون تنظيم 
قواتهم وقاموا بهجوم اخر تمكنوا فيه من حسم المعركة لمصلحتهم. 
كانت ردة فعل كمال جنبلاط على سقوط صوفر هي ان صب جام 
غضبه على ياسر عرفات محملاً اياه مسؤولية خسارة المعركة. حاول 
ياسر عرفات امتصاص غضب كمال جنبلاط فأمر قواته باقفال مكاتب 
منظمة الصاعقة الموالية لسوريا في بيروت والتي كان وجودها في 
عرمون وبيروت يضيق الخناق على تحركات مسؤولي الحركة الوطنية 
في اثناء إنتقالهم من الجبل إلى بيروت؛ حتى ان كمال جنبلاط وجد 
نفسه مرة مضطراً إلى الإنتفال إلى بيروت» وقد اخفى وجهه بكوفية 
استعارها من رياض تقي الدين. 

285 


بعد سقوط صوفر عقد إجتماع سري في البلدة ضم كل من 
ياسر عرفات ووزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام وقائد المخابرات 
الجوية السورية اللواء ناجي جميلء تم خلاله الاتفاق على انتاج تسوية 
سياسية في لبنان تتضمن جملة قرارات ابرزها: "إلتزام جميع الاطراف 
وحدة لبنان وسيادته» عدم تدخل الفلسطينيين في شؤون لبنان الداخلية» 
حق المقاومة الفلسطينية في النضال ضد إسرائيل ضمن انفاقية 
القاهرة". 

إجتماع صوفر لم يعلم به كمال جنبلاط إلا بعد انتهائه فكانت 
ردة فعله هي انه اتخذ قراراً باجراء مراجعة شاملة لعلاقاته مع ياسر 
عرفات؛ وخلال إجتماع لقيادة الحزب التقدمي الاشتراكي؛ اقترح النقيب 
رياض تقي الدين الاتصال مباشرة بالسوريين من دون المرور بياسر 
عرفات» وافق جنبلاط على هذا الاقتراح وتقرر تكليف السفير خليل 
تقي الدين بهذه المهمة والذي كانت تربطه علاقة وثيقة بالمستشار 
الخاص للرئيس حافظ الأسد اديب الداووديء وكانت القيادة الاشتراكية 
تعول على نجاح السفير تقي الدين في مساعيه؛ ولكن المهمة ماتت 
قبل ان تبدأء بسبب تعذر الاتصال بالسفير تقي الدين لوجوده في 
الخارج. كما ان كمال جنبلاط كان قد عاد ورأى انه ليس من مصلحته 
الاقتراب من الحوار مع الرئيس حافظ الأسد وهو صفر اليدين. 

في 27 ايلول عام 1976 قام فدائيون فلسطينيون بهجوم على 
فندق 'سميراميس" في دمشقء وبعد معركة مع المهاجمين تمكنت 
القوات السورية من اعتقالهم؛ واعدمتهم على الفورء وردا على عملية 
'سميراميس" قام السوريون بهجوم على المواقع العسكرية للحركة الوطنية 
والمقاومة الفلسطينية في منطقة المتن: هذا وقد تضاربت المعلومات 
حول موقف رئيس الجمهورية ألياس سركيس من هذا الهجوم» ففي حين 
ذكرت معلومات انه لم. يعلم به الا من العميد في المخابرات السورية 


256 


محمد خوليء راجت اخبار أخرى انه هو من كان يقف ورائه بهدف 
تحجيم كمال جنبلاط خاصة انه كان يعتبر جنبلاط عائقاً سياسياً امام 
مشروعه لحل الازمة في البلاد. 

احس كمال جنبلاط بخطر الهجوم على المتن فسارع إلى 
السفر إلى القاهرة لبحث التطورات مع الرئيس انور السادات. بدأ 
السوريون الهجوم على المتن انطلاقاً من محور ضهر البيدر بمشاركة 
عناصر من جيش طلائع العربي اللبناني بقيادة المقدم فهيم الحاج» 
وكان الفلسطينيون قد قاموا قبل بدء المعركة بإخلاء جميع مواقعهم في 
منطقة المتن فوجدت الحركة الوطنية نفسها تقائل وحيدة. وكان ياسر 
عرفات قد مارس ضغوطأ كبيرة على مسؤول حركة فتح في الجبل "أبو 
خالد العملة' من اجل منعه من الاشتراك في المعركة. كما سُمع أيضاً 
صوت نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية خليل الوزير (أبو 
جهاد) على اجهزة اللاسلكي وهو يصدر أوامره لعناصره بالوقوف على 
الحياد في هذه المعركة. 

وكان قائد القوات السورية في البقاع ' العميد علي زيود" والذي 
كان مقرباً من الرئيس حافظ الأسد قد طرح على كمال جنبلاط قبل 
معركة المتن تسوية تتضمن البنود التالية: "جمع القوات السورية في 
شتورا وعدم عبورها منطقة الجبل الا بالاتفاق مع كمال جنبلاط؛ قيام 
مسوؤلين سوريين بزيارة المختارة حاملين معهم دعوة إلى كمال جنبلاط 
لزيارة دمشق». ترشيح خمسة اسماء لرئاسة الحكومة وتكليف احدهم 
بتشكيل الحكومة بالاتفاق مع كمال جنبلاط. لكن الزعيم الدرزي رفض 
هذه التسوية دون ان يوضح اسباب ذلك". 

بعد هزيمة كمال جنبلاط في المتن اعتقدت بعض القيادات 
الدرزية ان الوقت قد حان لتقليص نفوذه داخل '"طائفته" فدعت إلى 
إجتماع موسع للفعاليات الدرزية في خلوة القطالب في منطقة بعذران. 
ساد الإجتماع اجواء متوترة حيث راح بعض الحاضرين يحمل كمال 

257 


جنبلاط مسؤولية المجزرة في صليماء لكن رئيس المحكمة الاستثنافية 
الدرزية العليا الشيخ حليم تقي الدين حسم الموقف. باعلانه انه لا احدأ 
في الطائفة الدرزية يمكنه التصرف في غياب كمال جنبلاط الا وليد 
جنبلاط والمجلس السياسي في الشوف والذي كان يرأسه الشيخ تقي 
الدين نفسه» وكان حليم تقي الدين يقصد من اعلان هذا الموقف قطع 
الطريق على من يريد اعلان الشوف منطقة مفتوحة امام الجيش 
السوري. 
معركة بحمدون 

لم يستمر الفلسطينيون في تحييد انفسهم عن معركة الجبل إلى 
ما لانهاية» فبعد ان اعلن السوريون نيتهم الدخول إلى بيروت قرر ياسر 
عرفات التصدي لهم في بحمدون؛ وكان عرفات يخشى ان يؤدي دخول 
الجيش السوري إلى بيروت إلى قيامهم بنزع سلاح المخيمات. واستعداداً 
لمعركة بحمدون قامت الحركة الوطنية بسحب معظم مقاتليها من 
جبهات الكحالة والقماطية وعاليه وحشدتهم في مواجهة القوات السورية 
في بحمدونء الأمر الذي بات يُخشى معه ان تستغل القوات اللبنانية 
الفراغ على هذه الجبهات للقيام بهجوم على منطقة عاليه» وفي ظل هذه 
المشهد عقدت قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي إجتماعاً لها في غياب 
كمال جنبلاط الذي كان مسافرأ في القاهرة» قررت فيه التصدي 
للسوريين في بحمدون أسوة بباقي فصائل الحركة الوطنية والفصائل 
الفلسطينية» مع الأخذ بعين الاعتبار عدم اخلاء الجبهات في عاريا 
والكحالة وبسوس حتى ولو احتل الجيش السوري كامل الجبل وذلك 
خوفاً من ارتكاب حزب الكتائب لمجزرة جديدة في عاليه كالتي حدثت 
في صليماء كما قررت قيادة الحزب أيضاً عدم مواجهة الجيش السوري 
على الخطوط الامامية للجبهة وتسليمه كل المواقع الدفاعية اذا اقتضى 
الأمر. 


258 


في المقابل اعتقدت القوات اللبنانية ان انشغال الحركة الوطنية 
في معركة بحمدون» سيسهل عليها احتلال منطقة عاليه دون أي 
مقاومة تذكرء فقامت بشن هجوم واسع على محاور عاليه والقماطية» 
ولكنها فشلت في التقدم خطوة واحدة بالرغم مشاركة الجيش اللبناني 
معها في المعركة. وكان هدف الجيش اللبناني من هذه المعركة هو 
الوصول إلى الشوف. بعد فشل الهجوم عقد إجتماع في قيادة الجيش 
في اليرزة حضره كل من قائد الجيش العماد حنا سعيد والمقدم عصام 
أبو جمرة والمقدم الياس خليل والنقيب ادونيس نعمة» راح خلاله 
المجتمعون يتقاذفون مسؤولية الفشل في هذه المعركة. 

في 14 تشرين أول 1976 بدأ السوريون هجومأ واسعأ على 
منطقة بحمدونء وفي اليوم الأول للمعركة استطاعت الحركة الوطنية 
الثبات في مواقعها بحيث لم يستطع الجيش السوري التقدم اكثر من 
كيلو متر واحد في داخل البلدة» ولكن الوضع بدأ يتغير في اليوم الثاني 
عندما تمكن الجيش السوري من فتح ثغرات في دفاعات الحركة 
الوطنية والمقاومة الفلسطينية؛ والقيام بحركة التفاف من الجهة الشمالية 
الغربية لبلدة بحمدون» استطاع خلالها من السيطرة عليها بعد اربعة ايام 
من المعارك الضارية. 

اثارت معركة بحمدون ردود فعل غاضبة لدى الرئيس 
المصري انور السادات والجزائري هواري بومدين فقررا إرسال مساعدات 
عسكرية عاجلة لقوات الحركة الوطنية» وقاما بابلاغ قرارهما هذا إلى 
العاهل السعودي الملك خالدء لكن الاخير طلب منهما التريث واعطائه 
مهلة لإيجاد حل للوضع المتفجر في لبنان. وبعد اتصالات واسعة قام 
بها العاهل السعودي مع عدد من الدول العربية» تم الاتفاق على عقد 
قمة عربية عاجلة في الرياض بمشاركة كل من "مصر وسوريا 
والسعودية والكويت ولبنان والإمارات العربية المتحدة اضافة إلى منظمة 


259 


التحرير الفلسطينية"» استمرت اعمال القمة يومي يومي 16 و17 
تشرين أول وتقرر في نهايتها انشاء قوات ردع عربية تتألف من 30 
الف جندي من جنسيات عربية مختلفة مهمتهم وقف الحرب الاهلية في 
لبنان» وكانت الغالبية العظمى من هذه القوات هي من جنود الجيش 
السوري؛ وبعد مؤتمر الرياض عُقد مؤتمر القاهرة في 1976/11/25 
وشاركت فيه جميع الدول الاعضاء في الجامعة العربية؛ وكان نجم 
المؤتمر بلا منازع هو الرئيس حافظ الأسدء والذي استطاع تثبيت وجود 
القوت السورية في لبنان كقوات شرعية» في المقابل سجل تراجع للدور 
المصري في لبنان بعد ان رفض الرئيس انور السادات مشاركة مصر 
في قوات الردع العربية بالرغم من الحاح ياسر عرفات عليه بضرورة 
المشاركة؛ وبعد تشكيل قوات الردع العربية طالب كمال جنبلاط بتعيين 
اللواء المصري 'محمد غنيم" قائداأ لهذه القوات وهو اعتبر ان الرئيس 
الياس سركيس قد اخطأ في اختياره ضابطأ في الجيش اللبناني هو 
العقيد احمد الحاج قائداً لقوات الردع العربية» وكان هدف جنبلاط من 
المطالبة بتعيين ضابط مصري هو منع السوريين من التفرد بقرارات 
قوات الردع العربية. 

بدوره حاول الرئيس كميل شمعون استثمار وجود قوات الردع 
العربية في لبنان لأضعاف نفوذ كمال جنبلاط في منطقة الشوفء فراح 
يتحدث عن وجود عناصر ليبية وفلسطينية تعبث بالأمن في الشوف», 
مطالباً بتدخل قوات الردع العربية لضبط الوضع. كانت لتصريحات 
كميل شمعون اثر في شحن نفوس مناصريه فقطعوا طريق معاصر بين 
الدين» وراحوا يطلقون النار على المارة» مما ادى إلى استشهاد النقيب 
في الجيش عاطف دبيان والذي كان قد ارسله كمال جنبلاط للعمل 
على تهدئة الأوضاعء؛ احدث استشهاد النقيب ذبيان ردة فعل عنيفة عند 
ذويه وابناء منطقته فقاموا بمهاجمة بلدة معاصر بيت الدين» وقتلوا عدد 


2150 


كبير من سكانها المسيحيين واحرقوا منازلهم. وقف كمال جنبلاط موقفاً 
حاسماً من هذه الممارسات ومنع انصاره من مهاجمة دير القمرء وفي 
اليوم التالي قام جنبلاط بأيفاد اللواء شوكت شقير إلى دمشق لأبلاغ 
المسؤولين السوريين معلومات عن إرسال الرئيس كميل شمعون مئتي 
عنصر من حزب الوطنيين الاحرار للتدرب في إسرائيل. 
شوكت شقير: سامح الله كمال بك 

شعر كمال جنبلاط بأحباط كبير بعد دخول القوات السورية 
إلى لبنان» وكان السبب الرئيسي لهذا الاحباط هو وقوعه ضحية 
التضليل الذي مارسته عليه حركة 'فتح", والتي كانت ترسل له اخباراً 
غير صحيحة عن عمليات تمرد عسكري داخل الجيش السوري بسبب 
قرار الرئيس حافظ الأسد بالدخول إلى لبنان. كما وقع جنبلاط أيضاً 
ضحية التضليل العراقي عندما اعتقد ان حشد الحكومة العراقية لقواتها 
على الحدود العراقية السورية هو رسالة قوية للرئيس حافظ الأسد من 
اجل سحب قواته من لبنان» لكنه سرعان ما خاب ظنه عندما اكتشف 
ان تحركات الجيش العراقي على الحدود مع سورية هي شكلية فقط. 
كما صدم جنبلاط أيضأً من الموقف المصري بعد ان تبين له ان كل 
الدعوات التي اطلقها المصريون لأنسحاب الجيش السوري إلى لبنان 
هي كلامية فقط» وفي ظل هذه الاجواء شعر كمال جنبلاط بأنه لن 
يبق لديه ما يراهن عليه سوى موقف الاتحاد السوفياتي؛» وهو استبشر 
خيرا عندما اتخذ السوفيات قرارا بوقف شحن قطع الغيار إلى الجيش 
السوري في اعقاب دخوله إلى لبنان» وفي تعبير عن فرحه بهذا القرار 
قال جنبلاط في إجتماع لقيادة الحزب الاشتراكي: "يا عمي الدب 
الروسي بيتآخر حتى يتحرك ولكن عندما يتحرك يكون تحركه فاعلاً". 
فعلق رياض تقي الدين والذي كان حاضراً الإجتماع قائلاً: 'من الآن 
حتى تحتاج سوريا الى برغي بيكونوا تفكفكوا براغينا". 

291 


وبالرغم من حدة الخلاف بين كمال جنبلاط ودمشقء فأن 
بعض الوسطاء ظلوا يعملون على خطة المصالحة بين الطرفين وفي 
6 تشرين الثاني عام 1976 نقل ياسر عرفات عن الرئيس السوري 
رغبته بأن يقوم جنبلاط بوضع تصوره لشكل العلاقة بينه وبين دمشق 
معرباً عن حرصه على بناء علاقات جيدة مع الحركة الوطنية» لكن 
جنبلاط تحفظ على مبادرة الأسد وعلق امام بعض المقربين منه قائلاً: 
'ماذا يريد حافظ الأسد صراحة من لبنان بعد أن تمكن من إلحاق 
الهزيمة العسكرية بالحركة الوطنية» وما هي الضمانات والترضية التي 
ستقدمها سوريا لنا قبل الشروع في الحوار الجدي؟'. لكن هذه التساولات 
بقيت من دون جواب فظل بذلك تقارب كمال جنبلاط مع السوريين 
معلقأً وخلال أحد اجتماعاته مع السفير المصري في بيروت طلب 
كمال جنبلاط من الرئيس انور السادات القيام بوساطة بينه وبين 
السوريين وكان هدف جنبلاط من ادخال الرئيس المصري وسيطأ بينه 
وبين الرئيس حافظ الأسد هو اضفاء الطابع الرسمي على شكل التقارب 
الذي قد يحصل بينه وبين الرئيس السوري مستقبلاًء الا انه عاد بعد 
فترة وأسر امام عدد من المقربين منه ومن بينهم النقيب رياض تقي 
الدين انه قرر تأجيل تقاربه مع سوريا إلى حين يلمس اقتراب دمشق 
منه بشكل افضل مبديأ شكوكه بنوايا ياسر عرفات. 

من جهته لعب رئيس الاركان السابق في الجيش السوري 
اللواء شوكت شقير دوراً بارزاً في تقريب وجهات النظر بين كمال 
جنبلاط والقيادة السورية» وهو قام لهذه الغاية بنقل رسائل عديدة بين 
الطرفين» ولكن مساعيه لم تكلل بالنجاح. في جلسة خاصة ضمت 
عددا من اصدقائه بينهم رياض تقي الدين قال اللواء شقير: "سامح الله 
كمال بك فهو لم يأخذ بنصائحي المتكررة فوقع ضحية التقديرات 
العراقية الخاطئة فكانت النتيجة انه اصطدم مع سوريا حول الوثيقة 


202 


الدستورية» ولقد نقلت له شخصياً مواقف بعض الضباط السوريين منه 
حول وجود كره له عند بعض الضباط العلويين» كما ان هناك مجموعة 
من الضباط السنة لا تؤيد مواقفه. ولكن في نفس الوقت لا تكن له 
كرهأء كما ابلغته أيضأ ان تصلبه يحرج رئيس الاركان العماد حكمت 
الشهابي الذي أصبح متهماً من قبل البعض داخل القيادة السورية 
بالتعاطف مع مواقف جنبلاط» وان الشهابي من اجل نفي هذه 
الاتهامات اضطر ان يقوم بعملية عسكرية في الجبل ضد الحركة 
الوطنية". كما ابلغ اللواء شقير الحاضرين انه علم أن فرنسا قد تقدمت 
بواسطة الأب يواكيم مبارك بمبادرة تقضي بفك الحصار عن تل الزعتر 
مقابل قيام مصالحة بين كمال جنبلاط وحزب الكتائب» وان الحكومة 
الفرنسية لا تجد نفسها معنية كثيراً بموضوع تحسن العلاقات بين 
جنبلاط والسوريين» واشار اللواء شقير إلى وجود معلومات لديه بأن 
الجبهة اللبنانية قد استلمت كميات من السلاح عن طريق المانياء وان 
السوريين يتوقعون صداماأ قريبا بينهم وبين الجبهة اللبنانية بسبب 
افكارها التقسيمية. 

بدورهم أيضاً توقع المسؤولون السعوديون صداماأً قريباً بين 
سوريا والجبهة اللبنانية» وبعث أحد المقربين من رئيس الحرس الوطني 
السعودي الامير عبدالله برسالة إلى كمال جنبلاط نصحه فيها بالوقوف 
في صف الفريق الماروني الذي سيصطدم عما قريب بالسوريين. 
بدورها حذرت الحكومة البلغارية كمال جنبلاط من مؤامرة خطيرة ضده 
يجري حبكها بالاتفاق بين ليبيا والولايات المتحدة» وتستهدف الدور 
السوري في لبنان. هذه المعلومات نقلها كمال جنبلاط إلى قيادة الحزب 
التقدمي الاشتراكي وقال: "لا بد من الترقب والتريث في رصد العلاقات 
المارونية- السورية» والتي يبدو انها تسير نحو المواجهةء واننا قد نجد 
انفسنا في الوقت المناسب مضطرين للوقوف في صف أحد الفريقين» 


253 


وذلك بحسب ما تمليه المصلحتان العامة والذاتية". كما كشف جنبلاط 
أيضأ للمجتمعين عن وجود مساع للتقارب بينه وبين سوريا يقوم بها 
رياض رعد معتبراً ان موافقة السوريين على طلب ولي العهد السعودي 
تأجيل دخول قواتهم إلى الشوف يشكل مبادرة ايجابية تجاهه ويعطيه 
فرصة لأستكمال بناء قواته العسكرية التي ستتولى الدفاع عن الجبل 
بوجه حزب الكتائب في حال قرر السوريون الانسحاب من لبنان. قلق 
جنبلاط من التطورات القادمة حمله إلى القيادة السورية رياض رعد 
وكمال أبو لطيف والتي اجابت عليه بالطلب إلى قواتها في لبنان 
تكثيف البحث عن مخازن الاسلحة الاشتراكية في الجبل من جهة. 
والايعاز إلى مسؤول المخابرات السورية في لبنان العقيد محمد غانم 
التساهل مع تنقل المسؤولين في الحزب التقدمي الاشتراكي بسياراتهم 
العسكرية في منطقة الجبل من جهة أخرى؛ على ان يتم ذلك بالتنسيق 
مسبقاً مع مفارز المخابرات السورية . 

حاول كمال جنبلاط استثمار تساهل المخابرات السورية مع 
عناصرهء فطلب من المسؤولين الاشتراكيين محاولة التقرب من الضباط 
السوريين؛ ولكن العقيد محمد غانم؛ اعطى تعليماته لمفارزه الامنية بأن 
يكون التعامل مع المسؤولين الاشتراكيين في اضيق الحدودء كما نصح 
جنبلاط بحل مليشياته وعندما لم يستجب جنبلاط لهذا الطلب دوت 
انفجارات في عدد من مخازن الذخيرة التابعة للحزب الاشتراكي في 
منطقة الشوف مما جعل كمال جنبلاط يقرر حل مليشياته. 

وفي شهر كانون الثاني 1977 قام جنبلاط بتسليم قوات الردع 
العربية كمية كبيرة من الاسلحة والذخائر الموجودة لديه» مما اشاع 
اجواء من الارتياح بينه وبين المسؤولين السوريين فراح بعضهم يعرب 
عن رغبته بأن يقوم كمال جنبلاط بزيارة دمشق مبدين تضايقهم من 
غيابه عن وسائل الاعلام؛ حتى ان العقيد محمد غانم قال امام بعض 


2514 


المقربين من كمال جنبلاط انه مستعد لإرسال رياض رعد إلى مدير 
عام الامن العام اللبناني انطوان دحداح من اجل اجباره على نشر 
تصريحات الجنبلاط الصحافية» وعندما سأل النقيب رياض تقي الدين 
كمال جنبلاط عن اسباب غيابه عن وسائل الاعلام اجابه قائلً: 'بأنه 
لا يريد ان يستفيد من تصريحاته من لا يريد افادتهم'. 
الكتائب تقرر الصدام مع السوريين 

لم تقتصر المعلومات عن احتمال تدهور العلاقات بين 
السوريين ومليشيات الجبهة اللبنانية على تقارير خارجية فقطء بل 
عات معلومات حول هذا الموضوع د داخل حزب الكتائب نفسه. 

ففي إجتماع لقيادة الحزب التقدمي الاشتراكي» ابرز كمال جنبلاط 

محضر إجتماع للمكتب السياسي في حزب الكتائب الذي عقد بتاريخ 4 
تشرين الثاني عام 1976 في بيت الكتائب المركززي في الصيفي 
برئاسة الشيخ بيار الجميل» وجرى خلاله التداول بخطة لجر السوريين 
إلى صدام مع الجبهة اللبنانية وكانت هذه الخطة تتضمن تكليف 
عناصر محلية من حزب 'حراس الأرز" القيام بأعمال استفزازية ضد 
عدد من المراكز السورية في بعض المناطق اللبنانية بهدف توريط 
سوريا في مشاكل مع الطائفة المارونية تدفع بها إلى المطالبة بالتدويل» 
على ان تبقى المساندة الكتائبية لهذه العناصر سرية اذ يجب المحافظة 
ظاهرياً على سياسية الوفاق الكتائبي - السوريء وذلك بهدف 
امتصاص ردات الفعل السورية على هذه الاعتداءات» كما تضمن 
المخطط الكتائبي أيضأ القيام بأعمال عسكرية في الجنوب بهدف توفير 
الحجة لإسرائيل من اجل الدخول إلى الاراضي اللبنائية تحت ستار 
حماية المسيحيين» وانه يجري التنسيق في هذا الموضوع مع قائد تجمع 
عسكربيي القليعة الملازم أول غسان الحمصي والذي كان من ابرز 
المتعاونين مع إسرائيل في تلك الفترة. 

205 


هذه المعلومات نقلها كمال جنبلاط إلى الرئيس حافظ الأسد 
بواسطة رياض رعدء وبعد مضي عدة أيام حمل شوكت شقير إلى 
كمال جنبلاط انباء عن اكتشاف الامن السوري لشبكة تخريبية في 
شمال سورياء مرتبطة بحزب الكتائبء, الأمر الذي جعل زعيم المختارة 
يشعر ان علاقته مع دمشق سائرة نحو التحسن. 
ماذا تريدون من لبنان؟ 

كان سؤال كمال جنبلاط الدائم للقيادة السورية هو: "ماذا 
تريدون من لبنان"؛ والذي اجابت عليه دمشق بإرسال وفد عسكري رفيع 
المستوى إلى المختارة حاملاً معه استعدادا القيادة السورية للأُنفتاح 
مجددا على كمال جنبلاطء لكن هذه الاجواء الايجابية لم تستمر طويلاً 
نسفها تصريح لجنبلاط قال فيه: "اذا كانت الدولة المحتلة تريد ان 
تعرف ماذا يريد الشعب المقهور عليها ان ترسل لجنة تقصي حقائق 
عندها نخبرها بما نرغب". تصريح جنبلاط هذا اعتبره رياض تقي الدين 
غير واقعيء ولا يراعي ظروف المكان والزمان» ولن يؤدي سوى إلى 
تأزيم الامور مع سورياء وهو قال ذلك لكمال جنبلاط صراحة. 

وكان السوريون قد حاولوا إقامة علاقات سياسية مع جميع 
الاطراف في لبنان فوجدوا تجاوباً من عدد كبير من السياسيين. بدوره 
حاول كمال جنبلاط الالتفاف على هذه المحاولات من خلال فتح قنوات 
اتصال مباشرة مع الجبهة اللبنانية على قاعدة التنوع ضمن الوحدة وهو 
كلف لهذه الغاية المصرفيان البارزان "أمين علامة وسليم خير الدين' 
بإجراء اتصالات مع حزب الكتائب والذي وجد في محاولة جنبلاط 
الانفتاح عليه فرصة له لدفعه نحو المزيد من التعاون معه.» فاصطحب 
مارون أبو شرف نجل النائب الكتائبي لويس أبو شرف وليد جنبلاط 
بسيارته إلى الاشرفية» وحاول اقناعه بالقيام بدور الوسيط بين حزب 
الكتائب وكمال جنبلاط بدلاً من سليم خير الدين وأمين علامة؛ لكن 

256 


جنبلاط الابن ابلغ أبو شرف بأنه لا يحب التدخل في السياسة". 

في 21 شباط عام 1977 سجلت آخر محاولات التقارب بين 
السوريين وكمال جنبلاط عندما اقام جنبلاط مأدبة غداء في المختارة 
على شرف على رئيس المخابرات السورية في لبنان العقيد محمد غانم» 
الذي حرص على ان يصطحب معه إلى المختارة عددا من الضباط 
العلويين» وفي اليوم التالي قام كمال جنبلاط بزيارة إلى قصر بعبدا ابلغ 
خلالها رئيس الجمهورية الياس سركيس 'بأن القصة مع السوريين ما 
زالت "عجرة" وان التشنج السوري وما زال موجودا". 

في 27 شباط 1977 ابلغ كمال جنبلاط بعض المقربين منه 
ومن بينهم الرائد رياض تقي الدين: "ان الرئيس حافظ الأسد قد عدل 
عن إرسال قوات سورية إلى المخيمات الفلسطينية بسبب عدم رضاه 
عن الموقف المسيحي تجاه ما يجري من احداث من لبنان؛ وبأنه لا 
يمكن التعويل على الاتحاد السوفياتي فهو منشغل بإفريقياء وان 
الكرملين لا يعنيها من العرب سوى اموالهم وانها باتت مقتنعة باستحالة 
سيطرة الشيوعية على لبنان والعالم العربي» وانها ترى ان دمشق هي 
افضل حليف لها في المنطقة»؛ وان هذا التحالف لا يمكن فصم عراه 
وان وجود الشيوعيين في لبنان ابعد العرب عنهء ولم يؤمن للحركة 
الوطنية الدعم السوفياتي المطلوب". 

وقبل ايام من استشهاد من كمال جنبلاط زاره شاب من 
الطائفة الدرزية» وابلغه ان جهة لبنانية قد عرضت عليه مبلغ مئة الف 
ليرة لبنانية لقاء اغتياله. لكن هذه المعلومات لم تغير في قناعات كمال 
جنبلاط»: الذي ظل يرفض الخروج من لبنان» وهو لم يقبل دعوة ياسر 
عرفات لحضور المؤتمر الفلسطيني في القاهرة اعتقادأ منه ان القرارات 
التي ستصدر عن المؤتمر ستمثل اعترافاً بإسرائيل وانتقاصاً من 
الشخصية الفلسطينية. 


257 


وليد جنبلاط: "الأمر لي" 

ادخل غياب كمال جنبلاط الساحة اللبنانية في مرحلة من 
انعدام الوزن ظلت تتفاعل لفترة طويلة من الزمن ووضعت نجله وليد 
امام تحد كبيرء فهو أما ان يتمكن من استيعاب الصدمة أو تفلت 
الامور من يده ويضيع ارث كمال جنبلاط": وعشية تشييع كمال 
جنبلاط عمت الشوف اجواء متوترة للغاية» وفي اثناء إجتماع للفعاليات 
الدرزية في قصر المختارة للبحث في ترتيبات جنازة كمال جنبلاط دخل 
أحد المحازبين» وهو في غاية الانفعال والتوترء وابلغ الحاضرين ان 
المسيحيين في بريح يحتفلون بموت كمال جنبلاطء وان الدروز هناك 
ضائعون ولا يعرفون كيف يتصرفون وهم يطلبون تزويدهم بالتعليمات 
حول كيفية التعاطي مع هذا المشهدء وفيما كان شيخ العقل يهم 
بإلاجابة جاء صوت وليد جنبلاط من الخلف قائلاً: "انا هنا من يقرر 
وليس احداً غيري والمطلوب هو الهدوء والتعقل"؛ وعشية تشييع كمال 
جنبلاط برز موقف لبعض المسؤولين في الحزب التقدمي الاشتراكي 
من غير الدروز يدعو لانتخاب رئيس جديد للحزب الأمر الذي رأى فيه 
كل من رياض تقي الدين وشريف فياض وعادل سيور وداوود حامد 
وانور الفطايري انقضاضاً على الزعامة التاريخية الجنبلاطية» فسارعوا 
إلى دعوة كوادر الحزب من ابناء الطائفة الدرزية إلى إجتماع طارئ 
وطلبوا منهم اداء يمين الولاء لوليد جنبلاط. 

بعد تسلمه لزمام الامور فرض وليد جنبلاط على انصاره 
الخضوع لقراره بتحسين العلاقات مع سورياء وترسيخ التحالف مع 
الاتحاد السوفياتي. وفي ذكرى اربعين كمال جنبلاط اقيم احتفال تأبيني 
في قصر الاونيسكو حضرته حشود غفيرة من كل المناطق اللبنانية 
اضافة إلى وفود عربية وعالمية. شكل هذا الاحتفال ازعاجأً لرئيس 
الجمهورية الياس سركيسء الذي كان يأمل ان يؤدي اغتيال كمال 

28 


جنبلاط إلى افساح المجال امامه لفيض شروطه على الحركة الوطنية؛ 
وهو قام بتوجيه اللوم لياسر عرفات لحضوره مهرجان الاونيسكو وإلقائه 
كلمة بالمناسبة. 

كان لافتأ بعد اغتيال كمال جنبلاط» قيام مجهولين بإلقاء 
متفجرات على منازل بعض الشخصيات الإسلامية والوطنية في 
بيروت؛ من بينها منزلي الرئيس صائب سلام والمحامي شفيق الوزان» 
كما القيت قنابل أيضأ على بعض الصحف والمجلات في بيروت منها 
صحيفتا الهدف والكفاح العربيء وذكرت معلومات في حينه ان 
المسؤول ععنن إلقاء القنابل هو جهاز امن يتشرف عليه المخابرات 
الأميركية» ويديره في لبنان العقيد غابي لحودء وان هذا الجهاز يلقى 
دعم الرئيس الياس سركيسء وينسق مع جهاز امن المقاومة 
الفلسطينية» وان الهدف من إلقاء القنابل هو ازاحة القيادات الإسلامية 
التي تقف في وجه الرئيس الياس سركيسء وتمنعه من الخروج بصيغة 
جديدة للحكم شبيهة بصيغة 1943.» ولكن في مقابل هذه المعلومات 
راجت معلومات أخرى تتحدث عن مسؤولية السوريين عن هذه 
التفجيرات. 
وليد جنبلاط - رئيس الأركان... الود المفقود 

بعد انتهاء حرب السنتين عاد رياض تقي الدين إلى صفوف 
الجيش اللبناني مجدداء حيث جرى تعيينه قائدأً للكتيبة 43 والتي كان 
مركزها في ثكنة في بيت الدين» وخلال وجوده في هذه المسؤولية حاول 
كسر الجليد المتراكم بين رئيس الاركان اللواء منير طربيه ووليد 
جنبلاط» والذي كان سببه ان اللواء طربيه لم يكن يحب تدخل 
السياسيين في شؤون الجيشء وفي مبادرة تهدف إلى تحسين علاقته 
برئيس الاركان قام وليد جنبلاط بإهدائه مسدسأ سلمه له الرائد رياض 
تقي الدين في مكتبه في اليرزة» كما قام الرائد تقي الدين والقيادي في 

259 


الحزب التقدمي الاشتراكي انور الفطايري بزيارة إلى منزل رئيس 
الاركان في عاليه؛ ناقلين اليه تحيات وليد جنبلاط. وبالرغم من هذه 
المبادرات فأن العلاقات استمرت فاترة بين جنبلاط واللواء طربيه؛ الأمر 
الذي استغله جوني عبده للتقرب من وليد جنبلاط» ومحاولة فتح قناة 
اتصال بينه وبين بشير الجميل؛ لكن وليد جنبلاط أبدى تحفظه على 
لقاء بشير الجميل معتبرا ان جل ما كان يريده بشير من هذا التقارب» 
هو فك عزلته الداخلية التي وجد نفسه فيها بعد تدهور العلاقات بين 
سوريا والجبهة اللبنانية. بدوره حاول قائد الجيش العماد فيكتور خوري 
التقرب من وليد جنبلاط؛ فطلب من الرائد رياض تقي الدين ترتيب زيارة 
له إلى المختارة» وعلى عكس ما كان متوقعاً فأن جوني عبده لم يبد أي 
ردة فعل سلبية على هذه الزيارة بالرغم من علاقته المتوترة بقائد الجيش 
في تلك الفترة. 
الحوار السري 

كان اكثر ما يزعج الرئيس الياس سركيس في بداية عهده؛ هو 
انه كان يشعر انه غير قادر على ارساء قاعدة للوفاق الوطني بين 
اللبنانيين» بالرغم من كل عناصر القوة التي كانت موجودة بين يديه 
والمتمثلة بوجود قوات الردع العربية على الاراضي اللبنانية؛ وهو كثيراً 
ما كان يردد امام بعض المقربين منه: 'بأن لديه إمكانات على الارض 
لم تتوفر لسواه من رؤوساء الجمهوريات في لبنان مما سيساعده على 
تحقيق الحوار بين اللبنانيين. وكان الرئيس الياس سركيس قد حاول 
بالاتفاق مع الجبهة اللبنانية التوصل إلى صيغة لإقامة علاقات 
مارونية - درزية» تمثل منطلقاً للوفاق الوطني بين اللبنانيين» وقد اتى 
هذا المسعى بعد فشله في ايجاد ثنائية شيعية - مارونية تكون بديلة 
للثنائية السنية - المارونية التي كانت قائمة منذ الاستقلال؛ وكان قائد 
القوات اللبنانية بشير الجميل اكثر المتحمسين لإقامة الصيغة 

300 


المارونية- الدرزية؛ وهو كان يعول عليها من اجل إعادة المهجرين 
المسيحيين إلى الجبل الذين اضطروا لترك المنطقة بعد اغتيال كمال 
جنبلاط عام 1977» وهو قال مرةٍ لزاهي البستاني وجوني عبده في 
منزل الاخير "انه يعتبر نفسه اخطأ في مد يده للشيعة الذي تبين له 
انهم غير قادرين على اتخاذ القرار وانه كان عليه منذ البداية ان يمده 
يده للدروز". 

وفي اوائل كانون أول عام 1980 عُقد إجتماع سري في منزل 
جوني عبده بين وليد جنبلاط والاباتي بولس نعمانء تم فيه الاتفاق 
على إقامة حوار غير مباشر وسري بين وليد جنبلاط وبشير الجميل» 
بواسطة مندوبين عنهماء وكانت رغبة جنبلاط في إبقاء الحوار سرياً 
تعود إلى خشيته من عدم تقبل الدروز له من جهةء» وخوفه من 
انعكاساته السياسية عليه في حل فشله من جهة ثانية. ووقع اختيار 
جنبلاط على سمير فرنجية لتمثيله في هذا الحوار وكان سبب هذا 
الاختيار هو ان فرنجية كان على علاقة جيدة بالمنظمات الفلسطينية 
في لبنان الأمر الذي كان يعتبره جنبلاط ضمانة لهذا الحوار من عدم 
طعن الفلسطينيين له بالظهرء اما عن سبب عدم اختياره لشخصية 
درزية لتمثيله في الحوار فأن جنبلاط كان يعتبر ان وجود شخصية 
درزية سيفرض عليه إلتزامات تجاه الطرف الاخرء في حين انه كان 
يريد لهذا الحوار ان يبقى ضمن نطاق المسايرة إلى ان تأتي ظروف 
افضل لأنضاجه لكن جوني عبده تمكن من اقناعه بتكليف ضابط 
درزي ممثلاً له في هذا الحوار إلى جانب سمير فرنجية» انطلاقاً من 
ان الضباط يحفظون السرء واقترح عليه بعض الاسماء فاختار جنبلاط 
اسم المقدم رياض تقي الدين. 

عقدت لجنة الحوار إجتماعها الأول في 15 كانون الأول 
0 في منزل العقيد جوني عبده في بعبدا ومثل فيه وليد جنبلاط 


301 


كل من سمير فرنجية والمقدم رياض تقي الدين فيما مثل بشير الجميل 
كل من 'انطوان نجم' 'وجوزف أبو خليل"؛ في مستهل الإجتماع اقترح 
جوزف أبو خليل تأليف حكومة جديدة برئاسة وليد جنبلاط لكن ممثلي 
جنبلاط رفضوا هذا الاقتراح؛ واعتبروا ان الهدف منه استدراج جنبلاط 
إلى صدام مع المقاومة الفلسطينية". فعلق جوزف أبو خليل قائلا:'نحن 
لا يمكننا البقاء مع بشير اذا قبلنا بحكومة عادية» وسأفضح لكم سراً ان 
بشير يرفض الإجتماع بميشال المر بالرغم من وجود مشاريع مالية 
مشتركة بيننا لانه يرفض التعامل الا في اطار الوضوح والحق والعدل". 

وفي جلسة الحوار الثانية في 19 كانون أول 1980 ظهر 
واضحاً ان الجبهة اللبنانية تعاني من عزلة الداخلية» وانها تعول على 
وليد جنبلاط لمساعدتها على فك عزلتهاء ومن هنا جاء اقتراح جوني 
عبده بإقامة تحالف يضم سوريا ووليد جنبلاط وبشير الجميل والحكومة 
اللبنانية» وكان رأيه ان التوافق بين وليد جنبلاط وبشير الجميل يشكل 
المدخل لإقامة هذا التحالف. 

في جلسة الحوار الثالثة تقدم انطوان نجم بمشروع للوفاق 
الوطني وكانت ابرز نقاطه: "دعوة الرئيسان الياس سركيس وحافظ 
الأسد للإتفاق على خطة لانسحاب قوات الردع العربية من بعض 
المناطق اللبنانية» قيام وليد جنبلاط بتقريب وجهات النظر بين 
السوريين وبشير الجميلء اقناع السوريين بالتخلي عن دعم الحزب 
السوري القومي الإجتماعي والحزب الشيوعي اللبناني. وكان انطوان 
نجم قد قام في 27 ايلول 1980 بناء على طلب بشير الجميل بوضع 
خطة للأنقلاب على الرئيس الياس سركيس وذلك بالتعاون مع العقيد 
ميشال عون» وكانت هذه الخطة تتضمن دعوة إلى إقامة علاقات بين 
لبنان وإسرائيل وفتح خطوط تواصل مع السعودية بغية تطويق سوريا. 

وفي 30 كانون الثاني عام 1981 عُقدت جلسة الحوار 


302 


الرابعة التي غاب عنها سمير فرنجية بحجة وجود زحمة سير خانقة 
على الطريق؛ ولكن الذي تبين فيما بعد ان السبب الحقيقي للغياب كان 
سياسياً. في هذه الجلسة طرح المقدم تقي الدين خطة للحل الشامل في 
لبنان وكان ابرز بنودها 'بسط سيادة الدولة على جميع الاراضي 
اللبنانيةء ووضع اسس جديدة للصيغة اللبنانية سياسيا واقتصادياً 
وإجتماعياً تشمل معالجة الشعور بالخوف الموجود عند المسيحيين 
والاحساس بالغبن عند المسلمين» عدم السماح بأن يكون لبنان منطلقاً 
لأي اعمال عدوانية ضد الدول العربية» تأمين علاقة سليمة مع سوريا 
تقوم على ضرورة حماية المصالح المشتركة بين البلدين". 

حظيت الخطة بأجماع الحاضرين؛ ولكن جرى تأجيل اقرارها 
إلى حين عودة وليد جنبلاط من السفرء وبعد عودته من الخارج راح 
وليد جنبلاط يضع العراقيل امام استمرار الحوار تارة بحجة تأخر قيادة 
الجيش في ترقية بعض الضباط المقربين منه وطوراً بسبب اصدار 
الجبهة اللبنانية لبيان يتضمن افكاراً تتناقض مع جلسات الحوار؛ لكن 
الذي تبين ان هذه المبررات لم تكن هي السبب الحقيقي الذي دعا وليد 
جنبلاط تعليق مشاركته في الحوار. بل ان السبب كان هو اعتراض 
دمشق على الحوار بسبب عدم اعلامها به مسبقاًء وهي قامت باستدعاء 
وليد جنبلاط ووجهت اليه لومأ قاسيأ لتفرده بالقرار» اما كيف عرفت 
دمشق بأمر الحوار؟ فقد كان من كريم بقرادوني الذي قام بإفشاء السر 
لعدد من المسؤولين السوريين. 

وخلال لقاء بين جوني عبدة والمقدم رياض تقي الدين انتقد 
الاخير الجبهة اللبنانية» بسبب عدم تقديمها تنازلات لوليد جنبلاط تكون 
بمثابة تعويض له عما تحمله من لوم من دمشق وتعكير لصفو علاقاته 
بالحركة الوطنية بسبب قبوله بمحاورة بشير الجميل. فأجابه مدير 
المخابرات قائلاً: "المسألة ليست هنا المشكلة في ان وليد جنبلاط غير 


303 


قادر على الخروج من دائرة الارادة السورية وهو ليس حرا في تحالفاته 
وخلافاته وهذا ما قال له لي مروان حماده'. 
الاجتياح الإسرائيلي عام 1982- الاستقالة من الجيش 
والعودة اليه 

قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982وصلت معلومات 
إلى قيادة الجيش اللبناني» عن تحضيرات تقوم بها إسرائيل» لتوجيه 
ضربة عسكرية إلى القواعد الفلسطينية في لبنان. هذه المعلومات نقلها 
مدير المخابرات جوني عبده إلى وليد جنبلاط» الذي قال للمقدم رياض 
تقي الدين: 'كيف لي ان اقبل بدخول الإسرائيليين إلى الشوف". الأمر 
الذي فسره الاخير بأنه قرار من وليد جنبلاط بالتصدي للجيش 
الإسرائيلي في حال دخوله الى الشوفء وبناء عليه قام المقدم تقي 
الدين بوضع خطة لمواجهة القوات الإسرائيلية على محور باتر- 
جزين» ولكن هذه الخطة لم يتسنى له متابعتها بسبب سفره إلى الاردن 
لمشاركة دورة عسكرية. وبعد انتهاء الدورة عاد المقدم تقي الدين إلى 
بيروت وراح ينتظر تعيينه قي منصب في قيادة الجيش يتناسب مع 
التقدير العالي الذي حصل عليه في الدورة؛» ولكن هذا لم يحدث بالرغم 
من مراجعاته المتكررة لقائد الجيش العماد ابراهيم طنوسء وفي نهاية 
الأمر تبين له ان هناك نية لدى قائد الجيش بأبعاده عن تسلم أي 
منصب في الظروف الحاضرة» لأسباب سياسية وطائفية» فكان ان قام 
بتقديم استقالته من الجيش. 

وبعد ان أصبح خارج المؤسسة العسكرية انصرف تقي الدين 
للمشاركة في حرب الجبل؛ فتسلم مسؤوليات عسكرية في الحزب 
التقدمي الاشتراكيء كما ترأس اللجنة الامنية في "الادارة المدنية" التي 
انشأها وليد جنبلاط لتسيير شؤون المواطنين في ظل غياب الدولة 
بسبب ظروف الحربء لكن وجوده في الادارة المدنية لم يستمر طويلاً 

304 


فقام بتقديم استقالته احتجاجأأ على تجاوزات بعض مسؤولي الحزب 
التقدمي الاشتراكي بحق المواطنين من دون ان تتم محاسبتهمء وقد بلغ 
تضايقه من هذه التجاوزات حداً قال فيه لأنور الفطايري: "هيدا مش 
حزب هيدي دكانة والافضل تسكروها" وبسبب هذا الكلام بردت علاقته 
بوليد جنبلاط لفترة من الزمن. 

وبعد عامين على خروج رياض تقي الدين من المؤسسة 
العسكرية اتصل به وليد وابلغه انه اتفق مع رئيس الجمهورية أمين 
الجميل على اعادته إلى صفوف الجيش بمرسوم خاص على ان يحل 
في رئاسة الاركان مكان اللواء محمود أبو ضرعمء بعد احالة الاخير 
على التقاعد» وان قائد الجيش العماد ميشال عون وعد بتأهيله إلى هذا 
المنصب". 

في 14 شباط 1985 صدر مرسوم بإعادة المقدم رياض تقي 
الدين إلى صفوف الجيش حيث ين قائداً لموقعي حمانا وبيت الدين 
والى جانب وجوده في المؤسسة العسكرية تسلم رياض تقي الدين 
مسؤولية الاشراف على 'جيش التحرير الشعبي" التابع للحزب التقدمي 
الاشتراكي. وكان سبب اختيار وليد جنبلاط لرياض تقي الدين لتولي 
1 على الجيش الشعبي وهو غير المنتمي رسمياً إلى الحزب 

لاشتراكي هو تعاظم قلق جنبلاط من النفوذ المتنامي لأنور الفطايري 

داخل الحزب الاشتراكي والذي بلغ حد ابعاده عن المسؤوليات الحزبية 
لفترة من الزمن. ٍ 

ومع تعيين العميد سامي الخطيب قائداً للجيش بالوكالة في 
حكومة الرئيس سليم الحص جرى تعيين العقيد رياض تقي الدين نائبأً 
لرئيس الاركان للعمليات في "جيش الوطن"؛ وهي التسمية التي اطلقها 
العميد سامي الخطيب على الألوية التي كانت تحت قيادته. انطلق 
العميد سامي الخطيب في عمله بإمكانات متواضعة وكانت أحد ابرز 


305 


العقبات التي واجهت "جيش الوطن" في بداية مهامه هي النقص في 
المعلومات الامنية» ومن اجل سد هذه الثغرة جرت الاستعانة بمعلومات 
الاحزاب في المنطقة الشرقية والتي قامت بتزويد 'جيش الوطن" 
بمعلومات دقيقة عن الألوية التي كان يقودها ميشال عون. اما التعاون 
بين جيش الوطن والاحزاب في المنطقة الغربية» فقد بقي محدوداً إلى 
ان اندلعت حرب التحرير في 1989/3/14» عندها وجد 'جيش 
الوطن" نفسه مضطراً لإقامة غرفة عمليات مشتركة مع هذه الاحزاب» 
وذلك في اطار 'توزيع المهام على الارض" والتي كان الدور الاساسي 
فيها لجيش الوطن. 
معركة سوق الغرب- تقديرات خاطنة والثمن باهظ 
كانت معركة سوق الغرب في 1989/8/13 هي المحطة 
الابرز في "حرب التحرير"» التي اعلنها ميشال عون ضد القوات 
السورية عام 1989. قبل المعركة بأربع وعشرين ساعة اتصل وليد 
جنبلاط بنائب رئيس الاركان للعمليات العقيد رياض تقي الدين وطلب 
منه تزويده بعدد من المصفحات لأستخدامها في عملية عسكرية يجري 
الاعداد لهاء ولكن من دون ان يفصح له عن مكان العملية وزمانهاء 
فاقترح عليه العقيد رياض تقي الدين» الاتصال بقائد ثكنة حمانا العقيد 
أمين أبو عاصيء الذي البى يظلف امجتوادط وارشل- لكا ضندا يعن 
المصفحات مع طواقمهاء وبنتيجة الاتصالات التي اجراها علم العقيد 
تقي الدين ان الحزب الاشتراكي يتحضر للقيام بعملية عسكرية ضد 
0 الجيش في سوق الغربء؛ كما علم أيضأ ان وليد جنبلاط قام 
بتسفير القياديان في الحزب الاشتراكي شريف فياض وداوود حامد في 
مهمة إلى الاتحاد السوفياتي بسبب تحفظهما على عملية سوق الغرب. 
قبل بدء المعركة توجه العقيد تقي الدين إلى غرفة عمليات 
الحزب التقدمي الاشتراكي في منطقة 'مار عبدا" في دير القمرء 


306 


لمواكبة التطورات حيث وجد هناك وليد جنبلاط والقيادي السابق في 
حركة المرابطون سنان براج وقائد جيش التحرير الشعبي المقدم رجا 
حرب وبعد قليل وصل الوزير السابق مروان حماده. 

في بداية المعركة تمكنت عناصر الحزب التقدمي 0 

من احراز بعض التقدم على الارضء مما جعل وليد جنبلاط يعتقد 
العملية قد خسنت لصالحة فطلته من أحد محاعدية التضيان 0 
الاعلام ودعوتها إلى مؤتمر صحافي يعلن فيه تحرير سوق الغرب. 
ولكن العقيد تقي الدين دعاه إلى التريث؛ ولا سيما ان كل لانن كانت 
تشير إلى ان المعركة ما تزال في بدايتهاء وان هناك اشياء 0 

ع ل ل ل لي 
يتابع سير المعركة عدم تحرك المقاتلين على محور رأس الجبل 
لمساندة رفاقهم الذين كانوا يحاولون التقدم من كيفون باتجاه سوق 
الغرب؛ وسرعان ما تبين ان قائد قطاع رأس الجبل في الحزب التقدمي 
الاشتراكي المدعو 'خ. أ" لم يستطع ان يحشد العناصر الكافية لخوض 
المعركة؛ وانه قد اخفى هذا الأمر عن قيادته مما اثر سلباً على سير 
العملية. استمر القتال ضارياً اكثر من عشر ساعات»ء تبين في نهايته 
ان الهجوم يتجه نحو الفشل؛ خاصة بعد ان تمكن الجيش اللبناني من 
استعادة زمام المبادرة» وبدأ يستعد للقيام بهجوم معاكس لأستعادة 
المواقع التي خسرها. احس وليد جنبلاط بالمأزق وراح يلح على 
مسؤوليه العسكريين بضرورة الاتصال بقائد القوات الخاصة السورية في 
لبنان العميد "هشام معلا" والطلب اليه الدخول إلى جانب الحزب في 
المعركة. لكن "المعلا" ابلغ المتصلين به بأنه لن يدخل المعركة الا اذا 
طلبت منه قيادته ذلك: وفي نهاية الأمر وجد الاشتراكيون نفسهم 
مضطرون إلى الانسحاب بعد ان تكبدوا خسائر كبيرة ة في الارواح. 


307 


انهاء تمرد ميشال عون 

بعد ان رفض العماد ميشال عون الاعتراف باتفاق الطائف 
واعلن تمسكه بالبقاء في قصر بعبداء بدأ التفكير بالقيام بعملية عسكرية 
تخرجه من قصر بعبدا. وفي هذا السياق كلف قائد الجيان العماد اميل 
لحود نائب رئيس الاركان للعمليات العقيد رياض تقي الدين باعداد 
خطة عسكرية تكفل تحقيق هذا الهدف. وبناء على طلب رئيس 
الجمهورية الياس الهراوي قام العقيد تقي الدين بزيارة دمشق اكثر من 
مرة حيث التقى ضباطأ في هيئة الاركان السورية؛ للتنسيق معهم في 
عملية اخراج عون من قصر بعبدا. 

لم يبد السوريون في بداية الأمر حماسا للمعركة؛ واقترحوا على 
العقيد تقي الدين ان يقتصر دورهم على تقديم المساندة للجيش اللبناني» 
لكن قائد الجيش العماد اميل لحود اصر على مشاركة الجيش السوري 
في المعركة جنبأ إلى جنب مع الجيش اللبناني» وقال للعقيد تقي الدين: 
'لن اتورط وحدي". اما عن سبب تردد السوريين في خوض المعركة, 
فأنه كان يعود إلى وجود رغبة أميركية بأن يقوم الجيش اللبناني وحده 
بالعملية» كما انهم لم يكونوا راغبين بتعكير علاقاتهم بفرنسا التي كانت 
تؤيد ميشال عونء» ومع تغير المشهد الاقليمي بعد الغزو العراقي 
للكويت عاد السوريين ليقرروا الدخول طرفأ في المعركة ضد ميشال 
عون لكنهم مع ذلك ظلوا حتى اللحظات الاخيرة يحاولون تجنب 
استعمال القوة» وكذلك الأمر العماد اميل لحود والرئيس سليم الحصء 
وبعدما أصبح اللجؤ إلى القوة امراً لا مفر منه؛ عُقدت إجتماعات 
عديدة بين القيادتين العسكريتين السورية واللبنانية» لتنسيق الهجوم» وفي 
هذا الاطار طلب العقيد رياض تقَي الدين من السوريين اعلامه بموعد 
تحركهم على الارضء لكن السوريين فضلوا الاحتفاظ بموعد ساعة 
الصفر لأنفسهم وبناء عليه اعطى لعفي تقي الدين 6 - 
الجيش المشاركة في الهجوم بضبط توقيت تحركهاء على توا 

308 


الجيش السوري. وصبيحة نهار 1990/10/13 اتصل العقيد رياض 
تقي الدين بقائد القوات السورية في لبنان اللواء سعيد بيرقدار للاستفسار 
منه عن موعد تحرك قواته بعد ان قامت الطائرات العسكرية السورية 
بالقاء قنابلها في محيط قصر بعبدا. فأجابه اللواء بيرقدار بأن الهجوم 
قد بدأ. في غرفة العمليات المشتركة السورية- اللبنانية في 'ضهور 
العبادية" احتل الضباط السوريون جميع الكراسي والطاولات ومعهما 
أحدث اجهزة الاتصالء فيما جلس العقيد تقي الدين والضباط اللبنانيين 
المساعدين له على درج الغرفة» ومعهم جهاز لاسلكي واحد للأتصال 
بستة الوية للجيش اللبناني كانت تشارك في العملية. 

بدأ السوريون الهجوم من محور عاليه - ضهر الوحشء؛ دون 
ان يلتفتوا إلى ضرورة حماية خاصرتهم في منطقة سوق الغرب 
ومحيطهاء وكان العقيد تقي الدين حاول اقناع قائد القوات السورية في 
لبنان اللواء سعيد بيرقدارء بضرورة مشاركة القوات السورية في الهجوم 
على سوق الغرب تأمينأ لخاصرتها لكن اللواء بيرقدار اصر على ترك 
سوق الغرب للجيش اللبناني وحده. تابع السوريون تقدمهم وبوصولهم 
إلى منطقة عارياء وقعوا في كمين محكم لقوات العماد ميشال عون 
سقط لهم بنتيجته عشرات الجنود بين قتيل وجريحء وانتقامأ للجنود 
السوريين الذين سقطوا من جراء هذا الكمين قام قائد القوات الخاصة 
السورية العميد هاشم المعلا بأعدام عشرين جندياً لبنانيأ في بلدة 
'"بسوس" كانت قد اسرتهم قواته اثناء المعركة. 

وبعد ان دخلت القوات السورية إلى قصر بعبدا ووزارة الدفاع» 
بدأت عملية نهب واسعة لأثاث المكاتب والقاعات» وعندما وصل الخبر 
إلى رئيس الجمهورية الياس الهراوي اتصل بالعقيد رياض تقي الدين» 
وطلب منه معالجة الموضوع مع العميد غازي كنعان. استاء العميد 
غازي كنعان من طلب الرئيس الهراوي؛ وقال للعقيد تقي الدين: "غريب 
امر الموارنة". 


309 


لم يكتف الجيش السوري بتحميل اثاث وزارة الدفاع إلى 
شاحناته» بل قام ايضاً بمصادرة مجموعة كبيرة من الوثائق الخاصة 
بالجيش اللبناني وكانت قيادة الجيش في اليرزة قد قامت قبل ايام قليلة 
من المعركة» بنقل عدد كبير من وثائق قيادة الجيش إلى بكركي بطريقة 
سرية. كما راحت القوات السورية أيضاأ تبحث عن غرفة التنصت والتي 
كان قد جرى نقلها إلى مكان سري خارج وزارة الدفاع. وبالرغم ان قوات 
العماد اميل لحود كانت قد توصلت إلى تحديد مكان غرفة التنتصت» 
الا انها لم تقم بإرشاد القوات السورية اليها. وازاء اصرار السوريين على 
معرفة مكان اجهزة التنتصتء توجه العقيد تقي الدين إلى مقر وزير 
الدفاع البر منصور في مبنى الكارلتون» وطلب منه التدخل لدى 
السوريين من اجل الكف عن البحث عن غرفة التنصت. أبدى الوزير 
منصور اهتمامأ بالموضوع وقال للعقيد تقي الدين: 'في حال عثر 
السوريين على اجهزة التنتصت سأقوم بتقديم استقالتي فوراً". اما العماد 
لحود والذي كان حاضراً على الحديث فبقي صامتا ولم يعلق على 
الموضوع. 
الصراع على الاركان.. بين الامن والسياسية 

بعد ان انتهى التمرد بدأت عملية توحيد الجيش اللبناني تحت 
امرة العماد اميل لحود. وكان من الملح في تلك المرحلة تعيين رئيس 
جديد للأركان خلفا اللواء محمود طي أبو ضرغم والذي كان قد احيل 
على التقاعد في عهد الرئيس أمين الجميل. وكان أحد ابرز المرشحين 
لهذا المنصب هو العميد البحري فؤاد حسنء لكن وليد جنبلاط اعترض 
عليه؛ وطالب بتعيين العميد رياض تقي الدين رئيساً للأركان. لم يلق 
اسم العميد رياض تقي الدين موافقة وزير الدفاع البر منصور ورئيس 
مجلس النواب حسين الحسينيء واللذان كانا على علاقة سيئة بوليد 
جنبلاط» كما انهما كانا يريدان مراعاة قائد الجيش العماد اميل لحودء 


310 


والذي كان يريد تعيين صديقه العميد فادي أبو شقرا رئيساً للأركان. 
وعشية انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي كان على جدول اعمالها تعيين 
رئيس جديد للأركان استدعى قائد الجيش العماد اميل لحود العميد 
رياض تقي الدين وقال له:" غداً هناك جلسة لتعيين رئيس جديد 
للأركان روح دبر حالك"؛ وعلى الفور توجه العميد تقي الدين إلى منزل 
وليد جنبلاط فوجده مسافراً فاتصل بالوزيرين اكرم شهيب ومحسن دلول» 
اللذان قاما بدورهما بالاتصال بالقيادة السورية» وفي اليوم التاليى صدر 
مرسوم تعيين العميد رياض تقي الدين رئيسا للأركان بالإنابة. 

بعد تعيينه رئيساً للأركان بالانابة راح العميد تقي الدين ينتظر 
تثبيته في هذا المنصبء والذي كان ينتظر اقرار التعديلات على قانون 
النفاع. فى عجليس الثواب: بحري :رضي والإفكان. تعيين بار من 
الاحتياط في رئاسة الاركان» وبعد اكثر من عام قضاه تقي الدين في 
الانتظار لم يجر فيه اقرار التعديلات على قانون الدفاع اتصل به 
رئيس مجلس النواب حسين الحسيني وطلب منه الحضور إلى منزله 
حيث ابلغه امام حشد من الصحافيين قرار تثبيته رئيسأ للأركان 
بالأصالة وذلك بمرسوم خاص. ازعج صدور مرسوم تثبيت العميد 
رياض تقي الدين رئيساً للأركان بالشكل الذي صدر فيه رئيس 
الجمهورية الياس الهراوي الذي اتهم رئيس مجلس النواب بالتدخل في 
شؤون الجيش من وراء ظهره وشكاه إلى دمشق. 

كان من المفترض ان يتبع تعيين العميد رياض تقي الدين 
رئيسأ للأركان ترقيته إلى رتبة لواء» ولكن الذي تبين ان وليد جنبلاط 
كان يسعى إلى ترقية قائد الشرطة القضائية العميد عصام أبو زكي إلى 
هذه الرتبة» وذلك خلافاً للعرف الطائفي المتبع الذي يحصر ترقية 
الضباط الدروز إلى رتبة لواء بمن هم في الجيش فقط. حاول العميد 
تقي الدين الاتصال بوليد جنبلاط من اجل الحصول على دعمه في 


311 


الترقية إلى رتبة لواء ولكنه لم يفلح في ذلكء فكان ان توجه إلى منزل 
الوزير مروان حماده وقال له: "ان شاء الله بيترقى عصام أبو زكي لرتبة 
فريق ما عندي مشكل بس ما تحاولوا تمنعوا ترقيتي هيدا حقي وبدي 
ياه"» وبعد خروجه من منزل مروان حمادهء توجه رئيس الاركان إلى 
قصر بعبدا وقام بعرض مشكلته على الرئيس الهراوي الذي تجاوب معه 
وقام بوضع اسمه على جدول الترقيات اعتباراً من 1993/1/1. وكانت 
أحد اسباب مسارعة الرئيس الهراوي إلى تلبية طلب اللواء تقي الدين 
هي انه كان يحاول التعويض عن علاقته المتوترة مع قائد الجيش 
بإقامة علاقات جيدة مع كبار ضباط الجيشء» وفي تعبير واضح عن 
توتر العلاقات بينه وبين وقائد الجيش. طلب الهراوي من رئيس 
الاركان "ابلاغ العماد اميل لحود ان لا يرسل ممثلين عنه إلى 
الاحتفالات التي يحضرها رئيس الجمهورية اذا كان هو شخصياً لا يود 
الحضور". اما اسباب التوتر بين قائد الجيش ورئيس الجمهورية فقد 
كانت تعود للتزاحم على كرسي الرئاسة في بعبدا. فبينما كان رئيس 
الجمهورية يسعى إلى تمديد ولايته كان العماد لحود يعمل على 
الحصول على دعم المسؤولين السوريين له للوصول إلى بعبدا. 

لم يتواني اهل الحكم في لبنان عن اقحام السوريين في 
خلافاتهم الداخلية» وذلك في صراع واضح على النفوذ والسلطة» والذي 
لم تسلم منه مؤسسة الجيش التي راح السوريون يتدخلون في شؤونها 
وفقا لمصالحهم وبناء على طلب من اكثر من جهة سياسية في لبنان. 
فعندما رفض قائد الجيش العماد اميل لحود ازالة مرابض المدفعية من 
منطقة برمانا والتي لم يعد لوجودها حيث هي أي فائدة بعد توقف 
الحرب الاهلية اتصل رئيس الاركان اللواء رياض تقي الدين بنائب 
رئيس المخابرات العميد جميل السيدء وطلب منه معالجة الأمر والذي 
اتصل بدوره باللواء غازي كنعان وفي اليوم التالي تم ازالة هذه المرابض 


312 


وعندما تولى رفيق الحريري رئاسة الحكومة عام 1993 
اصطدم بمحاولات نائب مدير المخابرات العميد “السيد' التدخل في 
جميع شؤون الدولة فتوجه إلى دمشق وطلب منها وضع حد لممارسات 
جميل السيد؛ ونزولاً عند رغبة رفيق الحريري اتصل السوريون بقائد 
الجيش وتمنوا عليه ابعاد العميد السيد عن مديرية المخابرات وتعيينه 
في مسؤولية أخرى مسايرة للرئيس الحريري؛ لكن العماد لحود اصر 
على بقاء جميل السيد في منصبه؛ الا انه طلب من رئيس الاركان 
ابعاد كل المقربين من العميد جميل السيد عن شعبة التنصت. بدوره 
أبدى وليد جنبلاط في اكثر من مناسبة انزعاجه من العميد جميل 
السيد. وطالب قائد الجيش بإقالته من منصبه؛ ولكن العماد لحود رفض 
هذا الطلب مما ادى تعرضه إلى حملة عنيفة من جنبلاط. وكانت 
العلاقات بين جميل السيد ووليد جنبلاط قد توترت بعد كلام قاله العميد 
السيد بحق جنبلاط خلال إجتماع له مع مخاتير منطقة المصيطبة 
وكان يعلق فيه على تصريح ادلى به جنبلاط استنكر فيه توقيف سمير 
جعجع عام 1994: "اذا مش عاجبو وليد جنبلاط توقيف سمير جعجع 
بينحط جنبه". وكان تعيين مدير المخابرات العميد ميشال رحباني ونائبه 
العميد جميل السيدء قد جاء بتدخل من اللواء غازي كنعان لدى قائد 
الجيش العماد اميل لحود. هذا القرار اعترض عليه رئيس الاركان في 
جلسة للمجلس العسكري وذلك لعدم ابلاغه به مسبقأ من قبل مرجعيته 
السياسية اسوة ببقية اعضاء المجلس المجلس العسكري. معرفته بهذا 
الأمر جاءت بعد اتصال اجراه به العميد رستم غزاله سأله فيه: 'شو 
بدكون تمرقلونا تعيين جميل السيد وميشال الرحباني بجلسة المجلس 
العسكري اليوم؟". 

شهدت المظاهرة التي نظمها حزب الله قرب جسر المطار في 


313 


الضاحية الجنوبية في 13 ايلول 1993 احتجاجأ على توقيع اتفاقية 
اوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية نهاية 
مأساوية» وذلك عندما سقط عدد من المتظاهرين برصاص الجيش 
اللبناني حاولوا الدخول إلى أحد مراكزه. 

استنكر حزب الله عملية إطلاق النارء واتهم النقيب في الجيش 
'ج. ه" باعطاء الأوامر بقتل المتظاهرين» وراح يترصده بهدف الانتقام 
منهء مما دفع رئيس الاركان إلى اصدار امر بتشكيل النقيب المذكور 
إلى منطقة عكار حفاظاً على حياته؛ وفي هذا الوقت دخل السوريون 
على خط معالجة الازمة» وطلبوا من حزب الله تهدئة الامور كما 
اتصلوا أيضاً بقيادة الجيش وطلبوا منها تعيين أحد الضباط المقربين 
من حزب الله مسؤولاً عن منطقة الضاحية الجنوبية» فاستجابت قيادة 
الجيش لهذا الطلب وبذلك تم نزع فتيل الانفجار الذي كان ممكنأ له ان 
يؤدي إلى حريق يشعل لبنان كله. 


314 


اجتماع 1177/4/14- 


الحلشرو نى - شارل مالك » شيل القسيس. رثا دأخرا.م البستاتي مفى هذا الاجتاع كلم مارل بالك 
واصسلى التمليما ‏ التالية » 
١ل‏ ضريرة حمل الد ول المربية طى يقد موسمر خا صريالوضع الفلسطيني فى لينان من !"جل ابطال 
اتفاتية الظاهرة طى أن تسبق المويير السشار اليه وترافقه وتمقهه الخطرات الاتية » 
ل وجوب الممل من خلال السياسة الاميركية ‏ السورية الها دغة الى احدراء الستابة ٠‏ 
1 الممل على كين قاد 3 للسطينية جد يد 3 تكون سستمد 3 الي القبيل بترارات الاحدوا' ٠‏ 
تل تحد يده التواجد الفلسطيني رتابيد ه بونو د الوثيقة ألد ستورية * 
5 للقراراكالتى ستتخذ بحييهترادى عدد سكان لهنان والنسبة المقهولة 


عب خلق جببة عريدة مسيحية تدلطئق فى أضالها من لجنة اليحوث اللبنانية فى الكسليك ايعاد ها 


عن 
ج - احياء السياسيين التقليد بين المسلمين طى ان تكون الجيبة المريهة الاسلا مية رد يفا ” فى دم 
النشريا .> السيحية لى نقد أضاقية القاهرة واسا شما" ليناء لبنان الاتحادى طى هاتين الركيزتين ٠‏ 
وهذا ساعد فى نلك التا'ييد الليناتي من حول الفلسطينيين ونزل اليسار ٠‏ ويمكن يعد قذ تصفية 
اليما ر براسطة اجهزة مشتر كة مسا 3 الاجهزة السورية * 
د السمي نسيحيا ” لاعاد 3 الوفاق بين المسلمين التقليد يين وسهيا وذ لله من طريل 5 
ا توقف الطرفين عن الاعلام الاتياني ٠‏ 3 
5 تحد يد موأعيد لقا .ته سمأ سية» 
ال الترسط لدي القمة الروحية لجمل الرفاق الليناني - السورى اماما * لامان 3 الامن فى لينان ٠‏ 
)أن نهدا موا بططيف الجر اعلاميا هابراز دور الجببة الاسلاسية المريخة» 
ه لتر الاصرلر على التييلم والتسليع واحياء النجلسالئياين والتقريب من رقاسة الوزارة وذ للك 
أى ظاهرة نراخقى النفرذ السلروني حتى لا يقايله أى صل لاحرا ج المسرحيين بصورقناة 
* الطراتف السيحية الاخرى د ورا * فى صده جسور التقاهم مع المحمد بين * 5 
ش وقد صوويي مارل مالك رمف الشخصيات الاسلامية المطلرب درفيقها مع سوريا. وهى 
حسن الرناي - صائب سلام ٠‏ كان الدنا' مالك ملام ٠‏ كا هده طي شبيرة أبراز اليد نين 
بصيرة عأمة ركذ للك ال حزاب والفسائل القربية من التقليه يين أو المحاقظة. د اخل الحركة الرطنئية 
بالذاع رايخ المليائف المضدية كبرسى الصدر وحم خالد الخ ٠.6‏ 


315 





حزن على أنطون سعاده ورياض الصلح 

ولد هشام جابر في شهر أيلول عام 1943 في مدينة النبطية» 
والده المحامي مفيد جابر تخرج من جامعة بغداد؛ بعد أن مُنع من 
إكمال دراسته في الجامعة اليسوعية في بيروت بسب موقفه المناهض 
للانتداب الفرنسي» وفي أثناء وجوده في بغداد شارك مفيد جابر في 
ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1939ء كما تعرف هناك إلى الطبيبة 
النسائية السورية 'جوليا الطيار" وتزوجا وكانت جوليا الطيار وهي من 
الطائفة المسيحية عضو في الحزب السوري القومي الإجتماعي. 

في طفولة هشام جابر حادثتان لا زالتا حتى الآن تحتلان 
مكانأ عميقأ في ذاكرته؛ الحادثة الأولى كانت مشاهدته لوالدته تبكي 
بحرارة على انطون سعاده زعيم الحزب السوري القومي الإجتماعي 
الذي اعدمته الحكومة اللبنانية عام 1949 وقد شاركها الحزن عليه 
زوجها والذي كان من المعجبين بشخصية انطون سعاده. اما الحادثة 
الثانية فقد كانت رؤيته لوالده وقد أصابه الحزن الشديد بعد سماعه خبر 


317 


اغتيال رياض الصلح على يد القوميين. وكانت علاقة صداقة متينة 
ربطت بين رياض الصلح والمؤرخ المعروف محمد علي جابر آل صفا 
جد هشام جابر الذي كان قد استضاف رياض الصلح في منزله لقضاء 
شهر العسل في بداية الثلاثينات. 
من منزل فؤاد شهاب إلى الكلية الحربية 

كان لحديث مفيد جابر الدائم أمام أولاده؛ عن ثورة رشيد عالي 
الكيلاني في العراق اثر في نفس ابنه هشام فراح يحلم بأن يكون 
ضابطأ في الجيش في يوم من الأيام» وبعد أن أنهى دراسته الثانوية 
اتجه إلى تحقيق حلمه؛ فتقدم بطلب دخول إلى المدرسة الحربية في 
شهر أيلول عام 1961. إلا أن قراره هذا لم يلق تشجيع والده الذي أراد 
لابنه أن يكون محاميأء وقبل صدور نتائج امتحانات الدخول إلى الكلية 
الحربية» بدأ هشام جابر يسمع عن رشى مالية يدفعها المرشحون إلى 
بعض النافذين لقاء قبولهم في مدرسة الضباط. ولما لم يكن يريد لحلمه 
ان يضيع منه قرر الاستعانة بصديق والده تقي الدين الصلح؛ الذي 
كان على علاقة وثيقة برئيس الجمهورية فؤاد شهاب. اصطحب تقي 
الدين الصلح هشام جابر في سيارته إلى منزل رئيس الجمهورية في 
جونيه؛ هناك قال له اللواء شهاب: "عندما تصبح ضابطأ عليك ان 
تؤمن بأمرين أساسيين المحافظة على الوطن واحترام الكتاب'". وبعد 
خروجهما من عند رئيس الجمهورية سأل هشام جابر تقي الدين الصلح 
عما إذا كان الرئيس شهاب جاداً في مساعدته. فأجابه تقي بك قائلاً: 
ألم تسمعه عندما قال لك عندما تصبح ضابطأ". فأدرك عندئذ ان 
مسألة تحقيق حلمه هي مسألة وقت فقط. 

لم يكد يمضي ثلاثة اشهر على دخول هشام جابر إلى 
المدرسة الحربية» حتى وقعت محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها 


' الدستور. 
318 


الحزب السوري القومي الإجتماعي ضد حكم الرئيس فؤاد شهاب. كان 
لفشل الانقلاب» تداعيات كبيرة على القوميين فاعتقلت السلطات 
اللبنانية عدداً كبيرأً منهم وزجّت بهم في السجون, ولما لم تعد 
المعتقلات تتسع للمسجونين» جيء بقسم منهم إلى المدرسة الحربية 
حيث وضعوا في العراء في ملعب المدرسة الحربية وسط ظروف 
مناخية باردة» وكُلف التلامذة الضباط بحراستهم. في إحدى المرات 
وبينما كان هشام جابر يقوم بمهمته في حراسة المعتقلين ناداه احدهم 
وسأله إمكانية الحصول على سيجارة؛ وكان هذا السجين ينتمي إلى 
اسرة جابر من النبطية» وبالرغم من معرفة هشام جابر بالعقوبة القاسية 
التي سينالها في حال قام بتلبية طلب هذا السجين فأنه قرر المخاطرة 
وقام بإحضار عدد من علب الدخان للمعتقلين. من وراء السياج 
المحيط بملعب المدرسة الحربية وقف هشام جابر يتفرج على القوميين 
وهم يقفون بالصف لتناول السجائرء فتأكد له عندئذ ان كل ما كان 

لم تشمل الاعتقالات التي قامت بها السلطات اللبنانية بعد 
فشل محاولة الانقلاب القوميين فقط بل طالت أيضاً عدد من السياسيين 
المعارضين للرئيس فؤاد شهاب» ومن بينهم الزعيم الجنوبي 'كاظم 
الخليل" الذي جيء به إلى المدرسة الحربية» وكان هشام جابر يشاهده 
يوميأ وهو يسير تحت حراسة سجانيه إلى الحمام مقيد اليدين وفوهات 
البنادق مصوبة إلى ظهره. كما شملت الإجراءات الانتقامية التي قامت 
بها الحكومة اللبنانية بحق القوميين بعض التلامذة الضباط وقد صدرت 
بحقهم قرارات طرد من المدرسة الحربية بحجة وجود اقارب لهم في 
الحزب السوري القومي الإجتماعي. 

عام 1964 تخرج هشام جابر من المدرسة الحربية برتبة 
ملازم في سلاح المشاة إلا ان فرحته بالتخرج اتت ناقصة بسبب وفاة 


319 


والده قبل ستة اشهر من تخرجه. حدث آخر طبع دورة تخرجه أيضاً 
وهو غياب رئيس الجمهورية عن حفل تقليد السيوف للمتخرجين بسبب 
وعكة صحية ألمّت به؛ فحل مكانه رئيس الحكومة حسين العويني. 

بعد تخرجه من المدرسة الحربية تابع الملازم هشام جابر دورة 
عسكرية في فرنسا استمرت عامأ وبعد عودته إلى لبنان شكل إلى الفوج 
الرابع بقيادة المقدم عزيز الأحدب والذي كان مركزه في بلدة تبنين 
الجنوبية. وفي اثناء خدمته في الجنوب اندلعت حرب حزيران 21967 
فصار يذهب يومياً إلى بلدة الخيام الحدودية لمراقبة سير المعارك على 
جبهة الجولان السورية» وكانت ابرز تلك المعارك هي تلك التي جرت 
عند موقع 'تلة العزيزيات" الاستراتيجي والتي استبسل فيها السوريون ولم 
يستطع الإسرائيليون التقدم الا بعد ان دمروا المواقع السورية على هذه 
التلة تدميراً كاملاً بالطيران» وبذلك أصبحت الطريق مفتوحة امام 
الجيش الإسرائيلي للوصول إلى الجولان والقنيطرة. وهذه حقيقة أهملها 
التاريخ. 
المكتب الثاني يحرض الدنادشة على بعضهم. 

ثابر المكتب الثاني في عهد الرئيس شارل حلوء على التدخل 
في الشؤون السياسية الداخلية كما كان يفعل في عهد سلفه الرئيس فؤاد 
شهاب؛ وخاصة في موضوع الانتخابات النيابية» وذلك من منطلق 
سعيه الدائم إلى تعزيز نفوذ مناصريه في كافة المناطق اللبنانية على 
حساب المعارضين للسلطة. ممارسات المكتب الثاني ضد المعارضين 
لسياسته عاشها هشام جابر عندما كان آمراً لسرية الجيش في بعلبك. 

يومها كان المكتب الثاني يقف مع فضل الله دندش المعروف 
بولائه للسلطة في مواجهة عمه مصطفى طعان دندش الذي كان 
معارضاً لرئيس الجمهورية شارل حلو. وفي أحد المرات تلقى الملازم 
أول هشام جابر شكوى من المزراعين ضد المدعو 'ن. دندش" والذي 


320 


كان يقوم بمنعهم من الوصول إلى اراضيهم بسبب وجود خلاف قديم 
بين عشائر المنطقة على توزيع مياه الريء فأمر باعتقاله وخلال 
التحقيق معه راح 'ن. دندش" يتصرف بطريقة استعلائية واستفزازية فما 
كان من الملازم أول هشام جابر إلا ان صفعه على وجهه؛ وفي اليوم 
التالي اتصل مسؤول المكتب الثاني في البقاع النقيب نعيم فرح بالملازم 
أول هشام جابرء وابلغه انه منع ن. ش من تقديم شكوى بحقه إلى 
القضاء بسبب تعرضه له بالضربء وانه بالمقابل يطلب منه افتعال 
شجار مع زعيم الدنادشة مصطفى طعان دندش واهانته على مرأى من 
الناس» وكان الهدف من اهانة زعيم الدنادشة هو اضعاف هيبته امام 
مناصريه؛ على امل أن يؤدي ذلك إلى تحولهم عنه لصالح خصومه 
السياسيين والذين كانوا من انصار السلطة. رفض هشام جابر تلبية 
طلب النقيب نعيم فرح وقام بإعلام قائد منطقة البقاع العميد جان نجيم 
بهذه الواقعة» الذي طلب منه البقاء على مواقفه وعدم الرضوخ 
لضغوطات المكتب الثاني» وكان النقيب نعيم فرح قد بنى لنفسه نفوذاً 
واسعاً في منطقة البقاع» حت حتى ان رئيس مجلس النواب صبري حماده 
كان يزوره في منزله وعندما لم يكن يجده كان يجلس في الحديقة 
لساعات منتظراً عودته؛ وهذا ما دفع العميد ريمون اده إلى ان يطلق 
على نعيم فرح لقب "هتلر البقاع". وانتقاماً لرفض هشام جابر تلبية 
طلب "هتلر البقاع' قام المكتب الثاني بتلفيق تهمة له ادت إلى تأخير 
ترقيته لمدة ستة اشهرء وكانت هذه التهمة هي حضور حفل زفاف من 
دون اذن قيادة الجيش» مع العلم ان حضور الضباط لحفلات الزفاف لا 
يحتاج إلى أذن قيادة الجيشء» وبغية تشريع العقوبة جرى تحويرها في 
اضبارته العسكرية لتصبح "حضور إجتماع لحزب البعث العربي 
الاشتراكي"؛ وعلى الرغم من معاناته من تصرفات ضباط المكتب 
الثاني» فإن هشام جابر رفض الادلاء بشهادته ضدهم امام قاضي 


321 


التحقيق العسكري الياس عسافء وذلك في القضية التي عرفت بإسم 
قضية 'ضباط المكتب الثاني" في عهد الرئيس سليمان فرنجية» وذلك 
بالرغم من تهديد القاضي الياس عساف له بالادعاء عليه بجرم كتم 
معلومات. 

ومع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس شارل حلوء سعى المكتب 
الثاني إلى ان يظل ممسكاً بالسلطة من خلف الستارء وذلك من خلال 
ايصال رئيس موال له إلى الحكم هو الياس سركيسء والذي كان أحد 
ابرز المؤيدين للنهج الشهابي؛ وبغية تأمين وصول سركيس إلى كرسي 
الرئاسة راح المكتب الثاني يسعى إلى ازاحة كل المرشحين الاقوياء 
المنافسين لمرشحهمء وفي طليعتهم قائد الجيش العماد اميل بستاني» 
وكان اسم العماد بستاني قد برز كمرشح لرئاسة الجمهورية بعد ان 
تعرف اليه الرئيس جمال عبد الناصر واعجب به خلال ترؤسه الوفد 
اللبناني إلى مفاوضات اتفاقية القاهرة عام 1969»؛ كما اعجب به أيضاً 
المسؤولين البريطانيين والفرنسيين بعد زيارته لهم في اعقاب توقيع 
اتفاقية القاهرة. هذه العوامل مجتمعة جعلت المكتب الثاني يشعر بالقلق 
ويصمم على التخلص من مزاحمة العماد بستاني لمرشحه الياس 
سركيس. في المقابل كان العماد بستاني يشعر بما يدبر له. فأصدر 
قراراً بتشكيل كبار ضباط المكتب الثاني إلى مواقع أخرى وطلب من 
مدير مكتبه الملازم أول جوني عبده ابلاغه إلى من يعنيهم الأمرء 
ولكن جوني عبده استطاع اقناع قائد الجيش بتأجيل تعميم القرار حتى 
صباح اليوم التالي بحجة ان الوقت قد أصبح بعد الظهر وان المعنيين 
بالتبليغ قد غادروا مكاتبهم» وبعد ان خرج من مكتب قائد الجيش توجه 
جوني عبده إلى منزل مدير المكتب الثاني العقيد غابي لحود وأطلعه 
على مضمون قرار قائد الجيش وعلى الفور قام العقيد لحود بالاتصال 
برئيس الحكومة رشيد كرامي واخبره بما يعده قائد الجيش. لم ينتظر 


322 


رئيس الحكومة حتى صباح اليوم التالي ليقرر ما يجب فعله فسارع إلى 
دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد فور وفي نهاية الجلسة صدر قرار 
بإعفاء قائد الجيش من منصبه ووضعه بالتصرف. شكل هذا القرار 
مفاجأة كاملة للعماد بستاني والذي لم يعلم به الا من خلال التلفزيون. 
وبعد مضي عدة سنوات على هذه الحادثة التقى هشام جابر برئيس 
الجمهورية السابق شارل حلو في باريس الذي اعترف امامه بأن اقالة 
العماد بستاني كانت غلطة كبيرة وقعت فيها الحكومة اللبنانية وهي 
اضرت بمستقبل لبنان. 
حزب الكتائب يتسلم سلاحاً من السعودية 

عام 1974 انتقل النقيب هشام جابر إلى الشعبة الخامسة 
وأصبح مسؤولاً عن الإعلام العسكري وترافق إنتقاله إلى هذه المسؤولية 
مع جملة احداث شكلت مؤشرا على اقتراب موعد الحرب الاهلية في 
لبنان» وكانت إحدى هذه المؤشرات هي وصول سلاح إلى حزب 
الكتائب من المملكة العربية السعودية. 

كان النقيب جابر يقوم بمهامه كضابط دوام عندما اتصلت به 
غرفة العمليات وطلبت منه تأمين إرسال دورية من الشرطة العسكرية 
إلى نقطة المصنع عند الحدود اللبنانية السورية لمواكبة قافلة شاحنات 
سعودية كانت تحمل ذخائراً للجيش اللبناني. قام النقيب جابر بما هو 
مطلوب منه ولكنه انتبه بعد إرسال الدورية إلى انه لم يتم تحديد 
المخزن الذي يجب على الشاحنات افراغ حمولتها فيه؛ فعاود الإتصال 
بغرفة العمليات والتي كان جوابها: 'نبلغك لاحقأ". وكان الجيش اللبناني 
في ذلك الوقت يملك مخزنان للذخيرة الأول في بلدة 'بمريم' القريبة من 
حمانا والثاني في منطقة اللويزة المجاورة لليرزة وبوصول الشاحنات 
قرب حمانا طلبت منها غرفة العمليات متابعة طريقها وعندما وصلت 
إلى اللويزة توقفت دون ان تكمل طريقها نحو مخازن الجيشء» وفي نفس 
الوقت تبلغ النقيب جابر من غرفة العمليات أن مهمته قد انتهتء وهذا 

323 


وقد تبين في ما بعد ان الشاحنات لم تدخل إلى مخازن الجيش بل 
اكملت طريقها نحو سن الفيل حيث قامت بإفراغ حمولتها في 
مستودعات للأسلحة كانت تخص حزب الكتائب. 

ادى انحياز قيادة الجيش اللبناني الواضح إلى الاحزاب 
اليمينية وخاصة في الفترة التي سبقت الحرب الأهلية الى تململ في 
صفوف الضباط والعسكريين المسلمين والذي وصل الأمر ببعضهم إلى 
حد قيامهم بتنظيم حركة احتجاج في اليرزة طالبوا فيها بالعدالة في 
التعاطي بين العسكريين؛ وعلى الفور قامت مخابرات الجيش باعتقال 
المحتجين وعددهم ثلاثون عنصراً وبعد التحقيق معهم صدر قرار 
بطردهم من الجيشء وعندما وصل خبر الطرد إلى رئيس الحكومة 
رشيد كرامي اتصل بمدير الشعبة الثانية العقيد جول بستاني للأستفسار 
عن الموضوع. ادعى العقيد بستاني امام رئيس الحكومة جهله بالأمر 
وطلب منه إمهاله بعض الوقت لمعرفة الحقيقة» وبعد ان اقفل الرئيس 
كرامي سماعة الهاتف استدعى العقيد بستاني النقيب هشام جابر» 
وطلب منه ابلاغ رئيس الحكومة في حال اتصل ثانية بأن عدد 
المطرودين هو مئة عنصر وهم من مختلف الطوائفء وان طردهم جاء 
لأسباب مسلكية. قام النقيب جابر بتنفيذ بما امره به العقيد بستاني 
ولكنه شعر عندما كان يتحدث مع الرئيس كرامي بأن الاخير غير 
مصدق لما يقوله. وقد تأكد له الأمر عندما عاود الرئيس كرامي 
الاتصال به مرة أخرى وسأله عما اذا كان ما قاله له هو الحقيقة 
بعينهاء فطلب منه النقيب جابر موعداً لزيارته في منزله» حيث اخبره 
الحقيقة كاملة كما اطلعه على قصة الشاحنات السعودية. 
لجنة الارتباط... فتش عن العرب 

في مستهل الحرب الاهلية عُين النقيب هشام جابر ضابطأ في 
لجنة الارتباط برئاسة العقيد ديب كمالء والتي كانت مهمتها التنسيق 
مع اطراف الصراع في الامور الانسانية والحياتية ومحاولة التوصل إلى 

2324 


وقف لإطلاق النار. خلال عمله في لجنة الارتباط امكن للنقيب هشام 
جابر التثبت من خلال بعض الوقائع والمشاهدات» بأن هناك جهات 
عربية كانت ضالعة في تأجيج نار الحرب في لبنان. ففي أحد المرات 
تبلغ النقيب جابر عن اختفاء شخصين من الجنسية المصرية في ساحة 
البرج» فظن للوهلة ان حزب الكتائب هو المسؤول عن خطفهماء لكن 
نائب رئيس الحزب 'جوزف شادر": اكد له ان لا علاقة للحزب 
باختفائهما نظرا للعلاقات الجيدة التي تربط رئيس الحزب الشيخ بيار 
الجميل بالرئيس المصري انور السادات خاصة بعد ان اتخذت الحكومة 
المصرية موقفا مؤيداً للجبهة اللبنانية في صراعها مع الفلسطينيين» 
وبنتيجة البحث تبين ان الشخصان المفقودان هما من المخابرات 
المصرية؛ وانهما حضرا إلى لبنان في مهمة امنية» وانهما كانا مراقبان 
من قبل حركة فتح التي قامت بخطفهما. 

وخلال أحد جولات الحرب الاهلية اتصل أحد ضباط قوى 
الامن الداخلي بلجنة الارتباط» وابلغ النقيب هشام جابر عن وجود 
قناص في منصطقة الطيونة يقوم بإطلاق النار على شارعي عمر بيهم 
وسامي الصلح في وقت متزامن. طلب النقيب جابر من الضابط 
المذكور اعتقال القناص وإطلاق النار عليه في حال رفض الاستسلام» 
وبعد قليل عاود الضابط المذكور الاتصال بالنقيب جابرء وابلغه انه 
تلقى امرأً من جهات عليا بترك القناص يذهب في حال سبيله» بعد ان 
تبين انه تابع لجهاز مخابرات عربيء؛ وخلال إحدى جولات الحرب 
توصلت لجنة الارتباط إلى اقناع جميع الاطراف باعلان هدنة لمدة 
اربع وعشرين ساعة وذلك من اجل السماح للمواطنين الخروج من 
منازلهم للحصول على حاجاتهم الضرورية» ولكن هذه الهدنة لم تصمد 
اكثر من ساعة واحدة. اسقطتها منظمة الصاعقة عندما قامت بإطلاق 
قذائفها على المنطقتين الشرقية والغربية في وقت واحد من مربض 


325 


مدفعية في بيت مري. 

كان عمل لجنة الارتباط يجري وسط غابة من النيران 
والمسلحين» وفي ظل غياب كامل للقوانين والانظمة؛ مما كان يضطرها 
احياناً للجوء إلى قانون الشارع من اجل إنقاذ حياة بعض المخطوفين؛ 
كما حصل عندما قام مسلحون في زغربًا باختطاف شابين طرابلسيين 
من آل علم الدين» وبالرغم من كل الجهود التي بذلتها لجنة الارتباط 
فأن الخاطفين رفضوا إطلاق سراحهماء وبغية تدارك الاسوأ قام النقيب 
هشام جابر باستدعاء المدعو "ابو خليل الزعموط' وهو أحد قبضايات 
الاحياء في طرابلس وكان يعمل مع الشعبة الثانية أيضا وطلب منه 
القيام بخطف اشخاص زغرتاويين يسكنون في طرابلس» وابقائهم 
محتجزين لديه لحين الإفراج عن الشابين الطرابلسيين. قام "الزعموط" 
بتنفيذ المطلوب منه؛ وكان من بين المخطوفين لديه طبيب زغرتاوي 
معروف يقيم في طرابلس. اعطت العملية مفعولها وتم الافراج عن 
الشابين الطرابلسيين مقابل إطلاق سراح المخطوفين الزغرتاويين وخلال 
عمله في لجنة الارتباط أيضأ عاين هشام جابر مدى خضوع احزاب 
الحركة الوطنية لسيطرة المنظمات الفلسطينية. كان هشام جابر في 
طرابلس عندما دعي لحضور إجتماع للقيادة المشتركة لأحزاب الحركة 
الوطنية والمقاومة الفلسطينية كان مخصصاً للبحث في الشؤون الحياتية 
للمواطنين» وفي اثناء الإجتماع قام أحد مسؤولي الحركة الوطنية بشن 
حملة كلامية عنيفة على الجيش اللبناني الأمر الذي اثار اعتراض 
النقيب جابر ودفعه للتهديد بالانسحاب من الإجتماع اذا لم تتوقف 
الحملة على الجيش. ولكن أحد مسؤولي حركة فتح ويدعى 'أبو صالح" 
طيب خاطره ودعاه إلى اكمال الإجتماع حتى نهايته. وعندما اعترض 
أحد مسؤولي أحد احزاب الحركة الوطنية على كلام "أبو صالح". 
تصدى له مسؤول حركة فتح في طرابلس وقال له: "اسكت ولاه؛ نحنا 


326 


هون منقررء وعندما يتكلم الأخ أبو صالح كلكم بتخرسو". وبالفعل التزم 
جميع مسؤولي الاحزاب الصمت ولم يتجرأ احدأ منهم على الرد. 

كان من شأن استمرار الحرب العبثية في لبنان» ان تولد حالاً 
من الاحباط عند النقيب هشام جابر أصبح معها يفكر بالهجرة من 
لبنان. برز هذا الشعور اكثر ما برزء عندما شاهد زملاء له يقفون في 
أحد الليالي على سطح مبنى قيادة الجيش في اليرزة وهم يحصون 
القذائف المتساقطة على المنطقتين الشرقية والغربية» دون ان يكون في 
وسعهم فعل أي شيء لوقف الحرب. فكانت ردة فعله هي ان دخل إلى 
مكتب رئيس الشعبة الخامسة العقيد جميل تقي الدين» وكان عنده 
بعض الضباط فدعاهم إلى القيام بتحرك من اجل وقف النزف الحاصل 
في البلادء وفي اليوم التالي استدعى رئيس الشعبة الثانية العقيد “جول 
بستاني" النقيب جابرء وقال له فيما يشبه التحذير: "خليك بشغلك وما 
توجع راسك بأمور أخرى'؛ وبالرغم من إلتزام النقيب جابر بالتحذير 
الموجه اليه فإن العقيد بستاني ظل متوجسا منه وقرر ابعاده خارج 
لبنان بشكل مؤقت. فاستدعاه وابلغه قرارأ بإرساله في دورة عسكرية إلى 
الولايات المتحدة الأميركية. اعتذر النقيب هشام جابر عن السفر بسبب 
عدم رغبته في ترك والدته التي كانت تسكن معه وحيدة في ظل 
الظروف الامنية الصعبة التي كانت تعيشها البلاد» وبالتالي هو لم 
يذهب إلى السفارة الأميركية لإجراء الاختبار الخاص بالمرشحين 
للدورة» ولكنه فوجئ بعد يومين بحضور ضباط أميركيين إلى وذارة 
الدفاع لإجراء الامتحانات له؛ وذلك بناء على طلب من العقيد جول 
بستاني. 

سافر النقيب جابر إلى الولايات المتحدة حيث بقي هناك مدة 
عام» وبعد انتهاء الدورة قرر تقديم استقالته من الجيشء والانصراف إلى 


:سا صات 


تأسيس مشروع تجاري خاص به في افريقياء وبعد فترة قضاها في 


327 


انتظار قرار الحكومة اللبنانية بقبول استقالته. عاد إلى بيروت لمتابعة 
الموضوع مع قيادة الجيش حيث التقى بقائد الجيش العماد فيكتور 
خوري الذي أقنعه بالعودة إلى ممارسه مهامه في الشعبة الخامسة 
بانتظار ان يبت مجلس الوزراء في جميع طلبات الاستقالة المقدمة اليه 
من عدد من الضباط» وبعد فترة صدر قرار مجلس الوزراء برفض 
استقالة النقيب جابر الذي التزم بالقرار. 

كان رئيس الشعبة الخامسة الرائد محمود مطرء يشكو دائماً 
من عدم موافقة قيادة الجيش على طلبه تخصيص مبلغ مالي لإقامة 
علاقات مع الصحافيين» وبعد محاولات عديدة قام بها مع قيادة الجيش 
تمت الموافقة على تخصيص مبلغ 600 الف ليرة لبنانية سنوي يُدفع 
لبعض الصحافيين ووسائل الاعلام من اجل نشر اخبار للجيش .له 
مصلحة في نشرها لكن من دون ان يظهر بأنه مصدر الخبرء وكانت 
المبالغ المدفوعة تتراوح ما بين ثلاث مئة ليرة وثلاثة آلاف ليرة لبنانية 
للخبر بحسب مكانة الصحيفة والوزن الاعلامي للصحافي. 

كان اكثر ما يزعج قائد الجيش العماد فيكتور خوري في تلك 
المرحلة؛ هو شعوره بعدم قدرته على فرض سلطته على مدير الشعبة 
الخامسة الرائد محمود مطر ومدير المخابرات العقيد جوني عبده, 
فالرائد مطر كان معروفأ عنه علاقته الجيدة برئيس المخابرات السورية 
في لبنان العميد محمد غانم؛ اما العقيد جوني عبده فكان يتلقى أوامره 
مباشرة من رئيس الجمهورية»؛ وفي أحد المرات دخل النقيب جابر على 
قائد الجيش فوجده في حال من الضيق وعندما سأله عن السبب اجابه 
قائلا: "نحن ندفع لمحمود مطر فيما هو يعمل ضدنا"» فاقترح النقيب 
جابر عليه محاسبة الرائد مطر اذا كان يجده مخطدأ فأجابه العماد 
خوري قائلاً: “بدك ياني حاسبه وشو بعمل بصديقه المفوض السامي' 
وكان يقصد بالمفوض السامي "العميد محمد غانم'". 


328 


كان العماد فيكتور خوري خلال توليه قيادة الجيش» يمارس 
سياسية تدوير الزوايا مع كل الفرقاء السياسيين» وكان رأيه ان هذا 
الاسلوب هو الانسب للمحافظة على المؤسسة العسكرية في ظل 
الظروف التي كانت تعيشها البلاد في تلك الفترة. وقد ظهر هذا 
الاسلوب واضحاً عندما اجتاحت شاحنة تابعة لحركة فتح مجموعة 
عسكرية للجيش اللبناني كانت تقوم بممارسة الرياضة الصباحية بالقرب 
من ثكنة هنري شهاب مما ادى إلى استشهاد ضابط وثلاث جنودء 
وعندما وصل الخبر إلى النقيب هشام جابرء قام بصفته مسؤولاً عن 
الاعلام العسكري بكتابة بيان ينعي فيه الشهداء الاربعة ويدين الحادث 
بشدة» ولكن قائد الجيش رفض السماح بنشر البيان بالشكل الذي صدر 
فيه بحجة أنه لا يريد مشاكل مع الفلسطينيين» وطلب من النقيب جابر 
اجراء تعديلات عليه. لكن النقيب جابر خالف قائد الجيش رأيه واصر 
على ضرورة صدور البيان من دون تعديل وذلك احتراماً لدماء 
الشهداءء عندئذ طلب منه العماد خوري مراجعة مدير المخابرات العقيد 
جوني عبده بالموضوع. لم يكن جوني اقل تحفظأ من قائد الجيشء وبدا 
من حديثه انه حريص على عدم اغضاب ياسر عرفات» وبغية التخلص 
من الاحراج قام جوني عبده بإحالة البيان على نائب مدير المخابرات 
العقيد نبيه فرحات الذي امر بنشره من دون تعديل. احدث البيان ردة 
فعل غاضبة عند ياسر عرفات فاستدعى مدير الاخبار في تلفزيون 
لبنان عرفات حجازي وقام بتوجيه لوم قاس اليه لسماحه بإذاعة البيان. 

خلال عمله في الشعبة الخامسة؛ تعرف الرائد هشام جابر إلى 
الصحافي اللبناني الكبير سليم اللوزني صاحب مجلة الحوادث. وارتبط 
معه بعلاقة صداقة وثيقة. كان سليم اللوزي صحافيا جريئا إلى حد 
التهورء فهو لم يكن يوفر في انتقاداته ايأ من القادة العرب فهاجم 
الرئيس حافظ الأسدء كما انتقد بشدة عدة مرات الرئيس الليبي معمر 


2329 


القذافي ناعتأ اياه 'بأبن اليهودية". كما لم يسلم من قلمه اللاذع أيضاً 
مدير المخابرات السعودية كمال ادهم . هذه العوامل مجتمعة جعلت 
من دم سليم اللوزي؛ مهدوراً من قبل اكثر من نظام عربي. وخلال حفل 
عشاء اقامه الرائد هشام جابر في فندق كورال بيتش"؛ حضره ياسر 
عرفات والقيادي في حركة فتح 'أبو حسن سلامة" وسليم اللوزني راح 
الاخير يهاجم بشدة سياسة منظمة التحرير الفلسطينية» متهماً القادة 
الفلسطينيين» بالتقصير في شرح القضية الفلسطينية للرأي العام الغربي» 
وخاصة الأميركي, داعياً اياهم الى بناء مؤسسات اعلامية ناطقة 
باللغات الاجنبية مهمتها التوضيح للرأي العام الغربي حقيقة القضية 
الفلسطينية". وبعد ما انهى اللوزي كلامه علق أبو حسن سلامة قائلاً: 
'نحن مش فاضيين للأميركان". فأجاب سليم اللوزي بحدة: "انت فاضي 
للنسوان فقط"» وكانت مجلة الحوادث بسبب الاحداث الامنية في بيروت 
قد قامت بنقل مكاتبها إلى لندن» وأصبح سليم اللوزي يتردد إلى 
العاصمة اللبنانية» بين الحين والآخرء وبالرغم من الحراسة المشددة 
التي كان يحيط بها نفسه اثناء وجوده في بيروت» فأن سليم اللوزني كان 
يصر دائما على النقيب جابر ان يرافقه إلى مطار بيروت بعد انتهاء 
زيارته إلى لبنان. وقبل اغتيال سليم اللوزي بأيام قليلة اتصل مجهول 
كان يتكلم باللهجة اللبنانية بهشام جابر ونصحه بالابتعاد عن سليم 
اللوزي بحجة انه عميل للرجعية العربية» وعشية اختطافه اتصل سليم 
اللوزني بهشام جابر وطلب منه ان يكون جاهزاً لمرافقته إلى المطار في 
صباح اليوم التالي» لكن الرائد جابر اعتذر بحجة وجود ارتباط سابق 
لديه؛ الا انه في اليوم التالي عاد وغير رأيه واتصل بمنزل اللوزي في 
بيروت فعلم انه في طريقه إلى المطار فلحق به؛ وعندما وصل إلى 
مدخل المطارء وجد مدير تحرير "الحوادث" ريمون عطالله يقف على 
الرصيف» وهو في حال من الارتباك والقلق الشديدء فعلم منه ان 


330 


مسلحين مجهولين» خطفوا سليم اللوزني وزوجته واتجهوا بهما إلى جهة 
مجهولة. وبعد ساعات افرج عن زوجة للوزي فيما بقى مصير زوجها 
مجهولًء بقي مصير سليم اللوزي مجهولاً إلى ان عثر أحد الرعاة على 
جثته مرمية ومشوهة في احراج عرمون ولم يكد يمضي يومين على 
العثور على جثة اللوزي حتى وُجد الراعي الذي عثر عليها مقتولاً في 
ظروف غامضة:؛ وهذا وقد تبين من التحقيق ان الزعيم الليبي معمر 
القذافي طلب من أحد المنظمات الفلسطينية» تصفية سليم اللوزي لقاء 
مبلغ كبير من المال وان العملية قد تمت بالتعاون مع جهاز مخابرات 


عربي. 
السوريون يجبرون تقي الدين الصلح على الاعتذار عن 
تشكيل الحكومة 


بعد استقالة الرئيس سليم الحص من رئاسة الحكومة عام 
9 جرى تكليف الرئيس تقي الدين الصلح تشكيل الحكومة جديدة. 
كان تقي الدين الصلح رجلاً وطنياً بامتياز ومحبوبأ من جميع قادة 
البلادء ولكن مع ذلك فانه لم يستطع تشكيل الحكومة لوجود فيتو سوري 
عليه كان سببه صداقته للنظام العراقي والذي كان خصمأ لدوداً للنظام 
السوري في ذلك الوقت. 

بدأ السوريون حملة اعتراضهم على تقي الدين الصلح» من 
خلال المقدم محمود مطرء الذي جاء إلى مكتب الرائد هشام جابرء 
وطلب منه ان ينقل نصيحة للرئيس المكلف. بعدم الاستمرار في 
مساعيه لتشكيل الحكومة لأن مصيره سيكون الفشلء ولكن الرائد جابر 
لم يقم بما طلبه منه محمود مطر مما دفع الاخير بالعودة إلى مكتب 
الرائد جابر ثانية» والطلب منه ابلاغ الرئيس تقي الدين الصلح عن 
لسان "العميد محمد غانم' بأن سوريا حريصة على حياته» ولكنه في 
حال اصراره على المضي في مشاوراته لتشكيل الحكومة» فإن امنه 

331 


0 تحذير العميد محمد غانم نقله هشام جابر إلى ابن 
شقيق تقي الدين الصلح المفكر المعروف الأستاذ منح الصلح الذي 
7 الرئيس تقي الدين الصلح به. وبعد مضي عدة 
ايام على هذا التحذيرء وقعت حادثة اغتيال نقيب الصحافة رياض طه 
في بيروتء: فتوجه الرئيس ند تقي الدين الصلح إلى بلدة الشهيد في 
الهرمل للمشاركة في مراسم التشييع» وبوصوله إلى مدخل البلدة حدث 
هرج ومرجء واطلقت النار فوق رأس تقي الدين الصلح. عندئذ قرر 
هشام جابر انه لا بد من ابلاغ رئيس الحكومة المكلف برسالة محمد 
غانم» وفي اليوم التالي وهو في طريقه اليه سمع هشام جابر من الراديو 
خبر اعتذاره عن تشكيل الحكومة. 
سيدى الرئيس: "تحن شهود زور" 

عام 1982 وبعد ان خرج الجيش الإسرائيلي من بيروت 
دخلها الجيش اللبناني لحفظ الامن بمعاونة قوات فرنسية وأميركية 
وايطالية اطلق عليها اسم القوات المتعددة الجنسيات. وفي اطار 
التنسيق بين الجيش اللبناني وقوات المارينز الأميركية العاملة في اطار 
القوة المتعددة الجنسيات؛ قامت قيادة الجيش اللبناني بتعيين الرائد هشام 
جابز ضابط ارتباط بين الطرفين وكان مقره في منطقة الرمل العالي 
القريببة من مطار بيروت الدولي» في تلك الفترة شهد الوضع الامني في 
لبنان تدهوراً خطيراً بين الجيش اللبناني والاحزاب المعارضة للرئيس 
الجميل قام خلالها الجيش اللبناني بقصف احياء الضاحية الجنوبية 
بالمدفعية الثقيلة والصواريخ والتي كان معظمها أميركي الصنع. هذا 
المشهد وجد فيه الرائد هشام جابر اشارات شوم عديدة على مستقبل 
القوات المتعددة الجنسيات في بيروت. وهو قام بنقل رؤيته هذه إلى 
قائد قوات المارينز في بيروت العقيد "غيرتي" فقال له في صبيحة يوم 
كانا يتمشيان فيه سوية في باحة مقر قيادة المارينز في بيروت: 'ان 

332 


الناس هنا تموت بقذائف أميركية الصنعء وان ذلك قد يجعلهم ينقلبون 
عليكم في أي لحظة:؛ لذا وجب عليكم التكلم مع قائد الجيش العماد 
ابراهيم طنوس أو رئيس الجمهورية أمين الجميل» من اجل وقف هذه 
المجزرة". تحذيرات الرائد جابر اخذها الضابط الأميركي على محمل 
الجدء وقام على الفور بالتوجه إلى غرفة عملياته برفقة الرائد هشام 
جابرء حيث اجرى اتصالاً مباشرأ بالرئيس الأميركي رونالد ريغن قال 
له فيه: "يبدو اننا قد تحولنا في هذا البلد إلى شهود زور الناس هنا 
تموت بقذائف أميركية الصنع". وبعدما انهى حديثه مع الرئيس ريغن 
التفت الجنرال "غيرتي" إلى الرائد جابر وقال له: "اطلب منك بأسم 
الرئيس الأميركي ابلاغ قائد الجيش اللبناني ورئيس الجمهورية بضرورة 
وقف القصف على الضاحية الجنوبية» والا فأن الحكومة الأميركية 
ستجد نفسها مضطرة لوقف شحنات الاسلحة إلى الجيش اللبناني'؛ 
وعلى الفور توجه الرائد جابر إلى قيادة الجيش وقام بابلاغ قائد الجيش 
العماد ابراهيم طنوس بمضمون الرسالة الأميركية. أبدى العماد طنوس 
تضايقه من الحال الذي وصلت اليه الامور ملقيأ بالمسؤولية على 
الرئيس أمين الجميل وكان اكثر ما لفت الرائد هشام جابر اثناء وجوده 
في مكتب قائد الجيش هو محاولة العميد "ع. ح» اقناعه بعدم ابلاغ 
العماد طنوس بمضمون الرسالة الأميركية وترك الأمور تجري كما هي. 

بعد وقوع الانفجار الذي دمر مقر الماريئنز في بيروت تبين ان 
أحد ضباط الأميركيين في بيروت قد اختفى ولم يعثر عليه بين 
الضحايا أو الجرحى؛ مما جعل المحققين يعتقدون ان له علاقة 
بالحادثة» وانه بعد ان نفذ جريمته قام بالتواري عن الانظار وظل هذا 
الاعتقاد سائداً إلى ان تلقي الرائد هشام جابر اتصالاً من مدير 
مستشفى الساحل الدكتور فخري علامة الذي طلب منه زيارته لأمر 
هام. في مستشفى الساحل علم الرائد جابر من الدكتور فخري علامة 


3233 


بوجود جريح أميركي في المستشفى قام بإحضاره أحد المواطنين بعد 
دقائق على وقوع الانفجار في مبنى المارينز بعد ان عثر عليه غائباً 
عن الوعي بالقرب من المكان الذي دمره الانفجار. وكان هذا الجريح 
هو نفسه الضابط الذي اختفى بعد الانفجارء وبعد ان اتضحت الصورة 
قام الرائد جابر باعلام السفارة الأميركية بالأمرء والتي ارسلت زوجة 
أحد دبلوماسييها وتدعى السيدة “بيو" إلى المستشفى متخفية بشخصية 
أحد اقارب الجريح؛ وهي ظلت إلى جانبه» إلى ان أصبح بالإمكان نقله 
إلى الخارج لاستكمال العلاج» حيث جرى اخراجه من المستشفى سرأ 
بواسطة سيارة تابعة للصليب الاحمر إلى المطارء ومن هناك تم اخلائه 
بواسطة طائرة عسكرية طبية إلى إحدى مستشفيات الجيش الأميركي 
في المانيا. 
حسين الحسيني رئيسا لمجلس النواب وهشام جابر نائبا 
لرئيس المخابرات على الورق 

بعد سقوط اتفاق السابع عشر من ايار اعتبرت سوريا والقوى 
الوطنية اللبنانية انه لم يعد جائزاً بقاء كامل الاسعد رئيس لمجلس 
النواب نظراأً للدور الذي لعبه في اقناع النواب في التصويت على هذا 
الاتفاق. وعلى ضوء هذا المشهد بدأ البحث عن رئيس جديد للمجلس 
فوقع الاختيار على النائب حسين الحسينيء؛ والذي كان من النواب 
القلائل الذين وقفوا ضد اتفاق السابع عشر من ايارء كما انه كان من 
النواب الذين امتنعوا عن التصويت لبشير الجميل؛ وكان بشير قد حاول 
اقناع حسين الحسيني بالتصويت له وهو اجتمع به لهذه الغاية في 
منزل النائب طارق حبشي ولكنه لم يفلح في اقناعه. وبعد انتهاء 
الإجتماع غادر الحسيني إلى بيروت الغربية» ولكن حاجز القوات 
اللبنانية في منطقة المتحف. منعه من اكمال طريقه فعاد إلى بعبداء 
حيث بات ليلته في منزل النائب جوزف سكاف. 

334 


لعب المقدم هشام جابر دورأ في انضاج طبخة وصول والد 
زوجته حسين الحسيني إلى رئاسة مجلس النواب من خلال الاتصالات 
التي اجراها بعدد من النواب من اجل اقناعهم بالتصويت للنائب 
الحسيني» وذلك بالتعاون مع مدير المخابرات العميد سيمون قسيسء» 
ومدير مخابرات جبل لبنان العقيد عز الدين نفاع. من جهته حاول 
رئيس حركة امل نبيه بري قطع الطريق على وصول حسين الحسيني 
إلى رئاسة مجلس النواب» وذلك من خلال ترشيح وزير الدفاع رئيس 
المجلس النيابي السابق عادل عسيران. ولكن هذا المسعى لم ينجح 
وذلك بسبب وجود اتفاق مسبق بين الرئيسين أمين الجميل وحافظ الأسد 
على اسم حسين الحسيني رئيساً لمجلس النواب. بعد انتخاب الحسيني 
رئيساً للمجلس وجد نبيه بري نفسه امام الأمر الواقع» فأعلن ترحيبه 
بوصول الحسيني إلى رئاسة مجلس النواب واصفا اياه في تصريح له: 
'بأنه ابن حركة امل". تصريح بري علق عليه الرئيس الحسيني في 
جلسة خاصة امام عدد من الاصدقاء بالقول: "من المؤكد انني ابن 
حركة امل ولكنه من المؤكد أيضأً ان نبيه بري ليس والدها". وكان 
النائب حسين الحسيني قد انتخب رئيس لحركة امل عام 1978 بعد 
اختفاء الإمام موسى الصدرء ولكنه عاد واستقال من منصبه؛ بعد ان 
تصدى لمحاولة ياسر عرفات توجيه دعوة إلى الرئيس الليبي معمر 
القذافي لزيارة لبنان» وكان من نتائج الخلاف بين حسين الحسيني 
وياسر عرفات وقوع اشتباكات بين حركة امل وعدد من المنظمات 
الفلسطينية» قام على اثرها الفلسطينيون بقصف منزل الحسيني في خلدة 
بالصواريخ؛ وفي مسعى لوقف التدهور بين الطرفين اجتمع الرئيس 
حافظ الأسد برئيس حركة امل حسين الحسيني؛ وطلب منه التفاهم مع 
أبو عمار. لكن الحسيني رفض الاقتراح مفضلاً الاستقالة من منصبه؛ 
على الدخول في مساومات مع ياسر عرفات. بعد استقالة الحسيني 


335 


اعلن نبيه بري ترشحه لرئاسة الحركة امل بدعم من السوريين 
والفلسطينيين» وبمسعى من رئيس الشعبة الخامسة في الجيش اللبناني 
العقيد محمود مطرء وكان العقيد محمود مطر قد لعب دور الوسيط 
بين بري ورئيس المخابرات السورية في لبنان العميد 'محمد غانم'» وهو 
استقبل نبيه بري عدة مرات في مكتبه في قيادة الجيش خلال فترة 
ترشحه لرئاسة حركة املء كما رافقه إلى إجتماع مع العميد محمد غائم 
في فندق السمرلاند' حضره المقدم هشام جابر. 

بعد انتخابه رئيسا لمجلس النواب قرر الرئيس الحسيني 
التعامل مع دمشق تعامل الند للند وهو لذلك لم يأخذ بنصيحة رئيس 
الحكومة رشيد كرامي باستشارة المسؤولين السوريين قبل طرح موضوع 
الغاء اتفاقية القاهرة على التصويت في جلسة عامة للمجلس النيابي 
وقال للرئيس كرامي انه يخشى في حال رفض السوريون الغاء الاتفاقية 
ان يصبح في موقع غير القادر على مواجهتهم؛ لذلك قرر ان يجعل 
من إلغاء الاتفاق امرأ واقعاًء وكان نائب الرئيس السوري عبد الحليم 
خدام قد صرح في وقت ساتق: 'بأن إلغاء اتفاق القاهرة هو شأن 
اقليمي". 

من جهة أخرى وجد مدير المخابرات العميد سيمون قسيس في 
انتخاب حسين الحسيني رئيسا لمجلس النواب فرصة مواتية» لإعادة 
وصل ما انقطع بين رئيس الجمهورية أمين الجميل وبعض الفعاليات 
الشيعية وخاصة بعد احداث السادس من شباطء وان افضل السبل 
لتحقيق هذه الغاية هي تعيين زوج ابنة رئيس مجلس النواب حسين 
الحسيني المقدم هشام جابر ناتباً لمدير المخابرات خلفاً للعميد نبيه 
فرحات؛ لكن المقدم جابر اعتذر عن قبول المنصب وقال للعميد 
قسيس"انه غير مستعد ان يضع رصيد علاقاته السياسية والإجتماعية 
والعائلية في خدمة الرئيس أمين الجميل خاصة بعد ان تكاثرت اغلاطه 


336 


السياسية". وبالرغم من اعتذاره عن تولي هذه المسؤولية فأن العميد 
سيمون قسيس قام باقناع قائد الجيش العماد ميشال عون بتعيين المقدم 
هشام جابر نائباً لرئيس المخابرات وقد اتى هذا التعيين في وقت كان 
فيه المقدم جابر يتابع دورة عسكرية في الخارجء وهو لم يعلم به الا من 
خلال مدير مكتب وزير الدفاع عادل عسيران العقيد اميل لحود الذي 
اتصل به لإبلاغه بالقرار» ومع ذلك فانه ظل مصراً على عدم تولي 
هذه المسؤولية وخاصة بعد موجة الاغتيالات التي طالت عدد من 
ضباط الجيش اللبناني» وذلك بعد شيوع انباء عن ضلوع مخابرات 
الجيش اللبناني في تفجير بئر العبد الشهير عام 1985 الذي استهدف 
العلامة محمد حسين فضل الله» وعلى ضوء هذا المشهد قام المقدم 
جابر بالاتصال بقائد الجيش العماد ميشال عون؛ وشرح له الاسباب 
التي تحول دون تسلمه لمنصب نائب مدير المخابرات. أبدى العماد 
عون تفهمه للأمرء وقام بإصدار قرار بتعيين هشام جابر مساعداً 
للملحق العسكري في فرنساء وبذلك بقي قرار تعيين العقيد هشام جابر 
نائبا لمدير المخابرات حبرا على ورق. 
الحل في إيران وليس في سوريا أو لبنان 

يعتز هشام جابر بالصداقات التي نسجها خلال فترة خدمته 
العسكرية مع عدد من الفعاليات السياسية والروحية في لبنان» والتي 
استمرت حتى بعد تقاعده من الخدمة؛ وكان من ابرز الذين عرفهم 
واقام علاقات وطيدة معهم هو العلامة محمد حسين فضل الله. في عام 
7 وبعد انتشار موجة خطف الرعايا الاجانب في لبنان حضر إلى 
بيروت رئيس تحرير مجلة “فرنسا والبلاد العربية" الصحافي الفرنسي 
'لوسيان بيترلان" والذي كان في نفس الوقت رئيس حركة التضامن مع 
البلاد العربية"؛ وفور وصوله اتصل بصديقه العقيد جابر وطلب منه 
تأمين موعد له مع العلامة "محمد حسين فضل الله" وكان 'بيترلان" 


337 


يحمل رسالة من رئيس وزراء فرنسا جاك شيراك الى العلامة فضل الله 
تتعلق بموضوع الرهائن الفرنسيين في لبنان. وافق العلامة فضل الله 
على استقبال 'بيترلان'» ولعب العقيد هشام جابر دور المترجم في هذا 
اللقاء. كانت الرسالة التي يحملها بيترلان» تتضمن طلبأ من رئيس 
الوزراء الفرنسي إلى العلامة فضل الله بالتدخل من اجل إطلاق سراح 
الرهائن الفرنسيين في لبنان. أبدى فضل الله استعداده للمساعدة في 
إطلاق سراح للرهائن الفرنسيين» ولكنه في نفس الوقت صارح ضيفه 
بأن حل قضية الرهائن هو في ايران وليس في لبنان» وتحديداً عند 
الرئيس الايراني 'هاشمي رفسنجاني" شخصياًء وان الافراج عن الرهائن 
الفرنسيين مرتبط بحل عدد من القضايا العالقة بين ايران وفرنساء 
وابرزها ملف اموال شاه ايران المحجوز عليها في المصارف الفرنسية 
وملف مساعدة فرنسا للعراق في حربه ضد ايران اضافة إلى قضية 
المعتقلين لدى السلطات الفرنسية بتهمة اغتيال رئيس الوزراء الايراني 
السابق 'شهبور بختيار"؛ ومن بينهم اللبناني انيس النقاشء بدوره أوض 

بيترلان للعلامة فضل الله ان فرنسا ابلغت ايران اكثر من مرةء 
استعدادها لإرسال ممثلين عنها إلى طهران من اجل بحث كل القضايا 
العالقة بين الطرفين» ولكن الحكومة الايرانية لم تتجاوب مع الطلب. 
فأبدى العلامة فضل الله استعداده للمساعدة في اقناع الحكومة الايرانية 
باستقبال ممثل عن الحكومة الفرنسية» وقام على الفور بالاتصال 
بالرئيس الايراني وتمنى عليه الموافقة على استقبال ممثلين عن 
الحكومة الفرنسية والاستماع إلى مطالبهم» وبعد عدة ايام وصل وفد 
فرنسي كبير إلى طهران واجتمع إلى الرئيس الايراني "هاشمي 
رفسنجاني" وعدد من كبار مسؤولي الدولة الايرانية حيث جرى الاتفاق 
على إجراء المزيد من المشاورات من اجل حل كل القضايا العالقة بين 
البلدين. شكلت هذه الزيارة مقدمة لزيارات أخرى قام بها مبعوثين 


3358 


فرنسيين إلى طهران؛ والتي افضت في نهاية الأمر إلى التوصل إلى 
الاتفاق على الافراج عن الرهائن الفرنسيين في لبنان» الذين عادوا 
جميعهم إلى بلادهم باستثناء "ميشال سورا" الذي كان قد توفي ودفن في 
أحد ضواحي بيروت الجنوبية. 
حافظ الأسد: 'تأخرتم لقد اتفقنا على اسم الياس الهراوي' 

في 1989/11/22 هز انفجار كبير منطقة الصنائع في 
بيروت استهدف رئيس الجمهورية رينه معوض وأدى إلى مصرعه؛ وفي 
اليوم التالي توجه رئيس مجلس النواب حسين الحسيني إلى دمشق 
حيث التقى الرئيس حافظ الأسدء وابلغه بأن النواب اللبنانيين توافقوا 
على انتخاب الياس الهراوي رئيسأ للجمهورية؛ على ان يجري الانتخاب 
قبل موعد دفن الرئيس الشهيدء وان المطلوب دعم سوريا لهذا التوجه. 
أبدى الرئيس الأسد تفهمه لموقف النواب اللبنانيين» ولكنه طلب امهاله 
بعض الوقت للتفكيرء ولاسيما ان القيادة السورية» لم تكن قد استفاقت 
بعد من صدمة اغتيال الرئيس معوضء الا ان الرئيس الحسيني اصر 
على الحصول على جواب فوري من الرئيس الأسد معتبرأ ان أي تأخير 
في انتخاب رئيس جديد للبلاد يعني تأخيراً في دفن الرئيس معوضء. 
وبعد مشاورات سريعة اجراها الرئيس الأسد مع عدد من اعضاء القيادة 
السورية» عاد ليبلغ الرئيس الحسيني موافقته على اسم الياس الهراوي» 
وفي نفس الليلة وصل إلى دمشق رفيق الحريري حاملاً معه اسم جان 
عبيد لخلافة الرئيس رينه معوضء لكن الرئيس الأسد ابلغه بأن 
الموضوع قد حُسم لصالح انتخاب الياس الهراوي» وكان الرئيس الشهيد 
رينه معوض قد زار دمشق اكثر من مرة قبل اتفاق الطائف برفقة 
الرئيس حسين الحسيني حيث التقيا معاون الرئيس السوري اللواء محمد 
ناصيف (أبو وائل) وخلال أحد هذه الزيارات دعى الرئيس حافظ الأسد 
رينه معوض وحسين الحسيني لتناول العشاء على مائدته» وقد شكلت 


339 


هذه الدعوة بداية تفكير الرئيس الأسد برينه معوض رئيساً للجمهورية 
في لبنان. 

بعد انتخاب الياس الهراوي رئيسا للجمهورية جرى تعيين العماد 
اميل لحود قائداً للجيش وكان اسم اميل لحود قد برز للمرة الأولى كقائد 
للجيش في عام 1984 وذلك خلال إجتماع بين الرئيس حسين 
الحسيني والرئيس السوري حافظ الأسد طرح خلاله حسين الحسيني اسم 
لحود قائدأ للجيش اللبناني. اسم الضابط اميل لحود كان قد سمع به 
الرئيس الحسيني للمرة الأولى من خلال صهره العقيد هشام جابر والذي 
كان بدوره قد تعرف إلى العميد اميل لحود بواسطة العقيد ادوار 
منصور. وافق الرئيس الأسد على اسم اميل لحودء ولعب الرئيس 
الحسيني دورأ اساسيأ في اقناع جميع الاطراف في لبنان بتبني هذا 
التعيين» ولكن الامور انقلبت في اللحظات الاخيرة عندما طرح الرئيس 
أمين الجميل اسم العميد ميشال عون قائداً للجيشء ولما لم تكن دمشق 
راغبة في تلك الفترة بحصول صدام بينها وبين رئيس الجمهورية 
اللبنانية فهي عملت على اقناع حلفائها في لبنان بعدم معارضة اسم 
ميشال عونء وقد ظل هذا الأمر مجهولاً للكثيرين إلى ان كشف عنه 
معاون الرئيس السوري حافظ الأسد اللواء محمد ناصيف في آب عام» 
8 خلال مأدبة غداء اقامها في دمشق حضرها القاضي نصري 
لحود والرئيس نجيب ميقاتي والعميد هشام جابرء يومها قال محمد 
ناصيف: 'لو وافق أمين الجميل على اسم لحود لكان لبنان قد تجنب 
حروبا كثيرة". 
هشام جابر ملحقاً عسكرياً في فرنسا.. دائماً هناك أول امرة 

بعد انتهاء معضلة العماد عون وخروجه من قصر بعبداء قرر 
قائد الجيش العماد اميل لحود تعيين مجلس عسكري جديدء واقترح على 
العميد جابر تعيينه عضوأ في هذا المجلس خفاً لللواء لطفي جابرء 

310 


لكن الاقتراح اصطدم بمعارضة الوزير نبيه بري والمفتي الجعفري 
الشيخ عبد الامير قبلان والإمام محمد مهدي شمس الدينء الذين ابلغوا 
رئيس مجلس النواب رغبتهم ببقاء اللواء لطفي جابر في المجلس 
العسكري» فاتصل عندئذ الرئيس الحسيني بقائد الجيش العماد اميل 
لحودء وتمنى عليه صرف النظر عن تعيين صهره العميد هشام جابر 
عضوأ في المجلس العسكري. وبعد ان تقرر إبقاء اللواء لطفي جابر 
في المجلس العسكريء اقترح قائد الجيش على العميد هشام جابر 
تعيينه ملحقأ عسكرياً في فرنساء واصدر قرار التعيين وقام بإرساله إلى 
وزير الدفاع ميشال المر لتوقيعه. لكن القرار نام في ادراج الوزير المر 
اكثر من شهرين دون معرفة الاسباب. إلى ان تبين ان الرئيس الهراوي 
كان قد طلب من ميشال المر تجميد القرارء ريثما يتمكن من مساومة 
الرئيس الحسيني على تمرير بعض القضايا في المجلس النيابي التي له 
مصلحة في تمريرها. لكن الحسيني لم يخضع للأبتزاز وفضل ان ينأي 
بنفسه عن هذا البازار. في هذا الوقت كان وجود العميد ادونيس نعمة 
ملحقاً عسكرياً في فرنسا يثير حساسية كل من الرئيس الهراوي وسفير 
لبنان في فرنسا جوني عبده ومع وصول الخلاف بين العميد نعمة 
والسفير عبده إلى مرحلة بات من الصعب ضبطها اتصل الرئيس 
الهراوي بالوزير المرء وطلب منه التوقيع على قرار تعيين العميد هشام 
جابر ملحقأ عسكرياً في باريسء وبعد ذلك قام الرئيس الهراوي 
بالاتصال بالعميد هشام جابر وقال له: 'يلاه خلصني روح على باريس 
وخلي هال.... يجي من هونيك". 

لم يكد يمر فترة طويلة على تسلم العميد هشام جابر لمنصبه 
الجديد في باريس حتى اخبره السفير جوني عبده ان الشيخ رفيق 
الحريري يرغب باللقاء به» وفي اليوم التالي اتصل سكرتير رفيق 
الحريري 'ربيع البرجي" بالعميد جابرء وابلغه بموعد اللقاء مع رفيق 


341 


الحريري في مكتبه في باريسء والذي لم يكن قد أصبح بعد رئيساً 
للحكومة بعد. 

استهل الحريري اللقاء بعرض خدماته على العميد جابرء الذي 
شكرو رمد عليه الاتكل» لتأمون«متحة دراسية. إلى فناة :من امنطقة 
النبطية» كان مدير مؤسسة الحريري مصطفى الزعتري قد رفض 
مساعدتها للدخول إلى الجامعة الأميركية في بيروت» بحجة ان والدها 
ميسور ماديا وبعد ان عرف رفيق الحريري ان ذوي الفتاة قد تراجعت 
احوالهم كثيرا نتيجة ظروف الحربء قام بالاتصال 'بالزعتري" وطلب 
منه تأمين منحة للفتاة المذكورة. بعد ذلك انتقل رفيق الحريري للحديث 
عن المساعدات التي قدمها لبقا اللبنانية في باريس من اجل تأثيثها 
من جديدء معربأ عن رغبته في تقديم مساعدة ممائلة لمكتب الملحقية 
العسكرية. شكر العميد جابر الرئيس الحريري على مبادرته» واشترط 
لقبول المساعدة ان تمر عبر مجلس الوزراءء وفي اليوم التالي التقى 
رفيق الحريري بجوني عبده وقال له ان هشام جابر قد رفض قبول 
مساعدته وانها المرة الأولى التي يرفض فيها احداً مساعدة منه. فأجابه 
جوني عبده: “دائما هناك أول مرة 

كان الملف الأول الذي انصرف العميد جابر لمعالجته؛ بعد 
تسلمه لمهامه في باريس هو ملف القرار الفرنسي بوقف المساعدات 
العسكرية للجيش اللبناني» وكانت فرنسا قد اعتبرت بعد الاطاحة 
بالعماد ميشال عون "ان لبنان لم يعد حرأ في قراراته وانه بات يخضع 
للوصاية السورية"» وبغية دفع الحكومة الفرنسية لتعديل قرارهاء قام 
العميد جابر بالاتصال ببعض الشخصيات الفرنسية الصديقة للبنان 
مثل دومينيك شوفالييه ولويس بيترلان» 'وعمل معها على تأليف لوبي 
فرنسي - لبناني مهمته الضغط على الحكومة الفرنسية من اجل تغيير 
سياستها في لبنان» نجح اللوبي في اقناع الحكومة الفرنسية في تغيير 


342 


سياستهاء وكانت اولى ثمار هذا التغيير هي الزيارة الرسمية التي قام 
بها رئيس الحكومة اللبنانية رشيد الصلح إلى فرنسا عام 1992.؛ والتي 
صدر على اثرها قرار من الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران برفع الحظر 
عن المساعدات العسكرية الفرنسية للجيش اللبناني» وفي اطار استكمال 
الحكومة الفرنسية لسياسة الانفتاح على لبنان» قرر المشرف على اجهزة 
الامن الفرنسية الجنرال 'فيليب روندو" القيام بزيارة إلى بيروت للإجتماع 
بالقادة الامنيين في لبنان. وكان العميد هشام جابر قد سبق الوفد 
الفرنسي إلى بيروت ليكون في استقباله. في اليرزة وجد العميد جابر 
قائد الجيش العماد اميل لحود ونائب مدير المخابرات العميد جميل 
السيدء في حالة ارتباك وكان سبب هذا الارتباك انهما لم يكونا يريدان 
لزيارة الوفد الفرنسي إلى بيروت ان تتم قبل ان تعلم بها دمشقء» وفي 
اثناء التداول في كيفية حل المشكلة اتصل العميد غازي كنعان بقائد 
الجيشء وابلغه ان الوفد الفرنسي موجود عنده في عنجر وانه سيقوم 
بمرافقته إلى بيروت. 

استهل الوفد الفرنسي زيارته إلى لبنان بلقاء عدد من القادة 
الامنيين» قبل لقاء رئيس الجمهورية الياس الهراوي بناء على طلب 
الاخير. بعد خروج الوفد من قصر بعبدا سأل العميد جابر الجنرال 
'روندو" رأيه بالرئيس الهراوي فأجابه: "انتم في لبنان لستم بحاجة إلى 
اكثر من هكذا رئيس". بدوره أيضاأ طلب رئيس الحكومة رفيق الحريري 
لقاء الوفد الفرنسيء وخلال اللقاء سأل الجنرال روندو الرئيس الحريري 
عن صحة ما يُحكى عن نية الحكومة اللبنانية سحب الملحق العسكري 
اللبناني من باريسء معلناً انه حال اقدام الحكومة اللبنانية على هذه 
الخطوة» فإن الحكومة الفرنسية قد تجد نفسها مضطرة لسحب ملحقها 
العسكري من بيروت. نفى الرئيس الحريري ان يكون لدى الحكومة 
اللبنانية نية بسحب ملحقها العسكري في باريسء» واوضح للوفد الفرنسي 


3243 


ان الرئيس الهراوي يفكر بتغيير عدد من الملحقين العسكريين في بعض 
عواصم القرار ومن وبينها باريس وواشنطن. 

وكان الهدف الحقيقي من اقدام الرئيس الهراوي على تغيير 
عدد من الملحقين العسكريين في بعض الدول الأميركية والاوروبية هو 
ازاحة الملحقان العسكريان في واشنطن وباريس العميد طنوس معورض 
والعميد هشام جابر من منصبيهما وذلك بسبب صداقتهما للرئيس اميل 
لحودء فهو كان يخشى ان يلعب طنوس ومعوض انطلاقاً من موقعيهماً 
في واشنطن وباريس دور في دعم انتخاب اميل لحود رئيس للجمهورية؛ 
في وقت كان فيه يسعى هو للتمديد. 
المال السائب.. 

في العام 1992 قررت الحكومة اللبنانية» عرض طائراتها 
الحربية من نوع 'ميراج 5" الفرنسية للبيع والتي كانت لا تزال بحالة 
جيدة بالرغم من قدمهاء ولكن فعاليتها القتالية كانت قد خفت كثيرا بفعل 
التقدم التكنولوجي الهائل التي شهدته انظمة الدفاع الجوي في العالم في 
العقدين الاخيرين» وبعد مفاوضات مع عدد من الدول التي تمتلك 
طائرات مماثلة وبحاجة إلى قطع غيارء تقرر بيع هذه الطائرات إلى 
دولة قطرء وجرى تكليف العميد هشام جابر باعداد ملف الصفقة» وفي 
نفس الوقت سافر وزير الدفاع اللبناني محسن دلول إلى قطر من اجل 
متابعة الموضوع مع الحكومة القطرية» وبعد انتهاء مهمته كملحق 
عسكري في باريس وعودته إلى بيروت ين العميد هشام جابر قائداً 
لمنطقة بيروت العسكرية» وفي تلك الفترة علم ان رئيس الوزراء 
الباكستاني سيقوم بزيارة إلى لبنان للتوقيع على صفقة شراء طائرات 
الميراج 3» وان السعر الذي دفعته الحكومة الباكستانية في هذه 
الطائرات هو اقل بكثير من الذي كانت قد عرضته قطر مما طرح 
عنده اكثر من علامة استفهام. 


344 


وكان العميد جابر قد تلقى عشية مغادرته نهائيا لباريس. 
اتصالاً من 'فرنسوا ديبون” وهو مدير أحد شركات الاسلحة في فرنسا 
الذي اخبره ان هناك مبلغ اربعين مليون فرنك فرنسي موجود في حساب 
شركته منذ عام 1983 وهو عبارة عن دفعة على الحساب سددتها 
الحكومة اللبنانية ثمن اسلحة ولكنها لم تقم حتى الآن بتحديد نوعية 
الاسلحة التي تريد: شرائهاء وان من واجبه إعادة المبلغ إلى الحكومة 
اللبئانية. 

فوجئ العميد جابر بهذه المعلومات؛ وطلب من "ديبون" كتاباً 
رسمياً بالموضوع, وبعد انتهاء مهمته في باريس عاد العميد جابر إلى 
بيروت وقام بتسليم كتاب الشركة الفرنسية إلى قائد الجيش العماد اميل 
لحود. وبعد ان امضى اسبوعان في بيروت قرر العميد جابر العودة 
إلى باريس لتسليم موجودات الملحقية العسكرية إلى السفير جوني 
عبده؛ وقبل سفره زار وزير الدفاع محسن دلولء الذي طلب منه تأجيل 
سفره لأن الرئيس الحريري يفكر بإعادته إلى منصبه في باريسء لكن 
جابر ابلغ وزير الدفاع انه قد قرر تمضية ما تبقى له من سنوات 
خدمته العسكرية في بيروت. وعلى متن الطائرة التي اقلته إلى باريس 
التقى العميد جابر بضابط في الجيش من آل خطيب والذي اخبره بأنه 
ذاهب إلى فرنسا بتكليف من وزير الدفاع لمتابعة موضوع ملف الاموال 
العالقة لدى شركة السلاح الفرنسية. استغرب العميد جابر هذا الأمرء 
وتساءل بينه وبين نفسه عن سبب عدم تكليفه هو بهذه المهمة, 
وخاصة ان وزير الدفاع يعلم انه مطلع اكثر من غيره على تفاصيل 
الملف. 

قبل ذلك كان العميد جابر قد اكتشف ان اموال الملحقية 
العسكرية في فرنسا والبالغة عشرة ملايين فرنك فرنسي» قد جرى 
ايداعها في حساب جار في أحد المصارف اللبنانية في باريسء الأمر 
الذي يحرم الملحقية من الاستفادة من الفوائد العالية التي كانت تمنحها 

345 


المصارف في باريس على الحسابات المجمدة» والتي تصل نسبتها إلى 
9 سنوياً. فاتصل بمدير المصرف وطلب منه تحويل هذه الاموال 
الحساب على حاله عارضاً عليه نسبة من الارباح. غضب العميد 
جابر لدى سماعه هذا الكلام وأنب مدير المصرف تأنيباً شديداً» بعد 
ذلك قام باطلاع السفير اللبناني في باريس جوني عبده على الموضوع 
والذي قام باستدعاء محاسب السفارة وطلب منه توضيحاً حول هذه 
الحسابات» فكان ان اكتشف ان اموال السفارة اللبنانية في باريس 
والبالغة ثلاث وعشرين مليون فرنك فرنسي هي الأخرى مودعة في 
حساب جار أيضاء وبنتيجة التحقيق تبين ان الموضوع كان قد جرى 
الاتفاق عليه بين المسؤول عن حسابات السفارة ومدير المصرف وذلك 
لقاء نسبة من الارباح يتقاسمها الطرفان خلافاً للقانون. 
اذا اردت ان تعين سفيرا عليك بمراجعة اللواء غازي كنعان 

كان موعد احالة العميد هشام جابر على التقاعد عام 1998 
قد اقترب عندما رغب بأن يختم حياته العسكرية في منصب مدير 
الادارة في الجيش خلفا للواء لطفي جابر الذي كان قد احيل على 
التقاعد,» فقصد لهذه الغاية رئيس الجمهورية العماد اميل لحود» وطلب 
منه المساعدة في تحقيق طلبه هذاء ولكن العماد لحود ابلغه ان 
الاختيار وقع على العميد ابراهيم عباس لتولي هذا المنتصبء وانه يفكر 
في تعيينه سفيراً للبنان في فرنسا من خارج الملاك. وبعد حوالي 
الاسبوع اتصل اللواء غازي كنعان بالعميد هشام جابرء وابلغه ان 
الرئيس نبيه بري غير موافق على تعيين العميد ابراهيم عباس في 
المجلس العسكري وانه يفكر في اقتراح اسمه وخاصة ان الرئيس نبيه 
بري يهمه ارضاء عائلة كبيرة في الجنوب كعائلة جابر. لكن العميد 
جابر اعتذر عن قبول العرض لأنه كان يريد ان يبقى على علاقة جيدة 
بالرئيس اميل لحود. 

346 


بعد طي صفحة تعيينه مديراً للإدارة في الجيش طلب العميد 
جابر من العماد لحود تنفيذ وعده السابق له بتعيينه سفيراً في الخارج؛ 
لكن الرئيس لحود راح يحاول التملص من الوعد بحجة ان هناك قراراً 
من رئيس الحكومة سليم الحص بتجميد التعيينات في السلك 
الدبلوماسي من خارج ملاك وزارة الخارجية. استغرب العميد جابر هذا 
التبرير وخاصة انه لم يكن قد مضى وقت طويل على تعيين مدير عام 
الامن العام السابق 'ريمون روفايل" سفيراً للبنان في تونس. فأجابه 
العماد لحود: "عليك مراجعة نبيه بري وغازي كنعان". 
رفيق الحريري: 'البحر لي' 

يضيء العميد هشام جابر على بعض الجوانب المتعلقة 
بعزوف الرئيس حسين الحسيني عن ترشيح نفسه لرئاسة المجلس 
النيابي عام 1992. بدأت القصة بزيارة قام بها رفيق الحريري إلى 
الرئيس حسين الحسيني محاولاً اقناعه بالموافقة على تمرير مشروع 
قانون في مجلس النواب يقضي بضم منطقة "النورماندي' الى املاك 
سوليديرء لكن الرئيس الحسيني رفض هذا الطلب مما اوقع جدلاً حامياً 
بينه وبين رفيق الحريري» قال خلاله الحريري للرئيس الحسيني: "انا من 
قام بردم البحر". فأجابه رئيس المجلس النيابي: "يمكنك ان تأتي 
بطائراتك وتزق الردميات". غضب الحريري لدى سماعه هذا الجواب 
وخرج من منزل الرئيس الحسيني وهو عازم على اسقاطه في 
الانتخابات اللبنانية القادمة وذلك بالتعاون مع اللواء غازي كنعان ونائب 
الرئيس السوري عبد الحليم خدام. وبالرغم من كل التدخلات التي قام 
بها غازي كنعان مع المفاتيح الانتخابية في منطقة بعلبك فأن الرئيس 
الحسيني استطاع الاحتفاظ بمقعده النيابي» عندئذ لجأ عبد الحليم خدام 
إلى الرئيس حافظ الأسد محاولاً اقناعه بأن وجود الحسيني على رأس 
مجلس النواب اللبناني لم يعد يخدم المصالح السورية في لبنان» وذلك 
بسبب خلافاته الدائمة مع رئيس الجمهورية الياس الهراوي ورئيس 

347 


الحكومة رفيق الحريري؛ وقبل يومين من موعد انتخابات رئاسة المجلس 
النيابي» تلقى الرئيس الحسيني دعوة لمقابلة الرئيس حافظ الأسد الذي 
سأله عن حقيقة خلافاته مع الرئيسين الهراوي والحريري كما ابلغه 
حرص سوريا على عودته إلى رئاسة المجلس النيابي؛» فأوضح الرئيس 
الحسيني للرئيس السوري ان المسألة ليست شخصية وانما اصل 
المشكلة يعود إلى محاولات البعض تفصيل قوانين على قياسهم 
الشخصيء فأجابه الرئيس الأسد قائلاً: "ان موقفك هذا فيه عرقلة 
للمصالح السورية في لبنان"؛ ففهم الرئيس الحسيني ان عليه سحب 
ترشيحه لرئاسة المجلس النيابي» فأعلن بعد عودته إلى بيروت عزوفه 
عن الترشح لرئاسة المجلس النيابي مما فتح المجال امام نبيه بري 
ليصبح رئيسا للمجلس النيابي. 

بعد انتخابات عام 2005 النيابية سرت اخبار في الاوساط 
السياسية بأن هناك اتجاهأ لأنتخاب الرئيس حسين الحسيني رئيساً 
للمجلس النيابي خلفأ للرئيس نبيه بري؛ وتعزز هذا الاعتقاد بعد الزيارة 
التي قام بها السيد "حسن نصرالله' إلى منزل رئيس مجلس النواب 
السابق حسين الحسيني في بعلبك؛ والتي ادلى بعدها السيد نصر الله 
بتصريح قال فيه:" ان الرئيس الحسيني هو كبيرنا ونحن وإياه على خط 
المقاومة", وعلى اثر هذه الزيارة تلقى العميد المتقاعد هشام جابر 
إتصالاً من السفير الأميركي في لبنان "جيفري فيلتمان' دعاه فيه إلى 
زيارته في السفارة الأميركية في عوكر. استقبل فيلتمان العميد جابر 
بحضور كل من المستشارين في السفارة 'لا0170// .© وفادي الحافظ' 
فيما تولت أحد الموظفات في السفارة تدوين وقائع الإجتماع على جهاز 
كمبيوتر. في بداية اللقاء سأل السفير فيلتمان العميد جابر عن رأي 
الرئيس الحسيني بما يجري من احداث على الساحة اللبنانية وعن 
موقفه من حزب الله. فأوضح له العميد جابر له بأنه ليس مخيولاً 
بالتحدث بإسم الرئيس الحسيني ولكنه يستطيع التأكيد بأن الرئيس 

328 


الحسيني وان كان يختلف مع حزب الله في بعض المواقف الداخلية الا 
انه يقف إلى جانبه في صراعه مع إسرائيل. وبعد عدة اسابيع على هذه 
الإجتماع بدات تظهر مواقف سياسية تؤشر إلى إمكانية عودة الرئيس 
الحسيني مجدداً إلى رئاسة المجلس النيابي وكان ابرز هذه المواقف 
هي التي صدرت عن النائب سعد الحريري ونائب الأمين العام لحزب 
الله الشيخ نعيم قاسم فنقل مقربون من سعد الحريري قوله بأنه لم يعد 
متحمسأً لأنتخاب بري رئيساً للمجلس النيابي. بدوره صرح الشيخ نعيم 
قاسم: "ان حزب الله لم يحدد موقفه بعد من قضية انتخاب رئيس 
لمجلس النواب"؛ ولكن هذه المواقف تغيرت فجأة وعادت كفة الرئيس 
نبيه بري لترجح من جديد؛ ونقل مصدر موثوق للعميد هشام جابر بأن 
الرئيس بري عندما احس ان عودته إلى رئاسة المجلس النيابي لم تعد 
مضمونة قام بالاتصال بالأميركيين واقنعهم بأنه الوحيد على الساحة 
الشيعية القادر على الوقوف بوجه جزب اللهء كما قام في نفس الوقت 
بالاتصال بكل من طهران ودمشق وعمل على اقناعهما بأن غيابه عن 
رئاسة المجلس سيفقدهما حليفا قوياً على الساحة اللبنانية عامة 
والشيعية خاصة. 

وبعد إعادة انتخاب بري رئيس للمجلس النيابي التقى العميد 
هشام جابر بالسفير جيفري فيلتمان في حفل زفاف 'نصري نصري 
لحود" فأبدى فيلتمان اسفه لعدم انتخاب حسين الحسيني رئيساً لمجلس 
النواب» وقال للعميد جابر: "ان القرار بإعادة انتخاب بري جاء من وزارة 
الخارجية الأميركية؛ والتي بعد ان حزمت أمرها بتأييد بري قامت بابلاغ 
رغبتها هذه الى المملكة العربية السعودية؛ والتي بدورها طلبت من سعد 
الحريري اعلان تأييده لنبيه بري". 


349 


3؟» 69> ع 


لله ذقه م عنثك 
شبيره ٠‏ ن مسحل سطلش» عدم مع عل 
. عق ناسيك تاكس ء/ 
يرف 'لهاد. 


يل صزه الطدمائته؛ ضرا مب اماس موردف 


م بمبررع ه56 دق الوؤسم الى دعوط 


عملم د تجميي لحي متعاوم ثذات 


ملل ه»© سسنم 


350 


14 18101104 له ه21) 110 4171191/13001 .1 له 210116 


200128 36 26ج 601 مم وأهمونةا علاابمانية هوا رضة صنل قرام نوو 
معصماة؟ 61 ماكماءاندة و بماع مقط ججنون صماحم مها بواوق مل مجه سوم واد وريولورهع 
.لمهم سوك 4ه ويه لوعو يق وممه ها 


من »نوم 1983 مه معوة ها ع06ه وكمولة تالاجم هوا ولأعالالاه محتوعكمل ها عجوم 
هل اممكهلهم ١6‏ .96 95 ف وشابعقنه 66 اين معموم هل لمملقتام سل الساحمم 
6 وومذأاع هما 6165انة 5ه وتامه مولأماعموقم هل أولططلن'! )ئها 8 كقة 460 موطاين) 

١‏ 6 الاننوصييهم 86 2616 6ه وبنهم يرول 


,1983 هل م1م1مق هها كولمامة 06 1ه معلحهها م0 661 معناذا ان 66 ممجو! ها 06 1715064816 
: مويو 00586 جوم اأوييع أنيو هه 


هه ااوامو 0610 لوجريوع '0 . 
ومالوت00 هل )نوم كاثة 40 موعايجة السمماهال6مما بووهوقل هل . 
كأهمهطن) مامعه] نل وممناعين؟ من عل0610 6 اماع66 أنن مم لمتممهن 
اود ساون اراب لرواو نات واي جد مهاتأ مهام أن سات مويه أ لجا سيت 
.3 © تأستامع مول المرولوة ها سبع مالواه)لن مملعويعمك مايه 
قعو6 06 لوأممنه مص نهم حاويها ها نوعيقو6عم هل #ولأمقووع6م عوو0 )هه لا 


نال 6267 يرث ومصم ع 0ه هللواجض0)0 مالعا ها اوينج للمويمههجا علوصيمم أعهاله 
مج أن 66002 بع ملوان مص ل مم20 ها ولللموعم 66 منمامهحاتا وبع وبي يه 


.مواطندمموأل وؤعقاعم مهل امماك70 وا هم ووؤم هط 


3 وبطمهواممع 24 


351 


مذكرة لعناية الجنرال هسام جابر 


منذ أكثر من عام؛ إلتفث السلطات اللبنائية والفرنسية مرات عديدة في محلولة لحل النزاعات المالية القائمة 
وإعادة إطلاق التعلون بين الدرلتين. 


على الصعيد العسكري؛ نفذت حواقى 9695 من العقود المبرمة مع الدولة الفرنسية في العام 1983 وقيمتها 
تقريباً مليار فرنك فرنسي. لما المتأخرات (التي بلخت تقريباً 450 ألف فرنك) فقد كانت موضوع مفاوضات بين 
السلطات المالية للبلدين ويبدو أنّها مستمرة بصورة عادية. 


من مصلحة فرنسا ولبنان إنهاء العقود المبرمة في العام 1983 وحلها تمامأ مما قد يزدي بانتالي إلى: 


- تدفيق الحسابات بشكل نهائي 
- إستخلاص على الفور حوالى 40 ألف فربك لأوامر طلب جديدة تحدد تبعا للحاجة اللبنانية. 


غير أن الحملة الصحفية التي تشن بشأن طائرات الهليكوبئر التي وفرتها فرنسا تمنع أي نقاش رسمي لحل 
وتسوية العقود المبرمة في العام 1983. 
لذلك» لا بذ من تمهيد الطريق بمهمة ذات نوايا حسنة. 


وقد تهدأ هذه المهمة قبل الزيارة الرسمية التي سيقوم بها رئيس الحكومة اللبنانية إلى فرنسا وتتخذ شكل زيارة 
إلى قائد الجيش اللبنائية حيث سنعرض معه! أولاً الرصيد المتوفرء وثأنيأء الدراسة المعدّة لإعادة تأخيل حديقة 
المدرعات من أصل فرنسي؛ بما في ذلك تقديم المساعدة التقنية والمساعدة في إعادة إطلاق ورش الصيانة» 
وكلّ ما يمكن تمويله بالمبلغ المتوفر من المتأخرات. 


4 أيلول/سبتمير 1993 


352 


فؤاد أبو ناضر 
يحلل كل حروب المسيحيين 


طرد هن المدرسة ومعارك في الدكوانة 

باكرا وجد عالم الطب مساحة له في 
وعي فؤاد أبو ناضرء ألعابه في الصغر عكست 
شغفه بعالم الجراحة والجراحين؛ في 'مدرسة الجمهور" التي درس فيها 
اثار نشاطه الحزبي المؤيد للكتائب اللبنانية اعتراض اداراة المدرسة 
فاتخذت قرارأ بطرده من المدرسة» لكن هذا القرار لم يؤثر على نشاطه 
الحزبي بل زاده تعلقاً بحزب الكتائب» فكان يذهب في العطل المدرسية 
إلى بيت الكتائب المركزي ويساعد 'فرقة "الصخرة" الكتائبية في القيام 
باعمال الحراسة» ويمني النفس بأن يصبح يوما من الايام واحدأ من 
افرادها. 

في ذلك الوقت كان الوجود الفلسطيني المسلح على الاراضي 
اللبنانية قد بدأ يصبح مثار خلاف بين مختلف الاحزاب والقيادات 
السياسية والطائفية في لبنان» فبينما كانت الاحزاب اليمينية وفي 
طليعتها حزب الكتائب تعلن رفضها وجود جزر امنية فاحطينية مسلحة 
على الاراضي اللبنانية وتقوم بحملات تعبئة في اوساط المجتمع 
المسيحي تدعو فيها إلى مواجهة الاطماع الفلسطينية في لبنان» كانت 
الاحزاب اليسارية والقوى الإسلامية تعلن تأييدها لوجود قواعد مسلحة 
فلسطينية على ارض الجنوب؛ وتعتبرها ضرورية للقيام بعمليات ضد 


353 





الجيش الإسرائيلي في فلسطين المحتلة. في هذه الاجواء تكونت نظرة 
فؤاد أبو ناضر السياسية والحزبية للأوضاع في لبنان» والتي كانت 
مستمدة من الرأي السياسي لحزب الكتائب بالكيان اللبناني» ومع اقدام 
أحد المنظمات الفلسطينية المسلحة عام 1969 على خطف الشيخ 
بشير الجميل خال فؤاد أبو ناضر في تل الزعتر واحتجازه عدة ساعات 
أصبح فواد أبو ناضر اكثر قناعة بضرورة وضع حد للممارسات 
الفلسطينية المسلحة على الاراضي اللبنانية. هذه القناعة ترسخت اكثر 
عندما اقدم حاجز فلسطيني عند مستديرة المكلس على توقيف والده 
وطلب منه ابراز هويته. ومع تزايد وتيرة الفلتان الفلسطيني المسلح على 
الاراضي اللبنانية أصبحت دعوات الاحزاب اليمنية للشباب المسيحي 
للئلتحاق بمخيمات التدريب على السلاح تلقى قبولاً واسعا عند عدد 
كبير منهم. عام 1970 التحق فؤاد أبو ناضر بمخيم تدريب للسلاح 
تابع لحزب الكتائب ويعد تخرجه من هذه الدورة جرى الحاقه بفرقة آل 
ب. ج (بيار الجميل) التابعة لحزب الكتائب. 

عام 1974 ارتسم مؤشر خطير على مسار الاحداث الامنية 
والسياسية في لبنان» وذلك عندما دارت معارك عنيفة بين فرقة "ال ب. 
ج" الكتائبية ومسلحين فلسطينيين حاولوا التقدم من مخيم تل الزعتر 
باتجاه الدكوانة» فجرى التصدي لهم وافشال محاولاتهم» وكان فؤاد أبو 
ناضر أحد الذين شاركوا في هذه المعركة والتي وقف فيها الجيش 
اللبناني على الحياد. استمرت الاشتباكات عدة ايام وانتهت بالتوصل 
إلى وقف لإطلاق النار وتشكيل لجنة لمراقبة وقف إطلاق النار مؤلفة 
من مندوبين عن الكتائب اللبنانية والدرك اللبناني والمقاومة الفلسطينية» 
وكان فؤاد أبو ناضر أحد مندوبي حزب الكتائب في هذه اللجنة والتي 
من خلالها تعرف إلى عدد من المسؤولين الفلسطينيين وتحاور معهم 
وكانت الخلاصة التي خرج بها من هذه الحوارات هي أن الفلسطينيين 


354 


يتصرفون في لبنان وكأنهم أصحاب حق مطلق على اراضيه وان ما 
يعزز هذا الشعور عندهم هو امتلاكهم لقوة عسكرية كبيرة ومنظمة. 
وكان من نتائج معركة الدكوانة أيضاً قيام خط تماس بين تل الزعتر 
والدكوانة» والذي كان أول خط تماس بين المناطق اللبنانية خلال مسيرة 
الاحداث التي استمرت خمسة عشر عاما. 

في 26 شباط 1975 تعرض فوؤاد أبو ناضر وصديقه الياس 
الزايك لعملية خطف في منطقة البربير على يد مسلحين نزلوا إلى 
الشوراع احتجاجا على حادثة إطلاق النار على معروف سعد في 
صيدا. في منطقة الفاكهاني حيث تم احتجازهم تنبا امامهم ياسر 
عرفات بمستقبل قاتم ينتظر المسيحيين في لبنان. لم يتم إطلاق 
سراحهم الا بعد اتصال اجراه جده الشيخ بيار الجميل برئيس الحكومة 
رشيد الصلح الذي سارع بدوره بالاتصال برئيس جهاز الامن في حركة 
فتح أبو حسن سلامة. 

بعد اربعين عاماً على اندلاع الحرب اللبنانية يصعد فؤاد أبو 
ناضر «نظريا» إلى بوسطة عين الرمانة ويعيد تركيب هيكل الاحداث 
من جديد وترتيبه: ويقول: 'ثبت من التحقيقات في حادثة عين الرمانة 
ان غرفة عمليات واحدة أعطت الأمر بإطلاق النار على الكتائبي. 
جوزيف أبو عاصي وقامت باستدراج الحافلة التي كانت تقل 
الفلسطينيين إلى احياء عين الرمانة الداخلية". 

نسج فؤاد أبو ناضر تجاربه الحربية الأولى في حرب السنتين 
على جبهة الاسواق التجارية» وهو قام في بداية الحرب باخفاء حقيقة 
علاقته العائلية بمؤسس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل وذلك كي لا 
يلقى معاملة خاصة من المقاتلين الذين كانوا معه على الجبهة. في 
الفترة الأولى للمعارك تراجع مقاتلو الجبهة اللبنانية على مختلف 
الجبهات وأصبحوا يخافون التواجد في المواقع الخطرة» وقد وصلت 


355 


المأساة الى ذروتها عندهم عندما سقط 16 مقاتلاً على جبهة الاسواق 
التجارية في يوم واحد كان بينهم ابن خالة فؤاد أبو ناضر "أمين اسود" 
وكان من نتائج هذا المشهد هو ان حسم الشيخ بيار الجميل قراره 
بالاستعانة بالخارج فطلب النجدة من سوريا وإسرائيل في نفس الوقت. 

أنقذ السوريون الجبهة اللبنانية من الفشل في معركة تل الزعتر 
وأمدوا المليشيات المسيحية بالسلاح والعتاد وعملت استخباراتهم على 
إسقاط المخيم من الداخل؛ كما قدموا الدعم بالسلاح لحزب الكتائب في 
جزين. كان قرار السوريين بمساعدة الجبهة اللبنانية نابع من رؤيتهم 
التي كانت تعتبر ان حسم الحركة الوطنية للمعركة هو خرق لتفاهمات 
دولية كبرى قد تؤدي إلى تورطهم في مواجهة مع إسرائيل لم يكونوا 
مستعدين لها بعد. 

لم تكن لغة العنف هي اللغة الوحيدة التي تعامل بها 
الفلسطينيون والكتائبيون في الحرب الاهلية» كان هناك تعامل اخر 
يجري بالخفاء عنوانه الحوار المباشر بين الطرفين. في منزل جده 
الشيخ بيار الجميل في بكفيا جلس فؤاد أبو ناضر يستمع إلى الحديث 
بين الشيخ بيار الجميل ورئيس جهاز الامن في حركة فتح "ابو حسن 
سلامة", يومها اقترح "ابو حسن" على بيار الجميل ان تتخلى الجبهة 
اللبنانية عن مطلبها بدخول الجيش السوري إلى لبنان مقابل استعداد 
الفلسطينيين لإجراء صلح شامل مع المسيحيين في لبنان» لكن بيار 
الجميل رفض هذا العرض وقال لضيفه:" لقد تأخرتم كثيرا". وكان 
الفلسطينيون يخشون ان يقوم السوريون بنزع سلاح المخيمات في حال 
دخلوا إلى لبنان. 

نجح الدخول السوري إلى لبنان عام 1976 في وقف اندفاع 
الجبهة اللبنانية نحو إسرائيل» وذلك بعد ان اقنعت دمشق قادة الاحزاب 
المسيحية بأن تحالفهم معها اجدى لهم من الرهان على إسرائيل. سارت 


356 


العلاقات بين السوريين والجبهة اللبنانية على نحو جيد في أول الأمرء 
لكن المشهد بدأ يتغير مع الزيارة التي قام بها الرئيس المصري انور 
السادات إلى القدس عام 1977» والتي اتخذها السوريون منصة 
للانقلاب على الاحزاب المسيحية» فبعد ان كانوا ينظرون إلى هذه 
الاحزاب نظرتهم إلى حليف, أصبحوا يتعاطون معها بعد زيارة السادات 
للقدس تعاطيهم مع عدو وراحوا ينكلون بعناصرها على حواجزهم. 

امعانا منهم في اضعاف الجبهة اللبنانية عمل السوريون 
بالتعاون مع مدير المخابرات اللبنانية العقيد جوني عبده على تعميق 
التناقضات بين بشير الجميل وداني شمعون وبين بشير وشقيقه أمين 
وذلك من خلال قيامهم بتزويد عناصر نمور الاحرار التابعة لدوري 
شمعون برخص السلاح وأوامر المهمة ومحاولاتهم التقرب من أمين 
الجميل على حساب شقيقه بشير والذي لم يتورع عن توجيه انتقادات 
لاذعة لشقيقه أمين في أحد الإجتماعات الحزبية على خلفية محاولته 
الانفتاح على السوريين . هذه الانتقادات اعترض عليها فؤاد أبو ناضر 
وتجادل بسببها مع بشير مما ادى إلى برودة في العلاقات بينهما 
استمرت عدة اشهرء وكان بشير قد سعى منذ اليوم الأول لدخوله 
المعترك السياسي إلى محاولة تغيير قواعد اللعبة في حزب الكتائب 
وجعل كل خيوطها بين يديه. 

كان لمحاولة جوني عبده اثارة الانقسام بين الاحزاب في 
المنطقة الشرقية انعكاس سلبي على العلاقة بين الجيش اللبناني 
والقوات اللبنانية فوقعت صدامات مسلحة بين الطرفين في اكثر من 
منطقة من المناطق المسيحية. كما قام بشير الجميل بمساندة النقيب 
المغوار سمير الاشقر الذي اعلن تمرده على قيادة الجيش في اعقاب 
حادثة الفياضية عام 1978 والتي قامت بتصفيته بعد اعتقاله وهو 
جريح في بلدة المطيلب. 


3577 


كان لتصفية النقيب الاشقر اثر في تصاعد التوتر بين الجيش 
اللبناني والقوات اللبنانية» والذي وصل إلى اعلى درجاته عندما قامت 
مخابرت الجيش باستدراج رئيس جهاز الامن في القوات اللبنانية ايلي 
حبيقة إلى ثكنة صربا واعتقاله» ولما وصل الخبر إلى بشير الجميل 
كلف مجموعة عسكرية بقيادة فؤاد أبو ناضر بالتوجه إلى ثكنة صربا 
وتحرير حبيقة؛ لكن المجموعة القواتية لم تتمكن من انجاز مهمتها فهي 
وصلت إلى ثكنة صربا بعد ان كانت طوافة عسكرية تابعة للجيش 
اللبناني قد اقلعت من الثكنة إلى وزارة الدفاع وهي تحمل ايلي حبيقة؛ 
ورداً على اعتقال حبيقة قامت مجموعة من القوات اللبنانية بإطلاق 
النار على طوافة عسكرية كانت تحلق في سماء جونيه اعتقاداً منها 
انها نفس الطوافة التي كانت تقل ايلي حبيقة ولكن الذي تبين ان 
الطوافة التي اصيبت كان على متنها السفيران السعودي والكويتي في 
لبنان اللذان كانا عائدان من إجتماع مع رئيس الجمهورية الياس 
سركيس في بعبداء وكان هدف جوني عبده من اعتقال حبيقة هو توجيه 
رسالة معنوية وسياسية إلى بشير الجميل. 
السوريون يعتقلون بشير والخيار الإسرائيلي يعود مجدداً 

شكلت حادثة اعتقال بشير الجميل على حاجز للقوات السورية 
في الاشرفية عام 1978 واحتجازه عدة ساعات سبباً رئيسياً في عودة 
الحرارة إلى العلاقات القواتية الإسرائيلية من جديد خاصة بعد ان اعتبر 
'بشير" ان غاية السوريين من توقيفه هي توجيه رسالة سياسية ومعنوية 
له تستهدف حضوره الشعبي والسياسي على الساحة المسيحية» وان الرد 
على هذه المحاولات يجب ان يكون بإعادة تنشيط العلاقات مع 
إسرائيل. 

ترافقت عودة النشاط إلى العلاقات القواتية- الإسرائيلية مع 
تصاعد التوتر بين الجبهة اللبنانية وسوريا على الارضء والذي كان 

358 


من نتائجه قيام عناصر من القوات اللبنانية بينها فؤاد ابو ناضر 
بمحاصرة مركز القوات السورية قرب مطعم أل "80056 0816" في 
الاشرفية وقطع الامدادات عنه؛ وعندما وصل الخبر إلى الشيخ بيار 
الجميل قام باستدعاء المجموعة التي نفذت عملية الحصار ووجه اليها 
لوماً قاسياً طالب منهم عدم تكرار مثل هذه الاعمال. 

اما النقطة التي فاض بها الكأس فقد كانت الاحداث التي 
جرت في تموز 1978 والتي عرفت بحرب المئة يومء والتي بدات 
عندما نزل السوريون فجأة على الارض وحاولوا السيطرة على الطرقات 
الرئيسية في الاشرفية» وذلك تحسبأ لمحاولة قيام القوات اللبنانية بقطع 
طريق امداداتهم بين بيروت والشمال. محاولة الانتشار السوري في 
الاشرفية تصدى لها الصيدلي 'ميشال بارتي" والذي قام بإطلاق النار 
على العناصر السورية التي ردت عليه بالمثل مما ادى إلى مصرعه 
وبقيت جثته مرمية على قارعة الطريق عدة ساعات. اثار مقتل بارتي 
شعوراً بالغصب عند سكان الاشرفية فحملوا سلاحهم ونزلوا إلى الشارع 
إلى جانب القوات اللبنانية. شارك "ابو ناضر" في حرب المئة يوم وهو 
ما زال يذكر مشاهدته لضابط سوري يطلق النار على أحد جنوده 
لرفضه القفز من أحد الطوابق العالية في مبنى بالقرب من صيدلية 
'بارتي". 

انتهت معركة المئة يوم بخروج القوات السورية من المنطقة 
الشرقية» وعودة الإسرائيليين الى تقديم عروض التعاون للشيخ بشير 
الجميل والتي شملت تزويده بالسلاح والعتاد وإقامة مخيمات تدريب 
لمقاتليه في إسرائيل. اخبار النشاط القواتي في إسرائيل كانت تصل إلى 
السوريين بواسطة عملائهم في المنطقة الشرقية والذين كانوا يزودون 
المخابرات السورية بأسماء المقاتلين القواتيين الذين كانوا يذهبون للتدرب 
في معسكرات الجيش الإسرائيلي. 


359 


حاول الإسرائيليون في كل مراحل علاقتهم مع القوات اللبنانية 
إقامة اتصالات مع اكثر من جهة في القوات اللبنانية وذلك انطلاقاً من 
مبدأ فرق تسد فأقاموا علاقات جانبية مع كل من بشير الجميل وايلي 
حبيقة وداني شمعون وجورج عدوان واتيان صقر (ابو ارز) وغيرهم, 
وكان اكثر المتحمسين للعلاقة مع إسرائيل الرئيس كميل شمعون فيما 
كان الشيخ بيار الجميل يقارب هذه العلاقات بحذر. 

من جهته رفض بشير الجميل مبدأ تعدد الرؤوس ضمن القيادة 
الواحدة وقرر حسم الأمر على قاعدة "الأمرة لي وحدي" وبعد ان انهى 
معركته مع داني شمعون في الصفرا في 7 تموز 1980 توجه إلى 
المكتب السياسي الكتائبي وفرض عليه اصدار قرار بحل تشكيلات 
الحزب العسكرية والحاقها بالقوات اللبنانية. وبعد ان انتهى من عملية 
توحيد البندقية المسيحية تحت قيادته توجه بشير الى الإسرائيليين وقال 
لهم: "من الآن وصاعداً الكلام يكون معي وحدي". لم يرتاح 
الإسرائيليون لعملية السابع من تموز كما اعتقد البعض بل على العكس 
من ذلك فهم اعتبروا غياب داني شمعون عن الساحة السياسية افقدهم 
حليفاً قوياً واساسياً في المنطقة المسيحية. 

بعد عملية توحيد البندقية المسيحية بقي اقليم المتن الشمالي 
الكتائبي التابع لأمين الجميل وحده خارج سيطرة القوات اللبنانية فاتخذ 
بشير قراراً بضمه إلى دائرة نفوذه» لكن أمين رفض تذويب حضوره في 
المتن الشمالي في وعاء شقيقه بشيرء وكاد الأمر ان يتسبب بإشكال 
داخل العائلة الواحدة لولا تدخل فؤاد ابو ناضر واقناع الشقيقين 
المتنافسين بالموافقة على تسوية تقضي بتسلم القوات اللبنانية للجبهات 
العسكرية في منطقة المتن الشمالي على أن يحتفظ أمين الجميل بنفوذه 
الشعبي والسياسي في هذه المنطقة. 

لم تُجبر عملية السابع من تموز إسرائيل فقط على تقديم 


360 


علاقتها مع بشير على سائر القوى المسيحية في المنطقة الشرقية» بل 
هي جعلت أيضاً رئيس الجمهورية الياس سركيس ومدير المخابرات 
جوني عبده يراجعان حساباتهما في علاقاتهما مع بشير ويقرران طي 
صفحة خلافاتهما معه؛ وكان من نتائج تحسن العلاقة بين الياس 
سركيس وبشير هي ان أصبح بشير مرشح الرئيس سركيس لخلافته في 
رئاسة الجمهورية» وفي اطار التمهيد لأعلان ترشحه لرئاسة الجمهورية 
عقد بشير الجميل خلوة لكوادر القوات اللبنانية تحدث فيها للمرة الأولى 
عن ضرورة إعادة توزيع مقاعد المجلس النيابي مناصفة بين المسلمين 
والمسيحيين بعد ان كان النواب المسيحيون يشكلون الاكثرية في 
المجلس النيابي؛ "كما قام بإنشاء 'مجموعة غاما". ( 680102 
6) التي ضمت مجموعة كبيرة من الطاقات المسيحية من 
مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والإجتماعية والعلمية والتي 
عملت على وضع الخطط المستقبلية لمشروع بشير في الحكم. 

بدأت مؤشرات معركة في زحلة بين القوات اللبنانية والجيش 
السوري تظهر عندما راح السوريون يعززون مواقعهم حول المدينة» كما 
حاولوا أيضاأ شق طريق عسكرية في منطقة "الخمار”" الواقعة في 
مرتفعات زحلة» لكن الاهالي تصدوا لهم ومنعوهم من تحقيق هدفهم. 
كانت تقديرات بشير للموقف في زحلة بأن الامور ذاهبة نحو التصعيد» 
خاصة بعد ان وصلته و عن وجود نية لدى السوريين لإخضاع 
المدينة بعد ان باتوا يعتبرون ان وجود القوات اللبنانية في زحلة يشكل 
تهديداً لأمنهم في البقاع» وعشية عيد الميلاد عام 1980 قام فؤاد أبو 
ناضر وبطرس خوند بزيارة إلى زحلة لتفقد أوضاعها بتكليف من بشير 
الجميل» وكان الوصول إلى زحلة بالنسبة للقوات اللبنانية يستلزم 
ساعات طويلة من المشي سيرا على الاقدام في جرود صنين. لمس 

361 


فؤاد أبو ناضر خلال إجتماعه مع الفعاليات الزحلية وجود خوف كبير 
لدى الاهالي من دمار مدينتهم في حال اندلاع مواجهة بين السوريين 
والقوات اللبنانية؛ ولكن في نفس الوقت لم يكن الاهالي يريدون 
للسوريين ان يسيطروا على زحلة» وكانت القوات اللبنانية قد قامت قبل 
اشهر قليلة من احداث زحلة بتدريب مجموعة من الشبان الزحليين على 
السلاح تحسبأ لأي مواجهة مع السوريين. 

بدأت معركة زحلة نهار الثاني من نيسان عام 1981عندما 
راحت القذائف السورية تتساقط فجأة على مدينة زحلة والمنطقة الشرقية 
من بيروت؛ في ذلك النهار كان فؤاد أبو ناضر يمضي نهار عمل 
عادي كطبيب متمرن في مستشفى مار يوسف, وفي ذلك دليل على ان 
القوات اللبنانية لم تكن البادئة في معركة زحلة؛ والا لكان عليه ان 
يكون في ذلك النهار مستنفراً في غرفة العمليات في قيادة القوات 
اللبنانية. 

جاءت ردة الفعل الأولى على معركة زحلة من الإسرائيليين 
الذين ابلغوا 'بشير' بواسطة الأميركيين بأنه ليس بمقدوره جرهم إلى 
معركة مع السوريين لم يختاروا توقيتها بأنفسهم؛ بدورهم حمل 
الأميركيون القوات اللبنانية مسؤولية تدهور الأوضاع في زحلة» وبعثوا 
لها برسالة مع وزير الخارجية اللبنانية فؤاد بطرس حذروها فيها من 
نتائج افعالها. 

في الاسابيع الثلاثة الأولى للمعركة ساد خوف حقيقي لدى 
القوات اللبنانية من اقدام القوات السورية على اجتياح المنطقة الشرقية» 
وخاصة بعد ان حشدوا قوات كبيرة لهم على جبهتي المتن الشمالي 
والشمال» وكانت القوات اللبنانية تدرك ان حجم قواتها العسكرية لا 
يسمح لها بالانتصار على الجيش السوري في أي مواجهة مباشرة: لذا 
قررت اللجوء إلى حرب العصابات في حال دخول الجيش السوري إلى 


362 


المناطق المسيحية» ومع دخول معركة زحلة شهرها الثاني بدا واضحاً 
ان القوات اللبنانية قد استوعبت الصدمة الأولى» وان ارتفاعاً كبيراً 
حصل في معنويات الاهالي وخاصة عندما حاول الجيش السوري 
التقدم من جهة "المعلقة" و"حوش الأمراء" الى داخل زحلة فتصدى له 
الاهالي ومقاتلو القوات اللبنانية والحقوا بصفوفه خسائر كبيرة» ونتيجة 
لصمود '"القوات" بدأ الإسرائيليون والأميركيون يعيدون حساباتهم من 
احداث زحلة ويسعون لإجراء الاتصالات مع القوات اللبنانية من اجل 
التوصل إلى وقف لإطلاق النارء وذلك بعد ان كانوا قد اتهموها في 
وقت سابق بأنها كانت البادئة بفتح المعركة» من جهته لعب الرئيس 
الياس سركيس دوراً في حملة تعبئة الرأي العام العالمي ضد الحصار 
السوري لزحلة. 

بعد ان أصبح هناك اتفاق على انتاج حل يضع حدأ لمأساة 
زحلة قام الرئيس الياس سركيس بدعوة كل من بشير الجميل والعميد 
السوري محمد خلوف إلى إجتماع في قصر بعبدا لوضع اسس هذا 
الحل. وقبل توجهه للإجتماع مع العميد خلوف دعا بشير عدد من 
مسؤولي القوات اللبنانية إلى إجتماع لبحث اخر التطورات في زحلة 
فبرزت اصوات داخل الإجتماع تدعو للقبول بأي حل يحفظ للقوات 
اللبنانية ماء الوجه خاصة بعد ما أصبحت الأوضاع العسكرية 
والانسانية داخل المدينة صعبة للغاية» وبات الاستمرار في الصمود 
مستحيلء وفي ظل هذه الاجواء اقترح فؤاد أبو ناضر وعدد من 
مسؤولي "القوات" على بشير تجاوز موضوع زحلة في إجتماعه مع 
العميد خلوف, والذهاب مباشرة إلى المطالبة بخروج القوات السورية في 
لبنان. وافق بشير على هذا الطرح وحمله معه إلى إجتماع بعبداء لم 
يتأخر الرد السوري على مطالب بشير ففي اليوم التالي انهمرت مئات 
القذائف على المنطقة الشرقية من بيروت ومدينة زحلة. استمرت 


363 


المفاوضات حول سبل انهاء الازمة في زحلة عدة اسابيع وانتهت إلى 
حل اعتبرته القوات اللبنانية انه يصب في مصلحتهاء والذي نص على 
خروج المقاتلين القواتيين من زحلة مقابل عدم دخول القوات السورية 
اليها. 'معركة زحلة دخلها بشير رئيس عصابة وخرج منها رجل دولة 
ومرشحا لرئاسة الجمهورية" يقول فؤاد أبو ناضر. 
الاجتياح عام 1982.... العلاقات المفخخة 

سبق الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 تبدل في قيادات 
الحكم في إسرائيل» فحل زعيم حزب الليكود مناحيم بيغن على رأس 
الحكومة الإسرائيلية بعد فوزه في الانتخابات النيابية» والذي قام بتعيين 
ارييل شارون وزيراً للدفاع. شعرت القوات اللبنانية منذ إجتماعها الأول 
مع القيادة الإسرائيلية الجديدة» بأن الإسرائيليين يحضرون لعمل كبير 
في لبنان. وبالتزامن مع اجواء الاستعداد للحرب في إسرائيل» لمست 
القوات اللبنانية من خلال اتصالاتها مع بعض الدول المعنية بالشأن 
اللبناني بأن هناك مشروعاً أميركياً وإسرائيلياً وافقت عليه بعض الدول 
العربية يهدف إلى تعميم نموذج كامب ديفيد على بقية الدول العربية. 
هذا المشروع رأى فيه بشير فرصة سانحة له لتعزيز حظوظه في 
الوصول إلى رئاسة الجمهورية» فقرر ان يكون جزءاً منهء وكان 
الإسرائيليون قد اقترحوا في وقت سابق على الرئيس سركيس بواسطة 
طرف ثالث تمديد ولايته» لكن الرئيس سركيس رفض واقنع الأميركيين 
بتبني ترشيح 'بشير”" رئيساً للبلاد. 

ومع اقتراب موعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان بدأ الإسرائيليون 
يضعون القوات اللبنانية في أجواء عمليتهم العسكرية التي ينوون القيام 
بها على الاراضي اللبنانية ويناقشون معها بعض التفاصيل الميدانية؛ 
ولكن من دون ان يفصحوا لها عن الاهداف الحقيقية لهذه العملية؛ 
وبناء على هذه المعطيات قررت القوات اللبنانية عدم المشاركة مع 

304 


الجيش الإسرائيلي في أي عملية يقوم بها على الارض اللبنانية» الا في 
حال حصول تواصل جغرافي على الارض بين الطرفين والتي حددته 
القوات اللبنانية ببلدة كفرشيما'. وكان بشير يخشى ان تؤدي مشاركته 
في أي عملية عسكرية إلى جانب الجيش الإسرائيلي إلى التأثير على 
حظوظه بالوصول إلى رئاسة الجمهورية وخاصة ان موازين اللعبة في 
لبنان لم تكن تسمح له بالوصول إلى رئاسة الجمهورية من دون رضى 
الطرف المسلم؛ وهو لهذا السبب رفض اقتراح فؤاد أبو ناضر باحتلال 
القوات اللبنانية بلدتي المروج وضهور الشوير في المتن الشمالي والتقدم 
باتجاه طريق ترشية ع "لا نريد ان نظهر بأننا متواطئون 
مع الإسرائيليين فإن ذلك من شأنه أن يضر بمشروعنا للوصول إلى 
رئاسة الجمهورية". 
بالرغم من التحالف بين القوات اللبنانية والإسرائيليين فأن الثقة 
بينهما ظلت مفقودة؛ فقد كانت القوات اللبنانية تخشى دائما من ان يقوم 
الإسرائيليون بتوريطها في صراع مع فرقاء لبنانيين اخرين ثم يقومون 
بالتخلي عنهاء وهذا ما دفع بشير إلى الامتناع عن الاستجابة لطلب 
إسرائيل باقتحام بيروت الغربية» ورداً على امتناع القوات اللبنانية عن 
مشاركة إسرائيل لعملياتها العسكرية في بيروت راحت وسائل الاعلام 
الإسرائيلية تشن حملة على القوات اللبنانية تتهمهما فيها بالتخاذل في 
معركة هي معركتها قبل ان تكون معركة إسرائيل؛ كما راح التلفزيون 
الإسرائيلي ينقل مشاهدأ لرواد المسابح في المنطقة الشرقية مع تعليقات 
ساخرة تقول: "أن المسيحيين في لبنان هم دائما بحاجة إلى من يقاتل 
عنهم": وبالرغم من تمسك بشير بموقفه بعدم الدخول إلى بيروت 
الغربية الا انه في نفس الوقت كان يخشى من نقمة الإسرائيليين عليه 
وخاصة بعد ان تلقى نصيحة من بعض الضباط الإسرائيليين» بالقيام 


' بلدة معظم سكانها من المسيحيين وتقع بالقرب من بلدة الشويفات. 
365 


بعمل عسكري محدود على الارض من شأنه ان يخفف من الحملة 
الإسرائيلية عليه؛ فكان ان اقترح عليه فؤاد أبو ناضر وفادي افرام القيام 
بعملية عسكرية تستهدف مبنى كلية العلوم في الجامعة اللبنانية في 
منطقة الحدث والذي كان يقع تحت سيطرة المجموعات الفلسطينية 
والتي كانت تستخدمه في عمليات القنص على المواطنين في منطقة 
الحدث. وقد جاء اختيار مبنى كلية العلوم هدفأ للعملية العسكرية لبعده 
عن التجمعات السكنية مما كان سيجنب القوات اللبنانية الدخول في 
حرب شوارعء وبالرغم من نجاح القوات اللبنانية في اخراج المسلحين 
الفلسطينيين من كلية العلوم؛ فإن الإسرائيليين استمروا في ممارسة 
الضغط على بشير الجميل من اجل الدخول في معركة بيروت الغربية؛ 
وبالتزامن مع معركة كلية العلوم قامت القوات السورية المتمركزة في 
جرود العاقورة باحتلال تلة "مقيل حسني" والتي لم يكن لها أي اهمية 
عسكرية» ولكن القوات اللبنانية تمكنت من اخراجهم منها بواسطة 
القصف المدفعي. 
حرب الجبل 

وقعت القوات اللبنانية في تقديرات خاطئة عندما قررت إرسال 
عناصرها إلى منطقة الجبل عام 1982» فهي لم تكن تدري حجم الحقد 
الذي كان يحمله هولاء العناصر على ابناء الطوائف الأخرى خاصة 
بعد تهجيرهم من قراهم في اعقاب اغتيال كمال جنبلاط عام 1977. 
ونتيجة لهذا الحقد انتشرت التجاوزات التي قامت بها عناصر القوات 
اللبنانية في الجبل بحق ابناء الطوائف الكبرى على نطاق واسع. هذه 
التجاوزات عارضها بشير واعتبرها مضرة بمشروعه الرئاسي؛ وهو قام 
لهذه الغاية بجولة على مراكز القوات اللبنانية في منطقتي الشوف 
وعاليه دعا فيها القواتيين إلى التحلي بالانضباط واحترام عقائد الآخرين 
السياسية والدينية» ولكن بالرغم من محاولات التهدئة فإن الإسرائيليين 

366 


استمروا في مخططهم لنشر الفتنة بين ابناء الجبل» وهم نجحوا في 

شكل اغتيال بشير الجميل اغتيالاً لمشروع القوات اللبنانية 
السياسيء والذي بدأ أول خطواته التراجعية بعد احداث صبرا وشاتيلا 
والتي تتحمل إسرائيل مسؤوليتها بالدرجة الأولى؛ خاصة ان جيشها كان 
أول الداخلين إلى مخيمي صبرا وشاتيلا بالاشتراك مع جماعة سعد 
حداد ولكن مع انتشار اخبار عمليات القتل في المخيمين خافت 
إسرائيل من نتائج هذه المجازر على سمعتها امام الرأي العام العالمي» 
فقامت بحملة اعلامية كبيرة اتهمت فيها رئيس جهاز الامن في القوات 
اللبنانية ايلي حبيقة بالتورط وحده في هذه المجازر. بدوره خشي قائد 
القوات اللبنانية 'فادي افرام" من ان يستغل بعض عناصر القوات 
اللبنانية مجازر صبرا وشاتيلاة للدخول إلى بيروت الغربية والقيام 
بأعمال لم تكن قيادة القوات اللبنانية تريد التورط بهاء فأمر بنشر 
عناصر من القوى النظامية في القوات اللبنانية على طريق المطار 
بهدف منع عناصر "القوات" من الدخول إلى بيروت الغربية. من جهتها 
قامت الحكومة اللبنانية بتعيين القاضي اسعد جرمانوس محققاً عدلياً 
في مجزرتي صبرا وشاتيلا والذي كلف عدد من اطباء شرعيين 
بالكشف على جثث ضحايا المجازر في صبرا وشاتيلاء وبنتيجة هذا 
الكشف تبين ان الضحايا لم يقتلوا في وقت واحد بل في اوقات متفاوتة 
مما يثبت ان هناك اكثر من طرف قد شارك في العملية. 
ما بعد بشير ليس كما قبله 

بعد اغتيال قائد القوات اللبنانية الشيخ بشير الجميل حاولت 
عدة قوى على الساحة المسيحية السيطرة على قرار القوات اللبنانية 
وكان في طليعة هذه القوى التي حاولت السيطرة رئيس الجمهورية أمين 
الجميل. ادى الصراع على القرار في المنطقة المسيحية إلى اضعاف 
367 


القوات اللبنانية وتحولها إلى مراكز قوى متنافرة. بدأت الخلافات بين 
الاجنحة القواتية صغيرة ومحدودة» ولكنها ما لبثت ان كبرت وتوسعت 
وارتدت طابعاً دموياأ وادت في نهاية الأمر إلى خسارة القوات اللبنانية 
لمشروعها السياسي الذي وضعه بشير الجميل. في تلك المرحلة أيضاأ 
بدأت العلاقات بين القوات اللبنانية وإسرائيل تشهد تراجعاً كبيراً والذي 
وصلفي نهاية الأمر إلى قطيعة شبه تامة بين الطرفين» خاصة بعد ان 
اعتبر الإسرائيليون ان علاقتهم قد أصبحت مباشرة مع الحكومة اللبنانية 
من خلال مفاوضات اتفاق السابع عشر من ايارء وهم استجابوا لطلب 
رئيس الجمهورية بوقف تزويد القوات اللبنانية بالسلاح» وفي مقابل وقف 
إرسال السلاح إلى القوات اللبنانية راح الإسرائيليون يزودون الدروز 
بكميات كبيرة من الاسلحة لقتال المسيحيين. 

حرب الجبل استغلتها إسرائيل للضغط على الرئيس الجميل 
لتقديم المزيد من التنازلات في مفاوضات اتفاق السابع عشر من ايارء 
خاصة عندما كانت المباحثات تصل إلى نقطة يصعب على المفاوض 
اللبناني التزحزح عنهاء وكان هذا الضغط يأتي من خلال اعطاء الفريق 
الدرزي مجالاً للتقدم عسكريا على الارض على حساب القوات اللبنانية» 
كما حصل عندما قام الاشتراكيون بالدخول إلى الحي الغربي في عاليه 
بتسهيل من الجيش الإسرائيلي وطردوا منه القوات اللبنانية كما قاموا 
بتفجير الكنائس والمنازل وقتل المدنيين المسيحيين. حاولت القوات 
اللبنانية الدفاع عن الحي الغربي ولكن الإسرائيليون قاموا بوضع آلياتهم 
بوجه مدفعيتها في بدادون وذلك اجل منعها من التصدي للمهاجمين. 

كان فواد أبو ناضر بعد انتخاب بشير الجميل رئيساً 
للجمهورية قد اتخذ قراراً بالاستقالة من مسؤولياته في قيادة القوات 
اللبنانية والتفرغ لمهنة الطبء لكنه عاد وتراجع عن هذا القرار بعد 
اغتيال 'بشير" وذلك عندما طلب منه القائد الجديد للقوات اللبنانية فادي 


368 


افرام تولي رئاسة هيئة الاركان في القوات اللبنانية. خلال وجوده في 
هذه المسؤولية خبر أبو ناضر العلاقات القواتية الإسرائيلية واطلع على 
تفاصليها ولا سيما في مرحلة حرب الجبل في العامين 1982 
و1983. حاول الإسرائيليون إخضاع هذه العلاقة لمنطق الإذلال. 
شعر القواتيون بخطأ صعودهم إلى منطقة الجبل وانهم باتوا في مصيدة 
أصبح الفكاك منها أمرأ لازمأ. فقررت قيادتهم برئاسة فادي افرام 
الانسحاب. هدد الإسرائيليون بمنعهم بالقوة. حرضوا الاهالي في القرى 
المسيحية على رفض القرار وأغروا سمير جعجع بالبقاء في بحمدون. 
رامن جعجع على نجاح يحرزه في معركة الجبل يجعل حضوره 
السياسي والشعبي الاكثر امتدادا بين الزعامات المسيحية في لبنان. في 
بحمدون كان المشهد سورياليا شاهد أبو ناضر قوافل السلاح المرسلة 
إلى الاشتراكيين من دمشق تمر على حواجز الإسرائيليين. "احتجاجاتنا 
قابلها الإسرائيليون باستغراب". قال" ضابط الارتباط الإسرائيلي لفؤاد أبو 
ناضر: “من أين تريد لسلاحهم أن يمر. نحن لم نأت لخدمتكم فقط". 
ضابط إسرائيلي آخر قال: 'سيكون الوضع عند انسحابنا أصعب مما 
كان قبل دخولنا. انهيار «القوات» السريع في الجبل يعزوه قائدها 
السابق إلى سببين» الأول» ضخامة المساندة التي تلقاها الحزب التقدمي 
الاشتراكي من القوات السورية والمنظمات الفلسطينية (تحديدأ أبو 
موسى وأحمد جبريل) وبعض الاحزاب اليسارية في معركة بحمدون. 
والشاني؛ إعاقة القوات الإسرائيلية لمدفعية «القوات». «وضع 
الإسرائيليون دباباتهم أمام عدد من مرابضنا في الجبل وبيروت ومنعوها 
من القصف». يقول رئيس اركان "القوات" السابق. «نعم كانوا يريدون 
خسارتنا من أجل الإخلال بالتوازن في منطقة الجبل». 

مأساة الجبل قرر فؤاد أبو ناضر عدم توريثها إلى مسيحيي 
الجنوب وإقليم الخروب ونجح في اقناع قيادته بصلابية هذا التوجه, 


3069 


وبناء عليه أبلغت القوات اللبنانية الإسرائيليين نيتها فتح الطريق 
الساحلية بين بيروت وصيدا بعد تراجع الجيش الإسرائيلي إلى ما وراء 
خط الأولي. حاول الإسرائيليون منع القوات اللبنانية من تنفيذ قرارهاء 
فهم كانوا يريدونها مجرد اكياس رمل تحمي وجودهم بعد انسحابهم إلى 
ما وراء الأولي؛ فمنعوا امداداتها من الوصول إلى شرق صيدا واقليم 
الخروب عن طريق البحر. كما قاموا أيضاً بوضع يدهم على مركز 
القوات اللبنانية في منطقة الصالحية القريبة من كفرفالوس. وامعاناً في 
المزيد من الضغط على 'القوات" طلب الإسرائيليون من الاشتراكيين 
القيام بهجوم على مواقع القوات اللبنانية في بلدة المطلة الواقعة في 
منطقة اقليم الخروب وذلك في ايار عام 1983 والذي كانت نتيجته 
الفشل الذريع للمهاجمين. وعندما لم تنفع هذه الضغوط في اجبار 
القوات اللبنانية في التراجع عن موقفهاء حاول الإسرائيليون فتح قنوات 
اتصال مباشرة بين القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي في 
منطقة اقليم الخروب؛ ولكن عندما علم السوريون بالأمر طلبوا من 
الاشتراكيين الامتناع عن اجراء أي اتصال بالقوات اللبنانية من دون 
التنسيق المسبق معهم. 

كانت أحد المآسي التي افرزتها حرب الجبل هي حصار دير 
القمر من قبل الحزب الاشتراكي والذي استمر ثلاثة اشهرء وكان 
الإسرائيليون قد ادخلوا دير القمر في اجندة ضغوطاتهم على رئيس 
الجمهورية فأبلغوا وليد جنبلاط انهم لن يسمحوا للخارجين من دير القمر 
بسلوك الطريق الساحلية إلى صيداء ما لم تسهم إسرائيل في صناعة 
الحل» وكان هدف إسرائيل من الدخول على خط معالجة الوضع في 
دير القمر هو محاولة تحسين صورتها امام الرأي العام العالمي الذي 
راح يحملها مسؤولية ما حل بالمسيحيين في الجبل. واثناء حصار دير 
القمر وصل إليها فؤاد أبو ناضر سيراً على الاقدام عن طريق الاحراش 


310 


والأودية المحاذية للقرى الدرزية. في دير القمر كان الوضع مأساوياً 
بسبب ممارسات عناصر سمير جعجع بحق المواطنين وفي دير القمر 
أيضاً كان سمير جعجع في وضع نفسي صعب ومعنوياته منهارة مما 
دفع فؤاد أبو ناضر ان يطلب منه مغادرة دير القمر بعد ان قرر 
الحلول مكانه في مركز القيادة. كان لخروج سمير جعجع من دير 
القمر اثر ايجابي في تحسن الأوضاع داخل البلدة المحاصرة» فأصبح 
بإمكان رئيس البلدية جورج ديب نعمة الخروج من دير القمر والذهاب 
إلى المختارة لمقابلة وليد جنبلاط للبحث معه في السبل الآيلة لرفع 
الحصار عن دير القمر. 
فؤاد أبو ناضر قائداً للقوات 

حاول أمين الجميل بعد ان أصبح رئيساً للجمهورية حل القوات 
اللبنانية والحاق عناصرها بالجيش اللبناني» وذلك تنفيذاً لخطة سابقة 
كان قد وضعها بشير بخصوص هذا الشأن» ولكن ما كان يمكن 
للقواتيون ان يقبلوا به من بشير لم يكونوا ليرضوا به من شقيقه أمين 
فهم لم يكونوا يرتاحون له اصلاً أدى اصرار رئيس الجمهورية على 
تحجيم القوات اللبنانية إلى بروز خلافات عميقة وواسعة بينه وبين 
قادتها والتي راحت تتفاقم مع الوقتء وفي ظل هذا الصراع قرر قائد 
"القوات" فادي افرام تقديم استقالته من مسؤولياته فهو لم يكن يريد ان 
يكون طرفاً في هذا الصراع. 

كانت موافقة فؤاد أبو ناضر على تسلم قيادة القوات خلفاً 
لفادي افرام عائدة في جزء كبير منها إلى قناعة تولدت لديه بأن الوقت 
قد حان لإعادة مد جسور التلاقي مع كل اطراف الصراع في لبنان» لذا 
كان أول عمل قام به بعد توليه قيادة القوات اللبنانية عام 1984 هو 
الاتفاق مع الحزب التقدمي الاشتراكي وفاعليات مدينة صيدا على 
تهدئة الأوضاع وفتح الطرقات وازالة المظاهر المسلحة في منطقتي 

371 


اقليم الخروب وشرق صيداء وذلك حفاظا على وجود المسيحيين في 
هاتين المنطقتين» لكن عناصر الامن التابعة لأيلي حبيقة في منطقتي 
اقليم الخروب شرق صيدا حاولت خرق التهدئة من خلال افتعالها 
بعض الاحداث التي كان من شانها إعادة التوتر إلى سابق عهده. 
فكان ان اصدر قائد "القوات" فؤاد أبو ناضر قراراً باعتقال هذه 
العناصر وابعادها إلى بيروت» وبعد استقالة فؤاد أبو ناضر من قيادة 
القوات عادت هذه العناصر إلى مراكزها السابقة حيث قامت بارتكاب 
العديد من الافعال التي اسهمت في عودة التوتر إلى المنطقة. 

لم يؤد انتخاب فؤاد أبو ناضر قائداً للقوات اللبنانية» إلى إلغاء 
الصراع بين اجنحتهاء فبرز كل من ايلي حبيقة وسمير جعجع وكريم 
بقرادوني في طليعة المعارضين لقيادته وذلك بعد ان اعتبروه انه يمثل 
امتدادأ لأمين الجميل داخل "القوات» 'وانه قد اعطى موافقته على 
مشروع الحاق القوات اللبنانية بالجيش اللبناني. لم يكن فؤاد أبو ناضر 
مطواعاً لخطة أمين الجميل بتذويب القوات اللبنانية في الجيش اللبناني 
وهو اصطدم معه اكثر مرة حول هذا المشروع. 

وفي اطار خطته لإعادة القوات اللبنانية إلى بيت الطاعة 
الكتائبي سعى أمين الجميل إلى وضع جهاز المالية العامة في القوات 
للبنانية تحت وصاية المكتب السياسي الكتائبي» كما سعى أيضأ إلى 
استمالة ايلي حبيقة من خلال تعيينه عضواً في المكتب السياسي 
الكتائبي» ولكنه سرعان ما اكتشف ان حبيقة استغل وجوده في المكتب 
السياسي الكتائبي للإيقاع بين فؤاد أبو ناضر وفادي افرام من جهة 
والرئيس الجميل من جهة ثانية» وذلك في محاولة منه لتعزيز نفوذه 
الشخصي داخل حزب الكتائب والقوات اللبنانية. 

سباق القفز إلى السلطة داخل قيادة القوات اللبنانية ينتهي 
بإزاحة فؤاد أبو ناضر عن موقعه في قيادة القوات وذلك في 12 اذار 


372 


5 ووقوع مسيحيي المنطقة الشرقية في كمين الصراعات الداخلية. 
يومها رفض فؤاد أبو ناضر الانخراط في لعبة الدم بين رفاق الصف 
الواحد وفضل الاستقالة من منصبه على اعطاء الأوامر لعناصره 
بمواجهة المنتفضين. تتزاحم اسئلة كثيرة في ذهن فؤاد أبو ناضر حول 
أسباب إنهاء سمير جعجع مرحلة التوافق في اقليم الخروب وشرق 
صيدا بعد انتفاضة 12 آذار واتخاذه قرارات خاطئة أدت إلى تهجير 
المسيحيين من هاتين المنطقتين» وقيامه بعملية انسحاب غير مدروسة 
وغير منظمة من المنطقة؛ كما فعل في حرب الجبل. 

حركة الثاني عشر من آذار 1985 لم تكن كما روج لها 
قادتها بانها كانت لتحرير القرار المسيحي من المؤثرات السورية. 
فالجميع داخل قيادة القوات اللبنانية كان قد اقتنع في تلك المرحلة بخطأ 
الرهان على المشروع المراراي المنتفضون أرادوا التفرد بمخاطبة 
السوريين فهم كانوا يعتبرون ان من يتزعم «القوات اللبنانية» يمسك 
بناصية القرار اللبري. 'الرسالة التي يفوض فيها سمير جعجع وكريم 
بقرادوني الرئيس أمين الجميل التفاوض باسمهم مع دمشق أظهرت 
حقيقة النوايا" يقول حفيد بيار الجميل. تحكم المصالح بالمبادئ ظهر 
جلياً بعد انقلاب جعجع والرئيس أمين الجميل على الاتفاق الثلاثي في 
شهر كانون ثاني عام 1986. اذ سرعان ما تبين بعد هذا التاريخ وجود 
علاقات تعاون بين سمير وجعجع وياسر عرفات كانت أحد مظاهرها 
عودة مسؤولين من حركة فتح إلى بيروت عن طريق المنطقة الشرقية 
التي كانت تسيطر عليها القوات اللبنانية» وقد ترافقت هذه العودة مع 
اشتعال حرب المخيمات بين حركة امل والتنظيمات الفلسطينية 
المسلحة. 

تتوالى الانتفاضات العسكرية داخل القوات اللبنانية في صراع 
لا طائل منه إلا السيطرة والنفوذ والسلطة؛ عملية اسقاط الاتفاق الثلاثي 


3213 


التي قادها سمير جعجع اشترط عدم اشراك فؤاد أبو ناضر بها واخفاء 
امرها عنه. حاول أبو ناضر التدخل لوقف القتال ووجه نداء من إذاعة 
«صوت لبنان» الكتائبية لقرع أجراس الكنائس في المناطق المسيحية 
مما ادى إلى التخفيف من حدة القتال. تحولت «المنطقة الشرقية بعد 
الانقلاب على "الاتفاق الثلاثي" إلى مقاطعة صغيرة يحكمها مستبدون. 
حاول. بعض المأزومين التحرك بدعم من الرئيس أمين الجميل. وتم 
الاستيلاء على بعض ثكنات "القوات" من قبل مارون مشعلاني وسامي 
خويري في العاشر من آب 1986. يصطحب فؤاد أبو ناضر بسيارته 
سمير جعجع من جبيل إلى إجتماع في بيت الكتائب في الصيفي لحل 
الموضوع. الإجتماع الشهير ينتهي إلى تسوية مقبولة عند جميع 
الاطراف. واتفاق على متابعة الإجتماع في مبنى المجلس الحربي في 
الكرنتينا بين سمير جعجع وفؤاد أبو ناضر. يعتذر جعجع عن عدم 
اصطحاب أبو ناضر له ويصر على المغادرة وحده. في طريقه إلى 
هناك ينهمر الرصاص على أبو ناضر من حاجز جقواتي» في الكرنتينا 
بعدما تعرف عليه مسؤول الحاجز وأوعز لعناصره بإطلاق النار. 
ساعات حرجة قضاها فؤاد أبو ناضر في غرفة العمليات في المستشفى 
قبل أن ينجو من الموت بأعجوبة. ابتعاد ابن بلدة بسكنتا اليوم عن 
«القوات» جعله أقرب إلى خوض حياة حزبية وديموقراطية يعيشها من 
خلال «جبهة الحرية» التي أسسها مع رفاق له في العام 2006 وهو 
يتولى منصب منسقها العام منذ العام 2008. 


314 


نبيل قريطم 
اوراق من الصفحات 
العسكرية والديبلوماسية 





دماء على طريق الاستقلال 

لم تكن مظاهرة الاستقلال عام 1943 هي الوحيدة التي شارك 
فيها نبيل قريطم عندما كان على مقاعد الدراسة» ولكنها قد تكون 
الاكثر تأثيراً في نفسه؛ يومها شاهد زميله في الدراسة فؤاد مخزومي 
يسقط مضرجاأً بدمائه؛ بعد ان اخترقت رأسه رصاصة اطلقها عليها 
جنود الانتداب الفرنسي. 

انتسب نبيل قريطم إلى المدرسة الحربية عام 1949» وتخرج 
منها برتبة ملازم في عام 1951.» انتقل بعدها إلى فوج القناصة الأول 
على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة؛ فرح الملازم قريطم بوجوده 
في الجنوب واعتبره المكان الطبيعي لكل من يريد مواجهة العدو 
الإسرائيلي؛ لكن فرحه هذا لم يستمر طويلاًء وسرعان ما تحول إلى قلق 
دائم» بعد ان لمس ضعف إمكانات الجيش اللبناني في الدفاع عن نفسه 
في مواجهة العدو الإسرائيلي» خاصة بعد التحذيرات التي ارسلتها قيادة 
الجيش إلى قيادة منطقة الجنوب العسكرية من مغبة قيام إسرائيل 
باعتداء على مخافر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية وذلك بعد 
ازدياد الهجمات الإسرائيلية على مخافر الجيش الاردني على الحدود 

375 


الاردنية الفلسطينية والتي مني فيها الاردنيون بخسائر كبيرة في العتاد 
والارواح» على ضوء هذا الواقع طلب الملازم قريطم» مقابلة قائد منطقة 
الجنوب العسكرية واقترح عليه تعزير ثكنة مرجعيون بالعناصر 
والسلاح؛ وكان عدد عناصر الثكنة في ذلك الوقت لا يتجاوز الخمسة 
وعشرين عنصراً يحملون اسلحة فردية فقط. أبدى قائد المنطقة اهتماماً 
بكلام الملازم قريطم: وطمأنه إلى ان قيادة الجيش بصدد اعداد خطة 
لحماية الحدود الجنوبية ستبصر النور في وقت قريبء» ولكن هذه 
الوعود لم ينفذ منها شيئء وبقي الوضع على حاله طيلة العام الذي 


امضاه الملازم قريطم في الجنوب. 
انقلاب القوميين... على مهلك لنشوف كيف بدها تقلب 
الدقة 


عام 1960 قرر عدد من ضباط الجيش اللبناني» من بينهم 
الملازم أول نبيل قريطم والنقيب رؤوف عبد الصمدء القيام بانقلاب 
عسكري ضد حكم الرئيس فؤاد شهاب» احتجاجاً على الفساد الذي كان 
مستشريأ في البلاد في ذلك الوقت», واتخذوا من شقة في عين المريسة 
مقرأ للتخطيط لمشروعهم الانقلابي» ولكنهم ما لبثوا ان اوقفوا 
مخططاتهم بعد فشل المحاولة الانقلابية التي قام بها الحزب السوري 
القومي الإجتماعي عام 1961. ليلة الانقلاب كان الملازم أول قريطم 
يسهر في منزله في مساكن الضباط في الفياضية عندما سمع ضجة 
عير عادية مصدرها ثكنة الفياضية» فتوجه الى هناك لمعرفة ما يجري» 
وعندما وصل وجد قائد منطقة جبل لبنان العسكرية العميد خطار 
حيدرء ومعه بعض الضباط والعسكريين يقفون على مدخل الثكنة 
وسلاحهم في ايديهم؛ وعندما رآه العميد حيدر اخبره بأن هناك محاولة 
انقلاب عسكري يقوم بها الحزب السوري القومي الإجتماعي ضد 
السلطة» وامره بالتوجه إلى ثكنة حماناء واستدعاء سرية من فوج 

316 


الهندسة إلى بيروت للمشاركة في التصدي للانقلابيين. على الفور 
انطلق الملازم أول قريطم الى حمانا بسيارته وكان طوال الوقت يساوره 
القلق من احتمال وجود كمائن للقوميين على الطريق فيتعرفون عليه 
ويقدمون على اعتقاله. وبعد انجازه لمهمته في حمانا عاد الملازم أول 
قريطم إلى بيروت ليجد مهمة أخرى في انتظاره كلفه بها العميد خطار 
حيدر ايضاء الذي امره بالتوجه إلى منطقة المتحف حيث كانت تقع 
وزارة الدفاع» والطلب إلى قائد الفوج الرابع العقيد نقولا سماحة الاسراع 
في التدخل لفك الطوق عن "الوزارة" والتي كان قد حاصرها عناصر من 
الجيش اللبناني بقيادة النقيب فؤاد عوض الذي كان عضوأ في الحزب 
السوري القومي الإجتماعي. وصل الملازم أول قريطم إلى محيط وزارة 
الدفاع حيث وجد العقيد سماحة يقف بالقرب من المستشفى العسكري 
مع عدد من جنوده. أوامر العميد خطار .حيدر تلقاها العقيد سماحة 
ببرودة تامة ولم يتحرك لتنفيذها وهو بقي واقفاً في مكانه ينظر إلى 
الملازم أول قريطم ويهز برأسه. تعجب الملازم أول قريطم من تصرف 
العقيد سماحه ولكن أحد العسكريين الذي كان واقفأ إلى جانبه اوضح 
الموضوع عندما قال له: "طول بالك سيدنا لنشوف لمين بدها تقلب 
الدفة", بعد فشل محاولة الانقلاب قام الجيش اللبناني بحملة اعتقالات 
واسعة في صفوف القوميين شارك فيها الملازم أول نبيل قريطم والذي 
يقول عنها: انها كانت في جزء كبير منها بهدف ابراز الدولة لعضلاتها 
من اجل اخافة الناس حتى لا يفكر أحد مستقبلاً بتكرار مثل هذه 
المحاولة. 

عام 1969 عُين المقدم نبيل قريطم قائداً للشرطة العسكرية» 
وفي صباح يوم أحد اتصل به نائب رئيس الاركان العقيد فوزي 
الخطيب؛ وطلب منه الحضور إلى مكتبه في وزارة الدفاع لأمر خطير. 
في مكتب العقيد الخطيب وجد الملازم أول قريطم كل من المقدم 


377 


صلاح الدين بهلوان والملازم أول محمود مطر. طلب العقيد الخطيب 
من الملازم أول مطرء ان يخبر المقدم قريطم؛ بالحديث إلى جرى بينه 
وبين الضابط السابق حسن بدوي؛ فروى له مطر كيف حاول حسن 
بدوي اقناعه؛ بمحاولة خطف طائرة ميراج تابعة لسلاح الجو اللبناني» 
لصالح المخابرات السوفياتية لقاء مبلغ مالي ضخمء وبعد ان انتهى 
الملازم أول مطر من سرد روايته» طلب العقيد الخطيب من المقدم 
قريطم اعتقال حسن بدوي وسوقه إلى التحقيقء لكن المقدم قريطم اقترح 
قبل اعتقاله وضع خطة لإيهامه بأن الملازم أول مطر موافق على 
خطف الطائرة» وذلك بغية استدراجه للكشف عن كامل تفاصيل 
المؤامرة» وافق العقيد الخطيب على هذا الاقتراح واتصل برئيس الاركان 
العماد يوسف شميط الذي اعطى أوامره بوضع اقتراح المقدم قريطم 
موضع التنفيذ. سارت الخطة وفق ما هو مرسوم لهاء ونجحت 
المخابرات اللبنانية في كشف خيوط المؤامرة واعتقال المتورطين بها. 
اثار انكشاف المؤامرة تداعيات سيئة على العلاقات اللبنانية السوفياتية 
والتي كانت اكبر من قدرات الدولة اللبنانية على مواجهتهاء حتى ان 
رئيس المخابرات اللبنانية السابق العقيد انطوان سعدء قال للمقدم نبيل 
قريطم عندما التقاه مرة: 'نحنا مش قد السوفيات» كان فينا نقول للسفير 
السوفياتي نحنا كشفنا العملية ضب زعرانك وحلوا عنا". 
الحرب الاهلية... مين في هون اسمو محمد 

شهد لبنان في بداية الحرب الاهلية عام 1975» انهيار سقف 
الوحدة الوطنية وتصدع بناء الجيشء وبالرغم من ذلك بقي رئيس 
الشعبة الثالثة العقيد قريطم مصرأ على عدم مغادرة مقر عمله في وذارة 
الدفاع بالرغم من كل المضايقات» التي تعرض لها من عناصر 
عسكرية اقامت تكتلات سياسية وطائفية داخل مؤسسة الجيشء وكانت 
هذه المجموعات في محاولة منها للضغط على العقيد قريطم من اجل 


318 


دفعه إلى مغادرة وزارة الدفاع قد حضرت إلى المبنى الذي كان يقطنه 
في منطقة مار تقلاء وراحت تسأل عن شخص اسمه 'محمد". على 
الاثر قام العقيد قريطم بإرسال عائلته إلى بيروت الغربية» فيما بقي هو 
في اليرزة» ولكن مع تفاقم الأوضاع الامنية المضطربة وجد نفسه 
مضطرا إلى مغادرة وزارة الدفاع بعد ان اقدمت إحدى المجموعات 
الطائفية في الجيش على إطلاق النار ارهاباً بالقيب من مكتبه في وزارة 
الدفاع» وذلك ردأ على قيامه بإيواء عناصر من الجيش اللبناني في 
ثكنة الفياضية» كانت في طريقها من بعلبك إلى بيروت عندما فوجئت 
بحاجز لمليشيا الجبهة اللبنانية على طريق الفياضية فخافت من اكمال 
طريقها فاتصل المسؤول عنها بالعقيد قريطمء الذي امن لهم قضاء 
ليلتهم في ثكنة الفياضية»: قبل ان يعودوا في صباح اليوم التالي إلى 

عام 1976 تولى العقيد نبيل قريطم مسؤولية الشعبة الثانية 
في قيادة قوات الردع العربية بناء على طلب قائد هذه القوات العميد 
"احمد الحاج". خلال وجوده في قيادة قوات الردع العربية تعرف العقيد 
قريطم إلى الزعيم كمال جنبلاط عندما زاره في منزله في بيروت بتكليف 
من العميد احمد الحاج وذلك بهدف الاصغاء إلى مطالبه بشأن وجود 
القوات السورية العاملة في اطار قوات الردع العربية في الشوفء والتي 
كان جنبلاط يطالب باستبدالها بقوات من جنسيات عربية أخرى» تبع 
هذا اللقاء لقاء اخر بناء على طلب جنبلاط والذي أبدى فيه زعيم 
المختارة مخاوفه من مشروع انشاء فروع للجامعة اللبنانية في المنطقة 
الشرقية؛ معتبراً ان هذا الأمر يشكل مقدمة لتقسيم لبنان. 

بعد اغتيال كمال جنبلاط بفترة قصيرة حضر الرائد في الجيش 
اللبناني جان ناصيف إلى مكتب العقيد قريطم في قيادة قوات الردع 
العربية وقام بتسليمه مغلفاً عثر عليه مدير وكالة رويترز في بيروت 


319 


بالقرب من مكتبه في منطقة القنطاري» وكان هذا المغلف يحتوي على 
اوراق تعود للسيارة التي جرى استعمالها في اغتيال كمال جنبلاط مع 
ورقة تشير إلى ان هذا المغلف قد تم العثور عليه في مكان قريب من 
الحدود السورية - العراقية. وبعد ان قام الرائد ناصيف بتسليم المغلف 
للعقيد قريطم تمنى عليه إبقاء اسم الشخص الذي وجده طي الكتمان 
وذلك لأسباب امنية. التزم العقيد قريطم بوعده للرائد ناصيفء ولم تفلح 
كل الجهود التي بذلها المحقق العدلي في قضية كمال جنبلاط القاضي 
'حسن قواس" في حمله على البوح بأسم الشخص الذي عثر على 
المغلفء وبنتيجة التحقيقات تبين أن رمي الاوراق على الحدود السورية 
- العراقية» كان الهدف منه هو تضليل التحقيق. لم يستمر وجود العقيد 
قريطم في قيادة قوات الردع طويلاً فقام بتقديم استقالته بعد تعيين المقدم 
سامي الخطيب قائداً لهذه القوات. 

عام 1977 عُين العقيد نبيل قريطم رئيساً للمحكمة العسكرية 
والتي كانت قد انتقلت مؤقتاً إلى مبنى وزارة العدل بعد تعرض مبناها 
الرئيسي في المتحف للقصف خلال حرب السنتين» وبعد دخول قوات 
الردع العربية إلى بيروت تقرر عودة المحكمة العسكرية الى مبناها 
الانصياع لهذا القرار لأسباب طائفية» ووقفوا يتفرجون على رئيس 
المحكمة العقيد نبيل قريطم والقاضي وفيق الحسامي وهما يقومان 
بتوضيب ملفات المحكمة تمهيداً لأعادتها إلى مركزها الاساسي دون ان 
يمدوا لهم يد المساعدة. 
في المجلس الاعلى للدفاع 

عام 1979 قررت الحكومة اللبنانية إرسال الجيش اللبناني 
إلى الجنوبء الا ان هذا القرار لقي معارضة إسرائيل» التي طلبت من 
عميلها الرائد سعد حداد التصدي للجيش اللبناني ومنعه من الانتشار 


330 


في الجنوب. وتنفيذأ لأوامر إسرائيل قام سعد حداد بتوجيه نيران مدفعيته 
إلى كتيبة الجيش اللبناني المتوجهة إلى الجنوب» مما اجبرها على 
التوقف في بلدة كوكباء وعدم اكمال مهمتهاء وفي نفس الليلة اتصل 
رئيس الحكومة سليم الحص برئيس المحكمة العسكرية العقيد نبيل 
قريطم وطلب منه ايجاد الصيغة القانونية الفضلى التي تكفل طرد الرائد 
سعد حداد من الجيش اللبناني بتهمة الخيانة العظمى؛ وكان هذا 
الاتصال هو الأول بينهماء فاقترح عليه العقيد قريطم ان على رئيس 
الحكومة اصدار قرار بتحويل العميل سعد حداد إلى المجلس التأديبي 
الذي من صلاحياته اصدار توصية بطرده من الجيشء وذلك بدلاً من 
انتظار نتائج محاكمته امام المحكمة العسكرية» والتي قد تستغرق وقتا 
طويلاً. وافق الرئيس الحص على هذا الاقتراح وبناء على توصية 
المجلس التأديبي» اصدرت قيادة الجيش قراراً بتسريح الرائد سعدا حداد 
طردأ من الجيش. ولكن بالرغم من صدور قرار الطرد» فأن البعض في 
قيادة الجيشء لم يلتزم به وظل يقوم بإرسال راتب سعد حداد له سرأ إلى 
مرجعيون. 

شكل قرار طرد سعد حداد من الجيشء» بداية لعلاقة وطيدة 
بين الرئيس الحص والعقيد قريطم والتي كانت أحد ثمراتهاء تعيين العقيد 
قريطم أمينأ عام للمجلس الاعلى للدفاع؛ وذلك بعد ان وجد فيه 
الرئيس الحص الضابط العارف بشؤون الجيش من جميع النواحي 
العسكرية والادارية والقانونية» وكان ذلك عام 1979» وخلال الفترة 
التي امضاها العميد قريطم في هذا المنصبء كان رأيه دائماً حاضراً 
في جميع الملفات المتعلقة بالجيش التي حملها معه الرئيس الحص إلى 
مجلس الوزراء» وهو شكل إلى جانبه جبهة واحدة في التصديء لكل 
الاقتراحات التي كانت لا تراعي مصلحة الجيشء فعندما حاول قائد 
الجيش العماد فيكتور خوريء والرئيس الياس سركيس اصدار قرار 


3531 


ترقية الضباط الذين قاتلوا في صفوف الجبهة اللبنانية خلال حرب 
د وحجب هذه الترقيات عن الضباط الذين ناصروا الحركة 
الوطنية والمقاومة الفلسطينية عارض الرئيس الحص هذا المشروع 
بشدة» وكان موقفه هو: 'اما ان يترقى الجميع أو لا يترقى احد 
ونتيجة لمساندته لموقف الرئيس الحصء قامت مديرية المخابرات في 
الجيش» بوقف تزويد العقيد نبيل قريطم بالتقارير الامنية التي كان 
يحتاجها في عمله كأمين عام للمجلس الاعلى للدفاع. 

شكل مشروع قانون تنظيم "الجيش" مادة خلافية بين قائد 
الجيش والأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع بعد ان قام قائد الجيش 
بعرضه على المجلس العسكري قبل رفعه إلى مجلس الوزراء لإصداره 
بمرسوم» وكان جوهر الخلاف يتمحور حول اقتراح قائد الجيش العماد 
اي ا ة بقائد الجيش من دون 
المرور برئيس الاركان» فيما كان رأي الأمين العام للمجلس الاعلى 
للدفاع؛ انه يجب معاملة شعبة المخابرات اسوة ببقية الشعب التي تقو 
بتقديم دراستها واقتراحاتها إلى قائد الجيش عبر رئيس الاركان» و 
سؤال العقيد قريطم الدائم لقائد الجيش والذي بقي دون جواب هو لماذا 
الامتناع عن تزويد رئيس الاركان بالمعلومات الامنية؟ 

لم يقتصر الخلاف حول ملف تنظيم الجيشء على قائد الجيش 
والأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع؛ بل وصلت تداعياته أيضأ إلى 
رئيسي الجمهورية والحكومة. ففي حين اخذ رئيس الجمهورية جانب قائد 
الجيش تمسك الرئيس الحص برأي الأمين العام للمجلس الاعلى 
للدفاع» ونتيجة لهذه الخلافات بقي الملف عالقأء إلى ان خلف الرئيس 
شفيق الوزان الرئيس الحص في رئاسة الحكومة حيث جرى اقرار 
المشروع وفقأ لاقتراح قائد الجيشء ومن دون ان يمر بالمجلس 
العسكري كما ينص قانون الدفاعء وكان من نتائج الخلاف بين 


352 


الرئيسين سليم الحص والياس سركيس» حول مشروع تنظيم قيادة 
الجيش هو انه قضى على أي إمكانية للتعاون السياسي بينهما 
مستقبلاء هذا وقد لعبت المخابرات دورا في تسعير الخلاف بين 
الرئيسين» وذلك من خلال التنصت على مكالمات الرئيس الحصء» 
ونقل مضمونها إلى الرئيس سركيس وخاصة تلك التي كان فيها الرئيس 
الحص ينتقد فيها اداء رئيس الجمهورية في بعض الملفات. 
دولة كركوز 

عام 1979 طرحت قيادة الجيش مشروعاً لترميم طائرات 
الميراج وإعادة تأهيلها من جديدء لكن هذا المشروع لقي معارضة من 
الأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع نبيل قريطمء الذي كان رأيه: "ان 
هذه الطائرات باتت تنتمي إلى جيل الطائرات القديمة التي بإمكان 
الطائرات الإسرائيلية تدميرها بسهولة": واقترح بدلاً من ترميمها شراء 
طوافات عسكرية حديثة الصنع ورادارات متطورة» ولا سيما أن كلفة 
شراء هذه المعدات» هي اقل بكثير من كلفة إعادة الترميم. لقي هذا 
الاقتراح موافقة الرئيس سليم الحصء فيما عارضه بعض الوزراء وعدد 
من الضباط في قيادة الجيش الذين اصروا بشدة على على اقتراحهم 
بترميم الميراج» اثار هذا الاصرار من قبل البعضء؛ على المضي في 
مشروع لن يأت بالفائدة المرجوة منه» اضافة إلى كلفته العالية استغراب 
الأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع وجعله يشعر بأن هناك قطبة 
مخفية في الموضوع. تأكد له الأمر عندما زاره أحد الاشخاص في 
منزله موفدأ من قبل رجل الاعمال "ع. ب" وكان الهدف من هذه 
الزيارة هو اقناعه بالموافقة على مشروع ترميم طائرات الميراج» وعندما 
لم يفلح في ذلك قال له: لماذا كل هذه الشدة يا عميدء ما هيدي دولة 
كركوزات": وبعد ان أصبح شفيق الوزان رئيساً للحكومة خلفاً للرئيس 
الحص اعلن بأن هناك مشروعاً لدى الدولة اللبنانية بتعمير الميراج'؛ 

3833 


ولكن من دون ان يشرح ما هو الفرق بين التعمير والترميم؛ وفي النهاية 
بقيت الميراج من دون ترميم أو تعمير. 

لم تكن علاقة أمين عام المجلس الاعلى للدفاع العميد نبيل 
قريطم مع الرئيس الوزان هي نفسها التي كانت مع الرئيس الحص من 
حيث مستوى الثقة والتفاهم» بل على العكس من ذلك فقد سادت هذه 
العلاقة الكثير من التباينات والخلافات حول العديد من المواضيع» 
والتي كان اشدها حدة عام 1980 عندما قامت عناصر من القوات 
اللبنانية بالدخول إلى منطقة عين الرمانة» التي كانت تحت سيطرة 
الجيشء. وكان يُمنع على المسلحين التواجد فيها واقدمت على طرد 
مسؤول حزب الاحرار في المنطقة المدعو "الياس الحنش" مع عناصره 
من دون ان يحرك الجيش ساكنأ بل على العكس من ذلك فهو قام 
بإخلاء مواقعه لعناصر القوات اللبنانية» وسرعان ما تبين ان العملية قد 
تمت بالتواطؤ مع بعض ضباط الجيش. اثار انسحاب الجيش من 
مواقعه بهذه الطريقة ضجة واسعة في صفوف الرأي العام؛ والتي حاول 
الرئيس الوزان امتصاصها باللجوء إلى مجلس الوزراء الذي اصدر 
قرارات مسلكية بحق عدد من كبار الضباط الذين لم يكن لهم يد في ما 
جرى وفي طليعتهم قائد الجيش ورئيس الأركان فيما بقي الضباط 
المسؤولون عن هذه الفضيحة خارج أي محاسبة؛ هذا ولم يكتف مجلس 
الوزراء بهذا التدبير غير المحقء بل عمد أيضاأ إلى تسريب اسماء 
الضباطء الذي تم اتخاذ التدابير بحقهم إلى الصحف وذلك في محاولة 
للتشهير بهم وتحمليهم مسؤولية ما جرى. اثارت هذه القرارات استياء 
العميد قريطم؛ الذي دخل إلى مكتب رئيس الحكومة وقال له: 'ان 
قراراتكم هذه ما هي الا محاولة خبيثة وغير عادلة» للتخلص من 
الاحراج الذي سببته لكم فضيحة عين الرمانة". 


3534 


اجتياح 1982 ومفاوضات الانسحاب الفلسطيني من بيروت 

في السادس من حزيران عام 1982» بدأت إسرائيل عملية 
غزو واسعة للبنان» وبينما كان الجميع يتوقع ان تقوم حركة فتح والتي 
كانت اكبر قوة عسكرية في الجنوب بالتصدي للغزو الصهيوني في 
الجنوب» تفاجئ الجميع بانسحاب عناصرها من مواقعهم دون قتال» 
واللجوء إلى بيروت؛ الأمر الذي سمح للجيش الإسرائيلي باحتلال 
الجنوب بسرعة قياسية؛ وبعد ايام على بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان» 
التقى العميد نبيل قريطم بالقيادي في منظمة التحرير الفلسطينية هاني 
الحسن الذي كشف له بأن ياسر عرفات كان قد اتخذ قرار مسبقاً 
بالانسحاب من الجنوب إلى بيروت» والتحصن فيها في حال اقدام 
إسرائيل على غزو الجنوب. وذلك لصعوبة دخول الإسرائيليين اليها. 
مخالفاً بذلك رأي معظم القيادات الفلسطينية» التي كانت تريد القتال 
على ارض الجنوب. 

قرار أبو عمار بالانسحاب من الجنوب وجده العميد قريطم 


0 


صحيحاً من الناحية العسكرية فهو من خلال هذا الانسحاب استطاع 
تجنيب مقاتليه المزودين بأسلحة خفيفة وبضع قطع من المدفعية الثقيلة 
الوقوع في فخ التمركز دفاعياً والاشتباك مع عدو يفوقهم اضعافاً 
مضاعفة في العدد والعدة» فانسحبوا إلى بيروت الغربية والضاحية 
الجنوبية حيث الكثافة السكانية والعمرانية وتحصنوا فيهاء إلى جانب 
اللواء 85 في الجيش السوريء ومقاتلي الحركة الوطنية وجيش التحرير 
الفلسطيني وقاموا بسد مداخلها وقاوموا مقاومة عنيفة على رغم منعدم 
تكافو القوى". 

بعد ساعات على بدء الغزو الإسرائيلي للبنان عقد مجلس 
الوزراء إجتماعاً طارئاً دعي إلى حضوره الأمين العام للمجلس الأعلى 
للدفاع العميد قريطم وعدد من ضباط قيادة الجيش وظهر واضحاً منذ 


355 


بداية الجلسة» وجود ارتباك واضح لدى الوزراء في التعاطي مع هذا 
الحدث. 

في بداية الجلسة عرض أحد الضباط للوضع على الشكل 
التالي: "عند الساعة الواحدة من بعد ظهر هذا اليوم»ء علمت قيادة 
الجيش من قبل قوات حفظ السلام الدولية ان قوات إسرائيلية ضخمة» 
دخلت إلى الاراضي اللبنانية»ء دون تلقى أي مقاومة من قبل القوات 
الدولية» اما فيما يتعلق بالجيش اللبناني» فهو يمتلك كتيبتان (حوالي 
0 عنصر). تعملان مع القوات الدولية» وهما بأمرة قائد هذه 
القوات في الجنوب الجنرال كالاهان» ولا تخضعان لصلاحية قيادة 
الجيش العملانية» اما باقي قوات الجيش في الجنوب فهي مستنفرة» 
ولديها أوامر بالتصدي لأي اعتداء معاديء بالتنسيق مع القوات السورية 
العاملة في اطار قوات الردع العربية مع العلم ان إمكانيات الجيش 
اللبناني للتصدي للعدو الإسرائيلي» هي إمكانات محدودة جدأ بسبب 
غياب التنسيق مع عناصر المنظمات الفلسطينية؛ اما في منطقة جبل 
لبنان فأن إمكانية التصدي للعدوان الإسرائيلي» هي حتى حدود منطقة 

بعد ذلك دار الحوار التالي بين رئيس الحكومة والعميد قريطم: 

رئيس الحكومة: 'ما هو اقصى دور يمكن ان يؤديه الجيش 
اللبناني في هذه المرحلة؟ 

قريطم: "كتيبة لكل محورء ولكن المشكلة هي في ان الجيش» 
غير مقبول من قبل المنظمات الفلسطينية» ولكن السوال هل يمكن 
للحكومة ان تعطي أوامر بنزول الجيش إلى المعركة وان تغطي هذا 
الأمر؟ فاذا كان الجواب هو نعم فليدخل الجيش إلى المعركةء اما ان 
يذهب إلى الجنوب» ومن ثم يعود إلى ثكناته فذلك امر خطير". 


356 


في الاسبوع الأول للاجتياح تقدم الإسرائيليون بسرعة واحتلوا 
الجنوب ووصلوا إلى الشوف وعاليه» ثم تابعوا بعد ذلك نحو العاصمة. 
كانت خطة الإسرائيليين هي احكام الحصار على بيروت الغربية 
وتشديد عمليات القصف على احيائها وذلك بغية الضغط على منظمة 
التحرير الفلسطينية من اجل اجبارها على الانسحاب من بيروت وهم 
نجحوا في نهاية الأمر في تحقيق اهدافهم؛» فبعد ان تأكد لمنظمة 
التحرير الفلسطينية» انه ليس هناك أي دولة ستتدخل لمصلحتها قررت 
القبول بمبدأ الانسحاب من بيروت. 

في 1982/7/4 استدعى رئيس الحكومة شفيق الوزان الأمين 
العام للمجلس الاعلى للدفاع العميد نبيل قريطم إلى منزله» وكلفه 
بترؤس لجنة تضمه والعميدين سامي طانيوس وعباس حمدان مهمتها 
الاتصال بالمقاومة الفلسطينية والبحث معها في عدة نقاط تبلغها 
الرئيس الوزان من المبعوث الأميركي فيليب حبيب» وهي تختلف عما 
يتم تداوله في وسائل الاعلام» وابرز هذه النقاط هي: "التوصل إلى 
اتفاق لوقف إطلاق النارء مغادرة المقاتلين الفلسطينيين الاراضي 
اللبنانية مع اسلحتهم الفردية فقط مع اتخاذ كافة التدابير لتأمين سلامة 
المغادرين» مغادرة قوات الردع السورية والقوات المرتبطة بها الاراضي 
اللبنانية» القبول بوجود سياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان". 

كان واضحاً من حديث الرئيس الوزان» انه والرئيس الياس 
سركيس يميلان إلى تبني الاقتراحات الأميركية» لإخراج منظمة التحرير 
الفلسطينية من لبنان؛ وهو ابلغ العميد قريطم بأنه قد وضع بعض 
الملاحظاتء على اقتراحات المبعوث الأميركي وابرزها: "الاصرار على 
انسحاب الإسرائيليين من لبنان قبل الانسحاب السوري» جمع السلاح 
من المنطقتين الشرقية والغربية بشكل متزامنء الإبقاء على وجود رمزي 
لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان في اماكن نائية وتحت اشراف 


387 


الجيش اللبناني والذي يعود له تحديد نوعية السلاح والتدريب للعناصر 

من جهتهم رفض الأميركيون بقاء قوات فلسطينية في بعض 
الاماكن على الاراضي اللبنانية قبل ان يعودوا ويوافقوا مشترطين» ان 
يكون هذا التواجد لفترة زمنية محددة؛ تنتهي مع نهاية الوجود العسكري 
غير اللبناني على الاراضي اللبنانية؛ لكن مع دخول إسرائيل على 
الخط؛ واعلانها رفض أي تواجد لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان 
عسكري أو سياسي حتى ولو كان رمزيأء عاد الأميركيون ليماشوا 
الإسرائيليين في رأيهم. 
لعبة عض الاصابع 

بعد خمس محاولات لم يكتب لها النجاح تمكن العميد نبيل 
قريطم في المحاولة السادسة من التواصل مع القيادي الفلسطيني سعد 
صايل (أبو الوليد)؛ واتفق معه على عقد إجتماع لبناني فلسطينيي في 
السرايا الحكومي في 1982/7/5 لبحث التفاصيل اللوجستية المتعلقة 
بانسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. 

حضر الإجتماع عن الجانب اللبناني العميد الركن نبيل قريطم 
والعميد علي علاء الدين» والرائد سمير القاضيء والرائد احمد جارودي 
والرائد مختار خطاب. فيما مثل منظمة التحرير الفلسطينية؛ كل من 
العميد سعد صايل (ابو الوليد) وهاني الحسن وعطالله عطالله (ابو 
الزعيم). في بداية الإجتماع اعلن أبو الوليد: "ان منظمة التحرير 
الفلسطينية سلمت الحكومة اللبنانية موافقتها على الخروج من بيروت 
ولكن بالنسبة للقيادات الفلسطينية فهي لا تستطيع المغادرة قبل تنفيذ 
الاتفاقات المتعلقة بمغادرة المقاتلين» إلا اذا رغبت الدولة اللبنانية بأن 
تأخذ الأمر على عاتقها بكل ما يتضمنه من تفاصيل ومسؤوليات؛ كما 
طالب أيضأ بقوات دولية لحماية انسحاب المقاتلين الفلسطينيين من 


358 


بيروت وبدور للجيش اللبناني في حماية المخيمات؛ كاشفاً ان منظمة 
التحرير الفلسطينية طلبت من السعودية ان تتدخل لدى الولايات 
المتحدة الأميركية من اجل تشكيل القوات الدولية التي ستشارك في 
حماية المخيمات» كما طالب بانسحاب إسرائيلي من محيط بيروت 
وطريق بيروت دمشق. وسأل عما اذا كان الأميركيون قد تحدثوا مع 
القيادة السورية» بشأن خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت. كلام "أبو 
الوليد هذا فهم منه الجانب اللبناني ان الفلسطينيين ينوون المغادرة الى 
سوريا عن طريق البرء وان لم يقولوا ذلك صراحة". 

بعد ذلك تحدث العميد قريطم فتوجه بالسوال إلى الجانب 
الفلسطيني عن نوعية السلاح الذي تريد منظمة التحرير الفلسطينية 
اخراجه معها من بيروت فأجاب أبو الوليد: 'بانهم يصرون على 
اصطحاب جميع اسلحتهم معهم بما فيها الاسلحة الثقيلة". 

بعد انتهاء الإجتماع اتصل العميد قريطم برئيس الحكومة 
شفيق الوزان» واطلعه على تفاصيل المحادثات مع الوفد الفلسطيني 
فطلب منه رئيس الوزراء وضع قيادة الجيش في اجواء المباحثات مع 
الجانب الفلسطيني» وخلال اتصال اجراه العميد قريطم مع قيادة 
الجيشء نقل له أحد الضباط عن المبعوث الأميركي فيليب حبيب قوله: 
"انه مستعد لتأمين الطريق البري من اجل خروج إمن لمقاتلي منظمة 
التحرير الفلسطينية من بيروت مع انه يرى بأن هذا الطرح من قبل 
منظمة التحرير الفلسطينية غير جدي"؛ كما ابلغ الضابط المذكور 
العميد قريطم أيضأ بوجود صعوبات في تلبية المطالب الفلسطينية 
المتعلقة بوصول قوات فصل دولية قبل بدء الانسحاب الفلسطينيين من 
لبنان» واصطحاب المقاتلين لسلاحهم الثقيل. 

بدوره طلب العميد قريطم من محدثه مراجعة قيادة الجيش 
بالأمر اذ لا يمكن الطلب من الفلسطينيين المباشرة بالانسحاب دون 


3859 


وجود قوات فصل دولية مشدداً على ضرورة ايلاء موضوع حماية 
المخيمات اهمية قصوى. 

في 1982/7/6 قد الإجتماع الثاني بين الجانبين اللبناني 
والفلسطينيء وابلغ خلاله العميد قريطم الجانب الفلسطينيء نقلاً عن 
المبعوث الأميركي فيليب حبيب: "استعداد الولايات المتحدة لتأمين 
انسحاب المقاتلين الفلسطينيين من لبنان بحرا بحماية الاسطول السادس 
الأميركيء كما ابلغه أيضاً ان القوات الدولية أصبحت جاهزة» وهي 
ستصل إلى بيروتء بعد ثماني واربعين ساعة من تحديد موعد انسحاب 
مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروتء وان خروج مقاتلي 
منظمة التحرير الفلسطينية عن طريق البحرء هو افضل لهاء وذلك 
تجنباً لأي خرق امني قد يحدث خلال مواكبة القوات الدولية للعناصر 
الفلسطينية اثناء انسحابها برأء كما نقل قريطم عن المبعوث الأميركي 
قوله أيضاً: ان انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت سيرافقه 
تراجع للقوات الإسرائيلية عن بعض النقاط التي احتلتها في محيط 
بيروت»ء وان الولايات المتحدة ترى ان هناك صعوبة في الموافقة على 
اصطحاب الفلسطينيين لسلاحهم الثقيل في اثناء خروجهم من بيروت". 

اقتراحات المبعوث الأميركي رد عليها الجانب الفلسطيني 
بالاصرار على الخروج عن طريق البرء وقال أبو الوليد: "اذا كان 
فيليب حبيب لن يتمكن من تأمين الطريق البري؛ فأنه لن يتمكن أيضاً 
من تأمين انسحابنا عبر البحرء ونحن مصرون على الخروج مع 
الاسلحة الثقيلة وان منظمة التحرير الفلسطينية مستعدة لاستقبال القوات 
الدولية على الفور حتى ولو كانت فرنسية أو أميركية فقط اذا كان 
الهدف من قدومها هو حماية المخيمات من أي اعتداء» وتأمين خروج 
وتجميع القيادات والقوات الفلسطينية"» كما اعلن استعداد منظمة 
التحرير الفلسطينية للتتازل عن مطلبها بالإبقاء على وجود رمزي 


2320 


لمنظمة التحرير في لبنان» في حال كانت الحكومة اللبنانية لا تريد 
القبول به. 

انفض الإجتماع دون تحديد موعد الإجتماع القادم وعندما 
حاول العميد قريطم الاتصال باعضاء الوفد الفلسطيني لدعوتهم إلى 
إجتماع جديد فوجئ بأن هواتفهم لا تجيب» وكان سبب غيابهم عن 
السمع أنهم لم يكونوا جاهزين للأنسحاب بعد. وبالرغم من انقطاع 
الاتصال بين الجانبين اللبناني والفلسطيني؛ فأن الأميركيين استمروا في 
عملهم لتأمين البواخر التي ستتولى اجلاء مقاتلي المقاومة الفلسطينية» 
كما استمروا أيضاً في متابعة تشكيل القوة المتعددة الجنسيات التي 
ستتولى مواكبة عناصر المنظمات الفلسطينية اثناء خروجهم من 
بيروت. 

وبعد مضي حوالي الشهرء امتنع خلاله الوفد الفلسطيني عن 
الرد على اتصالات الجانب اللبناني» اتصل رئيس الحكومة شفيق 
الوزان بتاريخ 1982/8/2 بالعميد قريطمء وابلغه ان المبعوث الأميركي 
فيليب حبيب يرغب بالإجتماع به. في منزل السفير الأميركي في اليرزة 
سأل المبعوث الأميركي العميد قريطم عما آلت اليه نتائج الاتصالات 
مع الجانب الفلسطيني» وعندما عرف ان هواتفهم لا تجيب منذ اكثر 
من شهر قال للعميد قريطم: "اتصل الآن وسترى كيف سيجيبون". 

لم يكد العميد قريطم ينتهي من ادارة قرص الهاتفء حتى اتاه 
صوت العميد سعد صايل (ابو الوليد) من الجانب الآخرء حيث تم 
الاتفاق على استئناف الإجتماعات بين الوفدين اللبناني والفلسطيني» 
وكانت عودة الحرارة إلى الهواتف الفلسطينية قد سبقتها ليلة من القصف 
الإسرائيلي المجنون على بيروت الغربية والضاحية الجنوبية جرى فيها 
التركيز على المخيمات الفلسطينية. 


391 


مع استئناف المفاوضات اللبنانية الفلسطينية» عادت لعبة 
الشروط والشروط المضادة للبروز مجدداء ففي حين اصر المبعوث 
الأميركي "على ضرورة تجميع القوات الفلسطينية» في اماكن محددة من 
بيروت الغربية؛ استعداداً للمغادرة عن طريق البر أو البحر مصطحبة 
معها اسلحتها الفردية فقط على ان يخضع الفلسطينيين من غير 
المقاتلين الذين قرروا البقاء في لبنان للقواتيين اللبنانية اسوة بسواهم من 
الاجانب المقيمين في لبنان» بحيث تسوى أوضاعهم الاقتصادية 
والإجتماعية من قبل الحكومة اللبنانية»؛ ويتولى الجيش اللبناني حماية 
مخيماتهم بالتعاون مع القوات المتعددة الجنسيات". رفض الجانب 
الفلسطيني هذه الاقتراحات واصر على خروج المقاتلين برأ مصطحبين 
معهم اسلحتهم الثقيلة» على ان يسبق ذلك اتفاق بين منظمة التحرير 
الفلسطينية والحكومة للبنانية حول حقوق اللاجئين الفلسطينيين الذي 
سيبقون في لبنان. 

يروي العميد قريطم كيف كان "ابو الوليد" يأتيه إلى منزله في 
منتصف الليل؛ ليعكفا سوية على دراسة الشروط الأميركية والإسرائيلية 
وكان أبو الوليد وبعد ان يخرج من منزل العميد قريطم كان يعود ليرسل 
له مع ساعات الفجر الأولى أحد مرافقيه حاملا معه اجوبة منظمة 
التحرير الفلسطينية» على النقاط التي كانا قد ناقشاها سوياً في 
الساعات الماضية. 

لم يستطع الفلسطينيون الاكمال إلى ما لانهاية في لعبة عض 
الاصابع» فأعلنوا اخيراً موافقتهم على الخروج من بيروت بحرأء ومن 
دون اسلحتهم الثقيلة مكتفين بسلاحهم الخفيف فقطء كما اعلنوا موافقتهم 
أيضاً على مشاركة القوات المتعددة الجنسيات في ضمان امن 
المخيمات إلى جانب الجيش اللبناني اضافة إلى ضمان امن عناصر 
المنظمات الفلسطينية التي ستغادر بيروت. 


322 


من جهة ثانية ابلغت منظمة التحرير الفلسطينية الجانب 
الأميركيء بأنها ستتحمل كامل نفقات الإنتقال بحراًء وكان الأميركيون 
قد اعلنوا في وقت سابق موافقتهم على ان يتم الانسحاب الانسحاب 
الفلسطيني برأ ولكنهم ععادوا وتراجعوا عن موقفهم بضغط من 
الإسرائيليين» الذين اشترطوا ان يقتصر استعمال طريق البر على 
عناصر قوات الردع العربية وجيش التحرير الفلسطيني العائدين إلى 
سوريا. 

كانت مسألة حماية المخيمات الفلسطينية من اكثر المسائل» 
التي شغلت اهتمام العميد قريطم في فترة المفاوضات مع الأميركيين» 
وخاصة في ظل امتناع الجانب الأميركي على اعطاء اجوبة واضحة 
حول مسألة امن المخيمات؛ مما جعله يشعر بأن المخيمات الفلسطينية 
ستكون في خطر داهمء بعد الانسحاب الفلسطيني من بيروت. 

بعد الاتفاق على انسحاب عناصر المنظمات الفلسطينية من 
بيروت» ابلغت الحكومة الفرنسية مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في 
باريس أنها ستقوم بإرسال بارجة حربية من اجل مواكبة ياسر عرفات 
اثناء خروجه من لبنان» والذي تم تحديد موعده يوم 1982/8/27. وان 
الأميركيين قد اعطوا موافقتهم على الحماية الفرنسية لرئيس منظمة 
التحرير الفلسطينية. من جهته رد الجانب الفلسطيني على المراسلة 
الفرنسية بالتأكيد على ضرورة ان يكون موعد خروج عرفات من بيروت 
قبل هذا التاريخ من اجل ان يتسنى له المشاركة في التحضيرات 
لمؤتمر القمة العربي في القاهرة الذي كان موعده في 2»1982/9/7 
واقترح ان يصار إلى تأجيل سفر الدفعة التي ستغادر إلى اليمن 
الشمالي في 1982/8/25» وتغيير وجهتها إلى مرفأ اللاذقية في 
سورياء وذلك افساحا في المجال امام تسريع سفر ياسر عرفاتء وبينما 
كان البحث جارياً مع الفرنسيين في مسألة تقريب موعد سفر ياسر 


323 


عرفات» دخل الأميركيون على الخطء وابلغوا منظمة التحرير 
الفلسطينية بواسطة الجانب الفرنسي انهم يفضلون ان تتم مغادرة الزعيم 
الفلسطيني بيروت في 1982/8/30 إلى اثينا على متن مركب تجاري 
يوناني مع ستون من مرافقيه» أو على متن مركب تجاري فرنسي إلى 
مرفأ لارنكا في قبرصء كما اكد الأميركيون إلتزامهم بحماية امن 
عرفات اثناء خروجه من بيروت. 

في خضم هذه المفاوضات قام السفير اليوناني في بيروت» 
بزيارة مفاجئة إلى منزل العميد قريطمء في منتصف ليل 1982/8/23» 
وطلب منه مرافقته إلى منزل السفير الفرنسي في بعبداء وذلك بهدف 
الحصول منه على جواب حول الترتيبات الامنية» التي ستتولى 
الحكومة الفرنسية اتخاذها من اجل حماية امن ياسر عرفات. وصل 
السفير اليوناني ويرفقته العميد قريطم إلى منزل السفير الفرنسي» لكن 
احداً لم يفتح لهما الباب» وكانت قد الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة 
بعد منتصف الليل. فاقترح السفير اليوناني التوجه إلى السفارة 
الأميركية» والقيام من هناك بالاتصال بالسفير الفرنسي. لم يُسر السفير 
الفرنسي بالاتصال به ليلأء وهو ابلغ العميد قريطم بأن فرنسا ستقوم 
بإرسال بارجتين حربيتين لتأمين الحماية لياسر عرفات» في اثناء 
خروجه من بيروت. والذي تحدد موعده في1982/8/30. 
الاربي جي سلاح ثقيل ممنوع اصطحابه 

لم يكد يبدأ تنفيذ اتفاق خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت 
حتى بدأت إسرائيل والولايات المتحدة بوضع العراقيل امام تنفيذه. 
وكانت اولى هذه العراقيل هي منع إسرائيل للباخرة التي تقل أول دفعة 
من المقاتلين الفلسطينيين المغادرين إلى تونس من الابحار بحجة ان 
المقاتلين الذين سيغادرون على متتها يحملون معهم قواذف 'الار بي 
جي" والذي اعتبرته إسرائيل سلاحاً ثقيلاً.. فكان ان تحركت الاتصالات 


324 


من جديد بين الجانبين اللبناني والأميركي» والتي اسفرت عن السماح 
للباخرة بالمغادرة بعد انتظار دام سبع ساعاتء؛ وذلك بعد ان حصلت 
إسرائيل على تعهد بعدم اصطحاب الفلسطينيين معهم لقواذف "الاربي 
جي" مرة أخرىء وكان الأميركيون خلال مراحل المفاوضات؛ يصرون 
على عدم السماح للفلسطينيين باصطحاب سلاح "الازبي جي”" معهم 
في اثناء مغادرتهم لبيروت» بحجة انه سلاح ثقيل وبغية حل هذا 
الاشكال حمل العميد قريطم قاذف "ار بي جي" وذهب به إلى المبعوث 
الأميركي فيليب حبيب وطلب من أحد الضباط الذي كانوا برفقته ان 
يشرح للمبعوث الأميركي كيفية استعمال هذا السلاح» وبعد ان انهى 
الضابط شرحه اخذ فيليب حبيب القاذف منه ودخل به أحد الغرف, 
حيث كان يوجد عدد من الضباط الأميركيين» ليعود بعد قليل» ويقول 
للعميد قريطم: 'بلى انه سلاح ثقيل". عندها فهم العميد قريطم ان 
الهدف من هذه المناورات» هو محاولة تحطيم معنويات الفلسطينيين. 

بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت» طلبت 
الحكومة اللبنانية من الجانب الأميركي؛ تنفيذ تعهداته بحماية امن 
المخيمات الفلسطينية واجبار إسرائيل على الانسحاب من لبنان. الا ان 
الأميركيين راحوا يتهربون من تنفيذ إلتزاماتهم. في 1982/8/31 تلقى 
العميد قريطم رسالة من القيادي الفلسطيني سعد صايل (أبو الوليد) 
يعلمه فيها عن قيام عناصر من حزب الكتائب اللبنانية بذبح عائلة 
فلسطينية بكاملها من "آل بدران" في بلدة الناعمة وان الاجواء داخل 
المخيمات الفلسطينية متوترة للغاية"» وفور تبلغه بهذه الحادثة قام العميد 
قريطم بابلاغها إلى المبعوث الأميركي للبنان "موريس درايبر" بها 
والذي أبدى لامبالاة كاملة حيالها. 


395 


صبرا وشاتيلا.... أين الجيش 

بعد اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل في 1982/9/14 
دخلت القوات الإسرائيلية إلى بيروت الغربية» وقامت بقتل عدد كبير 
من المدنيين في مخيمي صبرا وشاتيلا؛ بالتعاون مع المليشيات التابعة 
لسعد حداد والقوات اللبنانية» وكان العميد قريطم قد تعرف على بشير 
الجميل عندما قام على رأس وفد من ضباط الامانة العامة للمجلس 
الاعلى للدفاع بزيارته لتقديم التهنئة له بانتخابه رئيساً للجمهورية؛ وما 
ان شاهده بشير حتى قال له "انا رئيسك". 

في 1982/9/17 تبلغت الامانة العامة للمجلس الاعلى 
للدفاع من اركان للجيش للعمليات وثيقة اتصال جاء فيها:" بأن إسرائيل 
قد ابلغت الحكومة اللبنانية بواسطة لجنة الاتصال اللبنانية - الأميركية 
" بانها ستوعز إلى جيش الدفاع الإسرائيلي باخلاء المواقع التي احتلها 
في بيروت وتسليمها إلى الجيش اللبناني حالما يكون مستعداً لتولي 
الاشراف على هذه المواقع بالتنسيق مع جيش الدفاع الإسرائيلي وذلك 
لضمان الامن والنظام في بيروت". 

وفور استلامه للبرقية» قام العميد قريطم بإبلاغها الى رئيس 
الحكومة شفيق الوزان» والذي اجاب عليها ببرقية جاء فيها: 'بعد ابلاغ 
رئيس الحكومة وثيقة الاتصال تاريخ 1982/9/17» والمتعلقة بطلب 
جواب الحكومة اللبنانية الاجابة على العرض الإسرائيلي باخلاء المواقع 
التي احتلهاء فأنه يطلب حضور قائد الجيش إلى منزله فوراً للتباحث 
في الموضوع. الا ان قائد الجيش عاد بعد قليل ليجيب: 'بأن البرقية تم 
إرسالها عن طريق الخطأ". وهو لم يحضر إلى منزل رئيس الحكومة. 
وفي نفس اليوم أيضاً تسلم العميد قريطم؛ من قائد جهاز امن المطار 
العميد ياسين سويد برقية يبلغه فيها: "عن وجود عشر شاحنات 'للقوات 
اللبنانية"' على المدرج الغربي للمطارء وهي تستعد للتوجه نحو بيروت 


326 


الغربية» وأنه حاول الاتصال برئيس الحكومة لإبلاغه بالأمر الا انه لم 
يتمكن من ذلك". فأعطاه العميد قريطم رقم منزل رئيس الحكومة؛ وبعد 
حوالي النصف الساعة اتصل العميد قريطم برئيس الحكومة فوجده في 
غاية التوتر بعد ان ابلغه قائد جهاز امن المطار بتحركات القوات 
اللبنانية في محيط المطار. 
حاول العميد قريطم تدارك نتائج دخول القوات اللبنانية إلى 
مخيمي صبر وشاتيلاء قبل تفاقمها فأتصل بأحد دبلوماسي السفارة 
الأميركية ويدعى السيد "/09ام"؛ وطلب منه بذل اقصى جهوده لمنع 
دخول عناصر القوات اللبنانية من الدخول إلى المخيمات الفلسطينية 
وبيروت الغربية» خوفاً من حدوث مجازر بحق المدنيين ولكن هذا 
الاتصال بقي من دون نتيجة. فبعد حوالي الساعة على اتصاله 
بالدبلوماسي الأميركي تلقى العميد قريطم برقية من جهاز امن المطار 
تفيد عن 'ظهور عناصر من جماعة سعد حداد عند مسنديرة شاتيلا 
بالقرب من نقطة للجيش اللبناني» وانه في نفس الوقت يُسجل انتشار 
لعناصر "القوات اللبنانية" في مناطق حارة حريك والاوزاعي وصولا إلى 
مركز دار العجزة الإسلامية وهي تتّخذ من المطار نقطة لتجمعها". 
صباح 1982/9/18 اتصل السفير الأميركي في بيروت 
بالعميد قريطم وابلغه برغبة المبعوث الأميركي إلى لبنان السفير موريس 
درايبر بلقائه من اجل الوقوف منه على حقيقة الأوضاع في مخيمي 
برا وشاتيلا. عُقد الإجتماع بين العميد قريطم والسفير درايبر في 
منزل السفير الأميركي والذي اكتفي خلاله المبعوث الأميركي بأبداء 
الاسف حول ما يجري من احداث في مخيمي صبرا وشاتيلاء وفي 
اليوم نفسه حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر حضر إلى منزل العميد 
قريطم القائم بالأعمال الأميركي في بيروت 'ريان كروكر" وكان في 
حال من الذهول وهو اخبر العميد قريطم بأنه عائد من جولة على 
مخيمي صبرا وشاتيلا حيث شاهد جثث الاطفال والنساء في ارجاء 
37 


المخيمين وقد نخرها الرصاص. وفي اثناء وجود كروكر في منزل 
العميد قريطم تلقى الاخيرء برقية من قائد جهاز امن المطار: 'تفيد عن 
ظهور 6 دبابات تابعة للقوات اللبنانية على مدرج المطار وهي تستعد 
للتوجه نحو بيروت الغربية» وقد لحقت بها بعد قليل مجموعة أخرى 
تابعة للقوات اللبنانية أيضأ وتدعى مجموعة ادونيس"؛ وان قائد هذه 
المجموعة يدعى 'بوسي الاشقر"؛ وقد تعرف اليه أحد ضباط الجيش 
وتحدث معه؛ وان عناصر تابعة لقسم عين الرمانة الكتائبي قد اقدمت 
على سرقة اجهزةٍ كمبيوتر من المبنى الرئيسي للمطارء وعندما 
اعترضهم أحد ضباط الدرك نهروه وطلبوا منه البقاء جانباً. 

احداث صبرا وشاتيلا سبقها إرسال تكليف رسمي من رئيس 
الحكومة إلى قيادة الجيش» يطلب فيه ان تكون القوى العسكرية 
النظامية على اهبة الاستعداد للإنتشار على خطوط المواجهة مع العدو 
الإسرائيلي من اجل منع دخول المسلحين إلى بيروت الغربية والضاحية 
الجنوبية» وتأمين سلامة العابرين» ومساندة قوى الامن الداخلي في 
تثبيت الامن في بيروت وضواحيهاء حالما يُطلب منها ذلك. ولكن هذا 
القرار لم يجر تنفيذه؛ مما دفع رئيس الحكومة إلى الطلب رسمياً من 
الأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع اجراء تحقيقات فورية لمعرفة 
التدابير التي اتخذت لضمان تنفيذ القرارء وما هي الاسباب التي حالت 
دون السير في اجراءات التنفيذ» وتحديد المسؤوليات في حال ترتبهاء 
الا ان الرئيس الوزان سرعان ما عاد ليطلب التراجع عن اجراءات 
التحقيق» بعد تكليفه بتشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس أمين 
الجميل كما انه قام بعد وقت قليل من تسلمه لمهامه بإصدار قرار 
بإلغاء المجلس العسكري ومهمة العميد نبيل قريطم كأمين عام للمجلس 
الاعلى للدفاع ووضعه بالتصرفء وكان السبب الرئيسي لهذه القرارات 
هو فقدان الانسجام بين الرجلين. 

في عام 1983 قررت الحكومة اللبنانية» استئناف المفاوضات 

258 


مع منظمة التحرير الفلسطينية» بشأن استكمال انسحاب مقاتليها من 
الشمال والبقاع» وذلك تنفيذا للإتفاق الذي كان قد جرى التوصل اليه 
مع المبعوث الأميركي فيليب حبيب في صيف 1982. وفي هذا 
الاطار كلف مجلس الوزراء العميد نبيل قريطم اجراء اتصالات مع 
الجانب الفلسطيني بهذا الخصوص. باشر العميد قريطم مهمته بلقاء 
ياسر عرفات في تونس والذي كان شرطه لإنسحاب مقاتليه من الشمال 
والبقاع هو وضع جدول زمني لانسحاب القوات السورية من لبنان» 
وذلك من دون أي اشارة للاحتلال الإسرائيلي لقسم كبير من الاراضي 
اللبنانية» مبرراً اصراره على هذا الشرط بأنه حتى لا يُتهم من قبل 
جماهيره بالتخاذل والتسبب بضياع فرص الصمود بوجه العدو 
الإسرائيلي"؛ كما طالب عرفات أيضاً الحكومة اللبنانية بتنفيذ تعهداتهاء 
بشأن حماية المخيمات» وضرورة اعطاء الفلسطينيين في لبنان حقوقهم 
الإجتماعية والانسانية» وذلك إلتزاما بالاتفاق الذي وافقت بموجبه 
منظمة التحرير الفلسطينية على الخروج من بيروت. 

ومع انعقاد مؤتمر عدم الانحياز في العاصمة الهندية نيودلهي 
في اذار عام 1983.» انتقل البحث في هذا الملف إلى اروقة المؤتمر» 
فعقدت لقاءات بين الوفدين الفلسطيني واللبناني على هامش المؤتمر 
مثل فيها لبنان سفير لبنان في الامم المتحدة غسان توينيء» والعميد 
نبيل قريطم والعقيد نبيه فرحات؛: وبدا واضحاأ من خلال هذه 
الإجتماعات ان الفلسطينيين» لم يكن يريدون الانسحاب من الشمال 
والبقاع» وانهم كانوا يناورون بانتظار تطورات ما على الارض تطيح 
البحث في هذا الملف. 


2359 


تقارير إجتماعات الوفدين اللبناني والفلسطيني التي عقدت 
في نيودلهي كما سجلها العميد قريطم 

تقرير إجتماع بتاريخ 1983/3/7 

الجانب الفلسطيني: السيد محمود اللبدي 

الجانب اللبناني: العميد الركن تبيل قريطم 

العقيد الركن نبيه فرحات. 

مكان الإجتماع: قصر المؤتمرات في دلهي الجديدة. 

بعد البحث في مسألة انسحاب القوات الفلسطينية من لبنان» 
وضرورة تسريع هذا الانسحاب والضمانات المطلوبة من قبل الجانب 
الفلسطيني للفلسطينيين المقيمين في لبنان تمت متابعة اللقاء على 
الوجه التالي: 

محمود اللبدي: هل هناك رغبة من قبل فخامة الرئيس أمين 
الجميل بملاقاة السيد ياسر عرفات؟ 

العميد قريطم: لا يوجد أي مانع لدى فخامة الرئيس من ملاقاة 
السيد ياسر عرفات. انتم لديكم مشاكلكم وتعرفونها اكثر من غيركم لذا 
لالزوم للتكلم عنها ونحن لدينا مشاكلنا. هناك مسائل عالقة بيننا 
وبينكم واللقاءات المباشرة قد تساعد على حلها. انما حتى يكون اللقاء 
ذا نتائج مفيدة فيقتضي ان يدور حول نقاط محددة وواضحة. فيما 
يتعلق بنا نحن اللبنانيون فنحن نعاني مشاكل خطيرة ناتجة عن 
الاحتلال الإسرائيلي ونعمل على حلها بما لدينا من إمكانيات ونعتمد 
أيضاً على اصدقائنا واخواننا. نحن نعمل على تسريع الانسحاب 
الإسرائيلي الذي يضع شروطا في مقدمتها انسحاب المقاتلين 
الفلسطينيين من لبنان ومن هنا تأتي اهمية المبادرة الفلسطينية 
بالانسحاب من لبنان. فالانسحاب الفلسطيني يعطي لبنان ورقة 
ضاغطة بيده ويسقط الذريعة من يد إسرائيل. فالإعلان عن النية 

400 


بالانسحاب من الجانب الفلسطيني لا تكفي بل يقتضي تنفيذه. ان 
الوقت ضاغط علينا فكل يوم تأخير في الانسحاب الإسرائيلي يزيد من 
مشاكلنا في لبنان. ان تنفيذ الانسحاب من قبلكم يتطلب التحضير له 
بجدولة مفصلة ودقيقة وان وضع هذه الجدولة سيكون ذا فائدة للأسباب 
التالية: 

تعطي مصداقية اكبر للوعد الصادر عن المقاومة بالانسحاب. 

تسمح بتقصير المهل في حال صدور قرارات بالانسحابات. اذ 
في حال لم يكن هناك جدولة فربما قد يتطلب تحضيرها ومن ثم اتخاذ 
الاجراءات التحضيرية للتنفيذ مهلة طويلة. قد تؤخر الانسحابات 
الشاملة. 

ومن هنا ضرورة الجدولة واهميتها والتي ينبغي ان تكون دقيقة 
ومفصلة وان تشتمل على النقاط الرئيسية التالية: 

عدد المقاتلين الفلسطينيين الموجودين في الشمال والبقاع. 

تحديد بلدان المقصد والاتصال بها لاجل استقبال المقاتلين 
الفلسطينيين المغادرين للبنان وجواب هذه البلدان على طلب استقبال 
المقاتلين. 

المسائل اللوجستية المتعلقة بالانسحابات أي وسائل النقل 
وخطوط السير وتأمين هذه الوسائل على همة من؟ 

الجدول الزمني للانسحاب والذي ينبغي معرفة كم من الوقت 
يلزمكم للمباشرة به؟ وفي حال قدم أبو عمار اجوبة صريحة وعملية 
على هذه الاسئلة أو باشر البحث بها عمليا انطلاقا من قوله ان مبدأ 
الانسحاب هو مقرر فيمكن عندها القول بأن هناك رغبة اكيدة 
بالانسحاب وبوضع الوعد بالتنفيذ موضع التنفيذ. 

محمود اللبدي: هناك مسألة الضمانات للفلسطينيين وهي 
هامة فالفلسطينيين المقيمين في لبنان ويقتضي تسهيل امورهم وهناك 


401 


من يرغب بالخروج من لبنان ويمنع من السفر لماذا؟ انا سأقابل أبو 
عمار وسأتصل بكم مجددا للبحث. 

العميد قريطم: اكرر ان الإجتماع كي يكون مثمرا يقتضي ان 
يسفر عن قرار لتنفيذ عملي للانسحاب لا ان يبقى يدور حول مسألة 
القررات المبدئية فقط. 


إجتماع بتاريخ 1983/3/8 الساعة 14:30 تقريبا بين السيد 
محمود اللبدي والعميد الركن نبيل قريطم في قصر المؤتمرات في دلهي 
الجديدة. 

في هذا الإجتماع اجاب السيد اللبدي عن استفسارات إجتماع 
77 بما يلي: 

ان مسألة انسحاب المقاتلين الفلسطينيين من لبنان لا تزال 
غير محضرة بالتفصيل وانه بحسب علمه فانه لن يكون هناك مشكلة 
في الانسحاب الفلسطيني في حال الانسحاب السوري وان قرار 
الانسحاب ليس بالأمر الهين لأنه سيخلق متاعب مع القاعدة الشعبية. 

ملاحظة: تم نقل هذه الرسالة الشفهية إلى فخامة الرئيس في 
قاعة المؤتمرات. 

6#ة#» ندنانا 

تقرير عن إجتماع بتاريخ 1983/3/9 الساعة 11:00 
صباحا تقريبا 

الجانب اللبناني: 

العميد الركن نبيل قريطم 

العقيد الركن نبيه فرحات 

الجانب الفلسطيني: 

الدكتور أحمد صدقي الدجاني 


402 


السيد شفيق الحوت 

السيد أبو جعفر 

مكان الإجتماع قصر المؤتمرات. دلهي الجديدة 

طرحت اسئلة محددة من الجانب اللبناني واجاب عليها الجانب 


الفلسطيني كما يلي: 
السؤال الأول: ماهو عدد المقاتلين الفلسطينيين الموجودون في 
البقاع والشمال؟ 


الجواب: سنقوم بإجراء تعداد دقيق لهم ونجيبكم وان كانت 
الارقام المتداولة تتحدث عن اعداد تتراوح بين سبعة آلاف وتسعة 
آلاف. 

السؤال الثاني: فيما يتعلق بالبلدان التي سيتوجه إليها 
المغادرون هل ستجري عملية الاتصال بها من قبل الفلسطينيين ام من 
قبل لبنان ام من قبل أميركا. 

الجواب: الافضل ان تتولى الولايات المتحدة العملية وتتحمل 
مسؤوليتها دون ان يعني ذلك ان لا نقوم نحن وانتم بدور عندما يقتضي 
الأمر ذلك ونحن نتساءل هنا كيف ستتم عملية الاتصال بيننا وبين 
الولايات المتحدة للبحث في هذه التفاصيل هل بطريق مباشر و/أو 
بطريق غير مباشر نحن نفضل بهذه الامور الاتصال المباشر؟ 

السؤال الثالث: ماذا عن النواحي الادارية المتعلقة 
بالانسحابات أي وسائل الإنتقال وخط السير وعائلات المقاتلين؟ 

الجواب: على ضوء البحث الذي سيجري فيما يخص السؤال 
الثاني يتحدد الأمر الاداري وخط سير العائلات والمقاتلين. 

السؤال الرابع: ماذا في موضوع علاقاتنا المشتركة وخاصة 
فيما يخص حماية الفلسطينيين في لبنان؟ 

الجواب: ان القيادة الفلسطينية كما لاحظتم من خلال خطاب 


403 


الاخ أبو عمار في المؤتمر حريصة على تحميل إسرائيل وحدها 
مسؤولية الجرائم التي اقترفت في صبر وشاتيلا. لا نحن ولا انتم نقبل 
ان تتكرر هذه الجرائم. هذا هو الجانب الأول اما الجانب الثاني فهو 
حرصنا الزائد على علاقات اخوية تحكم فلسطين ولبنان. وذلك من 
ضمن منطلقين الأول حماية المدنيين لمنع تكرار ما حدث من مجازر 
والثاني التأكيد على احسن العلاقات بين لبنان وفلسطين. والسيد شفيق 
الحوت هو مخوّل ببحث التفاصيل فيما يتعلق بالعلاقات ومجمل 
أوضاع الفلسطينيين في لبنان. 

السؤال الخامس: هل صحيح ما يقال عن عودة خلايا للعمل 
المسلح في لبنان؟ 

الجواب: ليس هذا صحيحا حسب معلوماتنا وليس هذا توجهنا 
وتعلم القيادة اللبنانية ما هو توجهنا الذي اتفقنا عليه سابقاً. 

السؤال السادس: ما هو المدى الزمني لهذا التحرك 
(الانسحاب)؟ 

الجواب: نحن متجاوبون وبانتظار اتصالاتكم. 

السؤال السابع: في حال طلب منكم المباشرة بالانسحاب كم 
يلزم من الوقت لتحضير الدفعات المنسحبة وخاصة المباشرة بالدفعة 
الأولى؟ 

الجواب: المدى الزمني اللازم ولا يمكن الاجابة عنه بدقة الان 
سنفهمه ميدانيا اولا ونجيبكم. 

#866 »##© 

تقرير إجتماع بتاريخ 1983/3/9 الساعة 3:00 

الجانب الفلسطيني: الدكتور أحمد صدقي الجاني 

السيد شفيق الحوت 

الجانب اللبناني: السفير غسان تويني 


404 


العميد الركن قريطم 
العقيد الركن نبيه فرحات 


السفير غسان تويني: اطلعت على الإجتماع الذي جرى هذا 
الصباح بين الجانب الفلسطيني والجانب اللبناني ورأينا كما يلي: 

نوافق على ان تجري أميركا الاتصال انما نرغب ان تقولوا لنا 
ما هي الدول المفضلة لديكم نظموا لائحة تفضيل واعطونا إياها سر اذا 
كنتم لا ترغبون بالافصاح عن الدول التي تفضلونها تلافياً للأحراج. 
حسب معلوماتي ان الدول التي قالت انها ترحب بكم هي الاردن 
والعراق. بالنسبة للأردن تعلمون انتم ما هي شروطه لقبول المقاتلين. 
اما العراق فهو قال بأنه يمكنه ان يستقبل لواء كاملاً. أميركا مستعدة. 
والسفير دنيس روس ذهب مؤخرأ إلى تونس وان روس وموريس درايبر 
مستعدان للذهاب إلى أي مكان تختارونه وان المفاوضات تتم بطريقة 
غير مباشرة وسنبذل لتتم المفاوضات بطريقة مباشرة . 

بالنسبة للنواحي الادارية فانها متوقفة على المكان. المهم ان 
يكون هناك تحضير كامل للانسحاب بحيث تكونوا جاهزين يمكن 
تطبيق نفس عملية الانسحاب التي حصلت في بيروت الصيف 
الماضي فهل توافقون؟ 

فيما يتعلق بالذين يرغبون بالذهاب إلى سوريا فان البحث 
يجري بشأنهم مع القيادة السورية من قبل جميع الفرقاء. فيما يتعلق 
بالعائلات. الاردن نعلم ما هي شروطه:؛ العراق اعطى انطباعا عن 
استعداده لاستقبال المقاتلين فقط» الجزائر لا نعلم ماهي شروطها. 

هناك سوال هل يمكن ان نعلم ما هو العدد في البقاع 
والشمال؟ 

الدكتور دجاني: كلا 


405 


السفير تويني: فيما يتعلق بالمخيمات هناك ثلاث احتمالات 
ال 0151لا أم 2005 أو الجيش اللبناني وحيث كان الجيش اللبناني لم 
تحصل مجازر. بحثنا الأمر مع أمين عام الامم المتحدة "دي كويار' 
الذي قال انه بحث الأمر مع أبو عمار الذي اجاب بأنه يريد 
"اليونفيل". انما دون ان يصر على ذلكء» هذه العملية يلزمها موافقة 
مجلس الامن ومن ضمنه السوفيات وهل انتم تقومون بالبحث مع 
السوفيات للحصول على التأييد لتكليف اليونفيل بحماية المخيمات؟ 

لبنان رفض الذهاب إلى القدس وقد قاوم رئيس الجمهورية 
الضغط الإسرائيلي للإجتماع هناك. قمنا بمعركة عن العرب لأجل 
القدس بقينا شهرين نرفض ثم امضينا شهر اخر بالمفاوضات ونحن 
نرفض طلب الإسرائيليين تطبيع العلاقات حتى اننا تحفظنا على جدول 
الأعمال. لقد تأخرنا ثلاثة اشهر بسبب مكان المفاوضات ويسبب 
تطبيع العلاقات ولقد تأخرنا أيضاً بسبب مستوى التمثيل وقد قمنا 
بتعيين دبلوماسي متقاعداء حتى لا نجلب سفيراً أو وزير يلزم الدولة. 
وزير الخارجية الأميركي شولتز يدعو الوزير ايلي سالم ووزير خارجية 
إسرائيل اسحاق شامير للاجتماع معه في واشنطن طبعا سيجتمع بكل 
منهما على حدة ونحن نفترض بأن يكون هذا المسعى للضغط وقد 
يستجيب الإسرائيليون ويقبلوا. 

الإسرائيليون هم الذين طلبوا ضمانات أميركية بخلاف ما 
يعلنون وهم يريدون ان يقول لهم الرئيس الأميركي ريغان هذه ضمانات 
فتفضلوا بالتوقيع. اذا كان العرض الأميركي مقبول إسرائيليا فنحن 
ميالون إلى ذلك لا اقول موافقون انما ميالون. الأميركيون يحتاجون إلى 
هذا الاتفاق لاستثماره في مباحثاتهم مع الاردن فإذا كنتم مع تسريع 
الأمر يجب ان يكون ملف الانسحاب جاهزاً. ماذا يمكن ان تعطونا 
سلمونا الاسرى من الجيش الإسرائيلي. الإسرائيليون عرضوا علينا 


406 


استلام معتقل انصار مقابل الاسرى. رفضنا ذلك انها مسؤولية امنية 
كبيرة . الإسرائيليون يقومون بالاعتداء على الجيش نرجو ان توضحوا 
لنا الصورة لنتمكن من توظيف هذا الأمر مع الإسرائيليين. ان جزء من 
هدف عملية سلام الجليل هو الاجهاز عليكم عن طريق لبنان وسوريا 
غاية إسرائيل عرقلة المفاوضات وهذا يساعد على القضاء عليكم. 

هدفنا ان يعود الرئيس الجميل وبيده جدول انسحابات؛ أن 
موضوع جدولة انسحابات القوات الفلسطينية مستقل عن بقية 
المفاوضات ونحن نأمل ان يقوم أبو عمار بمبادرة حسن نية. تتمثل 
بالانسحاب من مركز ما في الشمال ومن المفضل ان يكون هذا المركز 
هو طرابلس لنتمكن من بسط السلطة الشرعية عليها. ان هذا الانسحاب 
في حال حصل سيمكن وزير الخارجية اللبناني ايلي سالم من الذهاب 
إلى واشنطن وبيده ورقة اسقاط الذريعة من يد إسرائيل فلا يبقى الحلف 
الاستراتيجي بيننا وبينكم عبئا على رئيس الجمهورية تجاه بعض الفئات 
اللبنانية حيث لم تزل تتواجد قوات فلسطينية. 

صدقي الدجاني: وماذا يعلن فلسطينياً؟ 

السفير تويني: فيما يتعلق بمسألة الضمانات تتحمل الحكومة 
اللبنانية مسؤولية حماية الفلسطينيين» ان الرئيس أمين الجميل يعتبر ان 
الإجتماع مع أبو عمار امر هاماً انما يقتضي بأن يسفر هذا الإجتماع 
عن شيء. في حال تعذر هذا اللقاء يمكن تضخيم اللقاء الأول اعلاميا 
والاعلان عن مباشرة إجتماعات عمل بين الجانب اللبناني والجانب 
الفلسطيني لأجل التحضير للانسحاب. 

مخابرة هاتفية من الدكتور احمد صدقي الدجاني إلى العميد 
قريطم في فندقه في نيودلهي في 1983/3/9 الساعة 19:00 ابلغ 
فيها الدجاني الجانب اللبناني مايلي. 


407 


عطفا على إجتماعنا هذا النهار فإننا نبدي رأينا في النقاط 
المطروحة كما يلي: 

النقطة الأولى: سندرس فكرة انسحاب جزئي وبصورة لا تؤثر 
على اخوتنا السوريين لأنني لا اريد ان ابرز أي موقف مغايرا لموقفهم. 

النقطة الثانية: بالنسبة لما يمكن ان يعلنه الرئيس الجميل فإن 
بإمكانه ان يعود ويقول 'بيدي جدول برنامج الانسحابات وان جدول 
انسحاب القوات الفلسطينية مستقل عن بقية المفاوضات". 

النقطة الثالثة: نختار 01ا110؟ لحماية المخيمات ونحن نبحث 
الأمر مع موسكو والأمين العام لالثمم المتحدة. 

النقطة الرابعة: بالنسبة للمدى الزمني فحسب تجربتنا الماضية 
نحن نقول اننا بحاجة لثلاثة أسابيع. 

النقطة الخامسة: ستكون اللوائح جاهزةٍ قريبا وهي ليست جاهزة 
حالياً. 

النقطة السادسة: طلبتم ان نضعكم في صورة موضوع الاسرى 
وفي هذا المجال نقول المعتقلون نوعان: عسكريون وهؤلاء نجهز لهم 
اماكنهم اما المعتقلون من المدنيين وهم من العمال والطلاب والعاملين 
في الهلال الاحمر وسكان مخيمات وهم مدنيون معتقلون ظلما وجورا 
وهؤلاء سيبقون في لبنان وفقا لقوانين الإقامة والحكومة اللبنانية تتولى 

جهودنا 'وكرايسكي"! نجحت. هناك قائمة تعد لتبادل الاسرى 
بالنسبة لنا من الداخل. 

طلبنا من الإسرائيليين تنفيذ ما اتفق عليه قبل الخروج حول 
معسكر انصار بعض الاخوة يريدون البقاء في الارض المحتلة 
وسيحدث تبادل اسرى في فينا أبو عمار يبعث بأطيب تحياته للرئيس 


' مبعوث اميركي. 
408 


الجميل ولكم دائما وهو يسعده اللقاء بالرئيس الجميل ولكن يترك امر 
إجتماع الليلة لتقديركم ولا شيء يمنعنا من ان يتم ونريد ان تكونوا 
مستريحين. 

نؤكد على ضرورة حماية المدنيين وممارستهم لحقوقهم المدنية 
وبالنسبة لمكتب منظمة التحرير الاسراع باعادته لنستلمه ونقوم 
باصلاحه. 

ملاحظة: بلغت لفخامة الرئيس ودولة الرئيس واعضاء الوفد 
بذات التاريخ الساعة 19:30 تقرب 
لا اسلحة لقصف المدنيين 

هد عه الرنيس أمين الجميك» 'تدهوراً ائنيا حيرا "عدن 
مساحات واسعة من الاراضي اللبنانية تخلله قيام الجيش اللبناني 
بقصف عشوائي على بيروت الغربية والضاحية الجنوبية» مما ادى إلى 
سقوط عدد كبير من المدنيين. لاقى هذا القصف اعتراض عدد كبير 
من ضباط الجيش من بينهم الملحق العسكري في واشنطن العميد نبيل 
قريطمء الذي انتقد علناً استعمال الرئيس الجميل العنف لحل مشاكله 
مع معارضيه؛ وهو اتبع انتقاداته برفضه التوقيع على عقود الاسلحة 
المبرمة بين الجيش اللبناني والولايات المتحدة؛ مبرراً قراره هذا بأن هذه 
الاسلحة سيتم استخدامها في قصف المدنيين» حاول الأميركيون احتواء 
الموقف فدعوا العميد قريطم لزيارة البنتاغون وحاولوا اقناعه بإعادة 
النظر في قراره» لكن محاولاتهم ذهبت ادراج الرياح» مما دفع رئيس 
الجمهورية إلى اصدار مرسومء كلف بموجبه السفير اللبناني في 
واشنطن بالتوقيع على صفقات الاسلحة بدلاً من الملحق العسكري. 

بعد انتهاء مهمته في واشنطن عاد العميد قريطم إلى بيروت», 
حيث جرى تعيينه مرة أخرى أميناً عامأ للمجلس الاعلى الدفاع» في 
حكومة الرئيس رشيد كرامي عام 1984. لم يرتّح الرئيس الجميل لهذا 

409 


التعيين وحاول عرقلته بشتى الطرق» حتى انه عندما وصله مشروع 
مرسوم ترقية العميد قريطم إلى لواء قام بتمزيقه. 

وقبل ذلك كان الجميلء» قد احتفظ بدرج مكتبه بمرسوم تعيين 
نبيل قريطم أمينأ عامأ للمجلس الاعلى للدفاع اكثر من عشرة اشهر. 
متذرعاً بأسباب عديدة لعدم توقيعه؛ وبالرغم من مراجعة الرئيس كرامي 
له عدة مرات فأن الرئيس الجميل ظل يتهرب من التوقيعء إلى ان نفذ 
صبر الرئيس كرامي فقام بالاتصال برئيس الجمهورية؛» وطلب منه 
التوقيع على المرسوم دون مماطلة والا فأنه سيكون له مواقف تصعيدية 
من العهدء فكان ان رضخ الرئيس الجميل» حتى لا يتسبب بازمة حكم 
مع رئيس الحكومة وقام بالتوقيع على المرسوم. بعد انتهاء ولاية الرئيس 
الجميل؛ غعين العميد قريطم وزيرا للخارجية والداخلية والتربية الوطنية 
في حكومة العماد ميشال عونء ولكنه بادر فور تعيينه إلى تقديم 
استقالته» وذلك استجابة لتمنيات الرئيس سليم الحصء كذلك فعل 
زميليه اللواء محمود أبو ضرغم والعميد لطفي جابر الذين رفضوا 
تعيينهم في حكومة ميشال غون أيضاً. 


410 


58 5 لعا / ٠.‏ 5-5 رقم :د لدت 

نفل اليا 9 : 9 التارييع : سسا 
جيئز أمن الثورة المرحد ضوع: 

: ا 

البو لس مرلهض معد لد ع 


كمه زلف . 
تسل ١ن‏ تماد شرب لالالمل فرعتن يرم 0 
مزل ديك تَعَلن “ لنا مه رون عاثرة سيان 
نكن هرب للتا كب وا ترمرا قل زر لعاللء كدر 

٠ ر[لر١ و بر هه وسررثة‎ 2١ 
امه م د سشكين ها دل و‎ 
اليل يلي مب برز طن لعل كركلهم ها‎ 

مشركرًا ليها لكي : 
نابي 


1 ا 


3 2 


411 


ريا لدجائة 
اسم ملب ير 


ساك عق حارفا جنا عم الس يليب حيس والمتمطقت اميك 
0 ا لمارالا تين الكل ءينين عجهات يا يوا 
فار سمرت أ صاي مسفاءت سمس يبوت من أرا ا 
عا ينا ترعب !ىق م الما العرفي ؟ 6 سكرن مور 
ايحش عى أهبة امو سار طرشك لطع لزنتام مإ م كرا لتاليع : 
اع اماشعشار ملا انطرط ا مراع (طلى دما لسر 
١‏ ملو إلى بيرع العيرة ءا لما هي ١‏ تساي 
سمسصزرله ؛ لعاسر سن 
ماني فت سد مس اسسم الراغْل ع أجل تلج امزامن 
ع سديطة ردح رس اصح . 
25 مام مم 2 : 
رو شوش إدعل العابزان مق تار 


.هر أت «مده٠‏ وا متملق زتكد ينك ليك كا سمه 
دكي علا لرور/ ور 


مين ,ع6 


رسالة الرئيس شفيق الوزان 


412 


١145/1١/١١ السبت‎ 


- مقابلة د رايير الساعة ١١١١‏ بناء على طليه مي متزل السفير الاميركي «كان بادى التأثئر 
بسبب اجتياح بيروت الغربية والمخيمات ٠‏ 
كروكر عكلس كلا نار بجولة وحضر الى منزلي بحد الظبر فكان بادى التأثر وشرب الكثير من 
الكونياك يسبب تأئره ٠‏ 
الوضم في مطار بيروت بتاريخ ١١45/17١4‏ ( وثيقة من العميد سويد ) ٠‏ 
الساعة ١60٠‏ النتقلت سربة د بابات ١ (١‏ د بابات ) للكتائب اللبنائية ١‏ القوات اللبنانية) 
من المطار باتجاء بيروت الغربية عزز اليد رج الغري ٠‏ 


الساعة ١666©‏ والتقلت مجميوعة اد وليس ( حنسرمملالات و ١6‏ نصف مجنزرة ) من القفواتك 
اللبئانية بأتجاء بيروت الغربية ٠‏ بينا السحيت مجمرعة د بابات ( القرات اللينانية ) باتجاه 
الشوينات ٠‏ 
بقي في المطار ٠‏ © دبابات للقوات اللبنائية 

" آليات اسرائيلية 

تأى ان هذه القوات هي القوات اللبنائية الى تعرفاحد الضباط على رئيسها المدعو يرسي 
الاشتر وتحد ث معه ٠‏ 
الساعة 1ه لم من الاليات التي د خلت بيروت ار ت مسا* باتجاء الشويفات ٠‏ 
الد بابات التي كانت على البدرج لم تمد تشاهد عليه ولا أي الاتجاء الذى زلهبتليه 

خلا المدرج من اى وجرد عسكرى غريب ( بأستثنا' الوجد الاسرائيلي في المطار ) 
ابلغت رئيس الوزرا' مسا' بعد تبلغبا من الحميد سويد اي حوالي الساعة 2٠١65٠٠‏ ه 

- سرقة كتائب هين الربانة ( شرل خورى ) جهازي كبيوتر من المبنى الرئيسي للنطار وقد 
وقد اعترضهم ضابط الد رك فتهروه ٠‏ 


413 


أبس 


عمر مسيكة يروي أسرار الدولة خلال نصف 


مه 





عمر مسيكه. الثاني من اليمين مع الرئيس رشيد كرامي 


مظاهرة الاستقلال وقتلى وجرحى في استقبال القاووقجي 

يرال منظن الشيهذاء: الذين تفظو برضامن حكوة الانتداب 
الفرنسي خلال مظاهرات الاستقلال التي جرت في طرابلس عام 1943 
يحفر عميقاً في ذاكرة عمر مسيكة» وكانت فعاليات طرابلسية سياسية 
ودينية قد دعت إلى اعلان الاضراب العام؛ والقيام بمظاهرات احتجاجاً 
على اعتقال سلطات الانتداب الفرنسي لرئيس الجمهورية بشارة الخوري 
ورين الحكومة زياش: الضلح والوزراء :غادل عسيران» كميل شتمتعون» 
سليم تقلا والزعيم الطرابلسي عبد الحميد كرامي وزجهم في سجن قلعة 
راشيا. وجاءت هذه الاعتقالات على اثر قرار المجلس النيابي بإلغاء 

415 


جميع المواد الدستورية التي تذكر الانتداب الفرنسي للبنان. وكان عمر 
مسيكة أحد الذين شاركوا في هذه المظاهرات مع طلاب مدرسته وكان 
لا يزال يومها في السابعة من عمره. 

عام 1958 تخرج عمر مسيكة من الجامعة اليسوعية؛ حاملاً 
اجازة في الحقوق. بعد تخرجه تقدم إلى مباراة لتعيين مراقبين في ديوان 
المحاسبة فكان من بين الناجحين» ولكن إلحاق الناجحين بوظائفهم 
تأخر دون ان تتضح الاسباب لذلك؛ ليتبين بعد مراجعات عديدة ان 
رئيس الجمهورية كميل شمعون كان يماطل بالتوقيع على مرسوم تعيين 
الناجحين متذرعاً بأسباب عديدة» ولكن السبب الحقيقي كان ان اثنان 
من الناجحين من الطائفة المسيحية هم من غير الموالين له» بقيت 
المشكلة عالقة حتى انتخاب فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية خلفاً للرئيس 
كميل شمعون؛ وفور استلام الرئيس الجديد لمهامه ارسل له القاضي 
في ديوان المحاسبة الياس سركيس”» رسالة شرح له فيها حاجة الديوان 
لهؤلاء الموظفين فاستجاب الرئيس شهاب لطلبه وقام بالتوقيع على 
مرسوم التعيين. 

فور تسلم عمر مسيكة لوظيفته استدعاه رئيس الديوان القاضي 
احمد الاحدبء وابلغه أنه اختاره مساعداً له» وكلفه بالاتصال بكبار 
خبراء المال والاقتصاد في لبنان» للوقوف على رأيهم في مشروع 
تحديث النظام النقدي والمصرفي الذي كان يعده ديوان المحاسبة ورفع 
تقرير له بنتائج هذه الاتصالات. قام عمر مسيكة بالمهمة المكلف بها 
خير قيام مما اثار إعجاب رئيس الجمهورية فوؤاد شهاب؛ وجعله يفكر 
في تعيينه قائممقام في أحد المحافظات» لكن والدة مسيكة اعترضت 
بحجة ان ابنها ما زال صغير السن على هذه المسؤولية» وكان لا يزال 


يومها في الرابعة والعشرين من العمر. 
' رئيس الجمهورية السابق. 


416 


بعد عام امضاه عمر مسيكة في ديوان المحاسبة استدعاه 
رئيس الديوان وابلغه انه ينوي ترشيحه لوظيفة "رئيس ديوان مجلس 
الوزراء"؛ ونصحه أن يصر على ترفيعه إلى منصب مستشار او رئيس 
مصلحة قبل استلامه لمهامه الجديدة. 

بدأ عمر مسيكة ممارسته لمهامه في رئاسة مجلس الوزراء 
عام 1959 كموظف منتدب من قبل ديوان المحاسبةء» وفي اليوم 
الاخير من السنة انعقد مجلس الوزراءء وعلى جدول اعماله اقرار 
سلسلة من التعيينات؛ منها تثبيت عمر مسيكة رئيساً لديوان مجلس 
الوزراء. استمرت الجلسة حتى منتصف الليل دون التوصل إلى اتخاذ 
أي قرار سوى قرار تعيين الياس سركيس مديراً عامأ لرئاسة الجمهورية؛ 
اما باقي القرارات فقد اختلف عليها الوزراءء مما دفع الرئيس فؤاد شهاب 
إلى مخاطبتهم قائلاً: 'يبدو ان مشروع الاصلاح الاداري في لبنان هو 
حلم طويل الامد". 

اثار قرار صدور قرار تعيين الياس سركيس مديراً عامأ لرئاسة 
الجمهورية وحده من دون بقية القرارات؛ امتعاض عمر مسيكة فدخل 
إلى مكتب رئيس الحكومة رشيد كرامي وقال له: "لا يجوز ان يصدر 
مرسوم تعيين مدير عام لرئاسة الجمهورية فيما يبقى مرسوم تعيين 
رئيس ديوان مجلس الوزراء من دون توقيع» الأمر الذي قد يفسره 
البعض على انه انتقاص من هيبة رئيس الحكومة". اقتنع رشيد كرامي 
بوجهة نظر عمر مسيكة وطلب من أمين عام مجلس الوزراء 'ناظم 
عكاري"التوجه إلى منزل الرئيس فؤاد شهاب في "جونيه"؛ والطلب اليه 
التوقيع على مرسوم تعيين عمر مسيكة رئيسأ لديوان مجلس الوزرء والا 
فأن رئيس الحكومة سيمتنع بدوره عن توقيع مرسوم تعيين الياس 
سركيس مديراً عاماً للقصر الجمهوري. استجاب رئيس الجمهورية لطلب 
رئيس الحكومة» وبعد ساعتين عاد ناظم عكاري حاملاً معه مرسوم» 


417 


تثبيت عمر مسيكة رئيساً اصيلاً لديوان مجلس الوزراء. 

كان الرئيس فؤاد شهاب صادق النية» في سعيه لبناء دولة 
القانون والمؤسسات في لبنان» ولكنه ارتكب غلطة كبيرة في إطلاقه يد 
المكتب الثاني! بالتدخل في شؤون الدولة والمواطنين» والذي راح 
يتصرف وكأنه دولة ضمن دولة فيراقب تحركات المعارضين للحكم 
ويتتنتصت على هواتفهم ويتدخل في الانتخابات النيابية وغيرها من 
الامور. حتى ان الملازم أول سامي الخطيبء والذي كان من ابرز 
ضباط المكتب الثاني في تلك المرحلة قال مرة لعمر مسيكة: 'لن ادع 
صائب سلام يخرج من منزله بعد اليوم"» وكان الرئيس صائب سلام 
من ابرز معارضي الرئيس فؤاد شهاب في تلك المرحلة. 

بدورها لم تسلم ادارات الدولة من مضايقات الشعبة الثانية التي 
راحت تعمل على استمالة بعض الموظفين بغية استخدامهم كمخبرين» 
هذا وقد كان لديوان رئاسة مجلس الوزراء نصيبه من ممارسات الشعبة 
الثانية» فابتلي بالمدعو "ع. ش" الذي كان موظفاً في ادارة الجمارك» 
قبل ان يتم نقله إلى ديوان مجلس الوزراء؛ بمسعى من شقيقه والذي 
كان أحد ضباط المكتب الثاني البارزين. كان أول ما قام به ع. ش بعد 
ان استقر في وظيفته الجديدة هو انه راح يحاول اقناع عدد من 
الموظفين من بينهم عمر مسيكة بالتعاون مع المكتب الثاني وتزويده 
بمعلومات تتعلق بوظائفهم. فتجاوب البعض معه فيما رفض اخرون 
تلبية طلباته. اثار رفض عمر مسيكة التعاون مع "ع. ش"'» غضب 
المكتب الثاني فأصبحت اتصالاته وتحركاته مراقبة طوال الوقت. فيما 
راح "ع. ش"» يحرض الموظفين في ديوان مجلس الوزراء على عدم 
اطاعة أوامر عمر مسيكة. 

كان رئيس الحكومة رشيد كراميء يبدي انزعاجه من تجاوزات 


' الاسم الذي كان يطلق على جهاز المخابرات. 
418 


المكتب الثاني» ولكن من دون ان يبادر إلى التصدي لها. بل على 
العكس من ذلك فهو كثيراً ما كان في جلساته الخاصة؛ يظهر ارتياحه 
لمضايقات المكتب الثاني لخصومه السياسيين» وفي طليعتهم الرئيس 
صائب سلام؛ وكان ذلك مرده إلى انه كان يخشى ان تؤدي معارضته 
لممارسات ضباط المكتب الثاني إلى انقلابهم عليه لصالح خصومه 
السياسيين» وبالرغم من تساهل الرئيس كرامي مع جماعة المكتب 
الثاني» فإن هؤلاء ابقوا انفسهم على مسافة منه» وذلك من خلال 
امتناعهم عن تزويده بالتقارير الامنية الهامة التي كان يحتاجها في 
عمله كرئيس للحكومة» وفي تعبير واضح عن تضايقه من حجب 
المكتب الثاني للمعلومات عنه قال رشيد كرامي مرة لعمر مسيكة: 
'بيعطوا المعلومات الدسمة لرئيس الجمهورية وبيتركوا الفراطة لرئيس 
الحكومة". 

لم يقتصر تدخل المخابرات في الحياة السياسية على عهد 
الرئيس فواد شهاب بل ان هذا التدخل كان ومازال سمة كل العهود في 
لبنان حتى ان الرئيس الياس الهراوي قال مرة لعمر مسيكة: 'ما عدت 
قادر على تحمل '"جميل السيد" الذي يريد ان يحشر انفه في كل شيء". 
وكان العميد جميل السيد يومها نائباً لرئيس مخابرات الجيش. 
رشيد الصلح: "بدي طير سليمان فرنجية قبل ما يطيرني" 

كانت السنوات الأولى» من عهد الرئيس سليمان فرنجية حافلة 
بالتطورات؛ والاحداث التي شكلت مقدمة -- الحرب الاهلية عام 
5ه هذا وقد لعبت المخابرات الأميركية والإسرائيلية دوراً في تسعير 
نار الانقسامات بين اللبنانيين»ء من خلال إطلاقها سلسلة من 
الاشاعات؛ التي كان من شأنها ان تجعل الوضع بين اللبنانيين 
والفلسطينيين آيلاً للانفجار في لحظة؛ وبحسب تقارير سرية» وصلت 
إلى رئاسة الحكومة في ذلك الوقت فأن هذه الاشاعات كان لها هدفان 


419 


الأول هو جعل المواطن اللبناني يشعر بأن الوجود المسلح الفلسطيني 
على الاراضي اللبنانية هو سبب الاعتداءات التي تقوم بها إسرائيل 
على قرى ومدن لبنانية» اما الثاني فهو اقناع الفلسطينيين بأن الحكومة 
اللبنانية»؛ لا تمانع الاعمال العدوانية التي تقوم بها إسرائيل على 
المخيمات الفلسطينية بل انها متواطئة معها على تصفية القضية 
الفلسطينية. 

استطاعت هذه الاشاعات ان تفعل فعلهاء فانفجر العنف على 
نطاق واسع في معظم المناطق اللبنانية» وفي محاولة لضبط الوضع 
وإعادة الهدوء إلى البلاد بدأ الرئيس سليمان فرنجية سلسلة اتصالات 
مع جميع الاطراف السياسية في لبنان من اجل ايجاد مخرج للأزمة 
القائمة. هذه الاتصالات فسرها البعض بأنها مقدمة لتغيير حكومي 
وشيكء الأمر الذي اثار حفيظة رئيس الحكومة رشيد الصلح.ء والذي 
ثقل عنه قوله بأنه مصر على بقاء حكومته مهما كانت الظروف"؛ وفي 
محاولة منه للالتفاف على مساعي رئيس الجمهورية» قام الرئيس 
الصلح بجولة على مختلف فعاليات البلاد الروحية والسياسية شرح 
خلالها وجهة نظره من موضوع التغيير الحكومي. 

في السابع من ايار عام 1975» كان موعد انعقاد جلسة 
مجلس الوزراء المخصصة لمناقشة الوضع الامني المتردي في البلاد» 
وقبل موعد الجلسة اتصل رئيس الحكومة بأمين عام مجلس الوزراء 
عمر مسيكة؛ وابلغه بأنه سيمر عليه في منزله» للذهاب سوية إلى 
مجلس الوزراء» استغرب عمر مسيكة هذا الموضوع خاصة انه لم يكن 
من عادة رئيس الحكومة ان يمر عليه لاصطحابه إلى جلسات مجلس 
الوزراء وشعر ان وراء هذه الزيارة امر خطير. 

وصل الرئيس الصلح إلى منزل عمر مسيكة وقال له بانفعال 
شديد: 'لن اسمح لسليمان فرنجية بتطييري من رئاسة الحكومة؛ وسأكيل 


420 


له الصاع صاعين؛ من خلال ملفات احملها معي إلى طاولة مجلس 
الوزراء» الملف الأول هو إعادة تنظيم الجيشء والملف الثاني هو ملف 
التجنس الذي يقضي بمنح الجنسية اللبنانية لمستحقيها من غير 
اللبنانيين وبمرسوم واحد للجميع؛ واما الملف الثالث والاهم فهو ملف 
المشاركة في الحكم والذي يتضمن وضع التعديلات اللازمة التي تحول 
دون استفراد رئيس الجمهورية بالقرار» وخاصة لجهة حقه في اقالة 
رئيس الحكومة اذا ما اختلف معه في الرأي". نصح عمر مسيكة رئيس 
الوزراء بالتروي وتأجيل طرح الملفات الخلافية إلى وقت آخرء لكن 
رئيس الحكومة اصر على موقفه وقال له: "علي وعلى اعدائي يا رب 
والبادي اظلم". 

في ظل هذه الاجواءء توجه الرئيس رشيد الصلحء وبرفقته 
أمين عام مجلس الوزراء عمر مسيكة إلى قصر بعبداء وفيما دخل 
الرئيس الصلح إلى مكتب رئيس الجمهورية» بقي عمر مسيكة ينتظر 
نتائج اللقاء في أحد غرف القصر. لم يستمر الإجتماع اكثر من ربع 
ساعة؛ خرج بعدها الرئيس فرنجية غاضباء وبعد قليل تبعه الرئيس 
الصلح وهو في قمة انفعاله وتوجه إلى السرايا الحكومي لترؤس جلسة 
مجلس الوزراء» كان النقاش داخل مجلس الوزراء عاصفاً. وهو انتهى 
بتقديم وزيري حزب الكتائب جورج سعاده ولويس أبو شرف استقالتهما 
ولقي موقفهما هذا تضامن وزراء حزب الوطنيين الاحرار ميشال ساسين 
ومحمود عمار ونديم نعيم كما استقال أيضاً الوزير الامير مجيد 
ارسلان. في المقابل اعلن ممثلو القوى اليسارية في الحكومة الوزراء 
عباس خلف وماجد حماده وخالد جنبلاط» تأييدهم لرئيس الحكومة رشيد 
الصلح. 

بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء توجه رئيس الحكومة إلى 
مجلس النواب الذي كان منعقداً لمناقشة الوضع الامني في البلادء 


421 


وألقى خطاباً ناريأ اعلن فيه استقالة حكومته؛ متهم حزب الكتائب 
بتفجير الأوضاع في لبنان؛ وبعد ان انتهى رئيس الحكومة من إلقاء 
كلمته وفيما هو يهم بمغادرة الجلسة تصدى له النائب أمين الجميل 
محاولاً منعه من الخروج قبل الاستماع إلى رد حزب الكتائب على 
كلمته فوقعت مشادة عنيفة بينهما وصلت إلى حد الاشتباك بالايدي. 
رشيد كرامي: 'لن ارضى بسقوط الف قتيل من اجل ان 
تحكموا البلد" 

بعد استقالة حكومة الرئيس رشيد الصلح اعتقد الرئيس سليمان 
فرنجية ان تشكيل حكومة عسكرية من شأنه ان يضع حداً للفلتان 
الامني في البلاد. فكلف في 1975/5/23.ء المدير العام السابق لقوى 
الامن الداخلي العميد المتقاعد نور الدين الرفاعي بتشكيل حكومة من 
العسكريين؛ الا ان هذه الحكومة جوبهت برفض شامل من جميع القوى 
الإسلامية في لبنان بالاضافة إلى كمال جنبلاط؛ وبعد ان صدرت 
مراسيم تشكيل الحكومة حضر الرئيس نور الدين الرفاعي إلى السراي 
الحكومي واجتمع مع أمين عام مجلس الوزراء عمر مسيكة الذي كشف 
لرئيس الحكومة عن معلومات لديه تشير إلى ان حكومته لن تعمر 
اكثر من بضعة ايام» بسبب وجود اجماع وطني شامل على رفض 
التعامل مع حكومة عسكرية. على ضوء هذه المعلومات قرر الرفاعي 
عقد جلسة عاجلة لمجلس الوزراء من اجل تقرير الخطوات المقبلة» لكن 
مسيكة اقترح عليه التريث ريثما يتسنى له الاطلاع على اجواء القيادات 
الإسلامية» وعلى الفور قصد عمر مسيكة الرئيس رشيد كرامي في 
منزله للوقوف منه على آخر التطورات فأخبره الرئيس كرامي بأن 
القيادات المسيحية والإسلامية ستجتمع في منزله بعد قليل وسيصدر 
بيان عن الإجتماع يدعو الى استقالة الحكومة العسكرية. في ظل هذه 
الاجواء عاد عمر مسيكة إلى السراي الحكوميء وقام بوضع الرئيس 

422 


الرفاعي في صورة التطورات القادمة» الذي سارع إلى دعوة حكومته 
للإنعقاد؛ وبعد انتهاء الجلسة تلا الرئيس الرفاعي بياناً اعلن فيه استقالة 
حكومته. 

بعد استقالة الرئيس نور الدين الرفاعي» جرى تشكيل حكومة 
جديدة برئاسة الرئيس رشيد كراميء التي استهلت مهمتها بسلسلة من 
التدابير الامنية والتي كان من شأنها إعادة الهدوء إلى البلادء ولكن هذا 
الهدوء لم يستمر اكثر من شهرين عاد بعدها المسلحون إلى الشوارع» 
وفي خطوة تهدف إلى الحد من تدهور الأوضاع الامنية» قررت 
الحكومة تأليف هيئة للحوار الوطني» هدفها العودة بالبلاد إلى سابق 
عهدها من الاستقرارء وكان من ابرز اعضاء الهيئة: "بيار الجميل» 
كميل شمعونء ريمون ادهء كمال جنبلاط» صائب سلام» رشيد كرامي, 
كامل الاسعد. اجتمعت الهيئة واصدرت مجموعة من القرارات كان 
ابرزها: "الدعوة إلى الغاء جميع المظاهر المسلحة»ء وفتح الطرقات», 
وإعادة الحياة إلى طبيعتها في جميع المناطق اللبنانية» الا ان هذه 
القرارات بقيت حبرأ على ورق. واحتجاجاً على الأوضاع الامنية 
المتدهورة اعلن الرئيس رشيد كرامي اعتصاماً مفتوحأ في السرايا 
الحكومي حتى توقف اعمال العنف على < جميع الاراضي اللبنانية» كما 
دعا اللجنة الامنية العلياء للإنعقاد فور برئاسته» لكن اللجنة لم تلب 
طلبه بالانعقاد» فكانت ردة فعله» هي ان اعلن عزمه على تقديم 
استقالته» وطلب من الوزير غسان تويني كتابة بيان يشرح فيه اسباب 
الاستقالة. جاء البيان الذي كتبه غسان تويني حاداً في عباراته» والتي 
كان من شأنها ان تزيد الأوضاع تأزمأ في البلاد» وبعد ان اطلع عمر 
مسيكة على البيان نصح الرئيس رشيد كرامي بعدم تبنيه» وافق رشيد 
كرامي على اقتراح عمر مسيكة» وكلفه بكتابة بيان آخر يكون اكثر 
اعتدالاً. في هذه الأثناء وصل كمال جنبلاط وياسر عرفات إلى السراي 


403 


الحكومي بعد ان علموا بنية رئيس الحكومة الاستقالة. حاول كمال 
جنبلاط اقناع رئيس الحكومة بالعدول عن قراره وقال له: "ان الامور 
تسير لمصلحتناء وستحمل لك الأيام القليلة القادمة خبر انهيار 
مليشيات الجبهة اللبنانية على كل الجبهات". لم يرتح رشيد كرامي إلى 
هذا الكلام كما كان جنبلاط يعتقد بل زاده قلقاً وقال لجنبلاط: "اذا كنتم 
تعتقدون» انكم ستحكمون البلد بعد عدة ايام» فتفضلوا احكموها منذ 
الآن» فأنا لن اقبل بسقوط الف قتيل وبالمزيد من الخراب والدمار من 
اجل ان تحكموا البلد"» وبعد حوار استمر اكثر من ثلاث ساعات وافق 
كرامي على طي صفحة استقالته شرط تراجع كمال جنبلاط عن فكرة 
الحسم العسكري. 

كان هدف رشيد كرامي من تقديم استقالته» هو دفع رئيس 
الجمهورية إلى تقديم استقالته أيضأ اعتقاداً منه ان ذلك سيؤدي إلى 
انهاء الازمة السياسية في البلادء وتوقف الصراع المسلحء وكان للتفاهم 
الذي جرى بين كمال جنبلاط ورشيد كرامي انعكاس على الأوضاع 
الامنية في البلاد التي عرفت فترة من الهدوءء ولكن هذا الهدوء لم 
يستمر طويلاً فسرعان ما عادت المعارك لتشتعل من جديد. الأمر الذي 
دفع الرئيس فرنجية إلى طلب تدخل القوات السورية» بعد موافقة 
القيادات المسيحية في لبنان. 

كانت سوريا منذ بداية الحرب الاهلية» تراقب الوضع في لبنان 
عن كثبء وهي كانت تخشى من ان يؤدي استمرار الحرب في لبنان 
إلى امتدادها إلى الداخل السوري» وهي لهذا السبب قامت بالمساعدة 
في تشكيل هيئة الحوار الوطني؛ كما كان لها الدور الرئيسي في 
صياغة الوثيقة الدستورية» وعندما وجدت ان بعض الفرقاء في لبنان» 
يصرون على الحسم العسكريء» قامت بإدخال جيشها إلى لبنان» خوفاً 
من.ان يؤدي الحسم العسكري؛ إلى طلب البعض الحماية من إسرائيل. 


014 


فاجأ التدخل العسكري السوري في لبنان؛ الرئيس رشيد كرامي 
فقام بإيفاد أمين عام مجلس الوزراء عمر مسيكة إلى دمشقء لمقابلة 
المسؤولين السوريين للوقوف منهم على ابعاد هذا التدخل والغاية منه. 
في دمشق اجتمع عمر مسيكة إلى وزير الخارجية السوري عبد الحليم 
خدام والذي قال له: "ان سوريا لا توافق على ان يحكم لبنان أي فريق 
من الفرقاء بالقوة لأن ذلك من شأنه ان يدفع بالفريق المهزوم إلى إعادة 
تفجير الأوضاع عند أول فرصة يجدها سانحة لذلك؛ وان هذا الأمر 
من شأنه تحقيق المخطط الإسرائيلي لتقسيم لبنان". 
عمر مسيكة مشروع رئيس حكومة 

كان قرار الرئيس الياس سركيس منذ اليوم لأنتخابه رئيساً 
للجمهورية» هو تكليف الدكتور سليم الحص بتشكيل أول حكومة في 
عهدهء وهو رفض كل المحاولات لإقناعه بإعادة تكليف الرئيس رشيد 
كرامي مجدداً بتشكيل الحكومة وكان هذا الرفض نابغاً من استيائه من 
تعطيل رشيد كرامي لمشروع وصوله إلى رئاسة الجمهورية خلفاً لفؤاد 
شهاب عام 1964» وكان الرئيس الرئيس سركيس قبل تكليفه سليم 
الحص بتشكيل الحكومة قد طلب من عمر مسيكة اطلاعه على كافة 
المراسيم والقرارات المتعلقة برئاسة مجلس الوزراء بحجة انه يريد تعيينه 
مستشاراً له. 

في بداية عهد الرئيس سركيس ساد التعاون التام بينه وبين 
سليم الحصء وكان هناك اتفاق بينهماء على ان يتولى الرئيس سركيس 
معالجة الملفات السياسية والامنية» فيما ينصرف الرئيس الحص إلى 
معالجة الشأن الاقتصاي والمالي» ولكن بعد مرور فترة على تشكيل 
الحكومة بدأ المشهد يتغير» وراح الرئيس الحص يشكو من عدم 
ممارسة دوره كشريك كامل في الحكمء وكان وراء التبدل في مواقف 
الحص كلام سمعه من ياسر عرفات وبعض المسؤولين السوريين» عن 

425 


مصادرة الرئيس سركيس لصلاحيات رئيس الحكومة؛ ومع الوقت اخذت 
الخلافات تكبر بين الرئيسين إلى ان وصلت إلى حد اصدار الحصء» 
بياناً انتقد فيه تفرد رئيس الجمهورية بالقرارات المصيرية في البلادء 
وكان هذا البيان هو القشة التي قصمت ظهر البعير بين الرئيسين 
والتي قام بعدها الرئيس الحص بتقديم استقالة حكومته. 

بعد استقالة الحص جرى التداول في اسماء عدد من 
الشخصيات التي يمكن لها ان تشكل الحكومة الجديدة» وكان من ابرز 
هذه الاسماء اسمي الوزير السابق مالك سلام والمحامي شفيق الوزان. 
لقي ترشيح مالك سلام معارضة شقيقه الرئيس صائب سلام الذي 
طالب بشفيق الوزان رئيس للحكومة» وبالمقابل وقف الرئيس رشيد 
كرامي إلى جانب زوج شقيقته مالك سلام وأيد تكليفه بتشكيل الحكومة 
الجديدة» اما القيادات المسيحية فقد رفضت الاسمين معأ وطلبت 
بترشيح اسم ثالث فوقع الخيار على الرئيس تقي الدين الصلح وبعد ان 
تم تكليفه بتشكيل الحكومة عاد الرئيس تقي الدين الصلح ليعتذر عن 
هذا التكليف بسبب وجود فيتو سوري على اسمه بحجة صداقته مع 
النظام العراقي والذي كان خصما لدوداً لدمشق في تلك الفترة. 

بعد اعتذار تقي الدين الصلح عن تشكيل الحكومة؛ اتصل 
الرئيس سركيس بعمر مسيكة وطلب منه الحضور إلى القصر 
الجمهوري. استقبل الرئيس سركيس عمر مسيكة في صالون القصر 
وجلس إلى جانبه وراح يحدثه عن معاناته مع الرئيس الحص طيلة فترة 
وجوده على رأس الحكومة.؛ وكشف له عن ضغوطات يتعرض لها من 
قبل ياسر عرفات من اجل إعادة تكليف الحص تشكيل الحكومة» وهو 
ما يرفضه تماماً وقال لعمر مسيكة: 'بقص ايدي وما بوقع مرسوم 
تعيين الحص رئيس حكومة مرة ثانية". كما صارح الرئيس سركيس 
عمر مسيكة أيضأ بأنه وصل إلى درجة من الاحباط بات يفكر معها 


426 


بالاستقالة من رئاسة الجمهورية. 
في نهاية حديثه ابلغ الرئيس سركيس عمر مسيكة:» انه يدرس 
فكرة تكليفه تشكيل الحكومة المقبلة» وانه يطلب منه استمزاج رأي 
القيادات الإسلامية حول الموضوع قبل اتخاذ القرار النهائي؛ كما ابلغه 
أيضاأ وجود موافقة من القيادات المسيحية على اسمه؛ وان المعترض 
الوحيد على تكليفه هو مدير المخابرات جوني عبده الذي قال لرئيس 
الجمهورية: "يجب ان لا يأتي إلى رئاسة الحكومة شخص عنده مخ". 
بعد خروجه من قصر بعبداء توجه عمر مسيكة إلى منزل 
المفتي حسن خالد في عرمونء واطلعه على الحديث الذي دار بينه 
وبين الرئيس سركيس. رحب المفتي خالد بتكليف عمر مسيكة في حال 
حصوله؛ وطلب منه الإستمرار في اتصالاته مع مختلف القيادات 
الإسلامية. 
استهل عمر مسيكة جولته على القيادات الإسلامية بزيارة إلى 
الرئيس صائب سلام؛ الذي نصحه بالابتعاد عن موضوع رئاسة 
الحكومة وقال له: 'رئاسة الحكومة مطب كبيرء ولا اريدك ان تقع فيه". 
كما صارحه بأنه يدعم وصول شفيق الوزان إلى رئاسة الحكومة. من 
جهته ابلغ الرئيس رشيد كرامي عمر مسيكة بأن القيادات الإسلامية 
بمعظمها تريد مالك سلام رئيس للحكومة؛ وهو لا يريده ان يكون خارج 
هذا الاجماعء اما الرئيس سليم الحص فقد قال للمرحوم الوزير علي 
الخليل عندما فاتحه بموضوع عمر مسيكة: "ان المرحلة القادمة هي 
مرحلة دقيقة ولا تتحمل حكومة موظفين". لم تقتصر جولة عمر مسيكة 
على القيادات الإسلامية فزار أيضاً الرئيس فرنجية؛ الذي أبدى 
استغرابه لمعارضة الرئيس رشيد كراميء تكليفه بتشكيل الحكومة وقال 
له: “غريب امر هذا الرجل فهو لا يقبل بطرابلسي غيره رئيساً 
للحكومة". كما اعلن له عن استعداده لمرافقته إلى دمشق لمقابلة الرئيس 


47 


حافظ الأسدء وطلب دعمه لترشيحه لرئاسة الحكومة. وكان عمر 
مسيكة قبل زيارته الرئيس فرنجية» قد طلب من قائد قوات الردع العربية 
المقدم سامي الخطيبء معرفة رأي المسؤولين السوريين بموضوع تكليفه 
بتشكيل الحكومة الجديدة» ولكن الذي تبين ان سامي الخطيب بدل ان 
يطلب من المسؤولين السوريين دعم صديقه عمر مسيكة راح يحاول 
اقناعهم بتبني اسمه رئيساً للحكومة. 

واخيراً حطت جولة عمر مسيكة» رحالها عند الصحافي وليد 
أبو ظهر والذي كانت تربطه علاقة صداقة بياسر عرفات» وكانت 
منظمة التحرير الفلسطينية في تلك الفترة رقمأ لا يمكن تجاوزه في 
الشأن الداخلي اللبناني. كان جواب ياسر عرفات الذي ابلغه لوليد أبو 
ظهر هو:" خيارنا الأول هو سليم الحص وبعده يأتي عمر مسيكة". 
وبعد اسبوع امضاه في اجراء الاتصالات مع مختلف القيادات على 
الساحة اللبنانية» توصل عمر مسيكة إلى قناعة بأن علاقته مع الرئيس 
رشيد كرامي؛ هي اجدى له من كل المناصب السياسية» فكان ان عاد 
إلى الرئيس سركيسء وابلغه انه يفضل الاستمرار في مهامه كأمين عام 
لمجلس الوزراء على ان يكون رئيساً للحكومة. 
مؤتمر الحوار الوطني في جنيف والمشاريع لرفيق الحريري 

شكل انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية والذي لعب فيه 
ميشال المر دوراً اساسياً بالتتسيق مع السفارة الأميركية في بيروت 
صدمة لعمر مسيكة؛ شعر بعدها انه بات غير قادر على الاستمرار 
في وظيفته الحكومية في ظل رئيس للجمهورية جرى انتخابه بحماية 
الدبابات الإسرائيلية» فقرر الاستقالة من منصبه؛ وتوجه إلى قصر 
بعبدا لإبلاغ رئيس الجمهورية بقراره» وقبل دخوله لمقابلة الرئيس 
سركيس عرج على مكتب صديقه مدير عام القصر الجمهوري 'كارلوس 
خوري" واخبره بنيته الاستقالة» وكأنما كارلوس خوري كان ينتظر من 

428 


يشجعه على اتخاذ نفس القرارء فوجد ضالته في عمر مسيكة فأبلغه انه 
سيدخل معه إلى مكتب الرئيس سركيس لإبلاغه بنيته الاستقالة 
وللأُسباب نفسها أيضاً. رحب الرئيس سركيس بموقف عمر مسيكة 
وكارلوس خوريء ودعاهما إلى البقاء في منصبيهما إلى حين انتهاء 
ولايته وقال لهما: "ان بشير لم يكن خياري في أي يوم من الايام كما 

طبعت عهد الرئيس أمين الجميل سلسلة من الاحداث الامنية 
الدموية التي ادت إلى احداث شرخ كبير بين اللبنانيين» فتدخلت 
المملكة العربية السعودية واجرت سلسلة من الاتصالات مع كافة 
الاطراف اللبنانية اثمرت عن اتفاق على عقد مؤتمر للحوار الوطني في 
مدينة جنيف السويسرية. كانت المشاورات حول انعقاد المؤتمر لا تزال 
سرية؛ حين اتصل الرئيس أمين الجميل بعمر مسيكة في الأول من 
تشرين الأول عام 1983: وطلب منه المساعدة في جمع كل 
النصوص «الاراء المتعلقة بملف الاصلاح الدستوري والسياسي في 
لبنان منذ العام 1975: وكشف له عن تحضيرات يجري الاعداد لها 
لعقد مؤتمر حوار وطنيء يجمع كل الاطراف اللبنانية المتحاربة» وكلفه 
باعداد مذكرة تكون مقدمة لمؤتمر الحوار المزمع عقده قريباً. 

في 1983/11/1 انعقد مؤتمر الحوار الوطني في جنيف» 
والذي شارك فيه عمر مسيكة بصفته مستشاراً للرئيس رشيد كرامي. 
بدات الجلسة الأولى للمؤتمر في اجواء متشنجة امتنع فيها فرقاء 
الصراع عن مصافحة بعضهم البعض أو حتى تبادل اطراف الحديث» 
وبعد افتتاح اعمال المؤتمرء طلب الرئيس أمين الجميل من عمر 
مسيكة التحدث معه على انفراد حيث دار بينهما الحوار التالي: 

الجميل: ماهي الاجواء؟ 

مسيكة: يجب الغاء اتفاق السابع عشر من ايار. 


429 


الجميل: والا؟ 

مسيكة: المقاومة. 

وضع مؤتمر جنيف الرئيس الجميل امام خيارات محددة, 
جعلته يدرك انه لم يعد من سبيل امامه للمناورة» وانه بات عليه ان 
يقوم بالغاء اتفاق السابع عشر ايارء وعلى هذه الاساس جرى تحديد 
عنوانان رئيسيان لأعمال المؤتمر الأول هو هوية لبنان والثاني اتفاق 
السابع عشر من ايارء وبالرغم من الخطوة المتقدمة التي حققها المؤتمر 
في بحث عدد من المشاريع الاصلاحية المقترحة» فأنه لم ينجح في 
تحقيق الخطوة الاهم وهي وقف الحرب الاهلية» وذلك بسبب غياب 
الآراء الوطنية الجامعة حول هذا الهدف. 

بعد مؤتمر جنيف جرى استكمال الحوار في مدينة لوزان 
السويسرية في 1984/3/12 والذي كاد ينهار قبل ان يبداء وذلك 
عندما وصل إلى المجتمعين البيان الذي صدر في اعقاب الإجتماع 
الموسع الذي دعت اليه القوات اللبنانية وحضرته الرابطات المسيحية 
والرهبانيات المارونية؛ والذي اتهم سوريا بالهيمنة على لبنان» فكانت 
ردة فعل نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام الذي كان يشارك في 
اعمال مؤتمر لوزان بصفة مراقب على هذا البيان هي ان اعلن ان 
سوريا قد قررت وقف مبادرتها لحل الازمة في لبنان» وذلك حتى لا 
تتهم بالهيمنة على قرارات الحكومة اللبنانية» الا ان تدخل الرئيس كميل 
شمعونء واعلانه "ان الدور السوري في لبنان أصبح اليوم دوراً توفيقياً", 
جعل عبد الحليم خدام يتراجع عن موقفه بعد اتصال اجراه مع الرئيس 
حافظ الأسد. 

استمر المؤتمر تسعة ايام وتميز بتقديم الجبهة اللبنانية لورقة 
عمل تدعو إلى قيام دولة لبنان الاتحادي» وهي تتضمن الدعوة إلى 
انتخاب رئيس جمهورية ماروني ترشحه المجموعة المسيحية في مجلس 
النواب بالاكثرية المطلقة» ويتم انتخابه من من قبل مجلس النواب 

220 


بالاكثرية المطلقة» والطريقة نفسها تجري على اختيار رئيس مجلس 
الوزراء» كما تتضمن الورقة أيضاً الدعوة إلى انتخاب كل طائفة لنوابهاء 
ويعتبر لبنان لهذا الغرض دائرة انتخابية واحدة.,» اضافة إلى تقسيم 
لبنان إلى عدة مناطقء ويقسم كل اقليم إلى عدد من الاقضية؛ ويراعى 
في تحديد حدود الاقضية اكبر قدر ممكن من التجانس الطائفي. 

بعد انتهاء اعمال مؤتمر لوزان انعقدت قمة لبنانية سورية في 
دمشق بين الرئيسين حافظ الأسد وأمين الجميل جرى خلالها الاتفاق 
على جملة من المقرراتء كان ابرزها التأكيد على استقالة حكومة 
الرئيس شفيق الوزان» وتشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة رشيد كرامي. 

لم يكن الرئيس رشيد كرامي حتى تاريخ توليه رئاسة الحكومة 
في عهد أمين الجميل قد تعرف إلى رفيق الحريري بعد جاء تعارفهما 
بواسطة مستشار الرئيس كرامي عمر مسيكة» والذي كان قد تلقى 
اتصالاً من رفيق الحريري طلب فيه موعداً للقاء رئيس الحكومة» وكان 
مسيكة قد تعرف إلى رفيق الحريري عام 1977 وكان لا يزال أميناً 
عاما لمجلس الوزراءء وذلك عندما قام رفيق الحريري بزيارة إلى رئيس 
الحكومة سليم الحصء قدم له خلالها طائرة خاصة لكن الرئيس الحص 
رفض اعتبار الطائرة هدية شخصية له وطلب تسجيلها باسم رئاسة 
مجلس الوزراء. 

عُقد الإجتماع بين رفيق الحريري والرئيس رشيد كرامي في 
منزل الوزير السابق مصطفى درنيقة في فردان وحضره عمر مسيكة 
واقترح خلاله رفيق الحريري على رئيس الحكومة القيام بزيارة إلى 
المملكة العربية السعودية» معلناً استعداده لتأمين دعوة رسمية له من 
الحكومة السعودية» في بداية الأمر تردد الرئيس كرامي في قبول 
الدعوة» وكان تردده عائداً إلى جذوره الناصرية التي كانت تتناقض مع 
السياسة السعودية» لكن مستشاره عمر مسيكة تمكن من اقناعه بأهمية 
هذه الزيارة بالنسبة للبنان» وبعد مضي حوالي الاسبوع وصلت دعوة 

431 


رسمية إلى الرئيس كرامي لزيارة المملكة العربية السعودية. رافق الرئيس 
كرامي في زيارته إلى السعودية مستشاريه عمر مسيكة والوزير السابق 
مالك سلام؛ وخلال الرحلة إلى الرياض اقترح عمر مسيكة على الرئيس 
كرامي؛ تعيين مالك سلام رئيساً لمجلس الانماء والاعمار فوافق الرئيس 
كرامي على هذا الاقتراح مشيداً بنظافة كف مالك سلام. 

استمرت زيارة الوفد اللبناني إلى السعودية مدة يومين اعلن 
خلالها المسؤولون السعوديون استعداد 'المملكة" لتمويل مشاريع إعادة 
اعمار لبنان شرط ان تكون التلزيمات من نصيب رفيق الحريري. 

وكان الرئيس كرامي» وقبل اغتياله بوقت قصيرء قد أسر لعدد 
من المقربين منه بوجود معلومات لديه تشير إلى ان الاشهر القلية 
القادمة ستحمل معها انفراجات واسعة للبنان وان الاتصالات بين سوريا 
والولايات المتحدة قد توصلت إلى بداية توافق حول انهاء الازمة في 
لبنان. وان المدخل لانهاء الحرب الاهلية سيكون من خلال الغاء 
اتفاقية القاهرة» وان التفاهم السوري الأميركي قد ازعج إسرائيل» وهي 
ستسعى إلى تعطيله لأنه يتم دون رأيها ويستبعد مطالبهاء وخلال زيارة 
له إلى أحد الدول الاوروبية سمع عمر مسيكة تحذيرات من ان حياة 
عدد من القادة اللبنائيين ستكون بخطر في المرحلة القادمة. هذه 
التحذيرات نقلها عمر مسيكة إلى الرئيس رشيد كرامي الذي لم يكترث 
لها. 
رينه معوض والمشوار الاخير 

كان الرئيس رشيد كرامي قبل اغتياله عام 1987» من اشد 
المتحمسين لانتخاب رينه معوض رئِيساً للجمهورية خلفاً للرئيس أمين 
الجميل؛ وهو كان قد مهد لذلك بسلسلة اتصالات مع عدد المعنيين في 
الملف اللبناني في الداخل والخارج. 

بعد انتخابه رئيس للجمهورية قام الرئيس معوض بتعيين عمر 
مسيكة مستشاراً له؛ استهل رينه معوض مهامه الدستورية» بتكليف 

4232 


الرئيس الحص تشكيل الحكومة والتي بقيت ولادتها متعثرة بسبب 
نصائح تلقتها قيادات في المنطقة الشرقية من جهات خارجية بأن تربط 
موافقتها على المشاركة في الحكومة بتعديل اتفاق الطائف ووضع 
جدول زمني لانسحاب القوات السورية في لبنان» وفي حال لم يتم تلبية 
هذين المطلبين فإن الوزراء المسيحيون سيعلنون انسحابهم من 
الحكومة. وبناء عليه قرر الرئيسان الحص ومعوض التريث في تشكيل 
الحكومة؛ والافادة من عامل الوقت من اجل افساح المجال امام 
الاتصالات التي تجريها جهات خارجية فاعلة مع قيادات المنطقة 
الشرقية لإقناعهاء بالخروج من دائرة التردد والمشاركة في الحكومة. 

كانت الظروف الامنية التي رافقت انتخاب الرئيس معوض» 
مشحونة بالقلق والتوترء مما جعل الامنيون المكلفون بالسهر على 
حمايته يحيطون تنقلاته بتدابير استثنائية» الأمر الذي ازعج المواطنين 
على الطرقات؛ وبهدف التخفيف من انزعاج الناس قرر الرئيس معوض 
عدم الخروج من المقر الرئاسي المؤقت في الرملة البيضاء الا للضرورة 
القصوىء وفي 1989/11/22 توجه الرئيس معوض إلى السرايا 
الحكومي لاستقبال المهنئين في عيد الاستقلال؛ وفي ذلك النهار أيضاً 
كان مقرراً ان تصدر مراسيم التشكيلة الحكومية» ولكن بعض العراقيل 
ظهرت في اللحظات الاخيرة وفرضت التأجيل. الأمر الذي اعتبره عمر 
مسيكة نذير شؤمء دفعه إلى ان يقول للرئيس معوض: "ارجو يا فخامة 
الرئيس ان يكون مشوارك غدأ إلى السراي هو آخر مشوار خارج المقر 
المؤقت بانتظار ان تتوضح الامور اكثر" فأجابه الرئيس معوض: 
'اعدك ان يكون غدا هو آخر مشوار", وبالفعل كان هذا المشوار هو 
المشوار الاخير لرينه معوض. 


033 


عصام نعمان: نصف قرن 
من النضال في قلب 
العواصطف 





(أرشيف السفير) 


في مطلع أربعينيات القرن العشرين» ولد عصام نعمان ابن 
قرية عترين الشوفية في مدينة صيدا . كان والده قد استقر فيها عشية 
الحرب العالمية الأولى حيث تعاطى تجارة الحبوب نحو خمسين عاماء 
إلا انه اصيب بخسارة مادية كبيرة عندما اصيبت باخرة كانت تحمل له 
كمية كبيرة من الحبوب بنيران الجيوش المتقاتلة في اثناء الحرب 
العالمية الثانية» فغرقت مع حمولتها الأمر الذي انعكس ضيقاً في 
احواله المادية عانت منه عائلته لفترة طويلة من الزمن. شكّلت نكبة 
فلسطين عام 1948 البذور الأولى للوعي السياسي عند عصام نعمان. 
فرحته بتقدم الجيوش العربية للقضاء على العصابات الصهيونية التي 
اعلنت لاحقأ قيام دولة "إسرائيل" على ارض فلسطين؛ سرعان ما 
تحوّلت كتلةٌ من الاحزان. افاق في صبيحة أحد الايام على صوت 
الرصاص يلعلع في صيداء فهرع إلى الشارع لجلاء السبب ليجد بضع 
شاحنات تحمل عناصر من جيش الإنقاذ الذي كان يقوده فوزي 
القاوقجي لرد الصهاينة عن فلسطينء, تعود متقهقرة من ارض المعركة . 


435 


ومع ذلك كانت تطلق الرصاص في الهواء وكأنها تحتفي بهزيمتها. 
مشهد المأساة كبر اكثر في قلبه مع بدء قوافل النازحين الفلسطينيين 
بالتوافد إلى صيدا ومعظمها كان آتيأ من مدينة عكا التي تربطها 
بصيدا صلات قرابة ومصاهرة منذ زمن قديم. هذا ما يفسر عدم ايواء 
الموجة الأولى منهم في مخيمات اللجوء بل حلولهم ضيوفاً عند اقارب 
لهم في المدينة قبل ان تتكاثر اعدادهم وتقوم السلطات اللبنانية 
بإسكانهم في منطقة عين الحلوة التي كان يقوم عليها سابقاً معسكر 
للجيش البريطاني. ردة الفعل على الهزيمة تمثلت عند الشباب اللبناني 
والعربي بقيام سلسلة من التحركات والتظاهرات تدعو للكفاح المسلح من 
اجل استعادة فلسطين. فظهرت نشرة عنوانها 'الثآر" كان يوزعها سر 
الشباب القومي العربي على طلبة المدارس» وكانت تتضمن من 
المقالات ما يلهب النفوس بالثورة والغضب على الحكام العرب 
لتقاعسهم عن القيام بواجبهم للحؤول دون سقوط فلسطين بأيدي 
الصهاينة. في ظل هذه الاجواءء بدأ يتنامى نشاط الحزب السوري 
القومي الإجتماعي في اوساط الشباب والطلبة وتلقى افكاره رواجاً في 
صفوفهم. وكان عصام نعمان من بين الذين تعاطفوا مع مناضلي 
الحزب في تلك الفترة وخاصة بعد المحاكمة الصورية التي اجرتها 
الحكومة اللبنانية لزعيمه انطون سعاده عام 1949 وتلاها صدور حكم 
الاعدام بحقه. كان الدافع الاساس لتصفية سعاده انه كان طليعة 
الداعين لمحاربة الصهيونية» وكان قد شكّل كتيبة عسكرية وارسلها إلى 
فلسطين للقتال ضد الصهاينة الأمر الذي لم يرق للحكومة اللبنانية كما 
لسائر الحكومات العربية التي قصّرت في نصرة شعب فلسطين» 
وخصوصاً بعدما قام سعادة بكشف تخاذل الحكام اللبنانيين والعرب 
وتقاعسهم. تنفيذ حكم الاعدام بسعاده كان قد سبقه تزوير فاضح 
للانتخابات النيابية عام 1947 من قبل جماعة الرئيس بشارة الخوري 


436 


من اجل الاتيان بمجلس نيابي مطواع يجدد له ولايته الرئاسية. ادت 
هذه العوامل مجتمعة» اضافة إلى فسادٍ واسع استشرى في ادارات الدولة 
برعاية سليم الخوري شقيق رئيس الجمهورية إلى انتعاش المعارضة في 
البلاد. وازداد الإحتقان والتوتر لاحقاً مع ظهور مشروع وزير الخارجية 
الأميركي جون فوستر دالاس للدفاع عن منطقة الشرق الاوسط الذي 
ولّد ردود فعل غاضبة في صفوف الشباب والطلبة تجلت في قيام 
التظاهرات في المدارس والجامعات اصطدم خلالها المتظاهرون بقوات 
الدرك؛ وكان عصام نعمان في طليعة الذين شاركوا في هذه 
الاحتجاجات مع زملائه في المدرسة . 
كمال جنبلاط: 'اخطأتُ في انتقاد جمال عبد الناصر"... 

على الرغم من الشعبية الجارفة التي كان يتمتع بها جمال عبد 
الناصر فإن كمال جنبلاط» زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي؛ بقي لفترة 
من الزمن غير متحمس لتأييده بل قام بنشر مقالتين في جريدة "الانباء' 
الناطقة بإسم حزبه انتقد فيهما ما اسماه التيار 'العسكري البيروقراطي" 
ملمحاً بذلك إلى الرئيس جمال عبد الناصر. اثارت هاتان المقالتان 
استياء عصام نعمان وعدد من رفاقه الشباب فإبتعدوا عن الحزب 
التقدمي الاشتراكي بعد ان كانوا قد اقاموا علاقات معه بعد الإنتفاضة 
على عهد الرئيس بشارة الخوري عام 1952. كان من ابرز نتائج المد 
الناصري في العالم العربي قيام دولة الوحدة بين مصر وسوريا عام 
98 والتي استقبلها التيار العروبي في لبنان بعظيم الارتياح والفرح» 
وتجلّى ذلك في زحف غير مسبوق لحشود اللبنانيين عام 1958 إلى 
دمشق لأستقبال جمال عبد الناصر في زيارته الأولى لسورية» وكان 
عصام نعمان في طليعة الذين ذهبوا إلى سوريا للمشاركة في هذا 
الاستقبال التاريخي. اثار اعلان الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 
انقساماأ سياسياً في لبنان بين مؤيد لهذه الوحدة ومعارض لهاء وانضم 

437 


كمال جنبلاط إلى مؤيديها بينما عارضها رئيس الجمهورية كميل 
شمعون وقادة الاحزاب المسيحية في لبنان. وادى التباين في الاراء إلى 
نشوب نزاع مسلح في البلاد غرف بثورة عام 1958 التي طالبت 
المعارضة خلالها برحيل الرئيس شمعون بعد ان اتهمته بالولاء للغرب 
بسبب تأييده حلف بغداد وسعيه إلى تجديد ولايته الرئاسية. في ظل هذه 
الاجواء المحمومة وقع في 14 تموز 1958 انقلاب عسكري في 
العراق ضد نظام الحكم الملكي المؤيد للغرب والانكليز. وخشيت 
الولايات المتحدة من حصول انقلابات مماثلة في الدول المجاورة التي 
تدور في فلكها ولا سيما الاردن ولبنان ما يهدد مصالحها في المنطقة» 
فقامت بإنزال قوات مشاة البحرية "المارينز" على شاطئ بيروت كي لا 
تفقد قاعدة مهمة لها في شرق المتوسط . 

فجّر الانزال الأميركي موجة احتجاج وتظاهرات واسعة قادها 
الفريق المناهض لحلف بغداد الأمر الذي حمل الأميركيين على مراجعة 
حساباتهم وعلى عقد صفقة مع الرئيس جمال عبد الناصر تم بنتيجتها 
استبعاد خيار التمديد للرئيس شمعون وانتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد 
شهاب رئيسا للبلاد. وبعد ثلاثة اسابيع من انتخابه عقد الرئيس شهاب 
إجتماعا مع الرئيس عبد الناصر في خيمة على الحدود بين البلدين 
انسحبت بعده قوات "المارينز" الأميركية من بيروت. 

كان كمال جنبلاط من ابرز الداعمين لحكم الرئيس فوّاد شهاب 
ما جعله الحليف الابرز لجمال عبد الناصر في لبنان. وفي تصريح له 
اعتبر ان قيام الوحدة بين مصر وسوريا هو ايذان ببدء مرحلة جديدة 
مشرقة في العالم العربي. كان لهذه القراءة الجنبلاطية المتقدمة 
لتطورات الاحداث في المنطقة اثر ايجابي عند عصام نعمان وعدد من 
رفاقه العروبيين فقرروا إعادة التواصل مع كمال جنبلاط. وفي اثناء 
جلسة خاصة عقدت بين كمال جنبلاط وعصام ونعمان قبيل انتخابات 


438 


عام 1960 اعترف جنبلاط بأنه اخطأ في مواقفه السابقة حينما قام 
بتوجيه انتقادات لجمال عبد الناصر مؤكدا قيامه بتصويب موقفه بعد 
احداث عام 1958 ومعتبراً نفسه عروبياً بالدرجة الأولى. ادت مراجعة 
جنبلاط النقدية لمواقفه السابقة من عبد الناصر إلى فتح صفحة جديدة 
من العلاقات بينه وبين عصام نعمان ورفاقه العروبيين وكانت بدايتها 
تطوع الاخير مع رفاق له لمساعدة جنبلاط في حملته الانتخابية في 
العام 1960. في اواخر الستينيات كلف جنبلاط عصام نعمان» وقد 
اضحى محاميأء بإعداد مشروع قانون جديد للأنتخابات تبناه واعلنه في 
مؤتمر صحافي عقده بحضور عدد من ممثلي القوى الوطنية المؤيدة 
للأتجاه الناصري في لبنان. وفي اعقاب حلقة دراسية نظمتها 'ندوة 
الدراسات الانمائية" عام 1972 التي كان يرأسها الدكتور حسن صعب 
تحت عنوان "القانون التداتق الأفضل للأنتخابات في لبنان"» وشارك 
عصام نعمان في اعمالها بتقديم دراسة تضمنت اقتراحاً كان الأول من 
نوعه اذ دعا فيه إلى انشاء مجلسين تمثيليين» الأول للنواب ويُنتخب 
خارج القيد الطائفي وعلى اساس التمثيل النسبي ويكون فيه لبنان دائرة 
انتخابية واحدة» والثاني للشيوخ بغية تمثيل الطوائف» وقد نشرت مجلة 
'دراسات عربية" هذه الدراسة صيف العام 1972» فاسترعت انتباه 
كمال جنبلاط الذي هنأ عصام نعمان على اقتراحه التجديدي وابلغه انه 
سيقوم بنشر الدراسة مجدداً في جريدة "الانباء" الناطقة بإسم الحزب 
التقدمي الاشتراكي. بعدها أصبحت العلاقات بين كمال جنبلاط 
وعصام نعمان على مستوى متقدم من الثقة والتعاون» فكان ان تقدم 
الاخير باقتراح لكمال جنبلاط يقضي بإنشاء جبهة عريضة تضم كل 
القوى الاصلاحية في البلاد الأمر الذي وافق عليه جنبلاط مشترطأ 
عدم دعوة من كان يسميهم "الشلل اليسارية" للانضمام إلى الجبهة 
العتيدة. لكن جنبلاط ما لبث ان عاد ووافق على انضمامهم بعدما اقنعه 


439 


عصام نعمان بفوائد مشاركتهم في هذه الجبهة. بلغ إعجاب جنبلاط 
بطروحات عصام نعمان الاصلاحية حد الطلب منه وضع مسودة 
البرنامج المرحلي الاصلاحي للحركة الوطنية اللبنانية التي انبثقت 
منتصف سبعينيات القرن الماضيء؛ وكانت تضم الاحزاب اليسارية 
والقومية وبعض الشخصيات المستقلة وفي طليعتهم عصام نعمان الذي 
انتخب ناطقا اعلاميا باسم الحركة الوطنية ٠‏ 
حوار لم يتم مع بشير الجميل 
بالرغم من ضراوة المعارك العسكرية على مختلف جبهات 

القتال خلال حرب السنتين 1975 -1976» فإن الجهود ظلت منصبة 
على إجراء حوار بين اطراف الصراع يوقف طاحونة الحرب. وقد 
اثمرت هذه المساعي ثقاء بين كمال جنبلاط ويشير الجميل في منزل 
القيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي محسن دلول في منطقة عائشة 
بكار . وقد دعا جنبلاط عصام نعمان للمشاركة في الإجتماع لكنه 
اعتذر لإعتقاده ان المصالحة بين كمال جنبلاط وبشير الجميل يجب 
ان ترتكز إلى اسس مبدئية وطنية؛ وهذا الأمر لم تكن الظروف المحلية 
والاقليمية قد انضجته بعد. خلال الإجتماع بين الرجلين قال الجميل ان 
لديه من الافكار الاصلاحية ما يتجاوز برنامج الحركة الوطنية بمراحل 
داعي جنبلاط إلى الاتفاق معه على افكار موحدة حول الاصلاحات 
المطلوبة للنظام السياسي في لبنان. وقد اعجب جنبلاط بطروحات 
بشير الجميل واعتقد انه من خلال استيعابه يمكن ايجاد شرخ في 
صفوف "الجبهة اللبنانية" الانعزالية» وقام بعرض رأيه على اعضاء 
المجلس السياسي للحركة الوطنية اللبنانية فنالت الموافقة وتقررء بناءً 
0 قتراح كمال جنبلاط؛ تكليف عصام نعمان بمتابعة المباحتات مع 

بشير الجميل بإعتبار ان الملف الاعباددي من مهامه. لم يكن عصام 
شان قن محد جرد 1ك الات اميد بشير الجميل في ذلك الوقت اذ 


440 


كان يعتقد ان ما يريده بشير في تلك المرحلة هو التقرب من كمال 
وبعد مضي يومين على إجتماع المجلس السياسي المركزي للحركة 
الوطنية» اتصل كمال جنبلاط بعصام نعمان وطلب منه الحضور اليه 
في المختارة للتباحث معه في موضوع مهم ٠.‏ عندما وصل عصام 
نعمان إلى قصر المختارة وجده يعج بالزائرين» فما كان من جنبلاط إلا 
ان انتحى به في حديقة دارته وأسرّ اليه بوجود مؤشرات توحي بأن 
بسير الجميل جاد في عرضصه بالتفاوضص حول المطالب الاصلاحية؛ 
وانه يريد منه تنفيذ قرار المجلس السياسي للحركة الوطنية بمتابعة 
البحث معه في هذا الموضوع على ان يبقى الإجتماع سرياً. 

وافق عصام نعمان على تنفيذ المهمة الموكلة اليه وراح 
يحضّر ملفاته استعداداً لهذا الإجتماع الذي شاءعت الظروف ان لا يتم 
ابدأ اذ جرى قبل يومين من موعده اغتيال ليندا جنبلاط» شقيقة كمال 
جنبلاط في منزلها في منطقة بدارو التي كانت خاضعة لسيطرة احزاب 
'الجبهة اللبنانية ما ادى إلى إلغاء اللقاء بين عصام نعمان وبشير 
الجميل نهائياً. وقد اثبتت التحقيقات فيما بعد مسؤولية حزب الوطنيين 
الاحرار عن هذه الجريمة لكونه متضرراً من أي لقاء بين كمال جنبلاط 
وبشير الجميل. 
كمال جنبلاط يريدك وزيرا وترفض؟! 

لم يؤدٍ إلغاء الإجتماع بين عصام نعمان وبشير الجميل إلى 
وقف البحث عن حلول للأزمة اللبنانية. ففي خلال زيارة قام بها رئيس 
الحكومة رشيد كرامي إلى دمشق جرى الاتفاق مع الرئيس حافظ الأسد 
00 اعلان حل للأزمة اللبنانية من خلال وثيقة دُعيت "الوثيقة 

ية" ليجري اعتمادها من قبل طرفي 8 معاً: "الحركة 

0 و"الجبهة اللبنانية "على ان» تتضمن بعضص ما جاء ذ في البرنامج 


441 


المرحلي للحركة الوطنية. وافق كمال جنبلاط على الوثيقة الدستورية 
كمدخل لحل الأزمة اللبنانية وقام بطرح الموضوع على اعضاء المجلس 
السياسي المركزي للحركة الوطنية فوافق البعض فيما عارض البعض 
الاخرء وكان عصام نعمان بين المعارضين. وفي صباح اليوم التالي 
كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحا عندما رن جرس الهاتف في 
منزل عصام نعمان وكان المتحدث .كمال جنبلاط الذي طلب منه 
الحضور في الحال إلى منزله. ذهب اليه نعمان وعند دخوله وجد لديه 
كل من الشيخ عاطف العجمي والشيخ عمر الخطيب وهما من اتباع 
المدرسة الصوفية التي كان كمال جنبلاط من اركانها أيضاً. وبعد ان 
فرغ جنبلاط من ممارسة رياضته الروحية مع الشيخين الخطيب 
والعجمي لفت إل تجيان كانا: 'بعد التفكير مليا في الوثيقة الدستورية 
وجدت انها لا تستجيب لتطلعات الشباب في التغيير» ولذا قررت ابراز 
نواقصها بمقال ع كي ينشر في جريدة "الانباء". وقام جنبلاط 
بإخراج المقال من تحت مخدة فراشه وسلّمه لعصام نعمان لأبداء 
ملاحظاته عليه. اطلع نعمان على المقال وأبدى موافقته على معظم ما 
جاء فيه. وعندما وقف مستأذئاً صاحب المنزل بالمغادرة» طلب منه 
جنبلاط البقاء لأنه يريد التحدث اليه في امر تعيينه وزيراً في حكومة 
الوحدة الوطنية التي جرى الاتفاق بين الرئيس سليمان فرنجية والرئيس 
رشيد كرامي من جهة والقيادة السورية من جهة أخرى على تشكليها 
بحيث تضم اربعة وزراء عن الحركة الوطنية واربعة وزراء عن "الجبهة 
اللبنانية"' اضافة إلى اربعة وزراء آخرين مستقلين يوزعون مناصفة بين 
الحركة الوطنية والجبهة اللبنانية» وقد وقع عليه الاختيار ليكون أحد 
الاربعة الذين سيمثلون الحركة الوطنية في الحكومة لكونه صاحب 
الدور الأول في صوغ البرنامج المرحلي للحركة الوطنية. سارع عصام 
نعمان إلى الاعتذار من جنبلاط عن قبول المنصب الوزاري بحجة ان 


442 


الظروف لم تنضج بعد لمباشرة العملية الإصلاحية» خاصة ان من 
سيمثل الجبهة اللبنانية في الحكومة وجوه تقليدية مناهضة للإصلاح 
السياسي الديمقراطي. حاول جنبلاط اقناع نعمان بقبول المشاركة قائلاً 
له: 'نحنا يلي بيمشي معنا منمشي معو للنهاية"» إلا ان عصام نعمان 
ظل متمسكأ بموقفه وسط دهشة كمال جنبلاط. ولم يكن وحده الذي 
ادهشه موقف نعمان الرافض للوزارة بل ان الدهشة اعترت أيضاً وجه 
الشيخ عاطف العجمي الذي خاطبه قائلا:'هل يعقل ان يطلب منك 
كمال جنبلاط ان تكون وزيراً وترفض؟". بعد ان خرج عصام نعمان من 
منزل جنبلاط قام بالاتصال بالوزير السابق خالد جنبلاط واطلعه على 
الحديث الذي دار بينه وبين كمال جنبلاط فوجده على علم بالموضوع 
اذ قال له: 'لقد تباحثنا في اسمك البارحة في إجتماع خاص لبعض 
اركان الحركة الوطنية واتفقنا على اسمك كممثل لها في الحكومة 
الجديدة» فإذا كنت زاهداً بهذا المنصب فأنا احق به من أي شخص 
آخر!" 

لم يمض اسبوع على هذا اللقاء بين جنبلاط ونعمان حتى 
ظهر العميد عزيز الاحدب على شاشة تلفزيون لبنان مساء 11 آذار 
6 معلناً بياناً انقلابيأ ضد الرئيس سليمان فرنجية في وقت كان 
وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام يمضي ليلته في القصر 
الجمهوري بانتظار اعلان توليفة الحكومة الوفاقية» فكان ان أفسد 
"انقلاب" الاحدب مشروع الوزارة الجديدة فغادر الخدام لتوّه إلى دمشق. 

انتشرت اخبار حركة العميد عزيز الاحدب وكلها تشير إلى 
دور لحركة 'فتح' في هندسة مشروع الإنقلاب. وقد تأكد هذا الأمر 
لكمال جنبلاط لاحقاً من خلال حديثٍ جرى بينه وبين ياسر عرفات 
بحضور بعض اركان المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية وبينهم 
عصام نعمانء اذ ابتدر كمال جنبلاط ياسر عرفات قائلاً: 'يقولون يا 


443 


أبو عمار ان لكم دوراً في البيان الانقلابي الذي اذاعه عزيز الاحدب". 
اجاب أبو عمار مبتسماً: 'سأقول لك بالضبط ما حدث يا كمال بيه: 
'بينما كان الاخ أبو حسن سلامة مارأ في كورنيش المزرعة شاهد 
العميد عزيز الاحدب يسير في مقدمة رتل من الجنود والاليات 
والمصفحات. فاستوقفه وسأله عن وجهته فأخبره انه في طريقه لاحتلال 
الاذاعة اللبنانية لتلاوة بيان الانقلاب ضد الرئيس سليمان فرنجية؛ 
فخاف أبو حسن من حصول مجزرة في حال قررت حامية الاذاعة 
التصدي للانقلابيين» فأجرى اتصالاته وقام بمرافقة العميد الاحدب إلى 
الاذاعة ورتب له امر الدخول إليها. والحقيقة يا كمال بيه كلنا لازم 
نشكر الاخ أبو حسن على عمله العظيم الذي منع حصول مجزرة بين 
الاخوة اللبنانيين"! لم يتمالك كمال جنبلاط ورفاقه الحاضرون أنفسهم 
من الضحك حيال ما سمع بالرغم من خطورة الموقف. 
كمال جنبلاط: 'اليوم استطيع القول إننا هزمنا" 

مع عودة لغة السلاح إلى الواجهة؛ كلف كمال جنبلاط عصام 
نعمان بالسفر إلى العراق لمتابعة تنفيذ اتفاق كان جنبلاط قد عقده 
بواسطة موفده محسن دلول مع صدام حسينء نائب رئيس مجلس قيادة 
الثورة في العراق آنذاك» ويقضي بدعم العراق للحركة الوطنية بأسلحة 
للدفاع عن النفس بقيمة ثلاثين مليون دولار أميركي. استقل نعمان 
باخرة إلى قبرص وبرفقته القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي 
محمد طي وانتقلا منها جوأ إلى بغداد. وقبل دخول الباخرة إلى المياه 
الاقليمية القبرصية اعترضتها بارجة إسرائيلية وقامت بالدوران حولها 
دورات عدة قبل ان تتركها وشأنها. 

انضم إلى الوفد في بغداد أحد قياديي الحزب الشيوعي اللبناني 
نديم عبد الصمد حيث اجتمع اعضاؤه إلى صدام حسين وسمعوا منه 
تأكيداً على إلتزام القيادة العراقية بمضمون الاتفاق الذي جرى عقده مع 


1444 


محسن دلولء انما مع تعديل واحد هو ان مبلغ الثلاثين مليون دولار 
سيجري صرفه على المساعدات الانسانية بدلاً من تخصيصه لشراء 
اسلحة؛ مؤكداً ان إرسال السلاح في هذا الوقت يعني اسداء خدمة لمن 
يريدون تسعير القتال بين اللبنانيين بغية الوصول إلى تقسيم لبنان» 
ومتوقعاً ان تستمر الازمة فيه لعدة سنوات إن لم يسارع اللبنانيون إلى 
تسوية خلافاتهم الداخلية. هذا الموقف العراقي تزامن مع عقد مؤتمر 
قمة عربي في الرياض بين قادة ا وسوريا ومصر والكويت 
والامارات العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية من اجل إرسال قوة سلام 
عربية إلى لبنان للفصل بين المتحاربين. . 

ازاء هذا المشهدء قرر وفد الحركة الوطنية السفر من بغداد 
إلى القاهرة لإطلاع كمال جنبلاط على الموقف العراقي المستجد . 
وكان جنبلاط آنذاك في زيارة لمصر بدعوة من الرئيس انور السادات 
الذي اطلعه على ما تقرر بشأن لبنان في مؤتمر الرياض. حاول كمال 
جنبلاط اقناع انور السادات بأن تشارك مصر في قوة الردع العربية 
المزمع إرسالها إلى لبنان وذلك من اجل تأمين التوازن مع القوات 
السورية المفترض ان تشكّل القسم الاكبر من عديد قوة الردع المناط 
بها الفصل بين المتحاربين . وبعد عودة جنبلاط ووفد الحركة الوطنية 
إلى لبنان ومضي نحو اسبوع تقريبء حضر إلى منزله في بيروت موفد 
خاص من السفارة المصرية حاملا له رسالة من الرئيس انور السادات. 
قرأ جنبلاط الرسالة بتمعن ثم نظر إلى مجالسيه؛ وكان بينهم عصام 
نعمان» وقال بصوت حزين: "الان استطيع القول اننا هزمنا لأن مصر 
رفضت المشاركة في قوات الردع العربية". 
كمال جنبلاط يغيب والحركة الوطنية تهتز 

في 16 آذار 1977 جرى إغتيال كمال جنبلاط في ضواحي 
بعقلين بينما كان متوجهاأ من المختارة إلى بيروت. في اربعين الشهيدء 


445 


اقيم مهرجان تأبيني حاشد في قصر الاونيسكو شاركت فيه شخصيات 
سياسية من مختلف انحاء العالم» وكان عصام نعمان رئيسا للجنة 
المنظمة للمهرجان. بعد مرور اسبوع على هذه المناسبة الحزينة ذهب 
وليد جنبلاط إلى دمشق واجتمع إلى الرئيس حافظ الأسد بعد مساع قام 
بها صديق الطرفين رياض رعد . 

وكانت معلومات شبه مؤكدة قد وصلت إلى قيادة الحركة 
الوطنية حول ظروف اغتيال كمال جنبلاط مفادها ان عملية الاغتيال 
تمت بأمر من رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسدء وتردد لاحقأ ان 
اغتيال جنبلاط كان أحد الاسباب الرئيسية للخلاف الذي تفجّر فيما بعد 
بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت وانتهى إلى اتخاذ الرئيس اوري قراراً 
بتجريد شقيقه من كل مناصبه ونفيه إلى خارج سوريا. 

في لقائه الأول مع وليد جنبلاط قال الرئيس الأسد لضيفه ان 
قواته موجودة في لبنان لا لتغليب طرف على اخر بل لمنع الفوضى 
من الانتشار على الاراضي اللبنانية والتي, يخشى في حال استشرائها 
ان تقوم إسرائيل بإستغلال العمليات التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية 
ضدها انطلاقاً من الجنوب من اجل شنّ هجوم واسع على لبنان يؤدي 
إلى اخراج منظمة التحرير الفلسطينية من ربوعه وإقامة حكومة عميلة 
لإسرائيل. وقد نجم عن إجتماع جنبلاط بالرئيس الأسد استقرار في 
علاقة جنبلاط بسوريا مكّن الحركة الوطنية من تركيز سياستها على 
معارضة مشروع "الجبهة اللبنانية" التقسيمي المدعوم من دول الغرب 
وإسرائيل. 

شكّل غياب كمال جنبلاط فراغاً لا يمكن تعويضه على 
الساحة الوطنية» ومع ذلك كان الم لحت عن بديل يخلفه في 
رئاسة الحركة الوطنية. اقترح بعض اركان الحركة الوطنية استحداث 
لجنة تنفيذية تتولى ادارة الشؤون السياسية على ان يتحوّل المجلس 


446 


السياسي المركزي إلى هيئة تقريرية. لم تبدِء بادىء الأمرء قياداث 
الحركة حماسة لانتخاب وليد جنبلاط رئيساً للمجلس السياسي المركزي 
خلفاً لوالده الشهيد» خاصة انه حتى تاريخ استشهاد والده لم يكن قد 
انتسب بعد إلى الحزب التقدمي الاشتراكي! وفي الواقع» جرى تنسيبه 
إلى الحزب بعد هذا التاريخ: والقة: كي نستي له" أن ابرع رلقنية 
لرئاسته. وبعد نقاشات طويلة بين قيادات الحركة الوطنية اس ستقر الرأي 
على انتخاب وليد جنبلاط رئيساً للجنة التنفيذية للحركة وذلك تكريماً 
لتراث والده الشهيد على ان يبقى محسن ابراهيم أميناً عام تنفيذياً لها. 
كانت علاقة عصام نعمان بالشهيد كمال جنبلاط قد تعتّت 
الشأن السياسي لتتحول مع الوقت إلى علاقة شخصية حميمة باح له 
خلالها ببعض أسراره العائلية. دامر ير عن 
بأن يبادر إلى الانتساب إلى الحزب التقدمي الاشتراكي ولكنه كان في 
كل مرة يعتذر ويصرٌ على بقائه من ضمن فئة الشخصيات الوطنية 
المستقلة في الحركة . 2 ابداها له وليد جنبلاط بواسطة أحد 
7 الحزب التقدمي الاشتراكي» وكان جوابه تمامأ كالذي سبق ان 
اعطاه للشهيد كمال جنبلاط» مع تأكيده على استعداده للتعاون معه إلى 
0 على نهج والده في العمل وهو نهج العروبة 
والديمقراطية. 
لم تعمّر العلاقات السياسية بين وليد جنبلاط وعصام نعمان 
طويلا اذ سرعان ما اكتشف الاخير ان هناك تبايناً كبيرا بين الاثنين 
في اسلوب العمل السياسي والتعاطي مع قيادة الحركة الوطنية بين 
طريقة وليد وطريقة والده الشهيد. وقد برز هذ الأمر جلي من خلال 
القرار الاعتباطي الذي اتخذه وليد جنبلاط لاحقأ بحل الحركة الوطنية 
في اعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982. لكن بالرغم من هذا 
التباين فإن الصلة لم تنقطع بين الرجلين. فقد طلب وليد جنبلاط من 


447 


عصام نعمان ان يكون ي عداد أعضاء وفد القوى الوطنية إلى 
إجتماعات لجان الاصلاح السياسي التي تشكّلت بعد مؤتمر الحوار 
الوطني الذي عُقد في لوزان (سويسرا) عام 1984 إلى جانب كل من 
مروان حماده وفؤاد شبقلو. وعندما اقترح نائب الرئيس السوري عبد 
الحليم خدام على وليد جنبلاط عشية توقيع الاتفاق الثلاثي في دمشق 
منتصف كانئون الأول سنة 1985 الوقوف على رأي بعض خبراء 
القانون الدستوري في مسألة هذا الاتفاق» اختار جنبلاط عصام نعمان 
لتقديم المشورة في هذا السبيل. وفي السياق» قدّم نعمان في إجتماع 
جرى بمكتب عبد الحليم خدام مطالعة قانونية وسياسية خلص في 
نهايتها إلى ان مشروع الاتفاق يتضمن ثغرات عدة ما يستوجب إعادة 
النظر فيه. افرح هذا الرأي وليد جنبلاط فيما استثار سخط مروان 
حماده الذي اتهم عصام نعمان بعدم الواقعية. والمفارقة ان هذا الإتفاق 
لم يعمّر طويلاً اذ سقط بعد اسابيع قليلة من توقيعه... 
كاد ان يصبح شهيداً... 

في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 كاد عصام نعمان 
ان يفقد حياته حين كان عائداً من إجتماع لقيادة الحركة الوطنية ولدى 
وصوله إلى المبنى الكائن في منطقة الروشة حيث يشغل واشقاوّه اربع 
شقق فيه» دوّى انفجار كبير دمر المبنى برمته. وقد تبيّن ان طائرة 
حربية إسرائيلية قامت بقصف المبنى بينما كان عصام نعمان يهم 
بدخوله. ثم اصيب المبنى بصاروخ اخر ادى إلى اصابة نعمان في يده 
ورأسه فيما قتل ثلاثة من سكان المبنى. وقد تردد ان فيه شقة للمناضل 
أبو العباس أحد قادة المقاومة الفلسطينية» انما لم يثبت انه كان في 
المبنى عندما جرى قصفه . وبعد خروج عصام نعمان من المستشفى 
انتقل للسكن في منزل شقيقته الدكتورة نجلا في عاليه وبقي فيه إلى ان 
انسحب الإسرائيليون من بيروت. وعندما ذهب لتفقد ما تبقى من 


448 


محتويات شقته المدمرة» بادره ناطور المبنى المدمر بالقول إن اربعة 
ضباط إسرائيليين حضروا اثناء احتلال بيروت وسأله احدهم اذا كان 
هذا هو المبنى الذي كان يسكن فيه عصام نعمان. وعندما رد عليه 
بالايجاب طلب منه أحد الضباط التحديق به ملياً فاذا به الشخص 
نفسه ذو الثياب الرثة الذي ظل لسنوات عدة يقف في الشارع ويتظاهر 
بأنه يعتاش من مساعدة الناس في حمل امتعتهم وحوائجهم عند 
حضورهم إلى المبنى . 
عصام نعمان نائبا عن بيروت 

تعود معرفة عصام نعمان بالدكتور سليم الحص إلى سنة 
7 عندما كان الاخير أستاذه في مادة المالية العامة في الجامعة 
الأميركية في بيروت . وقد درّسه بعض الوقت قبل ان يتابع دراسة 
المادة المذكورة مع أستاذ اخر هو الدكتور عصام عاشور. ومع تعيين 
الدكتور الحص رئيساً لأول حكومة في عهد الرئيس الياس سركيس سنة 
6 زره نعمان برفقة الدكتور اسامة فاخوري رئيس المجلس 
السياسي لمدينة بيروت؛ في "عهد' الحركة الوطنية وذكّرهِ بنفسه. ومنذ 
ذلك الحين توطدت العلاقة بين الرجلين. ذلك ان الرئيس الحص كان 
في بداية عهده السياسي يسعى إلى إقامة علاقات مع شخصيات 
وطنية من خارج إطار الاحزاب السياسية ممن تؤمن بضرورة الاصلاح 
الديمقراطي للنظام السياسي . وقد أصبحت اللقاءات دورية بين الاثنين 
وتعقد في منزل الحص في دوحة عرمون وتضم عدداً من المفكرين 
والإصلاحيين للبحث في صياغة خطة وطنية اصلاحية لإخراج البلاد 
من ازمتها. وكان من نتائجها تأسيس 'ندوة العمل الوطني" التي كان 
عصام نعمان أحد اركانها الفاعلين. وعلى اساس برنامج الندوة 
في الانتخابات النيابية التي جرت سنة 1992 . وقد ضمت لائحة 
الحص أيضاً كلا من محمد يوسف بيضون واسامة فاخوري ونجاح 

449 


واكيم ومحمد قباني واطلق عليها الرئيس الحص تسمية "كتلة الإنقاذ 
الوطني". 
خلال هذه الانتخابات؛ حاول اللواء غازي كنعان قائد الفريق 
الامني السوري في لبنان؛ ان يفرض على لائحة الرئيس الحص مرشحاً 
من آل وهاب كان شريكاً لجمال عبد الحليم خدام في اعماله التجارية. 
لكن الرئيس الحص رفض ضغءوط اللواء كنعان وتمسك بنعمان في 
لائحته. وفي هذه الآونة» كان وليد جنبلاط يسعى إلى ترشيح أحد 
انصاره عن المقعد الدرزي في بيروت إلا "أن + خلافاً وقع بين المرشحين 
المحسوبين عليه إذ استمروا في ترشحهم ضد بعضهم بعضاً الأمر 
الذي مكّن عصام نعمان من الفوز بفارق كبير في الاصوات. كانت 
نزاهة الرئيس سليم الحص واستقامته طوال فترة ممارسته الحكم مضرب 
مثل بين اللبنانيين. فعندما كان رئيس لمجلس الوزراء ووزيراً للأقتصاد 
في عهد الرئيس الياس سركيس اصدر مذكرة منع بموجبها زوج شقيقته 
من الدخول إلى وزارة الاقتصاد لا لشيء إلا كي لا يقال يوماً ان قريباً 
لرئيس الحكومة استغل وجوده لتحصيل منفعة خاصة أو التوسط لأحد 
لتمرير معاملة. وعندما جرى تطبيق مرسوم غلاء المعيشة» وجد الحص 
ان هناك زيادة في فروقات مخصصاته كنائب عن بيروت نتيجة وجود 
خطأ في احتسابهاء فرفض قبض المبلغ المقرر له واعاد المعاملة إلى 
مصدرها لتصحيح الخطاأ. والمفارقة أن أحد الوزراء علّق متذمرأ على 
تصرف الرئيس الحص قائلاً: "اذا كان ما بدو يستفيد ليش ما بخلي 
غيرو يستفيد. ضروري يحرمنا كلنا"! 
اقاء 0 نيابته ما بين 1992 و1996» تقدّم عصام نعمان 
بعشرات اقتراحات القوانين» لكنه في اكثر الاحيان كان يفاجأ بعقبات 
توضع 0 اقتراحاته مصدرها نواب الرئيس رفيق الحريري. وعندما 
تقدّم عصام نعمان بإقتراح قانون جديد للجنسية اللبنانية بغية منحها 


450 


لمستحقيهاء تبيّن له ان اقتراحه لم تجرٍ احالته إلى لجنة الادارة والعدل 
النيابية لدراسته وان سبب ذلك هو ان رئيس الحكومة رفيق الحريري 
كان يسعىء بالاتفاق مع قوى سياسية متعددة» لتجنيس عدد كبير من 
غير اللبنانيين من دون مراعاة الشروط القانونية. وعندما قدم عصام 
نعمان إلى المجلس النيابي اقتراح قانون لتنظيم الاعلام المرئي 
والمسموع تصدى الرئيس رفيق الحريري لهذا الاقتراح بأن قدّمت 
حكومته مشروع قانون مضاد احدث جدلا حادا داخل المجلس النيابي 
ولا سيما بشأن الحريات وعندما طرح المشروعان على التصويت 
صوتت غالبية النواب ضد مشروع الرئيس الحريري ونجح اقتراح 
القانون المقدم من عصام نعمان معدلا. 
عبد الحليم خدام لمحمد قباني: "الرئيس الحص صنعك!" 

في انتخابات عام 1996» قرر الرئيس رفيق الحريري خوض 
الانتخابات النيابية في بيروت وقام بتأليف لائحة في مواجهة لائحة 
الرئيس الحص. حاول سعاة الخير تجنيب بيروت معركة طاحنة وذلك 
بالتوافق على لائحة مشتركة بينهماء إل ان الحص رفض هذه الفكرة 
قائلاً لمراجعيه: 'ما معنى ان نتفق في يوم الانتخابات شكلياأ ونفترق في 
اليوم التالي سياسياً؟" وبعد استبعاد اقتراح الإئتلاف بين القطبين» اقترح 
سعاة الخير ان يجري الاتفاق بينهما على تقاسم المقاعد النيابية آل 19 
في بيروت بأن لا يكون مرشحون في كلا اللائحتين متنافسين على 
المقاعد نفسها. وكاد هذا الاقتراح يمر لولا اصرار الحريري على ترشيح 
خالد صعب عن المقعد الدرزي في بيروت الأمر الذي رفضه الحص 
متمسكاً بعصام نعمان مرشحأ على لائحته. عندئذ طلب الحريري من 
اللواء غازي كنعان الضغط على الرئيس الحص من اجل دفعه إلى 
التخلي عن عصام نعمان والقبول بخالد صعب. إلا ان الحمص رفض 
الرضوخ للضغوط وهدد بالعزوف عن خوض الانتخابات في حال 


451 


استمرارها. حيال هذا المشهد قرر عصام نعمان زيارة اللواء غازي 
كنعان من دون إعلام الرئيس الحص من اجل تحذيره من مغبة 
استمراره بالضغط عليه. وبالفعل شرح نعمان للواء كنعان التداعيات 
المنتظرة في حال قرر الحص الإنسحاب من الانتخابات النيابية بسبب 
الضغوط ما يجعلها في نظر الرأي العام غير شرعية وغير مشروعة. 
اقتنع اللواء كنعان بكلام عصام نعمان واكد له ان ليس هناك من مانع 
لقيام الرئيس الحص بتشكيل لائحة خاصة به. واما بشأن المقعد 
الدرزي عن بيروت فقال كنعان: "ليس هناك من بديل عن عصام 
نعمان لهذا المقعد. 'في هذه الاثناء» كان الرئيس الحريري يعمل على 
اكثر من خط من اجل خردقة لائحة الرئيس الحص واضعافها. ولهذه 
الغاية وافق على ضم النائب بشارة مرهج على لائحته وذلك بناء على 
طلب من نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام. وكان مرهج قد ظلّ 
حتى اللحظات الاخيرة التي سبقت اعلان الرئيس الحص لائحته 
الانتخابية مرشحاً على هذه اللائحة إلا انه اختفى فجأة ليظهر في 
منزل الرئيس رفيق الحريري في قريطم مرشحاً على لائحته. بدوره كان 
النائب محمد قباني يحاول الانضمام إلى لائحة رفيق الحريري» ولهذه 
الغاية قام بزيارات عدة لعبد الحليم خدام من اجل التوسط له لدى 
الحريري كي يضمه إلى لائحته . إلا ان خدام قال له في آخر لقاء 
معه: " الحريري لن يضمك إلى لائحته والافضل لك ان تعود إلى 
الرئيس الحص الذي صنعك سياسياً ' جرت الانتخابات وكان الرئيس 
الحص والنائب محمد يوسف بيضون الفائزين الوحيدين من كتلة 
الحص فيما جرى اسقاط المرشحين الآخرين . بعد نحو شهرين من 
الانتخابات إلتقى عصام نعمان صدفة باللواء غازي كنعان فسأله نعمان 
عمًا كان يقصده بقوله له في آخر لقاء بينهما "ليس هناك من بديل عن 
عصام نعمان لمقعده النيابي في بيروت"» وتأكيده له ان السوريين لن 
يحاربوه في بيروت»؛ فأجابه كنعان: قصدتُ بذلك ان ليس لك بديل على 
2452 


لائحة الرئيس سليم الحص!!" اجابه نعمان فوراً: “وهل كان الرئيس 
الحص يفتش عن بديل مني؟!". 

انطوت الانتخابات النيابية عام 1996 على مخالفات فاضحة 
نتيجة تدخلات غازي كنعان وعبد الحليم خدام لمصلحة الرئيس رفيق 
الحريري ولائحته» فقام عصام نعمان بتوثيقها وقدم على اساسها طعناً 
إلى المجلس الدستوري طالباً إبطال انتخاب منافسه خالد صعب. وكان 
من ابرز النقاط التي اوردها في مراجعة الطعن عدم تقديم خالد صعب 
استقالته من عضوية مجلس ادارة المدينة الرياضية (وهي مؤسسة 
عامة) قبل ستة اشهر من ترشحه للنيابة كما يقضي القانون. هذه 
المخالفة حاولت جماعة الرئيس الحريري استدراكها قبل يوم الانتخابات 
بأن طلبت من خالد صعب التوجه إلى ديوان مجلس الوزراء وتسجيل 
استقالته في قلمه على ان تُعطى تاريخاً يعود إلى ما قبل ستة اشهر 
من موعد اجراء الانتخابات؛ إلا ان الأمر اصطدم برفض الأمين العام 
لمجلس الوزراء هشام الشعار تسجيلها في غير تاريخها الصحيح:؛ فما 
كان من خالد صعب عندئذٍ إلا ان قام» بتوجيه من جماعة الحريري؛ 
بتسجيلها لدى قلم مصلحة المدينة الرياضية بعد اجراء تحوير في 
تواريخ سجل الصادر والوارد لدى المصلحة المتكورة والطريف ان 

عضو المجلس الدستوري القاضي سليم عازار استوقفته هذه الواقعة 
فكان ان ذهب بنفسه للتدقيق في سجل الوارد والصادر لدى مصلحة 
المدينة الرياضية. وعندما تيقّن من حصول التحوير في التواريخ احضر 
السجل معه إلى جلسة المجلس الدستوري وطرحه امام زملائه القضاة 
على الطاولة قائلاً: "هذا تعر لحأمين وليس سجل مؤسسة رسمية"! 
احدث هذا المشهد هزة في المجلس الدستوري افضت إلى ممارسة 
تدخلات وضغوطات سياسية على اعضائه لتجاوز المخالفة المذكورة 
الأمر الذي ادى إلى استقالة رئيس المجلس الأستاذ وجدي الملاط . 


4653 


دوافع وطنية واخلاقية لإنتخاب لحود للرئاسة 
خدام في الشؤون اللبنانية لمصلحة الرئيس الحريري وحلفائه لم تقتصر 
آثارها على لبنان بل كان لها تداعيات في الداخل السوري لاحقاً. ذلك 
ان نحو 25 مسؤولاً في الادارة العامة السورية جرت اقالتهم من 
مناصبهم بتهمة الفساد أو لمخالفات من بينها ما له علاقة بإدارة كنعان 
وخدام للملف اللبناني. وتردد آنذاك ان هذا الأمر هو ما دفع الرئيس 
بشار الأسد إلى القول امام بعض اصدقائه: "ان الاصلاح يجب ان 
يبدأ في لبنان وسوريا في وقتٍ واحد". إزاء ذلك كله بدأ البحث عن 
شخصية مشهود لها بالنزاهة والاستقامة لتولي رئاسة الجمهورية في 
لبنان خلفا للرئيس الياس الهراوي. وكان ان وقع الاختيار على قائد 
الجيش العماد اميل لحود الذي كانت انظار القيادة السورية تتجه اليه 
في اعقاب موقفه الرافض لقرار حكومة الحريري نشر الجيش اللبناني 
في مناطق انتشار قوات الطوارئ الدولية بعد العدوان الإسرائيلي على 
لبنان سنة 1993 وقد رفض العماد لحود آنذاك تنفيذ قرار الحكومة 
معتبراً ان ذلك من شأنه ان يؤدي إلى وقف عمليات المقاومة ضد 
إسرائيل في الشريط الحدودي المحتل؛ وهدد بالاستقالة من قيادة الجيش 
في حال اصرار الحكومة على موقفها. 

موقف العماد لحود الصلب في دعم المقاومة ترك اثره لدى 
القوى الوطنية في لبنان كما لدى القيادات السورية ولا سيما الدكتور 
بشار الأسد. وكان عصام نعمان من المقتنعين بشخصية اميل لحود 
الوطنية واخلاقيته العالية ما يؤهله ليكون رئيساً للجمهورية في تلك 
المرحلة. لذلك قام بالتعاون مع الصحافي عماد جودية وبالتنسيق مع 
الدكتور سليم الحص باجراء اتصالات واسعة مع عدد من القيادات 
اللبنانية الاساسية بهدف التمهيد لوصول: العماد لحود إلى رئاسة 
الجمهورية. لم يمانع اميل لحود في تولي منصب رئيس الجمهورية 

2054 


عندما عرضت الفكرة عليه؛ لكنه اشترط ان يأتي الأمر من خلال 
مجلس النواب. وعندما سئل عن الشخصية التي يرغب في ان تتولى 
رئاسة الحكومة في عهده اعطى على الفور اسم الرئيس سليم الحص. 
مع تبلور الاتجاه إلى انتخاب العماد لحود رئيسا للجمهورية قرر ميشال 
المرء والد الياس المرء صهر العماد لحود. الانسحاب من مشروع ردم 
الواجهة البحرية في ساحل المتن الشمالي في نيسان 1998 . وكان 
الرئيس رفيق الحريري اقنعه بالدخول شريكا في المشروع. وكانت 
مؤسسات خليجية رفضت ان تكون مشاركة وحدها فيه واصرت على 
ان تشاركها مؤسسات لبنانية. اما سبب انسحاب ميشال المر فكان 
لتفادي النظر اليه كشريك للحريري عشية انتخاب والد زوجة ابنه رئيساً 
للبلاد. 
إذا اردت ان تنجح بادر إلى اقالة عبد المنعم يوسف! 

كان الرئيس رفيق الحريري قد تحوّل بعد انتخابات سنة 1996 
زعيماً سياسياً. لذا وجد الرئيس حافظ الأسد ان اقصاءه عن الحكم 
بسرعة سيُظهر سوريا بمظهر المنحازة ضده ولمصلحة الرئيس اميل 
لحودء فإستقر الرأي على إبقائه على رأس الحكومة في حال سمّته 
اكثرية نيابية. في الاستشارات النيابية الملزمة» نال الرئيس الحريري 84 
صوتا من اصل 128 ناتبأ فكُلفء. بتشكيل الحكومة. إل ان عدد 
الاصوات التي نالها لم يرضه واصر على إعادة الاستشارات بحيث 
ينال عدداً من الاصوات مماثلاً للعدد الذي ناله العماد لحود (118) 
عند انتخابه رئيساً. لذلك توسّط نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام 
لدعمه. لكن خدام لم يستطع اقناع الرئيس لحود بإعادة الاستشارات 
مجدداً. خاصة ان الملف اللبناني كان قد انتقل من عبد الحليم خدام 
إلى نجل الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد. إزاء هذا المشهد لم يجد 
الرئيس الحريري مناصاً من الإعتذار عن تأليف الحكومة» وذهب إلى 
القصر الجمهوري في بعبدا لإبلاغ الرئيس لحود بقراره» إلا انه فوجئ 

45 


بسماع نبأ اعتذاره من الاذاعة وهو في طريقه إلى بعبدا. فقد سبقه 
الرئيس لحود إلى إعلان الاعتذار مخافة ان يغيّر رأيه! بعد اعتذار 
الحريري جرت استشارات نيابية جديدة افضت إلى تكليف الرئيس سليم 
الحص بتشكيل الحكومة بعد ان سماه تسعون نائباً. قبل يوم من صدور 
مراسيم تشكيل الحكومة زار عماد جودية»؛ المستشار الاعلامي للرئيس 
لحودء عصام نعمان في منزله وابلقه ان الاختيار وقع عليه لتولي وذارة 
الاعلام . لكنه اتصل به هاتفياً في اليوم التالي ليخبره ان تبديلاً قد 
حصل في توزيع الحقائب الوزارية وان وزارة الاتصالات ستسند اليه بدلا 
من الاعلام. السبب ان الرئيسين لحود والحص وجدا ان الصفقات 
والعقود التي ابرمت في وزارة الاتصالات خلال السنوات الخمس الاخيرة 
تحتاج إلى رجل قانون قدير لفكفكة ألغازها وإزالة الفساد المقترن بها. 
كانت الحكومة التي شكّلها الرئيس سليم الحص في مطلع عهد الرئيس 
اميل لحود هي الأولى التي لم يتدخل السوريون في تأليفها منذ اتفاق 
الطائف إذ جرى اختيار الوزراء حصراً بالتشاور بين الرئيسين لحود 
والحص. وينقل الوزير عصام نعمان عن عماد جودية قوله إن الرئيس 
لحود استدعاه خلال فترة المشاورات لتشكيل الحكومة وسلّمه رسالة 
ليقوم بنقلها إلى الرئيس الحص. سلّم حودية الرسيالة للحصن الذي :غاب 
لمدة عشر دقائق وعاد ليسلم جودية مغلفا مغلقا لينقله إلى الرئيس 
لحود. نقل جودية لتوّه المغلف إلى لحود الذي طلب اليه فتحه وقراءة 
مضمون رسالة الحص. فوجئ جودية بعد فتح المغلف بوجود لائحة 
من ثلاثين اسم يرشح الحص أصحابها ليكونوا وزراء في حكومته 
الجديدة» وكان الأول في اللائحة اسم عصام نعمان. 

وفي 4 كانون أول سنة 1998 صدرت مراسيم تشكيل 
الحكومة برئاسة الرئيس سليم الحص وقد حملت اسم عصام نعمان 
وزيراً للإتصالات. وفي اثناء ذهابه إلى القصر الجمهوري في اليوم 
التالي للإلتقاط الصورة التذكارية تلقى الوزير نعمان اتصالاً هاتفياً من 

456 


اللواء غازي كنعان هنأه فيه بتعيينه وزيراً في الحكومة. فرد الوزير 
نعمان مجاملاً بشكر اللواء كنعان على اتصاله؛ فما كان من اللواء 
كنعان إلا ان قال له: 'ما تشكرني ابداً. هذه الحكومة ليس لي يد فيها 
ابداً. يجب ان توجّه شكرك إلى الرئيسين الحص ولحود؛ فأنت جئت 
وزيراً باختيارهما". في مساء اليوم التالي»ء حضر وزير الاتصالات 
السابق الفضل شلق إلى منزل الوزير نعمان لتهنئته بمنصبه الوزاري 
وقال له: "اذا كنت تريد ان تنجح في وزارتك قَمْ بإبعاد مدير عام 
الاستثمار والصيانة عبد المنعم يوسف عن منصبه"! 

لم يكد يمضي اسبوع على وجود الوزير نعمان في ونارة 
الاتصالات حتى بدأت تتكشف له جملة من المخالفات المتراكمة من 
عهود سابقة. كان أول ما اكتشفه ان هناك تسعة عشر سنترالاً هاتفياً 
موزعين على عدد من المناطق اللبنانية قد انجز تركيبهم لكن مع ذلك 
لم يتم وضعهم في الخدمة وذلك مسايرةً لشركتي الخليوي؛ فقام الوزير 
نعمان باصدار مذكرة بوضعهم في الخدمة على الفور. كما تبين له 
أيضأً ان الدائرة القانونية للوزارة لا يوجد فيها موظف متخصص في 
الشؤون القانونية وانها تدار بواسطة موظفة لا تزال طالبة في كلية 
الحقوق. كما تبيّن له أيضاً ان الدولة قد اهملت منذ زمن تحصيل 
عائداتها من المكالمات الخارجية مما حرم الخزينة من مبالغ طائلة. 
بالرغم من كل المأسي التي اكتشفها الوزير عصام نعمان في وذارة 
الاتصالات فانه وجد نفسه مضطراً إلى الإبقاء على مدير عام 
الاستثمار والصيانة عبد المنعم يوسف في منصبه وإن مؤقتا وذلك 
لحين سد النقص الكبير التي كانت تعانيه الوزارة في كادراتها. وكان 
اسم عبد المنعم يوسف من ضمن الاسماء التي طالب وزير الاصلاح 
الاداري حسن شلق باحالتها على التحقيق بسبب اعمال غير قانونية 
كانوا قد قاموا بها خلال ممارستهم الوظيفة. إلا ان رئيس الحكومة سليم 
الحص عاد بعد فترة واصدر قرارا بإحالة عبد المنعم يوسف على 

437 


التفتيش المركزي. 

الحقيقة ان الوزير نعمان كان يريد خلال شهر نيسان سنة 
2000 قنخ الكد مع شركئ الخليوي 'ليبان سل" واسليس” الخرقهما 
احكامه وإلحاقهما اضرارا فادحة بخزينة الدولة» على ان يصار فورا إلى 
إجراء استدراج عروض عالمي بغية اختيار شركتين عالميتين بديلتين 
لإسناد استثمار مرفق الهاتف اليهما وفق شروط افضل لخزينة الدولة 
وللمشتركين . لكن الرئيس الحص ووزير المالية الدكتور جورج قرم عارضا 
اقتراح الوزير نعمان بحجة ان ولاية الحكومة تنتهي حكمأ بحسب احكام 
الدستور في منتصف شهر تشرين الأول سنة 2000»؛ وان خمسة اشهر 
غير كافية لإنجاز عملية استدراج العروض واسناد استثمار مرفق الهاتف 
الخليوي إلى شركتين جديدتين . لذلك قرر مجلس الوزراء الإكتفاء بإقتراح 
بديل قدمه الوزير نعمان يقضي بإلزام كل من شركتي الخليوي تسديد مبلغ 
0 مليون دولار وذلك بموجب سندي تحصيل جرى ابلاغهما اليهما 
حسب الاصول. بعد عودة الرئيس رفيق الحريري إلى السلطة» قام في 
صيف العام 2001 بفسخ العقد الساري المفعول مع الشركتين» وحاول 
إجراء استدراج عروض مضبوط الإجراءات بغية اسناد استثمار مرفق 
الخليوي إلى شركتين يمتلكهما أحد رجال اعمال من اصدقائه وقيل إنه من 
شركائه. لكن الرئيس اميل لحود افسد خطة الرئيس الحريري في مجلس 
الوزراء» فكان ان لجأت الشركتان إلى التحكيم المنصوص عليه في العقد» 
وجرى التوافق على لجنتي تحكيم للقيام بالمهمة في جنيف. فوجئ المحامي 
انطوان قرقماز» الذي وكلته الدولة للدفاع عن حقوقها لدى لجنة التحكيم» 
بأن احدأ من موظفي وزارة الإتصالات وافق على ان يكون شاهداً على 
اداء الشركة امام لجنة التحكيم. ازاء ذلك طلب الرئيس لحود من الوزير 
نعمان قبول الشهادة امام اللجنة لتنفيذ طلبات التعويض الخيالية التي 
تقّمت بها الشركتان والتي بلغت اكثر من مليار ونصف المليار دولار لكل 
منهما! 

2458 


وافق الوزير نعمان على الشهادة ومَثل امام لجنة التحكيم 
فكانت شهادته اشبه بمرافعة شاملة كانت نتيجتها ان حكمت اللجنة 
بمبلغ 265؛ 158: 184 مليون دولار أميركي لإحدى الشركتين» 
'ليبان سل"؛ وقد جرى التوافق بينها ل 0 على خفضه إلى 
مبلغ 96 مليون دولار أميركي قبل ان تتغيّر الحكومة ويأتي مروان 
حماده وزيراً للإتصالات؛: ويعاود المفاوضات مع الشركتين ويقرر 
بنتيجتها زيادة المبلغ المتوافق عليه من 96 مليون دولار إلى 150 
مليون دولار بدعوى احتساب الفوائد! (ربطأ نص مخالفة المحكم 
الأستاذ انطوان عقل للقار, الاير عن لجنة التحكيم بشأن شركة 
'ليبان سل"؛ وهي وثيقة يُكشف النقاب عنها لأول مرة بعدما عتّمت 
حكزمة الحروري : على قزري :الول" التكقين: لد دورمن ) ةا لخن 
شهر من مباشرة الوزير نعمان مهامه الوزارية وصلته معاملة ادارية من 
المديرية العامة للأمن العام تتضمن طلباً بفصل الخطوط الهاتفية 
للمديرية العامة للثمن العام عن السنترالات الرسمية للدولة وإلحاقها 
مباشرةٌ بمقسمات المديرية. احيل الطلب إلى المديرية العامة للانشاء 
والتجهيز مقروناً بموافقة الوزير شرط عدم وجود أي مانع قانوني أو 
فني يحول دون تنفيذه. ولكن الوزير عاد ليطلب وقف تنفيذ المعاملة 
بعد ان زاره على عجل المستشار الاعلامي لرئيس الجمهورية عماد 
جودية متمنيأ عليه بإسم رئيس الجمهورية عدم اجراء أي تغيير في 
وضعية الخطوط 0-6 للمديرية العامة للثمن العام التي يجب تبقى 
مرتبطة بسنترال رأس النبع الموضوع تحت رقابة مخابرات الجيش 0 
بكل مقسمات ادارات الدولة الرسمية. وفي اليوم التالي زار مدير عام 
الامن العام اللواء جميل السيد وزير الاتصالات في مكتبه لمراجعته في 
الموضوع. لكن الوزير نعمان ابلغه اعتذاره عن تنفيذ طلبه شارحاً له 
اسباب رفضه رغم تلقيه طلبا من غازي كنعان لتسهيل هذا الإجراء؛ 
مؤكدأ تمسكه بموقفه وابلغه ان طلب رئيس الجمهورية هو الأولى 
459 


بالإحترام . كان ملف الهاتف الخليوي من اكثر الملفات تعقيداً التي 
واجهت عصام نعمان اثناء وجوده في وزارة الاتصالات اذ تبين له عدم 
وجود ملف متكامل بشأنها في الوزارة. وبعد مناقشة الموضوع في 
مجلس الوزراء تقرر تكليف مؤسسة الاستشارات الدولية "بوز ألن أند 
هاملتون" بوضع دراسة حول واقع الهاتف الخليوي في لبنان ومستقبله. 
في هذا الوقت كان صدر تقرير ديوان المحاسبة الذي يتضمن اتهاما 
لشركتي الخليوي بخرق احكام دفتر الشروط وحرمان الدولة حصتها من 
الرسوم المستحقة. وقد اوصى تقرير المؤسسة الاستشارية بأن تعتمد 
وزارة الاتصالات أحد خيارين: انذار الشركتين بتعديل العقد وتسديد 
الدولة الرسوم المتأخرة» أو الدعوة إلى استدراج عرض عالمي جديد 
لتشغيل وصيانة الهاتف الخليوي في لبنان. وكان الوزير نعمان قبل 
تبلغه تقرير ديوان المحاسبة قد قام بتوجية انذار إلى شركتي الخليوي 
يطلب فيه منهما وقف استقبال مشتركين جدد بالهاتف الخليوي نظراً 
لتجاوزهما السقف المسموح به لعدد المشتركين المنصوص عليه في 
دفتر الشروط . لكن الشركتين لم تتقيدا بمضمون الانذار. وبناء على 
قرار ديوان المحاسبة اختار الوزير نعمان اجراء المفاوضات مع شركتي 
الخليوي لتعديل العقد بما يضمن تحصيل حقوق الخزينة اللبنانية تحت 
طائلة فسخه اذا لم تنجح المفاوضات خلال ثلاثة اشهر. في هذه 
الاثناء حصل تطور امني خطير في لبنان تمثل بقيام إسرائيل بقصف 
محطات الكهرباء في الجمهور وبعلبك والشمال وذلك مطلع عام 
0 الأمر الذي اوجد مناخاً غير مؤاتٍ لاجتذاب استثمارات اجنبية 
إلى لبنان» فكان ان قرر المسؤولون في وزارة الاتصالات صرف النظر 
عن خيار وقف المفاوضات و«انهاء العقد مع شركتي الخليوي 
والإستعاضة عن ذلك بإلزام كل منهما بتسديد الدولة مبلغ 300 مليون 
دولار على حساب حصتها من الرسوم المتوجبة على المكالمات 
الهاتفية. كانت حكومة الرئيس سليم الحص فور مباشرتها لمهامها قد 
400 


اطلقت حملة ضد الفساد في ادارات الدولة فقامت بوضع عدد من 
المديرين العامين بالتصرف واحالت العديد من القضايا على ديوان 
المحاسبة» كما طلبت من التفتيش المركزي اجراء تحقيق مع مجموعة 
من الموظفين في قضايا ومخالفات ادارية وقانونية كانوا ارتكبوها . 
احدثت الحملة على الفساد ضجة واسعة في الاوساط السياسة اللبنانية 
فاجتمع رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الرئيس سليم الحص وقال 
له: "انت تعلم يادولة الرئيس ان حكومة الرئيس الحريري السابقة لم 
تتقدم بمشروع الموازنة للعام 1999 وان على حكومتكم التركيز على 
هذا الموضوع خاصة انكم اوردتم في بيانكم الوزاري رغبتكم في مباشرة 
برنامج اصلاح مالي شاملء واصارحك القول انه لا يمكنك القيام 
بالأمرين معأ وان عليك ان تختار: إما الموازنة أو الاصلاح الاداري". 
لم يكن الرئيس الحص بحاجة إلى كثير عناء ليفهم رسالة نبيه بري 
وهي انه في حال عزمه على السير في البرنامج الاصلاحي فإن هناك 
متاعب ستنتظر مشروع الموازنة في مجلس النواب. وبعد دراسة 
الموضوع قرر الحص التركيز على مشروع الموازنة اذ لا مجال لتسيير 
شؤون الدولة من دونها. وبالتزامن مع انجاز مشروع الموازنة» وبدلاً من 
احالة الموظفين المشكوك في نزاهتهم على التفتيش المركزي؛ قامت 
الحكومة بإحالة بعض المؤسسات العامة على ديوان المحاسبة للتحقيق 
معها في مخالفات جرى إرتكابهاء كما تمّ وضع برنامج للاصلاح 
المالي على مدى خمس سنوات اعطى ثماره من السنة الأولى. 
غازي كنعان يحاول إنكار مسؤوليته وتوريط جميل السيد... 
في الانتخابات النيابية التي جرت سنة 2000» ترشح عصام 
نعمان في بيروت على لائحة الرئيس سليم الحص. وكانت الحكومة قد 
احالت على مجلس النواب مشروع قانون جديد للانتخابات على اساس 
التمثيل النسبي. لكن مشروعاً آخر جرى اقراره في مجلس الوزراء كان 
قد وضعه وزير الداخلية ميشال المر بالتعاون مع الرئيس رفيق 
461 


الحريري واللواء غازي كنعان. وقد أسندت إلى مدير عام الامن العام 
اللواء جميل السيدء بادئ الأمرء مهمة اجراء مفاوضات بشأنه مع 
الاطراف السياسية. كان واضحاً ان التقسيمات الانتخابية لهذا المشروع 
تضمن للرئيس رفيق الحريري فوزأ مريحاأ على منافسيه في بيروت مما 
يؤمن له العودة إلى رئاسة الحكومة. وكان العرّاب الحقيقي لهذا 
المشروع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام الذي كان يمني النفس 
بالحلول محل الرئيس حافظ الأسد في الرئاسة بعدما اشتد عليه المرض 
قبيل وفاته. وضعت كتلة الحريري إمكانات هائلة للفوز في هذه 
الإنتخابات. فبالإضافة إلى المال السياسي الذي وزع بسخاء على 
المفاتيح الانتخابية في بيروت جرى استخدام الشحن الطائفي والمذهبي 
ضد الرئيس الحص ولائحته بإتهامه زور بنقل قيود المئات من ابناء 
الطائفة الشيعية إلى بيروت للاقتراع لصالحه. كما تدخل غازي كنعان 
أيضاً لتجيير اصوات الناخبين من اصل سوري الذين يمون عليهم في 
بيروت وعددهم نحو ثلاثين الفأ للإقتراع للائحة الحريري. فوق ذلك» 
فإن عدم وجود مرشح لحزب الله في الدائرة الثالثة حيث خاض الرئيس 
الحص ولائحته الإنتخابات ادى إلى تخفيف حماسة مناصري حزب الله 
للأقتراع للائحة الرئيس الحص بسبب إنتقالهم إلى دوائر أخرى حيث 
للحزب مرشحون يحتاجون إلى خدماتهم الادارية واللوجستية والتعددية. 
في هذه الأثناء بلغ الوزير نعمان ان ضابطأً في الامن العام يتدخل في 
الإنتخابات لصالح لائحة الرئيس الحريري فاتصل باللواء جميل السيد 
لإبلاغه بالأمر. اجابه اللواء السيد ان الضابط المذكور لا يعمل فقط 
لمصالحة الرئيس الحريري بل أيضاً لحساب المخابرات السورية 
والمخابرات اللبنانية. قام الوزير نعمان لتوّه بالإحتجاج لدى العميد رستم 
غزالة الذي استشاط غضبأ وقال له: 'شو بدو جميل السيد يحطها 
بضهرنا"! في اليوم التالي ذهب عصام نعمان إلى الرئيس اميل لحود 
واخبره بما جرى فقرر الرئيسان لحود والحص عرض الموضوع على 
462 


مجلس الوزراء بغية إقالة اللواء السيد في حال ثبوت مسؤوليته. انعقدت 
الجلسة في موعدها الاسبوعي لكن الموضوع لم يطرح على بساط 
البحث. سأل الوزير نعمان الرئيس لحود عن سبب عدم بحثه فأجابه 
انه تبيّن ان المسؤول الحقيقي عن التدخلات والمخالفات هو اللواء 
غازي كنعان. وعندما احسٌ اللواء كنعان بأن الرئيس لحود سيشكوه إلى 
الرئيس بشار الأسد سارع إلى مقابلة الرئيس لحود محاولاً إلقاء مسؤولية 
المخالفات على اللواء جميل السيد مع استدراك لافت اذ قال للرئيس 
لحود: "يا فخامة الرئيس» جميل السيد عيني واذني في لبنانء واذا 
اقلتموه من منصبه فكأنكم قررتم إقالتي أيضاً"!على اثر ذلك ارسل 
الرئيس اميل لحود موفداً إلى دمشق لاطلاع الرئيس بشار الأسد على 
ما دار بينه وبين اللواء غازي كنعان. عاد الموفد من دمشق بوعد من 
الرئيس الأسد بمعالجة الموضوع. وكما كان متوقعاً جاءت نتائج 
الانتخابات لمصلحة لائحة الحريري. ذلك لأن الرئيس الحص لم يكن 
مطواعاً لغازي كنعان وعبد الحليم خدام؛ وكذلك كان الرئيس لحود. 

لم يكن اللواء جميل السيد يوماً اداةً للمخابرات السورية» يقول 
الوزير نعمان» بل على العكس من ذلك كان دائمأ ضابطأ وطنياً مؤيداً 
للمقاومة انما كان يحاول في تلك الفترة ان يؤسس لنفسه مستقبلاً 
سياسياً بعد خروجه من الوظيفة. 


4603 


- 


تقل تمل نووني لاغ لذ ع 


ذه لاقع دع ديفك اوه لدليان مقل: كليس تدز 
مشركة منيكة لسُمَاماة معدم د 10 علهت 0 عزين 
لدعك نكابّة يروت ستياه لومس دبرا طادوم2 عل 


حيآا 4 اهلكا | 







شهنت ذ! انه نز اأ'ناو عندمم نط عدم وعمتناوه: فمم نتلوم فعا عند د5ألاة دمدم ععدقلمء 'ل نولم 
قععتةمتوتا6م عممتتةبمعوطه كعم نوع أنصمهة) عز ,عافام تا ومصصممل كت معلل مدعل مين 


: ألناع 


لف 101ل)8ظ1 »شط #اقلفع طط لاك 11خ 0101 _1108 هلف ! ١‏ 
مظنا ط 2801 55501111001 للتاعفاط 2 ١‏ 
ها مل كعممتنهلنمناع وعا عنس كومناه عوط قمعم تولقم: ,عدو ,لموطع'3 انما ,عامم عل ' 
غم أينو ,801 لمشعاصمت يلل « 8 أعمعطاع ه40 » '! مل وعأاع عو تكمدتة ,د 40 ععنهات » : 
عتامم ذه عومصصا"'ة « 8 العمتعطعهااخ »'! عل 5.2 .اعع'! أصمل أه رك زنع ع هل معامممتجومعاغل : 
.« علهصة ععمعامع5 » ها كمفل دمتامعم عمبصيية 6نانانما تع مع"ه عزّ ملقصيطقء1 ١‏ 
: أأنك عتصديهه عافعل نهنأل ومنتصامه 2200 ع أناتصمه؟ عز رعه غناك 
: أتناء أنو قن عأنامناد 801 أفناهم نيل 40 عدونهاء ها 
عط نالبعوس”] موا أسامعة عنناسكاط لهعنماعع1 :40 عسسملء 
لع لءصناة ممتععممء ععتموط قعل معصبوعط عانامكال لإمع له أصوهة عط ول» 
عا طاايه موصملرمععة مأ و«رعادرذ عط هممتامعدعامها صأ وعنائهكزل» 
عل061 المطة وعنموط عطا بكدمه تنقءع,اءء6م5 عا له كننهناق لمع ع1 0510) 
جا قوع ل)لنه11لتل طعناك امع ا يمك ع0 +جومعمعان 10 كضمعم عامعمممممة غطا زه0» 


د العباتعوعل ععنلعمموعظ ومعيامت8 عاسرةز() استمطعع) عغطغ) ترمندنت» 
.«ق .لل امعسطعماام» 


صصيط | ٠‏ نوها . 2020 ٠‏ 1109 عسله1 فل مك" ١ 2126 ٠‏ ها1 سلطا 60 ١‏ الاوك ههة - ككهةه7 الود وواظمرام1 
هاتف رفكي 08/١‏ ؤاف؟ - 2570966 (10- 25910 ) صنب ١١1/5157‏ قصر الصيل -- 5090 - (١١5‏ - يروث - لين 
١‏ عم وجل موص جه اخ ااا ميم 9١‏ 


وثيقة لجنة التحكيم 


404 


اناك رنقات'! عل « للللها!5 [1ل1/150 82 018055 » ذال عتهاأندم دمل مهزومن| و 
كمه نامل أقارم ناه 01ت اتنعاصوم ,11 84000انا عل عنمن حت وبوعوق روريم 
عل وامتجدع هومنل 1١‏ 3 انهم عصن"ل ,اتمماأنوطة ,وعفصوه لامع كياد اتميل ع ا اناا 
بل موقيل ها عأنامة امهلوعم مللاعيرها) هن لثامي جتسعط حم )وغ جمد عل عور عي 
تمت '! عل ان تاغل ده بابلظع")الحقال! عل تسعسعمدتطعاءمع'! ف )»ع بزوويوون 







0 


تعفاءزك: عماغ نامف 11880111 عل دع ممعمصة 165 عناو عدوتات 'زرعه مرو ل 


نلكلة #مامامم 
تأقموطلآ أماظ'! مهم مسصمة عانطيم ‏ > 


465 






جوزف الهاشم... 
المحارب دائماً على كل : 


(ارشيف السفير) 

من التقى مع علي ابي طالب التقى مع سائر الاديان 

أول ما تعلمه عن جوزف الهاشم عند لقائتك به» انه تلقى 
علومه الأولى في جامع بلدته البرجين في منطقة اقليم الخروب؛ التي 
ولد فيها قبل خمسة وسبعين عاماً. ما يميز جوزف الهاشم عن كثير 
من السياسيين في لبنان هو إلمامه العميق باللغة العربية» والذي يرجع 
لأسباب عديدة اهمها تعمقه بقراءة كتاب القرآن الكريم وهو لا يزال يافعاً 
وغوصه في صفحات كتاب 'نهج البلاغة" للأمام علي بن ابي طالب» 
أكثر من الف ومئتي مرة» واضافة إلى ذلك فأن جوزف الهاشم شاعر 
باللغة الفصحى ورث موهبته الشعرية عن والده الذي حول منزله في 
"البرجين" إلى صالون ادبي يتساجل فيه كبار الشعراء في منطقة 
الشوفء كما انه لا يمكن اغفال دور 'مدرسة الحكمة"» التي درس فيها 
جوزف الهاشم في صقل موهبته باللغة العربية» وهي المعروفة 
باهتمامها الشديد بتدريس اللغة العربية وأدابهاء ولمن لا يعلم فأن 
جوزف الهاشم صاحب عدة مؤلفات في اللغة العربية اعتمدتها وزارة 
التربية في مناهجها التعليمية. 

467 


صعءم 


في بدء ابحار جوزف الهاشم في عالم السياسة قذفته زوبعة 
القوميين إلى أحد مراكزها في رأس بيروت. اعجبته فلسفة انطون 
سعاده؛ وكادت ان تصبح أحد مكونات شخصيته؛ قبل ان يكتشف ان 
لبنان الموجود في مبادئ الحزب السوري القومي الإجتماعي» هو غيره 
المزروع في ثقافته العائلية والمدرسية» والتي تقوم على الولاء حصراً 
لأرزة لبنان وجبال صنين. فكان ان غير قناعاته السياسية» واقلع 
بالاتجاه المعاكس وتحديداً نحو بيت الكتائب في الصيفي حيث رسا 
قاربه الحزبي حوالي خمسين عاما قبل ان يغادر تحت ضغط 
العواصف الداخلية التي صدعت وحدة الحزب بعد وفاة مؤسسه الشيخ 
بيار الجميل. 

سرعان ما انتبه المسؤولون الكتائبيون» إلى الحضور الذهني 
المتوقد للوافد الجديد إلى صفوفهم. فقاموا بتعيينه رئيساً للخلية الطلابية 
في مدرسة الحكمة؛ الأمر الذي ساعده على تثبيت حضوره في صفوف 
الحزب واستنفر فيه روح الخطابة» ليصبح جوزف الهاشم مع الوقت أحد 
ابرز الخطباء الارتجاليين التي عرفتهم الحياة الحزبية في لبنان إلى 
جانب لويس أبو شرف وادمون رزق من حزب الكتائب وعبد الله سعاده 
وانعام رعد واسد الاشقر من الحزب السوري القومي الإجتماعي. تميز 
جوزف الهاشم خلال حياته الحزبية بحبه للتحديات المباشرة والمواجهات 
الصعبة» برز ذلك عندما تصدى مع عدد من رفاقه الطلبة لقرار 
أصحاب دور السينما في بيروت برفع اسعار تذاكر الدخول للطلاب» 
فنزلوا إلى دار سينما 'روكسي”" في ساحة البرج» وقاموا بتمزيق المقاعد 
التي جلسوا عليها بالشفارء وفي اليوم التالي قرر أصحاب دور السينما 
تخفيض اسعار التذاكر بعد ان وصلتهم رسالة جوزف الهاشم ورفاقه. 
وعندما وقع الخلاف الشهير بين رئيس الجمهورية بشارة الخوري 
والمطران مبارك عام 1952 توجه جوزف الهاشم على رأس مجموعة 


468 


كبيرة من طلاب مدرسة الحكمة إلى القصر الجمهوري في منطقة 
القنطاري» وراحوا يرددون هتافات واناشيد حماسية مؤيدة للمطران مبارك 
كتب كلماتها جوزف الهاشمء قبل ان يقوم وفد منهم بتسليم مدير غرفة 
الرئاسة في القصر الجمهوري جورج حيمريء: رسالة تأييد للمطران 
مبارك. 

بعد انتهائه من مرحلة التعليم الجامعي عام 1968عمل 
جوزف الهاشم مدرساً للغة العربية وأدابها في عدد من المدارس الرسمية 
والخاصة» كما جرى تعيينه في العام نفسه رئيس لأقليم الشوف 
الكتائبي. غرف عن جوزيف الهاشم خلال ممارسته التعليم تشجعيه 
الدائم لطلابه» على قراءة كتاب نهج البلاغة للثمام علي بن ابي 
طالبء وكان رأيه دائما: "أن من يقرأ نهج البلاغة لا بد من أن يعجب 
بعلي ومن اعجب به أحبه ومن أحبه تقرب منه ومن تقرب منه التقى 
معه ومن التقى معه تلاقى مع سائر الأديان والناس". وسرعان ما 
وصلت اصداء هذا الكلام إلى الامام موسى الصدرء فقام بتوجيه دعوة 
لجوزف الهاشم لإلقاء قصيدة شعرية في بعلبك بمناسبة عيد 'الغدير”» 
لكن سوء الاحوال الجوية حال دون وصول المشاركين إلى مكان 
المهرجان» فتقرر نقله إلى صور. يعتز جوزف الهاشم بما كتبه عنه 
الشاعر محمد علي فرحات والذي قال في أحد مقالاته: "ابي ولدني 
وجوزف الهاشم خلقني". ويذكر ان محمد علي فرحات كان تلميذاً 
لجوزف الهاشم في مدرسة الجديدة الرسمية. 
ازمة بين بيار الجميل وكميل شمعون سببها جوزف الهاشم 

يعتبر جوزف الهاشم نفسه» الدينامو الاساسي للنشاط الكتائبي 
في منطقة الشوف. قبل تعيينه رئيساً لأقليم الشوف في حزب الكتائب 
عام 1967 كانت عجلة العمل الحزبي الكتائبي في منطقة الشوف 
تدور ببطء شديد؛ ولكن مع تولي جوزف الهاشم قيادة العمل الحزبي 

46 9 


الكتائبي انقلب الحضور الكتائبي في الشوف من ضعيف إلى قوي 
وفاعل» وقد ظهر ذلك في عدد من المناسبات الحزبية» كان ابرزها 
المهرجان الخطابي الذي نظمه اقليم الشوف الكتائبي في بيت الدين» 
وحضره رئيس الحزب بيار الجميل كما ظهرت قوة الحزب أيضاً في 
الاحتفال الحاشد الذي اقامه اقليم الشوف الكتائبي في صالة "لاسيستا' 
في منطقة خلدة» بحضور الامير مجيد ارسلان» وتكلم فيه ادمون رزق 
وجوزف الهاشم» وفي محاولة لعرقلة المهرجان» اقدمت عناصر من 
الحزب التقدمي الاشتراكي بأوامر من قيادتها العلياء على قطع الكهرباء 
عن صالة الاحتفال؛ تعبيراً عن انزعاجها من النشاط الكتائبي المتنامي 
في منطقة الشوف وذلك في العام 1969. 

بفضل نشاطه الحزبي» تحول جوزف الهاشم» خلال وقت 
قصير إلى شخصية سياسية فاعلة في منطقة الشوفء وهذا ما دفع 
حزب الكتائب إلى ترشيحه للانتخابات النيابية عام 1968 عن المقعد 
الماروني في منطقة الشوفء ترشيح كاد ان يتحول إلى ازمة سياسية 
بين كميل شمعون وبيار الجميل» ويهدد بفرط الحلف الثلاثي الذي قام 
تلك الفترة بين الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل والعميد ريمون 
اده» يومها اعتبر الرئيس كميل شمعون ان ترشيح جوزف الهاشم في 
الشوف هو خرق للتفاهم بين اركان الحلف الثلاثي والذين اتفقوا فيما 
بينهم على حق كل واحد منهم في اختيار مرشحي الحلف الثلاثي 
للانتخابات النيابية في منطقة نفوذه» وكان لكميل شمعون في ذلك 
الوقت شعبية واسعة في منطقة الشوف. ورد على ترشيح الكتائب 
لجوزف الهاشم في الشوفء قام الرئيس شمعون بترشيح أحد انصاره 
المدعو جوزف عبود في الاشرفية في مواجهة بيار الجميل. وفي خطوة 
تعكس حضور جوزف الهاشم السياسي في منطقة اقليم الخروب»؛ قام 
وفد من ابناء القرى السنية في "الاقليم" بزيارة إلى الرئيس شمعون اعلنوا 


420 


له خلالها استعدادهم للأقتراع لمصلحته للمرة الأولى منذ عام 1958 
في حال قام بضم جوزف الهاشم إلى قائمته الانتخابية في الشوف» 
ولكن شمعون رفض هذا الاقتراح. ومع استمرار كل من بيار الجميل 
وكميل شمعون على موقفه قرر جوزف الهاشم الانسحاب من المعركة 
الانتخابية حفاظا على وحدة المسيحيين. 

اضافة إلى نشاطه الحزبي والسياسي مارس جوزف الهاشم 
العمل الصحافي فعمل محررأ في جريدة العمل الكتائبية» وكان له عمود 
يومي بعنوان 'نقطة حبر"؛ اما ابرز محطات جوزف الهاشم الصحافية 
في جريدة العمل فقد كانت ذهابه إلى مصر عام 1968 لتغطية 
المفاوضات بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية والتي 
اسفرت عن توقيع "اتفاق القاهرة". وكان الوفد اللبناني برئاسة قائد 
الجيش العماد اميل بستاني قد وصل إلى القاهرة وراح ينتظر وصول 
وفد منظمة التحرير الفلسطينية» الذي تأآخر حضوره دون ان تعرف 
الاسباب» وبعد خمسة ايام قضاها الوفد اللبناني في الانتظار دون 
نتيجة قرر العماد اميل بستاني العودة إلى بيروت وتوجه على رأس 
الوفد اللبناني لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر واستئذانه بالمغادرةء 
وبعد انتهاء إجتماعه مع عبد الناصر خرج العماد بستاني وابلغ عضو 
الوفد اللبناني الرائد سامي الخطيب امام عدد من الصحافيين من بينهم 
جوزف الهاشم قراره تأجيل العودة إلى بيروت بعدما تعهد الرئيس عبد 
الناصر بحضور وفد منظمة التحرير إلى القاهرة للبدء بإجراء 
المباحثات مع الوفد اللبناني. وكان الرئيس عبد الناصر قد اجرى 
اتصالاً بالقيادة السورية» حيث طلب منها إرسال ياسر عرفات إلى 
القاهرة» والا فإن مصر لن تقف مع سوريا في حال تعرضها لأي 
اعتداء من قبل إسرائيل. 

بعد التوقيع على اتفاقية القاهرة» اتخذ حزب الكتائب قراراً 


1آ4 


بالانفتاح على منظمة التحرير الفلسطينية» وكلف لجنة حزبية كان من 
بين أعضائها جوزف الهاشم الاتصال بالقيادات الفلسطينية؛ والعمل 
معها على تمتين اواصر العلاقات بين الطرفين» كان أول ما لمسه 
الكتائبيون من خلال إجتماعاتهم مع القيادات الفلسطينية في لبنان» بأن 
هذه القيادات تعمل ما في وسعهاء للتملص من الاتفاقات المعقودة بينها 
وبين الحكومة اللبنانية والمتعلقة بتنظيم الوجود الفلسطيني المسلح على 
الاراضي اللبنانية. شعر المسيحيون حيال هذا المشهد بالقلق على 
مصيرهمء فراحوا يكثفون عمليات التدريب على السلاح للدفاع استعداداً 
للدفاع عن مصيرهمء والى جانب الاستعدادات العسكرية قام حزب 
الكتائب بحملة تعبئة سياسية وشعبية في اوساط مناصريه داعيا فيها 
لمقاومة فكرة الوطن البديل» وكان جوزف الهاشم أحد الذين تولوا 
عمليات التعبئة هذه. 
الحرب الاهلية.... لن نسكت حتى نسقط 

في بداية الحرب الاهلية عُين جوزف الهاشمء مديراً لأذاعة 
صوت لبنان الناطقة بلسان حزب الكتائب اللبنانية. " انطلقت الاذاعة 
في عملها بإمكانات متواضعة جداء وكان مقرها في شقة صغيرة بالقرب 
من بيت المركزي الكتائبي في الصيفي كانت مؤلفة من غرفتين فقطء 
وكثيرأً ما كان جوزف الهاشم يدفع من جيبه ثمن القرطاسية التي 
يحتاجها المحررون في عملهمء؛ وذلك بسب الشح في موارد الاذاعة 
المالية. استمر الوضع على هذه الحال؛ إلى ان فكر جوزف الهاشم 
بالقيام بقفزة نوعية تسمح للأذاعة» بالارتقاء إلى مصاف الاذاعات 
الكبرى. فاقترح على حزب الكتائب اعطائه حق استثمار الاذاعة لمدة 
عشرين عاما لقاء نسبة من الارباح» وافقت قيادة الحزب على هذا 
الاقتراح» وانطلقت الاذاعة في عملها بحلة جديدة» واستطاعت في فترة 
قصيرة ان تصبح أحد اهم الاذاعات في لبنان والعالم العربي» وكانت 

4132 


أحد ابرز النجاحات التي حققتها الاذاعة في تلك الفترة» هي تغطيتها 
للانتخابات الرئاسية الأميركية عام 1980 مباشرة من واشنطنء» والتي 
فاز بها الرئيس "'رونالد ريغن". 

وكان جوزف الهاشم بإلاضافة إلى مسؤوليته كمدير للأذاعة» 
يتولى كتابة التعليق السياسي اليومي ويذيعه بصوته؛ وكانت تعليقاته 
مثار اهتمام ياسر عرفاتء الذي كان يواظب على سماعهاء وبالاضافة 
إلى كتابته للتعليق السياسي» كان جوزف الهاشم يكتب التصاريح 
اليومية للشيخ بيار الجميل» وخلال إحدى جولات القصف بين 
المنطقتين الشرقية والغربية اصيبت الاذاعة اصابات مباشرة؛ مما 
اضطر العاملين فيها إلى النزول إلى الملجأء فاستلم جوزف الهاشم 
البث وحيدأ على مدى ثلاث ساعات راح خلالها يهاجم خصومه 
السياسيين ويتحداهم» بأن يستطيعوا اسكات الاذاعة» ويومها قال جملته 
الشهيرة: 'لن نسكت حتى نسقط". 

وقعت اذاعة صوت لبنان اسيرة المواقف السياسية المتباينة في 
صفوف القيادات الكتائبية» وخاصة فيما يتعلق بعلاقة حزب الكتائب 
مع إسرائيل فبينما كان الشيخ بشير الجميل من اشد المتحمسين لتوثيق 
العلاقة مع إسرائيل» كان هناك مجموعة أخرىء مؤلفة من رئيس حزب 
الكتائب الشيخ بيار الجميل وادمون رزق وجوزف الهاشم وأمين الجميل 
ترفض هذه العلاقة» وترى انها لن تجر على المسيحيين الا الحقائق 
المرة» وفي ظل هذه التجاذبات الحادة» راح بشير الجميل يتهم في 
مجالسه الخاصة اذاعة صوت لبنان بعرقلة نشاط القوات اللبنانية 
الاعلامي والذي كان يتم بوحي إسرائيلي» وذلك عندما راحت الاذاعة 
تمتنع عن اذاعة اخبار مصدرها القوات اللبنانية لاحتوائها على الكثير 
من المغالطات التي كان من شأنها ان تؤجج الفتنة الطائفية في البلاد 
وتطال وحدة الجيش اللبناني. وكان من بين هذه الاخبار التي رفضت 


413 


الاذاعة بثهاء خبر "انشقاق عناصر مسيحية في الجيش بعد ان رفضت 
أوامر قيادتها بضرب القوات اللبنانية" في الحدثء وبعد التدقيق في 
الخبر تبين انه مفبرك. 

ثارت ثائرة بشير لرفض الاذاعة بث الخبرء وقرر الاقتصاص 
من جوزف الهاشم» فأمر أحد مسؤوليه العسكريين المدعو 'ريمون 
اسايان" بوضع حاجز امام مبنى اذاعة صوت لبنان ومنع جوزف 
الهاشم من الدخول اليها. تصرف بشير هذا احتج عليه جوزف الهاشم 
امام الشيخ بيار الجميل والذي كانت ردة فعله هي انه قام من فراش 
المرض وتوجه إلى اذاعة صوت لبنان حيث قام باستدعاء ابنه بشير 
ومسؤول حزب الكتائب في الاشرفية جان ناضر وقال لهم: 'جوزف 
الهاشم ابني الثالث". وعلى الرغم من ذلك بقي بشيرء مصرأ على ابعاد 
جوزف الهاشم عن الاذاعة» فأوعز إلى المكتب السياسي الكتائبي 
بإرسال لجنة مالية إلى اذاعة صوت لبنان للتأكد من صحة حساباتها 
المالية» وبعد ان تبين للجنة ان حسابات الأذاعة لا تشوبها شائبة؛ 
اتصل بشير بجوزف الهاشم وقال له: 'لقد حاولت بكل الطرق ازاحتك 
من الاذاعة لكنني لم انجح"؛ وبعد ان فشل في وضع يده على اذاعة 
صوت لبنان؛ قام بشير بتأسيس اذاعة موالية له اسماها اذاعة لبنان 
الحرء وعين المحرر السابق في اذاعة صوت لبنان '"سجعان القزي” 
مديراً لها. 
أوقفوا رحلاتكم إلى إسرائيل 

لعب جوزف الهاشم خلال فترة حرب السنتين دورأ اساسياً في 
التمهيد للزيارة التي قام بها الشيخ بيار الجميل عام 1976 إلى الرئيس 
حافظ الأسدء وذلك بالتعاون مع الأمين العام لمنظمة حزب البعث 
العربي الاشتراكي في لبنان عاصم قانصوهء وكان قانصوه زميلاً 
لجوزف الهاشم على مقاعد الدراسة في مدرسة الحكمة» وقد استمرت 


014 


صداقتهما خلال فترة الحرب الاهلية على الرغم من التباعد في المواقف 
السياسية» وبفضل هذه الصداقة كان عاصم قانصوه يأتي إلى المنطقة 
الشرقية للإجتماع إلى الشيخ بيار الجميل» ومسؤولين كتائبيين آخرين. 
يشهد جوزف الهاشم من موقع الخبير والمطلع على خفايا 
الامورء ان الرئيس حافظ الأسد عمل جاهداً على تطمين المسيحيين 
في لبنان» لكن اصرار البعض في الجبهة اللبنانية على الاستمرار في 
الرهان على إسرائيل ادى الى تدهور العلاقات بين الجبهة اللبنانية 
وسوريا. وخلال مأدبة غداء اقامها الكتائبي جورج عقل في منزله في 
بلونه وحضرها جوزف الهاشم والعقيد في الجيش السوري ابراهيم 
الحويجي ابرز الحويجي لائحة بأسماء عناصر من القوات اللبنانية 
يتدربون في إسرائيل وقال لجوزف الهاشم: 'اوقفوا رحلاتكم إلى إسرائيل 
نحن لا نستطيع تحمل ذلك"» وفي خطوة تهدف إلى استيعاب القيادات 
المتشددة في الجبهة اللبنانية استقبلت سوريا الشيخ بشير الجميل» 
وابلغته حرصها على قيام افضل العلاقاتت. معه ومع المسيحيين في 
لبنان. لكن ذلك لم يمنع بشير من الاستمرار في الرهان على تغيرات 
في الأوضاع الاقليمية تسمح له بالانقلاب على الخيار السوري في 
لبنان» ومع زيارة الرئيس المصري انور السادات إلى القدس عام 
7 اعتقد بشير ان الظروف الاقليمية باتت مؤاتية لتنفيذ مشروعه» 
فراح يعمل على تحضير الاجواء الامنية والسياسية في المنطقة الشرقية 
التي تسمح له بإخراج القوات السورية من المناطق المسيحية. رفض 
بشير للوجود السوري في المنطقة الشرقية عبر عنه واضحاً عندما اقدم 
على محاولة تحطيم صورة للرئيس حافظ الأسد كانت معلقة على 
حاجز للقوات السورية في منطقة ساسين» وعلى الاثر قام عناصر 
الحاجز السوري باعتقاله» وما ان علم جوزف الهاشم باعتقال بشير 
حتى توجه إلى مكان احتجازه وطالب الضابط المسؤول عن المركز 


415 


بالافراج عنه وذلك حتى لا يكون اعتقاله سببأ في تدهور العلاقات بين 
المسيحيين ودمشق. رفض الضابط السوري الافراج عن بشير واصر 
على ابقائه محتجزاً حتى الصباح رافعا يديه وقال لجوزف الهاشم: "من 
المؤكد انني سأنال ترقية اذا اطلقت النار عليه جزاء فعلته". فأجابه 
الهاشم: 'يمكنك إطلاق النار علينا نحن الاثنين". وامسك بيد بشير» 
وخرج برفقته من مركز القوات السورية. اثار تصرف بشير هذا استياء 
والده والذي اتهمه بحضور جوزف الهاشم بالقيام بمغامرات غير 
مدروسة لن تجلب الا الضرر على المسيحيين. 
مقتل جود البايع والمصالحة المرفوضة 

كان “بشير" يسعى دائمأ ان يكون سيد القرار المسيحي في 
5 وهو لذلك عمل على ابعاد كل القيادات المنافسة له في المناطق 

لمسيحية وفي طليعتها النائب طوني سليمان فرنجيةء وكانت العلاقات 
بين حزب الكتائب وال فرنجية قد شهدت توتراً عندما حاول الكتائبيون 
في الشمال التمدد إلى مناطق محسوبة سياسيا وشعبيأ على الرئيس 
فرنجية مثل 'أهدن والكورة وبشري" ولم يلبث هذا التوتر ان تحول إلى 
احتكاكات مسلحة بين الطرفين في اكثر من منطقة في الشمال» وكانت 
النقطة التي فاض بها الكأس هي اغتيال رئيس قسم زغريا الكتائبي 
"جود البايع" على يد مسلحين مؤيدين للرئيس سليمان فرنجية» ومع 
شيوع خبر مقتل جود البايع بداأت الاتصالات لتطويق ذيول الحادث؛ 
فانعقد إجتماع في بيت الكتائب المركزي حضره الرئيس كميل شمعون 
والمحامي شاكر أبو سليمان والشيخ قبلان عيسى الخوري والشيخ بيار 
الجميل ومدير اذاعة صوت لبنان جوزف الهاشمء واقترح خلاله الشيخ 
'قبلان" ان يقوم الشيخ بيار الجميل بزيارة إلى زغرتا لوضع اكليل من 
الزهر على قبر جود البايع» على ان يكون الرئيس سليمان فرنجية في 
استقباله عند جسر المدفون» وافق المجتمعون على هذا الاقتراح 


416 


باستثناء الرئيس كميل شمعون,ء الذي تحفظ عليه بسبب وجود القوات 
السورية في منطقة الشمال» وبغية ترسيخ فكرة المصالحة استدعى 
الشيخ بيار الجميل ابنه بشير وجوزف أبو خليل والنائب جورج سعاده 
والشيخ يوسف الضاهرء وسألهم رأيهم في اقتراح الشيخ قبلان عيسى 
الخوري فطلبوا مهلة للتفكير؛ ليعودوا بعد خمس دقائق» ويعلن بشير 
بإسمهم رفضهم للأقتراح. شكل هذا الموقف صدمة للمجتمعين فسأل 
جوزف الهاشم بشير: 'هذا يعني انك تريد الثأر"» فسكت بشير ولم 
يجب» وفي صباح 1978/6/13 اتصل مدير عام الامن عام فاروق 
ابي اللمع بجوزف الهاشمء واخبره بوقوع مجزرة في زغرتا ذهب ضحيتها 
النائب طوني فرنجية وعدد كبير من الزغرتاويين» وان ابطال هذه 
المجزرة هم اشخاص كتائبيون. لم يصدق جوزف الهاشم الخبر عندما 
سمعه وقال لفاروق ابي اللمع بانفعال شديد" شو خوتت انت عند 
هالصبح" لكن ابي اللمع اكد له صحة الخبر. لم يكن بيار الجميل قد 
علم بأمر المجزرة قبل ان ينقل له جوزف الهاشم الخبر وهو عندما علم 
بالأمر راح يردد: 'شو هالكارثة" وكاد ان يقع ارضاً من شدة الصدمة. 

حاول جوزف الهاشم اقناع الرئيس فرنجية بأن لا علاقة 
لسمير جعجع بمقتل ابنه طونيء بدليل انه اصيب قبل ان يصل إلى 
منزله» وان المسؤول عن عملية الاغتيال هو ايلي حبيقة» والذي كان 
أيضأاً أحد قادة الهجوم على اهدنء لكن الرئيس فرنجية بقي مصراً على 
اعتبار سمير جعجع هو المتهم الأول» لإنه برأيه ما كان على ابن 
بشري ان يشارك في الاعتداء على اهدن. 
اجتياح 1982 
بيار الجميل: "انتخاب بشير رئيساً ليس مشروعاً ناجحاً" 

عام 1982 قامت إسرائيل بعملية اجتياح واسعة للأراضي 
اللبنانية» وهي اختارت توقيتها بدقة» بحيث تأتي على ابواب انتخابات 

477 


رئاسة الجمهورية في لبنان مما يسمح لها بالتدخل في مجريات هذه 
الانتخابات والتحكم بها. 

رفض النواب المسلمون انتخاب بشير رئيساً للجمهورية؛ 
مبررين رفضهم بمسؤوليته عن عدد كبير من عمليات القتل التي 
حصلت بحق المسلمين خلال الحرب الاهلية» وبغية دفعهم لتعديل 
موقفهم تدخلت الولايات المتحدة الأميركية» وطلبت من السعودية توجيه 
دعوة لبشير لزياراتهاء وهي كانت تأمل ان تؤدي هذه الزيارة إلى تحسين 
صورته في اذهان المسلمين بحيث يصبح انتخابه مقبولاً بالنسبة لهم. 
وبعد عودته من السعودية بدأ خطاب بشير تجاه الشريك المسلم في 
لبنان يتجه نحو الإعتدال. 

في 23 اب 1982 انتخب بشير الجميل رئيس للجمهورية في 
جلسة عقدت في ثكنة الفياضية وبعد انتهاء الجلسة» وقف الشيخ بيار 
يتقبل التهاني في باحة ثكنة الفياضية» يحيط به عدد من نواب حزب 
الكتائب» وعندما تقدم منه جوزف الهاشم لتهنئته قال له بيار الجميل: 
"ما تهنيني مش مقتنع بكل هيدي القصة هيدا منو مشروع ناجح". 

بدأ بشير تحضيراته لتسلم مقاليد الحكم» بجولة على عدد من 
الزعماء اللبنانيين» فزار برفقة جوزف الهاشم الامير مجيد ارسلان في 
قصره في عاليه. وعندما وصلا إلى مدخل القصر وجداً مجموعة من 
المواطنين الذين اختطف ابنائهم على يد عناصر "القوات" في منطقة 
الجبل بانتظارهم؛ والذين ما ان شاهدوا الشيخ بشير حتى راحوا يهتفون 
طالبين منه الكشف عن مصير ابنائهم؛» ادرك جوزف الهاشم الرسالة 
التي كان يود الامير مجيد ايصالها إلى بشير من خلال هذه المظاهرة؛ 
فدعا بشير الى إطلاق سراح المخطوفين من ابناء الجبل» لكن بشير 
صارحه انه غير قادر على تنفيذ هذا الطلب» نظرا لوجود ضغوط 
إسرائيلية عليه تهدف إلى إبقاء ملف المخطوفين مفتوحاً . 


478 


كان الإسرائيليون في الجبل يعملون بشكل دائم على تحريض 
القوات اللبنانية على الدروزء وامعاناً منها في تأجيج الصراع الدرزي 
المسيحي؛ راحت مدفعية الجيش الإسرائيلي تطلق قذائفها على القرى 
الدرزية والمسيحية في الجبل» بشكل متزامن. هذه الممارسات 
الإسرائيلية قرر جوزف الهاشم فضحها في اذاعة صوت لبنان» فاتهم 
إسرائيل في تعليقه السياسي بمحاولة جر الجبل إلى حمام دم. اثار 
تعليق جوزف الهاشم ردود فعل إسرائيلية غاضبة:؛ فاتهمه المعلق 
السياسي للأذاعة الإسرائيلية؛ بالاساءة إلى رسالته الاعلامية» وفي رد 
على الرد هدد جوزف الهاشم الإسرائيليين» بكشف احداثيات المدفعية 
الإسرائيلية التي تتولى قصف قرى الجبل. 

كذلك لم تسلم اذاعة صوت لبنان خلال الاجتياح الإسرائيلي؛ 
من انتقادات بعض القوى في 0 الوطنية» التي اتهمتها بلعب دور 

مصحح الرمي للمدفعية الإسرائيلية» وذلك في اشارة إلى قيام الاذاعة 
في نشراتها وملاحقها الاخبارية؛ بتحديد اماكن سقوط القذائف 
الإسرائيلية في بيروت الغربية؛» هذا الاتهام رد عليه جوزف الهاشم 
بتعليق بعنوان" الفضل للسطح"؛ اوضح فيه ان مراسلي الاذاعة يقومون 
بواجبهم المهني في تغطية عمليات القصف من سطح أحد الابنية 
المجاورة للأذاعة» وكان الإسرائيليون بعد غزوهم للبنان قد قاموا بفتح 
مكتب اتصال لهم في منطقة ضبية» وعندما حاول مدير المكتب القيام 
بزيارة إلى اذاعة صوت لبنان للتعرف إلى اذاعة جوزف الهاشم» رفض 
الاخير استقباله» وطلب من حراس الاذاعة اقفال الابواب في وجهه. 
أمين الجميل رئيساً للجمهورية 

ليلة 14 /1982/9 وقف جوزف الهاشم وكريم بقرادوني 
وجوزف أبو خليل وزاهي البستاني» فوق انقاض بيت الكتائتب المدمر 
في الأشرفية يشاهدون عملية سحب جثة الشيخ بشير الجميل من تحت 


419 


الركام. بعد غياب بشير الجميل اعتبر الإسرائيليون ان رهانهم على 
القوات اللبنانية» لم يعد ذي جدوىء وكان ,أيهم انه اذا كان بشير وهو 
الاقوى بين جماعته قد راح يحاول التملص من إلتزاماته تجاه إسرائيل 
بعد انتخابه رئيساً للجمهورية فكيف بالذين سيأتون من بعده وهم 
اضعف منه بكثير. 

لقي انتخاب أمين الجميل معارضة من قبل القوات اللبنانية؛ 
والتي رأت ان وصول أمين إلى الحكم هو تحد لهاء فراحت توزع 
مناشير في المنطقة الشرقية تتضمن عبارات مهينة بحقه. نقمة القوات 
اللبنانية على رئيس الجمهورية أمين الجميل حاول مستشاره جوزف 
الهاشم والرئيس كميل شمعون استيعابهاء فاقترحا على الرئيس أمين 
الجميل» تعيين بعض المقربين من بشير في مراكز في الدولة. استجاب 
الشيخ أمين لهذا الاقتراح وقام بتعيين زاهي البستاني مدير عاماً للأمن 
العام والعماد ميشال عون قائداً للجيش؛ وكان الرئيس الجميل قد رفض 
في بداية الأمر تعيين عون قائدا الجيش» ولكنه عاد ووافق على تعيينه 
بناء على نصيحة جوزف الهاشم والرئيس كميل شمعونء؛ وكان ميشال 
عون في الفترة التي سبقت تعيينه قائداً للجيش قد راح يتقرب من 
جوزف الهاشم عله يستطيع ان يكون واسطته من اجل الوصول إلى 
قيادة الجيشء وبالرغم من تعيينه اشخاصاً مقربين من شقيقه الراحل في 
مراكز حساسة في الدولة» فان العلاقات بين أمين الجميل والقوات 
اللبنانية ظلت متوترة» وكان جوهر الخلاف بين الطرفين يتمحور حول 
رفض الرئيس أمين الجميل تقديم حبيب الشرتوني إلى المحاكمة. 

يضيء جوزف الهاشم على جذور الخلاف بين الرئيس أمين 
الجميل وشقيقه بشيرء والذي كان سببه الرئيسي هو الصراع على ميراث 
بيار الجميل السياسيء وكان أمين الجميل قد انتخب نائباً عن المتن 
الشمالي عام 1972 خلفا لخاله المتوفي النائب موريس الجميل؛» وهو 


450 


نجح من خلال موقعه كنائب في البرلمان وكرئيس لأقليم المتن الشمالي 
الكتائبي» في ان يصنع لنفسه حضورأ شعبياً وسياسيا في منطقة المتن 
الشمالي جعله مؤهلاً لخلافة والده. هذا الصعود السياسي والشعبي 
لأمين لم يرق لشقيقه بشيرء والذي كان يطمح بأن يكون الوريث 
السياسي الوحيد لبيار الجميل» وهو لذلك راح يبحث عن قاعدة يستطيع 
الانطلاق منها في صنع زعامته» فوجد ضالته في منطقة الاشرفية» 
التي التف فيها حوله المحازبون والانصارء ولكن بالرغم من ذلك فأن 
حضوره السياسي والشعبي ظل دون المستوى الذي يؤهله لمنافسة اخيه. 
وذلك بسبب عدم وجود مسؤوليات حزبية وسياسية لديه» ومع بدء 
الدفاع عن المسيحيين مما جعل شعبيته تتقدم على شعبية شقيقه» 
مستفيداً في ذلك من التجاوزات التي كان يقوم بها الفلسطينيون بحق 
المسيحيين في لبنان. 

وبالرغم من التباعد في المواقف بين بشير وأمين» فانهما اتفقا 
على تسمية الدكتور ايلي كرامه نائبأ لرئيس حزب الكتائب في وقت 
كانت صحة الشيخ بيار الجميل قد بدأت بالتدهور؛ وأصبح بحاجة إلى 
من يساعده في ادارة شؤون الحزبء؛ وجاء الاتفاق على اسم "يلي 
كرامه" خلال إجتماع عُقد في مجمع "السانتا تريزا" في منطقة "العقيبة' 
حضره إلى جانب أمين وبشير كل من جوزف الهاشم وادمون رزق» 
ويعود السبب الرئيسي لهذا الاتفاق إلى ان 'ايلي كرامة” كان ينتمي إلى 
الطائفة الكاثوليكية» مما يعني ان حظوظه في المنافسة على الزعامة 
المارونية كانت معدومة. 


حافظ الأسد: "كلما نظرت إلى الرئيس الجميل اجده يكذب علي 

لعب جوزف الهاشم من موقعه كمستشار لرئيس الجمهورية 

دور في تقريب وجهات النظرء بين الرئيس أمين الجميل والرئيس 
481 


السوري حافط الأسدء وهو لهذه الغاية اجتمع بالرئيس الأسد عدة مرات. 
وكانت أحد الاسباب الرئيسية للتباينات بين الرئيسين الجميل والأسد, 
هي عدم قدرة الرئيس الجميل على تحمل المطالب السورية في لبنان» 
والتي كانت في معظمها تتعارض مع السيادة اللبنانية» وكان الرئيس 
الجميل خلال إجتماعاته مع الرئيس حافظ الأسد يتظاهر بالموافقة على 
المطالب السورية» ليعود وينقلب على تعهداته بعد عودته إلى بيروت. 
الأمر الذي كان يزعج جدا الرئيس حافظ الأسدء وهو قال مرة لجوزف 
الهاشم: "كلما نظرت إلى عيني الشيخ أمين اجده يكذب علي" فاجابه 
جوزف الهاشم قائلاً: "ان الرئيس الجميل ملزم بتطبيق الدستور» وهذا 
الإلتزام هو الذي يمنعه من اعطائكم كل ما تطلبونه من لبنان» وهو 
يتجنب مصارحتك بالأمر حتى لا يقع الخلاف بينكما". 

رافق جوزف الهاشم الرئيس أمين الجميل إلى مؤتمر الحوار 
الوطني الذي عقد في مدينة لوزان السويسرية في 1984/3/12» وكان 
السوريون قبل انعقاد المؤتمرء قد بحثوا مع الرئيس الجميل ورقة عمل 
تتضمن رؤيتهم للحل في لبنان» لكن هذه الورقة لم يقبل بها الرئيس 
الجميل» وهي كانت تشبه الورقة التي جرى إقرارها في اتفاق الطائف 
عام 1990: وخلال انعقاد اعمال المؤتمر اتصل رفيق الحريري 
بجوزف الهاشم طالبا الإجتماع به؛ وكان هذا اللقاء هو الأول بينهما. 
كان رفيق الحريري يحمل إلى المتحاورين في لوزان ورقة تتضمن بعض 
التعديلات على النظام السياسي اللبناني» وهو طلب من جوزف الهاشم 
محاولة اقناع الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل بهاء وافق 
جوزف الهاشم على طلب الحريريء ولكنه اشترط عليه الحصول على 
موافقة سليمان فرنجية اولا. وكما كان متوقعاً فأن الرئيس فرنجية رفض 
البحث في ورقة رفيق الحريري بحجة انها تتضمن تنازلاً من رئيس 
الجمهورية عن صلاحياته. 


482 


بعد انتهاء اعمال مؤتمر لوزان كلف الرئيس أمين الجميل 
الرئيس رشيد كرامي بتشكيل الحكومة الجديدة» والتي عُين فيها الشيخ 
بيار الجميل وزيرا للبريد والبرق والهاتفء وبعد وفاته حل مكانه جوزف 
الهاشم. وفي تلك الفترة اتصل رفيق الحريري بالوزير جوزف الهاشم, 
وابلغه بمعلومات لديه تشير إلى احتمال حصول تغيير حكومي قريب 
في لبنان» وطلب منه التوسط له عند عبد الحليم خدام من اجل الإتيان 
به وزيراً في الحكومة المقبلة» لكن خدام رفض توزير الحريري؛ وقال 
بحقه كلمات غير لائقة على مسمع من جوزف الهاشم. 
الأميركيون يقترحون جوزف الهاشم رئيسا للجمهورية 

بعد سقوط الاتفاق الثلاثي على يد سمير جعجع في 
2-7-5 اتخذ السوريون قراراً بمقاطعة الرئيس أمين الجميل؛ وهم 
استمروا على موقفهم؛ إلى حين انعقاد مؤتمر القمة العربي في الجزائر 
8 :؛ وكان الأميركيون قد طلبوا من الرئيس الجميل اصطحاب 
مستشاره جوزف الهاشم معه إلى المؤتمرء ولكن الرئيس الجميل رفض 
هذا الاقتراح» وكانت اسباب رفضه تعود لخوفه من ان يكون ظهور 
جوزف الهاشم في إجتماعات القادة العرب مقدمة لبروز اسمه كأحد 
المرشحين الاقوياء لرئاسة الجمهورية في وقت كان فيه الرئيس الجميل 
يسعى للتمديد. وكان جوزف الهاشم من الاسماء المقبولة لدى السوريين 
لخلافة الرئيس أمين الجميل؛: بسبب عدم اقامته لعلاقات مع 
الإسرائيليين حتى ان الرئيس حافظ الأسد قال له مرة: 'بالرغم من 
مهاجمتك لنا في الاذاعة مئات المرات فانك لم تقم بالاتصال بإسرائيل 
ولا مرة". ارتياح السوريين لأسم جوزف الهاشم تلقفه الأميركيون بايجابية 
وطلبوا من الرئيس الجميل اضافة اسمه لقائمة الاسماء المرشحة لرئاسة 
الجمهورية والتي ينوي اقتراحها على الرئيس الأسد. ولكن الرئيس 
الجميل رفض هذا الاقتراح؛ وهذا الأمر علم به جوزف الهاشم من 

453 


الوزير السابق ايلي سالم. 

ينقل جوزف الهاشم عن الرئيسين سليم الحص ونبيه بري 
قولهما: "انهما كانا على استعداد للقبول بالحكومة» التي شكلها الرئيس 
أمين الجميل في الربع الساعة الاخيرة من ولايته» لو انها كانت برئاسة 
جوزف الهاشم 

وبالعودة إلى مؤتمر القمة في الجزائر. فإن الرئيس الجميل 
حاول بعد انتهاء اعمال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر مصالحة الرئيس 
الأسد. لكن الاخير رفضء وفي اليوم الثاني لأعمال المؤتمر اتصل 
الوزير جوزف الهاشم بنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام واتفق معه 
على ترتيب عملية المصالحة بين الرئيسين. ا 
اعمال الجلسة الثانية للمؤتمرء وذلك عندما تقدم عبد الحليم خدام من 
الرئيس الجميل وصافحه ومن ثم التفت إلى 0 حافظ الأسد وقال 
له ان الرئيس الجميل يود إلقاء السلام عليك فبادر الرئيس الأسد إلى 
مد يده للرئيس الجميلء: بعد ذلك انعقدت خلوة بين الرئيسين» اعرب 
خلالها الرئيس الأسد عن استعداده لإعادة البحث بالملف اللبناني على 
ان ينقل من عناية ايلي سالم ومدير المخابرات العميد سيمون قسيس» 
إلى عهدة الوزير جوزف الهاشمء وبعد انتهاء اعمال المؤتمر قام الوزير 
جوزف الهاشم بزيارة إلى دمشق بطلب من الرئيس أمين الجميل؛ قابل 
خلالها الرئيس حافظ الأسد الذي اقترح عليه ان يصار إلى اتفاق بين 
الرئيس الجميل والبطريرك صفير على اختيار ثلاثة اسماء مرشحة 
لرئاسة الجمهورية» على ان تختار دمشق من بينهم واحدأً . لكن هذا 
الخيار لم يأخذ به الجميل؛ مما اضاع على لبنان فرصة انتخاب رئيس 
جديد واوقعه في مشاكل امنية خطيرة . 


454 


كاد المقعد النيابي ان يكون مضموناً 

بعد انفجار كنيسة 'سيدة النجاة' عام 1994» واتهام القوات 
اللبنانية بانها وراء الجريمة شعر سمير جعجع ان مصيره أصبح في 
خطرء فأرسل وراء جوزف الهاشم بواسطة الكاتب راجي عشقوتي» 
وطلب منه مساعدته في تخطي هذه المحنة بعد ان تخلى عنه الجميع» 
معرباً عن اعتقاده بأن الرئيس حافظ الأسد يريد رأسه, وافق الهاشم على 
مساعدة جعجع.ء بعد ان اكد له الاخير ان لاعلاقة له بجريمة تفجير 
الكنيسة. بدأ جوزف الهاشم خطته لمناصرة سمير جعجع, بالاعداد 
لتحركات شعبية في كافة المناطق المسيحية دعماً له؛ ولكنه ما لبث ان 
عاد واوقف تحركاته بعدما بدات تظهر اخبار تشير إلى علاقة جعجع 
باغتيال داني شمعون, وبغية الوقوف على حقيقة الموضوع؛ قام جوزف 
الهاشم بزيارة إلى المحقق العدلي في قضية كنيسة سيدة النجاة 'جوزف 
فريحة"؛ الذي اكد له ان سمير جعجع متورط باغتيال داني شمعون. 
عندئذ عاد إلى سمير جعجع واعتذر منه عن المهمة التي كلفه بها. 

وفي العام 1996 قرر جوزف الهاشم الترشح للأنتخابات 
النيابية عن المقعد الماروني في بيروتء والذي كان يشغله النائب في 
كتلة الحزب السوري القومي الإجتماعي غسان مطر. كان رئيس 
الجمهورية الياس الهراوي يشعر بأن وجود غسان مطر نائباً عن بيروت 
لا يخدم العلاقة بين المسيحيين والحكم. فاقترح على الرئيس الأسد دعم 
ترشيح جوزف الهاشم مكان غسان مطر فوافق الرئيس الأسد على هذا 
الاقتراح» وبناء عليه طلب الرئيس الهراوي من الرئيسين نبيه بري ورفيق 
الحريري الايعاز لناخبيهم بالاقتراع لجوزيف الهاشم. 

على ضوء على هذا المشهد باشر جوزف الهاشم حملته 
الانتخابية» في ظل مؤشرات كانت توحي بأنه سيفوز على منافسيه 
باغلبية مريحة؛ وفجأة وقبل خمسة عشر يومأً من موعد الانتخابات 


485 


تبدلت الحسابات» فاتصل الرئيس رفيق الحريري بجوزف الهاشم, وابلغه 
بأنه لن يكون بوسعه تأييده في معركته الانتخابية» وذلك بعد اتصال 
تلقاه من ولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيزء ابلغه فيه 
بأنه يصر على نجاح عديله النائب" نسيب لحود" في الانتخابات مهما 
كان الثمن» كما اتصل الامير عبد الله بنائب الرئيس السوري عبد 
الحليم خدام للغاية نفسهاء وكان النائب نسيب لحود يترأس لائحة في 
المتن الشمالي بمواجهة ميشال المرء فحاول بعض الوسطاء اقناع 
ميشال المر بتجيير بعض اصواته إلى نسيب لحود لكنه رفضء واقترح 
في المقابل ان يقوم الحزب السوري القومي الإجتماعي بتجيير بعض 
اصواته في منطقة المتن الشمالي لنسيب لحود. وافق القوميون على 
هذا الطلبء ولكنهم اشترطوا مقابل ذلك إبقاء المقعد الماروني في 
بيروت لمرشح الحزب غسان مطرء وفي نفس الوقت ابلغ رفيق 
الحريري وعبد الحليم خدام جوزف الهاشمء انهما لن يقوما بإغضاب 
الامير عبد الله كرمى له؛ وبذلك وجد جوزف الهاشم نفسه يخوض 
المعركة منفرداً ومع ذلك استطاع ان يحصد 6500 صوت ولكن الحظ 
لم يحالفه في الفوزء وبقي المقعد الماروني في بيروت من نصيب 
غسان مطر حتى العام 2000. 


456 


لطفي جابر العالق بين 
السادس والثامن من 
شباط 





(أرشيف السفير) 


كوماندوس إسرائيلي في مطار بيروت والمطلوب اتهام 
اسكندر غانم 

كان لطفي جابر قد بدأ سنته الأولى» في دراسة الهندسة في 
الجامعة الأميركية في بيروت»ء عندما تقدم إلى امتحانات الدخول في 
المدرسة الحربية عام 1958»: وبعد صدور النتائج وحلوله اول بين 
المتبارين قرر ترك دراسة الهندسة والانصراف إلى الحياة العسكرية. 

عام 1961 تخرج لطفي جابر من المدرسة الحربية برتبة 
ملازم» وسرعان ما بدأ اسمه يلمع كأحد الضباطء الذين يتوقع لهم 
رؤسائهم مستقبلا باهرأ بسبب حبه لعمله وتفانيه به» لكن حماسه هذا 
تعرض لإنتكاسة شديدة» عندما استدعاه قائد الفوج الذي كان يتبع له 
المقدم حنا سعيد وقال له: 'يا بني منشان شو راكض كل هالركض 
بالنهاية انت شيعيء ويلي بدو يطلعولك بالجيش مهما طلعت أو نزلت 
لن تأخذ اكثر أو اقل منهم'. شكل هذا الكلام صدمة كبيرة للملازم 
لطفي جابر وهو الذي كان يعتقد ان سبب استدعائه» هو لتهنئته على 
انجازاته. 

24577 


لم يكد الملازم جابر يستفيق من صدمته الأولى» حتى تعرض 
لصدمة ثانية اقسى واشدء وذلك عندما قامت مجموعة من الكومندوس 
الإسرائيلي بمهاجمة مطار بيروت الدولي؛ يومها كان الملازم أول 
لطفي جابرء يمارس مهامه كضابط طوارئ في ثكنة هنري شهاب 
عندما سمع اصوات انفجارات تدوي في سماء المنطقة» فصعد إلى 
السطح لمعرفة حقيقة ما يجري فشاهد دخانأ كثيفاً يتصاعد من مدرج 
مطار بيروت»ء وبعد قليل علم ان هناك عملية انزال إسرائيلية في مطار 
بيروت الدولي» فكانت ردة فعله هي ان جمع عناصره واتجه بهم إلى 
المطار للتصدي للعدوء وبالرغم من زخات الرصاص الكثيفة التي 
كانت تطلقها الطائرات الإسرائيلية على الطرق المحيطة بالمطارء الا 
أن لطفي جابر استطاع الوصول إلى حرم المطار مع القوة التي كانت 
معه؛ حيث دار اشتباك مع العناصر الإسرائيلية المغيرة والتي اضطرت 
للأنسحاب مخلفة وراءها اثنا عشرة طائرة مدمرة تابعة 'لشركة طيران 
الشرق الاوسط". بعد انسحاب الكوماندوس الإسرائيلي» حضر إلى 
المطار رئيس الجمهورية شارل حلو برفقة رئيس المكتب الثاني المقدم 
غابي لحود لتفقد الاضرارء حيث القى الرئيس حلو كلمة نوه فيها 
بشجاعة الملازم أول لطفي جابر وعناصره والتقط الصور التذكارية 
معهمء وفي اليوم التالي صدرت الصحف في بيروت وهي تحمل اخبار 
العدوان الإسرائيلي على المطارء ولكن من دون أي ذكر للدور الذي 
قام به الجيش اللبناني في التصدي للعدوء وبعد مرور عدة ايام على 
العدوان على المطارء فوجئ الملازم أول لطفي جابر باستدعائه للمثول 
امام المقدم ياسين سويدء للتحقيق معه بتهمة التدخل في احداث مطار 
بيروت من دون اذن قيادة الجيش. رفض لطفي جابر الاعتراف بالتهمة 
المنسوبة اليه؛ وامتنع عن التوقيع على محضر التحقيق» وبعد حوالي 
الاسبوع جرى استدعائه مرة ثانية للمثول امام رئيس "المكتب الثاني" 


458 


المقدم غابي لحودء الذي حاول اقناعه بالإدلاء بإفادة يتهم فيها قائد 
منطقة بيروت العقيد اسكندر غانم؛ بالتلكؤ في اصدار الأوامر 
بالتصدي للقوات الإسرائيلية مما دفعه إلى التحرك من تلقاء نفسه؛ 
ولكن لطفي جابر رفض اعطاء افادة غير صحيحة. كان الهدف من 
فبركة تهمة للعقيد غانم هي تشويه سمعته بهدف قطع الطريق عليه 
للوصول إلى قيادة الجيش بسبب مواقفه المعارضة لتدخلات المكتب 
الثاني في الشؤون السياسية. 
محاولة دفن الجنود السودانيين احياء في عين الرمانة 

عام 1975 دخل لبنان في عاصفة الحرب الاهلية» وسرعان 
ما بدأت التشققات الطائفية والمذهبية تظهر في بنيان المؤسسة 
العسكرية» وعلى ضوء هذا المشهد وجد الرائد لطفي جابر نفسه؛» غير 
قادر على الاستمرار على رأس عمله في اداراة التخطيط في قيادة 
الجيشء فقرر الإنتقال مع عائلته إلى بيروت الغربية؛ حيث سكن عند 
اهل زوجته حوالي العام؛ عانى خلالها من ظروف مادية صعبة نتيجة 
انقطاع راتبه. في بيروت الغربية لم يكن الوضع افضل حالاً بالنسبة 
للطفي جابر حيث تعرض لضغوطات من زملاء له كانوا قد التحقوا 
بجيش لبنان العربي وراحوا يدعونه ان يحذو حذوهم مستعملين معه 
اساليب الترغيب والترهيب؛ ولكن بالرغم من ذلك فأن لطفي جابر ظل 
متمسكأ بالوقوف على الحياد مما يجري من احداث على الساحة 
اللبنانية. 

عام 1976 عُين الرائد لطفي جابر رئيساً للشعبة الرابعة في 
قيادة قوات الردع العربية. كانت قوات الردع العربية مؤلفة من ضباط 
وجنود من عدة جنسيات عربية» وكانت التعليمات المعطاة لهم من قبل 
دولهم باستثناء الدولة السورية هي تجنب الاشتباك مع أي مليشيا 
مسلحة على الاراضي اللبنانية حتى ولو قامت هذه المليشيا بالتحرش 


49 


بهمء وهذا ما حدث عندما قام المسؤول العسكري لحزب الوطنيين 
الاحرار في عين الرمانة "الياس الحنش" مع عناصره؛ بالدخول إلى 
مركز الكتيبة السودانية في عين الرمانة وعمدوا إلى سد ابوابه وشبابيكه 
بالطين والحجارة في محاولة منهم لدفن عناصره وهم احياء؛» وكادت 
عناصر الكتيبة السودانية ان تهلك لولا وصول القوات السورية لنجدتها. 
كان انتشار قوات الردع العربية في لبنان يخضع لخطوط 
حمراء وضعتها قوى دولية كبرى اشترطت على قوات الردع العربية 
عدم الانتشار في المناطق القريبة من الحدود مع فلسطين المحتلة 
وعندما تقدمت كتيبة من القوات السورية العاملة في اطار قوات الردع 
العربية من مواقعها في البقاع الغربي باتجاه منطقة كفرتبنيت مرجعيون 
استنفر الإسرائيليون وطلبوا منها التراجع إلى مراكزها السابقة تحت 
طائلة استعمال الطيران لإجبارها على الانسحاب. رفض السوريون 
الانذار الإسرائيلي وهددوا بتصعيد المواجهة؛ مما دفع الدول الاوروبية 
للتحرك من اجل احتواء التوترء وبعد اتصالات عدة اجرتها هذه «الدرة 
مع اطراف معنية بالشأن اللبناني» تم التوصل إلى تسوية تقضي بأن 
يقوم الرئيس الياس سركيس بوصفه القائد الاعلى لقوات الردع العربية 
في لبنان» بالطلب من الكتيبة السورية بالتراجع إلى مواقعها السابقة. 
كان من نتائج دخول قوات الردع العربية إلى لبنان إعادة 
تحريك عجلة الاتصالات السياسية الداخلية لإنتاج تسوية تكون مقبولة 
من جميع الاطراف؛ وفي هذا الاطار طلب رئيس منظمة التحرير 
الفلسطينية ياسر عرفات موعداً لزيارة الرئيس سركيس في قصر بعبدا. 
شكلت هذه الزيارة تحدياً امنيأ كبيرأ لقوات الردع العربية بعد ان طلب 
منها ياسر عرفات تأمين الحماية له اثناء إنتقاله إلى بعبداء كما طلب 
أيضاً بأن لا تكون هناك عناصر سورية ضمن القوة المولجة بحمايته» 
وكانت العلاقات بين ياسر عرفات والقيادة السورية مقطوعة في ذلك 


450 


الوقت بسبب الخلاف حول مسألة دخول القوات السورية إلى لبنان. 
استجابت قيادة قوات الردع لطلب ياسر عرفات وقامت بتكليف الرائد 
لطفي جابر بالاعداد لخطة حماية ياسر عرفات» ولما كان الجيش 
اللبنانئي في ذلك الوقت ما يزال في طور إعادة جمع الشمل بعد 
الانقسامات التي اصابته خلال حرب السنتين؛ وجد الرائد لطفي جابر 
نفسه مضطراً للإستعانة بالقوات السورية» لتأمين موكب عرفات. وافق 
السوريون على هذا الطلب وقاموا بنشر كتيبة من قواتهم على طول 
الطريق بين مخيم صبرا وقصر بعبدا مروراً بالضاحية الجنوبية؛ ومع 
تحرك موكب عرفات باتجاه بعبدا اصر الزعيم الفلسطيني على الرائد 
لطفي جابر ان يجلس بجانبه في السيارة وقال له: "انا بحمايتك". طوال 
الطريق إلى بعبدا كان لطفي جابر يشعر بوجود طائرات في الجو وهي 
تراقب الموكب. بعد انتهاء زيارته إلى القصر الجمهوري عاد ياسر 
عرفات إلى صبرا. في طريق العودة استقل الرائد لطفي جابر سيارته 
العسكرية وسار في مقدمة الموكب وبرفقته عدد من عناصر المخابرات 
السورية» وبوصوله إلى مدخل'مخيم صبرا" التفت وراءه ليفاجئء باختفاء 
سيارة عرفات من الموكب. فعاد إلى الوراء للبحث عنها وهو في خوف 
شديد من ان يكون عرفات قد تعرض لعملية خطف أو اغتيال» ولكن 
الهدوء ما لبث ان عاد إلى نفسه عندما شاهد ياسر عرفات وقد نزل من 
سيارته على مدخل "حي فرحات"» وراح يصافح الجنود السوريين 
المنتشرين على الطريق ويقبلهم فرداً فرداً غير عابئ بالاخطار الامنية 
المحدقة به. 
انشاء جهاز امني في قوات الردع العربية يزعج جوني عبده 
لم يطل الأمر بقائد قوات الردع العميد احمد الحاج؛ حتى تقدم 
باستقالته من قيادة قوات الردع العربية بعد تعيينه مديراً عامأ لقوى 
الامن الداخلي؛ فحل محله في قيادة الردع المقدم سامي الخطيب. 
411 


باشر سامي الخطيب مهامه؛ بتكليف الرائد لطفي جابر بتأسيس جهاز 
امني في قيادة قوات الردع» وخلال فترة زمنية قصيرة أصبح لقوات 
الردع العربية جهاز امني فاعل؛ يعمل بأساليب علمية حديثة» حتى ان 
الامن العام اللبناني كان يستعين بمعلومات هذا الجهاز في عمله. 

شكل وجود جهاز امني داخل قوات الردع العربية» ازعاجاً 
لرئيس جهاز المخابرات اللبناني العقيد جوني عبده؛ والذي راح يحرضص 
رئيس الجمهورية الياس سركيس بوصفه القائد الاعلى لقوات الردع 
العربية في لبنان» على اصدار امر بحل هذا الجهاز. متهمأ سامي 
الخطيب ولطفي جابر بمحاولة بناء "جهاز امن قومي" في لبنان مرتبط 
باشرة بالمخابرات السورية» كما قام باقناع قائد الجيش باصدار قرار 
بانهاء مهمة الرائد لطفي جابر في قوات الردع العربية واعادته إلى 
ملاك الجيشء لكن هذا القرار جوبه برفض المقدم سامي الخطيب, 
الذي اعلن تمسكه ببقاء لطفي جابر في قيادة قوات الردعء: مهدداً 
بالاستقالة من منصبه في حال لم يلب طلبه. 

وبغية احتواء الخلاف بين قيادة الجيش وقيادة قوات الردع 
العربية تدخل السوريون لدى قائد الجيش وعملوا على اقناعه بإبقاء 
لطفي جابر ضمن ملاك قوات الردع العربية» ولكن بالرغم من ذلك فأن 
جوني عبده استمر في محاولاته للتشويش على جهاز الامن في قوات 
الردع العربية فتدخل لدى قيادة الجيش من اجل حذف اسم لطفي جابر 
من جدول الترقيات القادمة. مما استدعى تدخل سامي الخطيب مرة 
ثانية لدى رئيس الجمهورية للطلب اليه اصدار أوامره بإعادة اسم لطفي 
جابر إلى الجدول الترقيات. نزل رئيس الجمهورية عند طلب المقدم 
الخطيب واعيد اسم لطفي جابر إلى جدول الترقيات ولكن متأخرأ ستة 
اشهر عن رفاق دورته. 

لعبت مخابرات الجيش اللبناني دوراً في شحن نفوس بعض 


422 


الضباط بالعداء ضد الوجود السوري في لبنان» عندما سمحت لهم 
بحضور الإجتماعات التي كان يعقدها بشير الجميل للتحريض على 
الجيش السوري في لبنان» وكان من ابرز الذين تأثروا بهذا التحريض 
النقيب سمير الاشقر بطل حادثة الفياضية الشهيرة عام 1978. وفي 
اطار حملته على قيادة قوات الردع العربية»؛ عمل جوني عبده على 
تحريض ضباط الجيش العاملين في جهاز قوات الردع العربية» وخاصة 
المسيحيين منهم» على عدم الالتحاق بعملهم في مقر قيادة قوات الردع 
في منطقة المتحف في فترةٍ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. 

عشية دخول القوات الإسرائيلية إلى بيروت في ايلول عام 
2 كان الرائد لطفي جابر يتابع التطورات في مكتبه في قيادة 
قوات الردع العربية في المتحف؛ عندما دخل عليه ضابط إسرائيلي 
برتبة لواء» وسأله "عما اذا كان لديه أوامر بالتصدي للجيش الإسرائيلي 
اثناء دخوله إلى بيروت الغربية". فأجابه الرائد جابر ان تفاوت القوى لا 
يسمح له بالمقاومة؛ ولكنه لن يتردد في اعطاء جنوده أوامر بإطلاق 
الناره في حال تعرضوا لأي اعتداء من قبل القوات الغازية. سكت 
الضابط الإسرائيلي وخرج ليعود بعد قليل ويبلغ الرائد جابرء ان قواته 
لن تتعرض لعناصر الجيش اللبناني فكرر الرائد جابر تحذيره السابق 
له. عندئذ قرر الضابط الإسرائيلي تغيير خطته وتوجه مع جنوده إلى 
منطقة رأس النبع» حيث دخلوا من هناك إلى بيروت الغربية. 

وتحسبأ لقيام إسرائيل بالدخول إلى مقر قيادة قوات الردع 
العربية» امر الرائد جابر بإحراق كل الملفات الخاصة بجهاز الامن 
التابع لهذه القوات. وبذلك ضاع ارشيف كبير من المعلومات الامنية 
القيمة التي كان كان يمكن للأجهزة الامنية اللبنانية ان تستفيد منها في 
عملها. 


453 


قيادة اللواء السادس - معركة الاليائنس 

بعد انتهاء مهمة قوات الردع العربية في لبنان عام 1982, 
عاد المقدم لطفي جابر لممارسة مهامه في صفوف قيادة الجيش» حيث 
عُين قائداً للواء السادس بقرار من قائد الجيش العماد ابراهيم طنوس» 
ومع بدء اللواء السادس ممارسته لمهامه في حفظ الامن في بيروت 
الغربية والضاحية الجنوبية» برزت في وجهه مشكلة خطيرة. تمثلت 
بقيام عناصر من القوات اللبنانية بعمليات خطف واعتداء على 
المواطنين في بيروت الغربية وفرض خوات على الملاهي الليلية في 
منطقة عين المريسة» وكانت هذه العناصر تستخدم في عملياتها 
تراخيص حمل اسلحة وبطاقات تسهيل مرور صادرة عن مديرية 
المخابرات في الجيش اللبناني. 

حاول العقيد جابر في بداية الأمر تنبيه قيادة الجيش إلى 
خطورة هذه المشكلة في حال استمرارهاء وهو كان يرفع تقارير يومية 
إلى قيادة الجيش حول تحركات عناصر القوات اللبنانية في بيروت 
الغربية مع اسماء الذين اختطفوا على يده هذه العناصر. 

ولكن بعد فترة من الزمن تبين ان كل المراجعات مع قيادة 
الجيش لم تنفع في وضع حد لهذه المشكلة» مما دفعه إلى إرسال كتاب 
إلى قائد الجيش يعلمه فيه انه في حال لم تتوقف عمليات خطف 
المواطنين في بيروت الغربية» فأنه سيجد نفسه مضطرأ للتعامل مع 
التصاريح الامنية الممنوحة للقوات اللبنانية وكأنها لم تكن. احس قائد 
الجيش بخطورة المشكلة» فأصدر قراراأ بإلغاء التصاريح المعطاة 
لعناصر القوات اللبنانية فوراً. ومع التقدم في تطبيق خطة بيروت 
الكبرى قررت الرهبنة المارونية استعادة مبنى مدرسة "الاليانس" التي 
كانت تملكه في منطقة "وادي أبو جميل"؛ والذي كان يقطنه مهجرون 
من مناطق النبعة وبرج حمود والكرنتينا معظمهم من الطائفة الشيعية؛ 

454 


وكلفت وكيلها القانوني المحامي شفيق الوزان والذي كان قد أصبح 
رئيسا للحكومة بمتابعة تنفيذ القرار الذي اتصل لهذه الغاية بقائد الجيش 
وطلب منه الايعاز لمن يلزم بتنفيذ قرار أخلاء المدرسة. بدوره احال 
قائد الجيش تنفيذ المهمة على اللواء السادس كون المدرسة المطلوب 
اخلائها تقع في نطاق بقعة عمله. لكن قائد اللواء السادس راح يتمهل 
في تنفيذ هذه المهمة» وكان دافعه إلى ذلك خشيته ان تؤدي عملية 
اخلاء المبنى بالقوة إلى تصعيد التوتر على الارض بين الرئيس أمين 
الجميل ورئيس حركة امل نبيه بري» والذي كان من ابرز معارضي 
الحكم في ذلك الوقت. من جهته كان قائد الجيش يبدي دائماً تفهمه 
لهواجس العقيد لطفي جابر وهو قال له اكثر من مرة "انه لا يجد تفسيراً 
لهذا الالحاح من قبل الرئيس الوزان على عملية اخلاء المبنى"» وعندما 
وجد الرئيس الوزان ان قيادة الجيش تتمهل في تنفيذ قرار الاخلاء» قام 
بصفته وزيراً للداخلية بأصدار أوامره لقوى الامن الداخلي بتنفيذ المهمة. 
لم تحسن عناصر قوى الامن وعلى رأسهم قائد المجموعة النقيب 
'كلاب'التعاطي مع قاطني المبنى مما ادى إلى توتر شديد بين الطرفين 
سرعان ما تطور إلى تبادل لإطلاق النارء سائدت فيه حركة امل 
مهجري مدرسة "الأليانس" وادى إلى سقوط ضحايا من الجانبين» وفي 
اثناء الاشتباك تعرضت دورية للواء السادس كانت تمر في منطقة وادي 
أبو جميل لعملية إطلاق النار فأصيب قائدها 'النقيب أبو شقرا" اصابة 
بالغة في يده» ولما حالت كثافة الرصاص من الوصول إلى الجريح 
لإنقاذه» قام قائد اللواء السادس المقدم لطفي جابر بالاتصال بأحد 
مسؤولي حركة امل وهو ضابط سابق في الجيش اللبناني وطلب منه 
المساعدة في اخلاء الجريح؛ لكن المسؤول المذكور رفض طلب العقيد 
جابر وقال له بلهجة جافة:"'نحنا مش مسؤولين عن جرحى أحد وكل 
واحد يقبع شوكه بيده'. عندئذ وجد اللواء السادس نفسه مضطراً للقيام 


495 


بعملية اقتحام لمنطقة وادي أبو جميل؛ تمكن خلالها من إنقاذ الجريح 
واعتقال عدد كبير من المسلحين. بعد انتهاء العملية العسكرية راحت 
جهات سياسية تتهم اللواء السادس بالتحيز إلى فئات حزبية معينة» في 
حين انه لو استجاب مسؤول حركة امل؛ لطلب اخلاء الجريح لما كان 
اللواء السادس تدخل في المعركة. 

لم تكن حادثة الاليانس هي الأولى من نوعهاء التي يتورط 
فيها اللواء السادس بإشكالات امنية بسب سوء تصرف عناصر قوى 
الامن الداخلي؛ والتي لم تكن تنسق في مهماتها الميدانية مع عناصر 
اللواء السادسء؛ بل هي كانت تعمد بعد كل اشكال مع المواطنين إلى 
الانسحاب تاركة للواء السادس معالجة ذيول المشكلة؛ ومع تكرار مثل 
هذه الاحداث وغياب المعالجة الجادة لها. اصدر قائد اللواء السادس 
امرأ إلى عناصره على الحواجزء بمنع عناصر قوى الامن الداخلي 
والامن العام؛ من ممارسة أي مهام لهم في نطاق انتشار قوات اللواء 
السادس الا نقل البريد. اثار هذا القرار احتجاجاً واسعاً لدى قيادة قوى 
الامن الداخلي» والتي اشتكت العقيد جابر إلى رئيس الجمهورية أمين 
الجميل وقائد الجيش العماد ابراهيم طنوسء اللذان تدخلا لتسوية الأمر. 
نبيه بري يمهد 

كان عهد الرئيس الجميل عهداً مثقلاً بالأحداث الامنية 
والسياسية» وكان ابرزها توقيع اتفاق السابع عشر من ايارء والذي دعت 
على اثره المعارضة إلى اسقاط الاتفاق ورحيل الرئيس الجميل عن 
الحكم؛ ومع وصول الامور إلى هذا المستوى من التعقيدء بدأت قيادة 
المعارضة تفكر بتوجيه ضربة قاصمة للعهد تجبره فيها على الغاء 
اتفاق السابع عشر من ايار فكان القرار بشق صفوف الجيشء والذي 
على ضوئه راح رئيس حركة امل نبيه بري يرسل وراء العقيد لطفي 
جابر ويحدثه عن ضرورة القيام بعمل ما يؤدي إلى تغيير المعادلات 

456 


القائمة على الارض دون ان يفصح له عن ماهية العمل الذي تفكر به 
المعارضة»؛ لكن العقيد جابر استطاع الاستنتاج من خلال احاديث نبيه 
بري بأن هذا العمل يستهدف الجيش اللبناني» وفي محاولة منه 
لاستدراك الأزمة قبل وقوعهاء قام العقيد لطفي جابر بوضع قيادة 
الجيش في صورة ما يمكن ان يحدث من تطورات مستقبلاً في بيروت 
الغربية والضاحية الجنوبية» لكن من دون ان يفصح لها عن مضمون 
الاحاديث التي كانت تدور بينه وبين نبيه بري. وتلافياً لإمكانية اتهامه 
بالتقصير بالقيام في واجباته من قبل قيادة الجيش مستقبلا اقترح العقيد 
جابر على قيادة الأركان اتخاذ بعض التدابير على الارض التي من 
شأنها إبقاء التواصل قائماً بين وحدات الجيش في المنطقتين الشرقية 
والغربية من بيروت في حال حدوث أي طارئ على الارض. لقي هذا 
الاقتراح اهتمام قيادة الجيش التي وعدت بوضعه موضع التنفيذ» ولكن 
شيئا من هذا لم يحدث, الأمر الذي ولد قناعة عند العقيد جابر» بأن 
هناك رغبة لدى قيادة الجيش بترك اللواء السادسء» يواجه احداث 
المرحلة المقبلة وحده. 

استمرت الإجتماعات بين نبيه بري والعقيد لطفي جابر 
متواصلة والتي افصح في نهايتها رئيس حركة امل» عن رغبة فريق 
المعارضة بأن يعلن اللواء السادس تمرده على قيادة الجيشء الا ان 
العقيد لطفي جابر أبدى تردده حيال هذا الطلب الخطير وطلب من نبيه 
بري اعطائه مهلة للتفكير بالموضوع؛ وعندما وجدت قيادة المعارضة 
ان قائد اللواء السادس يتمهل في اعطاء الجواب» راحت تكثف 
اتصالاتها ببعض ضباط اللواء السادس من اجل اقناعهم بالانشقاق 
عن الجيش أو وقوفهم على الحياد في مواجهة أي تحرك شعبي تقوم 
به المعارضة على الارض. الا ان هذه اتصالات لم تعط النتائج 
المتوقعة منها خاصة بعد ان ربط هؤلاء الضباط موقفهم بموقف العقيد 


4537 


لطفي جابرء ولكن مع ازدياد الضغوطات عليهم بدأ هؤلاء الضباط 
يشعرون بالضيق والتململء» فراحوا يطالبون العقيد لطفي جابر باتخاذ 
مواقف واضح من تطورات الاحداث الجارية» وبغية توضيح موقفه عقد 
قائد اللواء السادس إجتماعاً لضباطه اعلن فيه ان ما تطلبه المعارضة 
من اللواء السادس ليس اعلان موقف بل هو بيان استسلام وهذا ما 
يرفضه تماماً. 

في ظل هذه الاجواء طلب العقيد لطفي جابر من قيادة الجيش 
تزويد اللواء السادس باسلحة نوعية تتناسب مع طبيعة المهمة الملقاة 
على عاتقه في حفظ الامن في بيروتء ولكن القيادة اهملت تنفيذ هذا 
الطلب؛ مما دفعه الى رفع الصوت عاليا امام سفراء بعض الدول 
الأجنبية الذين كانوا يزورونه بأستمرار في ثكنة هنري شهاب»ء فأعلن 
امامهم ان افتقار اللواء السادس لللإسلحة النوعية» من شأنه ان ينعكس 
سلبأ على قيامه بمهامه في حفظ امن البعثات الديبلوماسية في نطاق 
بقعة انتشاره. تحذيرات العقيد جابر حملها سفراء هذه البعثات إلى قائد 
الجيش العماد ابراهيم طنوس مطالبينه بتعزيز قدرات اللواء السادس ان 
اجل ان يتمكن من القيام بدوره في حمايتهم» وبعد حوالي ثلاثة اسابيع 
وصلت إلى مرفأ بيروت مجموعة من المصفحات الفرنسية الحديثة 
الصنع جرى وضعها بالكامل بتصرف للواء السادس. 
الجنوب والضباط المسيحيون... هاجس دائم 

كان العقيد لطفي جابر خلال احاديثه مع نبيه بري في الفترة 
التي سبقت حركة السادس من شباطء يبدي مخاوفه على الوضع في 
الجنوب من ان لا يبقى له أي غطاء سياسي أو دبلوماسي قائم ولو 
بالشكل في حال حدوث أي انقسام في صفوف الجيش اللبناني؛ وكان 
نبيه بري يبدي تفهمه لوجهة النظر هذهء ولكنه سرعان ما كان يعود 
للأتصال بلطفي جابر ليلح عليه بضرورة اعلانه الانتفاضة على قيادة 


458 


الجيش» الأمر الذي ولد قناعة عند لطفي جابر بأن القرار بشق 
صفوف الجيش عند قيادات المعارضة هو قرار لا رجعة عنه» اضافة 
إلى ذلك كان العقيد لطفي جابر يطرح دائماً في احاديثه مع نبيه بري» 
موضوع العناصر والضباط المسيحيين في اللواء السادسء» وفي 
مقدمتهم رئيس اركان اللواء 'العقيد مخول حاكمه" والذي كان يجب 
تأمين حمايتهم في حال قرروا عدم المشاركة في أي تحرك يقوم به 
اللواء السادس بوجه قيادة الجيش والمغادرة إلى المنطقة الشرقية» وكان 
لطفي جابر بعد كل إجتماع له مع نبيه بري يسأل نفسه: 'لماذا يجب 
عليه ان يسجل على نفسه انه كان في أحد الايام أحد الضباط الذين 
اقدموا على شق صفوف المؤسسة العسكرية". 

وفي خضم هذه الظروف المتلاطمة» وبعد تفكير طويل توصل 
لطفي جابر إلى قرار اعتبره الافضل لمواجهة عاصفة التطورات 
المقبلة» وهو اعطاء الأوامر لعناصره بالوقوف على الحياد والانسحاب 
إلى الثكنات» في حال اندلاع مواجهات بين الجيش والمعارضة. 

قبل عشرة ايام من وقوع احداث السادس من شباطء بدأت 
الأوضاع الامنية في بيروت الغربية والضاحية الجنوبية تتدهور سريعاًء 
وراح نبيه بري يشدد من ضغطه على قائد اللواء السادس للاسراع في 
عملية الانشقاق عن السلطة واصدار بيان يدين فيه القصف العشوائي 
على الضاحية الجنوبية» في المقابل كان العقيد جابر يرد على هذه 
الدعوات بطلب اعطائه المزيد من الوقتء عله يستطيع ان يجد حلاً مع 
قيادة الجيش لوقف القذائف المتساقطة على رؤوس المواطنين» وهو 
لهذه الغاية اجتمع اكثر مرة مع قائد الجيش والذي كان دائما موقفه هو 
الدعوة إلى الصبر. 


4059 


انتفاضة السادس من شباط 

لم تكن النقاشات بين قائد اللواء السادس ورئيس حركة امل قد 
تبلورت بعدء حين نزل مسلحو حركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي 
والحزب السوري القومي الإجتماعي وغيرهم من احزاب المعارضة؛ إلى 
الشارع في السادس من شباط عام 1984؛: وسيطروا على منطقة 
بيروت الغربية» وقاموا بمحاصرة مراكز اللواء السادس من دون الدخول 
اليها. وكانت الأوامر المعطاة إلى عناصر اللواء السادس» هي عدم 
إطلاق النار الا في حالة الدفاع عن النفسء وبينما كانت قوى 
المعارضة تتمدد على الارضء اتصلت قيادة الجيش بالعقيد لطفي 
جابرء وعرضت عليه إرسال طوافة عسكرية لنقله إلى وزارة الدفاع» لكن 
العقيد جابر اصر على البقاء في مقر قيادته في ثكنة "هنري شهاب" 
ادراكا منه ان الهدف من محاولة ابعاده عن مقر قيادته» هو ضرب 
اللواء السادس وشرذمته. 

بعد ان سيطرت المعارضة على بيروت الغربية» راحت تكثف 
اتصالاتها مع عدد من ضباط اللواء السادس لأصدار بيان يدين سياسة 
قيادة الجيشء لكن هولاء ابلغوا قيادة المعارضة:؛ انهم يفضلون التريث 
بانتظار موقف قائد اللواء السادسء, والذي كان بدوره يسعى إلى ايجاد 
الصيغة المناسبة للبيان الذي سيعلن فيه موقفه من التطورات على 
الارضء وفي محاولة منها للضغط على قائد اللواء السادس امرت 
بعض قيادات المعارضة عناصرها بالدخول إلى منزل العقيد لطفي 
جابر وترويع عائلته» وبالرغم من ذلك ظل قائد اللواء السادس مصرا 
على موقفه بأن يكون البيان الذي سيصدره بعيدأ عن التحديات 
والعنتريات الفارغة. في نهاية المطاف وبعد اتصالات مكثفة قام بها 
العقيد لطفي جابر مع رئيس حركة امل نبيه بري. اصدر قائد اللواء 
السادس بياناً دعا فيه عناصره "الى عدم قتال المواطنين؛ والتحلّي 

500 


بالمناقبية العسكرية» والانضباط العسكري وإلتزام ثكناتهم", وكان ذلك 
في الثامن من شباط عام 1984. ش 

اطل نهار التاسع من شباطء على انقطاع تام في الاتصالات 
بين اللواء السادسء وقيادة الجيش في اليرزة» وفي تدبير احترازي هدفه 
ضمان استمرار وصول الرواتب إلى عناصر اللواء السادس» قامت 
مجموعة من هذا اللواء بالتمركز في محيط مصرف لبنان» وذلك في 
رسالة تحذير إلى قيادة الجيشء بأن أي تفكير في قطع رواتب عناصر 
اللواء السادسء» ستكون نتيجته وضع اليد على رواتب العسكريين في 
المنطقة الشرقية ومنعها من الوصول اليهم. في نفس النهار أيضاً 
اجتمع العناصر والضباط المسيحيون في اللواء السادس وقرروا الإنتقال 
إلى المنطقة الشرقية من بيروت فاستجيب لطلبهمء وقامت حركة امل 
بمواكبتهم إلى منطقة المتحف. 

كان واضحاً منذ اليوم الأول لحركة السادس من شباطء بأن 
حسابات اللواء السادسء تختلف كلياً عن حسابات المسلحين على 
الارضء فبينما كان اللواء السادس يسعى إلى ان يكون الممسك الوحيد 
بالامن في نطاق تواجده؛ كان المسلحون يسعون إلى اشاعة الفوضى 
والفلتان الامني حيثما وجدواء وذلك بهدف إبقاء قبضتهم على الاحياء 
والزواريب في بيروت الغربية. وكان اكثر المتضايقين من حال الفلتان 
الامني؛ الذي وصلت اليه بيروت الغربية بعد احداث السادس من شباط 
هو الامام محمد مهدي شمس الدين الذي اجتمع إلى نبيه بري وطالبه 
بسحب المسلحين من الشارع؛ وتكليف الجيش بضبط الامن. لم ينتظر 
الامام محمد مهدي شمس الدين كثيرأً حتى يتلقى الجواب على طلبه 
والذي سرعان ما اتاه من خلال سلسلة من المضايقات تعرض لها 
حراس منزله؛ مما اضطره إلى نقل مقر اقامته إلى منطقة تلة الخياط» 
حيث سكن في شقة تخص المرحوم "قاسم حمود'”, فيما تولت عناصر 


501 


من اللواء السادس تأمين الحماية له. 

بعد ان حققت المعارضة هدفهاء باحداث انشقاق في صفوف 
الجيش اللبناني» بدأ بعض اركانها يحاولون تنصيب انفسهم اوصياء 
على اللواء السادس كل بحسب حساباته ومصالحهء وفي هذا السياق 
اتصل نبيه بري بقائد اللواء السادس العقيد لطفي جابرء وطلب منه 
الحضور إلى منزله في بربور للبحث في أمر هام. في منزل نبيه بري 
التقى لطفي جابر بالوزير مروان مروان حماده والقيادي في الحزب 
التقدمي الاشتراكي انور الفطايري واللذان كانا يحملان إلى بري اقتراحأ 
من وليد جنبلاط بإنتقال رئيس الاركان اللواء نديم الحكيم إلى تكنة 
هنري شهاب واتخاذها مقرأ لقيادته على ان يعين العقيد لطفي جابر 
مساعداً له. وكان اللواء الحكيم قد عقد مؤتمراً صحافياً في اعقاب 
احداث الجبل اعلن فيه رفضه تلقي الأوامر من قائد الجيش العماد 
ابراهيم طنوس. 

كان نبيه بري أول الرافضين لإنتقال اللواء فديم الحكيم إلى 
ثكنة هنري شهابء ولكنه لم يكن يريد ان يعلن ذلك صراحة حتى لا 
تتأثر علاقته بوليد جنبلاط» وهو فضل ان يعلن موقفه بلسان لطفي 
جابرء لكن الاخير خالف توقعات نبيه بري فاعلن ترحيبه بقدوم اللواء 
الحكيم إلى ثكنة هنري شهابء واستعداده للتخلي له عن قيادة اللواء 
السادسء والذهاب إلى منزله. احرج جواب لطفي جابر نبيه بري الذي 
سارع إلى طي صفحة الموضوع بأن قال الطفي جابر: 'طيب طيب 
منحكي بعدين مع السلامه الآن". 

بعد انتفاضة السادس من شباط راحت القيادات السنية في 
بيروت تنظر إلى اللواء السادس بعين الشك والحذرء وأصبحت تعتبره 
امتداداً للمليشيات المسلحة في بيروت الغربية. وبغية ايجاد مناخ من 
الثقة بين اللواء السادس والقيادات البيروتية دعا مفتي الجمهورية 


502 


اللبنانية الشيخ حسن خالدء إلى إجتماع في منزل أحد اقربائه في منطقة 
الروشة» حضره كل من الرئيسين سليم الحص ورشيد الصلح والوزير 
مالك سلام والإمام محمد مهدي شمس الدينء» وقائد اللواء السادس 
العقيد لطفي جابر والذي حرص على ان يصطحب معه إلى الإجتماع, 
عدد من الضباط السنة في اللواء السادس. وكان من نتائج هذا 
الإجتماع» انه استطاع كسر الجليد بين اللواء السادس والقيادات 
البيروتية»؛ بحيث أصبح استلام اللواء السادس للأمن في بيروت الغربية 
مطلبأ اساسا للقيادات البيروتية» وكان عدد من قادة حركة امل قد دأبوا 
بعد انتفاضة السادس من شباط؛ على دعوة لطفي جابر إلى افراغ اللواء 
السادس من ضباطه السنة» وعندما رفض هذا الطلب راحوا يحاولون 
التحريض عليه عند نبيه بريء والذي كان يجيبهم دائماً: 'لطفي يعرف 
ماذا يفعل". 

تحولت مشكلة الامن في بيروت الغربية بعد السادس من 
شباط عام 1984 إلى معضلة تؤرق الجميع بسبب التباينات بين قوى 
الأمر الواقع؛ حول كيفية التعاطي مع هذا الملف» ففي حين كان نبيه 
بري يرى ان لا مشكلة لديه في تسلم اللواء السادس للأمن في بيروت 
الغربية» طالما انه قد أصبح تحت غطاء حركة امل السياسي بعد 
خروجه عن الشرعية. الا ان رغبته هذه كانت تصطدم دائمأ بتجاوزات 
عناصر حركة امل على الارضء والتي كانت كفيلة بتعطيل أي خطة 
امنية كان يجري الاتفاق عليها. بدوره كان الحزب التقدمي الاشتراكي 
شريكاً لحركة امل في الفلتان الامني في بيروت الغربية» وبرزت من 
بين عناصره اسماء كثيرة كان لها باع طويل في عمليات الاعتداء على 
امن المواطنين واموالهم وأملاكهمء ولم تكن 4 الممارسات تزعج 
الحزب لاشتراكي؛ طالما انها كانت تجري بعيداً عن ساحته الاساسية 
في منطقة الجبل» بل هو عرف كيف يستفيد منها من اجل افشال كل 


503 


الخطط الامنية؛ التي كان يجري الاتفاق على تنفيذها في بيروت 
الغربية» وكان رفض الحزب الاشتراكي للخطط الامنية» نابع من عدم 
ثقته بالجيش اللبناني والذي عانى الاشتراكيون من سوء ممارساته في 
منطقة الجبل» وفي ابلغ دليل على عدم ثقة الحزب التقدمي الاشتراكي 
بالجيش اللبناني» اتهم وليد جنبلاط اللواء السادس 'بأنه ما زال على 
ولائه للرئيس أمين الجميل"؛ مما دفع العقيد لطفي جابر لزيارته في 
منزله؛ برفقة أحد ضباط اللواء السادس هو العقيد 'سامي الينطاني" 
الذي ينتمي إلى الطائفة الدرزية حيث قال له: 'نحن على استعداد 
لقصف القصر الجمهوريء اذا كان ذلك يجعلك تصدق بأن لا علاقة 
بينا وبين أمين الجميل". سكت جنبلاط ولم يعلق على كلام العقيد 
لطفي جابر وراح يحاول ان يعطي تبريرات لتصريحاته» من ناحية 
أخرى كان الاشتراكيون يبدون امتعاضهم دائما من وجود عناصر 
وضباط من الطائفة الدرزية في صفوف اللواء السادسء ويطالبونهم 
بالالتحاق بثكنة حمانا التي كانت تخضع لسيطرتهم. 
رشيد كرامي: 'سأستقيل من الحكومة إذا استقال لطفي جابر 
من اللواء السادس" 

في أعقاب مؤتمر الحوار الوطني في لوزان؛ والذي تلاه تشكيل 
حكومة جديدة برئاسة الرئيس رشيد كرامي توجهت الانظار مجدداً نحو 
إعادة الامن إلى بيروت الغربية» وفي هذا السياق عقد مجلس الوزراء 
جلسة له دعي لحضورها قائد اللواء السادس العقيد لطفي جابر وكانت 
مخصصة لبحث الوضع الامني في بيروت الغربية. في مستهل الجلسة 
توجه الرئيس كرامي إلى العقيد لطفي جابر قائلاً: 'يا لطفي بدنا منك 
0 عسكريء من الاوادم من اجل حفظ الامن في بيروت". 

كلمة 'الاوادم” فهم منها العقيد جابر بأن المقصود بها هو 
استبعاد العناصر الشيعية» عن القوة التي ستتولى حفظ الامن في 

504 


بيروت الغربية» فاعلن رفضه فرز عناصر اللواء السادس على اساس 
مذهبي وابلغ الوزراء المجتمعين نيته الاستقالة من مسؤولياته احتجاجاً 
على اتخاذ الامور هذا المنحى. 

احدث كلام لطفي جابر توتراً بين الوزراء فتدخل نبيه بري 
محاولاً التوضيح بأن كلام الرئيس كرامي لا يحمل ابعاداً طائفية. ثم 
تكلم الرئيس كرامي قائلاً: "اذا استقال لطفي جابر من اللواء السادس 
سأستقيل بدوري من الحكومة"؛ وفي نهاية الجلسة تم الاتفاق على 
تكليف الأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع العميد نبيل قريطم بالإعداد 
للخطة الامنية المزمع تنفيذها. نجح العميد قريطم في تدوير الزوايا 
وجرى تكليف العقيد محمد فرشوخء وهو من الطائفة السئّية بقيادة القوة 
التي ستتولّى حفظ الامن في بيروت الغربية. بدأت الخطة بنجاح 
ولكنها ما لبث ان تعرضت لخروقات متعتّدة» أدّت إلى فشلهاء وعودة 
الفلتان الامني إلى سابق عهده. 

كان من الطبيعي ان يؤدي عدم القدرة على ضبط الوضع 
الامني في بيروت الغربية إلى تحكم المسلحين بالشارع وتقاتلهم مع 
بعضهم البعض على زعامة الاحياء والزواريب؛ وكانت أحد اخطر هذه 
الاشتباكات هي تلك التي جرت بين الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة 
امل عام 1986» والتي عرفت 'بحرب العلم", والتي اندلعت في اعقاب 
قيام عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي بإطلاق النار على دورية 
للواء السادس فتدخلت حركة امل لمساندته مما ادى إلى توسع رقعة 
القتال. استمرت الاشتباكات عدة أيام ساعد خلالها اللواء السادس حركة 
امل ضد عناصر الحزب الاشتراكي: وبعد توقف القتال عُقد إجتماع 
مصالحة بين نبيه بري ووليد جنبلاط تم فيه التأكيد على على وحدة 
الصف بين امل والاشتراكي. وفي اطار تصفية ذيول الاحداث» قام 
وليد جنبلاط بزيارة إلى قائد اللواء السادس العقيد لطفي جابر في ثكنة 


505 


'فخر الدين"» شدد خلالها على ضرورة منع تكرار مثل هذه الاحداث؛ 
وبعد انتهاء الزيارة رافق العقيد لطفي جابر وليد جنبلاط إلى مدخل 
الثكنة؛ وقبل ان يغادر همس جنبلاط في اذن العقيد جابر ببعض 
العبارات!. التي احدثت صدمة في نفس قائد اللواء السادس وجعلته 
يتأكد بأن القتال بين حركة امل والحزب الاشتراكي عائد لا محالة» 
وبعد اقل من عام اندلعت جولة جديدة من العنف بي الحزب الاشتراكي 
وحركة أمل ادت إلى دخول القوات السورية إلى بيروت لوقف المعارك 
بين الطرفين. 
قانون الدفاع وتعديلاته 

كان من ضمن الاتفاق على عودة البلاد إلى حالتها الطبيعية 
بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس رشيد كراميء» اجراء 
تعديلات على قانون الدفاع الوطني؛ واشترط كل من الرئيس رشيد 
كرامي والوزيران نبيه بري ووليد جنبلاط على الرئيس أمين الجميل» 
الموافقة على هذه التعديلات؛ قبل البحث في تعيين قائد جديد للجيش 
خلفاً للعماد ابراهيم طنوس الذي اعفي من منصبه. على الاثر جرى 
تشكيل لجنة لدرس التعديلات الواجب ادخالها على قانون الدفاع؛ 
وكانت مؤلفة من العقيد لطفي جابر ممثلا لنبيه بري» والمقدم المتقاعد 
شريف فياض مندوباً عن وليد جنبلاط» فيما مثل قيادة الجيش مسؤول 
مخابرات بيروت المقدم ميشال رحباني: عقدت اللجنة إجتماعا وحيدا 
لها في منطقة المتحفء. جرى فيه الاتفاق على تبني معظم الاقتراحات 
التي تقدم بها العقيد لطفي جابرء وكان من ابرزها انشاء المديرية 
العامة للأدارة في الجيش بدلا من من مديرية الرقابة الادارية» التي 
كانت تابعة مباشرة لقيادة الجيش» ووضعها تحت سلطة وزير الدفاع؛ 


1. فضل عدم نشر هذه العبارات. 
506 


ومن خلال هذا التعديل أصبحت صلاحيات قائد الجيش استدراك 
حاجات الجيش بدلا من تأمين مختلف حاجاته؛ كما تم الاتفاق أيضاً 
على ربط الامن العسكري برئيس الاركان بعد ان كان تحت سلطة قيادة 
الجيشء كما جرى اقرار تزويد مديرية المخابرات لكل من رئيس 
الحكومة والأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع بالمعلومات الامنية اسوة 
برئيس الجمهورية» كما اعطي رئيس الاركان حق الرجوع في الحالات 
العملانية إلى المجلس العسكري في حال وجود خلافات في وجهات 
النظر بينه وبين قائد الجيش» وبفضل هذه التعديلات جرى الحد من 
الصلاحيات الواسعة لقائد الجيش والتي أسيء استعمالها من قبل بعض 
قادة الجيش السابقين مما تسبب في ضرب وحدة المؤسسة العسكرية 
اكثر من مرة. 

لم يكد يصدر قانون الدفاع الجديد حتى بدأ قائد الجيش العماد 
ميشال عون محاولاته للألتفاف عليه وذلك من خلال اقتراحه وضع 
تعليمات تطبيقية له والتي كان الهدف منها تجاوز القانون بالتعليمات. 
لكن اقتراحه سقط بعد ان اعترض عليه معظم اعضاء المجلس 
العسكري. بدوره حاول العماد اميل لحود عندما أصبح قائداً للجيش 
خرق قانون الدفاع أيضأء وذلك من خلال تشكيل لجنة من بعض 
الضباط الموالين له مهمتها اقتراح تعديلات جديدة على قانون الدفاع؛ 
والتي كان الهدف منها تحجيم المفهوم الجديد للتعاون بين قيادة الجيش 
وباقي مؤسسات الدفاع الوطني. 

بعد الانتهاء من ملف التعديلات على قانون الدفاع انتقل 
البحث إلى موضوع تعيين قائد جديد للجيش واعضاء للمجلس 
العسكري؛ فأصر الوزير نبيه بري على العقيد لطفي جابر ان يبقى قائداً 
للواء السادس وطلب منه اقتراح اسم الضابط شيعي لعضوية المجلس 
العسكريء فاقترح عليه اسم العميد "غسان ضاهر",. والذي كان معروفاً 


507 


باعتداله وعدم انحيازه لأي طرف من اطراف الصراعء وعلى هذا 
الاساس ذهب نبيه بري إلى جلسة مجلس الوزراء حاملاً معه اسم 
العميد غسان ضاهر لعضوية المجلس العسكريء لكن الامور تبدلت 
فجأة داخل الجلسة» وذلك عندما طرح الرئيس أمين الجميل تعيين 
العميد ميشال عون قائداً للجيشء الأمر الذي اعترض عليه وزراء 
المعارضة معللين اعتراضهم بأن ميشال عون معروف بانحيازه إلى 
للفريق اليميني. كاد الخلاف على اسم ميشال عون ان يؤدي إلى 
تطيير الحكومة لولا تدخل نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام 
واقناعه وزراء المعارضة بالموافقة على اسم ميشال عون؛ وذلك من 
منطلق ان الوقت الآن هو للتهدئة وليس للصدامات. بعد تعيين ميشال 
عون قائداً للجيش انتقل البحث إلى تعيين أعضاء المجلس العسكري. 
فاقترح الرئيس رشيد كرامي اسم "العميد 'سامي الشيخة" عن الطائفة 
السنية» لكن هذا الاقتراح عارضه وزير التربية الرئيس سليم الحص 
الذي اعتبر ان تعيين ضابط متصلب مثل ميشال عون قائداً للجيش» 
يجب ان تقابله المعارضة بالاصرار على ان يكون الضباط المؤيدين 
لها في المجلس العسكري لا يقلون عن ميشال عون تصلبأ واقترح اسم 
العميد نبيل قريطم؛ وما لبثت عدوى التشدد ان انتقلت إلى الوزير نبيه 
بري الذي وضع جانباً اسم العميد غسان ضاهرء وطالب بالعقيد لطفي 
جابر لعضوية المجلس العسكري. 

كان المجلس العسكري يجتمع دوريأء في مقر قيادة الجيش في 
اليرزة»؛ وكان العماد ميشال عون قبل كل جلسة يعبر عن تضايقه من 
سياسة الرئيس الجميل مستخدماً تعابير حادة بحقه؛ وكان اعضاء 
المجلس العسكري يبدون تذمرهم فيما بينهم من تكرار قائد الجيش 
للكلام بنفسه بحق رئيس الجمهورية. في نهاية الأمر قرر العميد لطفي 
جابر التصدي لكلام العماد عون بطريقة ملطفة فانتظر في أحد 


508 


الجلسات انتهاء العماد عون من سرد مأخذه على رئيس الجمهورية 
فوقف وقال: 'سيدي العماد نحن معك في أي موقف تتخذه ضد الرئيس 
أمين الجميل". احرج كلام العميد لطفي جابر قائد الجيش وظهر 
الاحمرار على وجهه: 'وقال انا مع رئيس الجمهورية حتى اخر دقيقة 
من ولايته". 
حرب المخيمات 

عايش لطفي جابر حرب المخيمات» بين حركة امل 
والمقاومة الفلسطينية بكل تفاصليها والتي اندلعت عام 21985 
واستمرت حوالي العامين» وهي بدأت عندما خرجت فجأة عناصر من 
حركة فتح من مخيمي صبرا وشاتيلا» وقامت بقطع طريق المدينة 
الرياضية في محاولة منها لتطويق ثكنة هنري شهاب؛ وشطر بيروت 
الغربية إلى نصفينء» وسرعان ما تبين ان الهدف من هذه العملية إعادة 
سلطة ياسر عرفات على بيروت بالتعاون مع بعض احزاب الحركة 
الوطنية» وفي طليعتها الحزب التقدمي الاشتراكي» والتي قامت مدفعيته 
في الجبل بمساندة المسلحين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا 
وبرج البراجنة» كما جرى اكتشاف غرفة عمليات فلسطينية في منطقة 
ضبيه كانت تتولى ادارة حرب المخيمات بتغطية من القوات اللبنانية 
بقيادة سمير جعجع. 

في بداية المعارك تمكن اللواء السادس؛ من فك الحصار عن 
ثكنة هنري شهابء واجبار العناصر الفلسطينية» على التراجع إلى 
داخل مخيمي صبرا وشاتيلاء الذين راحوا يمارسون القنص من داخل 
المخيمين باتجاه محيط السفارة الكويتية والضاحية الجنوبية والمدينة 
الرياضية؛ ومع اشتداد المعارك قام اللواء السادس بسحب جزء من 
قواته في بيروت الغربية ووضعها على محاور القتال بمواجهة 
المخيمات الفلسطينية؛ مما افسح المجال امام عودة مسلحي حركة امل 


509 


إلى شوارع بيروت الغربية. وعلى ضوء هذه التطورات قرر نبيه بري 
التوجه إلى دمشق لمتابعة الموقف مع المسؤولين السوريين» وقبيل 
توجهه إلى دمشق استدعى نبيه بري العميد لطفي جابرء وابلغه بأنه 
قرر وضع قوات حركة امل بتصرفه من اجل خوض حرب المخيمات. 
امضى نبيه بري ثلاثة اشهر في سوريا عمل خلالها على تأمين 
السلاح والذخائر لحركة امل واللواء السادسء؛ من اجل تمكينهما من 
الصمود في معركة المخيمات. 

لم يستسغ اللواء السادس كثيراً وجود عناصر من حركة امل 
إلى جانبه على محاور القتال بمواجهة المنظمات الفلسطينية» وذلك 
نظرا للتفاوت الكبير في مستوى الانضباط بين الجندي النظامي 
والمقاتل المليشياوي» ففي حين كان جنود اللواء السادس يلتزمون بأوامر 
رؤسائهم» فيثبتون في مواقعهم ولا يغادرونهاء الا بأنن من الضابط 
المسؤول عنهم. كان مقاتلو حركة امل يخلون المحاور فجأة» ويذهبون 
في اجازات إلى قراهم؛ الأمر الذي كان يعرض الجبهة احياناً كثيرة» 
لخطر الاختراق من قبل الخصمء مما دفع بالعميد لطفي جابرء إلى 
الطلب من نبيه بري سحب مقاتلي امل من محاور القتال وترك الامور 
للواء السادس وحده. 

كان لحرب المخيمات تأثيرها على الأوضاع الداخلية لحركة 
امل فبرز في داخلها تيار يطالب بفك الحصار عن المخيمات من 
منطلق انه لا يجوز للمسلم ان يقتل اخيه المسلم؛ ولم يكن ظهور هذا 
التيار بالصدفة؛ بل اتى نتيجة خطة كان هدفها ممارسة ضغوط على 
حركة امل من الداخل من اجل اجبارها على وقف القتال في 
المخيمات؛ وكان ابرز الذين استجابوا لهذا المشروع هم "حسين 
الموسوي"؛ الذي اعلن انشاء حركة امل الإسلامية ومصطفى الديراني 
مسؤول الامن السابق في حركة امل. 


510 


وزير من دون تعب 

في الثالث والعشرين من ايلول عام 1988»؛ غين العميد لطفي 
جابر وزيرا للعدل والطاقة والصناعة في حكومة العماد ميشال عون» 
وكان العماد ميشال عون قد بادر فور الاعلان عن تشكيل حكومته» 
إلى الاتصال بالعميد لطفي جابرء ودعاه إلى فتح صفحة جديدة من 
التعاون» وممارسة مهامه ضمن الحكومة الجديدة. شكر العميد جابر 
العماد عون على ثقته ووعده بالتفكير ملي بالموضوع ومن ثم قام بعد 
ذلك بالاتصال بالصحافي في جريدة السفير "محمد شقير". واتفق معه 
على نشر خبر اعتذاره عن المشاركة في حكومة العماد ميشال عون. 

وفي صباح اليوم التالي» توجه العميد لطفي جابر إلى منزل 
نبيه بري حيث التقى على المدخل بأحد قيادي حركة امل البارزين!؛ 
والذي ما ان شاهده حتى قال له: "ان شاء الله فكرك انا تعبت كل 
هالتعب» حتى تجي آخر شي انت وزير". فأوضح له العميد جابر: "انه 
غير مهتم بالوزارة ودفع اليه بجريدة السفير طالبا منه قراءة الخبر 
المنشور عن اعتذاره عن المشاركة في حكومة ميشال عون'. 

استمرت مرحلة العماد عون» حتى ازاحته من بعبدا في 
3 ببعد ذلك تولى العماد اميل لحود قيادة الجيش. كان 
العماد لحود شخصية متصلبة لا تقبل المناقشة في مواقفهاء الأمر الذي 
ادى إلى خلافات عديدة بينه وبين مدير الادارة في الجيش اللواء لطفي 
جابر والتي كان سببها ان العماد لحودء كان يعمل من ضمن منطق 
'الاجتهاد في القوانين حتى خرقها"؛ مما كان يدفع اللواء جابر إلى 
الاحتجاج على هذه الممارسات داخل إجتماعات المجلس العسكري؛ 
مطالبا بتطبيق قانون الدفاع» وبدل ان يستمع إلى هذه الاحتجاجات» 
كان العماد لحود يقوم بالاتصال ببعض الشخصيات السياسية داخل 


' نكر اسمه وفضل عدم نشره. 
511 


لبنان وخارجه؛ شاكياً لهم متاعبه مع اللواء لطفي جابرء وكان هؤلاء 
السياسيون يقومون بدورهم بالاتصال باللواء جابرء ويطلبون منه 
"التطنيش" عن ممارسات العماد لحودء ومع ازدياد الخلافات بين اللواء 
جابر وقائد الجيشء بدأ الاخير يفكر بازاحة اللواء جابر من المجلس 
العسكري؛ فكان ان استغل فرصة احالة الأمين العام للمجلس الاعلى 
للدفاع العميد نبيل قريطم على التقاعدء فأعلن عن رغبته بتغيير جميع 
اعضاء المجلس العسكريء وذلك بإلإتفاق مع رئيس الحكومة عمر 
كرامي. 

من ناحيته احس اللواء لطفي جابرء ان عملية التغيير هذه 
تستهدفه هو بالدرجة الأولى فكان ان سارع إلى الاتصال ببعض الوزراء 
الداعمين له في الحكومة من اجل احباط خطة العماد لحود؛ وخلال 
جلسة مجلس الوزراء المخصصة لتعيين اعضاء جدد للمجلس العسكري 
برزت معارضة من الوزير سليمان فرنجية لهذا المشروع ثم تبعه الوزراء 
المحسوبون على دمشقء فكان ان سقط مشروع قائد الجيش وبقي لطفي 
جابر عضوا في المجلس العسكري لحين تقاعده عام 1998. 


512 


شريف فياض من البدلة العسكرية إلى 
العباءة الجنبلاطية- الضابط حيثما ذهب 





(أرشيف السفير) 


لن ارم برزقي حتى لو اشتريتموه كله 

اول ما تكتشفه في شريف فياض هو تهذيبه الشديدء وحرصه 
على انتقاء كلماته بعناية تامة» فالرجل الذي ولد في قرية بشتفين في 
قضاء الشوف قبل سبعة وسبعين عامأء نشأ في بيئة تولي اهتماما 
خاصاً للياقات الإجتماعية. والده سليمان كان مختار القرية واستمر في 
هذه المسؤولية مدة ثلاث وثلاثين عاماء كان خلالها محط ثقة ابناء 
بلدته الذين كانوا يحتكمون اليه في حل مشاكلهم اليومية؛ كما كانوا 
يودعونه مقتنياتهم الثمينة خوفاأ عليها من التلف والضياع؛ وكان ابنه 
شريف يقوم باستلامها منهم ويوثق هذا الاستلام في سجل خاص لديه. 

عام 1959 دخل شريف فياض إلى المدرسة الحربية؛ بعد ان 


513 


تأخرت دورته حوالي العام بسبب الاحداث الامنية التي شهدها لبنان 
عام 1958» وهو اختار في بداية الأمر التخصص في سلاح الطيران» 
لكنه عاد وتحول إلى سلاح المشاة على اثر مشادة بينه وبين أحد 
الضباط في قاعدة رياق الجوية» تفوه فيها الاخير بكلام ناب. 

في العام 1961 تقلد الملازم شريف فياض سيف التخرج من 
الرئيس فواد شهابء؛ في دورة حملت اسم "دورة الشهيد يوسف هليل". 
سافر بعدها إلى فرنسا في بعثة عسكرية حيث امضى عاما كاملاً. بعد 
عودته شكّل إلى سرية الجيش في بلدة 'اكروم'" على الحدود الشمالية 
مع سوريا. كان الوضع في بلدة اكروم في اغلب الاحيان متوتراً بسبب 
الخلافات على المراعي بين اهالي البلدة وعشيرة آل جعفرء وكان 
الجيش يضطر احيانأ كثيرة للتدخل لفض هذه النزاعات. في اكروم 
أيضأ عانت فصيلة الجيش من تصرفات حرس الحدود السوري الذين 
كانوا كثيراً ما يدخلون إلى المناطق الحدودية غير المرسمة بين لبنان 
وسوريا ويرفضون مغادرتها بحجة ان لا شيء يثبت لبنانيتهاء مما كان 
يؤدي إلى توتر الأوضاع بين الجيشين اللبناني والسوري لتبدأ بعد ذلك 
الاتصالات اسياسية بين الجانبين والتي كانت تنتهي بعودة السوريين 
إلى مواقعهم السابقة. 

كانت بلدة اكروم أحد افقر البلدات في قضاء عكارء بسبب 
اهمال الدولة لمطالبها الانمائية» ولكن مع ذلك بقي سكانها متمسكين 
بأرضهم ورزقهمء وهذا ما تثبته قصة تلك المرأة التي التقى بها الملازم 
تروك فاك يزه بولق كان لمنقل عع امخمر ع دز رده 
اكروم إلى بلدة عندقت سيرا على الاقدام؛ حاملين على ظهورهم عتادهم 
العسكري. كانت المرأة تجر حمارأ وضعت على ظهره اكياساً من 
السمادء وعندما شاهدها الجنود عرضوا عليها شراء الاكياس مقا 
السماح لهم باستخدام الحمار لنقل عتادهم العسكري إلى المكان الذي 


514 


كانوا يقصدونه. وافقت المرأة في بداية الأمر على العرضء لكنها ما 
لبثت ان تراجعت عنه عندما شاهدت الجنود يضعون اكياس السماد 
على جانب الطريق. فانتفضت وقالت لهم: 'لن اقبل بأن يُرمى رزقي 
على قارعة الطريق» حتى ولو كنتم قد اشتريتموه كله"» وقامت بتحميل 
الاكياس مجدداً على ظهر الحمارء واكملت طريقها فيما تابع الملازم 
فياض وجنوده طريقهم سيراً على الاقدام نحو عندقت. 

مشهد آخر وقف الملازم فياض على تفاصيله في بلدة اكروم؛ 
وهو مشهد تدخل المكتب الثاني في الحياة السياسية للمواطنين» فمع 
اعلان الرئيس فؤاد شهاب عزمه على الاستقالة من رئاسة الجمهورية 
عام 1962. خرج اهالي اكروم في تظاهرات تطالبه بالعودة عن 
استقالته. اثار تجمع سكان البلدة بهذه السرعة استغراب المراقبين 
خاصة ان البلدة كانت تعتبر من البلدات النائية» والتي لا تصلها 
السيارات بسبب طرقاتها الوعرة» كما انه لم يكن قد تم ربطها بشبكة 
الكهرباء بعد» اضافة إلى ان اهل اكروم كانوا جلهم من المزارعين 
الفقراء» الذين يلازمون بيوتهم مع مغيب الشمسء ولا يبرحونها حتى 
فجر اليوم التالي؛ وسرعان ما تبين ان خروجهم الكثيف بهذا الشكل 
جاء بأيعاز من المكتب الثاني» والذي عمد بعد اعلان فؤاد شهاب نيته 
بالاستقالة إلى تنظيم مظاهرات وتجمعات في عدد من المناطق اللبنانية 
تطالبه بالعودة عن استقالته وذلك لأظهاره بمظهر الرئيس المحبوب من 

تدخل المكتب الثاني في الشؤون السياسية للمواطنين» شارك 
فيه شريف فياض في الانتخابات النيابية في جبيل عام 1964. يومها 
كانت مهمته إلى جانب حفظ امن الانتخابات عرقلة وصول مناصري 
المرشح العميد ريمون اده إلى صناديق الاقتراع» وكان العميد اده في 
ذلك الحين من ابرز المعارضين لتدخل المكتب الثاني في الحياة 


515 


السياسية للمواطنين» وبعد تقاعده من الخدمة العسكرية التقى شريف 
فياض بريمون اده؛ واخبره بالمهمة التي كان مكلفأ بها في ذلك الوقت 
صده. 
حرب السنتين - كمال جنبلاط 'انا غير موافق على حركة 
احمد الخطيب" 

في 13 نيسان 1975 اندلعت الحرب في لبنان» وطالت من 
جملة ما طالت وحدة الجيش اللبناني. كانت بداية الانقسام في الجيش 
عندما اعلن الملازم أول احمد الخطيب قيام "جيش لبنان العربي” 
بتحريض من نائب قائد قوات حركة فتح خليل الوزير (أبو جهاد)؛ وفي 
اطار خطتها لضرب وحدة الجيش قامت عناصر من حركة فتح 
باحتلال 'ثكنة الشيخ عبد الله" في بعلبك» والتي كانت تضم مدرسة 
الرتباء ومعهد التعليم وراحت تصدر بيانات بأسم عناصر الثكنة تدين 
سياسة الجيش اللبناني المنحازة للأحزاب اليمينية كما اعلنت بأسمهم 
أيضاً انشاء 'قوات الليطاني" التي جرى حلها فيما بعد والحاقها بجيش 
لبنان العربي. وللوقوف على حقيقة ما يجري في ثكنة الشيخ عبد اللهء 
كلفت قيادة الجيش المقدم شريف فياض تفقد أوضاعها. كانت ابرز 
مشاهدات الرائد فياض في ثكنة الشيخ عبد الله هي ان عناصر الثكنة 
كانوا مغلوبون على امرهم؛ وان البيانات التي كانت تصدر بأسمهم لم 
يكونوا يدرون بها الا بعد صدورهاء وبعد عودته إلى بيروت اجتمع 
المقدم فياض بكمال جنبلاط واطلعه على الوضع في ثكنة الشيخ عبد 
الله» فأبدى جنبلاط تخوفه من ان يكون انقسام الجيش اللبناني» مقدمة 
لدخول الجيش السوري إلى لبنان» بحجة الحفاظ على الامن. مسلسل 
تساقط ثكنات الجيش بأيدي المسلحين؛ لم يلبث ان امتد إلى ثكنة ابلح 
في البقاع والتي ذهب إليها شريف فياض أيضأً مكلفاً من قبل قيادة 
الجيش للأطلاع على أوضاعها. كان الوضع في ثكنة ابلح معقداً 

516 


للغاية وكانت السيطرة فيها هي لرئيس لجنة الارتباط السورية اللبنانية 
العقيد مفتخر الشرعء الذي راح يتدخل في كل المهام العسكرية والامنية 
المنوطة بقيادة الثكنة» ويقوم باتصالات مباشرة مع الفعاليات الشعبية 
والسياسية في منطقة البقاع؛ ويعقد الإجتماعات معهاء كما لعب العقيد 
الشرع دوراً في تسليم مراكز الجيش في البقاع للعناصر الحزبية الموالية 
لسوريا. 
من الجيش اللبناني إلى الجيش الشعبي 

بالرغم من الظروف السيئة التي كان يمر بها الجيش اللبناني 
في بداية الحرب الاهلية» فأن المقدم فياض قرر الاستمرار في عمله 
في وزارة الدفاع بالرغم من تعرّضه لأستفزازات من بعض العسكريين 
الذين غرقوا في بحر الطائفية الاسود» لكن معاندته للظروف المحيطة 
به لم تستمر طويلء فأضطر لمغادرة مركز خدمته بعد ان تأكدت له 
معلومات عن تحضيرات يقوم بها بعض ضباط الجيش لقصف مناطق 
الشوف بالمدفعية» وقد تزامنت مغادرته لوزارة الدفاع مع البيان الانقلابي 
للعميد عزيز الاحدب في 1976/3/11. 

بعد مغادرته لوزارة الدفاع» استقر شريف فياض في منطقة 
الشوف؛ حيث بدأ نشاطا سياسياً وعسكرياً مؤيدأ لكمال جنبلاط؛ فدعا 
ضباط الجيش اللبناني من ابناء منطقة الشوف لإجتماع في قصر 
المختارة والذي صدر بعده بيان يعلن تأييد المجتمعين لمواقف كمال 
جنبلاط؛ وفي اليوم التالي توجه المجتمعون إلى مقر الحزب التقدمي 
الاشتراكي في عاليه» حيث التقوا بكمال جنبلاط» وابلغوه بقرارهم 
الوقوف إلى جانبه في حربه ضد الجبهة اللبنانية. كانت أول مهمة 
للمقدم فياض في كنف كمال جنبلاط هي المشاركة في قيادة 'تجمع 
بعقلين'الذي اعلنه عدداً من ضباط الجيش الدروز المؤيدين لكمال 
جنبلاط» وشاركوا من خلاله في حرب السنتين إلى جانب الحركة 

511 


الوطنية والحزب التقدمي الاشتراكي . 

اخفت الحرب الاهلية اللبنانية تحت معطفها الكثير من 
التناقضات في الميدان بين الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط, 
ومنظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات. ففي حين كان كمال 
جنبلاط يرى ان لا خلاص للبنان من الحرب الاهلية الا بانتصار 
عسكري حاسم تحرزه الحركة الوطنية على "الجبهة اللبنانية", كان ياسر 
عرفات يجد نفسه مُحرجاً في تأييد كمال جنبلاط في موقفه هذاء وذلك 
بسبب تعرضه لضغط من سوريا التي كانت تعارض الحسم العسكري 
في لبنان. خاصة بعد تفاهمها مع الجبهة اللبنانية على دخول جيشها 
إلى لبنان» وهذا ما دفع الرئيس حافظ الأسد إلى ان يقول لكمال 
جنبلاط في آخر إجتماع بينهما: "الكحالة محصنة ياكمال بك وما فيك 
تخترقها", ولكن بالرغم ذلك فأن ياسر عرفات كان حريصاً دائما على 
استمرار تحالفه مع كمال جنبلاط وخاصة ان هذا التحالف كان يمنح 
الفلسطينيين في لبنان تغطية شعبية واسعة يستطيعون استخدامها حيث 
تدعو الحاجة؛ ولكن بالرغم من حرص الطرفين على التحالف بينهماء 
فأن تباينات عديدة ظهرت بين كمال جنبلاط والفلسطينيين في الميدان 
العسكريء والتي كان سببها غياب التنسيق في الخطط العسكرية. وقد 
ظهرت هذه الثغرات بشكل واضح في الهجوم الذي قامت به الحركة 
الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية على محوري الكحالة - عاليه 
والقماطية- بدادون. فمع انطلاق الهجوم جلس كمال جنبلاط في غرفة 
عمليات الحزب التقدمي الاشتراكي في عاليه ينتظر نتائج المعركة» 
وكان طوال الوقت يسمع على اجهزة اللاسلكي صوت المسؤول 
العسكري في حركة فتح المدعو "أبو هاجم" وهو يعلن عن انتصارات 
تحققها قواته في المعركة. فرح كمال جنبلاط بهذه الاخبارء وطلب من 
شريف فياض التوجه الى محاور القتال والاطلاع على الأوضاع عن 


518 


كثبء ولكن المقدم شريف فياض ما لبث ان عاد ليخبر كمال جنبلاط, 
بأن قوات حركة فتح ما تزال في مواقعها السابقة» وانها تخوض المعركة 
على اجهزة اللاسلاكي فقط. 

استطاع الفلسطينيون بإمكاناتهم العسكرية الكبيرة ان يتحكموا 
بالوضع على جبهات القتال» ليقتصر دور احزاب الحركة الوطنية على 
إرسال التعزيزات إلى المحاور عندما يُطلب منهم ذلك؛ لكن هذا الوضع 
قرر ضباط الجيش اللبناني الذين كانوا يقاتلون إلى جانب الحزب 
التقدمي الاشتراكي تغييره» فاقترح شريف فياض على كمال جنبلاط 
انشاء قوات عسكرية خاصة بالحزب التقدمي الاشتراكي تحت اسم 
'قوات التحرير الشعبية". وافق كمال جنبلاط على هذا الاقتراح وطلب 
المباشرة بوضعه موضع التنفيذء لكن بعض القادة الفلسطينيين» حاولوا 
اقناعه بالتخلي عن هذا المشروع بحجة ان قواتهم جاهزة لدعمه في أي 
وقت. كان لتسلم ضباط الجيش قيادة الجبهات في منطقة عاليه اثر 
ايجابي في تغيير طريقة التعاطي مع الواقع الميداني على الارضء» 
فأصبحت الامور تدار بطريقة مؤسساتية» بعد ان كانت تدار على 
الطريقة الشعبية. 
القوات السورية في الجبل 

كان لسياسة امساك العصا من الوسط التي حاول ياسر 
عرفات استخدامها في ادارة علاقاته بين سوريا والحركة الوطنية بعد 
دخول القوات السورية إلى لبنان» اثر في تمكن الجيش السوري من 
الدخول إلى 'صوفر",؛ فبعد ان كان ياسر عرفات قد اعلن وقوفه إلى 
جانب الحركة الوطنية في تصديها للقوات السورية» عاد ولجأ إلى 
مناورة متقنة كان من شأنها السماح للجيش السوري بالوصول إلى 
صوفر من دون ان يخوض اشتباكاً جديا مع المقاتلين الفلسطينيين 
على هذا المحور. فمع بدء تقدم الجيش السوري نحو صوفر طلبت 

519 


حركة فتح من الحزب التقدمي الاشتراكي تزويدها بكامل كمية 
المتفجرات التي كانت موجودة في ثكنة حمانا التابعة للجيش اللبناني» 
وذلك بهدف تفخيخ 'جسر النملية" الذي كان يشكل الممر الوحيد للقوات 
السورية من ضهر البيدر الى صوفر. كانت صدمة كمال جنبلاط كبيرة 
عندما ذهب لتفقد أوضاع مقاتليه في صوفر فأكتشف ان حركة فتح لم 
تقم بتفخيخ جسر النملية كما وعدتء وان كمية المتفجرات الموضوعة 
تحت الجسر لا تكفي لنسف عامود واحد من اعمدته» وبعد عودته إلى 
عاليه اتصل كمال جنبلاط بياسر عرفات وعاتبه بشدة» على عدم 
إلتزامه بالوعد الذي قطعه بتفخيخ الجسر. 

لم تؤد انتقادات جنبلاط لياسر عرفات» إلى تغيير الاخير 
لموقفه من دخول القوات السورية إلى الجبل» ففي الوقت الذي كانت 
احزاب الحركة الوطنية تخوض قتالا ضد القوات السورية في صوفر» 
كان الاستنفار العسكري الفلسطيني في ادنى مستوياته» وكان ياسر 
عرفات يعقد إجتماعاً مع قائد المخابرات الجوية السورية اللواء ناجي 
جميل لتنسيق المواقف بين الطرفين حيث تم الاتفاق على تحييد 
الفصائل الفلسطينية عن معركة الجبل. ادت معركة صوفر إلى خسائر 
فادحة في صفوف القوات السورية الا ان هذه القوات عادت وتمكنت 
من السيطرة على صوفر حيث تابعت بعد ذلك تقدمها نحو بحمدون 
ومنها إلى منطقة "ضهور العبادية الاستراتيجية". ومع تطوير الجيش 
السوري لعملياته في منطقة الجبل» وجدت الحركة الوطنية نفسها في 
موقف صعب خاصة بعد ان احجم الفلسطينيون عن مساندة حلفائهم 
في شكل جدي. وازداد الوضع تعقيدأ مع محاولة الجبهة اللبنانية 
استغلال التقدم السوري نحو الجبلء» للقيام بهجوم لأختراق منطقة 
القماطية» لكن هذه العملية جرى افشالهاء بعد ان تصدت لها قوات 
جيش التحرير الشعبي التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي وتمكنت من 


520 


انزال خسائر كبيرة بالمعتدين. في خضم هذه التطورات اتصل قائد 
القوات السورية في ضهور العبادية الرائد "نايف العاقل" بقيادة الحزب 
الاشتراكي في عاليه» وطلب منها إرسعال موفداً عنها للقائه. رحبت 
القيادة الاشتراكية بهذه المبادرة ولكن احداأً منها لم يبد استعداده للذهاب 
للقاء الرائد" العاقل؛ " فكان ان تطوع شريف فياض للقيام بهذه المهمة. 
وكان كمال جنبلاط في ذلك الوقت مسافراً في القاهرة. عُقد الإجتماع 
بين الرائد نايف العاقل والمقدم شريف فياض في مركز القوات السورية 
في ضههور العبادية. وطلب خلاله الرائد السوري من شريف فياضء» 
بقاء عناصر الحزب الاشتراكي في مواقعهاء حتى وصول القوات 
السورية إليها وتسلم هذه المواقع منهاء وفي المقابل اعلن شريف فياض 
استعداده للتنسيق مع القوات السورية في اثناء عبورها منطقة ضهر 
الوحش باتجاه الكحالة» وتحسبأ لمحاولة القوات اللبنانية استغلال التقدم 
السوري نحو بيروتء للقيام بهجوم على الجبل وارتكاب مجزرة جديدة 
كالتي ارتكبتها في صليماء قام الرائد نايف العاقل بتقديم موعد تحرك 
قواته نحو بيروتء؛ من الساعة الثالثة فجراً إلى الساعة الثانية عشرة بعد 
منتصف الليل. 
من البزة العسكرية إلى العباءة الجنبلاطية 

بعد دخول قوات الردع العربية إلى لبنان» بدات تظهر 
مؤشرات توحي بإمكانية التواصل مجدداً بين كمال جنبلاط والقيادة 
السورية» وقد بأن ذلك واضحاً خلال الزيارة التي قام بها قائد قوات 
الردع العربية في لبنان المقدم سامي الخطيب إلى كمال جنبلاط: 
لأطلاعه على خطة انتشار قوات الردع العربية في الشوف؛ وخلال 
هذه الزيارة المح سامي الخطيب إلى كمال جنبلاط بوجود رغبة سورية 
بالانفتاح عليه مجدداً. وهذا ما جعل كمال جنبلاط يشير اكثر من مرةٍ 
امام بعض المقربين منه من بينهم شريف فياضء إلى وجود بوادر 

521 


حلحلة في ازمة العلاقات بين سوريا والحركة الوطنية» وهو قال في أحد 
المناسبات:" ان سوريا تمثل لنا عمقنا العربي؛ وان لها مصلحة اكثر 
منا في ان تكون علاقتها جيدة بنا". 

اغتيال كمال جنبلاط في 1977/3/16 يحمل شريف فياض 
مسؤوليته للقيادة السورية» وهو يعتبر ان هذا الاغتيال شكل طعنة كبرى 
للقضية الفلسطينية» ذلك ان كمال جنبلاط كان ,أيه ان التباينات بينه 
بين ياسر عرفات مهما كبرتء فانها تبقى صغيرة امام قدسية القضية 
الفلسطينية. هذا الخط لم يشذ عنه وليد جنبلاط» والذي بقي على نهج 
والده في الإلتزام بالقضية الفلسطينية» وقد تجلى هذا التعبير في إطلاقه 
الرصاص في الهواء اثناء وداع ياسر عرفاتء إبان خروجه من بيروت 
بعد الحصار الإسرائيلي عام 1982. 

كان قرار وليد جنبلاط منذ بداية انطلاقته السياسية هو القفز 
فوق الجراح: وإعادة التواصل مع دمشقء ادراكاً منه ان التصدي 
لمؤامرة تقسيم لبنان يتطلب تضافر الجهود مع سوريا". مرحلة وليد 
جنبلاط واكبها شريف فياض منذ بدايتهاء وحتى اليوم ووقف على 
الكثير من أسراراها وتفاصيلهاء وقد وصل به الإلتزام بنهج كمال 
جنبلاط إلى حد تقديم استقالته من الجيش اللبناني» والتفرغ للنضال في 
صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي إلى جانب وليد جنبلاط. 

كانت اولى المهمات التي تولاها شريف فياض في عهد رئاسة 
وليد جنبلاط للحزب التقدمي الاشتراكي» هي إقامة معسكر لتدريب 
المقاتلين الاشتراكيين في منطقة عين زحلتا. كان المعسكر سرياً في 
بداية الأمر وكان التدريب يتم تحت ستار إقامة نشاطات كشفية» وذلك 
مراعاة لوجود القوات السورية في منطقة الشوف» ولكن مع عودة 
الاجواء إلى طبيعتها بين الاشتراكيين والسوريين» أصبحت معسكرات 
التدريب الاشتراكية علنية» كما أصبح هناك ضباط سوريون يقومون 


522 


بتدريب المقاتلين الاشتراكيين» والذي جرى تنظيمهم في تحت اسم 
"جيش التحرير الشعبي- قوات الشهيد كمال جنبلاط 'بقيادة المقدم 
شريف فياض". 

نجح جيش التحرير الشعبي في تنظيم صفوفه خلال فترة 
قصيرة» وكانت اولى المهمات التي تولاهاء هي حفظ الامن في عدد 
من مناطق الجنوبء التي دخلها لوقف الاشتباكات بين حركة امل 
والمنظمات الفلسطينية التي كانت تحصل بين الفترة والأخرى. وصول 
الجيش الشعبي إلى هذا المستوى المتقدم استغله وليد جنبلاط لتوجيه 
رسالة إلى الحليف السوري من اجل وقف تدخلاته في شؤون الاحزاب 
والقوى الوطنية» ففي خلال العرض عسكري الذي اقيم في مدينة عاليه 
بمناسبة الذكرى الخامسة لأستشهاد كمال جنبلاط وشاركت فيه قوات 
كبيرة من الحزب التقدمي الاشتراكي إلى جانئب فصائل أخرى من 
احزاب الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية» القى وليد جنبلاط كلمة 
رفع فيها شعار "القرار الوطني اللبناني المستقل", كما القى ياسر 
عرفات كلمة أيضاً اشار فيها إلى القرار الفلسطيني المستقل» وذلك في 
تناغم بينه وليد جنبلاط حول مسألة العلاقات مع سورياء وكان لافتأ في 
المهرجان قول ياسر عرفات: 'ليأتي مناحيم بيغن! إلى لبنان فنحن 
بانتظاره لنقول له ليس كل الطيور يؤكل لحمها". والذي فسره المراقبون 
بأنه اشارة إلى امتلاك القيادة الفلسطينية لمعلومات» حول عملية كبرى 
تعدها إسرائيل ضد الفلسطينيين في لبنان. 


الاجتياح الإسرائيلي عام 1982- صمود وتراجع 
لم يمض اكثر من ثلاثة اشهرء على خطاب ياسر عرفات في 
عاليه» حتى وقع الاجتياح الإسرائيلي للبنان» حاول الاشتراكيون في 


' رئيس الوزراء الاسرائيلي اثناء اجتياح عام 1982. 
523 


بداية الاجتياح التصدي للجيش الإسرائيلي على محور حاصبياء الا ان 
عدم تكافؤ القوى جعل من هذه المهمة امرأ مستحيلاً. فأصدر قائد 
جيش التحرير الشعبي شريف فياضء تعليمات لعناصره في بلدة 
حاصبيا بالانسحاب إلى منازلهم» والبقاء فيها كمدنيين» وتوفير الجهد 
والسلاح إلى مهام أخرى ضد الإسرائيليين يتم ابلاغهم بها في وقت 
لاحق» كما طلب أيضأ من المسؤولين الاشتراكيين البارزين في حاصبيا 
الانسحاب إلى راشيا وذلك حتى لا يقعوا في قبضة العدو. 

كان واضحاً منذ اليوم الأول للُجتياح» ان حم الهجوم 
الإسرائيلي يتجاوز توقعات القيادة الفلسطينية» والتي كانت تقديراتها ان 
الهدف الإسرائيلي من هذه العملية هو الوصول إلى منطقة شال 
الليطاني؛ وإقامة منطقة امنية عازلة بحدود اربعين كيلومتراً . استطاع 
الإسرائيليون التقدم بسرعة؛ واحكام سيطرتهم على معظم مناطق 
الجنوب وصولاً إلى منطقة نهر الأولي» وفي اطار متابعة مجريات 
المعركة اتصل مسؤولون في الحزب الاشتراكي بغرفة عمليات حركة 
'فتح' للُستفسار عن الوضع في منطقة الأولي؛ فكان الجواب: "تم ابادة 
القوات المهاجمة والمنطقة قد أصبحت نظيفة تماما"؛ ولكن سرعان ما 
تبين عدم صحة هذه المعلومات» وذلك عندما بدأت قوافل المقاتلين 
الفلسطينيين تصل إلى الشوف بعد انسحابها من الجنوب وكان في 
طليعة الواصلين قائد القوات المشتركة اللبنانية - الفلسطينية 0 
"الحاج اسماعيل؛ ' والذي طلب من المقدم فياض تأمين إنتقاله إلى 
منطقة البقاع. لم يكن تأمين إنتقال الحاج اسماعيل إلى البقاع بالطرق 
العادية سهلا خاصة بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على معظم طرقات 
منطقة الشوفء فجرى ادخاله إلى مستشفى عين وزين حيث تم اخفاء 
وجهه واجزاء كبيرة من جسمه بضمادات طبية وتعليق إلامصال في 
يديه وبعد ذلك تم نقله بسيارة اسعاف إلى منطقة البقاع. 


524 


كما وصل أيضاً إلى الشوف نائب قائد قوات الثورة الفلسطينية 
خليل الوزير(ابو جهاد) مع مجموعة من عناصره بعد انسحابهم من 
الجنوبء, وطلبوا التمركز في بعض النقاط الاستراتيجية في الشوف 
للتصدي للعدو الإسرائيلي» فأقترح عليه المقدم شريف فياض وانور 
الفطايري التوجه إلى تلال الدامور والتصدي للجيش الإسرائيلي الذي 
كان يحاول التقدم باتجاه الطريق الساحلية» لكن "ابو جهاد" رفض هذا 
الاقتراح كما رفض اقتراحاً آخر من شريف فياض بإلإنتقال إلى صوفر 
ومحاولة الإمساك بعقدة الطرق هناكء والتي في حال تمكن 
الإسرائيليون من السيطرة عليها فأن طريقهم نحو المتن ستصبح 
مفتوحة؛ وفضل بدلا من ذلك التوجه إلى بيروت والانضمام إلى 
القيادات الفلسطينية هناك؛» وطلب من المقدم شريف فياض المساعدة 
للوصول منطقة خلدة؛ فتمت الاستجابة لطلبه وقام عناصر من 
'الحزب" بمرافقته إلى احراش بلدة عرمون؛ ومن هناك اكمل طريقه مع 
عناصره الى بيروت. 

كانت تقديرات الاشتراكيين» بأن الجيش الإسرائيلي سيحاول 
الدخول إلى الشوف عن طريق محور باتر- جزينء» لذا جرى تفخيخ 
الطريق التي تربط جزين بالشوفء ولكن تفجيرها توقف في اخر لحظة 
وتقرر ابقائها مفتوحة بعد ان فوجئت عناصر الحزب الاشتراكي بقوات 
سورية كبيرة تمر على هذه الطريق بأتجاه جزين» حيث كانت تدور 
اشتباكات بين الجيشين السوري والإسرائيلي. في نفس الوقت كانت قوة 
إسرائيلية كبيرة تتقدم باتجاه منطقة الشوف الاوسطء بعد ان احتلت 
منطقة اقليم الخروب» وكان التصدي لهذه القوة من قبل الحزب 
الاشتراكي مستحيلاًء نظرأً للتفاوت الهائل في حجم القوى. 

اسفرت معركة جزين عن هزيمة القوات السورية» بالرغم من 
المقاومة التي ابدتها على هذا المحور وكان عدد الجنود السوريين 


525 


الناجين من هذه المعركة قليلاً جدأ ومن بينهم قائدهم الذي حضر إلى 
المختارة وطلب تأمين إنتقاله مع من تبقى من عناصره إلى منطقة 
البقاع. في هذه الاثناء كان الإسرائيليون قد احتلوا بلدة عين زحلتاء التي 
تربط الشوف تك قتال مرير مع القوات السورية» وبسقوط عين 
زحلتا أصبح متعذرأ تأمين وصول العناصر السورية إلى البقاع عن 
طريق ضهر البيدر. فكلف شريف فياض أحد عناصر الحزب 
الاشتراكي بمرافقة العناصر السورية إلى أحراج بلدة 'مرستي"؛ والتي 
يوجد في نهايتها منفذ يؤدي إلى البقاع. 

بعد سيطرتهم على الشوف حاول الإسرائيليون التقدم نحو 
منطقة المديرج بهدف قطع طريق بيروت دمشق الدولية» لكن السوريون 
تصدوا لهم واستطاعوا ايقاف تقدمهم عند حدود بلدة اغميدء كما 
استطاع السوريون أيضأ المحافظة على مواقعهم في بلدة العزونية؛ 
وذلك بعد معركة عنيفة استخدموا فيها المروحيات» وتمكنوا خلالها من 
تدمير عددا من الدبابات الإسرائيلية المتطورة» كما استخدم السوريون 
للمرة الأولى في معركة "السلطان يعقوب" دبابات ت 72 السوفياتية 
المتطورة» حيث تمكنوا من انزال خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي» 
وافشال تقدمه على هذا المحور. 
حرب الجبل- القهوة للأوادم فقط فقط 

حاولت القوات اللبنانية بقيادة بشير الجميل» استثمار نتائج 
الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة الشوفء من اجل تغيير المعادلات القائمة 
على الارض وفرض نفسها قوة سياسية وعسكرية وحيدة في الجبل» 
وبهدف تحقيق هذه الغاية قامت"القوات اللبنانية بافتتاح مكاتب مسلحة 
لها في معظم القرى المسيحية في 'الشوف" واقامت الحواجز على 
الطرقات الرئيسية» وذلك في محاولة لعزل القرى الدرزية عن بعضها 
البعضء كما قامت أيضأ بوضع يدها على دوائر الخدمات العامة في 

526 


سرايا بيت الدين بغية التحكم بمصالح المواطنين الدروز؛ كما راحت 
تحرض الإسرائيليين على جمع السلاح من القرى الدرزية» والتي رفض 
سكانها تسليم اسلحتهم. 

امام هذا الخطر المحدق بالجبل كان لابد للأهالي من الخروج 
بموقف موحدء فتنادت الفعاليات الدرزية في الشوف إلى عقد إجتماع 
لها قصر المختارة برئاسة وليد جنبلاط قررت فيه رفض التعامل مع 
إسرائيل واعوانها مهما كانت الظروف. 

لم يتأخر الإسرائيليون في الرد على هذا الإجتماع فحضروا في 
اليوم التالي إلى قصر المختارة بآلياتهم. كان شريف فياض قد حضر 
في ذلك النهار الى قصر المختارة للإجتماع إلى وليد جنبلاط وبينما 
كان يتمشى في الحديقة مع انوا الفطايري دخل عليهما ضابط إسرائيلي 
وطلب منهما ابراز هويتهماء وبعد ذلك طلب الضابط الإسرائيلي من 
جميع الموجودين في القصر الخروج والتجمع في الحديقة» فخرج اولآً 
العاملين في القصر ثم خرج بعد ذلك وليد جنبلاط ووالدته "مي" وجلس 
الجميع على المقاعد تحت شجرات 'السرو". فيما وقف الضابط 
الإسرائيلي وجنوده قبالتهم شاهرين اسلحتهم» في هذه الاثناء حضر 
عامل الضيافة في قصر المختارة "انيس سلوم" وهو يحمل صينية 
القهوة وعندما حاول ان يضيف الضابط الإسرائيلي نهرته السيدة مي 
قائلة: "انيس القهوة للأوادم فقط'؛ ثم وقفت ودخلت إلى القصر ودخل 
معها ابنها وليد. بعد ذلك طلب الضابط الإسرائيلي التحدث إلى وليد 
جنبلاط على انفراد ودخل واياه إلى إحدى غرف القصر. في هذه 
الاثناء اقتربت شاحنة إسرائيلية من بوابة القصر وراح الجنود 
الإسرائيليون ينقلون الاغراض التي كانت على ظهرها إلى شاحنة 
أخرى» فساد الاعتقاد عند المتواجدين في القصرء ان الإسرائيليين 
ينوون اعتقالهم جميعأء لكن هواجسهم ما لبثت ان تبددت بعد ان 


527 


شاهدوا الضابط الإسرائيلي» يخرج من داخل القصرء ويطلب من 
عناصره الاستعداد للمغادرة. 
حكم بالاعدام في عاليه 

مصائب الاجتياح الإسرائيلي لاحقت شريف فياض الى عاليه» 
والتي كان قد قصدها في مهمة حزبية» وبينما كان يقف مع اكرم 
شهيب على شرفة مركز الحزب الاشتراكي» شاهدا عدد من الآليات 
الإسرائيلية تتوقف بالقرب من المركزء» وينزل منها عناصر من القوات 
اللبنانية» ويدخلون عليهم ويطلبون من جميع الموجودين في المركز 
الخروج والوقوف بجانب الحائط على الطريق العام؛ من ثم قاموا بتلقيم 
رشاشاتهم استعداداً لتصفية المعتقلين» ولكن قبل ان يباشروا بإطلاق 
النار عليهم»؛ امر مسؤول المجموعة القواتية بإطلاق سراح "الشيخ 
سلمان المصري", وهو رجل دين درزي كان من بين المعتقلين» ولكن 
الشيخ سلمان اصر على البقاء مع رفاقه وقال للمسؤول القواتي: “يا 
منعيش سوا أو منموت سوا", وفيما كان الشيخ "المصري" يتجادل مع 
المسؤول القواتي بصوت عال حضر ضابط إسرائيلي لإستيضاح ما 
يجري» وعندما شاهد رجل دين درزي طلب من جميع المعتقلين ابراز 
هوياتهم» ولما تبين له انهم ليسوا فلسطينيين كما ادعت عناصر القوات 
اللبنانية امر بإطلاق سراحهم» لكن اكرم شهيب طلب منه السماح لهم 
بالدخول إلى فرع أحد المصارف القريبة في المنطقة» والبقاء فيه لحين 
مغادرة عناصر القوات اللبنانية المنطقة» وكان الإسرائيليون يخشون من 
ان يؤدي اقدام "القوات” على تصفية اشخاص من الطائفة الدرزية إلى 
حدوث مشاكل خطيرة تؤثر على امنهم في الجبل. 

بعد ان امضوا عدة ساعات في المصرفء تاكدوا خلالها من 
ان عناصر القوات اللبنانية قد غادرت المنطقة» خرجت العناصر 
الاشتراكية من المصرف وتوجه كل منها في طريقء وفيما كان شريف 

58 


فياض واكرم شهيب يحثان الخطى باتجاه سوق عاليه الرئيسيء التقوا 
بسيارة كان بداخلها عناصر من القوات اللبنانية. تعرف احدهم عليهماء 
وطلب من السائق اللحاق بهما الا انه في تلك اللحظات مرت قافلة 
إسرائيلية من امام السيارة القواتية» مما اضطر سائقها للتخفيف من 
سرعته» فكانت فرصة لأكرم شهيب وشريف فياضء لسلوك طريق 


فرعية وبذلك نجيا من موت محتم. 
القوات في ثكنة بيت الدين وصاعق النزاعات ينفجر بتوقيت 
إسرائيلي 


كانت أحد اهداف الغزو الإسرائيلي للبنان» هي تحويله إلى 
ساحة منتجة للأّزمات والفوضىء مما يفتح المجال واسعا امام خيار 
التقسيم ويؤمن بيئة حاضنة له. بدأ الإسرائيليون مشروعهم الفتنوي في 
منطقة الجبلء» بالدخول إلى ثكنة الجيش اللبناني في بيت الدين» حيث 
قاموا بطرد عناصرها ومصادرة اسلحتهم واعتقال أحد ضباط الثكنة 
النقيب انور البعيني؛ بعد ذلك قاموا بتسليم الثكنة إلى مجموعة من 
القوات اللبنانية بقيادة "المدعو 'ناجي بطرس"» وقبل ذلك كانت 
عناصر من القوات اللبنانية قد وضعت حاجزاً لها بين ثكنتي الامير 
قاسم والامير أمين التابعتين للجيش اللبناني في بيت الدين. ولما لم 
تنفع المراجعات برفع هذا الحاجز قامت عناصر من الجيش اللبناني 
بأزالته بالقوة. 

واستتكاراً لممارسات عناصر القوات اللبنانية في الجبل دعا 
اهالي الشوف إلى اضراب عام. احرجت الدعوة إلى الاضراب 
الإسرائيليين» فراحوا يجوبون قرى الشوف بألياتهم عارضين على 
الاهالي مساعدتهم في تعليق اليافطات التي تستنكر ممارسات القوات 
اللبنانية في الجبلء لكن الاهالي الذين رفضوا مساعدة الإسرائيليين لهم» 
واكملوا تحركاتهم الاحتجاجية وحدهم. كانت ردة فعل القوات اللبنانية 

529 


على الاضراب هي استقدام المزيد من التعزيزات إلى منطقة الشوف. 
وتكثيف الحواجز على الطرقات وخطف عدد من المواطنين الذين ما 
زال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم» وازاء ذلك كله شعر اهالي الشوف ان 
الكيل قد طفح. وانه لا بد من وضع حد لممارسات عناصر القوات 
اللبنانية بكل الوسائل المتاحة» فكانت المواجهة الأولى في بلدة 'كفرحيم'. 
حيث تصدى الاهالي لقافلة للقوات اللبنانية كانت تمر على الطريق العام 
للبلدة» فاطلقوا عليها النار وقتلوا عددا من عناصرهاء وخطفوا الباقين وكان 
من بين المخطوفين شابان من بلدة بريح لم يعثر لهم على اثرء الأمر 
الذي اضاف تعقيدات إلى ملف المصالحة في بريح. 

صب زيت الفتنة على نار الانقسامات الطائفية» تفوق 
الإسرائيليون في التفنن به» وكانت أحد افعالهم في هذا المجال» هي 
قيام دبابة تابعه لهم كانت متمركزة في محلة "المغيرة"» بإطلاق النار 
على مواقع القوات اللبنانية في بلدة المشرف,ء وذلك بهدف استدراج 
القوات اللبنانية للرد بقصف القرى الدرزية» مما كان سيؤدي إلى اشعال 
معركة بين 'القوات" والاشتراكيين على محور الشوف الساحليء تكون 
نتيجتها اقفال القوات اللبنانية للطريق للساحلية» واندفاع اهالي الشوف 
لفتح هذه الطريق بالقوة؛ مما يعني تهجير اهالي الدامور مجدداًء لكن 
المخطط الإسرائيلي فشل بسبب امتناع القوات اللبنانية عن قصف 
القرى الدرزية من جهة؛ ومسارعة المقدم شريف فياض من جهة ثانية» 
إلى الطلب من عضو قياة الحزب التقدمي الاشتراكي 'جوزف القزي' 
الاتصال بكل من الرئيس كميل شمعون والمطران ابراهيم الحلو مباشرة 
أو بواسطة رئيس بلدية القمر جورج ديب نعمة؛ واطلاعهم على 
المخطط الإسرائيلي لتفجير المنطقة. وبنتيجة انكشاف المخطط 
الإسرائيلي» ساد الهدوء على محور الشوف الساحلي لفترة طويلة من 
الزمن. 


530 


بعد ان تم افشال المخطط الإسرائيلي لتفجير الأوضاع في 
منطقة ساحل الشوفء بدأت تلوح بوادر فتنة في 'بريح”» وذلك عندما 
قامت "القوات اللبنانية بالدخول إلى الحي المسيحي في البلدة» حيث 
راحت تمارس من هناك اعمال القنص والقصف باتجاه الاحياء الدرزية 
لبريح. وبعد ان فشلت كل المحاولات التي قام بها عقلاء البلدة ومعهم 
المطران اغناطيوس رعدء في اقناع عناصر القوات اللبنانية بوقف هذه 
الممارسات؛ قام الحزب التقدمي الاشتراكي بعملية عسكرية سيطر فيها 
على مواقع القوات اللبنانية في بريح» لكن هذه السيطرة لم تدم طويلاً 
اذا سرعان ما اعاد الإسرائيليون عناصر القوات إلى مواقعهم السابقة» 
وقاموا بتأمين الحماية لهم؛ الأمر الذي دفع وليد جنبلاط إلى الاتصال 
بشريف فياض من دمشقء والطلب منه حسم المعركة في بريح» ولكن 
المقدم فياض لم يوافقه الرأي» ونصحه بغض النظر عن الموضوع 
مرحلياً. وذلك مخافة ان يقوم الإسرائيليون بعد سقوط بريح بنقل الفتنة 
إلى منطقة أخرىء قد لا تكون الظروف الميدانية فيها لصالح الحزب 
التقدمي الاشتراكي. وسرعان ما اثبتت هذه النظرية صوابيتهاء وذلك 
عندما قام قائد القوات اللبنانية في الجبل 'سمير جعجع" بجولة له على 
مواقع القوات اللبنانية في بريح؛ لمس خلالها ان الوضع العسكري على 
هذا المحور ليس لمصلحته؛ فكان ان طلب من الفعاليات المسيحية في 
بريح» الاتصال بأبناء بلدتهم من الدروز والبحث معهم في إمكانية 
اعلان هدنة مفتوحة في بريح. وافق دروز بريح على اقتراح جعجع 
ولكنهم اشترطوا اولا انسحاب العناصر القواتية الغريبة عن البلدة"» وبعد 
انسحاب هذه العناصر توقفت الاعمال الحربية في بريح» واستمر 
الهدوء سائدأ حتى انسحاب القوات الإسرائيلية من الجبل في ايلول 
3 حيث تم التوصل بعد هذا التاريخ إلى اتفاق على خروج من 
تبقى من عناصر القوات اللبنانية في بريح بمواكبة الحزب الاشتراكي. 


531 


اذا كان الهدوء قد ساد محور بريح لفترة من الزمن فأن الوضع 
لم يكن مثله على بقية محاور الجبل خاصة:؛ فمع تولي سمير جعجع 
قيادة القوات اللبنانية في الجبل ازداد الوضع توترأ على كافة المحاور 
ووصل إلى ذروته في اعقاب مجزرة "دير دوريت" في ايار عام 
3 . بدأت القصة باغتيال أحد المشايخ الدروز بلغم اثناء عمله في 
حقله في خراج بلدة 'سرجبال": وكان الشيخ المذكور قد تلقى قبل 
مصرعه انذاراً من القوات اللبنانية بعدم المجيء إلى حقله. 

اشعل اغتيال رجل الدين الدرزني موجة غضب عارمة في 
انحاء الشوف»ء فانتشرت الحواجز على الطرقات التي راحت تدقق في 
هويات المواطنين. فحذر الحزب الاشتراكي الاهالي الدروز من سلوك 
طريق دير دوريت بسبب وجود حاجز للقوات اللبنانية كان يوقف 
المواطنين» لكن بعض هولاء المواطنين لم يلتزم بهذا التحذيرء فعلق 
بشبكة الخطف القواتية في دير دوريت. وبعد ان تجمع لديها عدد من 
المخطوفين الدروزء قامت عناصر "القوات" باقتياد عدد منهم إلى تحت 
جسر دير دوريت حيث اقدمت على تصفيتهم طعناً بالحراب في 
صدورهم ورقابهم. وقد شاء القدر ان يبقى أحد المطعونين على قيد 
الحياة» لكنه تظاهر بالموت واستطاع ان يزحف باتجاه بلدة كفرحيم 
حيث اخبر الاهالي بما حصل معه؛ فكانت ردة فعل أهالي الضحاياء 
هي ان اقدموا على خطف ثمانية مواطنين مسيحيين وقاموا بتصفيتهم. 

بعد هاتين الحادثتين المروعتين» تسارعت الاتصالات لتهدئة 
الوضعء فتم الاتفاق على إطلاق سراح المخطوفين من الجانبين» 
وتسليم جثث الضحايا إلى الصليب الاحمرء هذا وروى بعض 
المخطوفين الدروز بعد إطلاق سراحهم انه على اثر خطفهم جرى نقلهم 
إلى بلدة 'عين تراز" حيث القى بهم سمير جعجع 'محاضرة عن اهمية 
التعايش الدرزي المسيحي في الجبل"؛ ختمها قائلاً: "يجب ان تعرفوا 


532 


اننا نحن حكام المنطقة". كان لأحداث هذا النهار المشؤوم مفاعيل 
سلبية هائلة على التعايش الدرزي المسيحي في منطقة الجبل؛ فتصاعد 
الحقد الطائفي عند الطرفين بشكل غير مسبوق» ووصلت التعبئة في 
اوساط الطائفة الدرزية إلى ذروتهاء وأصبح الجميع يعتبرون انفسهم 
معنيين بالمعركة؛ بعد ان كان هناك من يحاول ان ينأى بنفسه عنهاء 
معتبر انها تخص الاشتراكيين وحدهم. 
معركة المطلة: "الضربة الموجعة" 
بقيت منطقة اقليم الخروب في الفترة الأولى لأحداث الجبل 
تنعم بهدوء نسبي وكانت هذه المنطقة تعتبر تاريخياً مؤيدة لكمال 
جنبلاط؛: والذي كان ينال نسبة كبيرة من اصوات اهلها المسيحيين 
والمسلمين في الانتخابات النيابية» وفي ظل هذا الهدوء بقيت الطرقات 
مفتوحة بين قرى اقليم الخروب المسيحية ومنطقة الشوف الاوسط التي 
تسكنها اغلبية درزية» وظل الاهالي في الشوف الاوسط يرسلون اولادهم 
للتعلم في مدرسة الراهبات في المطلة في منطقة اقليم الخروب» ولكن 
هذا الهدوء لم يرق للقوات اللبنانية فقررت ان تطوي صفحته وتفتح 
صفحة جديدة من الاحداث والتوترات في منطقة اقليم الخروب؛ وكان 
أول سطر لها في هذه التجربة» هو يوم السادس من ايار عام 1983. 
في ذلك النهار التقطت اجهزة التنصت التابعة للحزب التقدمي 
الاشتراكي في بلدة بعقلين»ء صوت ضابط في القوات اللبنانية» كان يفيد 
قيادته على جهاز اللاسلاكي؛ بأنه قد وصل إلى نقطة "المنشرة"؛ فأتاه 
الأمر بمتابعة التقدم. للوهلة الأولى ساد الاعتقاد عند الحزب التقدمي 
الاشتراكي» بأن هناك محاولة تسلل من بيت الدين باتجاه بلدة بعقلين» 
والتي يوجد على اطرافها منشرة خشب قديمة» وبعد إرسال عناصر من 
الاستطلاع؛ تبين انه ليس هناك أي عملية تسلل من بيت الدين باتجاه 
533 


ظل المشهد غامضاً والترقب سيد الموقف؛ حتى لحظة سماع 
اصوات إطلاق نار عند محلة "جسر بيزون"؛ الذي يقع في اسفل بلدة 
غريفة ويفصل بين منطقتي اقليم الخروب والشوف الاوسط؛ وسرعان 
ماتبين ان عناصر من القوات اللبنانية قد تسللت من مواقعها في اقليم 
الخروب» وسيطرت بالنار على نقطة المراقبة الاشتراكية عند محلة 
جسر بيزون الواقعة في اسفل بلدة "غريفة" مما اضطر عناصر الحزب 
الاشتراكي للأنسحاب بعد اصابة الضابط المسؤول عنهم. بعد ذلك 
تابعت القوات اللبنانية تقدمها وتمركزت على أحد التلال المشرفة على 
بلدة غريفة» حيث توجد منشرة خشب قديمة» وفي نفس الوقت قامت 
مجموعة قواتية أخرى باحتلال تلال بلدة حصروتء والتي كانت خالية 
من المقاتلين. 

شعر الحزب التقدمي الاشتراكي بالخطر ازاء سيطرة القوات 
اللبنانية على تلال حصروت, والذي كان يعني عزل اقليم الخروب عن 
الشوف. فاتصل على الفور شريف فياض بقائد القطاع العسكري في 
الحزب الاشتراكي في اقليم الخروب علاء الدين ترو' الذي حضر إلى 
بعقلين سيراً على الاقدام سالكأ طريق الاودية» حيث تم الاتفاق بين ترو 
وفياض على القيام بهجوم سريع لأسترداد تلال حصروت. نجح علاء 
ترو في استرداد تلال حصروت كما نجحت عناصر الحزب الاشتراكي 
في الشوف في استرجاع نقطة جسر بيزون» وهذا وقد كان لمحاولة 
القوات اللبنانية احتلال جسر بيزونء ردة فعل كبيرة عند اهالي الشوف» 
النين تنادوا للدفاع عن بلدة غريفة» وفيما هم محتشدون في البلدة 
استعداداً للإنتقال إلى الجبهة؛ وصل الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين” 
لشد أزرهمء والذي كان لوصوله اثر كبير في ارتفاع معنوياتهم. هذا وقد 


' نائب حالي في البرلمان اللبناني. 
2 أحد كبار المراجع الروحية في الطائفة الدرزية. 
534 


تبيّن فيما بعد أن القوات اللبنانية كانت قد تحضرت جيداً لهذه المعركة, 
وهي ارسلت لهذه الغاية رئيس شعبة عملياتها فؤاد أبو ناضر على راس 
مجموعة من قوات النخبة إلى منطقة اقليم الخروب للقيام بهذه المعركة. 

لم تدم نشوة الانتصار عند الاشتراكيين بعد معركة اقليم 
الخروب طويلاً» فبعد ايام قليلة على دحرهم للهجوم القواتي» عادت 
لتحل بهم نكسة ثقيلة على المحور نفسه. 

وذلك عندما جرى اعداد خطة عسكرية على عجل من قبل 
بعض المسؤولين العسكريين في الحزب لأقتحام بلدة المطلة. والتي كان 
من المفروض ان يسبقها عملية استطلاع لحجم القوى المعادية على 
الارضء لكن شيئاً من هذا لم يحصل. مما ادى إلى فشل عملية 
الاقتحام» وتكبد المهاجمين خسائر فادحة في الارواح؛ كان من بينهم 
قادة الهجوم وهم 'كميل نمور ونصير ذبيان واسعد حماد". وكان 
المهاجمون قد فوجئوا بقوة إسرائيلية عند مفرق جسر بيزون كانت 
مهمتها حماية مواقع القوات اللبنانية في المطلة فأقدموا على على نزع 
اسلحة عناصرهاء الذين هربوا باتجاه مركز القوات اللبنانية في المطلة» 
وقاموا باعلام المسؤول عنه بتحركات الاشتراكيين في المنطقة» وعلى 
الفور قامت القوات اللبنانية باستقدام تعزيزات اضافية إلى ارض 
المعركة؛ واستطاعت احتواء الهجوم الاشتراكي ودحره. 
الشيخ محمد أبو شقرا: منزلي ليس مصيدة 

لم تحجب نيران المعارك في الجبل الاتصالات السياسية 
لأيجاد تسوية تضع حداأً للحرب. وكانت أحد الاقتراحات المطروحة هي 
تسلم الجيش زمان الامن في الجبل. لكن الاشتراكيين رفضوا دخول 
الجيش إلى الجبل قبل حصول وفاق سياسي بين الاطراف المتصارعة» 
وكان سبب اصرارهم على هذا الشرط هو معلومات وصلت إليهم تقول 
بأن الجيش اللبناني لن يكون متوازتاً في تعامله مع جميع الفرقاء في 

535 


الجبل» وانه في مقابل تشدده مع الحزب التقدمي الاشتراكي وحلفائه» 
فأنه سيكون متساهلاً مع القوات اللبنانية في المنطقة الشرقية إلى 
اقصى الحدود. 

انتشار الجيش في الجبل من دون وفاق سياسي» عارضه 
أيضاً قائد القوة المكلفة بالانتشار في الجبل العميد محمود طي أبو 
ضرغم, وهو ابلغ موقفه هذا إلى قائد الجيش العماد ابراهيم طنوسء» 
والذي كان قد ابقى على ارتباط القوى العسكرية الموجودة في الجبل به 
مباشرة من دون المرور بقائد منطقة جبل لبنان العميد محمود طي أبو 
ضرغم. وكان الحزب التقدمي الاشتراكي قد رصد قبل الانسحاب 
الإسرائيلي من الجبل» مدفعية الجيش اللبناني اكثر من مرةء وهي 
تشارك القوات اللبنانية في عمليات القصف على القرى الدرزية في 
الشوف وعاليه. وفي اطار سياسته المتحيزة للقوات اللبنانية قام الجيش 
اللبنانئي بنقض الاتفاق مع الحزب التقدمي الاشتراكي والذي دخل 
بموجبه إلى الشحار الغربي في ايلول عام 1982. والذي كان ابرز 
شروطه عدم قيام الجيش بأي عملية مداهمة لمراكز الاحزاب الوطنية 
في الشحار الغربي واحتفاظ الحزب الاشتراكي بتلة "المطير" 
الاستراتيجية على تلال بلدة عبيه» حيث قام بشن هجوم على تلة 
'المطير".: ولكن الحزب الاشتراكي والاهالي تمكنوا من افشاله واسر 
عدد من الجنودء قبل ان يعود الجيش ويتمكن من احتلال 'تلة المطير" 
بواسطة المغاوير. 

وازاء هذه التحديات الامنية والسياسية شعر الجميع بضرورة 
البحث عن مخرج وخاصة في ظل الحديث عن اقتراب موعد الانسحاب 
الإسرائيلي من منطقة الجبل» فاتصل رئيس الجمهورية أمين الجميل 
بشيخ عقل طائفة الدرزية محمد أبو شقرا وبحث معه موضوع إرسال 
الجيش إلى الجبل حيث جرى الاتفاق على زيارة يقوم بها وفد وزاري 


536 


إلى دارة شيخ العقل في في بعذران لأستكمال البحث في هذا الملف. 
وبناء عليه توجه الوزراء "عدنان مروة وبيار خوري وعادل حمية" إلى 
منطقة الشوف للإجتماع إلى شيخ العقل» اثارت هذه الزيارة والتي لم 
يسبقها تنسيق مع وليد جنبلاط امتعاضأً كبيراً في اوساط الاشترا 
فأقدموا على احتجاز الوزراء الثلاثة بعد خروجهم من دارة الشيخ محمد 
أبو شقراء واقتادوهم إلى قصر المختارة. ' وذلك في رسالة واضحة لمن 
يعنيهم الأمر بأن الاتصالات السياسية في الطائفة الدرزية» يجب ان 
تمر اولاً عبر وليد جنبلاط. 

احدث احتجاز الوزراء الثلاثة ردة فعل عنيفة عند شيخ العقل» 
والذي اعتبر ان عملية الخطف هذه موجهة ضده بالدرجة الأولى؛ 
فحضر إلى قصر المختارة وخاطب المسؤولين الاشتراكيين بلهجة قاسية 
قائلاً: 'بيتي ليس مصيدة لضيوفي"؛ كما حضرت أيضأ إلى قصر 
المختارة الاميرة خولة ارسلان! وطلبت لقاء الوزراء المحتجزين فكان لها 
ما ارادت. استمر احتجاز الوزراء الثلاثة لليلة واحدة اطلق سراحهم 
بعدها بعد ان جرى تسليمهم ورقة إلى رئيس الجمهورية تتضمن مطالب 
الطائفة الدرزية الاصلاحية والخدماتية» وفيما كان الوزراء يهمون 
بمغادرة قصر المختارة حضرت قوة إسرائيلية» وطالبت باستلام الوزراء 
تمهيداً لتسليمهم إلى الحكومة اللبنانية» لكن الوزراء الثلاثة رفضوا 
مرافقة الإسرائيليين لهم بعد ان قالوا لهم بأنهم:'لم يكونوا مخطوفين بل 
ضيوفا عند وليد جنبلاط» وانهم سيعودون إلى بيروت وحدهم'. 
الانسحاب الإسرائيلي من الجبل - المعركة الفاصلة 

مع اقتراب موعد الانسحاب الإسرائيلي من الجبل» شعر 
الجميع بأن المعركة الفاصلة قد اقتربت؛ وبدأوا يستعدون لها. كانت 
خطة القوات اللبنانية والجيش اللبناني هي السيطرة على منطقة الشحار 
' والدة النائب والزعيم الدزري طلال ارسلان. 

537 


الغربي وجسر القاضي مما يفتح الطريق امام الجيش للوصول إلى بلدتي 
رشميا وشرتون» وبالتالي يصبح الشوف كله مهدداً بالسقوط بأيدي الجيش. 
وفي نفس الوقت تقوم القوت اللبنانية باحتلال تلال صوفر وشانيه: 
والاطباق على مدينة عاليه من جهتي بحمدون وسوق الغرب. 

في صبيحة يوم الثالث من ايلول عام 1983 بدأ الإسرائيليون 
الانسحاب من الجبلء فقاموا اول باخلاء مواقعهم في منطقة عاليه؛ فيما 
ابقوا على تواجدهم في منطقة الشوفء وذلك حماية لقواتهم اثناء 
عبورها الطريق الساحلية باتجاه منطقة نهر الأولي وما ان أصبح الجبل 
خالياً من الإسرائيليين حتى اندلع قتال عنيف بين القوات اللبنانية 
والحزب التقدمي الاشتراكي على محور بحمدون- صوفر. 

بدأت المعركة بعمليات كر وفر بين الطرفين على تلال شانية 
ومنصورية بحمدونء والتي كان الإسرائيليون قد قاموا بتسليمها إلى 
القوات اللبنانية قبل انسحابهم من الجبل. واستمر القتال متكافئاً حتى 
ساعات ما بعد الظهر تبين بعدها للحزب الاشتراكي» انه قادر على 
حسم المعركة خاصة بعد ان تمكن من احتلال تلال شانيه والمنصورية 
حيث سقط له عدد كبير من المقاتلين» وفيما كانت المعارك محتدمة 
اتصل ضابط إسرائيلي بشريف فياضء وابلغه بأنه يسمع لهجة سورية 
تصدر من الدبابات المشاركة في المعركة» وطلب بسحب هذه 
الدبابات» والا فأنه سيعمد إلى تدميرهاء وكانت هذه الدبابات تخص 
الحزب التقدمي الاشتراكي وهو كان قد حصل عليها من حركة فتح 
(لانتفاضة) قبل اسابيع قليلة من المعركة. وقد كان لهذه الدبابات اثر 
كبير في سير المعارك في بحمدون وذلك بعد ان تمكنت مدفعيتها من 
تأمين التغطية للعناصر التي قامت بالتسلل إلى ساحة بحمدون» حيث 
نصبت كميناً لقافلة من الاسلحة المضادة للدروع تابعة للقوات اللبنانية» 
كانت في طريقها إلى الجبهة مما ادى إلى تدميرها. شكل تدمير هذه 


538 


القافلة ضربة موجعة للقوات اللبنانية اجبرتها على اتخاذ القرار 
بالانسحاب من بحمدونء وفي الوقت الذي كانت فيه جبهة بحمدون 
تشهد اعنف المعارك» قام الاشتراكيون والاهالي بفتح جبهة جديدة في 
منطقة الحرفء وبالرغم من ان القوات اللبنانية قد اخذت على حين غرة 
على هذه الجبهة؛ الا أنها قاومت بشراسة وخاصة في منطقة جبل 
"الجعايل"؛ واستطاعت تأخير التقدم الاشتراكي عدة ساعاتء لكنها في 
النهاية اضطرت للأنسحاب؛ تحت وطأة القصف المدفعي الشديد من 
منطقة المتن الاعلى» وبسقوط منطقة الحرف؛ أصبحت الطريق مفتوحة 
امام المهاجمين للوصول إلى رشميا وبسرين» مما زاد في ضعضعة 
القوات اللبنانية واجبر سمير جعجع على تسريع الانسحاب إلى دير 
القمرء وذلك قبل ان تصبح كل الطرقات مقطوعة؛ ويصبح الوصول 
إلى دير القمر متعذرأ . 
الشحار الغربي في قبضة القوات اللبنانية والسوريون 
يدخلون المعركة 

في موازاة التقدم الذي كان يحرزه الحزب التقدمي وحلفائه في 
منطقة بحمدونء كانت قواته تسجل تراجعاً على جبهة الشحار الغربي» 
وذلك تحت ضغط الهجوم الكبير الذي كان يقوم به الجيش اللبناني 
والقوات اللبنانية على هذا المحورء وكان الإسرائيليون قبل انسحابهم من 
منطقة الشحار الغربي قد قاموا بتسليم مواقعهم الحصينة على التلال 
الحاكمة في الشحار الغربي إلى القوات اللبنانية» مما صعب على 
الاشتراكيين مهمة الدفاع عن مواقعهم» وخاصة بعد سقوط تلة "مطير 
عبيه" الاستراتيجية بيد الجيش اللبناني. 

كانت كفرمتى هدفا رئيسيا للهجوم الذي قام به الجيش والقوات 
اللبنانية» والذي ادى إلى تراجع المدافعين عنها إلى تلال عبيه» وفيما 
كانت المواجهة على اشدها اتصل المسؤول العسكري الاشتراكي في 

53 


كفرمتى'بهجت الحكيم 'بالمقدم شريف فياضء وابلغه بنيته القيام بهجوم 
معاكس لأستعادة المواقع التي خسرهاء لكن المقدم فياض طلب منه 
التريث» والبقاء مع عناصره في الخنادق؛ بانتظار ان يبدأ السوريون 
عمليات القصف على مواقع الجيش والقوات اللبنانية» والتي كان تنتظر 
وصول مصحح الرمي السوري إلى بيصورء لكن بهجت الحكيم لم يلتزم 
بتعليمات شريف فياضء وقام مع عناصره بالخروج من مواقعهم حيث 
خاضوا معركة غير متكافئة خسروها وقضى فيها "الحكيم" نحبه؛ 
وبخسارة الحزب الاشتراكي لهذه المواجهة» أصبحت الطريق مفتوحة 
امام القوات اللبنانية والجيش اللبناني للوصول إلى عبيه والبنيه. 

حاول الاشتراكيون استعمال مدفعيتهم في الشوف من اجل منع 
سقوط الشحار الغربيء؛ ولكن القوات الإسرائيلية منعتهم من ذلك؛ مما 
اعطى القوات اللبنانية والجيش اللبناني فرصة لأكمال تقدمها والسيطرة 
على عين كسور ونتيجة لذلك أصبحت قبرشمون مهددة بالسقوط والتي 
كان سقوطهاء يعني تمكن القوى المعادية من ربط منطقة الشحار 
الغربي بسوق الغرب عن طريق عيناب وشملان وعزل القوات 
الاشتراكية نهائيا عن طريق الساحل. 

خطر سقوط قبرشمون واجهه الاشتراكيون» بطلب المساندة من 
المدفعية السورية» التي قامت بتوجيه ضربات عنيفة وقاسية للجيش 
اللبناني والقوات اللبنانية ادت إلى افشال الهجوم الذي كانا يقومان به 
على قبرشمون؛ الأمر الذي اعطى الاشتراكيين فرصة لإعادة تنظيم 
دفاعاتهم في قبرشمون والبساتين. وبعد ان سيطرت القوات اللبنانية 
على قرى الشحار الغربي؛ قامت بأرتكاب مجازر وحشية بحق 
المدنيين» كما قامت أيضاً بتفجير المقامات الدينية للطائفة الدرزية في 
عبيه. وفي ردة فعل على مجازر الشحارء قامت عناصر من الحزب 
الاشتراكي» بارتكاب اعمال قتل وتفجير بيوت وكنائس في بعض القرى 


50 


المسيحية التي كانت قد سيطرت عليها. 

معركة الشحار اعتبرها وليد جنبلاط اولوية بالنسبة له» وهو 
طلب من شريف فياض وقف العمليات على جبهة الشوف» وتوجيه 
الجهد نحو إنقاذ الشحار الغربي» لكن فياض خالفه الرأي» وقال له 
عندما التقاه في عين دارة بحضور جورج حاوي: "لا تقدم عناصرك 
قرابين في معركة خاسرة استغل نجاحك حيث قواتك تحقق وتحرز 

بعد سقوط بلدة كفرمتى أصبح هناك خطر جدي من قيام 
الجيش اللبناني والقوات اللبنائية بمحاولة للتقدم نحو جسر القاضي 
وشرتون ورشمياء الأمر الذي كان من شانه ان يشكل تهديداً جديا 
لمنطقة الشوفء مما دفع الحزب الاشتراكي إلى حشد قوات كبيرة على 
هذا المحور وزرع عدد كبير من الألغام» ولكن الهجوم المنتظر لم 
يحصل وبق هذا الفحورا خعل:قان: حت البتنادة الشيهان القرمى عاد 
4. 

قدم السوريون دعماً كبيرا للحزب التقدمي الاشتراكي في حرب 
الجبل. فهم كانوا قبل الانسحاب الإسرائيلي من الجبل يقومون بإرسال 
الاسلحة إلى الحزب الاشتراكي في الجبل عن طريق منطقة المتن 
الاعلى» ومن هناك كان يتم تهريبها الى مناطق الشوف وعاليه بعيداً 
عن اعين الإسرائيليين» وبعد الانسحاب الإسرائيلي طلبت القيادة 
السورية من المنظمات الفلسطينية الموالية لهاء الانتشار على خطوط 
القتال في الجبال إلى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي. 'كان السوريون 
يريدون لنا الوصول إلى اهدافنا بأقصى سرعة" يقول المقدم شريف 
فياض. 

تحجبمفازك أغاليه والشتحان الغرميه" الاختمام عن متعارك 
الشوفء؛ والتي انطلقت من محور بنويتي - سرجبال وسط اعتراض 


541 


بعض مسؤولي الحزب الاشتراكي والفعاليات الشعبية في المنطقة والذين 
كانوا يريدون لها ان تبدأ من ديردوريت؛ وذلك انتقامأ لضحايا مجزرة 
ديردوريت. كانت دير دوريت محصنة بشكل جيدء كما انها كانت 
مدعومة بغطاء مدفعي من بلدة في دير القمرء لذا كان افضل السبل 
لأسقاطها هو الالتفاف عليها من الخلف» وقد اثبتت هذه الخطة 
فعاليتهاء فبعد سقوط بنويتي وسرجبال» انسحبت عناصر القوات 
اللبنانية من ديردوريت دون ان تطلق رصاصة واحدة» وبعد ذلك جاء 
دور بيت الدين التي انسحبت منها عناصر القوات دون قتال ايضاء 
وبذلك لم يعد هناك أي تواجد للقوات اللبنائية في منطقة الشوف سوى 
في 'دير القمر". 
'دير القمر'- الإسرائيليون مكان الايطاليين 

كان قرار وليد جنبلاط منذ اليوم الأول لحصار دير القمر هو 
ابقائها بعيدة عن متناول محازبيه» وذلك مخافة ان يؤدي دخولهم إليها 
قيامهم باعمال انتقامية ضد المدنيين هناك. وبالرغم من الطوق الذي 
كان مضروباً حول دير القمر من قبل الحزب الاشتراكي؛ فأن القوات 
اللبنانية استطاعت ان تنظم حركة دخول وخروج إلى البلدة عن طريق 
الاودية ولاحراش المحاذية لها. طريق الاحراش سلكها سمير جعجع 
للخروج من دير القمرء كما سلكها أيضأ فؤاد أبو ناضر للحلول مكان 
جعجع في دير القمر. بعد ان شاع خبر خروج جعجع من دير القمرء 
اقترح المقدم فياض على وليد جنبلاط» تشديد الحصار على دير القمرء 
لكن جنبلاط رفض هذا الاقتراح وقال له:"ان هذا الأمر يحل بالسياسة". 

حاولت القوات اللبنانية من خلال وسائل اعلامهاء اعطاء 
الوضع المعيشي في دير القمر حجماً مأساويا يفوق حجمه الحقيقي 
باشواط» وذلك بهدف دفع الرأي العام الاوروبي والأميركي إلى التحرك 
من اجل فك الحصار عن مقاتليها في دير القمرء وكان التدقيق في 

542 


طلبات التموين التي كان يرسلها الاهالي بواسطة الصليب الاحمر 
يظهر دائماً ان البلدة لا تعاني من نقص تمويني حادء وان اكثر 
الطلبات هي على التبغ» وبالرغم من الحصار على دير القمر فأن 
التواصل ظل قائما بين رئيس بلدية دير القمر "جورج ديب نعمة" ووليد 
جنبلاط. وكان نعمه يشكو دائما خلال إجتماعاته مع وليد جنبلاط» من 
تصرفات عناصر سمير جعجع الذين كانوا يصادرون التموين الذي 
كان يدخل البلدة ويقومون بتوزيعه عليهم اولء اضافة إلى قيامهم بزرع 
الألغام في محيط دير القمرء مما جعل الاهالي يخشون من ان تتحول 
بلدتهم إلى بحمدون ثانية. 

استمر الحصار على دير القمر مدة ثلاثة اشهرء قرر بعدها 
وليد جنبلاط الإفراج عن المحاصرين والسماح لهم بمغادرة البلدة» واعلن 
يوم السادس كانون أول عام 1983 موعداً لرفع الحصارء والذي 
يصادف ذكرى ميلاد كمال جنبلاط. 

مع اعلان قرار فك الحصار عن دير القمر بدأت الاتصالات 
لترتيب الية اخراج المحاصرين» فاقترح البعض ان يصار إلى السماح 
بخروج المدنيين فقط من البلدة» ولكن هذا الاقتراح جرى استبعاده» خوفاً 
من ان يؤدي بقاء عناصر القوات اللبنانية في دير القمر إلى حدوث 
معارك مع المحيط تكون نتيجتها خراب البلدة. وبعد مشاورات مكثفة مع 
اطراف محلية ودولية عدة؛ ثم الاتفاق على خروج عناصر القوات 
اللبنانية من دير القمر بمواكبة القوات الايطالية العاملة في اطار 
القوات المتعددة الجنسيات» على ان يخرج المدنيون بحماية الصليب 
الاحمر الدولي. وفي الموعد المحدد لحضور القوات الايطالية إلى دير 
القمر توجه شريف فياض إلى منطقة ملتقى النهرين على مدخل الشوف 
الساحلي لملاقاتها. ولكن المفاجأة كانت في حضور الإسرائيليين بدل 
الايطاليين» ومن دون أي مقدمات وجد شريف فياض نفسه أمام 


53 


الجنرال الإسرائيلي 'مئير داغان" الذي توجه اليه قائلاً: بقية القوة 
ستصل بعد قليل"؛ ولم يكد 'مئير داغان" ينهي كلامه حتى وصلت 
قافلة عسكرية إسرائيلية كبيرة» بقيادة قائد المنطقة الشمالية في الجيش 
الإسرائيلي الجنرال "أمير دروري' ومساعده 'شموليك", وعندما حاول 
شريف فياض الاعتراض قال له الجنرال 'دروري": 'نحنا جتنا من اجل 
مواكبة خروج القوات اللبنانية بإمكانكم الاتصال بالايطاليين» ولكن نحن 
جئناء ولن نتردد في ضرب كل من يعترض طريقناء وسنبيت ليلتنا هنا 
وغداً سنبدأ بتنفيذ المهمة", وهذا وقد تبين فيما بعد ان حلول 
الإسرائيليين مكان الايطاليين» كان مناورة متقنة جرى حبكها بين قيادة 
القوات اللبنانية والإسرائيليين تم فيها الزج بأسم الايطاليين للتمويه. 
وذلك بهدف حشر الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي لم يكن ليقبل 
بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي؛ فيما لو علم مسبقاً بأنه سيكون له دور 
في عملية انهاء حصار دير القمر. 

رضخ المقدم فياض للأمر الواقع» ذلك ان الأولوية كانت 
بالنسبة له هي خروج القوات اللبنانية من دير القمر وتوجه إلى دمشق 
لإعلام وليد جنبلاط والقيادة السورية بالخلل الذي حصل في عملية 
تنفيذ الاتفاق. وبعد ان قضى ليلته في العاصمة السورية؛ عاد في اليوم 
التالي إلى الشوف؛. حيث كانت عملية خروج عناصر القوات اللبنانية 
من دير القمر قد انتهت. 
استعادة الشحار الغربي- سباق المفاجآت 

بعد المعارضة التي شهدها توقيع اتفاق السابع عشر من ايار» 
شعر الرئيس أمين الجميل بأزمة جدية تطرق ابواب حكمه؛ فقام باجراء 
مشاورات مع عدد من الدول المعنية بالشأن اللبناني» حيث تم الاتفاق 
على عقد مؤتمر للحوار الوطني في مدينة جنيف السويسرية» يحضره 
اقطاب السياسة في لبنان» وذلك بهدف ايجاد حل ينهي الحرب الاهلية 


524 


غقد المؤتمر في 1983/11/2»ء وشارك فيه المقدم شريف 
فياض من ضمن فريق عمل وليد جنبلاط؛» حيث تم خلاله الاتفاق على 
اعطاء رئيس الجمهورية مهلة زمنية محددة من اجل الغاء اتفاق السابع 
عشر من ايار. هذه المهلة حاول رئيس الجمهورية وفريق عمله 
استغلالها للقيام بعمل عسكري على الارضء يعيد خلط الاوراق من 
جديدء ويتيح للفريق الحاكم التملص من إلتزامه بالغاء اتفاق السابع 
عشر من ايار. بدأت مؤشرات هذه الخطة بالظهور مع عودة السخونة 
إلى محاور الجبل؛ الأمر الذي اقلق المقدم فياضء ودفعه إلى العودة 
إلى بيروت قبل يوم واحد من انتهاء اعمال مؤتمر جنيفء. على متن 
طائرة نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام؛ في ظل هذه الاجواء 
بدأت تصل للحزب التقدمي الاشتراكي معلومات عن تحضيرات يقوم 
بها الجيش اللبناني لتنفيذ عمل عسكري يهدف إلى قطع طريق الكرامة 
التي تربط البقاع بالضاحية الجنوبية» وعلى ضوء هذا المشهد قرر 
المقدم شريف فياض الاعداد لخطة استباقية تعيد سيطرة الحزب 
التقدمي الاشتراكي على منطقة الشحار الغربي قبل تنفيذ الجيش 
لعمليته. 

خطة استعادة الشحار بدأها المقدم فياض بزيارة إلى موسكوء 
حاملاً معه لائحة بالأسلحة التي يحتاجها الحزب الاشتراكي لتنفيذ 
عمليته هذه. ولم يكد يمضي اسبوعان على رحلة شريف فياض إلى 
موسكو حتى وصلت إلى مرفا طرطوس شحنة اسلحة للحزب التقدمي 
الاشتراكي مصدرها الاتحاد السوفياتي. 

معركة الشحار الغربي لم يكن الحزب الاشتراكي وحده يستعد 
لها. بدوره كان الجيش اللبناني يجري تدريبات في اماكن متفرقة 
استعداداأ لتنفيذ عملية قطع طريق الكرامة وذلك تحت اشراف ضباط 


545 


أميركيين» وبعد ان اكتملت استعداداته طلب الجيش من الألوية 
المشاركة في العملية التجمع استعداداً لساعة الصفرء ولكن العملية 
جرى تأجيلها في اللحظات الاخيرة» وذلك بسبب احداث السادس من 
شباط» والتي اضطر معها الجيش إلى زج هذه الألوية في معركته في 
بيروت الغربية. ومع احتدام المواجهات في بيروت اتصل وليد جنبلاط 
بالمقدم شريف فياضء وطلب منه تقديم المساندة المدفعية لحركة امل 
في الضاحية الجنوبية» وعلى الاثر قامت مدفعية الحزب الاشتراكي في 
الجبل» بقصف مواقع الجيش في الضاحية الجنوبية وبيروت الغربية 
قصفاً عنيفاً اوقع بها خسائر كبيرة مادية وبشرية» وبنتيجة الاتصالات 
المتسارعة» تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ابتداء من الساعة 
الثانية عشرة ظهراًء لكن المقدم فياض نصح أحد مسؤولي حركة امل 
بعدم التقيد بقرار وقف إطلاق النارء وخاصة في ظل قيام الجيش بحشد 
قوة كبيرة من المدرعات في منطقة المتحف والذي كان يخشى معها ان 
تقوم قيادة الجيش باستغلال وقف إطلاق النار للقيام بعملية اقتحام 
لبيروت الغربية» ولكن مسؤول حركة امل اجابه: "الاخ نبيه بري اعطى 
كلمته وانتهى الأمر". ازاء ذلك قرر الاشتراكيون عدم التقيد بوقف 
إطلاق النارء وقاموا باستهداف مدرعات الجيش في منطقة المتحف 
موقعين بها خسائر كبيرة مما ادى إلى خروجها من المعركة. 

بعد ان حُسمت معركة السادس من شباط لصالح المعارضة» 
عادت الانظار لتتجه مجدداً إلى الجبل حيث اعاد الجيش تجميع قواته 
من جديدء وقام بنشر قوات كبيرة من اللواء الرابع في منطقة الشحار 
الغربي» وفي نفس الوقت كانت قوات من اللواء الثامن» قد انهت 
استعداداتها على جبهة سوق الغرب لتنفيذ العملية الكبرى» وفي خضم 
هذه الاجواء وردت معلومات إلى قيادة الحزب الاشتراكي عن ان 
الجيش ينوي تنفيذ عمليته خلال الاثنتين والسبعين ساعة القادمة. وقد 


516 


تعزز هذا الاعتقاد بعد الجولة الاستطلاعية التي قام بها قائد الجيش 
العماد ابراهيم طنوس على مواقعه في الشحار الغربي والتي رافقه فيها 
عدد من الضباط الأميركيين. 

شكلت هذه العوامل مجتمعة عاملاا ضاغطأ على الحزب 
التقدمي الاشتراكي؛ جعلت المقدم شريف فياض يقرر ان يسبق الجيش 
في تنفيذ عمليته العسكرية» وكان الحزب التقدمي الاشتراكي قد دأب 
قبل المعركة بحوالي الاسبوعين»ء على توجيه نداءات لاسلكية 
لمناصريه؛ للتجمع استعداداً لمعركة تحرير الشحار الغربي» وكان 
القصد من هذه النداءات امرين الأول هو اختبار مدى جهوزية 
الانصار والمحازبين لتلبية نداء المعركة؛ والذين ما ان كانوا يسمعون 
النداء حتى كانوا يقومون بالتجمع في ساحات القرى والبلدات استعداداً 
للإنتقال إلى الجبهة» ولكن في اللحظات الاخيرة كان يجري ابلاغهم 
بأن المعركة قد تأجلتء اما الأمر الثاني فهو جعل الجيش يصدق ان 
هذه النداءات المتكررة؛ تدخل في اطار الحرب النفسية وليس اكثر. 

كان يوم الثالث عشر من شباط عام 1984 يومأ عادياً 
بالنسبة لعناصر الجيش اللبناني المتواجدين في نقاط المراقبة على تلال 
عبيه والبنيه؛ فهم فلم يفطنوا إلى ما يجري حولهم منذ الصباح» وذلك 
عندما راحت سيارات مدنية تمر من امامهم في منطقة جسر القاضي» 
وتنزل ركابها في اماكن متفرقة ومن ثم تكمل طريقها. ولم يكن هولاء 
الركاب سوى عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي» جرى اختيارهم 
لتنفيذ عملية استرجاع الشحار الغربي» وكانت هذه العناصر بعد ان 
تترجل من السيارات تقوم بمتابعة سيرها مشيا على الاقدام إلى اماكن 
محددة» حيث كان يجري تزويدها بالذخيرة والسلاح» ومع حلول لليل 
بدأت هذه العناصر بالتسلل إلى اماكن محددة في بلدة البنيه والتي 
كانت تحت سيطرة الجيش اللبناني وذلك بمعاونة النقيب وليد سكرية» 


547 


والذي كان قد جرى الاتفاق مسبقا بينه وبين الحزب الاشتراكي بواسطة 
النقيب. "ح. ب"؛ على مساعدة المقاتلين الاشتراكيين في تحقيق 
اهدافهم»؛ وكان الدافع الاساسي للنقيب سكرية لمساعدة الحزب 
الاشتراكي» هو نقمته على قيادة الجيش التي كان يتهمها دائما 
بالانحياز للفريق اليميني» وهو قام بتأمين وصول المقاتلين الاشتراكيين 
إلى تلة "باب الرجم" الاستراتيجية في البنيه. 

كانت الخطة التي وضعها المقدم فياض تهدف إلى السيطرة, 
على مواقع الجيش في عبيه والبنية بمعاونة جنود تابعين للنقيب سكرية 
من دون قتال» ولكن هذه الخطة تعثرت عندما قام أحد المقاتلين 
الاشتراكيين برمي قنبلة يدوية على مركز القوات اللبنانية في البنيه؛ مما 
ادى إلى مقتل خمسة من عناصره وانكشاف امر المتسللين وتنبه بقية 
مراكز الجيش في المنطقة. 

فرض انكشاف امر المتسللين على المقدم فياض تغيير 
خطته؛ والإنتقال من الهجوم الصامت إلى الاشتباك العلني مع الجيش 
اللبناني» في الساعات الأولى للمعركة استطاع الحزب التقدمي السيطرة 
على مداخل بلدتي عبيه والبنية وتلة مطير عبيه الاستراتيجية مستفيداً 
من عامل المباغتة» بعد ذلك اكملت عناصره تقدمها وتمكنت من قطع 
طريق كفرمتى البنيه بعد ان اوقعت اصابات كبيرة في صفوف الجيش 
اللبناني والياته. استمرت المعارك طوال الليل» حاول الجيش خلالها 
استعادة منطقة باب الرجم الاستراتيجية» ولكنه لم يتمكن من ذلك» ومع 
انبلاج الفجر بدأت قوات الجيش باستعادة توازنها حيث قامت بعمليات 
قصف مكثفة لمواقع المهاجمين مستخدمة الطيران والمدفعية؛ مما 
اجبرهم على الانسحاب من تلة مطير عبيه الاستراتيجية» استمر القتال 
متكافئاً حتى حوالي الساعة الواحدة ظهراً عندما التقطت اجهزة التنصت 
التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي مكالمة لأحد ضباط الجيش كان يفيد 


548 


فيها قيادته؛ بأنه بات جاهزأ للقيام بهجوم معاكس لأخراج المهاجمين 
من المناطق التي تمكنوا من السيطرة عليهاء عندئذ طلب المقدم شريف 
فياض من جميع اسلحة الحزب المدفعية والصاروخية؛ توجيه نيرانها 
باتجاه مواقع الجيش في كفرمتى وبعورته ودقون وتلال مطير عبيه؛ مع 
على التركيز على منطقة 'لقصور”" في :لدة بعورته» حيث كانت تتجمع 
دبابات الجيش: نجحت الضربة في تحقيق اهدافهاء بحيث كان 
بالإمكان مشاهدة جنود الجيش اللبناني بالعين المجردة» وهم يقفزون من 
دباباتهم المحترقة» ويهربون في الاحراش وقد تلاشت لديهم ارادة القتال» 
بعد ذلك جرى استكمال الهجوم باتجاه عبيه وعين كسور وكفرمتى» 
والتي دخلها المقاتلون الاشتراكيون ليلا من دون قتال بعد انسحاب 
عناصر الجيش منهاء ومع وصول عناصر الحزب الاشتراكي إلى بلدة 
بعورته المحطة الاخيرة في عملية استعادة الشحار الغربي» اتصل 
الوزير مروان حماده بالمقدم شريف فياضء ونقل اليه انذاراً أميركياً 
بعدم سلوك المقاتلين الاشتراكيين الطريق الساحلية تحت طائلة استعمال 
القوة لمنعهم من ذلكء ومع اقتراب المقاتلين من الخط الساحلي بدأت 
اللهجة الأميركية تتصاعد, والتي ترافقن مع تقدم قوة إسرائيلية باتجاه 
نهر الدامور وتلال الدبية» حيث تمركزت قرب مواقع القوات اللبنانية 
في بلدة المشرف من اجل تأمين الحماية لهاء كما قام الإسرائيليون 
بإطلاق رشقات نارية» باتجاه عناصر الحزب الاشتراكي» بهدف منعهم 
من الاقتراب من مواقع القوات اللبنانية. وفيما كان الحزب التقدمي 
الاشتراكي منشغلاً بالتحذيرات الأميركية اتصل مدير وكالة 'نوفوستي' 
في بيروت بالمقدم شريف فياضء واقترح عليه تطوير الهجوم ليشمل 
بلدة السعديات التي كانت تحت سيطرة القوات اللبنانية» لكن المقدّم 
فياض اجابه: "اننا غير حاضرون لهذا الموضوع الآن". 

بعد اخراج القوات اللبنانية من منطقة الجبل» واستعادة قرى 


549 


الشحار الغربي» بدأت الانظار تتجه نحو شريط القرى ١‏ لمسيحية في 
منطقة اقليم الخروب» والتي كانت ت تحت سيطرة القوات اللبنانية. كان 
قرار وليد جنبلاط هو تجنيب قرى الاقليم ويلات المعارك والتهجير» 
ومن اجل هذه 00 عُقَدب عقدت إجتماعات عدة في بلدة سبلين» حضرها 
عن الحزب التقدمي الا شتراكي توفيق بركات وعلاء الدين ترو ومثل 
فيها القوات اللبنانية 'سلام عيد". كان موقف الحزب التقدمي الاشتراكي 
في هذه الإجتماعات واضحاًء وهو ضرورة خروج عناصر القوات 
اللبنانية الغريبة عن المنطقة من اقليم الخروب» مع بقاء النشاط 
السياسي والإجتماعي لحزبي الكتائب والاحرار. هذه المطالب راحت 
القوات اللبنانية تماطل في تنفيذهاء مما دفع الحزب الاشتراكي إلى 
توجيه انذار اخير لها بالخروج من المنطقة.» ومع انتهاء مهلة الانذار 
وبقاء الوضع على حاله؛ أصبحت المعركة امرأ لا مفر منه وبدأ 
الطرفان يستعدان 39 
كانت تقديرات القوات اللبنانية بأن الهجوم الاشتراكي سيبدأ 
من بلدة "المطلة" ا اللبنانية نقاط عسكرية حصينة وذلك 
بهدف محو اثار الهزيمة القاسية التي كانت قد لحقت بالاشتراكيين 
هناك في وقت سابق. لكن هذه التوقعات تبين انها لم تكن في مكانهاء 
وذلك عندما فاجأ الحزب الاشتراكي خصومه بهجوم على مواقعهم 
انطلاقاً من الساحل؛ مما جعلهم يصابون بالارتباك ويقررون الانسحاب 
من دون قتال مستخدمين سكان المنطقة دروعاً بشرية» وبالرغم من 
هروب عناصر القوات اللبنانية من دون معارك تذكرء فأن القرى 
00 في اقيم 0 8 م من ا ا 0 
الوقت. 
وفي اليوم التالي لأنتهاء معركة اقليم الخروبء قام وليد 
جنبلاط» بجولة على قرى المنطقة» اكد فيها على ضرورة عودة الاهالي 
550 


المسيحيين إلى قراهم» كما شملت جولته أيضأ محطة كهرباء الجية 
ودير المخلصء» حيث شدد على عناصره بعدم الدخول إلى هذين 
المكانين. كما قام جنبلاط أيضأ بنقل الايقونات والمخطوطات الثمينة 
والنادرة التي كانت موجودة في دير المخلص إلى مكان امنء» خوفاً 
عليها من التلف والضياع والسرقة» وبعد انتهاء الحرب الاهلية قام 
باعادتها إلى مكانها. 
المصالحة غير اليانعة تحصد انور الفطايري 

بعد انقشاع غبار المعارك العسكرية في منطقة الجبل» قرر 
وليد جنبلاط البدء بمعركة من نوع اخرء هي معركة عودة المهجرين 
إلى قراهم في الجبل» وهو قال للمقدم فياض بينما كانا يمران في بلدة 
دير دوريت المدمرة: "عليك ان تستعد لمعركة من نوع اخر هي معركة 
عودة المهجرين إلى قراهم وبلداتهم'. 

بدأ وليد جنبلاط بالتمهيد لعودة المهجرين» باتصالات مع دول 
اقليمية وغربية معنية بالملف اللبناني» اضافة إلى اطراف محلية على 
صلة مباشرة بهذا الشأن» ولكن مشروعه هذا اصطدم بعقبات عدة 
محلية وخارجية؛ فعلى على الصعيد الداخلي برزت معارضة من بعض 
الرؤوس الحامية الدرزية والمسيحية» والتي رفضت المصالحة بحجة ان 
دماء ابنائها لم تجف بعدء بدورهم عبر السوريون عن امتعاضهم من 
اقدام جنبلاط على مشروع المصالحة من دون التنسيق معهمء واتهموه 
بأنه يسعى للقيام بصفقة مارونية - درزية بمعزل على دمشق وحلفائها 
في لبنان. وبالرغم من هذه العقبات استمر وليد جنبلاط بالتحضير 
لاجواء المصالحة في الجبل؛ وهو قام لهذه الغاية بتنظيم مؤتمر في 
بيت الدين بعنوان "مؤتمر عودة المهجرين إلى قراهم"؛ وذلك في شهر 
كانون أول عام 1989»؛ حضرته فعاليات درزية ومسيحية من كل قرى 
الجبل» وكان شريف فياض في عداد اللجنة التحضيرية التي اشرفت 


551 


على تنظيم المؤتمرء والتي ضمت أيضاً كل من "انور الفطايري 
وجوزف القزي ورئيس بلدية القمر جورج ديب نعمة وعدد من فعاليات 
الشوف المسيحية. وبالرغم من نجاح اعمال المؤتمرء فأن اشخاصاً 
سعوا لتعطيل نتائجه وكان أول ضحايا هذا التعطيل هو القيادي في 
الحزب الاشتراكي "انور الفطايري": الذي كان قد توجه إلى بلدة 
"الجاهلية" لحل اعتراضات بعض الاهالي الدروز على عودة جيرانهم 
المسيحيين إلى قراهمء فكان ان حصل اشكال بينه وبين بعض 
الاشخاص تطور إطلاق نار ادى إلى استشهاده. 
الدخول السوري إلى بيروت والخروج الاشتراكي منها 

بعد احداث السادس من شباط عام 1984 انتشر مسلحو 
حركة امل والحزب الاشتراكي في معظم احياء منطقة بيروت الغربية 
بشكل فوضوي وغير مضبوطء مما ادى إلى حصول احتكاكات مسلحة 
بين الطرفين في عدد من احياء العاصمة؛ وذلك على خلفية التزاحم 
على النفوذ والسلطة. هذا الفلتان استغلته دمشق لتخصيب التوتر بين 
حركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي وذلك بهدف تهيئة الاجواء لعودة 
القوات السورية إلى بيروت مجدداً بحجة حفظ الامن» ولكن الهدف 
الاساسي من هذه العودة كان الإمساك بالقرار السياسي والامني للشارع 
الوطني. 

كانت الاشكالات بين مسلحي الحزب الاشتراكي وحركة امل 
يجري حلها دائمأًء من خلال الاتصالات بين قيادتي الطرفين» ولكن في 
عام 1987 خرجت الامور عن السيطرة عندما اندلعت اشتباكات 
واسعة بين الطرفين استعملت فيها كل انواع الاسلحة» وتخللها اقتحامات 
متبادلة لمراكز الطرفين؛ ومع اشتداد المعارك واستعارها تبين واضحاً 
ان هناك مشروعا عند البعض يهدف إلى خلق معادلات سياسية جديدة 
في بيروت؛ وفي هذا الاطار وردت معلومات إلى الحزب الاشتراكي 

52 


عن تحضيرات ميدانية تقوم بها حركة امل لأقتحام منطقة عين 
المريسة؛ وتهجير اهلها والذي ينتمي معظمهم إلى الطائفة الدرزية. 

كانت تعليمات وليد جنبلاط هي بعدم استعمال مدفعية الجبل 
في المعارك مع حركة امل وتجنب أي اشتباك معها في منطقة 
الاوزاعي» لذا كان لا بِدَ من التفتيش على طريقة أخرى للدفاع عن 
منطقة عين المريسة؛ فجرى الاتصال برئيس التنظيم الشعبي الناصري 
مصطفى سعد الذي قام بتزويد الحزب التقدمي الاشتراكي بقوارب 
خشبية من اجل نقل المقاتلين من خلده إلى شاطئ عين المريسة؛ كما 
تم وضع مدفعية الجبل في جهوزية تامة وذلك من اجل رسم خطوط 
نار حول منطقة عين المريسة يُمنع على مقاتلي حركة امل تجاوزهاء 
وفي نفس الوقت جرى تجهيز قوة برمائية تابعة للحزب الاشتراكي كان 
قد جرى تدريبها في وقت سابق وذلك للتوجه إلى عين المريسة عندما 

استمرت المعارك بين الحزب الاشتراكي وحركة امل عدة ايام 
دون ان ينجح أي فريق في حسم المعركة لمصلحته؛ وهي لم تتوقف الا 
بعد دخول القوات السورية إلى بيروت» والتي ما ان دخلت حتى باشرت 
بحملة اعتقالات واسعة في صفوف عناصر الحزب التقدمي الاشتراكي؛ 
مما اجبر عدد كبير منهم على الخروج من بيروت والتوجه إلى منطقة 
الجبل حيث بقيوا هناك لحين انتهاء الحرب الاهلية. 


553 


554 


من السسيالن تاد القيات_ 
0 الم افياق قات نيوا ا تر الفيية رماتل 
ل 0 ا المدنيين من قبل الصليب الاحمر 
والعسسكريين من قبل القوات الايطالية والطريق ليست مشلكلة ٠‏ 
ل سوج الست طح 
ها #التسبة للنطار التسكباكرطين النتملقين بحمانا والتتسسيق مع تيه يمري 
؛- بالنسبةللصمافة اجراه اللا لتكون التغطية طى مسستوى اللي ٠‏ 


5 بالتسسبة للقسي سس انتظاريرقهة من تهلنا لتائيد الموض 


/١67 ١67 الاشفارة في‎ 


انطوان دحداح الذي يمكن 
الوثوق به ولكن لا يمكن 
التعامل معه 





(أرشيف السفير) 


هجاء العرب والخلاف بين كميل وكمال 
كان انطوان دحداح في سن السابعة عشرة من عمره عندما 
تقدم إلى امتحانات الدخول؛ في المدرسة الحربية عام 1947» وبالرغم 
من اجتيازه < جميع اختبارات الدخول بنجاحء فإنه لم يُسمح له بالالتحاق 
بالكلبة الحربية وهو في هذا السنء وكان عليه الانتظار حتى بلوغه 
الثامنة عشرة» ولكن من دون الحاجة لأجراء امتحانات مرة أخرى. 
عام 1948 احتلت العصابات الصهيونية فلسطين وأصبح 
خطرها يهدد لبنان. فرض هذا المشهد نفسه على خطط الجيش اللبناني 
وبرامجه؛ فوجد نفسه مجبرأأ على سحب معظم اسلحته الثقيلة من 
الداخل» وتركيزها على الحدود مع فلسطين المحتلة, مما اجبر طلاب 
المدرسة الحربية على الإنتقال ثلاث مرات في الاسبوع إلى الجنوب 
لمتابعة تدريبهم على الاسلحة الثقيلة. كان اكثر المشاهد تأثيراً في 
وجدان انطوان دحداح وهو على الحدود الجنويدة مشهد النازحين 
الفلسطينيين القادمين من حيفاء والتي كانت قوافلهم تمرّ من امام مراكز 
الجيش على الحدود في الجنوب» وما ان شاهد انطوان دحداح هذه 
555 


القوافل انطلق لسانه بالهجاء بحق الحكام العرب محملاً اياهم مسؤولية 
النكبة التي حلّت بفلسطين. 

في 18 ايلول 1952 توجه الملازم دحداح إلى القصر 
الرئاسي الصيفي في عاليه» لمباشرة مهامه كمرافق لرئيس الجمهورية 
بشارة الخوري خلفأ للنقيب منصور لحودء الذي طلب إعفاءه من مهامه 
بسبب خلافه معسليم الخوري" شقيق رئيس الجمهورية بشارة خوري 
والذي كان يلقب بالسلطان سليم نظرة لنفوذه الكبير داخل ادارات 58 
اختيار الملازم دحداح لهذه المهمة جاء بناء على اقتراح قائد الجيش 
اللواء فؤاد شهاب وذلك بعد ان اطلع على سجله الممتاز طيلة فترة 
وجوده في المدرسة الحربية. لم تكد تمضي دقائق قليلة على وصول 
انطوان دحداح إلى القصر الرئاسي؛ حتى علم من مدير المراسم في 
القصر الجمهوري 'جورج حيمري" ان المهمة التي جاء من اجلها قد 
انتهت قبل ان تبدأء وذلك بسبب تقديم رئيس الجمهورية لأستقالته قبل 
ساعة من وصول انطوان دحداح إلى القصر الجمهوري. 

بعد استقالة بشارة الخوري انتخب كميل شمعون رئيساً 
للجمهورية والذي طلب من قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب تعيين أحد 
الضباط المحسوبين عليه مرافقاً له» ولكن قائد الجيش اقترح عليه اسم 
الملازم انطوان دحداح بعد ان اطلعه على مؤهلاته الممتازة» فوافق 
الرئيس شمعون دون تردد. كانت أحد المهام المطلوبة من مرافق 
الرئيس في ذلك الوقت؛ غير السهر على امنه وامن عائلته هي تنظيم 
مواعيده» مما جعل معظم السياسيين اللبنانيين يعتقدون ان للملازم 
انطوان دحداح موقعاً خاصاً عند رئيس الجمهورية» فراحوا يسعون 
لكسب وده بشتى الطرق ظناً منهم انهم يستطيعون من خلاله تحقيق 
مصالحهم عند رئيس الجمهورية. وفي نفس الوقت أيضاً طلبت الشعبة 
الثانية من انطوان دحداح نقل اخبار رئيس الجمهورية إليها لكنه رفض. 


556 


من موقعه كمرافق لرئيس الجمهورية» كان انطوان دحداح 
شاهداً على الخلاف الشهير بين الرئيس كميل شمعون والزعيم كمال 
جنبلاط؛ والذي تحول إلى قطيعة بينهما استمرت حتى اغتيال كمال 
جنبلاط عام 1977. بدأت القصة خلال زيارة قام بها كمال جنبلاط 
إلى القصر الجمهوري برفقة عقيلته» لتناول العشاء على مائدة الرئيس 
كميل شمعون وزوجته السيدة "زلفا"» وبعد الانتهاء من تتاول العشاء 
خرج الرئيس كميل شمعون والزعيم كمال جنبلاط إلى الشرفة للحديث» 
واغلقا الباب وراءهماء فيما بقي الملازم دحداح واقفاً في الداخل بجانب 
باب الشرفة؛ وكانت الساعة تشير إلى العاشرة ليلا . استمر الإجتماع 
بين الرئيس شمعون وكمال جنبلاط حتى الساعة الثالثة فجراً خرج بعده 
كمال جنبلاط متجهما وغادر القصر مع زوجته؛ فيما ذهب الرئيس 
شمعون وعقيلته إلى النوم» وفي اليوم التالي علم الملازم دحداح ان 
خلافاً حاداً وقع بين كمال جنبلاط وكميل شمعون في الليلة الماضية؛ 
وذلك بعد ان رفض الرئيس شمعون تلبية جملة مطالب لكمال جنبلاط 
وكان ابرزها تشكيل حكومة من المعارضة فقطء وتقديم الرئيس بشارة 
الخوري إلى المحاكمة بتهمة الفساد. وكان سبب هذا الرفض ان الرئيس 
شمعون كان يعتقد ان هدف كمال جنبلاط من هذه المطالب هو 
السيطرة على الحكم في لبنان» اضافة إلى ذلك فأن الرئيس شمعون لم 
يكن يريد ان يسجل على نفسه سابقة احالة أول رئيس جمهورية ماروني 
في لبنان على المحاكمة. 
برميل الزفت 

عام 1970 قرر رئيس الجمهورية سليمان فرنجية تعيين 
صديقه العقيد أنطوان دحداح مديراً عامأ للأمن العام» وبفضل هذه 
الصداقة تعرف “روديريك الدحداح' شقيق انطوان على 'لميا سليمان 
فرنجية" والتي أصبحت زوجته فيما بعد. 

51 


اقتراح الرئيس فرنجية بتعيين انطوان دحداح مديراً للأمن العام 
عارضه رئيس الحكومة صائب سلامء الذي لم يكن يريد ان تتكرر 
تجربة العسكر في الحكم التي عانى منها لبنان في عهدي فؤاد شهاب 
وشارل حلو. بعد معارضة استمرت اكثر من عام عاد الرئيس صائب 
سلام ليوافق على تعيين انطوان دحداح مديراً للأمن العام وذلك نزولاً 
عند اصرار الرئيس فرنجية. وبعد أصبح انطوان دحداح مديراً للثمن 
العام استدعاه الرئيس فرنجية وقال له: "انت ذاهب لتسلم برميل زفت". 

كانت المعضلة الأولى التي واجهت العقيد انطوان دحداح في 
عمله الجديدء تتمثل في وجود هيكلية قديمة ومترهلة للأمن العام؛ لم 
يجر تحديثها منذ عهد الاستقلال عام 1943» والتي كانت تفرض على 
المدير العام للأمن العام ان يصرف اكثر من نصف وقت الدوام في 
التوقيع على المعاملات الادارية. وكان من الامور التي تزيد من 
صعوبة العمل أيضاً النقص الكبير في عديد الامن العام والذي لم يكن 
عدد عناصره في ذلك الوقت يتجاوز الاربعمئة عنصر يقودهم ثمانئية 
ضباط فقطء وعندما حاول مدير عام الامن العام الاستعانة بضباط من 
الجيش وقوى الامن الداخلي من اجل تنظيم الادارة وتفعيل العمل» 
تصدى له الرئيس فرنجية» واصر على ان تتم الاستعانة بموظفين 
مدنيين فقط. وبعد مراجعات عديدة قام بها العقيد دحداح مع رئيس 
الجمهورية» سمح له "الرئيس" بالاستعانة بخمسة ضباط فقط. 

كان قد مضى حوالي الشهر على تعيين انطوان دحداح مديراً 
عاماً الامن العام عندما طلب منه رئيس الحكومة صائب سلام القيام 
بزيارة إلى دمشقء» للبحث مع المسؤولين السوريين في سبل تحسين 
العلاقات بين البلدين» وقال له: "منذ وصول الرئيس حافظ الأسد إلى 
الحكم وسوريا تشهد حال من الاستقرار السياسي لم تعرفه من قبل وان 
من مصلحتنا في لبنان استثمار هذه النقطة في سبيل قيام علاقات 


555 


جيدة بين بلدينا. حاول انطوان دحداح الاعتذار عن هذه الزيارة» بحجة 
انه لا يعرف احداً من المسؤولين السوريين؛ لكن الرئيس سلام اصر 
عليه ان يذهب وقال له: "دبر حالك انت شخصية محبوبة» ومن المؤكد 
ان الاخوان في دمشق سيرتاحون لك". 

في اليوم التالي توجه العقيد دحداح إلى دمشق بعد اتصال 
اجراه مع مدير الشرطة في سوريا الذي احاله على مدير المخابرات 
السورية العميد حكمت الشهابي. في مستهل اللقاء بين العقيد دحداح 
والعميد الشهابي دار بينهما الحوار التالي: 

العميد الشهابي: ما هي ميزانيتكم من النفقات السرية. 

العقيد دحداح: مليون ليرة سنوياً. 

العميد الشهابي ضاحكاً: شو بيعملو مليون ليرة بشغل 
المخابرات ما بيشترولك زر بطاطاء نحن ميزانيتنا خمسون مليون ليرة 
سنوياً وهي بالكاد تكفي» سأعطيك خمسة الاف ليرة سورية الآن كدفعة 
على الحساب ولنبدأ العمل معا منذ هذه اللحظة. 

العقيد دحداح: 'نحن في هذه المهنة تعلمنا ان ندفع لا ان 

بعد ذلك طلب العميد الشهابي من العقيد دحداح تسليمه 
المعارضين السوريين المقيمين في لبنان؛ فأجابه مدير عام الامن العام 
اللبناني ممازحاً: 'شو بدك بهيدي الشغلة قد يأتي يوم وتجد نفسك فيه 
معارضاً في لبنان"؛ ولكن في المقابل تعهد دحداح للعميد الشهابي بعدم 
السماح للمعارضين السوريين بالقيام بأي نشاط ضد نظام الحكم في 
سوريا انطلاقاً من لبنان. 

وقائع اللقاء وبين العقيد دحداح والعميد الشهابي» وصلت إلى 
الرئيس حافظ الأسدء. الذي قال للعميد الشهابي: "يبدو ان انطوان 
دحداح شخص يمكن الوثوق به ولكن لا يمكن التعامل معه". 


559 


شكل هذا اللقاء بين العميد حكمت الشهابي والعقيد انطوان 
دحداح بداية لعلاقات وطيدة بين الرجلين» استمرت فترة طويلة من 
الزمن كان خلالها مدير عام الامن العام اللبناني يقوم بتنفيذ بعضص 
المهمات التي كان يطلبها منه العميد حكمت الشهابي والتي لم تكن 
تمس سيادة الدولة اللبنانية. وعندما رفض في أحد المرات طلبه بتنفيذ 
عمل امني معين لتعارضه مع القانون اللبناني» قال له العميد حكمت 
الشهابي: "القانون يجب ان يكون في يدك. في سوريا المخابرات هي 
من تصنع القانون". وعندما كان انطوان دحداح يتصل بالعميد 
الشهابي» لإبلاغه بأنه تم تنفيذ المهمات المتفق عليهاء كان الشهابي 
يجيبه:"ان ما قمتم به فيه مصلحة لبلدكم أيضاً". 

كان اكثر من ما لمسه العقيد انطوان دحداح خلال علاقته 
الطويلة مع المسؤولين السوريين» هو كرههم الشديد لياسر عرفات؛, 
وتشكيكهم الدائم بنواياه تجاه القضية الفلسطينية كما لمس الدحداح 
أيضاً عند المسؤولين السوريين عدم ارتياحهم للقادة السنة في لبنان 
الذين تربطهم علاقات وثيقة بالمملكة العربية السعودية» وفي مقدمتهم 
الرئيس صائب سلام. 
الحرب... الأهلية- اشكال في بيت الكتائب 

حادثة "البوسطة" في عين الرمانة في 1975/4/13 استنكرتها 
القيادات الإسلامية في لبنان وطالبت حزب الكتائب بتسليم مطلقي 
النار إلى الدولة اللبنانية حتى لا تكون هذه الحادثة سببأ في صراع 
سني ماروني لا تستفيد منه الا إسرائيل. وبغية وقف تدهور الأوضاع 
اتصل رئيس الحكومة رشيد الصلح بمدير عام الامن العام العقيد 
انطوان دحداح وطلب منه العمل على اقناع الشيخ بيار الجميل بتسليم 
مطلقي النار إلى القضاء اللبناني» وقبل موعد إجتماعه مع الشيخ بيار 
الجميل في بيت الكتائب في الصيفيء عرج انطوان دحداح على رئيس 

500 


الجمهورية سليمان فرنجية في قصر بعبداء واطلعه على المهمة المكلف 
بها من قبل رئيس الحكومة» فأعطاه الرئيس فرنجية تفويضاً بحل 
المشكلة. 

وافق الشيخ بيار الجميل على تسليم المطلوبين» ودعا المكتب 
السياسي الكتائبي إلى إجتماع طارئ لأبلاغه بهذا القرار» وطلب من 
العقيد دحداح حضور الإجتماع؛ كما اتصل بنجله "أمين" وابلغه 
بضرورة احضار المطلوبين إلى بيت الكتائب في الصيفي لتسليمهم إلى 
العقيد دحداح؛ وكان المطلوبون بجريمة البوسطة قد لجأوا إلى الشيخ 
أمين الجميل طلبأ للحماية. 

في بداية الإجتماع تكلم الشيخ "بيار" فدعا نجله أمين إلى 
تسليم المطلوبين إلى العقيد دحداح. كانت ردة فعل أمين الجميل على 
هذا الطلب هي ان قام من مكانه وتوجه إلى حيث كان يجلس انطوان 
دحداح إلى جانب الشيخ 'بيار" والشرر يتطاير من عينيه. احس العقيد 
انطوان دحداح بالخطر فوضع يده على مسدسه استعدادا للمواجهة. 
لكن الشيخ بيار حسم الموقف بأن صرخ بأعلى صوته بأمين قائلاً: 
"عد إلى مكانك الاتعرف ان بيت الداحداح موجودون في حزب الكتائب 
من قبل ان تولد", وذلك في اشارة إلى 'سامي الدحداح' عم انطوان 
والذي كان من قدامى الكتائبيين. استمر الجدل بين أمين ووالده لعدة 
دقائق» وانتهى بتسليم أمين للمطلوبين إلى القضاء اللبناني. 
انقلاب الاحدب يشعل خلافاً في اليرزة 

فاجأ البيان الذي اذاعه العميد عزيز الاحدب في 
1 من تلفزيون لبنان الرئيس فرنجية؛ الذي استمع اليه 
مذهولاًء وكان عنده على العشاء الرئيس كميل شمعون والعقيد انطوان 
دحداحء وبعد ان انتهى العميد الاحدب من اذاعة بيانه قام الرئيس 
فرنجية إلى سماعة الهاتفء واتصل بالشيخ بيار الجميل وطلب منه 

561 


اعلان موقفه من بيان عزيز الاحدبء فطمئنه الجميل إلى موقف 
الكتائب الداعم للشرعية. بدوره اتصل الرئيس كميل شمعون بنجله 
'داني"؛ وطلب منه التوقف عن التفكير بمشروع الانقلاب على الرئيس 
فرنجية. اما العقيد دحداح فقد قرر التوجه إلى وزارة الدفاع» بغية 
الاطلاع على موقف قيادة الجيش من بيان عزيز الاحدب. وصل 
العقيد دحداح إلى مكتب قائد الجيش فوجده مجتمعاً مع كبار الضباط 
لمناقشة ابعاد بيان عزيز الاحدب وعندما علم قائد الجيش العماد حنا 
سعيد بحضوره طلب منه الانضمام إلى المجتمعين. 

كان المجتمعون منقسمون في الرأي ما بين مؤيد لحركة عزيز 
الاحدب ورافض لهاء كما ظهرت في هذا الإجتماع أيضأ اصوات تدعو 
إلى وقوف الجيش على الحياد. كما كان لافتأ في هذا الإجتماع موقف 
العماد "حنا سعيد الذي دعا إلى تأييد عزيز الاحدبء وكان العماد حنا 
سعيد يأمل ان يؤدي نجاح عزيز الاحدب في ازاحة الرئيس فرنجية عن 
الحكم» إلى افساح المجال امامه للوصول إلى كرسي الرئاسة في بعبدا 
وخاصة انه كان يشعر بحقد كبير على رئيس الجمهورية بعد ان اتهمه 
الرئيس فرنجية بالتهاون في مواجهة المنظمات الفلسطينية المسلحة» 
وبعد انتهاء الإجتماع عاد العقيد انطوان دحداح إلى قصر بعبدا واطلع 
رئيس الجمهورية على موقف قيادة الجيش من حركة عزيز الاحدب. 
وبعد ان بات ليلته في القصر الجمهوريء غاد في صباح اليوم التالي 
إلى وزارة الدفاع للإجتماع مجدداً بقائد الجيشء؛ فوجد عنده الشيخ بيار 
الجميل والرئيس كميل شمعونء واللذان كانا يحملان اليه انذاراً من 
الجبهة اللبنانية باحتلال وزارة الدفاع في حال لم يتراجع عن موقفه 
المؤيد للعميد عزيز الاحدب» رضخ قائد الجيش لتهديدات الجبهة 
اللبنانية وقام بسحب تأييده لحركة عزيز الاحدبء وذلك مقابل تخلي 
الجبهة اللبنانية عن فكرة احتلال وزارة الدفاع؛ والتي كانت قد أصبحت 


562 


شبه خالية من العناصر بسبب الاحداث الامنية في البلادء وفي خطوة 
تهدف إلى دفع رئيس الجمهورية إلى تقديم استقالته» قام عدد من 
النواب بالتوقيع على عريضة تطالب الرئيس فرنجية بالتنحي عن الحكم 
قبل انتهاء ولايته الدستورية» وقبل اتخاذه الموقف المناسب من هذه 
العريضة؛ كلف الرئيس فرنجية العقيد دحداح الاتصال بالنواب ومحاولة 
معرفة الدافع الحقيقي لتوقيعهم على العريضة» وبنتيجة الاتصالات التي 
اجراها العقيد دحداح مع عدد كبير من النواب تبين له ان معظم الذين 
وقعوا العريضة لم يكونوا مقتنعين بها وان هناك من دفعهم للتوقيع 
عليها. 

بعد ان اتضحت الصورة امامه قام رئيس الجمهورية باستدعاء 
رئيس مجلس النواب كامل الاسعد وقال له بحضور العقيد انطوان 
دحداح: "هناك فرق كبير بين ان يوقع النواب على العريضة النيابية 
من تلقاء انفسهم؛ وعندها لن اتردد في تقديم استقالتي في حال توفر 
تلثي الاصواتء. وبين ان يشاع ان رئيس الجمهورية موافق على 
الاستقالة» وان التوقيع على العريضة هو لأيجاد المخرج المشرف .له 
للتنحي عن الحكم وبناء عليه اود اعلامك انني لن اقدم استقالتي تحت 
الضغط". 

بعد فشل مشروع العريضة النيابية في اجبار الرئيس فرنجية 
على الاستقالة من الحكم» قام جيش لبنان العربي بقيادة الملازم أول 
احمد الخطيب بقصف القصر الجمهوري» مما اضطر الرئيس فرنجية 
على النزوح إلى بلدة "الكفور" الكسروانية» حيث سكن في منزل 
'لوسيان" دحداح شقيق انطوان دحداح. ترافق نزوح رئيس الجمهورية 
إلى كسروان مع تصعيد امني كبير على مختلف الجبهات كان من 
نتائجه تراجع الجبهة اللبنانية على كافة محاور قل شكل هذا 
المشهد قلقأ كبيراً لدى الادارة الأميركية» والتي كانت تعتبر ان لبنان 


563 


يشكل منصة حيوية لمصالحها في المنطقة ولذلك فأنه يجب ان لا 
يُحكم من قبل سلطة معادية للولايات المتحدة. وبناء على رؤيتها هذه 
قامت الادارة الأميركية بإرسال سفيرها المتقاعد "دين بروان" إلى لبنان 
للإجتماع إلى اعضاء الجبهة اللبنانية» واستكشاف إمكاناتهم للصمود. 

وصل دين بروان إلى لبنان في 1976/3/30» قادمأ من 
قبرص على متن طوافة عسكرية حطت به في نادي اليخوت في 
الكسليك؛ حيث كان في استقباله "العقيد انطوان دحداح" الذي اصطحبه 
في سيارته إلى بلدة الكفورء حيث عَقد إجتماع بينه وبين اعضاء 
الجبهة اللبنانية» لعب فيه انطوان دحداح دور المترجم» وقد دار بين 
السفير الأميركي والجبهة اللبنانية الحوار التالي: 

الشيخ بيار الجميل: 'نحن في وضع صعب للغاية» ولم يعد 
بإمكاننا الصمود فالذخيرة التي لدينا لم تعد تكفي لأكثر من عشرة ايام؛ 
وبعدها سيدخل مسلحو الحركة الوطنية والمنظمات الفلسطينية إلى 
مناطقناء من بوابة المرفاً". 

دين بروان: "الذي يريد ان يخوض حربأ عليه ايجاد مصادر 
للسلاح". 

الرئيس كميل شمعون: 'لقد اشترينا كميات كبيرة من السلاح 
ولكنها لم تكن كافية". 

دين بروان: "هل انتم مستعدون للقتال في حال توفر السلاح؟" 

الرئيس فرنجية: "ان كل الموجودين امامك هنا لديهم اولاد 
على الجبهات". 

دين بروان: 'لقد اتصل الرئيس فرنجية بالرئيس حافظ الأسدء 
وطلب منه تدخل الجيش السوري في لبنان» والذي بدوره اتصل بنا 
بواسطة السفارة الأميركية في دمشق طالب معرفة رأينا بالموضوع. فهل 
انتم مع دخول الجيش السوري في لبنان"؛ وهل تعرفون انه في حال 


504 


دخل الجيش السوري إلى لبنان فانه سيكون من الصعب اخراجه بعد 
ذلك؟" 

الشيخ بيار الجميل: 'السكين على الرقبة الآن وعندما نتمكن 
من إنقاذ رقبتنا سوف نفكر كيف نتدبر امرنا مع السوريين". 

انتهى الإجتماع من دون التوصل إلى نتائج محددة» وبتاريخ 
72 الساعة السابعة مساء؛ وصلت باخرة إسرائيلية إلى مرفأ 
جونية؛ وهي تحمل الف بندقية من نوع 'فال" مع مليون طلقة؛: وما ان 
أصبح السلاح بحوزة القوات اللبنانية» حتى قامت باشعال جميع 
الجبهات دفعة واحدة» وذلك في اشارة للخصم, بأنها استعادت توازنها 


بعد سلسلة الهزائم التي لحقت بها. 
سليمان فرنجية: 'نحن بحاجة لأن يكون هناك اتصال بيننا 
وبين إسرائيل" 


بقي الرئيس سليمان فرنجية وحده من بين اعضاء الجبهة 
اللبنانية» خارج مشهد التعاون مع إسرائيل» وهو رفض استلام أي قطعة 
سلاح كانت تصل إلى الجبهة اللبنانية من إسرائيل» وذلك بالرغم من 
النقص الذي كان يعانيه في السلاح والذخائر. 

بدورهم سعى الإسرائيليون إلى مد جسور التعاون مع الرئيس 
فرنجية» فبعثوا له برسالة مع مدير عام بنك 'انترا' لوسيان دحداح شقيق 
انطوان دحداح. كان لوسيان دحداح في فرنسا عندما اتصل به شخص 
فرنسي من الطائفة اليهودية ناقلاً له رغبة إسرائيل بأن يقوم انطوان 
دحداح بزيارتها موفداً من قبل الرئيس فرنجية من اجل البحث في 
إمكانية التعاون بين فرنجية والحكومة الإسرائيلية. 

رسالة الحكومة الإسرائيلية هذه نقلها لوسيان دحداح إلى 
الرئيس فرنجية» والذي قام باستدعاء انطوان دحداح وقال له: 'حتى 
الآن لم يقم أحد من طرفنا بالاتصال بإسرائيل» ولكن نحن في حال من 

565 


الضيقء» وبحاجة لأن يكون هناك اتصال بيننا وبينهم» ولذلك اترك لك 
حرية الخيار في الذهاب أو عدم الذهاب إلى إسرائيل» مع العلم انه في 
حال ارسلت أحد غيرك فأنهم لن يكترثوا له لأنهم يطلبون حضورك انت 
بالذات". اعتذر العقيد دحداح عن تلبية طلب الرئيس فرنجية واجابه 
قائلً: "اذا كان الأمر متروك لي فانا اختار عدم الذهاب". فاستجاب 
الرئيس فرنجية لطلبه ليطوى الحديث في هذا الملف عند هذا الحد. 
'ولكن لو اصر علي الرئيس فرنجية علي لكنت ذهبت إلى إسرائيل" 
يقول انطوان دحداح. 
حكمت الشهابي: 'يمكنك اعتبار كمال جنبلاط ميت منذ 
إلار* 0 

بعد تسلم الياس سركيس لمهامه الدستورية في 9/23 /1976 
خلفأ للرئيس سليمان فرنجية» طلب العقيد انطوان دحداح من رئيس 
الجمهورية الجديد تعيينه سفيرا للبنان في الخارجء وافق الرئيس سركيس 
على هذا الطلبء ولكنه تمنى عليه البقاء في منصبه لحين تعيين مدير 
جديد للأمن العام» وفي ذلك الوقت كان الرئيس سركيس قد كلف 
الدكتور سليم الحص بتشكيل الحكومة الأولى في عهده؛ وبغية تسهيل 
مهمة الرئيس الحص طلب الرئيس سركيس من العقيد انطوان دحداح 
القيام بزيارة إلى دمشق للبحث مع المسؤولين السوريين في التشكيلة 
الوزارية المقترحة. 

في دمشق التقى العقيد دحداح برئيس هيئة الأركان في الجيش 
السوري العماد حكمت الشهابي واقترح عليه تسهيل دخول كمال جنبلاط 
إلى الحكومة. ولكن العماد الشهابي رفض بشدةء وقال للعقيد 
دحداح:'ابلغ الرئيس سركيس بأننا لن نقبل بكمال جنبلاط وزيراً مهما 
كانت الاسباب ويمكنك منذ الان اعتبار كمال جنبلاط: جثة هامدة 
مسجاة امامك على هذه الطاولة". وكان العماد حكمت الشهابي قد قال 

566 


اكثر من مرة امام انطوان دحداح بأن سوريا تمتلك فريق امنيا محترفأء 
تدرب على اعمال الاغتيال والتفجير في المانيا الشرقية والاتحاد 
السوفياتي» وان اعضاء هذا الفريق هم من العلويين فقطء وانه بعد ان 
يقوم هذا الفريق بالمهمة المكلف بهاء يعود إلى سوريا قبل ان تبدأ 
الاجهزة الامنية تحقيقاتها". 
خلاف مع الرئيس فرنجية 

بعد تعيين الامير فاروق ابي اللمع مدير عاما للدثمن العام 
عُين انطوان دحداح سفيراً للبنان في البرازيل» حيث امضى خمس 
سنوات. عاد بعدها إلى لبنان مع انتخاب أمين الجميل رئيساً 
للجمهورية» وكان الرئيس أمين الجميل قد طلب من الرئيس سليمان 
فرنجية» ترشيح عدد من الاشخاص المحسوبين عليه لمنتصب سفير في 
الخارج. فأختار الرئيس فرنجية عدداً من الاسماء لم يكن من بينها اسم 
انطوان دحداح . استبعاد سليمان فرنجية لأنطوان دحداح كان سببه انه 
كان عاتباً عليه لعدم قيامه بما يكفي لمحاربة نشاط حزب الكتائب في 
البرازيل. هذا الاتهام رفضه انطوان دحداح واوضح للرئيس فرنجية انه 
طوال مدة خدمته في البرازيل كان يمتنع عن تلبية أي دعوة من حزب 
الكتائب وذلك مراعاة له. ولكن الرئيس فرنجية لم يقتنع» مما ادى إلى 
قطيعة بينهما استمرت حتى وفاة الرئيس فرنجية. 


56 


'فهيم الحاج".... القائد الذي رفض تولي 
القيادة 





ناجح بالرغم من الرسوب 

في العام 1952 قرر فهيم الحاج ابن بلدة المروج الواقعة في 
قضاء المتن الشماليء التطوع في الجيش اللبناني بصفة تلميذ ضابط» 
واختار التخصص في سلاح الطيران وعندما عرفت والدته بالأمر رجته 
بأن يعدل عن قرارهء فهي كانت عاشت تجربة مقتل قريبهاء النقيب 
الياس أبو سليمان اثناء مطاردته لمسلحين خارجين عن القانون في 
منطقة بعلبك؛ ولم تكن تريد لهذه التجربة ان تتكرر مع ابنها. نزل فهيم 
الحاج عند رغبة والدته» وقرر ان يرسب عن سابق تصور وتصميم في 
كل مواد امتحانات الدخول إلى المدرسة الحربية» الا انه فوجئ بعد 
صدور النتائج بورود اسمه في قائمة الناجحين. لم يكن فهيم الحاج هو 
وحده الذي استغرب هذا الأمر بل استغربه أيضاً قائد المدرسة الحربية» 


569 


الذي قال لفهيم الحاج وهو يمسك بسجل علاماته: "يا بني انت على 
شو اخدوك ما في مادة ناجح فيها". فرد أحد الضباط الذين كان يجلس 
بجانبه قائلاً: 'يمكن على طوله سيدنا". لكن الذي تبين فيما بعد ان 
سلاح الجو اللبناني؛ والذي كان قد أنشئ حديثء كان يعاني من نقص 
في عدد المتطوعين. 

في أحد الطلعات التدريبية كاد فهيم الحاج ان يفقد حياته؛ 
عندما تعطل محرك الطائرة» فطلب منه المدرب ميشال نوفل الذي كان 
برفقته» الاستعداد للقفز بالمظلة؛ لكن فهيم الحاج اقترح عليه محاولة 
الوصول بالطائرة إلى مطار بيروتء وافق المدرب على هذا الاقتراح 
واضعاً حياته تحت رحمة تلميذه. نجحت المحاولة وهبطت الطائرة 
بسلام بقي بعدها فهيم الحاج متسمراً وراء المقود لأكثر من عشر دقائق 
لم يقوى خلالها على الوقوف. 

في اوائل الستينيات عرف سلاح الجو اللبناني فترة ذهبية» 
كانت خلالها الطائرات الحربية اللبنانية» تحلق في سماء فلسطين 
المحتلة دون أن تلقى اعتراضاً من الطائرات الإسرائيلية» لكن هذه 
المرحلة لم تستمر طويلاً فمع الوقت بدأت فعالية الطيران اللبناني تخف 
تدريجياً بسبب اهمال الدولة اللبنانية لتحديث سلاحها الجوي. 
مواجهة مع غابي لحود 

حاول المكتب الثاني في عهد الرئيس فؤاد شهابء ان يفرض 
نفسه لاعباً اساسيأ في خيارات المواطنين الانتخابية» وذلك من خلال 
محاولته الضغط عليهم بشتى الطرق من اجل الاقتراع للمرشحين 
الموالين له. كان أحد الذين تعرضوا لهذه الضغوط 'حليم الحاج" والد 
الملازم فهيم الحاج والذي كان يدعم ترشيح 'سليم لحود" في مواجهة 
مرشح الرئيس فؤاد شهاب العقيد جميل لحودء وكان فؤاد شهاب قد اقنع 
العقيد جميل لحود بالاستقالة من الجيش والترشح للنيابة» وذلك بهدف 

560 


قطع الطريق عليه للوصول إلى قيادة الجيش خوفاً من ان يؤثر ذلك 
على شعبيته في صفوف المؤسسة العسكرية. 

جاء الضغط على حليم الحاج من خلال ابنه الملازم فهيم 
الحاج» وذلك عندما استدعاه رئيس فرع الامن العسكري في المكتب 
الثاني المقدم غابي لحود ووجه اليه تهمة التدخل في السياسة. رفض 
فهيم الحاج هذا الاتهام وادرك ان المقصود به الضغط على والده من 
اجل سحب تأييده لسليم لحودء وقال للمقدم لحود: "اعتقد ان هذا 
الاستدعاء هو لتشغيلي 'في السياسة". ثارت ثائرة غابي لحود لدى 
سماعه هذا الجواب وعلا صوته حتى وصل إلى خارج المكتب وعندما 
سمعه بعض مرافقيه دخلوا إلى مكتبه واحاطوا بالملازم فهيم الحاج 
بعضلاتهم المفتولة» شعر الملازم فهيم الحاج من جراء هذا المشهد 
بجرح في كرامته» فكانت ردة فعله هي ان نزع رتبته العسكرية عن 
كتفيه وقام بوضعها على الطاولة امام المقدم لحود وقال له: "اذا كانت 


هذه الرتبة ستجلب لي البهدلة بلاها سيدنا". 
لم تكن هذه الحادثة هي الوحيدة, التي تعرض لها فهيم الحاج 
إيان حكم فؤاد شهاب. 


فبعد المحاولة الانقلابية التي قام بها الحزب السوري القومي 
الإجتماعي عام 1961؛: وضع المكتب الثاني الملازم فهيم الحاج تحت 
المراقبة لفترة طويلة» وذلك بسبب زواج شقيقتيه من شابين ينتميان إلى 
الحزب القومي. كما جرى تأخير ترقيته لمدة عامء وذلك لاعتراضه 
على قيام عناصر من المكتب الثاني بجلد رئيس بلدية بلدة "المروج" 
الطاعن في السن في ساحة البلدة» وذلك بسبب انتمائه إلى الحزب 


السوري القومي الإجتماعي. 
بعد نكسة حزيران عام 1967 قررت الحكومة اللبنانية تعزيز 


شبكة دفاعاتها الجوية بوجه العدو الإسرائيلي» وقامت لهذه الغاية بابرام 


5/71 


صفقة مع الحكومة الفرنسية لشراء صواريخ كروتال المضادة للطيران» 
وفي اطار التحضير لأستقبال هذه الصورايخ شرعت قيادة الجيش ببناء 
شبكة انذار مبكر على جبل الباروك؛ وغين النقيب فيهم الحاج امرا 
لمفرزة الجيش في جبل الباروك. كانت عمليات بناء منشآت شبكة 
الانذار في تتم وسط فوضى عارمة؛ وعمليات سرقة للمواد الأولية من 
قبل المتعهدين» وبالرغم من التقارير العديدة التي رفعها النقيب فهيم 
الحاج إلى قيادة الجيش بهذا الخصوص فأن الامور بقيت على ما هي 
عليه. 


الحرب الاهلية.. قاعدة رياق في عين العاصفة 

لم تسلم مؤسسة الجيش من فيروسات الحرب الاهلية عام 
5؛» سضسرعان ما اصابها التفكك والانقسام» وراحت ثكنات الجيش 
تتساقط الواحدة تلوى الأخرى بأيدي الاحزاب والمليشيات من مختلف 
الاتجاهات حتى وصل الدور إلى قاعدة رياق الجوية والتي راحت 
تتعرض للقصف بين الحين والاخر من مواقع المنظمات الفلسطينية في 
كفرزبد". وذلك بهدف اجبار عناصرها على اخلاثها تمهيداً للأستيلاء 
عليها. ومع تفاقم هذه الاعتداءات» وفي ظل قرار قيادة الجيش بمنع 
طائرات قاعدة رياق من التحليق» قرر قائد القاعدة المقدم فهيم الحاج 
التصرف من تلقاء نفسه؛ فأصدر أوامره لطائرتين تابعتين له بقصف 
مواقع المسلحين في كفر زبدء وعندما وصل الخبر إلى قائد الجيش 
العماد "اسكندر غانم"» اتصل بالمقدم فهيم الحاج ووجه اليه لوم 
لمخالفته أوامر قيادة الجيش فكان جواب المقدم الحاج له: "ان عملية 
الدفاع عن النفس لا تحتاج إلى اذن مسبق". 

في اطار سياستها الهادفة إلى تفكيك بنية الجيش اللبناني 
سعت المنظمات الفلسطينية إلى اسقاط ثكنة ابلح والتي كانت بقيادة 
العقيد انطوان لحد. كان المقدم فهيم الحاج في مكتبه في قاعدة رياق» 

52 


عندما دخل عليه الرائد فايز حلاني وهو أحد ضباط ثكنة ابلح؛ وابلغه 
بأن الثكنة مهددة بالسقوط بأيدي المنظمات الفلسطينية» بسبب 
ممارسات قائد منطقة البقاع العقيد انطوان لحد ومعاونه المقدم ابراهيم 
طنوس بحق العناصر والضباط المسلمين في الثكنة. واقترح عليه تسلم 
قيادة الثكنة تداركاً للأسوأ. 

في ثكنة ابلح وجد المقدم فهيم الحاج الوضع في اسوأ حال 
بعد ان اعلن الضباط والجنود المسلمون تمردهم على أوامر العقيد لحد 
ومعاونه المقدم ابراهيم طنوس! بنشر العناصر المسيحية خارج الثكنة 
للدفاع عنهاء وإبقاء العناصر الإسلامية داخل الاسوار. وبعد مناقشات 
عسيرة استمرت طوال النهارء قادها المقدم فهيم الحاج تم التوصل إلى 
تسوية» تقضي باصدار العقيد انطوان لحد مذكرة خدمة؛» يفوض فيها 
النقيب "الزين" عملية تنظيم الدفاع عن الثكنة» لكن هذه التسوية لم 
تبصر النور بسبب ان "النقيب الزين" فضّل البقاء في منزله في النبطية 
على الحضور الى ثكنة ابلح في ظل الظروف الامنية المتوترة التي 
كانت تعيشها البلاد» ومع احجام النقيب الزين عن الالتحاق بمركز 
عملهء بدأ البحث عن آلية أخرى للحل. ولكن الملازم أول يوسف 
الطحان استبق الحلء بأن قام بمغادرة الثكنة مع عناصره إلى مدينة 
زحلة» حيث التحقوا بمليشيات الجبهة اللبنانية. هذه التطورات استغلتها 
المنظمات الفلسطينية لأسقاط الثكنة من الداخل بالتعاون مع ضباطها 
المسلمين والذين قاموا بعد ذلك بتسليمها إلى جيش لبنان العربي. 

بعد سقوط ثكنة ابلح توجهت انظار المنظمات الفلسطينية إلى 
قاعدة رياق الجوية ففي صباح يوم 1976/3/14 حضر المسؤول في 
حركة فتح المدعو "ابو خالد" مع عدد من مرافقيه إلى قاعدة رياق» 
وطلب من المقدم فهيم الحاج تسليمه القاعدة حتى لا تلقى مصير ثكنة 


' قائد الجيش في عهد الرئيس امين الجميل. 
513 


ابلح» لكن المقدم الحاج رفض هذا الطلب» وحصل تلاسن بينه وبين 
المسؤول الفلسطيني تدخل على اثره العقيد انطوان لحدء الذي كان قد 
لجأ إلى قاعدة رياق بعد سقوط ثكنة ابلح داعياً المقدم الحاج إلى تسليم 
"القاعدة' لحركة فتح وذلك حفاظأ على ارواح جنودها وضباطهاء لكن 
المقدم فهيم الحاج رفض هذا الاقتراح وطلب من المسؤول الفلسطيني 
مغادرة القاعدة. كانت ردة فعل المسؤول الفلسطيني على طرده من 
القاعدة» هي ان رفع عصاه بوجه فهيم الحاج» وقال له بلهجة تهديدية: 
'لن يطلع عليك الصباح وانت حي". 

على ضوء هذه التطورات عقد المقدم فهيم الحاج إجتماعاً 
لضباط قاعدة رياق اعلمهم فيه بنيته التنازل عن قيادة القاعدة للرائد 
محمود مطر والمغادرة إلى منزله؛ وذلك تلافياً لمزيد من التوترات مع 
المنظمات الفلسطينية» لكن ضباط القاعدة رفضوا هذا الاقتراح؛ واعلنوا 
تمسكهم ببقاء المقدم فهيم الحاج قائداً لهم واستعدادهم للدفاع عن 
القاعدة بكل الوسائل المتاحةء هذا الاجماع لم يخرج عنه الا العقيد 
انطوان لحدء الذي فضل العودة إلى بيروت. 

سرعان ما وصل قراد ضباط القاعدة بالتصدي للمنظمات 
الفلسطينية إلى الامام موسى الصدرء فأرسل إلى المقدم فهيم الحاج 
بواسطة النقيب محمد همدر يعلمه برغبته باللقاء به. عُقد الإجتماع بين 
الامام الصدر والمقدم فهيم الحاج في أحد المنازل القريبة من بيوت 
الضباط في رياق» واعلن خلاله الإمام موسى الصدر دعمه لموقف 
المقدم فهيم الحاج» واقترح عليه مشاركة مجموعات من حركة امل؛ في 
الهجوم على قاعدة رياق إلى جانب عناصر المنظمات الفلسطينية» 
وعند وصول المهاجمين بالقرب من القاعدة تنقض عليهم عناصر 
حركة امل من الوراء. شكر المقدم الحاج الامام الصدر واعلمه ان 
عناصر القاعدة بإمكانهم وحدهم الدفاع عنهاء وفي نفس الليلة قامت 


514 


مجموعات فلسطينية بهجوم على قاعدة رياق واشتبكت مع حاميتهاء 
والتي تمكنت من صدهم بعد معركة استمرت حتى ساعات الفجر 
الأولى. 
السوريون ينجدون قاعدة رياق 

رفضت القيادة السورية سياسة المنظمات الفلسطينية بتفكيك 
الجيش اللبناني؛ واعتبرتها لا تخدم مصالحها في لبنان؛ وانطلاقاً من 
هذه الرؤية طلبت دمشق من قيادة جيش التحرير الفلسطيني» تأمين 
الحماية لقاعدة رياق الجوية. ولكن بالرغم من ذلك فأن وصول التموين 
والمرتبات إلى عناصر القاعدة بقي متعذراً بسبب انتشار المسلحين 
الفلسطينيين على الطرقات المؤدية إلى القاعدة. 

في نهاية الأمر وجد عناصر قاعدة رياق أنفسهم في وضع لا 
يحسدون عليهم نتيجة نفاذ التموين والمحروقات فعقدوا إجتماعا برئاسة 
المقدم فهيم الحاج قرروا فيه اخلاء القاعدة وتسليمها إلى العقيد 'مفتخر 
الشرع' رئيس فريق الضباط السوريين في لجنة الارتباط اللبنانية السورية 
المشتركة» ولكن العقيد الشرع طلب مهلة لأعطاء الجواب واتصل 
بقيادته في دمشقء والتي طلبت منه دعوة المقدم فهيم الحاج للقاء 
رئيس هيئة الإركان السورية العماد حكمت الشهابي. في دمشق ابلغ 
العماد حكمت الشهابي المقدم فهيم الحاج قرار القيادة السورية بدعم 
صمود قاعدة رياق وتأمين رواتب عناصرها من الخزينة السورية على 
ان يتم استردادها لاحقاً من الجيش اللبناني. شكلت هذه الخطوة من 
قبل السوريين حافزاً لعدد كبير من عناصر الجيش اللبناني» الذين 
ابعدتهم ظروف الحرب الاهلية عن مراكزهم العسكرية الاساسية» 
للإلتحاق بقاعدة رياق والذي بلغ عدد عناصرها في وقت قصير حوالي 
ثلاثة الاف عنصر جرى استيعابهم في ثكنات الجيش في رياق وابلح 
وبعلبك وعندقت وجزين وحمانا وذلك بالتعاون مع الجيش السوري. 


55 


في 1976/9/10 اجتمع عدد من ضباط الجيش اللبناني 
برئاسة المقدم فهيم الحاجء واعلنوا انشاء 'طلائع الجيش العربي 
اللبناني"» واتت اضافة كلمة عربي بناء على نصيحة الامام موسى 
الصدرء الذي رأى ان اضافة هذه الكلمة ستسهل عليه اقناع العناصر 
الشيعية بالانضمام إلى هذا التنظيم. 

لقي جيش الطلائع دعم القوات السورية التي ساعدته على 
بسط سيطرته على عدد من ثكنات الجيش في مناطق تواجدها في 
لبنان» حتى انه عندما قام مسلحون فلسطينيون باغتيال الملازم أول في 
الجيش اللبناني "اميل سليلاتي"؛ اصدر الرئيس حافظ الأسد توجيهاته؛ 
بتشكيل محكمة ميدانية مؤلفة من ضباط سوريين ولبنانيين من جيش 
الطلائع برئاسة المقدم فهيم الحاج؛ والتي اصدرت حكماً بأعدام 
المتهمين في الجريمة جرى تنفيذه في منطقة المصنع. 

شاركت قوات جيش الطلائع إلى جانب الجيش السوري؛ في 
الهجوم على منطقة المتن الشمالي في تشرين أول عام 1976: ومع 
استعادة بلدة المروج من مسلحي الحركة الوطنية والمنظمات 
الفلسطينية» اتصل النائب أمين الجميل بالمقدم فهيم الحاج وطلب منه 
تسهيل عودة عناصر حزب الكتائب في المتين إلى بلدتهم. تجاوب 
المقدم الحاج والجيش السوري مع هذا الطلب وهم لم يكتشفوا الهدف 
الحقيقي منه» إلا عندما راحت عناصر حزب الكتائب التي دخلت إلى 
المتين تمارس كل انواع التعديات بحق المواطنين من ابناء الطوائف 
الأخرى؛ وما ان وصل الخبر إلى القوات السورية حتى قامت فوراً 
بإخراج الكتائبيين من البلدة. وفي بلدة صليما شاهد فهيم الحاج مناظر 
مروعة للمجزرة التي ارتكبها حزب الكتائب بحق عدد كبير من ابناء 
البلدة من بينهم اطفال. 

كان عناصر قاعدة رياق يتشكلون من ضباط وجنود من كل 


516 


الطوائف اللبنانية» وهذا ما جعل رئيس الجمهورية الياس سركيس يقول 
عندما قام بزيارة إلى القاعدة في 1976/11/5»ء وهو في طريقه إلى 
دمشق: "ان من يأتي إلى قاعدة رياق ينسى ان هناك حربا اهلية في 
لبنان". وهذا ما شجع أيضأ القيادة السورية على محاولة الاستفادة من 
هذا النموذج لإعادة الوحدة إلى الجيش اللبناني» فاقترح رئيس 
المخابرات الجوية السورية اللواء ناجي جميل على المقدم فهيم الحاج 
ايجاد صيغة من شأنها ان تعيد كل المجموعات التي انشقت عن 
الجيش إلى صفوف المؤسسة الشرعية. بدأ المقدم فهيم الحاج اتصالاته 
بهذا الشأن بزيارة قام بها إلى رئيس حزب الكتائب اللبنانية الشيخ بيار 
الجميل» في منزله في بكفياء والذي أبدى ترحيبه بهذا المشروع وقام 
باستدعاء ضابطين من الجيش اللبناني مقربين من حزب الكتائب 
وطلب منهما التنسيق مع المقدم فهيم الحاج في خطواته لإعادة الوحدة 
إلى صفوف الجيش. وبينما كان الإجتماع منعقداً اتصل الشيخ بشير 
الجميل بالضابطين المذكورين؛ وطلب منهما الحضور اليه. وبعد ان 
ذهبا جاء من يخبر الشيخ بيار الجميل بأن بشير قد طلب من 
الضابطين المذكورين عدم العودة إلى الإجتماع. 

بعد ذلك توجه المقدم فهيم الحاج لمقابلة قائد الجيش العماد 
حنا سعيد في مكتبه في اليرزة» وكان برفقته الرائد محمود مطر. لم يكن 
قائد الجيش موجوداً هناك لأنه كان قد ذهب للستجمام في أحد 
منتجعات طبرجا. في اليرزة التقى المقدم الحاج بالرائد "أ. م." والذي 
قال له بالحرف: "شو بعدك عم تعمل فوق مع الإسلام" وقام بإعطائه 
منشوراً كان يقوم بتوزيعه مع بعض الضباط وهو يدعو إلى رفض عودة 
العناصر الإسلامية إلى صفوف الجيش. في طبرجا التقى المقدم فهيم 
الحاج بقائد الجيش وعرض عليه صيغته لإعادة الوحدة إلى صفوف 
المؤسسة العسكرية. لم يعلق قائد الجيش على الموضوع ولكنه أبدى 


577 


عدم رضاه على بقاء المقدم فهيم الحاج في قاعدة رياق في ظل الوجود 
السوري في البقاع. وكان العماد حنا سعيد قد قال في وقت سابق خلال 
إجتماع له مع عدد من ضباط 0 "لا عودة للضباط المسلمين إلى 
اليرزة" وفي اثناء الحديث حضر الرئيس كميل شمعون الذي صودف 
وجوده 0-0 

وبعد ان تعرف على المقدم فهيم الحاج دار بينهما الحوار 
التالي: 

شمعون: شوكان بدك بشغلة الطلائع؟ 

الحاج: شو كان بدك ياني اعمل يا فخامة الرئيس.. هل كان 
يجب ان اترك مسؤولياتي واتي هنا للسباحة 

شمعون وقد اصابه الوجوم: المشكلة انكم لا تتظرون إلى 
البعيد. 

الحاج: وما هو البعيد بنظر القيادات السياسية.. تفضلوا 
ارشدوناء فاذا اقتنعنا مشينا به واذا لم تقتنع فسنظل نعمل وفقا لما نرى 


فيه مصلحة الجيش والوطن. 
شمعون بعصبية ظاهرة: روح يا ابني الله يحميك. 
فهيم ل قائداً لسلاح الطيران 


انتهت حرب السنتين بدخول قوات الردع نا إلى لبنان» 
لتبدأ بعدها عملية توحيد الجيش اللبناني من جديد تحت اشراف قائد 
الجيش العماد فيكتور خوري» » وعلى ضوء هذه التطورات» اجتمعت 
قيادة جيش الطلائع واعلنت حل تشكيلاتهاء والعودة إلى صفوف القيادة 
الشرعية للجيش اللبناني. وبعد عودته إلى صفوف الشرعية غين المقدم 
فهيم الحاج قائدأ لسلاح الطيران بعد ترقيته لرتبة عقيد. 

كان فهيم الحاج من المعترضين على قرار تكليف قوات الردع 
العربية» مهمة حفظ الامن على الاراضي اللبنانية وحدها دون أي دور 


58 


يذكر للجيش اللبناني. وهو عبر عن هذا الموقف في مقال كتبه في 
مجلة الجيش اللبناني بناء على طلب من الضابط في الشعبة الخامسة 
'شارل ايوب". 

اثار هذه المقال استياء قائد الجيشء فقام باستدعاء العقيد فهيم 
الحاج وابلغه قراره بمعاقبته بسبب نشره هذا المقال المخالف للُصول. 
اعترض العقيد الحاج على قرار قائد الجيش» وخاصة ان المقال قد تم 
نشره بعلم واشراف شعبة الاعلام في الجيش. هذا وقد تبين ان اقتراح 
معاقبة العقيد الحاج اتى بناء على طلب مدير المخابرات العقيد"' جوني 
عبده'" والذي كان يسعى إلى ابعاد كل الضباط المتعاطفين مع سوريا 
عن المواقع القيادية في الجيش. 

كان لهذا الاسلوب المتبع من جوني عبده انعكاسه السيئ على 
الروح المعنوية لبعض ضباط الجيشء منهم النقيب الطيار في قاعدة 
بيروت الجوية 'ميشال معيكي" الذي فوجئ بتشكيله إلى موقع اخر بعد 
ان كان قد سأل قائد سلاح الطيران اذا كانت التشكيلات القادمة 
ستشمله فأبلغه العقيد الحاج رغبته بابقائه في قاعدة بيروت الجوية. 
ومع صدور المناقلات تبين ان اسم النقيب معيكي وارد في هذه 
التشكيلات من دون علم قائد سلاح الجو. كانت ردة فعل النقيب 
معيكي على هذا القرار سلبية فاقدم على القيام باعمال شغب وتكسير 
داخل قاعدة بيروت الجوية. وكان النقيب معيكي أحد الضباط الذين 
شاركوا مع العقيد فهيم الحاج في تأسيس جيش الطلائع خلال فترة 
حرب السنتين. 

في اليوم التالي استدعى قائد الجيش العقيد فهيم الحاج وطلب 
منه معاقبة النقيب معيكي لقيامه بتصرفات خارجة عن الانضباط 
العسكري؛ ولكن العقيد الحاج رفض ان يعاقبه محملاً مسؤولية ما جرى 
بالدرجة الأولى لقيادة الجيش. عندها طلب منه قائد الجيش مراجعة 


519 


مدير المخابرات العقيد جوني عبده بالموضوع. استغرب العقيد الحاج 
طلب قائد الجيش بأدخال المخابرات في امر ليس من اختصاصهاء 
وعاد الح رار صم لي عدم التوقرع على :هذه العقوبة بحق 
النقيب معيكيء وبعد قليل حضر اليه العقيد جوني عبده متودداً وقال 
له: "انت الضابط الوحيد في الجيش الذي اؤدي له التحية اما الاخرون 
على اختلاف رتبهم فهم يسبقونني في ادائها" وعرض عليه صيغة لحل 
قضية النقيب ميشال معيكي ملمحا له إلى ان المجالات ستكون مفتوحة 
له اكثر في قيادة الجيش في حال تخلى عن صداقته لدمشق. 
العماد طنوس يحاول ابعاد العقيد فهيم الحاج 

عام 1982 انتخب الشيخ أمين الجميل رئيسأ للجمهورية الذي 
عين العماد ابراهيم طنوس قائدا للجيش. سار العماد طنوس على نفس 
نهج سلفه العماد فيكتور في محاولة اقصاء اعتيد فينم الحا عن 
المناصب القيادية في الجيش فاقترح عليه تعبينه ملحقأ عسكرياً في 
تونسء؛ وكان القصد من هذا الاقتراح هو ابعاد العقيد فهيم الحاج عن 
قيادة سلاح الطيران» وتعيين ضابط اخر مكانه موال لقائد الجيش» لكن 
العقيد فهيم الحاج اعتذر عن الذهاب إلى تونس وفضل البقاء في قيادة 
سلاح الطيران. 

كان العماد طنوس يبدي دائما حذره في التعامل مع العقيد 
فهيم الحاج» وذلك بسبب علاقاته الجيدة مع القيادة السورية. وقد ظهر 
هذا الحذر واضحاً في اكثر من مناسبة. فعندما حضرت لجنة عسكرية 
أميركية إلى لبنان عام 1983 لدرس احتياجات الجيش اللبناني من 
الاسلحة؛ دعا قائد الجيش جميع قادة الاسلحة إلى إجتماع لبحث 
حاجات وحداتهم من الاسلحة» باستثناء قائد سلاح الطيران العقيد فهيم 
الحاج الذي كلف قائد الجيش أحد الضباط بحضور الإجتماع بدلاً منه 
ومن دون علم العقيد فهيم الحاج. 

50 


ظل موضوع اللجنة الأميركية خافيأ عن العقيد فهيم الحاج إلى 
ان وصلته دعوة لحضور إجتماع مع اعضائها يحضره أيضاً جميع قادة 
الاسلحة في الجيش اللبناني. وبالرغم من استيائه من اخفاء امر اللجنة 
عنه فأن فهيم الحاج قرر حضور الإجتماع وتسجيل موقف. كان رأي 
العقيد فهيم الحاج الذي ابداه خلال الإجتماع مع اعضاء اللجنة 
الأميركية هو ان طلبات الإسلحة المقدمة من قادة "الوحدات" تفوق قدرة 
الجيش اللبناني على استيعابهاء اضافة إلى تكلفتها المرهقة للخزينة 
اللبنانية. اعجب رئيس اللجنة بهذا الرأي» وقال امام الحضور :"'يوجد في 
هذه القاعة خمسة عشر ضابطأ بينهم طيار واحد ولكنه الوحيد الذي 
يضع رجليه على الارض, ثم طلب من العقيد فهيم الحاج وضع لائحة 
جديدة باحتياجات سلاح الطيران» واعلن استعداده لتأخير سفره من اجل 
استلام هذه اللائحة منه. 

لم يكن هذا المشهد هو المشهد الوحيد الذي حاول فيه العماد 
طنوس استبعاد العقيد فهيم الحاج عن دائرة القرارء فهو حاول استبعاده 
أيضاً من عملية إنقاذ المواطنين الذين حاصرتهم الثلوج في ضهر 
البيدر عام 1983. يومها طلبت الحكومة اللبنانية مساعدة القوات 
المتعددة الجنسيات العاملة في بيروت في إنقاذ المحاصرين. استجابت 
القوات المتعددة الجنسيات لطلب الحكومة اللبنانية» وقامت بإرسال عدد 
من طوافاتها للمشاركة في عمليات الإنقاذء وطلبت من الجيش اللبناني 
المساهمة معها في عمليات الإنقاذ. لكن قائد الجيش ابلغها بأن 
الطيارين اللبنانيين غير مدربين على القيادة في مثل هذه الأحوال 
الجوية". جواب قائد الجيش هذا حمله منسق حملة "الإنقاذ"العميد 
محمود أبو ضرغم إلى قائد سلاح الطيران العقيد فهيم الحاج الذي اكد 
للعميد أبو ضرغم ان قائد الجيش يعرف تماماً ان الطيارين اللبنانيين 
مدربين على القيادة في مثل هذه الظروف المناخية. احرج جواب العقيد 


551 


الحاج قائد الجيش الذي وجد نفسه مضطرأ لاعطاء الأمر لسلاح الجو 
اللبناني بالمشاركة في عملية الإنقاذ. هذا الأمر الذي لو لم يأت متآخراً 
لكان هناك مجال لإنقاذ عدد اكبر من المواطنين الذين قضوا في 
سياراتهم متجمدين من البرد. 
قرار بضرب البوارج السورية في البحر 

مع تولي العماد ميشال عون قيادة الجيش خلفا للعماد ابراهيم 
طنوسء؛ شعر معظم الضباط في قيادة الجيش ان قائد الجيش الجديد 
يضع نصب عينيه الوصول إلى كرسي الرئاسة في بعبداء حتى ان 
بعضهم كان يحلو له ان يردد: 'ما فيك تقول للعماد عون صباح الخير 
قبل ما تحكي عن الرئاسة". 

في 1989/3/14 اعلن ميشال عون حرب التحرير ضد 
القوات السورية في لبنان والتي ردت بفيرض حصار بحري على المنطقة 
الشرقية من بيروتء وبدل ان يلجأ العماد عون إلى التهدئة ذهب نحو 
التصعيدء فدعا قادة الاسلحة في الجيش إلى إجتماع في قصر بعبدا 
طلب خلاله من قائد سلاح الطيران العميد فهيم الحاج الاستعداد 
لضرب البوارج العسكرية السورية الموجودة قبالة الشاطئ اللبناني. 
تعجب العميد الحاج لهذا القرار وقام بشرح انعكاساته السلبية على 
سلاح الجو اللبناني امام الحاضرين؛ والتي كان اقلها قيام الجيش 
السوري بأسقاط الطائرات اللبنانية قبل ان تتمكن من القيام بمهمتها 
وتدميره لجميع المطارات العسكرية اللبنانية بواسطة المدفعية» ولكن 
بالرغم من واقعية هذا الطرح فأن العماد عون ظل متمسكأ برأيه وقال 
للعميد الحاج: "ان المهم عندي هو كرامة الوطن". فأجابه العميد 
الحاج: "ان كرامة الوطن هي من مسؤولياتك كرئيس للحكومة اما انا 
فسأصدر أوامري بالاستعداد لتنفيذ العملية» ولكن عليك ان تعلم انك 
وحدك من يتحمل نتائج هذه المغامرة". 


552 


عاد العميد الحاج إلى مكتبه» وراح ينتظر امر قائد الجيش» 
ولكن الأمر لم يصدر. في صباح اليوم التالي دخل العقيد الطيار خليل 
مطر على العميد فهيم الحاج واخبره ان العماد ميشال عون ارسل وراءه 
وسأله رأيه في عملية قصف البوارج الحربية السورية فحذره من خطورة 
هذا العمل. لم يعجب هذا الجواب العماد عون والذي قال لخليل مطر: 
"هيأتك متل معلمك فهيم الحاج"» وبعد مرور عدة ايام اصدر العماد 
عون مذكرة قضت باعفاء العميد فهيم الحاج من قيادة سلاح الجو 
اللبناني؛ وتعيينه رئيساً للمحكمة العسكرية". 
رينه معوض يختار فهيم الحاج لقيادة الجيش 

بعد انتخابه رئيساً للجمهورية استهل الرئيس رينه معوض 
ممارسته لمهامه بالسعي لتعيين قائد جديد للجيشء وكان أول من فكر 
به لهذا المنصب هو العميد فهيم الحاج» وبعث له برسالة بهذا 
الخصوص مع العميد "وليم مليس" الذي جاء إلى منزل العميد فهيم 
الحاج ناقلاً له رغبة الرئيس معوض بتعيينه قائدأ للجيش. كما نقل له 
أيضاً عن لسان الرئيس معوض قوله ان إجتماعه القادم مع العميد 
اميل لحود لا علاقة له بقيادة الجيش. 

بعد استشهاد الرئيس معوض انتخب الياس الهراوي رئيساً 
للجمهورية» والذي رغب أيضاً بتعيين العميد فهيم الحاج قائداً للجيش» 
لكن العميد الحاج اعتذر عن قبول هذا المنصب بسبب. البرودة التي 
كانت قد سادت علاقاته بالسوريين في تلك الفترة وذلك بعد قيام 
مسلحين منشقين عن حركة امل باغتيال عدد من الضباط المسيحيين 
في البقاع من بينهم الرائد الطيار 'سليمان مظلوم" دون ان تبادر القوات 
السورية إلى القيام بأي عمل لوقف هذه الموجة من الاغتيالات. 

بعد اعتذار فهيم الحاج عن تولي قيادة الجيش اقترح وزير 
الدفاع البر منصور على الرئيس الهراوي تعيين العميد اميل لحود قائداً 

53 


للجيشء الا ان الرئيس الهراوي فضل التريث بانتظار نتائج محاولات 
اقناع العميد فهيم الحاج بالعودة عن قراره» ولكن وزير الدفاع اصر 
على اسم اميل لحودء وهدد بالاستقالة في حال لم يلب الرئيس الهراوي 
طلبه. وبغية حل الخلاف بين وزير الدفاع ورئيس الجمهورية تدخل 
العميد ادوار منصور شقيق وزير الدفاع البر منصور واصطحب اميل 
لحود إلى عنجرء حيث قام بتعريفه على اللواء غازي كنعان؛ ليصبح 
بعد ذلك اميل لحود قائداً للجيش. 
سمير جعجع: 'نريد جيشا للمسلمين وآخر للمسيحيين" 

لم يكن فهيم الحاج قد تعرف بعد على سمير جعجع حين اتاه 
العقيد خليل مطر ناقلاً اليه رغبة قائد القوات اللبنانية بالتعرف اليه 
وكان ذلك قبل حرب الالغاء بين سمير جعجع وميشال عون. عقد 
اللقاء بين جعجع والعميد فهيم الحاج في مقر قيادة القوات اللبنائية 
وحضره العقيد خليل مطر وطرح خلاله سمير جعجع فكرة قيام جيش 
فيدرالي في لبنان يتولى قيادته العميد فهيم الحاج» على ان يكون 
السلاح الاكثر فعالية في هذا الجيش بيد الفئة المسيحية. رفض العميد 
فهيم الحاج هذا الطرح واعتبره تقسيمياً بامتياز مما دفع جعجع لأعلان 
تراجعه عنه وهو قال لفهيم الحاج: 

'دخلك انا من شو بشكي". 

لقاء التعارف بين جعجع والعميد فهيم الحاج كان قد سبقه لقاء 
بين جعجع والسفير الأميركي في بيروت طلب خلاله السفير الأميركي 
من قائد القوات اللبنانية ان يقترح له بعض اسماء الضباط المؤهلين 
لقيادة الجيش. هذا الطلب ناقشه سمير جعجع مع بعضص معاونيه 
الحاضرين اعترضوا بحجة ان فهيم الحاج هو صديق للسوريين» لكن 
خليل مطر اصر على رأيه ونصح جعجع بالتعرف على فهيم الحاج. 

554 


بعد هذا الإجتماع عُقد إجتماع اخر بين العميد فهيم الحاج 
وسمير جعجع طرح فيه الاخير خطة أميركية وافق عليها السوريون 
لأسقاط ميشال عونء وهي تقضي بأن تقوم الوية الجيش اللبناني في 
المنطقة الغربية بعملية عسكرية لأخراج العماد عون من قصر بعبدا 
على ان تقوم القوات اللبنانية بتسهيل تحرك هذه الألوية في المنطقة 
الشرقية. واقترح جعجع على العميد فهيم الحاج تولي قيادة العملية . 
لكن فهيم الحاج تحفظ على هذه الخطة, واقترح بدلا من ذلك ان يصار 
إلى اسقاط ميشال عون بثورة داخلية في المنطقة الشرقية» يشترك فيها 
النواب المسيحيون وضباط الجيش اللبناني المناوئين لميشال عون 
اضافة إلى البطريرك الماروني. لم يمانع سمير جعجع بهذا الاقتراح 
ووعد بدراسته. ولكن مع تعيين اميل لحود قائداً للجيش جرى صرف 
النظر عن المشروع نهائياً. وقبل ذلك كان فهيم الحاج قد لبى دعوة 
لحضور مأدبة غداء اقامها العميد غازي كنعان في عنجر حضرها غدد 
من الشخصيات السياسية بينهم احمد كرامي' ابن عم الرئيس الراحل 
رشيد كرامي» كانت غاية غازي كنعان من دعوة فهيم الحاج هي الطلب 
اليه نقل رسالة إلى العماد عون بأن دمشق لا تعارض قيامه بعملية 
عسكرية ضد المليشيات في المنطقة الشرقية» لكن فهيم الحاج اعتذر 
عن نقل الرسالة وطلب تكليف احداً غيره بهذه المهمة» فكان ان تطوع 
احمد كرامي لنقل الرسالة» وقام بالذهاب برفقة العميد فهيم الحاج إلى 
منزل العماد عون في النقاش حيث قام بابلاغه الرسالة السورية. 

قبل يومين من عملية 13 تشرين أول عام 1990 عقد العماد 
عون إجتماعاً لكبار الضباط في الجيش اللبناني في قصر بعبداء والقى 
خلاله خطاباً حماسياً قال فيه:'ليس المهم ان يعترف بنا العالم المهم ان 
نعترف نحن بالعالم". اثارت هذه الجملة حماس الحاضرين فوقفوا 


' نائب حالي. 
585 


يصفقونء باستثناء فهيم الحاج الذي بقي جالسأً في مكانه؛ مما احرج 
العماد عون فطلب من المصورين حذف هذا المقطع من التسجيل. بعد 
انتهاء الإجتماع اقترح العميد فهيم الحاج على العماد ميشال عون عقد 
لقاء بينه وبين سمير جعجع برعاية رئيس الجمهورية الياس الهراوي 
للبحث كل الامور على الساحة المسيحية؛ وافق ميشال عون على هذا 
الاقتراح» وطلب من العميد فهيم الحاج الحضور إلى قصر بعبدا 
صباح يوم 13 تشرين أول لأستكمال البحث في هذا الموضوع. في 
صباح ذلك اليوم» وبينما كان العميد فهيم الحاج يتهيأ للذهاب للإجتماع 
إلى العماد عون وصلته اخبار العملية العسكرية التي قام بها الجيش 
السوري على بعبداء فعرف ان مهمته قد انتهت قبل ان تبدا. 


556 


نبذة عن المؤلف 
نبيل المقدم 
- صحافي لبناني من مواليد شملان - قضاء عاليه. 
- اجرى العديد من التحقيقات الهامة في الصحافة الاستقصائية 
في صحف "السفير والاخبار واللواء والبلد' وغيرها. 
- كتب العديد من المقالات والدراسات السياسية في صحف 
"النهار والسفير والاخبار واللواء والديار والبلد والبناء وغيرها 
اضافة إلى عدد من المواقع الالكترونية منها “النشرة والانتقاد 
وليبانون فايلز". 
- اجرى العديد من المقابلات مع شخصيات فكرية وسياسية 
لبنانية في مجلة الكفاح العربي وكذلك مع شخصيات 
فلسطينية في ملحق فلسطين في جريدة "السفير". 
- عمل في المكتب الاعلامي لإحدى الشركات الاقتصادية 
الكبرى في المملكة العربية السعودية . 
- تميز بكتابة البورتريه في صحيفتي "السفير والحوار". حول 
العديد من الشخصيات السياسية والفنية والحرفية في لبنان. 


3 المؤلف. 


البريد الإلكتروني:500120200©010197311.607/أ53 
هاتف: 03755791 


537 


إهداء ااا 0000 070 0 
تمهيد ااا 1[ذ[ذ[1[ 1[ 01 
إشارة ا 0 
مقدمة بقلم: ادمون رزق ا ل ا 2 1 لد 1 1 1 
ابراهيم طنوس الجنرال الذي هزمته معارك السياسيين 113 
رياض رعد: صفحات مطوية من تاريخ ثقيل ام و ع ع 6 177 
احمد الخطيب ظلمه الجيش واضطهدته السياسة 

فمات قبل أن يغادر ل م ال 131 
شارل غسطين مقاتل من كريستال 11 1 000 
أسعد شفتري: رائحة الموت ما زالت ترافقني حتى اليوم 201 
رياض تقي الدين يضيء على احداث وخفايا من زمن الجيش 

اللبناني وكمال جنبلاط 250 
هشام جابر الحاضر في اضواء العسكر وظلال السياسة 317 
فواد أبو ناضر: يحلل كل حروب المسيحيين دف م وم 3593:6458 
نبيل قريطم: اوراق من الصفحات العسكرية والديبلوماسية 275 
عمر مسيكة يروي أسرار الدولة خلال نصف قرن ا 1 415 
عصام نعمان: نصف قرن من النضال في قلب العواصف امع 2435 
جوزف الهاشم... المحارب دائمأ على كل الجبهات 20711 
لطفي جابر العالق بين السادس والثامن من شباط 1 4871 
شريف فياض من البدلة العسكرية إلى العباءة الجنبلاطية. الضابط 
حيثما ذهب اح وا ل ا لاه اق لولم عاك ل ل تف 513246 


انطوان دحداح الذي يمكن الوثوق به ولكن لا يمكن التعامل معه 5535 
'فهيم الحاج".... القائد الذي رفض تولي القيادة 260 


550